الصوم فی الشریعه الاسلامیه الغراآ

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 - ، اقتباس کننده

عنوان و نام پديدآور : الصوم فی الشریعه الاسلامیه الغراآ/ تالیف جعفر السبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1420ق. = - 1378.

شابک : 964-6243-68-1(ج.1) ؛ 964-6243-68-1(ج.1)

يادداشت : عربی

يادداشت : منبع اصلی کتاب حاضر عروه الوثقی نوشته محمدکاظم الیزدی است.

يادداشت : ج. 2 (1421ق. = 1380): 20000 ریال

یادداشت : کتابنامه

موضوع : روزه

موضوع : روزه -- فلسفه

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ق. العروه الوثقی

شناسه افزوده : موسسه امام صادق(ع)

رده بندی کنگره : BP188/1/س 2ص 9 1378

رده بندی دیویی : 297/354

شماره کتابشناسی ملی : م 78-12911

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه الذي فرض الصيام على عباده، تزكية لنفوسهم و تطهيرا لأبدانهم و انكسارا لشهواتهم. فرضه سبحانه عليهم ليذوق الغني مس الجوع و يرق على الضعيف، و يرحم الجائع.

و الصلاة و السلام على أفضل خليقته و خاتم رسله محمد و آله الذين أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

أمّا بعد، فقد رغّب إليّ حضار بحوثي الفقهية- بعد إنهاء البحث من كتاب الخمس- إلقاء محاضرات حول الصوم و أحكامه و مسائله و ما يمت إليه بصلة من أحكام الكفارات و غيرها، فنزلت عند رغبتهم، و ألقيت محاضرات على غرار مباحث كتاب العروة الوثقى للسيد الفقيه الجليل محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدّس سرّه.

فهذه الصحائف تحوي على فذلكة ما ألقيته من محاضرات بعبارات موجزة خالية عن الإطناب الممل و الإيجاز المخل، عسى أن ينتفع بها الإخوة المؤمنون، فما كان به من صواب فمن فضل ربي، و ما كان فيه من خطأ و زلل فمن نفسي، فانّ العصمة للّه و لمن عصمه.

المؤلف

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 7

[الصوم لغة و اصطلاحا و أقسامه]

كتاب الصوم و هو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة. (1)

______________________________

(1) أقسام الصوم و حكم المفطر و المستحل الصوم في اللغة: مطلق الإمساك.

قال ابن منظور فى اللسان: كلّ ممسك عن طعام أو كلام أو سير، فهو صائم.

و قال الفيروزآبادي في القاموس: صام، يصوم، أمسك عن الطعام و الشراب و الكلام و النكاح.

و يؤيد ذلك قوله سبحانه مخاطبا مريم العذراء: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. «1»

فقولها: فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ تفسير ما نذرته من الصوم، أعني: الإمساك عن الكلام في المقام، لا الطعام و الشراب بشهادة انّها أطعمت من الرطب قال

______________________________

(1).

مريم: 26.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 8

..........

______________________________

سبحانه: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسٰاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا. «1»

و في عرف الشرع أو المتشرعة: الكف عن المفطرات مع قصد القربة، كما عرّفه المحقّق في الشرائع.

يلاحظ على التعريف: أوّلا: أنّ المطلوب في النواهي هو نفس عدم صدور الفعل، لا صدور فعل منه كالكف فانّه فعل للنفس، فيرجع النهي عندئذ إلى الأمر.

و ثانيا: أنّ التعريف غير مطّرد لشموله الكف في الليل، و كان عليه أن يزيد في التعريف قوله: من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية، كما عليه العلّامة في الإرشاد. «2»

و الدليل قوله سبحانه: حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ. «3»

و عرّفه العلّامة بقوله: توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النية. «4»

و هذا التعريف سالم عن كلا الإشكالين، و قد ذيّل في كلامه قوله: من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

ثمّ إنّ المراد من توطين النفس على الامتناع هو الأعم، أي سواء كان المقتضي موجودا كما إذا كان المأكول و المشروب في متناوله أو لا، فيكفي كونه عازما على ترك المفطرات وجد أم لم يوجد، كما أنّه تكفي النية الإجمالية على ترك المفطرات و إن لم يعرفها تفصيلا. و لو قلنا باشتراط التفصيل يلزم بطلان صوم كثير من

______________________________

(1). مريم: 25.

(2). مجمع الفائدة و البرهان: 5/ 7، قسم المتن.

(3). البقرة: 187.

(4). إيضاح الفوائد في شرح القواعد: 1/ 219.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 9

و ينقسم إلى: الواجب، و المندوب، و الحرام، و المكروه بمعنى قلّة الثواب.

و الواجب منه ثمانية: صوم شهر رمضان، و صوم القضاء، و صوم الكفّارة على كثرتها، و

صوم بدل الهدي في الحجّ، و صوم النذر و العهد و اليمين، و صوم الإجارة و نحوها كالشروط في ضمن العقد، و صوم الثالث من أيّام الاعتكاف، و صوم الولد الأكبر عن أحد أبويه. و وجوبه في شهر رمضان من ضروريّات الدين، و منكره مرتدّ يجب قتله، و من أفطر فيه- لا مستحلا- عالما عامدا يعزّر بخمسة و عشرين سوطا، فإن عاد عزّر ثانيا، فإن عاد قتل على الأقوى. و إن كان الأحوط قتله في الرابعة. و إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كلّ من

______________________________

الناس، لأنّ أغلب الناس غير واقفين على عامّة المفطرات و أحكامها.

ثمّ إنّ واقع الصوم هو توطين النفس على ترك المفطرات في الفترة الخاصة، فيدخل فيه من أفطر ساهيا لعدم المنافاة بين التوطين و صدور المفطّر سهوا. و إن أبيت إلّا عن دخول «ترك المفطرات» في ماهية الصوم لا مجرد «توطين النفس» فيدخل من أفطر نسيانا في الصوم حكما لا موضوعا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الصوم من أعظم الفرائض، و كفى فيه ما روي عن زرارة بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الولاية. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الصوم جنّة من النار». «1»

ثمّ إنّ المصنّف ذكر في المقام أمورا نشير إليها واحدا بعد آخر.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 1 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 10

المرّتين أو الثلاث و إذا ادّعى شبهة محتملة في حقّه درئ عنه الحدّ. (1)

______________________________

(1) أ. تقسيم الصوم إلى أقسام أربعة ينقسم الصوم إلى: الواجب كصوم شهر

رمضان، و المندوب كصوم عرفة، و الحرام كصوم العيدين، و المكروه كصوم يوم عاشوراء و لا ينقسم إلى المباح، لأنّ العبادة تتقوم برجحان العمل، و المباح ما يكون فيه الطرفان سواء.

كما أنّ الكراهة في العبادات بمعنى كونه أقلّ ثوابا- كالصلاة في الحمام- لا بمعنى وجود منقصة و حزازة في العمل- كما هو الحال في سائر المكروهات- و إلّا فالصوم المكروه لا يصلح للتقرب، لأنّ ما كان مبغوضا للمولى أو تركه راجحا على فعله لا يكون مقرّبا، فلذلك فسّروا الكراهة في العبادة بمعنى كونه أقلّ ثوابا من فرد أو نوع آخر مع رجحانه في ذاته.

ثمّ إنّ المصنّف ذكر للصوم الواجب أقساما ثمانية مع أنّه أكثر من ثمانية، كصوم من نام عن العشاء حتى طلوع الفجر فصيام ذلك اليوم واجب عند جماعة، و الصوم الواجب بأمر الأب أو الجدّ؛ و لعلّه ترك الأوّل لعدم ثبوته عنده، و أمّا الثاني فهو داخل في بعض هذه الأقسام، و أمّا البحث عن أحكام هذه الأقسام فموكول إلى محله.

ب. وجوب الصوم من ضروريات الدين و المراد من الضروريات هي التي لا يكاد تختفي شرعيتها على من تديّن بشريعة الإسلام، و الصلاة و الصوم من هذا القبيل.

و هل إنكار الضروري بنفسه موجب للارتداد، أو لأجل كونه ملازما لإنكار الرسالة؟ و الحقّ هو الثاني، فليس هو سببا مستقلا للكفر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 11

..........

______________________________

نعم، السبب هو وجود الملازمة عند المنكر لا عند المسلمين، فلو أنكر عن شبهة فليس بمرتد. كما هو الحال فيمن نشأ في البلاد النائية عن الإسلام و المسلمين.

و الحاصل: انّ الإنكار إذا كان عند المنكر طريقا لإنكار الرسالة فهو مرتد، و إلّا فلا. و التفصيل في محلّه.

ج.

حكم منكر وجوب الصوم إذا كان وجوب الصوم من الضروريات، فمنكره محكوم بالارتداد، و المرتد يقتل إذا كان الارتداد عن فطرة، و إلّا فيستتاب، فإن لم يتب قتل كما في المرتد عن فطرة. و التفصيل في محله.

و يدل على القتل في خصوص الصوم صحيحة بريد العجلي، قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيّام، قال: «يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال: لا، فإنّ على الإمام أن يقتله، و إن قال: نعم، فإنّ على الإمام أن ينهكه ضربا».

و روى الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب مثله. «1»

د. من أفطر لا مستحلا إذا أفطر في شهر رمضان لا مستحلا، عالما عامدا، ذهب المصنّف إلى أنّه يعزّر بخمسة و عشرين سوطا؛ لخبر المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 12

..........

______________________________

خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا». «1»

و في سند الحديث: علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر؛ و كلاهما لم يوثّقا.

مضافا إلى أنّ الراوي هو المفضّل بن عمر، و قد اختلفت كلمات الرجاليّين في حقّه، و إن كان الحقّ كونه ثقة، و قد أملى الإمام عليه السّلام عليه رسالة مفصلة في التوحيد، و هو كاشف عن جلالة مقامه، و

إلّا لما بذل الإمام عليه السّلام له هذا الجهد الأكيد.

و لكن المحقّق اعتذر عن ضعف السند بأنّ علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإمامية، فيجب العمل بها، و تعلم نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السّلام باشتهارها، و ستوافيك عبارته عند البحث في كفارة الصوم.

و على كلّ تقدير فالرواية واردة في خصوص الجماع، و في غيره يرجع إلى إطلاق رواية العجلي الذي جاء فيه، قوله: «فإنّ على الإمام أن ينهكه ضربا» فيكون موكولا إلى نظره.

ه. قتل المفطر غير المستحلّ في الثالثة إذا عاد المفطر عزّر ثانيا، فإن عاد قتل في الثالثة، و الدليل على ذلك صحيح سماعة، قال: سأله عن رجل أخذ في شهر رمضان و قد أفطر ثلاث مرّات و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات؟ قال: «يقتل في الثالثة». «2»

و المراد برفعه إلى الإمام، هو إجراء الحدّ عليه لا مطلق رفع أمره و إن لم يجر

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك، الحديث 1.

(2). الوسائل: 7، الباب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 13

..........

______________________________

عليه الحد.

و ممّا يدل على القتل في الثالثة صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: «أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة». «1»

و قد احتاط المصنّف بقتله في الرابعة، و ليس له دليل صالح سوى موثقة إسحاق بن عمار في مورد الزنا. 2 و مرسلة الكليني الظاهرة في مورد الخمر 3.

و التفصيل في محلّه.

و في الختام لو ادّعى المفطر الشبهة يقبل قوله، كما إذا قال: لم أكن عالما بالحكم الشرعي، فلا يجري عليه الحدّ، لمرسلة الصدوق عن رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:

«ادرءوا الحدود بالشبهات». 4

و الحديث و إن كان مرسلا لكن الصدوق ينسبه إلى الرسول و يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 18، الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1، 2.

(2) 3. الوسائل: الجزء 18، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 7.

(3) 4. الوسائل: الجزء 18، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 14

[الفصل الأوّل في النيّة]

اشارة

الفصل الأوّل في النيّة يجب في الصوم القصد إليه مع القربة و الإخلاص كسائر العبادات و لا يجب الإخطار، بل يكفي الداعي و يعتبر فيما عدا شهر رمضان حتى الواجب المعيّن أيضا القصد إلى نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النذر مطلقا كان أو مقيّدا بزمان معيّن، من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب، ففي المندوب أيضا يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض، مثلا، أو غيرها من الأيّام المخصوصة، فلا يجزي القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمّته متّحدا أو متعدّدا، ففي صورة الاتّحاد أيضا يعتبر تعيين النوع، و يكفي التعيين الإجماليّ كأن يكون ما في ذمّته واحدا، فيقصد ما في ذمّته و إن لم يعلم أنّه من أيّ نوع، و إن كان يمكنه الاستعلام أيضا، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّدا أيضا يكفي التعيين الإجماليّ، كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلا أو ثانيا أو نحو ذلك. (1)

______________________________

(1) الفصل الأوّل في النيّة يجب في الصوم الإتيان به خالصا لوجه اللّه، و يدل على كونه من العبادات

ارتكاز عامّة المسلمين بل أهل الكتاب الذين كتب عليهم الصيام كما كتب علينا، و يؤيده قوله سبحانه في ذيل الآية: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «1» لأنّ التقوى تأتي

______________________________

(1). البقرة: 183.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 15

..........

______________________________

نتيجة العمل الذي يقوم به الإنسان لوجه اللّه، و إلّا فالعمل النابع عن الهوى لا يورث التقوى.

لا يجب الإخطار بل يكفي الداعي العبادات أعمال اختيارية شرّعت لغايات خاصة، و مثلها لا تنفك عن النية و يكون اشتراط النية- حسب الظاهر- أمرا زائدا، و لكن الذي صار سببا لذكر النية فيها- إمّا ركنا داخلا في جوهر العبادة أو شرطا خارجا عنها كما هو الحقّ- هو انّ النية بالمعنى المتقدم (صدور الفعل عن قصد و إرادة) غير كاف في صحتها بل لا بدّ من إتيان الفعل لوجه اللّه لا لداع آخر و الذي يعبّر عنه بقصد القربة أو قصد الأمر، و عندئذ يقع الكلام فيما هو الواجب في باب النية (بهذا المعنى لا بمعنى القصد و الإرادة)، فهل هي الإخطار بالبال عند الإتيان بالعمل، أو هو الداعي إلى الفعل المركوز في النفس؟

فالنية على المعنى الأوّل من مقولة حديث النفس و من باب التصوّر الفكري، و على الثاني عبارة عن الداعي الذي يحصل منه انبعاث و ميل إلى العمل، فالدواعي المركوزة في نفس المصلّي، إمّا الإذعان بكونه سبحانه أهلا للعبادة، أو الخوف من ناره و الطمع في جنته، و كلّ يدعو الإنسان إلى العمل و يدفعه إلى الامتثال.

و بعبارة أخرى: النية بالمعنى الأوّل عبارة عن العلم التفصيلي بالفعل و غايته، و أكثر من قال بأنّه من قبيل الإخطار يريد انّ المكلّف يخطر بباله: انّه يأتي بالعمل قربة إلى اللّه لتكون النية عبارة

عن العلم التفصيلي بالعمل و غايته.

و أمّا النية بالمعنى الثاني، فليس فيه علم تفصيلي بل علم إجمالي ارتكازي بحيث لو سئل لأجاب بأنّه يصلّي لوجه اللّه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 16

..........

______________________________

إذا عرفت الفرق بين المعنيين فنقول: لا شكّ في أنّ الإخطار بالبال مجز قطعا، إنّما الكلام في كونه واجبا و عدم كفاية الداعي.

و الظاهر كفايته لوجهين:

أ. انّ القيام بالصلاة و الصوم كالقيام بسائر العبادات كقراءة القرآن و الزيارات و الأذكار و غيرها، فلا نجد أحدا يأتي بها بنحو الإخطار بالبال، بل يقتصر فيها بالداعي بحيث لو سئل عن عمله يقول: أقرأ القرآن للّه تبارك و تعالى.

فإذا كانت النية بمعنى الداعي كافية في سائر العبادات فالجميع من باب واحد.

ب. انّ تفسير النية بالإخطار بالبال يستلزم لزوم بقائه في ذهنه غير ذاهل عنه إلى آخر العمل، و هذا يصحّ في العبادات الفعلية كالصلاة فانّ المصلي لا يذهل عمّا نواه في أوّل الصلاة إلى نهايتها، و أمّا العبادات الفاعلية كالصوم و الوقوف في منى و عرفات فربما يكون الإنسان ذاهلا، كالنائم في صوم رمضان و في أوقات الوقوف بمنى و عرفات، فتلزم صحة العمل بلا نية، و هذا بخلاف ما فسرنا النية بالداعي المركوز في ذهنه فهو موجود في ذهن الصائم و الواقف في الموقفين سواء كان مستيقظا أو نائما، متوجها أو ذاهلا، إذ كلّما سئل عن العمل و علته لأجاب بأنّه قام به لإنجاز التكليف و هذا الأمر الموجود المركوز في الذهن هي النية اللازمة في العبادات الفعلية و الفاعلية من أوّل العمل إلى نهايته.

اعتبار قصد النوع لا شكّ انّ الصوم على أنواع مختلفة، فقد يكون واجبا، كصوم شهر رمضان أو صوم كفّارة أو

صوم قضاء أو صوم نذر يوم خاص.

و مثله صوم اليوم المندوب، فقد يكون مندوبا على وجه الإطلاق، و قد يكون

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 17

..........

______________________________

في يوم معين كصوم الأيّام البيض.

فهل يكفي قصد مطلق الصوم من دون قصد النوع من كونه من رمضان أو صوم قضاء أو صوم كفارة أو لا؟

ذهب المحقّق في الشرائع إلى التفصيل و قال: و يكفي في رمضان أن ينوي انّه يصوم متقربا إلى اللّه، و هل يكفي ذلك في النذر المعيّن، قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الأشبه، و لا بدّ فيما عداهما من نية التعيين، و هو القصد إلى الصوم المخصوص، فلو اقتصر على نية القربة و ذهل عن تعيينه لم يصح. «1»

و على ذلك فالمحقّق يفصّل بين شهر رمضان فلا يعتبر فيه قصد النوع، و بين صوم القضاء و الكفارة فيعتبر فيهما نية النوع، و يتردّد في النذر المعين و يميل إلى أنّه يصوم بعنوان انّه صوم نذر.

و قد نقل عن العلّامة و غيره أقوال و نظريات لا حاجة إلى ذكرها، لأنّ المسألة من المسائل المستنبطة و التفريعية و ليست من المسائل المنصوصة و المتلقاة عن الأئمة، فلكلّ نظره و دليله، فنقول: يقع الكلام في مقامات:

الأوّل: إذا كان عليه أنواع من الصوم بلا تقيد بزمان إذا كان عليه أنواع من الصوم، كالكفارة و القضاء و النذر المطلق (إذا نذر أن يصوم يوما) فأراد أن يصوم لإبراء ذمته مما اشتغلت به ذمته، فهل يجب عليه تعيين النوع بكونه صوم كفارة أو صوم قضاء أو صوم نذر أو لا؟

و بعبارة أخرى: إذا وجب عليه صوم ثلاثة أيّام، للكفارة و القضاء و النذر، فهل يكفي صوم ثلاثة

أيام له سبحانه من دون أن ينوي صوم كلّ نوع أو لا يكفي؟ وجهان:

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 139.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

1. انّ الواجب عليه الصوم الكلي المشترك بين أفراده، فإذا صام ثلاثة أيام، فقد قام بواجبه، مثل ما إذا كان لزيد على عمرو دراهم ثلاثة لكلّ درهم سبب خاص من قرض أو ضمان أو نذر، فدفع إليه دراهم ثلاثة في فترات متباعدة، فتبرأ ذمّته من دون أن يقصد في كلّ إعطاء سببا خاصا.

2. لا يكفي، لأنّ الواجب ليس هو الصوم الكلي في ضمن أفراد، بل الواجب الصوم الخاص المعنون بأحد هذه العناوين الماضية.

و الحقّ هو الثاني، و انّ الواجب ليس مطلق الصوم، بل الصوم المعنون بأحد هذه العناوين، و يمكن إثباته بالوجهين التاليين:

الأوّل: ما سلكه سيّد مشايخنا المحقّق البروجرديّ في تعليقته الشريفة و نوّه به أيضا في درسه الشريف، و هو أنّه يجب قصد العناوين المأخوذة في موضوعات التكاليف و متعلّقات الأمر، إذا كان الأمر تعبديا كالقضاء و الكفّارة و النذر و إن لم يجب التعرض لسائر خصوصيات التكليف من كونه واجبا أو ندبا، و على ذلك فليس الواجب مطلق الصوم بل المعنون بواحد من هذه العناوين، فلو قصد مطلق الصوم لا يحسب لواحد منها و لا يسقط الأمر.

أقول: إنّ هذا الدليل متين لو ثبت انّ هذه العناوين، عناوين تقييدية لا تعليلية، فقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كفّر» في مقابل كلام الأعرابي حيث قال: «هلكت و أهلكت، و واقعت أهلي في شهر رمضان» يحتمل الأمرين.

كما يحتمل أن يكون موضوعا للحكم كالصلاة و الغصب، يحتمل أن يكون علّة للحكم أي يجب الصيام للتكفير و قضاء ما فات.

اللّهمّ إلّا أن

يدّعي ظهورها في كونها عناوين تقييدية، كما هو ليس ببعيد.

فإن قلت: إنّ ذلك يتمّ في عنوان القضاء، و أمّا عنوان الأداء فما الدليل على لزوم قصده مع عدم وقوعه تحت الأمر كالقضاء؟

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 19

..........

______________________________

قلت: نعم هو أيضا واقع تحت الأمر، و ذلك لأنّ المكلّف مأمور بإتيان الأجزاء و القيود في الوقت، فإتيانها فيه من القيود فيلزم قصده في ضمن قصد العنوان المشتمل على جميع الأجزاء و القيود و لو بعنوان إجمالي. اللّهمّ إلّا أن يقال:

انّ الواجب هو الإتيان بالأجزاء و القيود في الوقت، و إن لم يلتفت إلى أنّ الإتيان في الوقت، لا قصد الإتيان بها فيه، و لكنّه كما ترى مخالف لارتكاز المتشرعة.

الثاني: ما سلكه العلمان الحكيم و الخوئي- قدّس اللّه سرّهما- و هو استكشاف اختلاف الطبائع من اختلاف الآثار، أي أنّ طبيعة صوم القضاء غير طبيعة صوم الكفارة، و طبيعتهما غير طبيعة صوم النذر، و إنّما يستكشف اختلاف الطبائع من اختلاف آثارها. كما هو الحال في غير هذا المورد، فطبيعة صلاة الظهر غير طبيعة صلاة العصر، بشهادة اختلاف آثارهما حيث يجب تقديم الأولى على الثانية، و لو نواها يجب العدول إلى الأولى، مثل اختلاف صلاتي الفجر و نافلتها، فيجوز تقديم النافلة على الفجر دون صلاة الفجر، كما لا يجوز تأخيرها عن الحمرة المشرقية بخلاف صلاة الفجر، و بذلك يستكشف انّ هاهنا موضوعات مختلفة لها آثار كذلك و ليس ما به الاختلاف في الموضوع إلّا قصد عنوان الظهر و العصر و الفجر و النافلة.

و أمّا اختلاف الآثار في المقام، فانّ القضاء يسقط إذا استمر المرض إلى شهر رمضان الآتي بخلاف الكفّارة فلا تسقط، كما أنّ لصوم الكفارة بدلا

و ليس لصوم القضاء بدل، و بذلك يستكشف اختلاف الموضوع و ليس له مصدر إلّا أخذ هذه العناوين فيها مع قصدها.

أضف إلى ذلك استمرار سيرة المسلمين و ارتكازهم على لزوم القصد.

و الحاصل: انّ الصوم في عامة الموارد عمل واحد، و هو توطين النفس على ترك المفطرات، غير انّ اختلاف الأثر في أنواع ذلك العمل الواحد يقتضي أخذ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 20

..........

______________________________

عنوان في كلّ نوع ليتميز به عن غيره، و عندئذ يكون موضوعا للأثر الخاص و ليس هو إلّا عنوان القضاء أو الكفّارة، فيكون الواجب هو الصوم المقيد بأحدهما و لا يسقط إلّا بالإتيان بالقيد.

فإن قلت: إنّ صوم الصبي يختلف حكما مع صوم البالغ و الأثر متعدّد و لكن الطبيعة واحدة.

قلت: إنّ الاختلاف في الأثر إنّما يكشف عن تعدّد الموضوع إذا كان اختلاف الأثر راجعا إلى الموضوع لا إلى المكلّف، فالصوم قضاء يختلف حكمه عن الصوم كفارة، و أمّا اختلاف صوم الصبي مع صوم البالغ فيرجع اختلافهما إلى الاختلاف في المكلّف لا في الموضوع، أعني: الصوم، حيث يجب على البالغ دون الصبي، ففي مثله لا مانع من أن يكون الموضوع نوعا واحدا، و الحكم مختلفا، واجبا على المكلّف، و مستحبا على غيره.

حكم صورة الشك ثمّ إذا شككنا في شرطية قصد العنوان و عدمه، فهل المرجع هو البراءة بحجّة انّ الشك في شرطية قصد النوع في المتعلّق فيكون في باب الشكّ بين الأقل و الأكثر، أو الاشتغال بحجّة انّ مرجع الشكّ يعود إلى كيفية إطاعة الأمر المتحقّق؟

و أنّ الأمر هل يسقط بمجرّد الإتيان بلا إشارة إلى النوع، أو لا يسقط إلّا بقصد النوع؟ و الثاني هو المتعين.

الثاني: إذا كان عليه صوم زمان

معين إذا نذر المكلّف أن يصوم أوّل خميس من شهر رجب، فهل يكفي مطلق الصوم و إن لم يقصد نوعه، أو لا يكفي و لا بدّ من قصد نوعه؟ تظهر الثمرة فيما إذا نذر صوم يوم معيّن ثمّ ذهل و صام ذلك اليوم بلا تعيين نوعه و التفات إلى نذره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 21

..........

______________________________

قال الشيخ: يفتقر لأنّه زمان لم يعيّنه الشرع في الأصل للصوم، فافتقر إلى التعيين، و قيل لا يفتقر لأنّ الشرع و إن لم يعيّن زمانه في الأصل فقد تعيّن بالنذر، و كما لا يفتقر رمضان إلى نية التعيين لتعيّن زمانه هكذا النذر. «1»

الظاهر كفايته، لأنّ محلّ الكلام فيما إذا لم يتعلّق بذمته صوم قضاء أو كفارة بناء على عدم صحّة نذر التطوع لمن عليه شي ء من الفرض كما سيوافيك، و إلّا فيدخل في المسألة السابقة. و عندئذ يصحّ و إن لم ينو العنوان. لأنّ الزمان لا يصلح إلّا للصوم المقدور و يعدّ الزمان من مشخصاته. نعم لو فاته صوم فرض بعد تعلّق النذر، يلزم عليه تعيين العنوان للوجه المتقدم.

فإن قلت: كيف يصحّ و يجزي عن الواجب، مع أنّ اليوم صالح لإطاعة أمرين: أحدهما: الأمر الاستحبابي المتعلّق بصوم كلّ يوم، و الثاني: الأمر النذري المتعلّق بصيام ذلك اليوم، و مع تعدّد الأمرين و إمكان امتثالهما كيف يجزي عن الواجب؟

قلت: يكفي قصد الأمر الاستحبابي، و لا يجب قصد الأمر النذري.

توضيحه: انّه يشترط في صحّة النذر، رجحان متعلّقه، و بما انّ صوم كلّ يوم مستحب- عدا العيدين- صار المتعلّق راجحا، و بذلك صحّ نذر صومه، و على ذلك فالعمل بما هو هو، مستحب، و بما انّه مصداق الوفاء بالنذر واجب بالعرض،

و الأمر الأوّل، تعبدي يجب قصده و المفروض قصده حيث قصد صيام الغد الملازم لقصد امتثال أمره، و الأمر الثاني توصلي لا يجب قصده، فتكون النتيجة انّ امتثال صوم الغد الملازم لامتثال أمره إجمالا كاف، و إن لم يقصد الأمر النذري و ما هذا إلّا لأنّه لم يقصد بالنذر إلّا امتثال ذلك الأمر الاستحبابي و المفروض أنّه قصده، و ما لم يقصده، لا يجب قصده.

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 189.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 22

..........

______________________________

و ما ربما يقال: بأنّ التعيّن الواقعي لا يكفي في انطباق ما في الذمة من حقّ الغير عليه «1» غير تام، و ذلك لأنّ الانطباق أمر قهري، و المفروض انّ الزمان لا يصلح إلّا لهذا النوع من الصوم و ليس لهذا الصوم النذري واقع سوى الإتيان به بالأمر الندبي المتعلّق به، و المفروض أنّه أتاه بنفس ذلك الأمر، فلا يبقى وجه لعدم الصحّة.

و هذا نظير ما إذا كان لزيد في ذمّة عمرو دينار، فدفع الثاني إليه الدينار ذاهلا عن كلّ عنوان، فإنّه كاف في براءة ذمّته.

و ربما يقال بأنّه يجب لزوم قصد النوع في النذر، لأنّ النذر يستلزم كون الفعل المنذور ملكا للّه سبحانه على المكلّف كما هو الظاهر، و يقتضيه مفهوم صيغة النذر، و تسليم ما في الذمة يتوقف على قصد المصداقية و لولاه لما تعيّن الخارج بذلك كما في سائر موارد ما في الذمة من الديون المالية عينا كان أو فعلا. «2»

يلاحظ عليه: بالإشكال في المشبّه و المشبه به.

أمّا الأوّل، فلأنّ مفاد صيغة النذر وضع تكليف على ذمّته لوجه اللّه لا تمليك شي ء للّه سبحانه في ذمّته.

و أمّا الثاني، فلأنّ عدم الكفاية أوّل الكلام، لأنّ الدائن لم يكن

يملك على ذمة المديون إلّا دينارا، و قد ملّكه المديون و ملكه الدائن و إن لم يقصد العنوان.

الثالث: تعيين نوع المندوب هل يعتبر تعيين النوع المندوب؟ اختار المصنّف لزومه قائلا بأنّه يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض أو غيرها من الأيّام المخصوصة، فلا يجزي القصد

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 199.

(2). المستمسك: 8/ 198.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 23

[تعيين نوع المندوب و حكم شهر رمضان]

و أمّا في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم و إن لم ينو كونه من رمضان، بل لو نوى فيه غيره جاهلا أو ناسيا له أجزأ عنه، نعم إذا كان عالما به و قصد غيره لم يجزه، كما لا يجزي لما قصده أيضا بل إذا قصد غيره عالما به مع تخيّل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة و جدّد نيّته قبل الزوال لم يجزه أيضا بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحّة غيره فيه و إن لم يقصد الغير أيضا، بل قصد الصوم في الغد مثلا فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان كما أنّ الأحوط في المتوخّي أي المحبوس الّذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظنّ أيضا ذلك، أي اعتبار قصد كونه من رمضان، بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة. (1)

______________________________

إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع، و لكن الظاهر عدم لزومه، لأنّ مفاد الأمر بصوم أيّام البيض في رواية الزهري عن علي بن الحسين «1» هو أن يصوم تلك الأيام للّه و المفروض انّه قد صام بهذه النيّة.

و أمّا لزوم صومها بعنوان أيّام البيض فلم يدل عليه دليل.

و إن شئت قلت: إنّ الزمان يعدّ من مشخصات صوم ذلك اليوم، فقد صام أيام البيض قاصدا للّه و

ليس وراء ذلك مطلوب حتى يقصد.

و بعبارة واضحة: انّ المطلوب صوم أيّام البيض بالحمل الشائع الصناعي و قد صامها لا صومها بعنوان الحمل الأوّلي.

(1) الرابع: حكم شهر رمضان قد اتضح ممّا ذكرنا لزوم قصد العنوان فيما إذا كان الزمان صالحا لأزيد من

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 24

..........

______________________________

نوع واحد و عدم لزومه فيما إذا لم يصلح إلّا لنوع واحد، و لذلك قلنا بعدم لزوم قصد النوع في المنذر و المندوب المعيّنين، و عندئذ يقع الكلام في حكم صوم شهر رمضان، فهل يكفي في صحّة صوم شهر رمضان قصد الصوم و إن لم يقصد كونه من رمضان؟ هناك صور ذكرها المصنّف و نحن نقتفيه.

الأولى: إذا نوى صوم الغد لوجه اللّه إذا نوى في شهر رمضان صوم الغد متقربا إلى اللّه، كفى من غير حاجة إلى التعرّض بكونه من ذلك الشهر و ذلك ببيانين:

1. انّ الزمان يعيّن نوع الصوم و المفروض انّه قصد صوم ذلك الزمان فينطبق قهرا على صوم شهر رمضان، فما هو الواجب هو قصد صوم الغد و أمره و قد حصل. و أمّا ما لم يحصل و هو قصد كونه صوم شهر رمضان فليس واجبا.

2. انّ الواجب هو صوم شهر رمضان مجرّدا عن قصد صوم نوع آخر كالكفارة و القضاء على نحو السلب التحصيلي لا السلب المعدولي، و المفروض انّه إذا صام يوم الغد و لم يضمّ عنوانا آخر فقد تحقق الواجب مع السلب التحصيلي.

و امّا قصد كونه من شهر رمضان فلم يدل عليه دليل، قال سبحانه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1» و المفروض انّه صام الشهر بالحمل الشائع الصناعي

و إن لم يصمه بالحمل الأوّلي الذاتي.

و بذلك يظهر النظر فيما ذكره المصنف في آخر المسألة: الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحّة غيره و إن لم يقصد الغير بل قصد الصوم في الغد فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان.

______________________________

(1). البقرة: 185.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 25

..........

______________________________

الثانية: لو نوى فيه غيره جاهلا أو ناسيا له إذا نوى صوم غير شهر رمضان مع كونه جاهلا أو ناسيا. «1»

إنّ الجهل و النسيان تارة يتعلّق بالموضوع كأن يجهل انّ الغد شهر رمضان أو ينسى انّه منه، و أخرى بالحكم كأن يجهل عدم صحّة غير صوم رمضان فيه، أو نسي لكن مع العلم بالموضوع.

و الظاهر من المحقّق الحلّي انّ محط البحث هو الأوّل، و لكن الظاهر من المحقّق الخوئي انّ محطّه هو الثاني و إن أشار في ثنايا كلامه إلى صورة نسيان الموضوع و الظاهر من المصنّف في المسألة السادسة هو الأعم.

قال المحقّق: إذا نوى الحاضر في شهر رمضان، غيره من الصيام، مع جهالته بالشهر، وقع عن رمضان لا غير، و قيل: لا يجزي مع العلم، لأنّه لم يطلق فيصرف إلى صوم ذلك الزمان، و صرف الصوم إلى غيره لا يصحّ، فلا يجزي عن أحدهما، و الأوّل أولى، لأنّ النيّة المشترطة حاصلة، و هي نية القربة، و ما زاد لغو لا عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، فيجزي عنه. «2»

و قال في المدارك في تفسير عبارة المحقّق: و إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الجاهل بالشهر و العالم به، و بهذا التعميم قطع في المعتبر. «3»

ثم إنّ البحث فيما إذا كان مكلفا بصيام شهر رمضان و صام فيه غيره، دون

______________________________

(1). البحث

في المقام مركز على ما إذا كان مكلّفا بالصوم، و مع ذلك صام عن غيره فلا يقع عن غيره- بكلمة واحدة- و أمّا وقوعه عن رمضان ففيه التفصيل بين العلم و الجهل، و أمّا البحث في المسألة السادسة فالواجب تخصيصها بما إذا لم يكن مكلفا بصوم رمضان كالمسافر فيقع الكلام في وقوعه عن غيره أو لا، و ليس هناك موضوع للتفصيل بين العلم و الجهل كما لا يخفى.

(2). المعتبر: 2/ 645.

(3). المدارك: 6/ 31.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 26

..........

______________________________

ما إذا لم يكن مكلفا فيه لكونه مسافرا ... و يأتي الكلام فيه في المسألة السادسة فلاحظ، و كان على الماتن التصريح بذلك، و تخصيص المسألة السادسة بما إذا لم يكن مكلّفا. و على أيّ تقدير فسواء أ كان محور البحث هو الجهل و النسيان المتعلقين بالموضوع أو بالحكم أي حرمة نية صوم الغير في هذا اليوم، أو كان أعمّ ففي المسألة قولان:

الأوّل: عدم الإجزاء عن شهر رمضان، و ذلك لأنّ ما نواه لم يكن مشروعا و ما كان مشروعا فلم ينوه فكيف يسقط به الأمر.

و إن شئت قلت: الواجب هو صوم الغد مجرّدا عن نيّة غيره بالسلب التحصيلي و المفروض عدم حصوله.

الثاني: انّ المقام من قبيل الخطأ في التطبيق كيف و الصائم بما هو رجل مسلم ينوي بصفاء ذهنه الأمر المنجّز عليه. ثمّ ربما يعتقد لأجل الجهل و النسيان، أنّ الواجب هو صوم القضاء إذا تعلق الجهل و النسيان بالموضوع أو يعتقد عن جهل و نسيان بصحّة صوم غير رمضان فيه إذا تعلّقا بالحكم، و قصد مثل هذا الأمر في الحقيقة، عنوان مشير إلى قصد الأمر الواقعي و إن كان خاطئا في الاعتقاد.

و

بذلك يندفع ما ربما يقال من «انّ الواجب صوم رمضان المتقيّد بعنوان عدمي و هو غير متحقق في المقام». و ذلك لأنّه و إن قصد صوم غيره حسب الظاهر لكنّه في بدء الأمر قاصد لامتثال الأمر الواقعي و هو صوم شهر رمضان ففي مثل ذلك لا ينافي نية غيره، لأنّه صوريّ و الأمر الجدّي غيره.

و هذا مثل ما لو قال: بعت هذا الفرس العربي مشيرا إلى ما تحت يده و كان غنما لا فرسا.

و يؤيد ذلك ما ورد من الروايات في أنّ من صام آخر شعبان بنية انّه من شعبان ثمّ تبيّن انّه من رمضان صحّ صومه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

روى سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أ فأقضيه؟ قال: «لا، و هو يوم وفّقت له». «1»

روى بشير النبال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن صوم يوم الشك، فقال: «صمه فإن يكن من شعبان كان تطوعا، و إن يكن من شهر رمضان، فيوم وفّقت له». 2

و مورد الروايات و إن كان الجهل بالموضوع لكن العرف يساعد على إلغاء الخصوصية، فيعمّ صورة النسيان و لا يرى للجهل هناك خصوصية، لأنّ الكلّ من أقسام الجهل غير انّ أحدهما غير مسبوق بالعلم و الآخر مسبوق به.

الثالثة: إذا كان عالما به و قصد غيره إذا كان عالما بأنّ الغد شهر رمضان فنوى غيره، هذا إذا فسرنا العلم بالعلم بالموضوع، و أمّا إذا عمّمناه إلى العلم بالحكم و هو العلم بعدم صحّة غيره فيشكل فرض المسألة، إذ كيف يقوم المسلم بصوم الغد بعنوان القضاء مع أنّه يعلم بأنّه لا يصحّ

الصوم إلّا لرمضان إلّا إذا كان مبدعا أو غير ذلك.

فالحقّ هو البطلان لما سبق من أنّ الواجب هو صوم يوم الغد مجرّدا عن نيّة صوم غيره بالسلب التحصيلي و قد انقلب السلب إلى الإيجاب و قصد صوم غيره، فالمنويّ غير واجب، و لا مشروع، و الواجب و المشروع غير منوي.

و ذهب المحقّق الهمداني قدّس سرّه إلى الصحّة و قال: إنّ صوم رمضان- بعد فرض أنّه لا يعتبر في حقيقته عدا الإمساك في هذا الوقت تقربا إلى اللّه- ليس مغايرا لما نواه، بل هو عينه، و لكنّه لم يقصده بهذا الوجه، و المفروض عدم مدخلية هذا القصد في صحته، و إلّا يلزم عدم صحّة الصوم في الصورتين التاليتين:

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 2 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 28

..........

______________________________

الصورة الأولى: إذا قصد جنس الصوم قربة إلى اللّه من غير التفات إلى خصوص نوعه.

الصورة الثانية: إذا قصد غيره مع الجهل بكون الغد من رمضان مع أنّ الخصم معترف بالصحّة فيهما. «1»

يلاحظ عليه: أنّ البطلان ليس لأجل انّه لم يقصد كونه من رمضان حتى يستلزم البطلان في الصورتين المزبورتين، بل البطلان مستند إلى المانع و هو انّه قصد غيره كالقضاء أو الكفارة، و بذلك فقد الواجب شرطه الذي عبّرنا عنه بالسلب التحصيلي.

و بذلك يظهر الفرق بين المقام و الصورتين الماضيتين خصوصا الصورة الأولى، أي ما إذا نوى صوم الغد دون أن يعنونه بعنوان خاص.

و بذلك تبيّن انّه لا يجزي عن رمضان و لا لما قصده. إمّا لأنّه منهي عنه و هو فيما إذا كان عالما بالحكم، أو أنّه ليس بمأمور به و لا واجد للملاك إذا

كان عالما بالموضوع دون الحكم.

و منه يتضح الفرق بين المقام و الصورة الثانية، فانّ الجهل هناك مصحّح لتمشي قصد القربة بخلاف المقام.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدّس سرّه حاول أن يثبت صحّة الصوم و إجزاءه عمّا نوى عن طريق الترتّب بأن يكون الأمر بأحدهما مطلقا و بالآخر على تقدير ترك الأوّل، فيأمر أوّلا بصوم رمضان ثمّ يأمر على فرض تركه بصوم القضاء و بما انّ هذا أمر ممكن و إمكانه يساوق وقوعه، فامّا النهي فبما انّه غيري لا يقتضي الفساد بوجه. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ النهي في المقام ليس نهيا غيريا بل هو نهي مولوي نفسي لحرمة صوم القضاء في شهر رمضان خصوصا إذا كان عالما بالحكم، و أمّا إذا كان

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 14/ 334 بتصرّف.

(2). مستند العروة: 24.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 29

..........

______________________________

عالما بالموضوع فقد عرفت انّ البطلان يستند إلى عدم الأمر أوّلا، و عدم الملاك ثانيا، و لعدم العلم بوجود الملاك للصوم القضائي في شهر رمضان و هذا بخلاف إزالة النجاسة عن المسجد و الصلاة فيه، فانّ الصلاة فيه مع وجود النجاسة ليست حراما بالذات بل حرام غيري على القول بأنّ ترك الصلاة مقدمة لفعل الإزالة.

الرابعة: إذا قصد غيره عالما به مع تخيّل صحّة الغير فيه المقصود انّه إذا كان عالما بكون الغد من شهر رمضان لكن يتخيل انّه يصحّ فيه صوم غيره، فصام بتلك النية لكن علم بعدم الصحّة في أثناء النهار قبل الزوال فقال الماتن: لم يجز.

و ذلك لاختصاص دليل الاجتزاء بالنية قبل الزوال بغير المقام، فانّ محط الروايات فيما إذا لم ينو الصوم فإذا ارتفع النهار نوى أن يصوم.

روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام

في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار، في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: «نعم ليصمه و ليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا». «1»

الخامسة: صوم المحبوس قال الماتن: إنّ الأحوط في المتوخّي- أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظن- اعتبار قصد كونه من رمضان بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوة.

لا شكّ انّ مقتضى القاعدة هو صيام جميع الأيام لتحصيل الإطاعة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 30

..........

______________________________

القطعية، لكنّه- مضافا إلى أنّه موجب للحرج المنفي- موجب لدوران الأمر بين المحذورين إذ كلّ يوم كما يحتمل كونه من رمضان، يحتمل كونه من العيدين.

و لذلك قالوا، يعمل بالظن، فيختار شهرا للصيام.

و عندئذ يقع الكلام في لزوم قصد كونه من رمضان إذا تحرّى و حصل له الظن، أو احتمل كونه من رمضان، أو لا وجهان:

1. انّ ما ظنّ أو احتمل، يكون بالنسبة إليه شهر رمضان، فقد عرفت أنّه لا يشترط فيه قصد عنوان الشهر فيما إذا أيقن بكونه من رمضان، بل يكفي قصد صوم الغد فكيف إذا ظنّ أو احتمل.

2. يجب قصد عنوانه، للفرق الواضح بين المقامين، لأنّه فيما إذا كان اليوم متعيّنا عند الصائم فانّه من شهر رمضان و كان الزمان غير صالح لصوم غيره، ففي مثله إذا قصد صوم الغد مشيرا إلى امتثال أمره ينطبق على الأمر الوارد في قوله:

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، و أمّا المقام فلمّا صار كونه من شهر رمضان بتعبد من الشارع و افتراض، فعليه أن يقصد شهر رمضان حتى

يتعنون بكونه رمضان و يقتصر به، و إلّا يكون نسبة رمضان إليه و إلى غيره سواسية.

و للسيد المحقّق الخوئي قدّس سرّه بيان آخر في المقام بأنّ أمر الغد دائر بين كونه من غير رمضان، أو منه، أو بعده. فعلى الأوّل يكون تطوعا، و على الثاني يكون أداء، و على الثالث قضاء. و لأجل ذلك لا بدّ من تعيين كونه من رمضان ليحسب منه إمّا أداء أو قضاء، و إلّا فلو لم يعين و قصد طبيعيّ الصوم لم يقع عنه بل يقع نافلة و تطوعا. «1»

يلاحظ عليه: أنّه إذا دار أمر الغد بين الأمور الثلاثة فكيف يجب عليه قصد صوم رمضان مع أنّ من المحتملات انّه قبل رمضان. و الأولى في تقرير الوجوب ما ذكرناه.

______________________________

(1). مستند العروة: 27.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 31

[المسألة 1: لا يشترط التعرّض للأداء و القضاء و لا الوجوب و الندب و لا سائر الأوصاف الشخصيّة]

المسألة 1: لا يشترط التعرّض للأداء و القضاء و لا الوجوب و الندب و لا سائر الأوصاف الشخصيّة، بل لو نوى شيئا منها في محلّ الآخر صحّ إلّا إذا كان منافيا للتعيين.

1. مثلا إذا تعلّق به الأمر الأدائيّ فتخيّل كونه قضائيّا فإن قصد الأمر الفعليّ المتعلّق به و اشتبه في التطبيق فقصده قضاء صحّ.

2. و أمّا إذا لم يقصد الأمر الفعليّ بل قصد الأمر القضائيّ بطل، لأنّه مناف للتعيين حينئذ.

3. و كذا يبطل إذا كان مغيّرا للنوع كما إذا قصد الأمر الفعليّ لكن بقيد كونه قضائيّا مثلا. أو بقيد كونه وجوبيّا مثلا فبان كونه أدائيّا أو كونه ندبيّا، فإنّه حينئذ مغيّر للنوع و يرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع أشير إليها في المتن بأرقام رياضيّة، نتناولها بالبحث.

أمّا الأوّل، فبما انّه قصد الأمر الفعلي أداء كان أو

قضاء لكن تخيل انّه أمر قضائي يصح صومه، لأنّه لا يشترط في صحّة العمل سوى الإتيان به بأمره الواقعي، و أمّا قصده الأمر القضائي فلمّا كان من باب الخطأ في التطبيق لا يضرّ بقصده الأمر الواقعي.

نعم على القول بشرطية قصد عنواني الأداء و القضاء اللّذين يعدّان من خصوصيات المأمور به يشكل الحكم بالصحّة كما عليه السيد البروجردي في تعليقته و قد عرفت أنّه موضع تردّد، لاحتمال كونها من العناوين التعليليّة، و لو قلنا بلزوم قصدها فيما كان عليه صوم أداء و قضاء، فلأجل تميز المأمور به بعضه عن بعض، فلو لم يكن عليه قضاء لا تجب عليه نية الأداء، و لو قيل بوجوبه تكفي النية

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 32

[المسألة 2: إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صحّ]

المسألة 2: إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صحّ و كذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفّارة أو غيرها فبان الثاني مثلا أو العكس، و كذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحاليّة

______________________________

الإجمالية حيث إنّ الأمر الفعلي، المتعلّق بالصوم الأدائي، يلازم نية الأداء إجمالا.

و لعلّ هذا المقدار من نيّة الأداء كاف في الصحّة.

و أمّا الثاني، فقد حكم الماتن ببطلانه معلّلا بأنّه مناف للتعيين حينئذ و الأولى أن يعلّله بأنّه مناف لقصد الأمر الواقعي، فما قصده امتثاله، لم يؤمر به، و ما أمر به من الأمر الأدائي لم يقصده، و قد أشار إلى ما ذكرنا من وجه البطلان في ذيل الفرع الثالث.

و أمّا الثالث، أي قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائيا بحيث لو لا الأمر القضائي، لما قصد غيره فتبين الخلاف و انّ الأمر كان أدائيا. أو قصد الأمر الفعلي بقيد انّه

وجوبي فبان انّه ندبي، بحيث لو لا كونه وجوبيا، لما صام و لما قصده، فقد حكم الماتن بالبطلان، بحجّة انّه مغيّر للنوع، فالقصد الحقيقي تعلّق بالقضاء، و الواجب عليه نوع آخر و هو الأداء، كما أنّه تعلّق بالصوم الواجب، و ما عليه، هو الصوم المندوب ثمّ فسّره بأنّه يرجع إلى عدم قصد الأمر الخاص.

و قد عرفت انّه المتعيّن، فإن تغيّر النوع من آثار عدم قصد الأمر الواقعي، و قصد الأمر الخيالي جدا.

و بذلك يظهر انّ سبب البطلان في موارد اختلال النيّة هو عدم قصد الأمر الواقعي، و أمّا كونه مغيّرا للنوع فهو راجع إليه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 33

فبان أنّه قضاء رمضان السنة السابقة و بالعكس. (1)

______________________________

(1) لا شكّ انّ هذه الخصوصيات ليست دخيلة لا في الأمر و لا في المأمور به، و ليست قصدها واجبة و لا مستحبة، و إنّما الكلام في كون قصد خلافها مضرّة أو لا، و احتمال الصحّة و الفساد مبنيّان على كون المقام من قبيل الخطأ في التطبيق، أو من قبيل تقييد الامتثال.

فعلى الأوّل يصحّ الصوم كما هو المطّرد في باب النيّة، فانّ المسلم بصدد امتثال الأمر الفعلي لينال الثواب، أو يبتعد عن العقاب غاية الأمر يتصور انّ اليوم، هو اليوم الثاني، أو العكس من شهر رمضان أو من صوم الكفارة فينوي صوم اليوم الثاني، بحيث لو وقف على خطئه، لعدل عن نيّته.

و على الثاني تشكل الصحّة، لأنّ الامتثال مقيد بما ليس بمتحقّق، بحيث لو وقف على خطئه، لما صام و لما امتثل الأمر الإلهي، فيكون من قبيل عدم قصد الأمر الواقعي.

هذا إذا كان عليه قضاء يوم، و أمّا إذا كان عليه قضاء يومين: يوم من هذه

السنة، و يوم من السنة السابقة، فلو صام بلا تعيين، فهل يحسب من السابقة، أو من الحالية؟ تظهر الثمرة انّه لو وقع من السابقة و افترضنا انّه لم يقض صوم السنة الحالية، تجب عليه كفارة التأخير، بخلاف ما لو وقع من اللاحقة، إذ لا تتعلق به كفارته.

الظاهر أن يقال- تبعا لبعض الأعلام- انّه يقع عمّا هو أخفّ مئونة و هو قضاء السنة السابقة، دون الأكثر مئونة، و هو قضاء السنة الجارية، لأنّ الوقوع عنها يتوقف على خصوصية زائدة مؤثرة في سقوط كفارة التأخير و المفروض انّه لم يقصدها.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 34

[المسألة 3: لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل]

المسألة 3: لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى. (1)

[المسألة 4: لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات، و لكن تخيّل أنّ المفطر الفلانيّ ليس بمفطر]

المسألة 4: لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات، و لكن تخيّل أنّ المفطر الفلانيّ ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه. و كذا إن لم يرتكبه و لكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه. و أمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الأقوى. (2)

______________________________

(1) إذا نوى الإمساك عن عشرين أمرا يعلم بدخول جميع المفطرات فيها كفى، لوجود النيّة عن الإمساك عن المفطرات و إن لم يعرفها بعينها. نظير تروك الإحرام.

و بعبارة أخرى: الواجب، الإمساك عن المفطّرات الواقعية لأمره سبحانه، متقرّبا به دون التقرب بإمساك الجميع بل إمساكه مقدمة لتحقق ما هو الواجب و هو الإمساك عن المفطرات الواقعية، نعم لو تقرب بإمساك الجميع يكون مصداقا للتشريع المحرم.

(2) في المسألة فروع ثلاثة، أفتى المصنّف بالبطلان في الفرعين الأوّلين و بالصحة في الثالث.

أمّا وجهه في الأوّل فلاستعمال المفطر، و مقتضى إطلاق دليله، كونه مبطلا في صورتي العلم بكونه مفطرا و عدمه، و لو كان هنا كلام فإنّما هو في وجوب الكفارة و عدمه.

و أمّا الثاني، أعني: إذا لاحظ في نيته، الإمساك عمّا عداه ففيه وجهان:

البطلان كما عليه الماتن، لأنّ الصوم عبارة عن التقرب إلى اللّه بنية الإمساك عن عامة المفطرات، و المفروض انّه نوى الإمساك عن بعضها لا كلّها.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 35

[المسألة 5: النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة و إن كان متّحدا.]

المسألة 5: النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة و إن كان متّحدا. نعم لو علم باشتغال ذمّته بصوم، و لا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير يكفيه أن يقصد ما في الذمّة. (1)

______________________________

و الصحة لأنّ المسلم بطبيعته ينوي في الصوم، الإمساك عن المفطرات الواقعيّة إجمالا، و لكنّه تخيل انّ الارتماس مثلا ليس

بمفطر فهو من قبيل الخطأ في التطبيق، فهو نوى الإمساك عن الارتماس في النية الأولى الإجمالية، و ان نوى خلافها تفصيلا.

و هنا وجه آخر و هو التفصيل بين تقييد الامتثال بالإمساك عمّا عداه فالبطلان عندئذ هو المحكّم إذ لم يتعلق القصد الجدّي بالإمساك عن المفطرات جميعا، و بين عدم تقييده به بل ينوى الإمساك إجمالا عن المفطرات في الشريعة، و لكن يتخيّل انّ الارتماس غير مفطر على وجه لو وقف على أنّه من المفطرات لنوى الإمساك عنه، فالصحّة عندئذ هو المتعين و المتعارف بين الناس هو الحالة الثانية.

و أمّا الفرع الثالث، و هو ما تخيل انّ الارتماس ليس بمفطر و لكن لم يلاحظ في نيته، الإمساك عمّا عداه و الفرق بين الفرعين: الثاني و الثالث، هو كون العلم في الثاني مقرونا باللحاظ، دون الثالث، فقد حكم الماتن فيه بالصحّة و هو مشكل، إذ كيف يصحّ مع عدم نيته الإمساك عنه لا إجمالا و لا تفصيلا، إلّا إذا سبقته نيّة إجمالية بالإمساك عن جميع المفطرات في الشريعة ثمّ تخيل انّ الشي ء الفلاني ليس بمفطر، و لم يلاحظ ذلك، إذ عندئذ يدخل الإمساك عنه في النية الإجمالية الأولى، و لازم كفاية ذلك هو الصحة في الصورة الثانية أيضا و لكنه قدّس سرّه اختار البطلان فيها.

(1) وجهه انّ وقوع العمل عن النفس أقلّ مئونة، من الوقوع عن الغير، فهو أكثر مئونة، و يكفي في الأوّل قصد نفس الفعل، بخلاف الثاني فهو رهن أمر آخر و هو

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 36

[المسألة 6: لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره واجبا كان ذلك الغير أو ندبا]

المسألة 6: لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره واجبا كان ذلك الغير أو ندبا، سواء كان مكلّفا بصومه أو لا، كالمسافر و نحوه،

فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير، سواء كان عالما بأنّه رمضان أو جاهلا، و سواء كان عالما بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلا، و لا يجزي عن رمضان أيضا، إذا كان مكلّفا به مع العلم و العمد، نعم يجزي عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ. و لو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضا لم يصحّ قضاء و لم يجز عن رمضان أيضا مع العلم و العمد. (1)

______________________________

نيّة الإتيان عن الغير فإذا فقد الشرط اللازم ينطبق على الأقل مئونة.

نعم عند ما يتردد اشتغال ذمته بين كونه له أو لغيره يكفي قصد ما في الذمّة، لأنّه يتضمن قصد النيابة على تقدير كونه للغير.

(1) قد اشتهر بين الأصحاب أنّه لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره، قال المحقّق: «لا يقع في شهر رمضان صوم غيره» و ادّعى في الجواهر عليه الشهرة بين الأصحاب نقلا و تحصيلا «1».

توضيح الحال يتوقف على الكلام في موردين:

الأوّل: إذا كان مكلّفا بصومه إذا كان مكلّفا بصوم رمضان، كما إذا كان عاقلا بالغا، حاضرا قادرا على الصوم، ففي مثله إذا نوى الصوم عن غيره، لا يقع عن غيره مطلقا، عالما كان بالموضوع و أنّ الشهر، شهر رمضان أو جاهلا به، عالما كان بالحكم و انّه لا يقع

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 203.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 37

..........

______________________________

غيره فيه أو جاهلا، لما قلنا من أنّه لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره.

و أمّا وقوعه عن رمضان فقد مرّ وجه التفصيل في صدر الكتاب من أنّه لا يجزي عنه إذا صام مع العلم بعدم الصحّة، و يجزي إذا صام عن جهل و نسيان.

و مثله ما إذا نوى في شهر رمضان

قضاء الماضي أيضا، لم يصح قضاء، و أمّا إجزاؤه عن رمضان ففيه التفصيل بين العلم و الجهل، فيجري في الثاني دون الأوّل.

الثاني: ما إذا لم يكن مكلّفا بالصوم إذا لم يكن مكلفا بالصوم لأجل كونه مسافرا، فهل يصحّ صوم غيره فيه أو لا؟

فهنا مانعان:

الأوّل: صوم غير رمضان في رمضان و قد مضى انّ رمضان لا يصلح لصوم غيره.

الثاني: وقوعه في السفر هل السفر يصلح للصيام أو لا.

أمّا الأوّل فليس بمانع و قولهم: «لا يصلح شهر رمضان لغيره» ناظر إلى ما إذا كان مكلّفا بالصوم لا إلى الأعم منه و من غير المكلّف، و ليس رمضان كيوم عيد فطر أو يوم أضحى اللّذين يمنعان عن أيّ صوم فيه حتى لو صادف نذره أحد هذين اليومين.

روى القاسم بن أبي القاسم الصيقل قال: كتبت إليه: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة (كلّ يوم جمعة) دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم، يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام تشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاءه و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: «قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 38

..........

______________________________

الأيّام كلّها، و يصوم يوما بدل يوم إن شاء إليه». «1»

فليس كون الظرف يوم رمضان مانعا إذا لم يكن مكلفا بصيامه و بذلك يظهر عدم تمامية التعميم في قول الماتن: «سواء كان مكلفا بصومه أو لا كالمسافر» فعدم الصحّة يختص بالأوّل، أي بما إذا كان مكلفا بالصوم دون ما إذا لم يكن.

بقي الكلام في مانعية السفر من غير فرق بين وقوعه في رمضان أو لا، و تأتي المسألة في فصل خاص أي الزمان الذي

يصحّ فيه الصوم ضمن الشرط الخامس، و حاصل مختارهم في جواز الصوم في السفر هو انّه لا يصحّ من الصوم الواجب إلّا ثلاثة:

1. صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتع.

2. صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هو ثمانية عشر يوما.

3. صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصة أو سفرا و حضرا.

و أمّا المندوب، فالأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة، و سيوافيك تفصيله.

و لا يخفى انّ تكرار البحث تارة في صدر الكتاب، و أخرى في المقام أوجب التعقيد في المسألة، و كان عليه تخصيص الأوّل بما إذا كان مكلفا بالصوم و مع ذلك صام غيره، فيحكم بأنّه لا يقع عن غيره، و أمّا وقوعه عن رمضان ففيه التفصيل.

و تخصيص الكلام في المقام بما إذا لم يكن مكلفا بالصوم كالمسافر، فإذا صام هل يقع عن الغير أو لا؟ و ليس هنا موضوع للبحث عن وقوعه عن شهر رمضان.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 39

[المسألة 7: إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزئه نيّة الصوم بدون تعيين أنّه للنذر، و لو إجمالا]

المسألة 7: إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزئه نيّة الصوم بدون تعيين أنّه للنذر، و لو إجمالا كما مرّ، و لو نوى غيره فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ و إن كان مع العلم و العمد ففي صحّته إشكال. (1)

______________________________

(1) تتضمّن المسألة فروعا ثلاثة:

الأوّل: إذا نذر صوم يوم معيّن و لكنّه صامه متقربا إلى اللّه من دون أن ينوي كونه امتثالا للوفاء بالنذر و لو إجمالا.

فقد حكم الماتن بعدم إجزائه عن النذر، فعليه القضاء.

قال السيد الخوئي قدّس سرّه في وجهه: أنّ مفاد قوله: «للّه عليّ أن

أصوم» هو تمليك عمله للّه سبحانه، فيكون مالكا و العبد مملوكا و الصوم مملوكا للّه على وجه كلي في الذمّة، و من المعلوم أنّ أداء ما في الذمة يحتاج إلى القصد و التعيين، فلو كانت ذمّته مشغولة بدينار و دفع دينارا من دون أن يقصد به فراغ ذمته فلا يحسب أداء للدين بل يحسب عطاء ابتدائيا.

فمثله الصوم المملوك للّه، فلو لم ينو أنّه بصدد إفراغ ذمّته من الدين فربّما يحسب أنّه تطوع ابتدائي لا عمل بالنذر.

و ردّ بأنّه لا معنى للملكية الاعتبارية له سبحانه كما لا يخفى. «1»

يلاحظ عليه: أنّه سبحانه و إن كان مالكا للملك و الملكوت بالملكية التكوينية وَ لِلّٰهِ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ*، و لكنّه لا مانع من أن يكون مالكا لشي ء اعتبارا إذا ترتّب عليه أثر اجتماعي، مثل قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ. «2»

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 34.

(2). الأنفال: 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 40

..........

______________________________

و الأولى أن يمنع كون مفاد النذر تمليك شي ء للّه سبحانه في ذمّته و إنّما هو التزام للقيام بالمنذور به.

فلو قال: «لو نجحت في الامتحان فللّه عليّ أن أصلّي نافلة الليل» يكون معناه الالتزام بالمنذور به و تجسيده في الخارج.

و أين هذا من تمليك شي ء للّه سبحانه في ذمّته؟!

و الحقّ أن يقال انّ في المقام أمرين:

أحدهما: الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الليل.

الثاني: الأمر بالوفاء بالنذر لقوله سبحانه: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. «1»

و الأوّل منهما: تعبدي، و الآخر: توصلي يسقط بلا قصد امتثاله و إن كان ترتّب الثواب رهن قصده.

و على ذلك فالذي التزم هو به عن طريق النذر هو الإتيان بالنافلة بأمرها الاستحبابي، فإذا أتاه بتلك النية فقد قام بوظيفته و

أدّى بما التزم و جسّد المنذور به فيسقط أمره، و ليس له وراء ذلك واجب شرعي تعبدي يحتاج إلى قصد.

و أمّا الأمر بالوفاء بالنذر، فإنّما هو توصلي يسقط بمجرّد الإتيان بالمنذور به بكافة أجزائه و شرائطه، و من شرائطه الإتيان به بأمره الاستحبابي.

و على ضوء ذلك فالأقوى الصحّة، لأنّ اليوم لا يصلح إلّا لصومه و المفروض انّه قد صامه بأمره.

نعم، لو نذر كليا بأن قال: للّه عليّ أن أصوم يوما، ثمّ صام يوم الخميس لا يكون مسقطا عن النذر، لأنّ انطباقه على الفرد الموجود يتوقف على القصد كما أنّ انطباق الدين الكلّي على ما أعطى بلا نية، بحاجة إلى دليل.

______________________________

(1). الحج: 29.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 41

..........

______________________________

إلى هنا تبيّن انّ الحقّ صحّة الصوم في الفرع الأوّل.

و أمّا الفرع الثاني و هو يشارك الفرع الأوّل في عدم قصد امتثال أمر النذر و لكن يفارقه انّه قصد عنوانا آخر غير ما وجب عليه بالنذر، كما إذا نذر انّه لو نجح في الامتحان يصوم يوم الخميس المعيّن قضاء و لكنّه صام من باب الكفارة غافلا عن نذره.

فيقع الكلام عن وقوعه للثاني.

و يمكن أن يقال بالصحة، و ذلك لأنّ المقام من قبيل المتزاحمين و الصوم للكفارة كالصوم للقضاء من باب واحد جامعان للمصلحة و فاقدان للمفسدة غير انّ الأمر بالقضاء يقدّم على الأمر بالصوم لأجل الكفارة فيكون الأوّل بمنزلة الأهم لأجل النذر و ضيقه. و الثاني بمنزلة المهم لسعته.

و لما سقط الأمر الأوّل لأجل الجهل و الغفلة فلا مانع من امتثال الأمر الثاني لعدم التزاحم في مقام الفعلية.

هذا إذا قلنا بأنّ مراد المصنّف من قوله صحّ، أي صحّ للثاني و يحتمل القول بأنّه يصحّ للأوّل أي

قضاء، و ذلك من باب الخطأ في التطبيق كما مرّ بيانه سابقا.

و حاصله: انّ الصائم يقصد الأمر الفعلي و يظنّ انّه هو الأمر بالكفارة بحيث لو نبّهه أحد على خطئه، لعدل عن نيّته إلى امتثال الأمر بالقضاء.

و أمّا الفرع الثالث، فهو نفس الفرع الثاني لكن قصد الأمر الثاني عن علم و قصد.

فربما يقال بالبطلان و عدم صحّته لا للأوّل لعدم قصده جدا، و لا للثاني لكونه منهيا عنه، لأنّ الأمر بالصوم بالقضاء يلازم النهي عن الصوم للكفارة.

و يمكن تصحيحه من باب الترتب بأن يكون مأمورا للصوم قضاء على

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 42

[المسألة 8: لو كان عليه قضاء رمضان السنة الّتي هو فيها، و قضاء رمضان السنة الماضية]

المسألة 8: لو كان عليه قضاء رمضان السنة الّتي هو فيها، و قضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه تعيين أنّه من أيّ منهما، بل يكفيه نيّة الصوم. قضاء و كذا إذا كان عليه نذران كلّ واحد يوم أو أزيد. و كذا إذا كان عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار. (1)

______________________________

وجه الإطلاق و للصوم كفارة بشرط عصيان الأمر الأوّل و المفروض تحقّقه فالأمر الثاني أمر لا منازع له، و قد ثبت في مبحث الترتّب انّ إمكانه يساوق وقوعه و لا يحتاج إلى دليل زائد عليه.

(1) تحتوي المسألة فروعا ثلاثة:

1. لو كان عليه قضاءان أحدهما للسنة الماضية التي مضت عليها سنة كاملة و لم يقض، و تعلّقت به كفارة التأخير و الآخر للسنة الحالية على وجه لم تتعلق لحدّ الآن به كفارة التأخير و إنّما تتعلّق إذا لم يقضه إلى نهاية السنة، فهل يكفي صوم يومين بعنوان قضاء رمضان من دون تعيين، أو لا؟

ذهب الماتن إلى الإجزاء، و لعلّ وجهه عنده هو انّ ذمّة الإنسان مشغولة بصومين على الوجه

الكلي كاشتغال ذمّته بالدينارين، فيكفيه صومان بعنوان القضاء كما يكفي دفع دينارين و إن لم يعين سبب الدينار الأوّل أو الثاني.

يلاحظ عليه بما ذكرنا سابقا من أنّ الميزان لوجوب التعيين و عدمه هو انّه لو كان الصومان مختلفين في الأثر يجب تعيينهما، و ذلك لأنّ اختلاف الأثر كاشف عن أخذ قيد في موضوع كلّ، يغاير القيد المأخوذ في الآخر، و لا طريق إلى نية هذا القيد إلّا بالتعيين. و بما انّ الصوم الأوّل لا تتعلّق به كفارة التأخير بخلاف الثاني، فالاختلاف في الأثر يكشف عن اختلاف الموضوعين بأخذ قيد في أحدهما دون

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

الآخر أو أخذ قيد في كلّ مغاير مع المأخوذ في الآخر، و بما انّ القيد مجهول فلا طريق إلى قصده إلّا قصد التعيين.

و مع ذلك فالأقوى كفاية نية الصوم قضاء من دون تعيين، لاشتراكهما في الحكم الكلي، فإنّ الثاني محكوم بما حكم به على الأوّل، لكن على الوجه الكلي إذ قد حكم الشارع على نحو الضابطة بأنّ الصوم الفائت إذا لم يقض- بلا عذر- إلى دخول رمضان الثاني تتعلّق به كفارة التأخير، و كلا الصومين داخلان تحت هذه الضابطة غير انّ الشرط تحقّق في أحدهما دون الآخر، و هذا لا يكون دليلا على الاختلاف في الأثر.

نعم لو صام يوما فقط و انتهت السنة بلا تعيين لا يصلح إلّا للفائت الأوّل، و ليس له أن يجعله قضاء للسنة الثانية إلّا بالنيّة، و ذلك لأنّ الصوم المطلق يصلح للأوّل و أمّا الثاني فإنّما يصلح له إذا كان له فائت واحد، و أمّا مع التعدّد فلا مرجح لوقوعه عن السنة الثانية، و بالتالي تتعلّق به كفارة التأخير.

2. إذا

كان عليه نذران من قبيل نذر الشكر، كما إذا نذر و قال: إن رزقت ولدا أصوم يوما و لو شفيت من المرض أصوم يوما آخر، يكفي له صومان لامتثال النذرين، و ذلك لعدم اختلافهما في الأثر.

و مثل ذلك إذا كان كلاهما لأجل الزجر.

إنّما الكلام إذا كان أحد الصومين من قبيل نذر الشكر و الآخر نذر الزجر، كما إذا قال: للّه علي إن فاتت منّي صلاة، أن أصوم يومه، و في الوقت نفسه قال: لو شفيت أصوم يوما، فهل يكفي صوم يومين بلا تعيين؟ الظاهر نعم.

و يظهر من المحقّق البروجردي قدّس سرّه على ما في تعليقته و المحقّق الكلبايكاني قدّس سرّه أنّ النذرين إذا كانا مختلفين حسب الغاية يجب التعيين.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 44

[المسألة 9: إذا نذر صوم يوم خميس معيّن و نذر صوم يوم معيّن، من شهر معيّن فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه]

المسألة 9: إذا نذر صوم يوم خميس معيّن و نذر صوم يوم معيّن، من شهر معيّن فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه، و يسقط النذران فإن قصدهما أثيب عليهما و إن قصد أحدهما أثيب عليه، و سقط عنه الآخر. (1)

______________________________

و لعلّ وجهه أخذ عنواني الشكر و الزجر في المنذور كأنّه قال: أصوم شكرا أو زجرا.

يلاحظ عليه: أنّ العنوانين من قبيل الدواعي و الغايات لا من قبيل الموضوع.

3. إذا كانت عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار، كما إذا حنث حلفه مرّتين و لم يجد الإطعام و الكسوة و الرقبة فتعيّن عليه صيام ثلاثة أيّام قال سبحانه:

لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمٰانَكُمْ. «1»

وجه الكفاية معلوم

لأنّه ليس عليه إلّا صيام ستة أيّام، فإذا صام كذلك يسقط الواجب.

(1) يقع الكلام في أمور:

الأوّل: في صحّة النذر الثاني إذا نذر صوم يوم خميس معيّن كالخميس الأوّل من شهر رجب المسمّى بيوم

______________________________

(1). المائدة: 89.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 45

..........

______________________________

الرغائب، و نذر صوم أوّل كلّ شهر، فصادف أوّل الشهر أوّل خميس من هذا الشهر، كما هو الحال في سنتنا الحالية- أعني: سنة 1419 ه- فهل يصحّ تعلّق نذرين، تأسيسيّين بيوم واحد أو لا؟ الظاهر الصحّة إذا كان بين المتعلّقين عموم و خصوص من وجه نظير المثال السابق، و مثله ما إذا نذر صوم يوم دحو الأرض و صوم آخر خميس من ذي القعدة الحرام فاتّفقا يوما واحدا؛ نعم لو كان النذر الثاني تعبيرا ثانيا عن النذر الأوّل، كما إذا نذر أن يطعم زيد بن عمرو و كان أكبر ولده، ثمّ نذر أن يطعم أكبر ولد عمرو، فالنذر الثاني يكون إمّا لغوا أو تأكيدا.

فتكون النتيجة صحّة النذرين إذا كانا أشبه بالقضايا الحقيقية و بطلانها إذا كان مثل القضايا الخارجية.

الثاني: في كفاية صوم يوم الخميس الظاهر كفاية صوم يوم الخميس عنهما لقيامه على ما فرض على نفسه، بصوم يوم الخميس المعيّن و المفروض عدم مندوحة، لامتثال آخر، و لا مانع من امتثال أمرين بفعل واحد، خصوصا إذا قصد امتثال الأمرين المختلفين عنوانا، بصيامه يوما معيّنا.

الثالث: ما هو محور الثواب؟ الظاهر انّ الثواب يدور على الأمر الذاتي المتعلّق بنفس يوم الخميس، إمّا لكونه أوّل خميس من شهر رجب أو أوّل يوم منه، إذ لولاه لما تعلّق به النذر، لأنّه يشترط وجود الرجحان في متعلّقه، و أمّا الأمر المتعلّق بالوفاء بالنذر، أعني: قوله سبحانه: وَ

لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ «1»، فهو أمر توصلي يسقط بما قصد امتثاله، و يترتب

______________________________

(1). الحج: 29.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 46

[المسألة 10: إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا]

المسألة 10: إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا، فإن قصد وفاء النذر و صوم أيّام البيض أثيب عليهما، و إن قصد النذر فقط أثيب عليه فقط و سقط الآخر، و لا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر. (1)

______________________________

عليه الثواب، إذا قصد امتثاله.

و لكن الظاهر من الماتن دوران الثواب على قصد الأمر العرضي، حيث قال:

«فإن قصدهما أثيب عليهما، و إن قصد أحدهما أثيب عليه و سقط عنه الآخر».

و الأولى أن يقول: فإن قصد الأمر الذاتي أثيب عليه و صحّ العمل لما سيوافيك من عدم وجوب قصد عنوان الوفاء بالنذر في صحّة العمل، و إن قصد الأمر العرضي أثيب عليه، و صحّ العمل أيضا، لأنّ قصده رمز لقصد الأمر الذاتي المتعلّق، و إن قصدهما، أثيب عليهما، و إن لم يقصد واحدا منهما صحّ إذا أتى به متقربا إلى اللّه، و تعبير الماتن في المسألة الآتية أظهر ممّا جاء هنا.

(1) هنا صور ثلاث للامتثال و ترتب الثواب:

1. إذا قصد كلا الأمرين: الذاتي و العرضي، صحّ العمل و يترتب الثواب عليهما.

2. إذا قصد الأمر العرضي، صحّ العمل أيضا لما عرفت من أنّه مرآة إلى الأمر الذاتي و أثيب للأمر العرضي المقصود تفصيلا.

3. إذا قصد الأمر الذاتي دون الأمر العرضي، فقد أفتى الماتن بعدم الكفاية و قد عرفت صحّة العمل، لأنّها تدور على الأمر الذاتي، و الأمر المتعلّق بعنوان الوفاء بالنذر توصلي يسقط، و إن لم يقصد امتثاله فالصحّة في جميع الصور هي الأقوى.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1،

ص: 47

[المسألة 11: إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب، أو جهات من الاستحباب، أو من الأمرين فقصد الجميع أثيب على الجميع]

المسألة 11: إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب، أو جهات من الاستحباب، أو من الأمرين فقصد الجميع أثيب على الجميع، و إن قصد البعض دون البعض أثيب على المنويّ و سقط الأمر بالنسبة إلى البقيّة. (1)

[المسألة 12: آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن- رمضان كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق]

المسألة 12: آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن- رمضان كان أو غيره- عند طلوع الفجر الصادق، و يجوز التقديم في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الّذي يريد صومه، و مع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعيّن الآخر يجوز متى تذكّر إلى ما قبل الزوال إذا لم يأت بمفطر، و أجزأه عن ذلك اليوم، و لا يجزيه إذا تذكّر بعد الزوال، و أمّا في الواجب الغير المعيّن فيمتدّ وقتها اختيارا من أوّل الليل إلى الزوال دون ما بعده على الأصحّ، و لا فرق في ذلك بين سبق التردّد أو العزم على العدم، و أمّا في المندوب فيمتدّ إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى. (2)

______________________________

(1) و قد ظهرت الحال فيها فلا نعيد.

(2) في المسألة فروع أربعة:

الفرع الأوّل: نيّة الصوم ابتداء و انتهاء في الواجب المعيّن ذهب المشهور إلى أنّ مبدأ النية فيه هو أوّل جزء من الليل و منتهاه طلوع الفجر الصادق.

قال الشيخ في الخلاف: وقت النيّة من أوّل الليل إلى طلوع الفجر أيّ وقت نواه أجزأه، و تضيق عند طلوع الفجر.

و قال الشافعي: وقت الوجوب قبل طلوع الفجر الثاني لا يجوز أن يتأخر عنه، فإذا بقي من الليل قدر نيّة فقط فقد تضيّق عليه، كما إذا بقي من وقت الظهر قدر أربع ركعات تعيّنت عليه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

قال: فإن وافق انتهاء النية مع انتهاء الليل أجزأه،

و إن ابتدأ بالنية قبل طلوعه فطلع الفجر قبل اكمالها لم يجزه.

و أمّا وقت الجواز ففيها ثلاثة أوجه: ظاهر المذهب أنّ وقتها ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر الثاني أي وقت أتى بها فيه أجزأه؛ و به قال أبو العباس، و أبو سعيد و غيرهما.

و فيه من قال: وقتها بعد نصف الليل، فإن نوى قبل النصف لم يجزه.

ثمّ نقل عن أبي إسحاق قولا شاذا، و هو انّ وقت النية أي وقت شاء من الليل و لكن بشرط أن لا يفعل بعدها ما ينافيها، مثل أن ينام بعدها و لا ينتبه حتى يطلع الفجر. «1»

و ما ذكره أبو إسحاق مخالف للضرورة.

و بذلك يظهر الاتّفاق بين ما عليه المشهور من علمائنا و ما عليه الشوافع من حيث المبدأ و المنتهى، فالمبدأ هو الذي أسماه بوقت الجواز، و المنتهى هو الذي أسماه بوقت الوجوب.

نعم لبعض أصحابنا خلاف في المسألة ذكره العلّامة في مختلف الشيعة، فقد خالف ابن أبي عقيل و السيد المرتضى و ابن الجنيد في ذلك حيث إنّ لكلّ منهم رأيا خاصا في مبدأ النية.

قال ابن أبي عقيل: يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول عليهم السّلام أن يقدّم النيّة في اعتقاد صومه ذلك من الليل. (و كأنّه يشترط تقدّم النية على طلوع الفجر بشطر كبير كأن ينوي أوّل الليلة أو بعد مضيّ شي ء منها).

و قال المرتضى: وقت النيّة في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى وقت زوال الشمس.

و قال ابن الجنيد: جائز أن يبتدئ بالنية و قد بقى بعض النهار و يحتسب به

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 166، كتاب الصوم، المسألة 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 49

..........

______________________________

من واجب إذا لم

يكن قد أحدث ما ينقض الصيام. «1»

و على ذلك فالأقوال أربعة: قول للمشهور، و قول لابن أبي عقيل من لزوم تقدّم النيّة من اللّيل، و قول للمرتضى من جواز تأخيره إلى قبل زوال الشمس، و قول لابن الجنيد و هو جواز تأخيره إلى ما قبل المغرب.

أقول: تطلق النيّة و يراد منها أحد أمرين:

1. صدور الفعل عن الإنسان عن قصد و إرادة مقابل ما لا يلزم صدوره كذلك، مثل طهارة الثوب فلو غسله نائما أو غير قاصد كفى في إقامة الصلاة معه، بخلاف ردّ السلام فانّه واجب مع قصد الفعل و إرادته.

2. الإتيان بالفعل متقربا إلى اللّه تبارك و تعالى لا رياء و سمعة و لا بسائر الدواعي النفسانية، و المراد من النية في المقام هو الأوّل، التي هي شرط لكلّ فعل اختياري لا الثاني.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الصوم عمل اختياري و عبادي، فبما انّه عمل اختياري يجب أن يمسك عن المفطرات عن قصد و إرادة، و حيث إنّ مبدأ الإمساك هو طلوع الفجر الثاني، فلا بدّ أن تكون النيّة مقارنة معه و يكفي في ذلك وجودها في أيّ جزء من أجزاء الليل على نحو يكون متحققا في نفسه، وقت الطلوع.

و بذلك يعلم عدم تمامية قول المرتضى و ابن الجنيد من كفاية صدور بعض الفعل عن إرادة و إمساك، و إلى ذلك يشير العلّامة بقوله:

إنّ النيّة محصلة للفعل و يقع الفعل بحسبها، و هي إنّما تؤثر في المتجدّد دون الماضي، لأنّ النيّة عبارة عن إرادة يقع الفعل عليها، و لا تتعلّق الإرادة بالماضي، لاستحالة تحصيل الحاصل. 2

______________________________

(1) 1 و 2. مختلف الشيعة: 3/ 365، كتاب الصوم. و لعلّ قول السيد راجع إلى صورتي الجهل و

النسيان في الصوم المعين، أو الصوم غير المعين كما سيوافيك، كما يحتمل أن يكون قول ابن الجنيد راجعا إلى الصوم المندوب، و بما انّ كتابي القديمين ابن أبي عقيل و ابن الجنيد ليس بأيدينا، فالقضاء الباتّ مشكل.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 50

..........

______________________________

كما أنّ قول ابن أبي عقيل من لزوم تقديم النية على شي ء من الليل غير تام، و ذلك لقوله سبحانه: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «1»، فالآية ظاهرة في كفاية الإمساك المقرون مع النية عند طلوع الفجر، فلا وجه لتقديمها إلّا شيئا يسيرا من باب المقدمة.

و أمّا القول بكفاية النيّة في جزء من اللّيل، فذلك لاتّفاقهم على صحّة صوم من نوى و نام و استيقظ بعد طلوع الفجر، و لم يقل أحد بلزوم درك الفجر الثاني مستيقظا.

لا مبدأ للنية في الصوم ما تقدّم هو المعروف بين علمائنا، لكن لنا هنا كلام، و هو انّ النيّة في التحقيق هو الداعي إلى الفعل لا الإخطار و على ذلك فلا وجه لتخصيص جواز النية بأوّل الليل، بل لو تقدمت النية على الليل لكفى ذلك إذا بقيت في ذاكرته، بحيث لو سئل عن وجه إمساكه بعد طلوع الفجر لأجاب لأجل الصوم.

و على ذلك لا مبدأ للنية، بل يكفي وجود الداعي قبل الليل أيضا لو لم يغفل عنها و استمر إلى طلوع الفجر الثاني، و قد عرفت كفاية وجوده في النفس و إن نام بعدها و استيقظ بعد طلوع الفجر.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي قدّس سرّه لما أخذ بقول المشهور رتب على من نوى قبل الليل ثمّ نام فاستيقظ بعد طلوع الفجر فروعا و

قال:

الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كان النوم في شهر رمضان و ما كان في غيره؛ فإن كان الثاني، كما لو نام في اليوم الأخير من شعبان قاصدا صوم الغد و لم يستيقظ إلّا بعد الفجر، فالظاهر فساد صومه حينئذ، لأنّه في زمان نيته لم يكن بعد مأمورا بالصوم، لعدم حلول الشهر الذي هو زمان تحقّق الوجوب، فكيف ينوي

______________________________

(1). البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 51

..........

______________________________

الامتثال؟ و في زمان الأمر لم يكن قابلا له، لأنّ النائم لا يؤمر بشي ء، فلم يؤمر بالصوم، لا في زمان التفاته و لا في زمان عدم التفاته.

و إن كان الأوّل، كما لو نام عصر اليوم الأوّل من شهر رمضان ناويا صوم الغد، فحينئذ إن قلنا بالانحلال و إن أمر كلّ يوم يحدث عند غروب ليلته، فالكلام هو الكلام (في الصورة الأولى)، فانّ الأمر بالصوم لم يكن حادثا قبل النوم و بعده لا يكون قابلا للتكليف.

و أمّا إذا بنينا على أنّ تلك الأوامر كلّها تحدث دفعة في أوّل الشهر و انّه يؤمر في الليلة الأولى بصيام الشهر كلّه على نحو الواجب التعليقي كما هو الصحيح على ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ و كذا الروايات، فالظاهر حينئذ هو الحكم بالصحّة لوجود الأمر سابقا، و قد حصلت النيّة على الفرض، و الفعل مستند إلى الاختيار، فلا مانع من الصحّة. «1»

يلاحظ عليه: الظاهر هو الصحّة حتى على القول بحدوث أمر كلّ يوم قبيل طلوع الفجر، إذ لا مانع من قصد الأمر الاستقبالي و إن لم يحدث، و لذلك أطبق المشهور على صحّة من نوى أوّل الليل ثمّ نام و لم يستيقظ إلّا بعد الفجر، ذلك

لوجود النية في قرارة ذهنه قبيل طلوع الفجر.

و بعد ما حرّرت المقام وقفت على تعليقه الأستاذ قدّس سرّه على المقام و إليك نصّها:

لا وقت للنيّة شرعا، بل المعيار حصول الصوم عن عزم باق في النفس و لو ذهل عنه بنوم و شبهه، و لا فرق في حدوث هذا العزم بين أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه أو قبلها، فلو عزم على صوم الغد من اليوم الماضي و نام على هذا العزم إلى آخر الغد صحّ صومه على الأصحّ.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 43- 44، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 52

..........

______________________________

الفرع الثاني: فيما إذا نسي أو جهل في الواجب المعيّن إذا نسي أو جهل كونه رمضان أو المعين الآخر، يجوز الصوم متى تذكّر إلى ما قبل الزوال إذا لم يأت بمفطر و أجزأه عن ذلك اليوم و لا يجزيه إذا تذكّر بعد الزوال.

قال الشيخ في الخلاف: وقت النية من أوّل الليل إلى طلوع الفجر، أيّ وقت نواه، أجزأه، و يضيق عند طلوع الفجر هذا مع الذكر، و أمّا إذا فاتت ناسيا جاز تجديدها إلى عند الزوال. «1»

و قال المحقّق: و لو نسيها ليلا جدّدها نهارا ما بينه و بين الزوال، فلو زالت الشمس فات محلها. «2»

و نقل في الحدائق عن المحقّق في المعتبر، و العلّامة في التذكرة و المنتهى، انّه موضع وفاق بين الأصحاب. «3»

و المخالف في المقام هو ابن أبي عقيل و ابن الجنيد؛ أمّا الأوّل، فلم يفرّق بين العامد و الناسي، و قال: و يجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول عليهم السّلام أن يقدّم النيّة في اعتقاد صومه ذلك من الليل، و من كان صومه تطوعا أو قضاء

رمضان، فأخطأ أن ينوي من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزأه، و إن نوى بعد الزوال لم يجزه. «4» حيث خصّ جواز التأخير بالصوم المندوب و قضاء رمضان، دون صوم نفس رمضان.

و أمّا الثاني، فهو على جانب النقيض من ابن أبي عقيل، فقد جوّز الإتيان بالنية بعد الزوال في الفرض مع الذكر و النسيان. 5

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 166، المسألة 4، كتاب الصوم،.

(2). الشرائع: 1/ 139.

(3). الحدائق: 13/ 19.

(4) 4 و 5. مختلف الشيعة: 3/ 367.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 53

..........

______________________________

و مقتضى القاعدة هو البطلان، لما عرفت من أنّ الواجب، هو تحقّق الإمساك مقرونا بالنية، فقبول إمساك لا بهذا الوصف يحتاج إلى دليل ثانوي.

ثمّ إنّ المذكور في كلام الفقهاء هو صورة النسيان، و قد نقل عن الجواهر انّ الشهيد عطف الجاهل على الناسي و قال: «أو كان جاهلا بوجوب ذلك اليوم»، و على كلّ تقدير فقد استدلّ على الحكم بوجوه غير نقية:

1. الاتفاق الذي حكاه المحقّق و العلّامة في المعتبر.

2. ما روي أنّه جاء أعرابي يوم الشك فشهد برؤية الهلال، فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك.

3. فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض و المسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال.

4. أصالة عدم وجوب تبييت النية مع النسيان.

5. ما دلّ على رفع الجهل و النسيان فانّ إيجاب القضاء يقتضي عدم رفعهما.

6. ما في المنتهى: فإذا جاز مع العذر و هو الجهل بالهلال، جاز مع النسيان.

و قد ناقش غير واحد من المتأخرين، منهم: صاحب الحدائق، و الجواهر، و السيد المحقّق الخوئي في الوجوه المذكورة.

أمّا الأوّل، فلاحتمال اعتماد القائلين بالصحّة، بهذه الوجوه

و يصبح الإجماع مدركيّا.

أمّا الثاني، فالموجود في السنن الكبرى عن طريق عكرمة الإباضي عن ابن عباس هو مجي ء الأعرابي ليلة هلال رمضان أنّه رأى الهلال، فنادى بلالا أن يؤذّن بالصوم غدا، و ليس فيها قوله: «من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك» و إليك

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

صورة الحديث:

جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: إنّي رأيت الهلال- يعني هلال رمضان- قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «يا بلال أذّن في الناس أن يصوموا غدا». «1»

نعم، بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أهل العوالي يوم عاشوراء، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك بقية النهار».

و قد أخرجه البخاري و مسلم في صحيحهما. «2»

و أمّا الثالث، فمضافا إلى أنّ الدليل ورد في المسافر دون المريض، أنّ الاستدلال به يتوقف على إحراز المناط القطعي.

نعم ربما يقال بوجود الفارق بين المقيس عليه و المقيس. أمّا الأوّل فانّ الصوم لا يجب على المسافر واقعا، إلّا من زمان وروده ببلده أو محلّ إقامته، فإذا نوى الصيام من هذا الحد، فقد أتى بما وجب عليه واقعا من دون نقص و قد ثبت بالدليل انّ هذا بمنزلة الصوم من طلوع الفجر.

و أمّا الثاني فالواجب عليهما الصوم من طلوع الفجر الثاني، غير انّ الجهل و النسيان صارا عذرا لترك هذا المقدار من الواجب، و معه كيف يجتزئ بهذا الناقص، عن المأمور به الواقعي، حيث إنّ ما كان واجبا عليه لم يأت به، و ما أتى لم يكن مأمورا به. «3»

يلاحظ عليه: أنّ عدم الأمر في المسافر و

المريض، قبل الحضور في البلد، أو البرء، ليس من باب فقد المقتضي بل من باب وجود المانع، و لذلك لو أفطرا قبل

______________________________

(1). البيهقي، السنن الكبرى: 4/ 211- 212، و للرواية صور مختلفة تشترك جميعها في مجي ء الراوي في الليل.

(2). الخلاف: 2/ 168، المسألة 6 في صوم النافلة الذي سيأتي الكلام حوله في الفرع الرابع.

(3). مستند العروة: 45 بتلخيص.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 55

..........

______________________________

الورود، أو البرء لما صحّ التنزيل، و على ضوء ذلك فالعمل في المقيس عليه و المقيس ناقص مصداقا و ملاكا، فما أشار إليه من الفرق غير مؤثر بعد المشاركة فيما هو المهم.

و أمّا الرابع فالاستدلال به عجيب، لأنّ الأصل دليل حيث لا دليل اجتهاديّ، و قد دلّ الدليل على لزوم اقتران النية مع طلوع الفجر، كما هو صريح الآية و غيرها.

نعم لا بأس بالاستدلال بحديث الرفع، و هو استدلال متين و حاصله: رفع وجوب اعتبار النية في هذا المقدار من الزمان، أعني: حال الجهل و النسيان، بحديث الرفع. و قد استشكل المحقق الخوئي على الاستدلال برفع الجهل و النسيان.

أمّا في جانب رفع الجهل فقال: إنّ الرفع بالإضافة إلى ما لا يعلمون رفع ظاهري، فهو بحسب الواقع مأمور بالصيام و إن جاز له الإفطار في مرحلة الظاهر استنادا إلى الاستصحاب، أو إلى قوله عليه السّلام: «صم للرؤية و أفطر للرؤية» فالحكم الواقعي المتعلّق بالصوم من طلوع الفجر باق على حاله، و قد تركه حسب الفرض.

و معه كيف يحكم بالإجزاء لدى انكشاف الخلاف؟ «1»

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان لدليل الجزء كالسورة إطلاق يعم حالتي العلم و الجهل، فإذا ضم إليه حديث الرفع يستفاد منه انّ وجوبها مرفوع في حقّ الجاهل، هذا

من جانب، و من جانب آخر انّ السورة ليست مقوّمة لماهية الواجب، بل هي صادقة على المصداق الفاقد أيضا، فينطبق عليه عنوان الواجب، الموجب لسقوط الأمر.

فإن أراد من كون الرفع ظاهريّا، لا واقعيا، هو ثبوت الحكم المشترك بين

______________________________

(1). مستند العروة: 46.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 56

..........

______________________________

العالم و الجاهل فهو صحيح و لكنّه لا يضرّ بالمقصود، و إن أراد منه كونه صوريّا، لا حقيقيّا، فهو غير مقبول بل هو حقيقي، بمعنى سقوط فعلية وجوب الجزء في حقّ الجاهل، و إن كان واجبا إنشاء.

أمّا في جانب النسيان فقد اعترف بأنّ الرفع في النسيان واقعي، لأنّ الناسي غير مكلّف بالصوم حال نسيانه حتى واقعا لكنّه مكلّف بالإمساك من زمان التفاته، إلى الغروب لإطلاق الروايات، لكن وجوب الإمساك شي ء و وجوب الصوم المحدود ما بين الطلوع و الغروب الذي هو المأمور به أصالة- لو لا النسيان- شي ء آخر، و حديث الرفع لا يكاد يتكفّل إجزاء الأوّل عن الثاني، لأنّه حديث رفع لا حديث وضع. «1»

و حاصل كلامه: انّ لحديث الرفع دور الرفع لا الوضع، فليس له وضع الإمساك من قبيل الزوال إلى الليل مع نية الصوم، مكان الصوم المحدود بما بين الطلوع و الغروب.

يلاحظ عليه: أنّ حديث الرفع- كما أفاد- حديث رفع، لا حديث وضع، لكن الوضع على عاتق دليل المركب، المقيّد بوجوب السورة، الشامل حالتي الذكر و النسيان، فإذا انضم إليه حديث رفع النسيان، و اختص وجوبها بحال الذكر، يكون الواجب في حقّه، هو الصلاة بلا سورة، و مثله المقام.

قال سبحانه: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «2»، دلّ على لزوم

نية الإمساك من طلوع الفجر إلى أوّل اللّيل و كان مقتضى الإطلاق، شرطيّتها للذاكر و الناسي، فإذا انضم الدليل إلى حديث الرفع، تكون النتيجة، اختصاص وجوبها بحال الذكر

______________________________

(1). مستند العروة: 46.

(2). البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 57

..........

______________________________

دون النسيان، و لو لا الدليل على تحديد مقدار الرفع بما قبل الزوال، لقلنا بكفاية الإمساك- بلا نية- إلى الليل، و على ذلك فالاعتداد بهذا النوع من العمل الناقص من شئون إطلاق الدليل، لا حديث الرفع حتى يقال انّه حديث رفع لا وضع.

و قد أوضحنا حاله في بحوثنا الأصوليّة، و سيوافيك نظائر المقام في الفصول الآتية.

إلى هنا تبيّن انّ الصالح للاستدلال من بين الوجوه هو حديث الرفع، و قد استدل المحقّق الهمداني بوجه سادس نشير إليه.

و حاصل الاستدلال ما سنتلو عليك في الفرع الثالث من كفاية النيّة قبل الزوال في الواجب غير المعيّن، فانّه إذا صحّ في غير المعين، ففي المعين المضيّق يصحّ بطريق أولى، يقول في هذا الصدد:

إنّا لا نسلّم انصراف ما ورد في القضاء أو النذر، عن النذر المعين و القضاء المضيّق الذي لم يلتفت المكلّف إليه إلّا بعد الفجر. و لو سلّم الانصراف، فهو بدويّ منشؤه ندرة الوجود، و لو سلم ورودها في خصوص الواجب الموسّع فنقول:

إنّه يستفاد منها حكم المضيّق الذي كان المكلّف معذورا في تركه للتبييت، بالفحوى و تنقيح المناط. «1»

الفرع الثالث: الواجب غير المعين يمتدّ وقت الواجب غير المعين اختيارا من أوّل اللّيل إلى الزوال دون ما بعده على الأصح.

و الظاهر شهرة الحكم بين الأصحاب.

قال في المدارك: و قد قطع الأصحاب بأنّ وقت النيّة فيه يستمرّ من الليل إلى

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 14/ 315، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 58

..........

______________________________

الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا. «1»

و قال في الحدائق: الواجب غير المعيّن كالقضاء و النذر المطلق، فقد قطع الأصحاب بأنّ وقت النيّة فيه يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا. «2»

و لو كان هناك خلاف فإنّما هو من القديمين: فقد منع ابن أبي عقيل التأخير من طلوع الفجر، و جوّز ابن الجنيد التأخير إلى ما بعد الزوال.

و استدل بروايات، و قد عقد صاحب الوسائل بابا خاصا للمسألة أورد فيه روايات كثيرة غير ظاهرة في التحديد بما قبل الزوال، نذكر منها ما يلي:

1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال: «نعم، ليصمه و ليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا». «3»

و قوله «يبدو له» ظاهر في عدم تعيّن اليوم للصوم وسعة الوقت.

2. خبر صالح بن عبد اللّه، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: قلت له: رجل جعل للّه عليه الصيام شهرا فيصبح، و هو ينوي الصوم، ثمّ يبدو له فيفطر؟ و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم؟ فقال: «هذا كلّه جائز». «4»

نعم لا دلالة له على عدم جواز تجديد النية بعد الزوال، لأنّ القيد ورد في كلام الراوي لا في كلام الإمام عليه السّلام.

______________________________

(1). مدارك الأحكام: 6/ 22.

(2). الحدائق الناضرة: 13/ 21.

(3). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 2.

(4). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 4. قوله فيفطر: ينوي الإفطار و لكن لا يفطر عملا.

الصوم في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 59

..........

______________________________

3. موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوى الصيام؟ قال عليه السّلام: «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر».

سئل: فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس، قال: «لا». «1»

4. صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم؟ فقال عليه السّلام: «ان هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى». «2»

فالروايات تتضمن انّ من نوى قبل الزوال يحتسب اليوم له بتمامه، دون ما إذا نوى بعد الزوال فلا يحتسب بتمامه و إن كان يثاب، فالاحتساب في الرواية من باب الثواب لا من باب انّه صوم حقيقة.

نعم هو بإطلاقه دال على لزوم تجديد النية في الواجب غير المعين و المندوب لكن خرج الثاني بدليل.

و فيما ذكرنا من الروايات كفاية.

نعم يعارضها في بادئ النظر الحديث التالي:

ما رواه الشيخ بسند صحيح عن معاوية بن حكيم، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يصبح و لم

______________________________

(1). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 10.

(2). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 60

..........

______________________________

يطعم، و لم يشرب، و لم ينو صوما و كان عليه يوم

من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة النهار؟ فقال: «نعم، له أن يصومه و يعتد به من شهر رمضان». «1»

فانّ ظاهر قوله: «ذهب عامة النهار» هو ذهاب كثير من اليوم على وجه لا يبقى إلى الغروب إلّا شي ء يسير، و هذا ينافي ما قلنا من أنّ جواز التجديد محدّد بالزوال، و لأجل ذلك حمله صاحب الوسائل على ما بين الفجر و الزوال و انّه يصدق على قبيل الزوال انّه ذهب عامة النهار على وجه المجاز، لأنّ ما بين طلوع الفجر و الزوال أكثر من نصف النهار.

و يمكن أن يقال: إنّ هذا الحديث متحد مع الحديث الأوّل الذي نقلناه عن عبد الرحمن بن الحجاج، و قد مضى فيه انّه قال له: بعد ما يصبح و يرتفع النهار، و هذا قرينة على أنّ مراده من «عامة النهار» هو ارتفاعه.

هذه هي الروايات التي يمكن أن يستدل بها على الفرع الثاني، و قد نقل الحرّ العاملي في الباب الذي عقده لذلك العنوان روايات كثيرة، لكن لا دلالة لقسم منها فانّه ناظر إلى النافلة؛ مثل ما رواه حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أ يصوم؟ قال:

«نعم». «2» و مثله ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3»، و محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام 4، و هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. 5

نعم لا يجوز له في المعين تأخير النية اختيارا بخلاف غير المعين.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 2

من أبواب وجوب الصوم، الحديث 1.

(3) 3 و 4 و 5. المصدر نفسه، الحديث 3 و 5 و 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 61

..........

______________________________

الفرع الرابع: الصوم المندوب يمتدّ وقت المندوب اختيارا من طلوع الفجر إلى أن يبقى من الغروب ما يمكن فيه تجديد النية.

أقول: اختلفت كلمة الشيخ في كتابيه، فذهب في الخلاف إلى انتهاء وقتها بالزوال، كما ذهب في المبسوط إلى بقائها بمقدار ما يمكن أن يكون صوما، كما اختلفت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة، و إليك نصّ الشيخ في كتابيه:

قال الشيخ في الخلاف: يجوز أن ينوي صيام النافلة نهارا، و من أصحابنا من أجازه إلى عند الزوال، و هو الظاهر من الروايات؛ و منهم من أجازه إلى آخر النهار، و لست أعرف به نصا. و قال الشافعي: يجوز ذلك قبل الزوال قولا واحدا و بعد الزوال فيه قولان، قال في الحرملة: يجزي، و قال في الأمّ: لا يجوز بعد الزوال؛ و به قال أبو حنيفة و أصحابه و أحمد بن حنبل. و قال مالك: لا يجوز حتى ينوي له ليلا كالفرض سواء و به قال المزنّي. «1»

ترى أنّه يذكر انّه لم يقف على نصّ دالّ على بقاء وقت تجديد النية إلى بعد الزوال، و لكنّه أفتى في المبسوط على البقاء، و لعلّه وقف على النص. و هذا يدل على أنّه ألّف المبسوط بعد الخلاف خلافا لما كان عليه السيد البروجردي من أنّ الخلاف آخر ما ألّفه الشيخ في مجال الفقه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 61

و على أية حال

قال في المبسوط: و متى فاتت إلى بعد الزوال، فقد فات وقتها إلّا النوافل خاصة، فانّه روي في بعض الروايات جواز تجديدها بعد الزوال.

و تحقيقها انّه يجوز تجديدها إلى أن يبقى من النهار بمقدار ما يبقى زمان بعدها يمكن أن يكون صوما، فأمّا إذا كان انتهاء النية مع انتهاء النهار فلا صوم بعده

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 167، كتاب الصوم، المسألة 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 62

..........

______________________________

على حال. «1»

و أمّا الآخرون، فقد أفتوا بجواز تجديد النية بعد الزوال، منهم: المرتضى في انتصاره «2»، و ابن حمزة في وسيلته «3»، و ابن إدريس في سرائره. «4»

نعم وافق الشيخ في خلافه، العلّامة في مختلفه. «5»

و يدل على مختار المشهور ما رواه هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء و إلّا صمت؟ فإن كان عندهم شي ء أتوه به، و إلّا صام». «6»

و ظاهر قوله: «كان يدخل إلى أهله» انّه كان أمرا مستمرا فلا يحمل إلّا على النافلة.

و بما انّ الرواية تحكي الفعل دون القول فيؤخذ بالقدر المتيقن و هو دخوله قبل الزوال، هذا من جانب و من جانب آخر، الدخول إلى البيت قبل الزوال أمر بعيد لأنّه يناسب الفطور، لا الغداء.

و تدل عليه موثقة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال: «هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك، فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء». «7»

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 278.

(2). الانتصار: 60.

(3). الوسيلة: 140.

(4). السرائر: 1/

372.

(5). مختلف الشيعة: 3/ 371.

(6). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 7.

(7). الوسائل: ج 7، الباب 3 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

و هذان الحديثان مع صحّة سندهما يصلحان لأن يكونا سندا لفتوى المشهور إنّما الكلام في تفسير ما يخالفه بادئ النظر. منها:

ما رواه الشيخ باسناده عن ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ فقال: «أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار». «1»

و لعلّ الإمام اكتفى في مقام التصحيح بالأمر المسلّم عند ابن بكير و هو خياره ما بينه و بين نصف النهار، و أمّا انّ هذا هو الحدّ الواقعي الذي لا يجوز التجاوز عنه فلا يستفاد من الرواية.

و بالجملة استدلال الإمام بالأصل المسلّم عنده الذي يدلّ عليه قوله:

أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار لا يدل على أنّه نهاية الوقت غاية الأمر هو ظاهر في أنّه كذلك عند الإمام أيضا فترفع اليد عن الظهور لأجل الصحيحين النصّين السابقين، و بذلك يعلم ضعف الاستدلال بروايته الأخرى:

روى الشيخ بسند غير نقيّ عن ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى ما مضى من النهار؟ قال: «يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار». «2»

و دلالته بالمفهوم و إن كان من أقوى الدلالات، لكن السند مشتمل على أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني الذي ضعفه ابن الوليد و الشيخ الصدوق و غيرهما.

و يمكن حمله

على أنّ الإمام بصدد بيان الصوم الكامل، و لذلك حدّد تجديد النية بما قبل الزوال، و أمّا بعد الزوال فالصوم مشروع و لكن هو بمقدار ما نوى.

______________________________

(1). الوسائل: ج 7، الباب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2). الوسائل: ج 7، الباب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 64

[المسألة 13: لو نوى الصوم ليلا ثمّ نوى الإفطار ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى و صام قبل أن يأتي بمفطر]

المسألة 13: لو نوى الصوم ليلا ثمّ نوى الإفطار ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى و صام قبل أن يأتي بمفطر صحّ على الأقوى إلّا أن يفسد صومه برياء و نحوه، فإنّه لا يجزيه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط. (1)

______________________________

(1) تقدم انّ وقت النية في الصوم المعين للعالم بالحكم أو الموضوع، هو طلوع الفجر الثاني، كما أنّ وقتها للجاهل يمتد إلى الزوال متى تذكّر.

و أمّا غير المعيّن فيمتد إلى الزوال اختيارا.

ثمّ إنّ للقسم الثاني صورا ثلاث:

أ. سبق التردّد على نية الصوم.

ب. العزم على العدم قبل نيّة الصوم.

ج. نيّة الصوم ثمّ نيّة الإفطار ثمّ نيّة الصوم.

و قد ذكر الماتن الصورتين الأوليين في المسألة السابقة (12)، كما ذكر الصورة الثالثة في المقام.

فالموضوع للبحث هو غير المعين من الواجب، و أمّا المعين فهو خارج عن موضوع بحثنا.

إذا علمت ذلك، يقع الكلام في صحّة الصورة الثالثة.

فالظاهر شمول الإطلاقات لهذا القسم، و ذلك لأنّ الموضوع فيها «إذا لم يكن أحدث شيئا». «1»

و أوضح منه قوله في رواية صالح بن عبد اللّه عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: قلت له: رجل جعل للّه عليه الصيام شهرا، فيصبح و هو ينوي الصوم، ثمّ يبدو فيفطر،

______________________________

(1). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 65

..........

______________________________

و يصبح و هو لا ينوي الصوم، فيبدو له فيصوم؟

فقال: «هذا كلّه جائز». «1»

فقد أشار بكلامه الأخير انّ الأمر بيد المكلّف، فليس هناك فرق بين صورة و صورة، و انّ له النية قبل الزوال فيصحّ صومه، كما أنّ له الإفطار.

و بالجملة فهذه الإطلاقات تكفي في عطف الصورة الثالثة على الأوليين.

نعم لو لا الإطلاق لكان مقتضى القاعدة الأولى البطلان، و الذي يدعم الصحّة انّ في فرض الصورة الثالثة أمرين:

أ. عزمه على الإفطار بعد نيّة الصوم.

ب. تقدّم نية الصوم على ذلك العزم.

و ليس الأوّل أزيد ممّن عزم على العدم ثمّ بدا له أن يصوم، و قد مرّ قول الماتن بأنّه لا فرق بين سبق التردّد أو سبق العدم.

و أمّا الثاني، فهو إن لم يكن مفيدا لا يقع مضرّا، إذ لو كان في هذه الفترة عازما على الإفطار لم يكن مفسدا، فكيف إذا كان صائما؟

ثمّ إنّ الماتن قيّد صحّة الصوم بما إذا لم يكن مفسدا لصومه برياء و نحوه، فانّه لا يجزئه لو أراد التجديد قبل الزوال.

وجهه: قصور الأدلّة عن شمول هذا الفرد فانّه بصدد تنزيل غير الصائم منزلة الصائم.

و أمّا تنزيل الصائم على الوجه المحرّم كالرياء، منزلة الصائم على الوجه المحلّل، فهو يحتاج إلى دليل خاص و لا ينقلب العمل المحرّم إلى العمل المحلّل، و ليس الصيام مع الرياء مثل من لم ينو أو ينوى العدم. إذ ليس ترك النية أو نية

______________________________

(1). الوسائل: ج 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 66

[المسألة 14: إذا نوى الصوم ليلا لا يضره الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر مع بقاء العزم على الصوم]

المسألة 14: إذا نوى الصوم ليلا لا يضره الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر مع بقاء العزم على الصوم. (1)

[المسألة 15: يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة]

المسألة 15: يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة على حدة، و الأولى أن ينوي صوم الشهر جملة، و يجدّد النيّة لكلّ يوم، و يقوى الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم، و أمّا في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بدّ من نيّته لكلّ يوم إذا كان عليه أيّام

______________________________

الصوم عملا محرّما فلا يكون مانعا من التنزيل بخلاف الصيام للرياء، فانّه قبيح و مبغض لا يقبل التنزيل.

و يمكن أن يقال انّ العبرة هنا بنية الصوم قبل الزوال مستمرا إلى الليل، فهذا هو الذي يصحح العمل و يتعامل الشارع معه كعمل تام.

و أمّا ما سبق عليها فلا عبرة به سواء أ كان متردّدا و عازما على العدم أو مرائيا في صومه المؤقت، و كأنّ الماتن تلقّى انّ الرياء كاستعمال المفطر مع أنّه ليس كذلك. و سيوافيك تمام الكلام في المسألة العشرين.

(1) إنّ الواجب على المكلّف العزم على ترك المفطرات في الفترة التي يجب عليه الإمساك فيها، و ليس هو إلّا المجموع من أوّل الفجر إلى آخر النهار. و إذا كان هذا هو الإمساك الواجب، فالنيّة باقية سواء أتى بالمفطر بعده أم لا، و ما ذاك إلّا لأنّ النية مقيدة بترك المفطرات من أوّل الفجر، و هذا صادق سواء تناول شيئا بعدها أم لم يتناول.

و ما نقل عن الشهيد الأوّل من لزوم تجديد النية لو أتى بالمفطر غير ظاهر، لأنّ النيّة على التقرير الماضي باقية فلا يضرّها الإفطار بشي ء بعدها.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 67

كشهر أو أقلّ

أو أكثر. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في فرعين:

الأوّل: كفاية النيّة الواحدة لصيام شهر رمضان، أو لزوم تجديدها لكلّ يوم، و ربما يحتمل لزوم الاقتصار بها و عدم تجديدها، و إليك البيان:

قال الشيخ في الخلاف: و يجزي في صوم رمضان نية واحدة من أوّل الشهر إلى آخره؛ و به قال مالك. و قال الشافعي: لا بد من أن ينوي لكلّ يوم من ليله، سواء وجب ذلك شرعا أو نذرا، كصيام شهر رمضان و النذر و الكفارات، و سواء تعلّق بزمان بعينه كصوم رمضان، أو نذر زمان بعينه، أو كان في الذمة كالنذور المطلقة و القضاء و الكفارات؛ و به قال مالك و أحمد، إلّا انّ مالكا قال: إذا نوى شهر رمضان في أوّل ليلة للشهر كلّه أجزأه. «1»

و أمّا أصحابنا: فالظاهر من القدماء كفاية نية واحدة، و عليه المفيد في مقنعته «2» و المرتضى في انتصاره «3» و سلّار في مراسمه «4» و أبو الصلاح في كافيه. «5»

و قال في الحدائق: المشهور بين الأصحاب المتأخرين أنّه لا بدّ في كلّ يوم من شهر رمضان من نية. «6» و هو صريح العلّامة في المختلف.

و الحاصل انّ في المسألة قولين:

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 163، كتاب الصوم، المسألة 3.

(2). المقنعة: 302.

(3). الانتصار: 61.

(4). المراسم: 96.

(5). الكافي: 181.

(6). الحدائق: 13/ 27.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 68

..........

______________________________

1. ما عليه قدماء الأصحاب، من كفاية النية الواحدة للشهر كلّه، و استدل عليه السيد المرتضى بأنّه تؤثّر في الشهر كلّه، كما تؤثّر في اليوم كله و إن وقعت في ابتداء ليلته، و لو شرطت مقارنة النية للصوم لما جاز ذلك (النيّة في ابتداء ليلته) مع الإجماع على جوازه، و لو اشترط في تروك

الأفعال في زمان الصوم، مقارنة النية لها، لوجب تجديد النية في كلّ حال من زمان كلّ يوم من شهر رمضان، لأنّه في هذه الأحوال كلّها تارك لا يوجب كونه مفطرا. «1»

و حاصل استدلاله أمران:

أ. إذا كانت النية في أوّل الليلة كافية لصوم يوم، فلتكن نية شهر كافية له، لاشتراكهما في تقدم النية على الواجب و ظرفه.

ب. إذا كانت المقارنة شرطا لصحّة العمل، يجب استمرارها طول النهار و عدم كفاية النية قبل طلوع الفجر، مع أنّه غير واجب إجماعا إذ لا فرق في عدم المقارنة بين قلة الفصل و كثرته.

و ظاهر كلامه جواز الاكتفاء بنية واحدة و إن جاز تجديدها لكلّ ليلة، و لكن الظاهر ممّا استدل به الشهيد الثاني على قول القائل، لزومها و عدم جواز تجديدها، قال: «إنّ القائل بالاكتفاء بنية واحدة للشهر يجعله عبادة واحدة كما صرح به في دليله، و من شأن العبادة الواحدة المشتملة على النية الواحدة، أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها كما هو المعلوم من حالها، و حينئذ يشكل أولوية تعدد النية بتعدد الأيّام، لاستلزامه تفريق النية على أجزاء العبادة الواحدة التي تفتقر إلى النية الواحدة. «2»

2. ما عليه المتأخرون من عدم كفاية النية الواحدة.

______________________________

(1). رسائل الشريف المرتضى: المسائل الرسّية: المجموعة الثانية: 355.

(2). المسالك: 2/ 11.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

و استدل العلّامة عليه بقوله: لا شكّ انّ صوم كلّ يوم مستقل بنفسه قائم بذاته، لا تعلّق له باليوم الذي بعده و تتعدّد الكفارة بتعدّد أيّام إفطاره، ثمّ ردّ على دليل المرتضى بقوله: إنّه قياس محض، مع قيام الفارق بين الأصل و الفرع فانّ اليوم الواحد، عبادة واحدة، و انقسامها بانقسام أجزاء زمانها لا يوجب

تعدّدها، كالصلاة التي يكفي في إيقاعها النية الواحدة، و لا يوجب لكلّ فعل نية على حدة، بخلاف الأيام المتعددة فانّها عبادات متغايرة و لا تعلق لبعضها ببعض. «1»

و لا يخفى أنّ ما ذكره كاف في ردّ دليله الثاني و هو عدم اشتراط استمرار النية، و كفاية وجودها عند طلوع الفجر، دون دليله الأوّل على جواز الفصل بين النية و العمل، إذ لم يردّ عليه بشي ء.

و التحقيق أن يقال: انّ هذا النزاع مبني على قول القدماء من تفسير النية بالإخطار بالبال، فقالوا: هل تكفي النية الواحدة أي الإخطار بالبال في أوّل الشهر أو يلزم تعددها أي تعدد الإخطار بالبال.

و أمّا على مبنى المتأخرين من أنّ النيّة عبارة عن الداعي الذي هو أثر الإرادة التفصيلية الباعثة إلى اختيار الفعل في وقته فيكفي بقاؤه في النفس بحيث لا تنافيه الغفلة و النوم، و كلّما سئل المكلّف عن الفعل لأخبر بأنّه بصدد الصوم. و الداعي للعمل مكنون في النفس لا يضمحلّ بمرور الأيّام، سواء سمّي ذلك نية واحدة لمجموع أيّام الشهر أو نيات متعددة حسب تقرره في النفس عبر الأيام.

و أمّا الاستدلال على كفاية النية الواحدة بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «2» فغير تام، لأنّ الآية بصدد التفريق بين الحاضر و المسافر و ليست بصدد بيان انّ الواجب شي ء واحد و هو نفس الشهر حتى يقال بأنّ العمل الواحد تكفي فيه النية الواحدة.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 374.

(2). البقرة: 185.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 70

[المسألة 16: يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان]

المسألة 16: يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان، فلا يجب صومه، و إن صام ينويه ندبا أو قضاء أو غيرهما، و لو بان بعد ذلك

أنّه من رمضان أجزأ عنه و وجب عليه تجديد النيّة إن بان في أثناء النهار، و لو كان بعد الزوال، و لو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يصحّ و إن صادف الواقع. (1)

______________________________

(1) المسألة تشمل على فرعين:

1. يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان، لا يجب صومه و إن صام فيصوم من شعبان ندبا أو قضاء و يجزيه صومه إن بان الخلاف، و لو بان قبل الغروب يجدد النية.

2. لو صام من رمضان لم يصح و إن صادف الواقع.

و إليك الكلام في الفرعين:

الفرع الأوّل: قال الشيخ في الخلاف: صوم يوم الشكّ يستحب بنية شعبان، و يحرم صومه بنية رمضان، و صومه من غير نية أصلا لا يجزي عن شي ء.

و ذهب الشافعي إلى أنّه يكره إفراده بصوم التطوع من شعبان، أو صيامه احتياطا لرمضان، و لا يكره إذا كان متصلا بما قبله من صيام الأيّام.

و كذلك لا يكره أن يصومه إذا وافق عادة له في مثل ذلك، أو يوم نذر أو غيره؛ و حكى أنّ به قال في الصحابة؛ علي عليه السّلام، و عمر، و ابن مسعود، و عمار بن ياسر؛ و في التابعين: الشعبي، و النخعي؛ و في الفقهاء: مالك، و الأوزاعي.

و قالت عائشة و أختها أسماء: لا يكره بحال.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 71

..........

______________________________

و قال الحسن و ابن سيرين: إن صام إمامه صام، و إن لم يصم إمامه لم يصم.

و قال ابن عمر: إن كان صحوا كره، و إن كان غيما لم يكره؛ و به قال أحمد بن حنبل.

و قال أبو حنيفة: إن صامه تطوعا لم يكره، و إن صامه على سبيل التحرز لرمضان حذرا أن يكون منه فهذا

مكروه. «1»

و الإمعان في الأقوال المنقولة عن الصحابة و التابعين و الفقهاء يثبت انّ الكراهة و ترك الصيام عندهم أفضل.

قال ابن رشد: و اختلفوا في تحرّي صيامه- يوم الشكّ- تطوعا، فمنهم من كرهه على ظاهر حديث عمّار: «من صام يوم الشكّ فقد عصى أبا القاسم» و من أجازه فلأنّه قد روي انّه عليه السّلام صام شعبان كلّه، و لما قد روي من أنّه عليه الصلاة و السلام قال: «لا تتقدموا رمضان بيوم و لا بيومين إلّا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم فليصمه». و كان الليث بن سعد يقول: إنّه إن صامه على أنّه من رمضان ثمّ جاء الثبت انّه من رمضان أجزأه. «2»

و على كلّ حال فجواز الصوم و كفايته عن رمضان عندنا اتفاقي.

قال المحدّث البحراني: الظاهر انّه لا خلاف في أنّه لو صام يوم الشك بنية الندب، ثمّ ظهر كونه من شهر رمضان فانّه يجزي عنه و لا يجب عليه قضاؤه. «3»

و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر من المحقّق و العلّامة نفي الخلاف بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 170، كتاب الصوم، المسألة 9.

(2). بداية المجتهد: 1/ 310.

(3). الحدائق الناضرة: 13/ 39.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

حدّ الاستفاضة إن لم يكن متواترا كالنصوص. «1»

و ربما نسب إلى المفيد القول بالكراهة لكن كلامه في المقنعة ينادي بخلاف ذلك. «2» و إليك بعض ما يدل عليه:

1. موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام يوما و لا يدري أ من شهر رمضان هو أو من غيره، فجاء قوم فشهدوا انّه كان من شهر رمضان، فقال: بعض الناس

عندنا: لا يعتدّ به؟

فقال: «بلى».

فقلت: إنّهم قالوا: صمت و أنت لا تدري أ من شهر رمضان هذا أم من غيره؟ فقال: «بلى، فاعتدّ به، فإنّما هو شي ء وفّقك اللّه له، إنّما يصام يوم الشك من شعبان و لا تصومه من شهر رمضان». «3»

2. ما رواه الكليني عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك؟ فقال: «هو شي ء وفّق له». 4

3. ما رواه سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي صمت اليوم الذي يشك فيه، فكان من شهر رمضان، أ فأقضيه، قال: «لا، هو يوم وفقت له». 5

4. ما رواه محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه، فإنّ الناس يزعمون انّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان، فقال: «كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له، و إن كان من غيره، فهو

______________________________

(1). جواهر الكلام: 16/ 211.

(2). المقنعة: 302.

(3) 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 4 و 5 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

بمنزلة ما مضى من الأيّام». «1»

5. ما رواه بشير النبّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن صوم يوم الشك؟ فقال: «صمه، فإن يك من شعبان، كان تطوّعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له». 2

6. ما رواه الكاهلي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان، قال: «لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان».

3

و هذه الطائفة من الروايات تعرب عن جواز الصيام و كفايته عن شهر رمضان إذا بان الواقع.

و أي لفظ أصرح من قوله في رواية سماعة «بلى، فاعتدّ به»؛ و قوله في رواية الأعرج: «فكان من شهر رمضان، أ فأقضيه، فقال: لا»؛ و في رواية أخرى لسماعة:

سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، لا يدري أ هو من شعبان، أو من شهر رمضان، فصامه فكان من شهر رمضان؟ قال: «هو يوم وفّق له، لا قضاء عليه». 4

نعم ورد في التهذيب مكان قوله: «فصامه فكان من شهر رمضان» قوله:

«فصامه من شهر رمضان» و لكن نسخة التهذيب مغلوطة و الصحيح ما رواه الكليني.

و ما ورد فيه قوله: «هو شي ء وفق له» مجردا عن نفي القضاء أريد من التوفيق صحّة الصوم و عدم وجوب قضائه لو بان انّه من شهر رمضان بقرينة الروايات التي قورن فيها التوفيق بعدم القضاء.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 7، 3، 1، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

و هذه الروايات و غيرها تدل بوضوح على القول المشهور المتفق عليه.

نعم في مقابل هذه الروايات ما يعارضها، نقتصر منها على ما يلي:

1. ما رواه قتيبة الأعشى، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستة أيّام: العيدين، و أيام التشريق، و اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان». «1»

2. عبد الكريم بن عمرو الملقّب ب «كرّام»، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال: «صم؛ و لا تصم في السفر،

و لا العيدين، و لا أيّام التشريق، و لا اليوم الذي يشك فيه». 2

3. عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه و لا يدرى أ هو من شهر رمضان أو من شعبان؟ فقال: «شهر رمضان، شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من التمام و النقصان، فصوموا للرؤية و أفطروا للرؤية، و لا يعجبني أن يتقدمه أحد بصيام يوم ...» الحديث. 3

و لكن النهي محمول على الصوم بنيّة رمضان بشهادة حديث محمد بن شهاب الزهري قال: سمعت علي بن الحسين يقول: «و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه، أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس». الحديث. 4

و يمكن حمل هذه الروايات على التقية لما عرفت من كتاب الخلاف، ذهاب بعضهم إلى كراهته إذا كان مفردا، أو التفصيل بين الصحو و الغيم كما عن ابن عمر أو غير ذلك.

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 2، 3.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.

(3) 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 75

..........

______________________________

إذا صام قضاء يجزي عن رمضان إذا صام ندبا، أو قضاء أو لغيرهما و بان أنّه من رمضان أجزأ عنه في جميع الصور، و ربما يقال انّ المنصرف من صومه على أنّه من شعبان، صومه بنية صوم شعبان المندوب لا غير ... و يؤيد قوله عليه السّلام في رواية بشير النبال: «صمه فإن يك من شعبان

كان تطوعا، و إن يك من رمضان فصوم وفّقت له». «1»

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى الإطلاقات هو الاجتزاء في جميع الصور و لو كانت الصحة مختصة بما إذا صام تطوعا كان على الإمام البيان، و أمّا رواية بشير فليست بصدد التقييد، بل ورد بعنوان المثال.

تجديد النية لو بان أثناء النهار هل يجب تجديد النية إن بان في أثناء النهار و لو كان بعد الزوال أو لا؟ يظهر من صاحب الجواهر التردد في الوجوب قائلا: ثمّ إنّ إطلاق النص و الفتوى يقتضي الاجتزاء بذلك، و إن لم يجدّد النية إذا بان انّه من رمضان في أثناء النهار. «2»

لكن مصبّ الروايات هو الانكشاف بعد انقضاء النهار، فلا يصحّ التمسك بإطلاقها فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد فربما يقال انّ أمامه أحد الأمور:

1. أن يتخلّى عن النية عند الانكشاف، بحيث لو نوى المفطر ساغ له ذلك.

2. أن يستمر على النية السابقة: نية الصوم من شعبان ندبا.

3. أن يجدّد النية.

و الأوّل باطل جزما، و الصوم عبادة لا يصحّ بلا نية، و الثاني أيضا مثله لعدم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 3.

(2). الجواهر: 16/ 211.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 76

..........

______________________________

الأمر بالصوم بنية شعبان فتعين الثالث.

يلاحظ عليه: أنّه يتخلّى عن النية السابقة، و يصوم بلا عنوان لما مرّ من أنّ الزمان لا يصلح إلّا لرمضان، و قد مرّ انّ في مثله يكفي الصوم بلا نية العنوان، نعم تجديد النية هو الأحوط فربما تحصل بلا اختيار بعد الانكشاف، كما هو الأقوى، و عندئذ يكون البحث عن التجديد و عدمه أمرا لغوا.

الفرع الثاني: لو صام يوم الشكّ بنية انّه من رمضان و هذا الفرع أحد

الفروع الأربعة الآتية في المسألة السابعة عشرة.

قال الشيخ في الخلاف: صوم يوم الشك يستحب بنية شعبان، و يحرم صومه بنية رمضان. «1»

و قال في مسألة أخرى: إذا عقد النية ليلة الشكّ على أن يصوم من رمضان من غير أمارة من رؤية أو خبر من ظاهره العدالة، فوافق شهر رمضان اجزأه و قد روي أنّه لا يجزئه. «2»

و لا يخفى وجود التهافت الاجتهادي بين المسألتين، فإذا كان صومه حراما، فكيف يكون صحيحا مع اقتضاء النهي في العبادات الفساد؟!

و كلّ من نسب إلى الشيخ الجواز، فإنّما هو بالنظر إلى كلامه في المسألة الأخرى، و إلّا فمقتضى كلامه في مسألتنا هو الفساد.

قال العلّامة في المختلف بعد عنوان المسألة: قال ابن أبي عقيل: إنّه يجزئه؛ و هو اختيار ابن الجنيد، و به أفتى الشيخ في الخلاف، قال فيه: و قد روي أنّه لا يجزئه.

و قال في المبسوط: و إن صام بنية الفرض روى أصحابنا أنّه لا يجزئه؛ و قال

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 170، كتاب الصوم، المسألة 9.

(2). الخلاف: 2/ 180، كتاب الصوم، المسألة 23.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 77

..........

______________________________

في النهاية، و الجمل، و الاقتصاد و كتابي الاخبار: لا يجزئه و هو حرام.

و اختاره السيد المرتضى، و ابنا بابويه، و أبو الصلاح، و سلّار، و ابن البراج، و ابن إدريس، و ابن حمزة و هو الأقوى. «1»

و قال في الحدائق الناضرة بعد عنوان المسألة: المشهور انّه يكون فاسدا و لا يجزئ عن أحدهما، لا عن شهر رمضان و إن ظهر كونه منه. «2»

و قال في الجواهر: على المشهور بين الأصحاب، بل في الرياض نسبته إلى عامة من تأخّر، بل عن المبسوط نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع

عليه لبطلانه بالنهي عنه، المقتضي للفساد. «3»

و يمكن الاستدلال على الصحّة بروايتين:

الأولى: موثقة سماعة، قال: سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان، فصامه من شهر رمضان؟

قال: «هو يوم وفّق له لا قضاء عليه». «4»

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال مبني على ما رواه الشيخ في التهذيب:

«... فصامه من شهر رمضان» و لكن المروي في الكافي قوله: «فصامه [فكان] من شهر رمضان» باضافة لفظة «فكان» فيكون دليلا للفرع السابق، قال في الحدائق:

«و بذلك يظهر حصول الغلط في الخبر و نقصان «فكان» من رواية الشيخ كما هو معلوم من طريقته في الكتاب المذكور و ما جرى له فيه من التحريف و التغيير

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 380.

(2). الحدائق الناضرة: 13/ 34.

(3). الجواهر: 16/ 207.

(4). الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 6. و قد أشار المعلّق على الوسائل إلى اختلاف نسختي الكافي و التهذيب فلاحظ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 78

..........

______________________________

و النقصان في متون الأخبار و أسانيدها.

و الثانية صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك، فقال: «هو شي ء وفّق له»، بناء على «1» أنّ قوله: «من شهر رمضان» متعلّق بقوله: «يصوم».

يلاحظ عليه: أنّه خلاف الظاهر، لوضوح انّ قوله: «من شهر رمضان» متعلّق ب «يشك» لا بقوله: «يصوم» لأقربية الأوّل.

استدل القائلون بالفساد بروايات:

1. رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: في يوم الشك: من صامه قضاه، و إن كان كذلك، يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية، قضاه، و إن كان يوما

من شهر رمضان، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها كان عليه القضاء. «2»

و الاستدلال مبني على أنّ التفسير أعني قوله: «يعني الخ» من الإمام و إلّا فقوله: «من صامه قضاه و إن كان كذلك» مجمل مردّد بين الصوم بنية شعبان الذي فرغنا عنه أو صومه بنية رمضان الذي نحن فيه.

نعم يمكن أن يقال انّ المراد الصوم بنية رمضان بقرينة ما مضى من الروايات الدالة على الصحّة إذا كانت النية، نية شعبان.

2. صحيح محمد بن مسلم في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، فقال: «عليه قضاؤه و إن كان كذلك». 3

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 6 و 5. و قد أشار المعلّق على الوسائل إلى اختلاف نسختي الكافي و التهذيب فلاحظ.

(2) 2 و 3. الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 5 و 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 79

..........

______________________________

و الاستدلال مبني على تعلّق الظرف (من رمضان) بقوله: «يصوم» حتى يكون الصوم بنية رمضان.

يلاحظ عليه: الظاهر تعلّقه بالأقرب، أعني: يشك، و يكون عندئذ مخالفا لما دل على الصحة من الروايات و الإجماع.

و يمكن أن يكون متعلقا بالبعيد بأن يكون المراد يصوم- يوم الشك- من رمضان و ذلك جمعا بينها و بين الروايات الدالة على الصحّة إذا صام بنية شعبان.

و الأولى الاستدلال بالروايتين التاليتين:

3. رواية الزهري عن علي بن الحسين عليهما السّلام في حديث طويل، قال: «و صوم يوم الشك أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس». «1»

و الاستدلال مبني على أنّ

المراد من انفراد الرجل، انفراده بصيامه عن سائر الناس فيصوم بنية رمضان.

و في بعض النسخ على ما في تعليقة الحدائق «أن ينوى» مكان «أن ينفرد».

4. موثقة سماعة في جواب سؤال من قال: رجل صام يوما و لا يدري أ من شهر رمضان هو أو من غيره؟ فقال عليه السّلام: «بلى فاعتدّ به فإنّما هو شي ء وفقك اللّه له، إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان، و لا تصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نهى أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك». 2

و دلالة الرواية واضحة، و المقصود من قوله: «و لأنّه قد نهى أن ينفرد الإنسان» أي ينفرد بالصوم بنية رمضان.

هذه هي الروايات التي استدلّ بها على القول المشهور، و إن كانت دلالة

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 8 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

بعضها ضعيفة، و لكن في المجموع كفاية.

مضافا إلى أنّ الصوم بنيّة رمضان بدعة في الدين، لأنّه إذا لم يثبت الهلال لم يثبت كون اليوم من رمضان، فكيف يصوم بنية يوم دل الدليل على أنّه من شعبان؟

و بذلك يظهر مفاد النهي عن الصوم في يوم الشك ففي خبر محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في اليوم الذي يشك فيه- إلى أن قال:- «لا يعجبني أن يتقدم أحد بصيام يومه». «1»

و في خبر سهل بن سعد قال: سمعت الرضا يقول: «الصوم للرؤية، و الفطر للرؤية، و ليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية، و أفطر قبل الرؤية للرؤية»، قال:

قلت له: يا ابن رسول اللّه فما ترى في صوم يوم الشك؟ فقال: «حدثني أبي، عن جدّي، عن آبائه عليهم السّلام

قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان». 2

و مرسل الصدوق قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: «لئن أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن أصوم يوما من شعبان، أزيده في شهر رمضان». 3

فانّ ذيل المرسلة قرينة على المراد من قوله: «لا يعجبني أن يتقدمه أحد بصيام يومه» هو أن يجعله من رمضان.

و بعد ملاحظة الفتاوى في الفرعين و دراسة الروايات و تفسير بعضها ببعض، يتبيّن انّ ما هو المشهور هو الحقّ و إن قال صاحب الجواهر: فالمسألة لا تخلو من إشكال. 4

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب وجوب الصوم و نيّته، الحديث 7 و 9 و 8.

(2) 4. الجواهر: 16/ 211.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 81

[المسألة 17: صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه]

المسألة 17: صوم يوم الشكّ يتصوّر على وجوه:

الأوّل: أن يصوم على أنّه من شعبان، و هذا لا إشكال فيه، سواء نواه ندبا، أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر، أو نحو ذلك، و لو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان أجزأ عنه و حسب كذلك.

الثاني: أن يصومه بنيّة أنّه من رمضان، و الأقوى بطلانه و إن صادف الواقع.

الثالث: أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا. و إن كان من رمضان كان واجبا. و الأقوى بطلانه أيضا.

الرابع: أن يصومه بنيّة القربة المطلقة، بقصد ما في الذمّة، و كان في ذهنه أنّه إمّا من رمضان أو غيره، بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيّته فالأقوى صحّته و إن كان الأحوط خلافه. (1)

______________________________

(1) تقدم الكلام في الأوّلين

إنّما الكلام في الأخيرين، و البحث تارة يقع في الفرق بينهما، و أخرى في وجه اختلاف حكمهما من حيث عدم صحّة الأوّل و صحّة الثاني.

وجه الفرق بين الصورتين الظاهر من الماتن أنّ الأوّل من قبيل الترديد في المنويّ حيث فسّر القسم الثاني بقوله: «بأن يكون الترديد في المنوي لا في النية» مشيرا بذلك إلى أنّ الترديد في الأوّل من قبيل الترديد في النية.

يلاحظ عليه: إذا كان المراد من النية هو قصد الصوم و العزم عليه، فهو قاصد و عازم قطعا فهو غير متردد في نية الصوم و قصده.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

و قد حاول المحقّق الخوئي أن يجعله من قبيل الترديد في النيّة بالبيان التالي:

و هو انّ مبنى الصورة الأولى على الامتثال الاحتمالي، بمعنى انّ الباعث له على الصيام إنّما هو احتمال رمضان، و أمّا الطرف الآخر، أعني: الصوم الندبي من شعبان، فلا يهتمّ به، بل قد يعلم ببطلانه لعدم كونه مأمورا به في حقّه، كما لو كان عبدا أو زوجة أو ولدا قد منعه المولى أو الزوج أو الوالد عن الصوم الندبي، بناء على الافتقار إلى الإذن منهم، فيصوم يوم الشك برجاء أنّه من رمضان لا على سبيل البتّ و الجزم ليكون من التشريع، فيتعلّق القصد بعنوان رمضان، لكن لا بنية جزمية بل ترديدية احتمالية ...

و أمّا الصورة الثانية، فليس فيها رجاء أبدا، بل هو قاصد للأمر الفعلي الجزمي الجامع بين الوجوب و الاستحباب للقطع بتعلّق الأمر بالصوم في هذا اليوم، غاية الأمر انّ الخصوصية مجهولة، لأنّ صفة المنويّ مرددة بين الوجوب و الاستحباب لتردّدها بين رمضان و شعبان. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره في الصورة الثانية لا غبار عليه،

و قد أصلح بما ذكره عبارة الماتن حيث جعل المراد من التردّد في المنوي، هو التردّد في وصف المنويّ لا نفسه، خلافا لظاهر عبارة الماتن في كون التردّد في نفس المنويّ لا في وصفه، لكن كلامه في الصورة الأولى غير تام، لأنّه ربما يهتم بكلا الطرفين، كما إذا كان عليه قضاء يريد أن يقضي ما فات لئلّا تتعلّق به كفارة التأخير، أو كان عليه صوم نذري أو غير ذلك من الدواعي، و معه كيف يقول: إنّ الداعي هو الاحتمال، للاهتمام بأحد الأمرين دون الآخر؟!

و يمكن أن يقال: إنّه جازم في النية، أي قاصد للصوم، و جازم لامتثال الأمر، المحقّق شرطه في الواقع و إن لم يكن عارفا به؛ فكأنّه ينوي، إن كان من شعبان

______________________________

(1). مستند العروة: 75- 76.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 83

..........

______________________________

أصومه ندبا لا غير. و إن كان رمضان أصومه واجبا لا غير، و بما انّ أحد الشرطين محقّق في الواقع، فهو قاصد للأمر المحقّق شرطه، فليس هذا ترديدا في النية و لا في المنويّ، و إنّما هو جهل لوصف الأمر المجزوم، المحقّق شرطه.

و الفرق بينها و بين الصورة الثانية هو انّ المنويّ في الثانية هو الأمر الفعلي الماثل أمامه من دون تعليق و اشتراط، و هذا بخلاف المقام فيقصد كلّ أمر مشروطا، و تكون النتيجة أنّه يقصد الأمر المشروط، المحقّق شرطه عند اللّه.

فليست هاتان الصورتان لا من قبيل الشكّ في النية و لا في المنويّ، و التفاوت بينهما هو كون المنويّ في الأولى مشروط دون الثاني.

نعم لو قال: أصوم إن كان من رمضان و لا أصوم لو كان من شعبان فهو ترديد في النية.

كما أنّه لو قال: أصوم إمّا

من رمضان أو من شعبان، فهو ترديد في المنويّ، بلا تعليق على تقدير معين.

بقي هنا شي ء:

و هو انّ الماتن قيّد القربة المطلقة بقصد ما في الذمة في الصورة الثانية، و كأنّه قيد زائد لا يتم فيما إذا لم يكن على ذمته صوم واجب من قضاء أو نذر أو كفارة، و أمّا الصوم الاستحبابي فليس على ذمة الإنسان، و على هذا، فالإتيان بهذا القيد أمر زائد لو لم يكن مخلا.

إنّ هنا صورة خامسة، و هي أن يأتي بها تقرّبا إلى اللّه، بناء على كفايته في صحة العبادة و إن لم يلتفت إلى أمره، و لعلّ قول الماتن: «بنية القربة المطلقة» إشارة إلى هذا القسم، دون ما ذكرناه و فسرناه من قصد الأمر الفعلي الماثل، هذا كلّه حول الأمر الأوّل، أي تبيين واقع النيّتين.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 84

..........

______________________________

ما هو وجه الفرق في الحكم؟ فلنذكر الأقوال ثمّ بيان الفرق:

قال الشيخ: إذا نوى أن يصوم غدا من شهر رمضان فرضة أو نفلة، فقال:

إنّه إن كان من رمضان فهو فرض، و إن لم يكن من رمضان فهو نافلة: أجزأه و لا يلزمه القضاء. و قال الشافعي: لا يجزيه و عليه القضاء.

دليلنا: ما قدّمناه من أنّ شهر رمضان يجزي فيه نية القربة، و نية التعيين ليست شرطا في صحّة الصوم، و هذا قد نوى القربة و إنّما لم يقطع على نية التعيين فكان صومه صحيحا. «1»

و قال العلّامة في المختلف: للشيخ قولان: أحدهما: الإجزاء، ذكره في المبسوط و الخلاف، و الثاني: العدم، ذكره في باقي كتبه. و اختاره ابن إدريس؛ و اختار ابن حمزة الأوّل، و هو الأقوى، و هو مذهب ابن أبي عقيل. «2»

و قال في

الحدائق: و الصحة ظاهر الدروس و البيان، و إليه يميل كلام المحقّق الأردبيلي، و المحدث الكاشاني؛ و أمّا البطلان، فقد ذهب إليه المحقّق، و ابن إدريس، و العلّامة في الإرشاد، و اختاره في المدارك و نسبه إلى أكثر المتأخرين. «3»

استدل القائل بالبطلان في الصورة الأولى بوجوه:

الأوّل: ما نقله العلّامة عن الشيخ: انّه لم ينو أحد السببين (الأمرين) قطعا، و النية فاصلة بين الوجهين و لم يحصل، و المراد انّ النية قاطعة للترديد و موجبة لنية

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 179، كتاب الصوم، المسألة 21.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 383.

(3). الحدائق: 13/ 44.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 85

..........

______________________________

أحد السببين و لم يحصل.

و أجاب العلّامة: المنع من اشتراط القطع، لأنّه تكليف بما لا يطاق. «1»

توضيحه: انّه نوى أحد السببين لا بصورة مطلقة، بل بصورة مشروطة، و بما انّ شرط أحد الأمرين متحقّق فقد نواه و إن لم يتعيّن ظاهرا، فنيّة كلّ من الوجوب و الندب على تقدير، مرجعه إلى أنّه لو كان من شعبان فأصوم ندبا فقط و لو كان من رمضان فأصوم وجوبا فقط، فالمنوي في الواقع متعيّن و لا تعيّن عنده، و النيّة الفاصلة بين الوجهين أيضا محقّقة.

الثاني: الظاهر من النصوص انّه تتعيّن نيّته من شعبان، فنيّته بهذه الصورة على خلاف ذلك تشريع محرم فلا يتحقّق به الامتثال، و هو معتمد المدارك. «2»

يلاحظ عليه: أنّ النصوص المبيّنة لكيفية النيّة، بصدد المنع عن صومه بما انّه من رمضان، روى عبد اللّه بن سنان انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام شعبان، فلمّا كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان فبان انّه من شعبان، لأنّه وقع فيه الشكّ؟ فقال: «يعيد ذلك اليوم،

و إن أضمر من شعبان فبان انّه من رمضان فلا شي ء عليه». «3»

و هو صريح في أنّ الممنوع نيّة كونه من رمضان لا غير على وجه الجزم، و أمّا صورة الترديد و إيكال الأمر إلى الواقع، فهي خارجة عن حريم الروايات المجوّزة و المانعة.

و ممّا ذكرنا يعلم عدم تمامية ما ذكره المحقّق الخوئي حيث استقرب أن تكون الروايات ناظرة إلى نفس هذه الصورة، إذ من البعيد الاهتمام فيها بأمر إما لا يقع

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 384.

(2). مدارك الأحكام: 6/ 34.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 10.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 86

..........

______________________________

خارجا أو نادر الوقوع جدا، و هو الصوم في يوم الشك بعنوان رمضان بنية جزمية تشريعية، و بالجملة فالروايات إمّا مختصة بالرجاء أو أنّها مطلقة من هذه الجهة، و على التقديرين فتدل على البطلان في هذه الصورة. «1»

لأنّ ما ذكره مجرد احتمال لا تساعده ظواهر الروايات و ليس فيها أية إشارة إلى أنّها ناظرة إلى تلك الصورة، و لو افترضنا شمولها بصورة الرجاء، فيشمل ما إذا صام رجاء كونه رمضان فقط و هو غير نية كلّ من الأمرين على صورة خاصة.

الثالث: انّ حقيقة صوم رمضان، تغاير الصوم المندوب، كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما، فإذا لم تعيّن حقيقة أحدهما، في النيّة، التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به، لم يقع عن أحدهما؛ و هو معتمد الشيخ الأعظم. «2»

يلاحظ عليه بما مرّ من أنّه لا تشترط نيّته عنوان رمضان في صحّة صومه، و ذاك لأنّ اليوم المتعيّن شرعا لصوم خاص لا يقبل فيه أي صوم، فتكفي فيه نية صوم الغد و الفرض أنّه محقق، و ما فسّرت

به النيّة، كأنّه تفسير فلسفي، و اختلاف أحكام صوم رمضان يرجع إلى تعيّن اليوم للصوم، لا إلى اختلاف ماهية صومه مع صوم الأيام الأخر، و على ذلك فنيّة صوم الغد، كاف في استحضار حقيقة الفعل المأمور به كما لا يخفى.

هذا كلّه حول الصورة الأولى.

و أمّا صحة الصورة الثانية، فقد اتضحت ممّا ذكرناه للجزم بالنيّة، و الإشارة إلى الأمر المعيّن، غاية الأمر لا يعلم وصفه، و هو غير مضرّ.

______________________________

(1). مستند العروة: 76.

(2). كتاب الصوم للشيخ الأنصاري: 121.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 87

المسألة 18: لو أصبح يوم الشّك بنيّة الإفطار، ثمّ بان له أنّه من الشهر، فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء، و أمسك بقيّة النهار وجوبا تأدّبا، و كذا لو لم يتناوله و لكن كان بعد الزوال، و إن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر جدّد النيّة و أجزأ عنه. (1)

______________________________

(1) هنا فروع ثلاثة: حكم بالبطلان في الأوّلين دون الثالث، فلنذكر بعض الكلمات:

قال الشيخ: إذا أصبح يوم الشك و هو يوم الثلاثين من شعبان، و يعتقد انّه من شعبان بنية الإفطار، ثمّ بان أنّه من شهر رمضان لقيام بيّنة عليه قبل الزوال، جدّد النية و صام، و قد أجزأه. و إن بان بعد الزوال، أمسك بقية النهار و كان عليه القضاء. و به قال أبو حنيفة.

و قال الشافعي: يمسك و عليه القضاء على كلّ حال. و اختلفوا إذا أمسك هل يكون صائما أم لا؟ قال الأكثر: إنّه يجب عليه الإمساك و لا يكون صائما.

و قال أبو إسحاق: يكون صائما من الوقت الذي أمسك صوما شرعيا. «1» و لم يذكر ما إذا تناول المفطر.

و قال في المختلف بعد نقل كلام الشيخ عن الخلاف:

و نحوه قال ابن أبي عقيل. و أطلق ابن الجنيد و قال: إن أصبح يوم الشك غير معتقد لصيام، فعلم فيه انّه من رمضان، فصامه معتقدا لذلك، أجزأ عنه و بناه على أصله من جواز تجديد النية بعد الزوال. «2»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 178، المسألة 20، كتاب الصوم.

(2). المختلف: 3/ 379.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 88

..........

______________________________

و قال في الحدائق: أمّا الحكم الأوّل (الصحّة قبل الزوال) فالظاهر انّه لا خلاف فيه بينهم، و ظاهر المحقّق في المعتبر و العلّامة في المنتهى و التذكرة انّه موضع وفاق بين العلماء؛ و أمّا الحكم الثاني (البطلان فيما بعد الزوال) فهو المشهور. «1»

و استدل على الصحّة فيما إذا لم يتناول المفطر و علم قبل الزوال بفحوى ما ورد على انعقاد الصوم من المريض و المسافر إذا زال عذرهما من قبل. «2»

و ما ورد من طريق أهل السنة انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر رجلا من «أسلم» ان أذّن في الناس أنّ من أكل فليصم بقية يومه، و من لم يكن أكل فليصم، فإنّ اليوم يوم عاشوراء «3» و نقله الشيخ في الخلاف كما مرّ.

و استدل في الجواهر بالإجماع و قال: و هو الحجّة بعد اعتضاده بما عرفت. «4»

أقول: الظاهر انّ الأصحاب انتزعوا ممّا ورد في أبواب مختلفة ضابطة كلية، و هي بقاء وقت النية إلى الزوال.

1. ما ورد في حقّ المسافر في موردين:

أ. ما ورد في خروجه قبل الزوال و بعده، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم؟ قال: فقال:

«إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم،

و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه». «5»

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 46.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4، 6، 7.

(3). السنن الكبرى: 4/ 288.

(4). الجواهر: 16/ 214.

(5). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2 و غيره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

ب. ما ورد في قدومه قبل الزوال و بعده، فعن أبي بصير قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فقال: «إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به». «1»

2. ما ورد في الواجب غير المعين كالقضاء و النذر المطلق من بقاء وقت النية إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا، و هي روايات متضافرة؛ ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال: «نعم ليصمه و ليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا». «2»

3. و ما دلّ من الأدلة على صحّة صوم الجاهل و الناسي لرمضان إذا تذكر قبل الزوال إذا لم يأت بمفطر، و هو و إن لم يرد فيه نص بالخصوص لكن عرفت أنّ الصحّة هو مقتضى القواعد.

4. اتّفاق المشهور عليها، حيث ألحقوا المريض الذي برأ قبل الظهر بالمسافر مع عدم ورود نصّ فيه، كلّ ذلك ممّا يشرف الفقيه على بقاء زمان النية في الصوم الواجب إلى الزوال، من غير فرق بين صوم رمضان أو غيره، أداء كان أو قضاء.

و ما عن السيد المحقّق الخوئي قدّس سرّه من أنّ الاجتزاء على خلاف

القاعدة، يقتصر على مورد قيام الدليل، و هو خاص بالمريض و المسافر دون غيرهما و إن لم يتناول المفطر، فلا وجه للتعدي «3» غير تام، لما عرفت من عدم ورود النصّ في المريض أوّلا، و إمكان انتزاع القاعدة الكلية من روايات واردة في موارد مختلفة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6 و غيره.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2 و غيره.

(3). مستند العروة، كتاب الصوم: 78- 79.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 90

[المسألة 19: لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما ثمّ تناول المفطر نسيانا]

المسألة 19: لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما ثمّ تناول المفطر نسيانا و تبيّن بعده أنّه من رمضان أجزأ عنه أيضا، و لا يضرّه تناول المفطر نسيانا، كما لو لم يتبيّن، و كما لو تناول المفطر نسيانا بعد التبيّن. (1)

______________________________

ثانيا.

بقي الكلام في أمرين:

1. فيما إذا تناول المفطر، وجب القضاء و أمسك بقية النهار وجوبا تأدّبا. أمّا القضاء، فعلى وفق القاعدة، إنّما الكلام في الإمساك بعد الإفطار تأدّبا، فقد ورد صوم التأديب في رواية الزهري عن علي بن الحسين عليهما السّلام في مورد الصبي المراهق و المسافر إذا أكل من أوّل النهار، ثمّ قدم أهله، و كلّ من أفطر لعلة في أوّل النهار ثمّ قوى بعد ذلك، أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا، و ليس بفرض. «1» إنّما الكلام في الإمساك التأديبي فرضا كما في المقام، فليس عليه دليل سوى ارتكاز المتشرعة، فانّ المرتكز عندهم قبح تناوله بعد علمه.

2. فيما لو لم يتناوله و لكن كان التبيّن بعد الزوال، و قد عرفت أنّ الميزان لتجديد النية، هو قبل الزوال، لا

بعده، فلذلك يصوم تأدّبا و يقضي.

(1) في المسألة فروع ثلاثة، و الجامع بينها صوم يوم الشك بنية شعبان:

1. إذا تناول المفطر نسيانا قبل أن يتبيّن انّه من رمضان.

2. إذا تناول المفطر نسيانا و لم يتبيّن أنّه من رمضان.

3. إذا تناول المفطر نسيانا، بعد أن تبيّن انّه من رمضان.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 33 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 91

[المسألة 20: لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان]

المسألة 20: لو صام بنيّة شعبان ثمّ أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان، و إن تبيّن له كونه منه قبل الزوال. (1)

______________________________

وجه عدم القدح هو اختصاص المفطر، بالتناول العمدي، و أمّا غيره فليس بمفطر.

و يؤيده الاتفاق على الصحّة فيما إذا تناول في شهر رمضان نسيانا، فكيف إذا تناول و لم يثبت بعد انّه من رمضان، أو لم يثبت إلى نهاية النهار؟

(1) و ذلك لاختصاص الدليل بالصوم الصحيح، فيجدّد النيّة من الصوم الصحيح إلى صحيح آخر، لا من الصوم الباطل، و ليس الصوم مجرّد إمساك، بل إمساك بنيّة التقرّب، و المفروض انّه فاته ذلك القيد في بعض أجزاء النهار.

فإن قلت: ما الفرق بينه و بين ما إذا صام بنية شعبان، ثمّ نوى الإفطار و تبيّن كونه من رمضان، مع أنّها كالرياء مفسدة للصوم، و سيأتي من الماتن في المسألة التالية الحكم بالصحّة، و مثله: ما إذا صام يوم الشك بقصد واجب معين، ثمّ نوى الإفطار عصيانا، ثمّ تبيّن كونه من رمضان، فالمختار عندنا هو الصحّة و إن كان المختار عند الماتن البطلان؟

قلت: سيوافيك الفرق بين المقام و الآخرين هو انّ نية الإفطار في الصورة الأولى لم تكن محرمة، لأنّه لم يثبت عنده كون الزمان

من رمضان، و مثله الصورة الثانية، فإنّ نية الإفطار ليست محرمة إلّا من باب التجرّي، لأنّ الزمان غير صالح لصوم اليوم المعين، و كونه من رمضان غير ثابت، فلا يكون حكمه منجزا و تكون نيّة الإفطار تجريا، و أمّا المقام فالصوم هنا منهي عنه، فكيف يصلح لأن يتقرّب به و يضم إلى الصوم الصالح الذي يتقرّب به.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 92

[المسألة 21: إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ثمّ نوى الإفطار و تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوى صحّ صومه]

المسألة 21: إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ثمّ نوى الإفطار و تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوى صحّ صومه، و أمّا إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثمّ تاب فجدّد النيّة قبل الزوال لم ينعقد صومه، و كذا لو صام يوم الشكّ بقصد واجب معيّن ثمّ نوى الإفطار عصيانا ثمّ تاب فجدّد النيّة بعد تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال. (1)

______________________________

و مع ذلك ففي النفس ممّا ذكره شي ء لما مرّ من أنّ المصحح هو تجديد النية بعد الوقوف على كونه من رمضان و تقبل الصوم الناقص مكان الكامل، فلا يزيد الرياء في الصوم على نية الإفطار، و سيوافيك انّه غير مبطل.

(1) ذكر فيها فروعا ثلاثة كلّها ممّا لا نصّ فيها و لا محيص عن استخراج حكمها من القواعد العامة.

الفرع الأوّل إذا صام يوم الشك ثمّ نوى الإفطار، و لم يتناول شيئا، ثمّ تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال، فهل ينعقد صومه أو لا؟

الظاهر انعقاده، لأنّه يكون كمن أصبح يوم الشكّ بنية الإفطار ثمّ بان له انّه من الشهر، فقد مضى انّه يصحّ إذا جدّد النيّة قبل الزوال.

و التفصيل بين قبل الزوال و بعده مبنيّ على الضابطة الكلية المنتزعة عن موارد مختلفة، بل

الصحّة في المقام أولى، لأنّه إذا صحّ فيما إذا نوى الإفطار إلى قبيل الزوال ثمّ نوى الصوم، فأولى أن يكون صحيحا فيما إذا كان في جزء منه صائما و في جزء آخر ناويا الإفطار.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 93

..........

______________________________

الفرع الثاني إذا نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا، ثمّ تاب فجدّد النية قبل الزوال لم تنعقد نيّته.

قال الشيخ: إذا نوى في أثناء النهار أنّه قد ترك الصوم، أو عزم على أن يفعل ما ينافي الصوم لم يبطل صومه، و كذلك الصلاة إذا نوى أن يخرج منها، أو فكّر هل يخرج أم لا؟ لا تبطل صلاته، و إنّما يبطل الصوم و الصلاة بفعل ما ينافيهما. و به قال أبو حنيفة. و استدل على ذلك بأنّ نواقض الصوم و الصلاة قد نصّ لنا عليها، و لم يذكروا في جملتها هذه النية، فمن جعلها من جملة ذلك كان عليه الدلالة. «1»

و قال المحقّق: لو نوى الإفطار في يوم رمضان ثمّ جدّد قبل الزوال، قيل: لا ينعقد و عليه القضاء، و لو قيل بانعقاده كان أشبه. «2»

و بذلك يعلم أنّ التشكيك في كون الصحّة قولا للشيخ ليس بصحيح، لما عرفت من تصريحه في الخلاف، و نقله في المختلف عن المبسوط أيضا «3»، و ذهب أبو الصلاح في الكافي «4»، و العلّامة في المختلف «5» إلى البطلان؛ و دليله واضح، لأنّ الإخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فوات ذلك الجزء لفوت شرطه، و يلزم منه فساد الكلّ، لأنّ الصوم لا يتبعض فيجب قضاؤه. «6»

و بذلك يعلم الفرق بين الصوم و الصلاة، فانّ كلّ آن من الفجر إلى الليل،

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 222، كتاب الصوم، المسألة 89.

(2).

الشرائع: 1/ 140، فروع ثلاثة.

(3). لاحظ المبسوط: 1/ 278.

(4). الكافي: 182.

(5). المختلف: 3/ 385.

(6). الحدائق: 13/ 47؛ المختلف: 2/ 385.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 94

..........

______________________________

جزء من الصوم، فيجب أن يكون مقرونا بنية الصوم، فلو نوى الإتيان بالمخلّ، فقد أخلى ذلك الجزء من النية، و فات منه الصوم الكامل و لا دليل على قيامه مقام الصوم الكامل.

استدل على الصحّة بوجوه:

1. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يصبح و هو يريد الصيام ثمّ يبدو له فيفطر؟ قال: هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار». «1»

وجه الاستدلال: هو دلالتها على أنّه بالنيّة قبل الزوال، يحسب اليوم. «2»

يلاحظ عليه: ظهور الصحيحة في النافلة، أو الواجب غير المعيّن و لا يعم المعيّن من الصوم خصوصا شهر رمضان.

و قال الشهيد الثاني: القول بالصحّة مبني على الاجتزاء بنيّة واحدة مع تقدّمها أو على القول بجواز تأخير النيّة قبل الزوال اختيارا، و انّ نيّة المنافي إنّما ينافي الاستدامة الحكمية لا نفس النيّة و شرطيّة الاستدامة أو توقف صحّة الصوم عليها غير معلوم. و إن ثبت ذلك في الصلاة. «3»

يلاحظ عليه: أنّ كلا المبنيين غير ثابت: أمّا الثاني، أي جواز تأخير النية، فهو على خلاف الآية الدالة على لزوم مقارنة نيّة الصوم من الفجر إلى الليل، قال سبحانه: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ «4». و أمّا الأوّل أي كفاية النية المتقدمة، فلأنّ النيّة ليست إخطارا بالبال حتى يكتفي بوجودها المتقدم، بل هي عبارة عن

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 13.

(2). الحدائق: 13/ 48.

(3). المسالك: 2/

14.

(4). البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 95

..........

______________________________

الداعي إلى الإمساك المقارن معه إلى نهاية اليوم و المفروض انتفاؤه في جزء من اليوم.

و أمّا القول بأنّ نيّة المنافي، لا ينافي نيّة الصوم فهو كما ترى.

الفرع الثالث لو صام يوم الشكّ بقصد واجب معيّن ثمّ نوى الإفطار عصيانا، ثمّ تاب فجدّد النيّة بعد تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال، فهل يصحّ من رمضان أو لا؟

و ذلك كما إذا نذر أن يصوم آخر شهر شعبان، فصام بهذه النية، ثمّ نوى الإفطار عصيانا و لم يتناول المفطر، ثمّ تبيّن كونه من رمضان، فجدّد النيّة ثانيا.

وجه البطلان: انّه يشترط في الصوم الواجب المعيّن، اقتران الإمساك في جميع الوقت بنيّة الصوم، و المفروض عدمه في ظرف العصيان، و بما انّ صومه هذا من الواجب المعيّن، تكون نيّة الإفطار مبطلة.

و يمكن تصحيحه بالبيان التالي: انّ نيّة الإفطار إنّما تبطل إذا كان هناك أمر فعلي منجّز دون ما إذا لم يكن كذلك، و المفروض انّه قبل التبيّن لم يتنجّز عليه الأمر بالصوم، لجهله بكونه من رمضان، و أمّا الأمر بالصوم بنية الواجب المعين كالنذر، فقد كان أمرا تخيليّا، أو ظاهريا- حسب اصطلاح القوم- و مخالفته لا تكون مؤثّرة في بطلان الصوم، غاية الأمر تعدّ مخالفة العلم تجريا و له حكمه فعلا و فاعلا.

و أمّا بعد ما يتنجز الأمر و علم أنّه من رمضان، فالمفروض انّه عقد النية و لم ينو الإفطار، بل عقدها إلى الليل.

و إن شئت فنزّل المقام بما إذا أصبح ناويا للإفطار و لكن لم يتناول المفطر، فتبيّن انّه من شهر رمضان، فقد مضى انّه يصحّ من رمضان، بل المقام أولى بالصحّة لكونه صائما في فترة من اليوم.

الصوم

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 96

[المسألة 22: لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه]

المسألة 22: لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه، سواء نواهما من حينه أو فيما يأتي، و كذا لو تردّد، نعم لو كان تردّده من جهة الشك في بطلان صومه و عدمه لعروض عارض، لم يبطل و إن استمرّ ذلك إلى أن يسأل، و لا فرق في البطلان بنيّة القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع إلى نيّة الصوم قبل الزوال أم لا، و أمّا في غير الواجب المعيّن فيصحّ لو رجع قبل الزوال. (1)

______________________________

(1) الفرق بين هذه المسألة و ما تقدم من المسألة السابقة من الفرع الثاني، أعني:

«و أمّا إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا، ثمّ تاب فجدّد النية قبل الزوال لم ينعقد صومه» من وجهين:

أ. اختصاص الموضوع فيما سبق بشهر رمضان و عموم هذا له و لغيره.

ب. اختصاص الكلام فيه بنيّة القطع و عمومه في المقام له و للقاطع و التردد.

ثمّ الفرق بين نية القطع و القاطع واضح، و يراد من الأوّل رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم فيكون الزمان خاليا عن النيّة. و إن لم يقصد المفطّر فضلا عن تناوله و يراد من الثاني، العزم على فعل إحدى المفطّرات حاليّا أو في المستقبل كما لو قام ليشتري الطعام و يفطر، لكنّه ندم قبل الإفطار.

و أمّا التردّد فهو كما إذا تردّد في إنهاء الإمساك إلى الليل و عدمه.

ثمّ إنّ الماتن حكم ببطلان الجميع، و استثنى صورة رابعة، و هي أن يكون تردّده في الإفطار من جهة الشكّ في بطلان صومه و عدمه لعروض عارض على وجه لو علم بعدم إخلال العارض لاستمرّ في النيّة.

فنقول: أمّا حكم

الصور الثلاث الأولى:

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 97

..........

______________________________

فقد ذهب السيد المرتضى إلى عدم كون نية القاطع مبطلا، قال في المختلف: قال السيد المرتضى رحمه اللّه: كنت أمليت قديما مسألة أتصوّر فيها: انّ من عزم في نهار شهر رمضان على أكل و شرب و جماع يفسد بهذا العزم صومه، و نصرت ذلك بغاية التمكن، و قوّيته ثمّ رجعت عنه في كتاب الصوم من المصباح، و أفتيت فيه بأنّ العازم على شي ء ممّا ذكرناه في نهار شهر رمضان بعد تقدم نيّته و انعقاد صومه لا يفطر به. قال: و هو الصحيح الذي يقتضيه الأصول، و هو مذهب جميع الفقهاء.

و حاصل دليله: انّ الصوم بعد انعقاده بحصول النية في ابتدائه، و إنّما يفسد بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو جماع، و لا منافاة بين الصوم و بين عزمه على الأكل و الشرب.

ثمّ اعترض بأنّ عزيمة الأكل و الشرب و إن لم تناف الصوم، فإنّها «1» تنافي نيّته التي لا بدّ للصوم منها، لأنّا نعلم ضرورة منافاة عزيمة الأكل لعزيمة الكف عن الأكل، أو توطين النفس على الكف.

و أجاب ما هذا حاصله: انّ النيّة إذا وقعت في ابتداء الصوم استمرّ حكمها في باقي اليوم و إن لم تكن مقارنة لجميع أجزائه و أثّرت فيه بطوله، و عندنا انّ هذه النية- زيادة على تلك- مؤثرة في كون جميع أيام الشهر صوما و إن لم تكن مقارنة للجميع.

هذا خلاصة كلامه و قد أفاض الكلام في المسألة على وجه استغرق ثلاث صفحات. «2» و من كلامه في نية القاطع، يظهر نظره في نية القطع، لأنّ نيّة القاطع حاليا، يلازم نيّة القطع كما سيوافيك.

______________________________

(1). كذا في المصدر و

الظاهر «لكنّها».

(2). المختلف: 3/ 391؛ و لاحظ رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الرابعة: 322.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

و تبعه صاحب الجواهر، لكنّه فصل بين نيّة القطع فأفتى بالبطلان، و نيّة القاطع فأفتى بالصحّة، و لكن التحقيق البطلان في عامة الصور.

لما عرفت من أنّ الصوم عبارة عن توطين النفس على الإمساك عن المفطرات بين الحدين، و يكفي في ذلك وجود الداعي في النفس في حالتي اليقظة و النوم، الالتفات و الغفلة.

و من أراد القطع فقد رفع اليد عمّا تلبس به من توطين النفس على الصوم، فكيف يكون صحيحا و البطلان لأجل فقدان نية الصوم، لا لأجل نية الإفطار، و هذا واضح في نية القطع.

و أمّا نية القاطع التي ذهب الشريف المرتضى و صاحب الجواهر فيه إلى صحّة الصوم، و قد عرفت استدلال الشريف و قريب منه كلام صاحب الجواهر:

يقول- بعد الاستدلال باستصحاب الصحّة:- و دعوى كون المعتبر في الصحّة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف له مستندا. «1»

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه إنّما يصحّ إذا نوى القاطع فيما بعد، كأن نوى صباحا أن يتغدّى عند الظهر، لكن ربما ينوي القاطع حاليا، كما إذا حاول شرب الشاي الواقع أمامه، اللّهمّ إلّا أن يرجع هذا النوع إلى نية القطع.

ثانيا: التفريق بينهما نابع عن الخلط بين الصوم اللغوي، و الصوم الشرعي، فمن نوى تناول القاطع في المستقبل صائم لغة، أي ممسك فعلا عن المفطرات، و لكنّه ليس بصائم شرعا، لأنّ الصوم الشرعي عبارة عن نيّة الإنسان

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 215.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

الإمساك عن استعمال المفطرات بين الفجر و الليل، و هو لا يجتمع مع

نيّة القاطع بداهة انّه قاصد لاستعماله فيما يأتي، فلا يكون عندئذ ناويا لترك المفطرات بين الحدين.

و منه يظهر حال التردّد في إنهاء الإمساك إلى الليل و عدمه، لأنّ الميزان، كونه ناويا للصوم، و هو كما ينتفي بنية الإفطار كذلك ينتفي بالتردد.

فلا مناص عن الحكم بالبطلان في الصور الثلاث.

نعم نقل في الجواهر استثناء كاشف الغطاء، التردّد في الأثناء، إذا كان للتوقف على السؤال، و عقبه بقوله: و فيه أنّه يمكن أن يكون ذلك خارجا عمّا نحن فيه ضرورة بقاء عزمه السابق على الصوم إلّا أنّ تردّده في حصول المنافي. «1»

و الحاصل: انّ التردد في إنهاء الصوم إلى الليل و عدمه، أمر و التردد في صحّة الصوم و بطلانه لعروض أمر، شي ء آخر، فهو يستمر على نيّته إلى أن يسأل شخصا عن حكم المسألة.

و قد أشار إليه الماتن بقوله: نعم لو كان تردده من جهة الشكّ في بطلان صومه و عدمه لعروض عارض لم يبطل و إن استمر ذلك إلى أن يسأل.

نعم إن استتبع الشكّ في البطلان تردّدا في المضيّ على الصوم، يبطل لأجل التردّد الثاني الناتج من التردّد الأوّل، ثمّ إنّ نيّة القطع أو القاطع مفسدان للصوم في الواجب المعيّن من غير فرق بين قبل الزوال و بعده.

و أمّا في الواجب غير المعين فيصحّ لو رجع قبل الظهر لما عرفت من صحّته فيما لو أصبح بنيّة الإفطار إلى قبيل الظهر، ثمّ جدّد النية.

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 216.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 100

[المسألة 23: لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطّرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها]

المسألة 23: لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطّرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها. (1)

______________________________

(1) وجه ذلك أنّ الصوم إمّا من المفاهيم العرفية التي يعرفها الناس قاطبة، أو من

المفاهيم الشرعية الواردة في الشرائع السماوية، و على كلّ تقدير فهو ذو مفهوم واضح- و إن كان مجهول الكنه- كغالب المفاهيم كالسماء و الأرض، و الماء و التراب، و يكفي في إلقاء الخطاب و الدعوة إلى الامتثال، هذا المقدار من المعرفة، قال سبحانه مخاطبا المؤمنين: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «1» أمرهم بالصيام مثل ما أمرهم بالزكاة و الصلاة و الحجّ و الجهاد.

نعم التكليف بالشي ء فرع المعرفة التفصيلية، لكن في حدّ المعرفة العرفية، لا المعرفة التفصيلية الفلسفية، فانّ البحث عن كونه نفس الترك مع النية ليكون أمرا عدميا، و التقابل بينه و بين الإفطار تقابل العدم و الملكة، أو كونه الكفّ معها، ليكون أمرا وجوديا و يكون التقابل بينهما تقابل التضاد، بحث فلسفي، لا صلة لها بالمعرفة التفصيلية في حدّ التفاهم العرفي.

و بذلك يعلم انّ ما أفاده السيد الحكيم قدّس سرّه في بيان مبنى المسألة غير تام، حيث قال: نعم لو اعتبرت الموافقة التفصيلية في صحّة العبادة، كانت معرفة معنى الصوم منهما لازمة. «2»

و ذلك لأنّ من اشترط المعرفة التفصيلية في صحّة العبادة فإنّما اشترطها في حدّ المعرفة العرفية أو الشرعية، لا في حدّ المعرفة الفلسفية.

______________________________

(1). البقرة: 183.

(2). المستمسك: 8/ 232.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 101

[المسألة 24: لا يجوز العدول من صوم إلى صوم واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين]

المسألة 24: لا يجوز العدول من صوم إلى صوم واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين، و تجديد نيّة رمضان إذا صام يوم الشكّ بنيّة شعبان ليس من باب العدول، بل من جهة أنّ وقتها موسّع لغير العالم به إلى الزوال. (1)

______________________________

(1) جواز العدول من عبادة إلى عبادة أخرى في الأثناء، أمر على خلاف القاعدة و لا

يثبت إلّا بدليل شرعي، كما في باب الصلاة حيث يجوز العدول من الحاضرة إلى الفائتة، أو من اللاحقة إلى السابقة كالمترتبين، أو من الفريضة إلى النافلة إذا حضرت الجماعة، أمّا كونه على خلاف القاعدة، فلأنّ معنى ذلك أنّ العبادة التلفيقية من امتثال أمرين، يحسب امتثالا للأمر الثاني، و مثل هذا الاحتساب يتوقف على دليل، لأنّ جبر نقص إحدى العبادتين بالأخرى، أمر شرعي تتوقف شرعيّته على الدليل.

بقي هنا سؤال: و هو أنّه إذا صام يوم الشك بنية شعبان ثمّ تبيّن كونه من رمضان فقد مضى أنّه يجدد النية بأنّه من رمضان، فهل هو من باب العدول من صوم إلى صوم آخر أو لا؟

فأجاب عنه الماتن بأنّه ليس من باب العدول، بل من جهة أنّ وقتها موسع لغير العالم به إلى الزوال.

أقول: لو افترضنا أنّ تجديد النية فيها من باب سعة وقت النية فقد مرّ أنّ وقته لا يكون محدودا بما قبل الزوال كما مرّ في المسألة السادسة عشرة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في تجديد نية رمضان إذا صام بنية يوم شعبان احتمالات ثلاثة:

1. انّ وقت النيّة موسع لغير العالم إلى المغرب و ليس عدولا.

2. انّه من باب الاحتساب القهري لما مرّ من أنّه لا يجوز في شهر رمضان

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

صوم غيره.

3. انّه من باب العدول الواجب.

لا شكّ أنّه إذا تبين كونه من رمضان بعد الغروب فهو من قبيل الاحتساب، لا من باب سعة الوقت، و لا العدول الواجب، لعدم الموضوع.

إنّما الكلام فيما إذا تبين أثناء النهار، فالكلّ محتمل و لا يترتب عليه أثر شرعي، و تخصيص العدول بما إذا كان مختارا في العدول و عدمه و ليس المقام كذلك

«1» لا دليل عليه، بل يعم العدول حتى إذا كان واجبا كما في الصلاتين المترتبتين إذ نوى الثانية و وقف في الأثناء على أنّه لم يأت بالأولى، حيث يجب عليه العدول، و ليكن المقام من هذا القبيل.

و على كلّ تقدير لا تترتب ثمرة على التعيين و انّه من أيّ نوع.

و منه يظهر حال المسألة الأخرى، كما إذا صام ندبا فأراد أن يعدل إلى صوم الكفّارة إذا كان قبل الزوال فربما يقال انّه ليس من باب العدول بل من باب التوسعة في الوقت، لأنّه بعد أن رفع اليد عن الصوم الأوّل يبطل ما نوى و يكون كمن لم يكن ناويا للصوم، و المفروض انّه لم يفطر بعد، فيندرج تحت أدلّة جواز التجديد إلى ما قبل الزوال. «2»

يلاحظ عليه: إنّما يصحّ إذا أريد من رفع اليد عن الصوم الأوّل، نية الإفطار، فحينئذ لا يكون من باب العدول بل من باب التوسعة في الوقت، و أمّا لو حاول ضمّ النية الثانية إلى الأولى على وجه لا يتوسط بينهما آن فاقد لنية الصوم، فيحتمل أن يكون من باب العدول، كما يمكن أن يكون من باب التوسعة في الوقت.

______________________________

(1). مستند العروة: 89.

(2). مستند العروة: 90.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 103

[الفصل الثاني فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطّرات]

اشارة

الفصل الثاني فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطّرات و هي أمور:

[الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب]

اشارة

الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب من غير فرق في المأكول و المشروب بين المعتاد كالخبز و الماء و نحوهما و غيره كالتراب و الحصى و عصارة الأشجار و نحوها، و لا بين الكثير و القليل كعشر حبّة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات، حتّى أنّه لو بلّ الخيّاط الخيط، بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم و ابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه إلّا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجيّة، و كذا لو استاك و أخرج المسواك من فمه و كان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم، فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه، إلّا مع الاستهلاك على الوجه المذكور، و كذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه. (1)

______________________________

(1) كون الأكل و الشرب من المفطّرات ممّا دلّ عليه الكتاب و السنة و الضرورة، قال سبحانه: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. «1» ففي صحيح محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء،

______________________________

(1). البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 104

..........

______________________________

و الارتماس في الماء». «1»

إلّا أنّ الكلام يقع في موارد ثلاثة تعرّض الماتن لاثنين منها دون الآخر.

الأوّل: هل تختص مفطّرية الأكل و الشرب بالطريق المتعارف، أو يعمه و غيره، كما إذا شرب من أنفه، أو عبر انبوب يصل إلى المعدة من دون أن يتأثر الفم و المجاري بالماء و غيره؟

الظاهر، بل المقطوع هو الثاني، لصدق الشرب في الأوّل، و منافاة الجواز بملاك الصوم في الثاني، لأنّ الغاية التي هي التقوى أثر الجوع و العطش ليكونا دليلين على شدائد «2» الآخرة، أو ليجد الغني مسّهما فيرحم الفقير، 3 كما ورد في الروايات و هي منتفية في المفروض.

الثاني: في مفطرية المعتاد و غيره، و الظاهر من الشيخ في خلافه، وجود الاتّفاق منّا على عدم الفرق بينهما و الاتّفاق من غيرنا، على خلافه، قال: غبار الدقيق، و النفض الغليظ حتى يصل إلى الحلق يفطّر و يجب منه القضاء و الكفّارة متى تعمّد، و لم يوافق عليه أحد من الفقهاء، بل أسقطوا كلّهم القضاء و الكفّارة معا.

و قال في المبسوط: يجب القضاء و الكفّارة بأكل المعتاد كالخبز، و اللحم و غيره كالتراب و الحجر و الفحم و الجصّ و الخزف و البرد و غير ذلك، و شرب المعتاد كالمياه و الأشربة المعتادة و غيره، كماء الشجر و الفواكه و ماء الورد. 4

و نقله العلّامة في المختلف عن المفيد و ابن حمزة و ابن إدريس، و نقل عن السيد المرتضى أنّه قال: الأشبه أنّه ينقض الصوم و لا يبطله، و اختاره ابن الجنيد.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، و لعلّ الصحيح: أربع خصال.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب وجوب الصوم، الحديث 1 و 3.

(3) 4. المبسوط: 1/ 270.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 105

..........

______________________________

و نقل السيد عن بعض أصحابنا انّه يوجب القضاء خاصة. «1»

و لكن السيد ذهب في الناصريات إلى عدم الفرق بين المعتاد و غيره و قال:

إنّما خالف في ذلك الحسن بن صالح

فقال: إنّه لا يفطّر، و روى نحوه عن أبي طلحة، و الإجماع متقدم و متأخر على هذا الخلاف فسقط حكمه. «2»

استدل القائل بالمنع بإطلاق الآية و الروايات التي ورد فيها لفظا: «الأكل» و «الشرب» الصادقين على إدخال شي ء في الجوف عن طريق الحلق، من غير فرق بين المعتاد و غيره، قال سبحانه: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ. «3»

و نظيرها ما روي عن علي عليه السّلام أنّه قال: «و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود أوّلها: اجتناب الأكل و الشرب». «4»

فالموضوع في الآية هو الاجتناب عن الأكل، مثله في الرواية، و هو صادق على مطلق ما يتناول الإنسان الأعم من المعتاد و غيره، على أنّ حذف المتعلق يفيد العموم.

يلاحظ على الأوّل: أنّ صدق المفرد «المأكول» على غير المعتاد لا يلازم صدق الجملة في الآية و الرواية عليه، فانّ الآية خطاب للمؤمنين الذين لهم اهتمام بتناول السحور و من المعلوم أنّهم لا يتناولون في هذه الفترة من الليل إلّا المعتاد فحسب، و نظير الآية ما روي عن عليّ عليه السّلام.

و يلاحظ على الثاني: من أنّ حذف المتعلّق و إن كان يفيد العموم، لكن في

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 387.

(2). الناصريات: 294.

(3). البقرة: 187.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 106

..........

______________________________

جانب المعتاد، أي يعم كلّ معتاد و لا يختص بصنف دون صنف، و أمّا عمومه لغير المعتاد فلا.

و الحاصل انّ التمسك بالإطلاق ضعيف جدا لقوّة الانصراف.

و استدل للقول بالجواز بوجوه:

1. صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:

الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس». «1»

وجه الاستدلال: انّ الطعام و الشراب بمعنى المطعوم و المشروب، و هما لا يصدقان على التراب و الطين و نظائرهما.

يلاحظ عليه: أنّ الرواية ليست ناظرة إلى تحديد مفطرية هذه الأمور الأربعة حتى يؤخذ بمقتضى التحديد، أعني: كون المفطر هو المعتاد دون غيره.

بل ناظرة إلى وراء الأمور الأربعة، و انّ الصائم- إذا اجتنب هذه الأربعة- لا يضرّ ارتكاب غيرها من الأمور، فالهدف نفي مفطرية غير الأربعة لا تحديد مفطرية الأربع. و هذا معلوم بالإمعان في الرواية.

2. ما ورد في غير واحد من الروايات انّ الكحل ليس بطعام. «2»

فعلم أنّ المدار هو صدق الطعام و هو لا يصدق إلّا على المعتاد.

و أجيب عن الاستدلال بأنّ المراد من الطعام هو الأكل، أي هو ليس بأكل، و ذلك لأنّا لو حملنا الطعام على معناه المفعولي و كان مدار الإفطار صدق الطعام يلزم أن يكون الاكتحال بالعسل و طحين الحنطة مبطلا لكونهما طعاما، بخلاف ما

______________________________

(1). المصدر نفسه، الحديث 1.

(2). الوسائل: 7، الباب 27 من أبواب ما يمسك عنه، الحديث 1 و 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 107

..........

______________________________

لو قلنا انّه بمعنى الأكل فلا يكونان مبطلين كالاكتحال بالكحلة. «1»

و يؤيده انّ الحرام للصائم من المطعومات و المشروبات إنّما هو أكلها أو شربها دون سائر الممارسات من البيع و الشراء و الغسل.

3. ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام انّ عليا سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم، قال: «ليس عليه قضاء، إنّه ليس بطعام». «2»

و ربما يجاب بأنّ المراد من الطعام هو الأكل، و المعنى انّه ليس من باب الأكل العمدي، و ذلك

لأنّه لو أخذنا بظاهره تلزم صحّة الصوم إذا أكل الصائم شيئا وافرا من الذباب بحجّة انّه ليس بطعام، بخلاف ما لو قلنا انّه بمعنى الأكل فانّ مثله أكل قطعا.

و بما ذكرنا يظهر انّ أدلّة الطرفين ضعيفة جدا، و الذي يصلح حجّة لقول المشهور هو ارتكاز المتشرعة حيث يتلقونه مفطرا، و أخرج الطحاوي في «مشكل الآثار» عن طريق علي بن زيد، عن أنس، قال: مطرت السماء بردا، فقال لنا أبو طلحة (الصحابي): ناولوني من هذا البرد، فجعل يأكل، و هو صائم، و ذلك في رمضان، فقلت: أ تأكل و أنت صائم؟ فقال: إنّما هو برد نزل من السماء نطهّر به بطوننا، و انّه ليس بطعام و لا شراب، فأتيت رسول اللّه فأخبرته بذلك فقال: خذها عن عمّك. «3»

أنا لا أحوم حول ما نقل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أمره بأخذه من عمه، لكن اعتراض المسلمين، أدل دليل على أنّ المرتكز لديهم هو عدم الفرق بين المعتاد

______________________________

(1). مستند العروة: 95.

(2). الوسائل: 7، الباب 39 من أبواب ما يمسك عنه، الحديث 1.

(3). مشكل الآثار: 2/ 238 برقم 1983.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 108

[المسألة 1: لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم]

المسألة 1: لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم و إن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه، و لا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهوا، نعم لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه و بطل صومه على فرض الدخول. (1)

______________________________

و غيره.

و يؤيده الأسئلة و الأجوبة حول الغبار و التدخين بعود. «1» و الروايات متعارضة و قابلة للجمع بين العامد و غيره، فلاحظ.

(1) أمّا عدم وجوب التخليل، فلأنّ

تركه ليس من المفطّرات إنّما الكلام فيما يترتب عليه من دخول البقايا بين الأسنان في حلقه، فله صور ثلاث:

1. لو ترك التخليل، يحتمل أنّه يدخل إلى الجوف بلا اختياره، كما إذا كان نائما أو غافلا عن كونه صائما، فالحكم هو الصحّة، لعدم صدق الإفطار العمدي، فيشمله قوله في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر قال: «لا يفطر، إنّما هو شي ء رزقه اللّه فليتمّ صومه». «2»

و بالجملة ارتكاب المفطّر عن سهو ليس بمفطّر و إلّا يجب على الصائم إيجاب التحفّظ حتى لا يفطر عن نسيان و لم يقل به أحد.

2. لو ترك يطمئن بدخوله في الجوف.

3. لو ترك يعلم بدخوله في الجوف.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الحديث 3 من الباب 22، و الحديث 11 من الباب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 109

[المسألة 2: لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيرا مجتمعا]

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 109

المسألة 2: لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيرا مجتمعا، بل و إن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه كتذكّر الحامض مثلا، لكن الأحوط الترك في صورة الاجتماع خصوصا مع تعمّد السبب. (1)

______________________________

فقد حكم الماتن ببطلان الصوم على فرض الدخول، لشمول إطلاقات مفطّرية الأكل و الشرب لهاتين الصورتين، و عدم شمول ما دلّ على العفو إذا أفطر نسيانا، فهو من مصاديق التفريط.

بل يمكن أن يقال ببطلانه بنفس الاطمئنان و العلم و إن لم يدخل

في الجوف لمخالفته مع نية الصوم. نعم لا تتعلق الكفّارة لكونه من لوازم تناول المفطر، لا بطلان الصوم.

(1) قال الشيخ: إذا بلع الريق قبل أن ينفصل من فيه، لا يفطر بلا خلاف، و كذلك إن جمعه في فيه ثمّ بلعه لا يفطر. فإن انفصل من فيه ثمّ عاد إليه أفطر.

و وافقنا الشافعي في الأولى و الأخيرة، و أمّا الثانية و هي الذي يجمع في فيه ثمّ يبلعه فله فيها وجهان: أحدهما مثل ما قلناه و الآخر يفطر. «1»

أمّا عدم مفطرية البصاق فهو من ضروريات الفقه، لعدم شمول الأكل و الشرب، له عرفا، و لو شك في الإطلاق و عدمه، فالمرجع هو البراءة حتى البصاق المجتمع.

و يؤيده خبر زيد الشحام في الصائم يتمضمض، قال: «لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات». «2» أي لا مانع بعدها.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 177، المسألة 18، كتاب الصوم.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 31 من أبواب ما يمسك عنه، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 110

[المسألة 3: لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم]

المسألة 3: لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم، بل الأقوى جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق، و إن كان الأحوط تركه، و أمّا ما وصل منهما إلى فضاء الفم، فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع. (1)

______________________________

و الرواية و إن كانت ضعيفة بوجود ضعاف في السند كإسماعيل بن مرّار و أبي جميل، أعني: المفضل بن صالح، و زيد الشحام و لكنّها صالحة للتأييد.

(1) صور المسألة أربع:

1. ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم يصل إلى فضاء الفم.

2. ابتلاع ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم.

3. ابتلاع ما

يخرج من الصدر، بعد وصوله إلى فضاء الفم.

4. ابتلاع ما ينزل من الرأس بعد وصوله إلى فضاء الفم.

أمّا الأوّلان فجائزان، لعدم صدق الأكل و الشرب عليهما، و سيوافيك انّ الميزان هو صدقهما، و ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم من الاجتناب من الطعام و الشراب، فالمراد هو الاجتناب عن أكلهما و شربهما، و إلّا الممارسة بهما من دون أكل و شرب لا يضرّ الصائم.

و أمّا الآخران فالظاهر المنع، لصدق الأكل، و أمّا ما رواه غياث بن إبراهيم «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته، فمنصرف إلى الأوليين، لأنّ الغالب على الطباع بعد الوصول إلى فضاء الفم هو الدفع لا البلع.

على أنّ النخامة غير واضحة المعنى، فمن قائل إلى أنّه ما يخرج من الصدر،

______________________________

(1). غياث بن إبراهيم: زيدي بتري ثقة، فالرواية موثقة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 111

[المسألة 4: المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو الغير المتعارف]

المسألة 4: المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو الغير المتعارف، فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل أو الشرب، كما إذا صبّ دواء في جرحه، أو شيئا في أذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه، نعم إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنّه موجب للبطلان إن كان متعمّدا لصدق الأكل و الشرب حينئذ. (1)

______________________________

كما هو الظاهر من المحقّق في الشرائع؛ إلى آخر، بأنّه ما ينزل من الرأس، كما عليه مختصر الصحاح؛ إلى ثالث بتفسيره بهما.

و مثل ذلك لا يكون حجّة في المسألة في غير المورد المتيقن، كما لا يخفى.

(1) ما هو الملاك في هذين المفطّرين، في المسألة احتمالات ثلاثة:

1. الميزان هو صدق الأكل و الشرب سواء أ كان بالنحو المتعارف أو بغيره، كما في

الشرب بالأنف.

2. المدار هو الدخول في الحلق كيفما اتّفق، سواء أ كان عن طريق الفم و الأنف، أو عن طريق الأذن و العين و لا عبرة بالدخول في الجوف عن غير هذا الطريق كالتزريق عن طريق الإبرة في البدن.

3. المقياس هو الدخول في الجوف سواء أ كان من طريق الحلق، أو غيره و على ذلك، يبطل الصوم إذا صبّ دواء في جرحه أو إحليله فوصل إلى جوفه، أو استعمل الإبرة في البدن لتزريق الدواء و الغذاء.

و الأوّل خيرة الماتن و يدل عليه:- مضافا إلى الآية الكريمة الآمرة بالأكل و الشرب إلى الفجر، الناهية عن طريق المفهوم عنهما بين الحدين- ما في تفسير النعماني باسناده عن علي عليه السّلام: «و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود: أوّلها: اجتناب

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

الأكل و الشرب». «1»

و لا يختص بالطريق المتعارف بل يعم غيره أيضا لصدق الشرب عن طريق الفم.

نعم ربما لا يصدق العنوانان و مع ذلك، يجب تركه، كإدخال المواد الغذائية عن طريق استعمال الإبرة بانبوب متصل بالمعدة، و ذلك لأنّ الهدف من إيجاب الصوم، هو تضعيف القوى البهيمية بالجوع و العطش، أو غير ذلك ممّا جاء في حكمة إيجاب الصوم، و العملية المذكورة تناقض ملاك الحكم، و لذلك يجوز استعمال تزريق الدواء، دون الغذاء عن هذا الطريق.

و أمّا ما في صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء». «2»

فلا ظهور له في كون الملاك هو الطعام و الشراب، لا الأكل و الشرب، بل من المحتمل جدّا انّهما بمعنى المصدر، المرادف للأكل و الشرب،

و يدل على ذلك انّه لا يحرم على الصائم معهما إلّا أكلهما و شربهما، لا سائر الممارسات العادية، من البيع و الشراء و غيرهما.

و أمّا الثاني فهو خيرة المحقّق الخوئي و هو وصول المطعوم و المشروب إلى الحلق، مسندا بصحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصبّ في أذنه الدهن؟ قال: «إذا لم يدخل حلقه فلا بأس». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من باب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 113

[المسألة 5: لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما]

المسألة 5: لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف، و إن كان متعمّدا. (1)

______________________________

يلاحظ عليه:- مضافا إلى أنّه معارض بروايات فيها صحاح يدل على جواز الصب في الأذن مطلقا، وصل إلى الجوف أو لم يصل، و لو كان مقيدا بعدم الوصول إلى الحلق، لجاء القيد في واحد من هذه المطلقات، بالإطلاق المتضافر- و عندئذ يشكل تقييد المطلقات المتضافرة برواية علي بن جعفر، و ذلك لأنّ صاحب الوسائل يروي عن كتاب علي بن جعفر بالوجادة لا بالاسناد، و نقل صاحب السرائر الذي كان عنده كتاب «مسائل علي بن جعفر» لا يسوغ رفع اليد عن الإطلاقات برواية حالها كذلك.

و أما الثالث، أي كون المقياس هو الدخول في الجوف، فيستأنس له بما دلّ على بطلان الصوم بالحقنة، دون الشياف «1» و هو غير تام، لأنّ الحقنة خرج بالدليل، بل هو يبطل بعنوان خاص،

لا صلة له بالأكل و الشرب، كالارتماس في الماء.

(1) قد ظهر حال المسألة مما مرّ.

______________________________

(1). راجع الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 114

الثالث: الجماع

اشارة

الثالث: الجماع، و إن لم ينزل للذكر و الأنثى، قبلا أو دبرا، صغيرا كان أو كبيرا، حيّا أو ميّتا، واطئا كان أو موطوءا، و كذا لو كان الموطوء بهيمة، بل و كذا لو كانت هي الواطئة، و يتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، فلا يبطل بأقلّ من ذلك، بل لو دخل بجملته ملتويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل و إن كان لو انتشر كان بمقدارها. (1)

______________________________

(1) إذا جامع زوجته في نهار رمضان فله صور:

1. الدخول من القبل أنزل أم لم ينزل.

2. الدخول في الدبر إذا أنزل.

3. الدخول في الدبر إذا لم ينزل.

أمّا الأولى بكلا شقيه فموضع اتّفاق بين المسلمين لقوله سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ إلى أن قال:

فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ «1» روي أنّه كان النكاح حراما بالليل و النهار في شهر رمضان، و كان قوم من الشبان ينكحون نساءهم بالليل سرّا لقلّة صبرهم، فسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللّه في ذلك؛ فأنزل اللّه سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ. «2»

و الآية مطلقة تعم كلتا الصورتين.

______________________________

(1). البقرة: 187.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 43، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

أضف إلى ذلك اتّفاق الفقهاء على حصول الجنابة بالدخول و لزوم الغسل به، و كيف يصحّ صومه مع حصولها له و لزوجه؟!

أمّا الثانية،

أعني: الجماع في الدبر مع الإنزال، فالبطلان مورد اتّفاق، و يدل عليه ما دلّ على بطلانه مع الملاعبة، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال:

«عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع». «1»

أمّا الثالثة: أعني الجماع في الدبر بلا إنزال، فقد ادّعى الشيخ في الخلاف بصدق الجماع عليه قال: إذا أدخل في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء و الكفارة. و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: عليه القضاء بلا كفارة. «2»

و استدل للبطلان بإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة، مضافا إلى صدق الجماع الوارد في غير واحد من الروايات.

و استدل للصحة بمرفوعة أحمد بن محمد، عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال: «لا ينقض صومها و ليس عليها غسل». و نظيرها مرسلة علي بن الحكم.

و الروايتان- مع أنّهما مرسلتان، و غير معمولتين- يعارضهما خبر حفص بن سوقة، عمّن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال: «هو أحد المأتيين فيه الغسل». «3» مضافا إلى اتّفاقهم بحصول الجنابة بالدخول في الدبر و إن لم ينزل، فكيف تحصل الجنابة و معها يصحّ الصوم؟!

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و غيره.

(2). الخلاف: 2/ 190، كتاب الصوم، المسألة 41.

(3). الوسائل: الجزء 1، الباب 12 من أبواب الجنابة، الحديث 3 و 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 116

..........

______________________________

الإيلاج في دبر الغلام و البهيمة أمّا إذا أنزل فلا إشكال في البطلان، إنّما الكلام

فيما إذا لم ينزل فقال الشيخ في الخلاف: إذا أدخل في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء و الكفارة. «1»

و قال أيضا: إذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء و الكفارة، فإن أولج و لم ينزل فليس لأصحابنا فيه نصّ، و لكن يقتضي المذهب أنّ عليه القضاء، لأنّه لا خلاف فيه، و أمّا الكفّارة فلا تلزمه، لأنّ الأصل براءة الذمة. «2»

و لا يخفى ما في كلامه من عدم الانسجام فقد سلّم القضاء و الكفارة في مورد الغلام، و اعترف بعدم النصّ لأصحابنا في البهيمة، و مع ذلك، قال بالقضاء و علّله بأنّه لا خلاف فيه، و نفى الكفارة بالبراءة، فإذا لم يكن هناك نص، من أصحابنا، فكيف يقول: إنّ القضاء لا خلاف فيه؟ ثمّ إنّ البراءة التي تمسّك بها في نفي الكفارة صالحة لنفي القضاء أيضا؟

و لأجل ما ذكرنا يقول ابن إدريس: لما وقفت على كلامه كثر تعجبي، و الذي دفع به الكفارة، به يدفع القضاء. «3»

و يظهر من المبسوط جزمه بالقضاء و الكفارة في الموردين، قال: يجب القضاء و الكفّارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة، و على كلّ حال على الظاهر من المذهب. «4»

و قال العلّامة: إنّ إفساد الصوم و إيجاب القضاء و الكفّارة أحكام تابعة لإيجاب الغسل، و كلّ موضع قلنا بوجوب الغسل فيه وجبت الأحكام الثلاثة-

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 190، كتاب الصوم، المسألة 41.

(2). الخلاف: 2/ 191، كتاب الصوم، المسألة 42.

(3). السرائر: 1/ 380.

(4). المبسوط: 1/ 270.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 117

..........

______________________________

فساد الصوم، و القضاء و الكفّارة- فيه أيضا، و إلّا فلا. «1»

و ما

ذكره العلّامة هو الحقّ و عليه المحقّق في المعتبر و الشرائع قبله.

و لو تمّ ما ذكره من الإجماع على حصول الجنابة فيترتب عليه الأحكام الثلاثة، و إلّا فالحكم بالفساد و القضاء فضلا عن الكفارة يحتاج إلى الدليل.

و نظيره إذا كانت البهيمة هي الواطئة، فإقامة الدليل على الإفطار رهن الدليل على حصول الجنابة بوطئها.

تحديد المبطل من الجماع لا شكّ انّ الجنابة تتحقق بغيبوبة الحشفة، و قد تضافرت الروايات على أنّ التقاء الختانين محقّق للجنابة، و موجب للغسل ففي صحيح ابن بزيع قال: سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟

فقال: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: «نعم». «2»

و لذلك قال المصنّف: «و يتحقق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، فلا يبطل بأقلّ من ذلك» فقد فهم من الروايات انّ الموضوع للإبطال هو الجنابة و تتحقّق، بغيبوبة الحشفة في سالمها، و مقدارها في مقطوعها.

و ربما يقال: يكفي في بطلان الصوم أقلّ من ذلك كصدق الجماع، «3» أو الوقوع على الأهل و الإتيان بها، 4 و «الإيلاج» 5 و هو صادق على الأقل من مقدار الحشفة في واجدها و مقطوعها، و على ذلك يبطل الصوم و إن لم يصدق الجنابة و لم

______________________________

(1). المختلف: 3/ 390.

(2). الوسائل: الجزء 1، الباب 6 من أبواب الجنابة، الحديث 2 و غيره.

(3) 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 3 و الباب 8 منها، الحديث 2، 3، 5، 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 118

[المسألة 6: لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به و عدمه]

المسألة 6: لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة

قصد الإنزال به و عدمه. (1)

______________________________

يجب الغسل.

يلاحظ عليه: أنّ الأخذ بإطلاق هذه الكلمات بعيد جدا و خصوصا انّ بعضها واقع في لسان الراوي كالوقوع على الأهل لو لم نقل بانصرافها إلى الأزيد من غيبوبة الحشفة.

على أنّ هناك ما يدل على أنّ المقياس حصول الجنابة، و هو ما رواه الصدوق عن يونس بن عبد الرحمن، عن موسى بن جعفر عليهما السّلام في حديث قال: «في المسافر فدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه أن يتم صومه و لا قضاء عليه يعني إذا كانت جنابته من احتلام». «1»

و فصل الإمام بين جنابته الاختيارية و الاضطرارية، فحكم بالبطلان في الثانية دون الأولى، فيدل على أنّ الموضوع هو الجنابة الاختيارية.

نعم رواه في الكافي عن يونس من دون اسناده إلى الإمام، و لعلّه سقط من نسخته.

(1) الظاهر من الأدلّة أنّ الجماع موضوع بنفسه للإفساد، و لذلك قال فيمن يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني: «عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع». «2»

على أنّك قد عرفت أنّ مجرّد التقاء الختانين محقق للجنابة و موجب للغسل سواء أنزل أم لم ينزل.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 119

[المسألة 7: لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين بلا إنزال]

المسألة 7: لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين بلا إنزال إلّا إذا كان قاصدا له فإنّه يبطل و إن لم ينزل من حيث إنّه نوى المفطر. (1)

[المسألة 8: لا يضرّ إدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال]

المسألة 8: لا يضرّ إدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال. (2)

[المسألة 9: لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما أو كان مكرها]

المسألة 9: لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما أو كان مكرها بحيث خرج عن اختياره كما لا يضرّ إذا كان سهوا. (3)

______________________________

(1) لعدم تحقّق الجنابة إلّا بالتقاء الختانين أو الدخول في الدبر، نعم لو قصد الإنزال، فيبطل، لأنّه قاصد للمفطّر سواء تحقق أو لا، لما عرفت من أنّ قصد القاطع مفطر.

(2) لعدم صدق الجماع إلّا إذا قصد به الإنزال فيبطل لما عرفت من أنّ قصد القاطع مبطل.

(3) أمّا الجماع في النوم، فلعدم كونه مفطّرا، لأنّه أمر خارج عن الاختيار.

و أمّا المكره فهو على قسمين:

تارة يكون مقهورا مسلوبا عنه الاختيار، كما إذا أوجر الماء في حلقه، فلا شكّ انّ العمل مستند إلى السبب لا إلى المباشر، فاستعمال هذا النوع من المفطّر استعمال غير عمدي. فلا يبطل الصوم و لا يوجب القضاء.

و أخرى لا يكون مقهورا مسلوب الاختيار بمعنى أنّه يرجح استعمال المفطّر على ما أوعد به، و مع ذلك فله أن يعمل بالعكس كأن يتحمل الضرب و لكنّه يرجح الإفطار على الآخر.

ففي هذا القسم يكون المرفوع عند المشايخ هو الحكم التكليفي لا

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 120

[المسألة 10: لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل]

المسألة 10: لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل، و لو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقّق كان مبطلا من حيث إنّه نوى المفطر. (1)

[المسألة 11: إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه و لا صومها]

المسألة 11: إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه و لا صومها، و كذا لو دخل الخنثى بالأنثى و لو دبرا، أمّا لو وطئ الخنثى دبرا بطل صومهما، و لو دخل الرجل بالخنثى و دخلت الخنثى بالأنثى بطل صوم الخنثى دونهما، و لو وطئت كلّ من الخنثيين الأخرى لم يبطل صومهما. (2)

______________________________

الوضعي، أعني: بطلان الوضوء و لزوم القضاء، و ذلك لأنّه من قبيل الإفطار الاختياري.

و بذلك يعلم أنّ المكره فاعل مختار و فعله اختياري، و لذلك يصحّ بيعه إذا أعقبه الرضا.

غير انّ التحقيق هو عموم حديث الرفع للحكم التكليفي و الوضعي إذا أمسك إلى الليل و اقتصر بما يرتفع به التقية، نعم ورد في الإفطار بالتقية قضاؤه. «1»

(1) أمّا عدم البطلان في الأوّل، فلعدم وجود العمد، و أمّا البطلان في الثاني، فلأنّه نوى القاطع، فقد مضى انّ نية القاطع مبطلة و إن لم تتحقّق فيما بعد.

(2) هنا صور:

1. إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا الجماع المبطل عبارة عن إدخال الرجل آلته في أحد الفرجين الواقعيين، فلو

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5، و سيوافيك الكلام فيه في المستقبل فانتظر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه و لا صومها لعدم إحراز إدخال الآلة في الفرج الواقعي لاحتمال وجود ثقبة زائدة في بدنها، فيكون شبهة موضوعية يستصحب صحّة صومهما.

2. إذا دخلت الخنثى بالأنثى إذا دخلت الخنثى بالأنثى قبلا أو دبرا لا يبطل صومهما، لعدم

إحراز إدخال الآلة، لاحتمال وجود زائدة لحمية في بدنها، فتكون الشبهة موضوعية يستصحب صحّة صومهما.

3. إذا دخل الرجل بالخنثى دبرا إذا وطأ الرجل الخنثى دبرا بطل صومهما، لانطباق التعريف المذكور على ذلك الوطء، لإدخال آلة الرجل في دبر الخنثى الذي هو أحد المخرجين.

4. إذا دخل الرجل بالخنثى مع دخول الخنثى بالأنثى إذا دخل الرجل بالخنثى، و دخلت الخنثى بالأنثى بطل صوم الخنثى دون صوم الرجل و الأنثى.

أمّا عدم بطلان صوم الرجل، فلعدم إحراز كون المحلّ مخرجا في الخنثى.

و أمّا عدم بطلان صوم الأنثى، فلعدم إحراز رجولية الخنثى حتى يصدق إدخال الآلة في الفرج، لاحتمال وجود زائدة لحمية في بدنها.

و أمّا بطلان صوم الخنثى، فلأنّها صارت موطوءة و واطئة، فلو كانت مرأة بطل صومها، لأنّها صارت موطوءة، و لو كانت رجلا بطل صومها، لأنّها واطئة.

و عبارة المصنف مأخوذة من عبارة الفقهاء في كتاب الأغسال حيث يقولون:

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 122

[المسألة 12: إذا جامع نسيانا أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فورا]

المسألة 12: إذا جامع نسيانا أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فورا فإن تراخى بطل صومه. (1)

[المسألة 13: إذا شكّ في الدخول أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه]

المسألة 13: إذا شكّ في الدخول أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه. (2)

______________________________

«إذا دخل الرجل بالخنثى، و الخنثى بالأنثى، وجب الغسل على الخنثى، دون الرجل و الأنثى».

5. إذا وطئت كلّ من الخنثيين الأخرى إذا وطئت كلّ من الخنثيين الأخرى لم يبطل صومهما، لاحتمال تساويهما في الذكورية و الأنوثية، بمعنى انّهما لو كانا ذكرا فالمحل ليس مخرجا واقعيا لافتراض ذكوريتهما، و لو كانا أنثى فالآلة ليست آلة الرجل بل لعلّها لحمة زائدة.

نعم لو كانت إحداهما في الواقع رجلا، و الأخرى أنثى، وجب الغسل عليهما، لكون إحداهما واطئة و الأخرى موطوءة.

فإذا الشبهة موضوعية تستصحب صحّة صومهما.

(1) لأنّه و إن كان في الحدوث ناسيا لكنّه في البقاء ذاكر و مثله إذا كان مجبورا في الحدوث دون البقاء، فلو تراخى بطل صومه لعدم انطباق العنوان المرخّص على حالة البقاء.

(2) لكون الشبهة موضوعية.

لكن هنا سؤالا و هو انّ الشاك لا يخلو من إحدى صورتين:

الأولى: أن يكون قاصدا للدخول من أوّل الأمر ثمّ شكّ في الدخول أو في

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 123

..........

______________________________

مقدار ما دخل، فالمحكّم هو بطلان الصوم، لأنّ قصد القاطع مبطل و إن لم يدخل قطعا فضلا عمّا إذا شكّ في الدخول أو في مقدار ما دخل.

الثانية: أن لا يكون قاصدا للدخول، فهذا يصحّ صومه و إن دخل قطعا لعدم كونه عمديا.

و بذلك يظهر انّه ليس للشكّ في المسألة دور في بطلان الصوم و عدمه كما يظهر من المصنّف.

نعم للشكّ في الدخول تأثير في وجوب الكفّارة لترتبها على الدخول الواقعي،

فلو أحرز فترتب عليه الكفّارة، و لو شكّ في الدخول أو في مقدار ما دخل فليس عليه كفّارة.

فتعبير المصنّف في المقام واقع في غير مورده، بل كان عليه أن يقول مكان قوله: «لم يبطل صومه» «لم تجب عليه الكفّارة».

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 124

الرابع: الاستمناء

اشارة

الرابع من المفطرات: الاستمناء: أي إنزال المنيّ متعمّدا بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر أو تصوير صورة الواقعة أو تخيّل صورة امرأة أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله، فإنّه مبطل للصوم بجميع أفراده، و أمّا لو لم يكن قاصدا للإنزال و سبقه المني من دون إيجاد شي ء ممّا يقتضيه لم يكن عليه شي ء. (1)

______________________________

(1) دلّت الروايات على أنّ الإمناء أحد أسباب فساد الصوم، و قد ذكر في الروايات من الأسباب الموجبة للإنزال، العبث بأهله أو اللزوق به أو وضع يده على شي ء من جسد امرأته. و لكن المتبادر انّها من باب المثال خصوصا انّها وردت في كلام السائل و لذلك عمّم الماتن انّ كلّ ما يقصد بها حصول المني من غير خصوصية للسبب.

قال في الخلاف: إذا باشر امرأته فيما دون الوطء فأمنى لزمته الكفّارة سواء كان قبلة أو ملامسة أو أيّ شي ء كان و قال مالك بمثل ما قلناه. و قال أبو حنيفة و الشافعي: عليه القضاء بلا كفارة. «1»

و قال المحقّق في المعتبر: يفطر بإنزال الماء بالاستمناء و الملامسة و القبلة اتّفاقا.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 190، كتاب الصوم، المسألة 40.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 125

..........

______________________________

غير انّ المهم بيان ما هو الموضوع للإفساد، و الظاهر من الماتن تبعا لصاحب المدارك، انّ الموضوع هو القاصد، دون غيره و يلحق به المعتاد بالإنزال بواحد

من هذه الأسباب.

لكن الظاهر انّ الموضوع هو «من لم يثق من نفسه بعدم سبق الماء» و إن لم يكن قاصدا.

استدل صاحب المدارك بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال: «عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع». «1»

يلاحظ عليه- مضافا إلى أنّ القيد ورد في كلام الراوي دون كلام الإمام مع احتمال أن يكون الموضوع أعمّ ممن يقصد الإنزال-: أنّ الاستدلال مبنيّ على أن يكون «حتى» تعليلية مثل قوله سبحانه: لٰا تُنْفِقُوا عَلىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّٰهِ حَتّٰى يَنْفَضُّوا «2»، مع احتمال أن يكون بمعنى «إلى» مثل قوله سبحانه: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عٰاكِفِينَ حَتّٰى يَرْجِعَ إِلَيْنٰا مُوسىٰ. «3»

و الظاهر انّ الموضوع هو قاصد المقدمة مع عدم الوثوق من نفسه بعدم سبق الماء، و إن لم يكن قاصدا للإنزال، و يدل عليه إطلاق الروايات.

فعن موثق سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستين مسكينا، مدّ لكلّ مسكين». «4»

و في خبر أبي بصير: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فادفق. 5

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و هو متحد مع رقم 3.

(2). المنافقون: 18.

(3). طه: 91.

(4) 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4، 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 126

..........

______________________________

و في مرسل حفص بن سوقة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء، فينزل؟ قال: «عليه

من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان». «1»

و أوضح من الجميع ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أ يفسد ذلك الصوم أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني». «2»

و في صحيح الفاضلين، عن أبي جعفر عليه السّلام، انّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ قال: «إنّي أخاف عليه، فليتنزّه من ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه». 3 و وجوب الكفّارة عليه في الروايات، يلازم فساد صومه الملازم للقضاء فلا يضر عدم ورود القضاء فيها، مضافا إلى ورود فساد الصوم في صحيحة الحلبي في كلام السائل و سكوت الإمام عليه بل تصديقه كما لا يخفى.

بقي الكلام في النظر قد اختلفت كلماتهم في من نظر إلى امرأة فأمنى.

قال الشيخ: إذا كرّر النظر، فأنزل، أثم و لا قضاء عليه و لا كفارة، فإن فاجأته النظرة لم يأثم. و به قال الشافعي.

و قال مالك: إن كرّر- النظر- أفطر و عليه القضاء. 4

و قد نقل العلّامة في المختلف اختلاف الأصحاب في هذه المسألة، فعن المبسوط التفريق بين النظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه فأمنى فعليه القضاء، و النظر

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و لاحظ 3 و 5.

(3) 4. الخلاف: 2/ 198، كتاب الصوم، المسألة 50.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 127

[المسألة 14: إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه]

المسألة 14: إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه،

و إن كان الظاهر جوازه خصوصا إذا كان الترك موجبا للحرج. (1)

______________________________

إلى ما يحل فأمنى لم يكن عليه شي ء؛ و وافقه سلار في المراسم حيث خصّ كلامه بالنظر إلى ما لا يحلّ.

و فرّق السيد المرتضى بين من تعمد استنزال الماء الدافق وجب عليه القضاء و الكفارة، و غيره لكن كرّر النظر فسبقه الماء، وجب القضاء خاصة و هو خيرة العلّامة. «1»

(1) لا شكّ انّ الاحتلام ليس من المفطّرات، بل ورد في الروايات انّه غير مفطّر، ففي صحيحة عبد اللّه بن ميمون القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثلاثة لا يفطّرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة». «2»

و في خبر عمر بن يزيد ورد سبب عدم إفساده فسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام و قال:

لأيّ شي ء لا يفطّر الاحتلام، الصائم، و النكاح يفطّر؟ قال: «لأنّ النكاح فعله و الاحتلام مفعول به». 3

و المراد انّ الجماع فعل اختياري للصائم و هذا بخلاف الاحتلام فهو خارج عن اختياره.

فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة، أعني: ما لو علم بأنّه لو نام يحتلم فحكم بجواز النوم، و ما سبق من أنّه إذا علم انّه لو ترك التخليل في الليل يدخل ما بقي بين أسنانه في حلقه حيث حكم بأنّه لو تركه يبطل صومه مع أنّ المسألتين

______________________________

(1). المختلف: 3/ 410.

(2) 2 و 3. الوسائل: 7، الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 4 و ...

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

من باب واحد، ففي كليهما يعلم بأنّه يتناول المفطر في المستقبل بلا اختيار، و هو امّا الاحتلام، أو دخول شي ء في الحلق من الغذاء؟

قلت: الفرق بين المسألتين هو عدم شمول المخصّص

في باب الأكل للمورد، بخلافه في الاحتلام، فانّ له سعة يشمل المورد.

توضيحه: انّ الأكل مفطّر مطلقا خرج عنه الأكل حين نسيان الصوم فقط، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عن رجل نسي فأكل و شرب، قال: «لا يفطر فإنّما هو شي ء رزقه اللّه و ليتم صومه». «1»

و المراد من النسيان نسيان كونه صائما، فهذا هو الخارج فقط، و من المعلوم انّ ترك التخليل في الليل مع العلم بدخول شي ء في الحلق طول النهار ليس من مصاديق المخصص، إذ هو ليس ناسيا للصوم حين دخول الطعام في الحلق و إنّما هو غافل عن الدخول لا الصوم فلا يشمله المخصص.

و أمّا المقام فالموضوع للإفطار هو نفس الجنابة، ففي صحيح ابن أبي نصر عن أبي سعيد القمّاط، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتى أصبح؟ قال: «لا شي ء عليه، و ذلك لأنّ جنابته كانت في وقت حلال». «2» فالموضوع للإفطار مطلق الجنابة خرج عنه صورة الاحتلام كما مرّ في رواية عبد اللّه بن ميمون و المخصّص مطلق يعم العالم و الجاهل، و هذا هو الفارق بين المسألتين.

و الحاصل: انّ المورد من قبيل التمسك بإطلاق المخصص دون عموم العام بخلاف مسألة الأكل غفلة، فهو من موارد التمسك بالعموم لا المخصص.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). الوسائل: 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 129

[المسألة 15: يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات]

المسألة 15: يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات، و إن علم بخروج بقايا المني في المجرى، و لا يجب عليه التحفّظ بعد الإنزال من

خروج المنيّ إن استيقظ قبله خصوصا مع الإضرار أو الحرج. (1)

______________________________

(1) أقول: هنا فرعان كان عليه أن يقدم الثاني على الأوّل:

أ. لو احتلم الصائم، فاستيقظ و علم بحركة المني عن محله و لم يخرج بعد، فهل يجب عليه التحفظ أو لا؟

ب. لو احتلم الصائم، فاستيقظ بعد خروج المني، و لكن علم أنّه بقي مقدار منه في المجرى- كما هو المعتاد عند إنزال المني- فهل يجوز له إخراجه بالبول أو الخرطات أو لا؟

أمّا الأوّل فهل المرجع هناك هو عموم العام الوارد في صحيحة أبي سعيد القمّاط التي عرفت أنّ الموضوع للإفطار هو الجنابة، أو إطلاق المخصص الوارد في رواية عبد اللّه بن ميمون القداح؟ و الظاهر هو الثاني، لأنّ الجنابة هناك مستندة عرفا إلى الاحتلام الخارج عن الاختيار و إطلاقه يشمل جميع الحالات التي منها لو استيقظ بعد حركة المني و قبل خروجه من المجرى، و مع هذا الإطلاق يكون إيجاب التحفظ محتاجا إلى دليل، و ليس المورد من النوادر حتى يقال بانصراف المخصص عنه.

و منه يظهر حال الفرع الثاني، فانّه داخل تحت الاحتلام، و خروج المني ثانيا من تبعات الاحتلام، فالمورد من مصاديق المخصص لا من موارد التمسك بعموم العام.

أضف إلى ذلك انّ المنع عن الخروج في كلا الفرعين ينافي كون الشريعة سهلة سمحة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 130

[المسألة 16: إذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال]

المسألة 16: إذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال، فالأحوط تقديم الاستبراء إذا علم أنّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل فتحدث جنابة جديدة. (1)

[المسألة 17: لو قصد الإنزال بإتيان شي ء ممّا ذكر و لكن لم ينزل بطل صومه]

المسألة 17: لو قصد الإنزال بإتيان شي ء ممّا ذكر و لكن لم ينزل بطل صومه من باب نيّة إيجاد المفطر. (2)

[المسألة 18: إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل]

المسألة 18: إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل بطل صومه أيضا إذا أنزل، و أمّا إذا أوجد بعض هذه و لم يكن قاصدا للإنزال و لا كان من عادته فاتّفق أنّه أنزل فالأقوى عدم البطلان، و إن كان الأحوط القضاء خصوصا في مثل الملاعبة و الملامسة

______________________________

(1) انّ خروج المني بعد الاغتسال تارة يكون قهريا و أخرى بفعل الصائم كما إذا بال و خرج معه المني، فيقع الكلام في أنّ المورد من قبيل التمسك بعموم العام الوارد في صحيحة أبي سعيد القماط، أو من قبيل التمسّك بعموم المخصص الوارد في صحيحة عبد اللّه بن ميمون القداح، وجهان:

1. انّه جنابة جديدة أوجدها باختياره بتقديم الاغتسال على الاستبراء بالبول أو نحوه فيكون مفطرا.

2. انّ الجنابة في المقام و إن كان بعد الغسل، لكنّه مستند إلى الاحتلام السابق و الجنابة المحللة، و على ذلك فالأحوط الاغتسال بعد الاستبراء.

(2) قد عرفت انّ نية القطع أو القاطع مفطّر و المقام من قبيل الثاني.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 131

و التقبيل. (1)

______________________________

(1) هنا فرعان قد سبق في صدر البحث انّ الميزان في الإبطال، عدم الوثوق بعدم سبق المنيّ أخذا بما في صحيحة الفاضلين عن أبي جعفر عليه السّلام انّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه فليتنزّه من ذلك إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه». «1»

و بذلك يعلم حال الفرعين المذكورين في المتن:

1. إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الإنزال، لكن كان

من عادته الإنزال بذلك، بطل صومه إذا أنزل. و ذلك لدخوله تحت ضابطة عدم الوثوق بعدم سبق الماء.

2. أوجد بعض هذه الأفعال و لم يكن قاصدا للإنزال و لا كان من عادته، فاتّفق انّه أنزل، فقال الماتن: «الأقوى عدم البطلان» لكن اللازم، التفصيل بين الوثوق بعدم سبق الماء و عدمه.

و أمّا تخصيص الأمور الثلاثة بالذكر في المتن لورودها في النصوص. «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 13.

(2). لاحظ الوسائل: الجزء 7، الباب 33.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 132

الخامس: تعمّد الكذب على اللّه و رسوله

اشارة

الخامس: تعمّد الكذب على اللّه تعالى أو رسوله أو الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- سواء كان متعلّقا بأمور الدين أو الدنيا، و سواء كان بنحو الإخبار أو بنحو الفتوى بالعربيّ أو بغيره من اللغات، من غير فرق بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم و من غير فرق بين أن يكون الكذب مجعولا له أو جعله غيره و هو أخبر به مسندا إليه لا على وجه نقل القول، و أمّا لو كان على وجه الحكاية و نقل القول فلا يكون مبطلا. (1)

______________________________

(1) عدّ الكذب على اللّه و رسوله و الأئمة عليهم السّلام من المفطرات من خصائص الفقه الإمامي، و ليس منه أثر في فقه السنّة.

قال الشيخ في الخلاف: «من ارتمس في الماء متعمدا أو كذب على اللّه أو على رسوله أو على الأئمّة عليهم السّلام متعمدا أفطر، و عليه القضاء و الكفّارة. و خالف جميع الفقهاء في ذلك في الإفطار و لزوم الكفّارة معا. و به قال المرتضى من أصحابنا، و الأكثر على ما قلناه. «1»

و قال العلّامة

في المختلف: قال الشيخان: الكذب على اللّه تعالى و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام متعمّدا مع اعتقاد كونه كذبا، يفسد الصوم، و يجب به

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 221، كتاب الصوم، المسألة 85.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 133

..........

______________________________

القضاء و الكفارة. و هذا مذهب السيد المرتضى في الانتصار، و عدّه علي بن بابويه من المفطّرات.

قال الشيخ في المبسوط: و من أصحابنا من قال: إنّ ذلك لا يفطّر و إنّما ينقض. و نقله في الخلاف عن السيد المرتضى و قال: و الأكثر من أصحابنا على ما قلناه، و أفتى أبو الصلاح و ابن البراج بمثل ما قاله الشيخان.

و قال السيد المرتضى في الجمل: الأشبه انّه ينقض الصوم و إن لم يبطل و اختاره ابن إدريس و لم يعده سلار و لا ابن أبي عقيل، و هو الأقوى عندي. «1»

الظاهر انّ لفظة «ينقض» مصحّف ينقص بالصاد المهملة، و إلّا فلا معنى انّه ينقض الصوم و لا يبطله، بل المراد انّه ينقص من ثوابه و كماله.

استدل القائلون بالإبطال بروايات أهمّها روايتا أبي بصير و سماعة، و إليك بيانهما:

1. حديث أبي بصير رواه المشايخ الثلاثة مضافا إلى أحمد بن محمد بن عيسى فقد رواه في النوادر لكن باختلاف في المتن، فتارة خصصت ناقضية الكذب إلى الصوم فقط، و أخرى أضيف إليها ناقضيته للوضوء أيضا الذي لم يقل بها أحد.

أمّا الأوّل فرواه الكليني في قسم الأصول، و الصدوق في الفقيه، و معاني الأخبار و إليك بيانه:

1. روى الكليني بسند صحيح عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إنّ الكذبة تفطر الصائم» قلت: و أيّنا لا يكون ذلك منه قال: «ليس

حيث ذهبت إنّما ذاك الكذب على اللّه عزّ و جلّ و على رسوله

______________________________

(1). المختلف: 3/ 397.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

و على الأئمّة عليهم السّلام». «1»

2. رواه الصدوق في معاني الأخبار بنفس اللفظ. «2»

3. روى الصدوق في الفقيه بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«انّ الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام يفطر الصائم». «3»

أمّا الثاني أي ناقضيته للوضوء أيضا فكما يلي:

4. روى الكليني بنفس السند السابق عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطّر الصائم» قال قلت: هلكنا قال:

«ليس حيث تذهب، إنّما ذاك الكذب على اللّه و رسوله و على الأئمّة». «4»

5. رواه الشيخ في التهذيب نحوه. «5»

6. روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي بصير: من كذب على اللّه و على رسوله و هو صائم نقض صومه و وضوءه إذا تعمّده. «6»

و قد أورد على الاستدلال به بوجهين:

الأوّل: اشتماله على ما لم يقل به أحد من الطائفة، و هو انتقاض الوضوء بالكذب، و هو و إن لم يرد في أصول الكافي و الفقيه و معاني الأخبار، لكن النقل الثاني للكليني، و التهذيب و نوادر ابن عيسى مشتمل عليه، و إذا دار الأمر بين النقيصة و الزيادة، فالأولى هي المتعينة، لأنّ زيادة جملة على الحديث، عند النقل

______________________________

(1). الكافي: 2/ 340.

(2). معاني الأخبار: 165.

(3). الفقيه: 2/ 67.

(4). الكافي: 4/ 89، كتاب الصوم.

(5). التهذيب: 4/ 267.

(6). النوادر: 24.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 135

..........

______________________________

على خلاف الطبع، بخلاف سقوط جملة منه، فكثيرا ما يتفق.

و على افتراض وجود هذه الزيادة في الحديث لا

محيص من تفسير الناقضية في الموردين بمعنى واحد، و حيث لا يمكن حمل الناقضية فيهما على المعنى الحقيقي الملازم لفساد الصوم و بطلان الوضوء- بما انّه لم يقل به أحد في ناحية الوضوء- فلا محيص من تفسيرها بتنافي الكذب مع المرتبة الكاملة من الطهارة و الصوم فاللائق بحالهما ترك الكذب.

و ما ربما يقال من أنّ رفع اليد عن الظهور في جملة لقرينة (كنا قضيته للوضوء) لا يستوجب رفع اليد عن الظهور في جملة أخرى، أمر لا تصدقه سيرة العقلاء في تفسير الشهادات و الأقارير و الأخبار و إن كان أكثر الفقهاء لم يعتدّ بتلك السيرة.

الثاني: انّ الأسانيد تنتهي إلى منصور بن يونس الذي عرّفه النجاشي «1» بقوله:

كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام لكن الشيخ عدّه من أصحاب الكاظم و قال: واقفي. و ذكر الكشي انّه كان عنده مال للإمام أبي الحسن فلم يدفعه إلى الإمام الرضا. و الترجيح و إن كان مع قول النجاشي، لأنّه خرّيت الفن، لكن لا تسكن النفس إلى مثل هذه الرواية في تأسيس حكم اختلفت فيه كلماته، نعم لو كان هناك دليل آخر، تصلح أن تكون مؤيدة.

2. حديث سماعة الحديث الثاني في المقام هو حديث سماعة، و للشيخ إليه طريقان، فتارة يرويه عن كتاب علي بن مهزيار، و أخرى عن كتاب الحسين بن سعيد الأهوازي و إليك البيان:

______________________________

(1). النجاشي: الرجال: 2/ 351 برقم 1101.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

1. ما رواه عن كتاب علي بن مهزيار، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:

سألته عن رجل كذب في رمضان فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه» فقلت فما كذبته؟! قال: «يكذب على اللّه و

على رسوله». «1»

2. ما رواه عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:

سألته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه، و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمد». «2»

و السند لا غبار عليه، و الرواية موثقة، لكن المتن على النقل الثاني مشتمل على ما لم يقل به أحد، (بطلان الوضوء بالكذب) لكن لا محيص عن تفسير الإفطار، بالمعنى المجازي، حفظا للسياق.

و هناك روايات أخرى تؤيدهما.

3. روى علي بن طاوس قال: رأيت في أصل من كتب أصحابنا، قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّ الكذبة لتفطّر الصائم، و النظرة بعد النظرة و الظلم كلّه قليله و كثيره». «3»

و الإشكال فيه نفس الإشكال بل أكثر، لعدم القول بفساد الصوم بالنظرة بعد النظرة أو بالظلم.

4. مرفوعة محمد بن خالد البرقي رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة أشياء تفطّر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة». «4».

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). التهذيب: 4/ 268. نقله في الوسائل في ذيل الحديث السابق، و لم يشر إلى الاختلاف في المتن، (و وضوءه إذا تعمد) و لذلك نقلناه عن التهذيب.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

و الرواية لو لا كونها مرفوعة، تصلح للاستناد.

5. و جاء في فقه الرضا، بإضافة قول: «الخنا من الكلام، و النظر إلى ما لا يجوز». «1»

و

حاصل الكلام في هذه الروايات: انّه لا إشكال في صدورها، لأنّ المجموع من حيث المجموع يورث الاطمئنان بالصدور، و قد قلنا في محلّه، انّ المعتبر هو الخبر الموثوق بصدوره، لا خصوص خبر الثقة، و انّ حجّيته لأجل كونه مورثا للوثوق بصحته إلّا انّ الكلام في دلالتها على نقض الصوم بالكذب ففيه إشكالات:

الأوّل: انّ الحكم بكونه مفطرا، ينافي ما ورد في صحيحة ابن مسلم قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث (أربع) خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس.

و ربما يجاب عنه: انّ دلالة الرواية الحاصرة بالإطلاق فلا مانع من رفع اليد عنه بما دلّ على أنّ الكذب أو غيره أيضا مفطر على ما هو مقتضى صناعة الإطلاق و التقييد، و هذا نظير ما دلّ على أنّ ناقض الوضوء هو ما خرج عن الأسفلين و لكن دلّ دليل على أنّ زوال العقل و الاستحاضة و النوم مبطل أيضا.

يلاحظ عليه: أنّ صناعة الإطلاق و التقييد شي ء، و تعيين المفطّر بالعدد شي ء آخر فلو دلّ دليل على كون المفطر أزيد من خمسة أمور، يعد معارضا لا مقيدا و أمّا ما مثّل، من حصر ناقض الوضوء على الأسفلين فالحصر فيه إضافي في مقابل ما ذهب إليه العامة من أنّ مس الذكر، أو مس الامرأة ناقض للوضوء.

فقد ذهب الشافعي إلى أنّ مباشرة النساء من غير حائل إذا كن غير ذوات

______________________________

(1). المستدرك: 1/ 321.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 138

..........

______________________________

محارم تنقض الوضوء بشهوة كانت أو بغير شهوة. و فصل مالك بين المس بشهوة و غيرها فينتقض في الأوّل دون الثاني، إلى غير ذلك من الأقوال التي ذكروها في مسألة مس

المرأة. «1»

و هكذا مس الذكر قال الشافعي: الرجل إذا مس ذكره بباطن كفه و المرأة إذا مسّت فرجها بباطن كفها انتقض وضوؤهما. و لم يفرق مالك و لا الأوزاعي بين باطن الكف و ظاهره. 2

الثاني: انّ عدم ورود الزيادة في الفقيه، أو معاني الأخبار و في النقل الأوّل للكليني، لا يدل على زيادته واقعا، لما عرفت من أنّ الكليني نقله في الفروع و الشيخ في التهذيب، و أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره، و قد عرفت أنّه إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فالثانية أولى. فتكون النتيجة سقوطها عن سائر النقول، و على ذلك، الأمر يدور بين حفظ وحدة السياق و تفسير الناقضية في موردي الصوم و الوضوء بإرادة نقض المرتبة الكاملة، و بين رفع اليد عنها و حمل الناقضية في الصوم على المعنى الحقيقي، و في غيره على إرادة نقض المرتبة الكاملة، و لكن لا يصار إلى الثاني إلّا بدليل، كما إذا ورد اغتسل للجمعة و الجنابة، فإنّ قيام القرينة على الاستحباب في غسل الجمعة لا يصرف ظهوره عن الوجوب في الجنابة، و بما أنّه لا دليل في المقام على نقض السياق فوحدته تدل على أنّ المراد هو نقض المرتبة الكاملة في كليهما.

الثالث: انّ هناك قرينة على أنّ المراد هو نقض الكمال، و ذلك لورود روايات في نقض الصوم بأمور أخرى كالغيبة 3 و النميمة 4 كما وردت روايات في لزوم

______________________________

(1) 1 و 2. الخلاف: 1/ 110- 112، كتاب الطهارة، المسألة 54 و 55.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(3) 4. جامع أحاديث الشيعة: 1/ 386.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 139

..........

______________________________

اجتناب الصائم عن البهتان و النظر و الظلم و النجاسة و التنازع و استماع الغيبة و اللغو. «1»

كلّ ذلك قرينة صالحة لتفسير النقض في هذه الروايات، و انّ المراد هو أنّ الصوم الكامل رهن الاجتناب عن الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة عليهم السّلام.

و الإنصاف انّ الإفتاء بأنّ الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة مبطل للصوم، موجب للقضاء أمر مشكل فضلا عن الإفتاء، بأنّه موجب للكفّارة و لذلك اقتصر صاحب الحدائق بالأوّل قائلا بأنّ ما دلّ على وجوب الكفّارة بالإفطار متعمدا، المتبادر من الإفطار فيه، إنّما هو الإفساد بالأكل و الشرب، ثمّ قال: فالمسألة لا تخلو من الإشكال، فالأحوط الاجتناب. «2»

ثمّ إنّ الماتن سوّى بين الأمور التالية:

1. كان الكذب متعلّقا بأمور الدين أو الدنيا.

2. كان بنحو الإخبار أو الإفتاء.

3. كان باللسان العربي أو بغيره.

4. كان بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية.

5. كان هو الجاعل له، أو كان الغير جاعلا له، و هو مع علمه بكذبه أسنده إليهم.

أمّا الأوّل، فهو بمقتضى إطلاق روايات الباب، فلو أخبر الصائم عن فعل النبي العادي الذي لا يمسّ بالدين فقد كذب عليه، نعم لو قلنا بأنّ الكذب على النبي و آله، طريق إلى الكذب على اللّه، يختص البطلان بما يصحّ نسبته إلى اللّه

______________________________

(1). المصدر نفسه.

(2). الحدائق: 13/ 143.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 140

[المسألة 19: الأقوى إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم]

المسألة 19: الأقوى إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيكون الكذب عليهم أيضا موجبا للبطلان، بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء- سلام اللّه عليها- بهم أيضا. (1)

______________________________

فيختص بالأمور الدينية. و لكنّه بعيد و إن اختاره كاشف الغطاء.

و أمّا الثاني، فإنّما تصحّ التسوية بين الإخبار

و الإفتاء إذا كان الإفتاء ظاهرا في الحكاية عنهم، كما قال هذا حلال و هذا حرام أي أحله الشارع أو حرمه، و أمّا إذا قال: في نظري انّ المعاطاة عقد لازم، و لم يكن كذلك عنده فلا يعد كذبا عليهم، غاية الأمر انّه كذب في نقل رأيه، إذا لم يكن رأيه كذلك.

و أمّا الثالث، للإطلاق، بل ليس شموله للغة العرب أولى من لغة أخرى، فالجميع أمام الدليل سواسية، كحرمة الكذب.

و أمّا الرابع، فلأنّ الموضوع الكذب على اللّه، فلو سئل عن ورود قول المؤذن:

«الصلاة خير من النوم» عن رسول اللّه، فأشار إليه برأسه بعنوان التصديق، فقد كذب.

نعم القدر المتيقن من الكتابة إذا كان هناك قارئ كما سيوافيك بيانه:

و أمّا الخامس، لا فرق بين كون الجاعل هو نفسه أو غيره لكنّه نقله ناسبا له إلى اللّه و رسوله، و أمّا لو نقله عنه و قال: إنّه نسبه إلى اللّه و رسوله- مع العلم بكذبه- فهو نقل كذب، خال عن النسبة فلا يبطل.

(1) يمكن الإلحاق بوجهين:

1. إلغاء الخصوصية و انّ الميزان هو الكذب على المعصوم، فيعم سائر الأنبياء و الأوصياء و الزهراء سلام اللّه عليهم، سواء كان المضمون دينيا أو دنيويا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 141

[المسألة 20: إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد، أو موجّها إلى من لا يفهم معناه]

المسألة 20: إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد، أو موجّها إلى من لا يفهم معناه، فالظاهر عدم البطلان و إن كان الأحوط القضاء. (1)

______________________________

2. عموم قوله: إنّما ذلك، الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام في موثقة أبي بصير، «1» الأنبياء و الأوصياء.

و الوجهان ضعيفان خصوصا الثاني.

نعم لو قلنا بأنّ الموضوع هو الافتراء على اللّه، و انّ الكذب على الآخرين (الرسول و الأئمّة)

إنّما يبطل، لأنّه طريق إلى الكذب عليه، فالبطلان هو المتعين إذا كانت هناك ملازمة بين الافتراءين، كما هو الحال في الكذب عليهم في الأمور الدينية التي لا طريق إلى العلم بهما إلّا الوحي أو التحديث.

(1) هل يشترط في الإبطال قصد الإفهام، فلا يبطل فيما إذا لم يكن هناك مخاطب، أو كان لكن كان غير عارف باللغة، أو لا يشترط؟ ذهب صاحب الجواهر إلى الأوّل و المحقّق الخوئي إلى الثاني، و استدل الثاني بأنّ الموجود في الأخبار عنوان الكذب، «2» لا عنوان الاخبار، فيصدق ذلك بمجرد عدم المطابقة و إن لم يكن عنده أحد، و على ذلك لو كتب خبرا كاذبا، و لم يكن هناك من يقرؤه بل و لن يتفق أن يقرأه أحد صدق انّه كذب على رسوله. «3»

لا يخفى انّ الكذب المحرّم عبارة عن التقوّل على خلاف الواقع، لغاية إغراء المخاطب على الجهل، و قد عدّ الكذب الحرام مفطرا للصوم، فلو لم يكن هناك أي

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2). مستند العروة: 137.

(3). الجواهر: 16/ 227؛ و مستند العروة: 137.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 142

[المسألة 21: إذا سأله سائل هل قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذا، فأشار نعم في مقام لا، أو لا في مقام نعم]

المسألة 21: إذا سأله سائل هل قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذا، فأشار نعم في مقام لا، أو لا في مقام نعم بطل صومه. (1)

[المسألة 22: إذا أخبر صادقا عن اللّه أو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثلا ثمّ قال: كذبت]

المسألة 22: إذا أخبر صادقا عن اللّه أو عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثلا ثمّ قال:

كذبت، بطل صومه، و كذا إذا أخبر بالليل كاذبا ثمّ قال في النهار: ما أخبرت به البارحة صدق. (2)

[المسألة 23: إذا أخبر كاذبا ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر]

المسألة 23: إذا أخبر كاذبا ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر، فيكون صومه باطلا، بل و كذا إذا تاب بعد ذلك فإنّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان. (3)

______________________________

مخاطب، فالكلام و إن كان كاذبا، لكن التقوّل به غير محرم، و لا يكون مفطرا، نعم لو كان الموضوع للإفطار هو الأعم من المحرّم و غيره، كان لما ذكره وجه، و منه يظهر حكم ما لو كتب الكذب من دون أن يكون هناك من يقرؤه، كما إذا كتب و مزّقه بعد مدة بلا تخلّل قارئ بين الفترتين.

(1) لصدق الكذب على النبي.

(2) و ربما يخصص الإبطال بما إذا كان المقصود، نفي الواقع المطابق للخبر، كما هو الظاهر، أمّا إذا كان المقصود نفي الخبر المطابق للواقع، فلا يبطل به الصوم لعدم كونه كذبا على اللّه تعالى أو على النبي، بل كذب على نفسه فقط.

حاصله: انّ تكذيب الخبر تارة يراد منه انّ المعصوم لم يقله فهو افتراء عليه، و أخرى انّ خبره ليس بمطابق للواقع، فهو كذب على نفسه و إن كان كذبا عليه أيضا بنحو الإيماء لكن الدليل منصرف عنه.

(3) أمّا الرجوع بلا فصل، فانّه لا يخرجه عن كونه كذبا على اللّه، لأنّ الواقع

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 143

[المسألة 24: لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا]

المسألة 24: لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به، و إن أسنده إلى ذلك الكتاب إلّا أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الإخبار، بل لا يجوز الإخبار به على سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه، بل و كذا مع احتمال كذبه إلّا على سبيل النقل

و الحكاية فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر أن يسنده إلى الكتاب، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية. (1)

______________________________

لا ينقلب عمّا هو عليه بالرجوع. نعم لو رجع قبل انعقاد الظهور و استقراره فذيّل كلامه مما يخرجه عن الظهور في الكذب على اللّه- كما إذا قال: حسب ما يقوله الفلاني- لا يكون مبطلا من حيث نسبة الكذب على اللّه، نعم يكون مبطلا من حيث نية القطع، إذا كان ناويا لنسبة الكذب على اللّه من أوّل الأمر.

و أمّا التوبة فإنّما تنفع في رفع العقاب لا في الحكم الوضعي، أعني: القضاء.

(1) أمّا عدم الفرق بين كونه مكتوبا في كتاب و عدمه، هو انّ الموضوع، الكذب على اللّه و رسوله، فهو متحقق مطلقا كان مكتوبا فيه أو لا.

ثمّ إنّ الإخبار عن اللّه و رسوله و الأئمة على وجوه ثلاثة:

1. أن يخبر عنهم مع العلم بكونه كاذبا.

2. أن يخبر عنهم مع الظن بكونه كاذبا.

3. أن يخبر عنهم مع الشكّ في كونه كاذبا.

أمّا الصورة الأولى، فلا شكّ انّه مفطر، و هو المصداق الواضح للمقام.

فإن قلت: إذا كان عند الإخبار عالما بكونه على خلاف الواقع، لكنّه تبيّن

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 144

..........

______________________________

بعد صدقه و موافقته له، فهل يحكم بصحّة صومه، لأجل عدم تحقّق المفطر، أعني:

القول على اللّه بما يخالف الواقع؟

قلت: يبطل صومه، لأجل نية القطع و العزم على نية المفطّر، و قد سبق انّ نيّة القطع و القاطع مفطّران و إن لم يتحقق المفطّر.

أمّا الصورة الثانية، فإن قامت حجّة شرعية على حجّية قول الثقة مطلقا- و إن ظن خلافه- فلا يفطّر للإذن بالإخبار لقوله سبحانه: آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ

«1»، و المراد من العلم في قوله سبحانه: أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ* «2»، هو الحجّة العقلية أو الشرعية.

إنّما الكلام في الظنّ الذي لم تثبت حجّيته، فهو يلحق بالشكّ الذي هو الصورة الثالثة.

أمّا الصورة الثالثة: فإذا لم يدل دليل على جواز الإخبار به عن اللّه سبحانه، فلا كلام في حرمة الإسناد إلى اللّه بصورة القطع مع كونه شاكّا، إنّما الكلام في كونه مفطّرا للصوم، أو لا. فقد اختار السيد الحكيم قدّس سرّه عدم البطلان للشكّ في تحقّق المفطّر، أعني: الإخبار المخالف للواقع- و أضاف- بأنّه لو كان موافقا للواقع فلا كذب، و إن كان مخالفا للواقع فلا تعمد، لأنّ المفطّر هو خصوص التعمد «3».

و ذهب المحقّق الخوئي إلى أنّ الظاهر هو البطلان لصدق العمد بعد تنجز الاحتمال، لأجل كونه من أطراف العلم الإجمالي الذي لا مجال معه للرجوع إلى أصالة البراءة، حيث إنّه يعلم إجمالا بكذب أحد الأمرين، إمّا ذاك الخبر المفروض أو نقيضه، و انّ أحد الاسنادين إلى الإمام عليه السّلام مخالف للواقع جزما، و بالعلم الإجمالي يتنجز الواقع لا محالة، و لا مجال معه للرجوع إلى أصالة البراءة. و نتيجة

______________________________

(1). يونس: 59.

(2). الأعراف: 28.

(3). المستمسك: 8/ 257.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 145

..........

______________________________

ذلك انّه يكون قد تعمد الكذب اختيارا على تقدير كون الخبر مخالفا للواقع، نظير ما لو علم إجمالا انّ أحد الإناءين خمر فشرب أحدهما و صادف الواقع. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره صحيح لو كان مثل ذلك العلم الإجمالي موجودا في ذهن المخبر بأن يكون ممّن صرف عمره في المسائل الأصولية، و بالتالي واقفا بأنّ الإمام إمّا قال: الطلاق بيد من أخذ الساق، أو قال نقيضه،

و مع ذلك أخبر و صار مخالفا للواقع، فتعمد الكذب كمن لو شرب أحد الإناءين المشتبهين بالخمر.

و لكن ذلك العلم الإجمالي ليس بموجود في ذهن المخبر عند الإخبار إمّا لقصور فكره عن تلك المسائل أو لعدم التفاته إليه، و مع ذلك كيف يكون منجزا عليه و وجوده في الأذهان العالية لا يكون سببا لتنجزه عليه.

ثمّ إنّه قدّس سرّه أشار في ذيل كلامه إلى وجه آخر مستلزم لبطلانه مطلقا خالف الواقع أم لم يخالف. و حاصله: انّه جازم للإخبار به سواء أ وافق الواقع أم خالف و عليه فهو ليس بناو للإمساك على جميع التقادير بل ناو له على فرض الموافقة، دون فرض المخالفة فيوجب ذلك إخلالا بنيّة الصوم، لأنّ اللازم على الصائم نيّة الإمساك عن جميع المفطرات في جميع الآنات و على جميع التقادير 2.

يلاحظ عليه: بأنّه ناو للصوم على وجه لو علم أنّه مخالف للواقع و انّ النسبة غير صحيحة، لأمسك عن الإخبار، و إنّما يخبر راجيا مطابقته له، و لعلّ هذا المقدار من النية كاف في صحّة الصوم.

نعم إنّما لا يكون ناويا للصوم على جميع التقادير إذا كان ذلك التحليل موجودا في ذهنه حتى يمنع عن الإمساك على كلّها. و المفروض انّ الأغلب غافل عن هذا النوع من التحليل المانع عن الإمساك على عامة الفروض.

______________________________

(1) 1 و 2. مستند العروة: 141- 142.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 146

[المسألة 25: الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراما لا يوجب بطلان الصوم]

المسألة 25: الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراما لا يوجب بطلان الصوم، إلّا إذا رجع إلى الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (1)

[المسألة 26: إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مقام التقيّة من ظالم لا يبطل صومه به]

المسألة 26: إذا اضطرّ إلى الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مقام التقيّة من ظالم لا يبطل صومه به كما أنّه لا يبطل مع السهو أو الجهل المركّب. (2)

______________________________

(1) لاختصاص الحكم بالكذب عليهم و لا يعم غيرهم إلّا أن يرجع إليهم.

(2) وجهان مبنيان على أنّ التقية ترفع الإثم فقط أو يعمّ الرفع الحكم الوضعي أيضا، أعني: القضاء، و المستظهر من روايات التقية هو الأوّل؛ روى الكليني بسند صحيح عن زرارة، عن أبي جعفر قال: «التقية في كلّ شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحل اللّه له». «1» فظاهر قوله: «أحل اللّه له» هو عدم الحرمة، و لو حكم في مورد على صحّة الوضوء و الصلاة عن تقية، فإنّما هو لدليل خاص كما بيّن في مبحث الإجزاء.

و مع ذلك كلّه، فالظاهر في المقام رفع التكليف و الوضع، و ذلك لا لعمومية في دليل التقية، بل للقصور في دليل المفطّر، لأنّ الظاهر من أدلّته هو الكذب المحرّم بشهادة قول الراوي- بعد ما سمع مفطرية الكذبة- قال: «هلكنا» الظاهر في أنّ الموضوع هو الكذب المحرم المتداول لا الحلال منه.

نعم الإفطار بالأكل مطلقا تقية مبطل، لعدم انقسامه إلى قسمين حتى ينصرف الدليل إلى القسم الحلال مضافا إلى ما ورد «فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي». «2» و ستعرف قوة صحّة الصوم إذا أفطر عن تقية و أمسك إلى المغرب، فانتظر.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 11،

الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 147

[المسألة 27: إذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر]

المسألة 27: إذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر بشرط العلم بكونه مفطرا. (1)

[المسألة 28: إذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ]

المسألة 28: إذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ كما أشير إليه. (2)

______________________________

فإن قلت: يلزم صحّة صوم الصبي إذا كذب على اللّه و رسوله، لعدم حرمته عليه، لأنّ المفروض رفع قلم التكليف عنه.

قلت: لو قلنا بأنّ عباداته تمرينية، فلا مورد للنقض، و أمّا على القول بشرعية عباداته كما هو الحقّ، فليس مفاد قوله: «رفع القلم عن ثلاثة» رفع الجزئية و الشرطية، أو القاطعية أو المانعية عن عباداته، بل غاية الأمر رفع الإلزام و المؤاخذة أو التكليف الإلزامي، و عندئذ تكون الجزئية و الشرطية و جميع الأمور الوضعية محفوظة في عباداته.

و قد ثبت في محلّه انّ العبادات المندوبة، كما هو الحال في عبادة الصبيّ تشارك العبادات الواجبة في الماهية و الاجزاء و الشرائط و الموانع و القواطع- إلّا ما خرج بالدليل- و ليس معنى كون العبادة مستحبة انّه يجوز الإتيان بها، بأيّ نحو شاء الفاعل بحذف الاجزاء و الشرائط أو بعضها، مقرونة بالموانع و القواطع.

(1) وجه الاشتراط انّ قصد ذات المفطر ليس بمفطّر، كما إذا استعمله سهوا، بل المفطّر تناوله مع العلم- حين التناول- انّه مفطر، و على ذلك فلا يكون قصد الكذب بلا علم بكونه كذبا، قصدا للمفطّر بما هو مفطّر، بل قصدا لذاته و قد عرفت أنّ مجرد عزمه لا يبطل.

(2) قال في ذيل المسألة 26 كما أنّه لا يبطل مع السهو أو الجهل المركب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 148

[المسألة 29: إذا أخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعنى أصلا]

المسألة 29: إذا أخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعنى أصلا لم يبطل صومه. (1)

______________________________

(1) لا يخفى انّ الهازل يقصد المعنى لكن بإرادة استعمالية و ليس له إرادة جدية حيث ينصب قرينة في كلامه على كونه في مقام الهزل، لا الجد.

الصوم

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 149

السادس: إيصال الغبار الغليظ

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه، بل و غير الغليظ على الأحوط، سواء كان من الحلال كغبار الدقيق، أو الحرام كغبار التراب و نحوه، و سواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه، أو بإثارة غيره، بل أو بإثارة الهواء مع التمكن منه و عدم تحفّظه، و الأقوى إلحاق البخار الغليظ و دخان التنباك و نحوه، و لا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسيانا أو قهرا أو مع ترك التحفّظ بظنّ عدم الوصول و نحو ذلك. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة حول أمور ثلاثة:

1. الغبار الغليظ و غير الغليظ.

2. البخار الغليظ و دخان التنباك.

3. حكم الدخول غفلة أو نسيانا أو قهرا.

و إليك الكلام في هذه الأمور:

1. الغبار الغليظ و غير الغليظ اختلفت الأنظار في مفطرية الغبار، فالجمهور على عدم كونه موجبا للقضاء و الكفّارة قال الشيخ: غبار الدقيق و النفض الغليظ حتى يصل إلى الحلق يفطّر و يجب منه القضاء و الكفارة متى تعمد، و لم يوافق عليه أحد من الفقهاء، بل أسقطوا كلّهم القضاء و الكفّارة معا. «1»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 177، كتاب الصوم، المسألة 17.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

و أمّا الإمامية، فالشيخ، في الخلاف و المبسوط و الجمل، و السيّد في الانتصار، و العلّامة في المختلف، «1» على أنّه يوجب القضاء و الكفّارة، و العجب من المحقّق الخوئي من نسبة عدم المفطرية إلى الشيخ الطوسي مع أنّه رائد القوم في هذه المسألة في القول بالمفطرية. و ذهب المفيد في المقنعة و أبو الصلاح في الكافي و ابن إدريس في السرائر إلى كونه موجبا للقضاء دون الكفّارة. و قال ابن إدريس: فالقضاء

مجمع عليه. «2» لكن الظاهر من المحقّق كون القضاء أيضا مورد خلاف حيث قال: و في إيصال الغبار إلى الحلق خلاف، و الأظهر التحريم و فساد الصوم، و قد ذيله صاحب الجواهر بقوله: «وفاقا للمشهور، بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد و غيره، إلّا من المصنّف في المعتبر فتردّد فيه، اللّهمّ إلّا أن يريد المرتضى و من تبعه على القول باختصاص المفطر بالمعتاد- إلى أن قال:- و كيف كان فلم نتحقّق ما ذكره المصنّف من الخلاف. «3» و مع ذلك فقال صاحب الحدائق: و ذهب جمع من متأخري المتأخرين إلى عدم الإفساد، و عدم وجوب شي ء من قضاء أو كفّارة، و هو الأقرب. «4»

و على كلّ تقدير لم يكن القول بمفطرية الغبار موجودا في الفقه الإمامي و إنّما دخل فيه في أوائل القرن الثالث برواية سليمان بن حفص المروزي.

روى الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان ابن جعفر (حفص) المروزي، قال: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب

______________________________

(1). المختلف: 3/ 402.

(2). السرائر: 1/ 377، و قد نقلنا الأقوال من المختلف.

(3). الجواهر: 16/ 232.

(4). الحدائق: 13/ 72.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

و النكاح. «1»

الظاهر انّ «جعفر» مصحّف «حفص»، لأنّ العبيدي أي محمد بن عيسى الوارد في السند ينقل كثيرا ما عن سليمان بن حفص لا عن سليمان بن جعفر. «2»

و ذكره الصدوق في المشيخة باسم سليمان بن حفص «3»، و بعد ذلك لا يبقى شكّ

في أنّ المراد منه هو حفص.

ثمّ إنّ الكلام يقع في صحّة السند أوّلا، و دلالة المتن على الحكم ثانيا.

أمّا الأوّل: فقد وقع الكلام في وثاقة سليمان بن حفص، فقد روى الوحيد البهبهاني عن جدّه المجلسي الأوّل انّه نفس الرجل الذي ناظر الإمام الرضا في مسائل كلامه بأمر المأمون و قد رجع إلى الحقّ.

أقول: يلاحظ عليه: أنّ المناظر حسب ما ينقله الصدوق في التوحيد هو سليمان المروزي، و ليس فيه انّه ابن حفص.

قال الصدوق: و روي عن الحسن بن محمد النوفلي انّه كان يقول: قدم سليمان المروزي- متكلم خراسان- على المأمون فأكرمه و وصله ثمّ قال له: إنّ ابن عمي علي بن موسى الرضا عليه السّلام قدم عليّ من الحجاز يحبّ الكلام و أصحابه، فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته. «4»

و لا دليل على كونه هو ذلك المتكلم، و على فرض الوحدة لا دليل على وثاقته، فقد نقل في الاحتجاج انّ الرضا كان يلزمه في مواضع بحثه، ... فانقطع سليمان فقال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا علم هاشمي، ثمّ تفرّق القوم.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). لاحظ الفقيه 3، الحديث 901؛ و التهذيب 7، الحديث 784.

(3). الفقيه: 4/ 458.

(4). الاحتجاج: 2/ 365، رقم الاحتجاج 284.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 152

..........

______________________________

و على كلّ تقدير فهل يمكن إثبات وثاقته؟

فقد اعتمد المحقّق الخوئي في إثباتها وقوعها في اسناد كامل الزيارات. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ ما اتخذه أساسا لتوثيق عدّة من الرواة، لا أساس له و قد أوضحنا حال الضابطة في كتاب «كليات في علم الرجال».

و يمكن إثبات وثاقته من أجل انّه روى عن الأئمّة الثلاثة: أبي الحسن موسى

بن جعفر، و أبي الحسن الرضا، و أبي الحسن العسكري.

و روى عنه: علي بن محمد القاساني، و محمد بن عيسى بن عبيد، و موسى بن عمر، و وقع اسمه في اسناد جملة من الروايات تبلغ واحدا و ثلاثين موردا، و لعلّ هذا المقدار من القرائن يثبت وثاقته.

و لكن تأسيس حكم مخالف للحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم من أنّه: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس». «2» بهذه الرواية، أمر مشكل، و معنى ذلك انّه خفي ذلك الحكم إلى عصر الإمام الثامن على أصحاب الأئمّة مع كثرة الابتلاء به.

و على كلّ تقدير لو لا كونه مخالفا للضابطة الواردة في صحيحة ابن مسلم، و لو لا استبعاد أن يكون الغبار مفطرا و لم يذكره، أحد الأئمّة إلى عصر الإمام الثامن، لصحّ الاعتماد على مثل تلك القرائن.

و في الرواية إشكال آخر، و هو: كونها مضمرة حيث لم يعين المسئول، و لكنه ليس بمهم إذ من البعيد أن ينقل الصفار في كتابه أو ينقل العبيدي رواية مروية عن غيرهم عليهم السّلام، و قد عرفت رواية سليمان عن غير واحد من الأئمّة.

______________________________

(1). كامل الزيارات: 209، يروي عنه المؤلف بوساط أربع.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 153

..........

______________________________

هذا كلّه حول دراسة السند، و أمّا المتن فقد أورد عليه إشكالات:

أوّلا: انّها مشتملة على ما لم يلتزم به أحد من الفقهاء، كمفطّرية نفس المضمضة و الاستنشاق متعمدا و شمّ الرائحة الغليظة.

و يمكن رفع الإشكال عن الأوّلين بأنّ الرواية ناظرة إلى ما إذا أدّى إلى وصول الماء إلى الحلق

مع العلم بأنّه سينتهي إلى ذلك، لكنّ هذا على فرض الصحّة لا يجزي في شمّ الرائحة الغليظة.

ثانيا: أنّها مشتملة على صوم شهرين متتابعين، و هل يمكن الالتزام بذلك في الاستنشاق و المضمضة و شمّ الرياحين على فرض الالتزام به في الغبار؟ فلا بدّ من التفكيك بحملها على الاستحباب في الثلاثة الأول دون الرابع (الغبار). و هذا النوع من التفكيك مردود عند العقلاء، و إن كان الفقهاء يرتكبون ذلك في الروايات المشتملة على أمور شاذة.

ثالثا: انّها معارضة بموثقة أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، «1» عن عمرو بن سعيد، «2» عن الرضا عليه السّلام: عن الصائم يتدخن بعود و بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال: «جائز لا بأس به» قال: سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: «لا بأس». «3»

و ظاهر الفقرة الأولى هو العمد حيث يقول: يتدخّن بعود، أي يشعّل العود ليطيب دخانه.

______________________________

(1). عرّفه النجاشي بقوله: ثقة بالحديث، مات سنة 260 ه (رجال النجاشي، برقم 192).

(2). المدائني وثقه النجاشي و لم يذكر من مذهبه شي ء، و هذا دليل على عدم ثبوت كونه فطحيا عنده، و إن نقل الكشي عن نصر بن صباح انّه فطحي. و النجاشي أبصر بحال الرواة من الكشي (راجع رجال النجاشي، برقم 765).

(3). الوسائل: 7، الباب 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 154

..........

______________________________

و على ذلك فالفقرة الثانية، أعني قوله: «سألته عن الصائم يدخل الغبار» محمول على العمد أيضا كالفقرة الأولى، لأنّ التفكيك بينهما خلاف السياق.

و على ذلك فبين الروايتين تعارض، حيث إنّ الأولى تحكم بالبطلان في سورة العمد، بخلاف الثانية لا ترى الغبار مخلا مع العمد.

ثمّ إنّ القائلين ببطلان

الصوم بإيصال الغبار إلى الحلق حاولوا الجمع بين الروايتين بوجهين أشار إليهما صاحب الوسائل بعد نقل الرواية الثانية.

الأوّل: حمل الرواية الأولى على العمد، و حمل موثقة عمرو بن سعيد على الأعم من العمد و غيره، و عند ذلك يقيّد إطلاق الثانية بقيد الرواية الأولى.

و كون الفقرة الأولى في رواية عمرو بن سعيد ناظرة إلى العمد لا يكون دليلا على كون الثانية كذلك، لوجود الفصل بين الفقرتين، أعني قوله: «و سألته» فسواء أ كان السؤالان في مجلس واحد أو مجلسين فلا تكون الأولى قرينة على الثانية.

أقول: لو ثبت كونهما في مجلسين كان لما ذكره وجه، و لكن إذا كان في مجلس واحد كما هو الظاهر لوجود المناسبة بين الدخان و الغبار، فكلاهما موجودان في الهواء، غير انّ الدخان ذرّات ناريّة في الهواء و الغبار ذرّات ترابية في الهواء، فتتحدان في المورد و يكون السؤال متعلّقا بالعمد في كلا الموردين، فيعود التعارض بين الروايتين.

الثاني: حمل الرواية على الغبار الغليظ بقرينة وجود غليظة في شمّ الرائحة، و حمل الثانية على الخفيف، و لكنّه جمع تبرعي لا شاهد له، و احتمال أنّ الغبار في الرواية الأولى ناشئة من كنس البيت كغبار غليظ ليس بأمر كلّي لاختلاف البيوت من حيث الاشتمال على الغبار و عدمه.

و على كلّ تقدير فلو قلنا بإفساد الغبار، فالمراد هو الغبار الذي يثيره

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

الإنسان؛ و أمّا الغبار الطبيعي الذي تثيره الريح في بعض الفصول و في البلاد الجدباء، فالرواية منصرفة عنه لكثرة الابتلاء، و عدم ورود نصّ فيه.

2. حكم البخار الغليظ و دخان التبغ ألحق بعضهم البخار و الدخان بالغبار بحجّة أنّ الجميع أجزاء دقيقة منتشرة في الهواء

تدخل جوف الإنسان، و قد عرفت أنّ الحكم غير ثابت في المقيس عليه فضلا عن المقيس، و أقصى ما يمكن أن يقال: استقرار سيرة المسلمين على عدم التجنب عن البخار في الحمام و المرافق العامة و غيرها.

و أمّا الدخان الذي يثيره الإنسان مباشرة، بشرب التبغ و التتن و الترياك و مثلها البخور الذي يستعمله المصاب بالزكام، فالأحوط الاجتناب عنه، إذ ليس فيه سيرة على عدم الاجتناب أوّلا، و صدق الشرب عليه ثانيا، فيدخل تحت صحيحة محمد بن مسلم أي: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب عن أربع خصال ... الأكل و الشرب ...».

و حصيلة البحث: أنّ المسألة مورد إشكال، فمن جانب تعارض الروايتين في مورد الغبار- الذي هو الأساس لغيره كالبخار و الدخان- و عدم وجود الجمع العرفي بينهما، و من جانب آخر استقرار السيرة على الاجتناب عن الدخان.

و من جانب ثالث صدق الشرب على امثال دخان التبغ و غيره، كلّ ذلك يفرض على الفقيه الإفتاء بالاحتياط و عدم الترخيص، خصوصا انّ الإفتاء بالترخيص يوجب جرأة الناس لاستعمال سائر المفطرات.

3. حكم الدخول غفلة و على كلّ حال يقول الماتن: و لا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسيانا أو

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 156

..........

______________________________

مع ترك التحفّظ بظن عدم الوصول، و نحو ذلك.

الأولى على مذهب من قال بكونه مفطرا أن يقول «بالجزم بعدم الوصول»، و إلّا فمع عدم الثقة بعدم الوصول يدخل تحت العمد، كما مرّ نظيره في مسألة تقبيل المرأة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 157

السابع: الارتماس

اشارة

السابع: الارتماس في الماء، و يكفي فيه رمس الرأس فيه، و إن كان سائر البدن خارجا عنه، من غير فرق بين

أن يكون رمسه دفعة، أو تدريجا على وجه يكون تمامه تحت الماء زمانا، و أمّا لو غمسه على التعاقب- لا على هذا الوجه- فلا بأس به و إن استغرقه، و المراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان، و إن كان هو الأحوط، و خروج الشعر لا ينافي صدق الغمس. (1)

______________________________

(1) كون الغمس من المحرمات للصائم أو من المفطرات للصوم، من خصائص الفقه الإمامي، و ليس منه أثر في الفقه السنّي، و لذلك يقول الشيخ: من ارتمس في الماء متعمدا أفطر و عليه القضاء و الكفارة. و خالف جميع الفقهاء في ذلك في الإفطار و لزوم الكفّارة معا. و به قال المرتضى من أصحابنا، و الأكثر على ما قلناه. «1»

أمّا فقهاء الشيعة فهم على أقوال أربعة:

1. موجب للقضاء و الكفّارة.

2. موجب للقضاء دون الكفّارة.

3. أمر محرم غير موجب لواحد منهما.

4. أمر مكروه ينقض الصوم و لا يبطله.

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 221، كتاب الصوم، المسألة 85.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 158

..........

______________________________

نسب الأوّل: إلى الشيخين في المقنعة و الجمل و الاقتصاد، و السيد المرتضى في الانتصار، و ابن البراج، و قد مرّ كلام الشيخ في الخلاف.

و الثاني: إلى أبي الصلاح.

و الثالث: إلى الشيخ في الاستبصار، و المحقّق في المعتبر، و العلّامة في المنتهى و المختلف، و السيد السند في المدارك.

و الرابع: إلى ابن إدريس، و نقله عن السيد المرتضى، و نسبه في المختلف إلى ابن أبي عقيل. «1»

ثمّ إنّ الروايات على أقسام:

1. النهي عن الارتماس في الماء 1. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الصائم يستنقع في الماء و لا يرمس رأسه». «2»

2. صحيحة حريز، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء». 3

3. خبر الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يرتمس في الماء؟ قال: «لا، و لا المحرم». 4

4. صحيح حنان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: «لا بأس، لكن لا يتغمس، و المرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل الماء بقبلها». 5

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 133.

(2) 2 و 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 7، 8، 4، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 159

..........

______________________________

و الروايتان محمولتان على رمس أو غمس رأسه، بقرينة السابقتين، مضافا إلى أنّ الرابعة يفصل بين الرجل و المرأة حيث ترخص الاستنقاع للرجل دون المرأة و ينهى الرجل عن الغمس.

5 و 6. و يقرب منهما روايتا يعقوب بن شعيب «1» و محمد بن مسلم. 2

و الروايات ظاهرة في فساد الصوم برمس الرأس في الماء كسائر النواهي الواردة في أبواب العبادات و المعاملات، إلّا أن تكون قرينة على حملها على مجرّد التحريم أو الكراهة.

2. ما هو ظاهر في الإضرار بالصوم 7. ما رواه محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث (أربع) خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء». 3

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 159

و المراد من الإضرار بالصائم، هو الإضرار بصومه، لا بنفسه، لأنّه بصدد بيان الحكم الشرعي

لا الحكم التكويني.

8. مرفوعة أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه باسناده رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام». 4

3. ما هو ظاهر في الكراهة 9. خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يكره للصائم أن

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 160

..........

______________________________

يرتمس في الماء». «1»

و القائل بالحرمة يحمل الكراهة على الحرمة.

4. ما هو صريح في عدم الإفطار 10. موثقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا، عليه قضاء ذلك اليوم؟! قال: «ليس عليه قضاؤه و لا يعودن عليه». «2»

و الرواية معتبرة، إنّما الكلام في الجمع بينها و بين ما دلّ على البطلان.

فربما يقال انّ هناك جمعا دلاليّا، و هو حمل الروايات الناهية على الحرمة التكليفية أو حملها على التنزيه و الكراهة.

يلاحظ عليه: أنّ هذا الجمع لا يتم في صحيحة ابن مسلم التي تحكم بأنّ الارتماس يضرّ بصوم الصائم و حمل الإضرار على النقص في الثواب و الفضيلة، خلاف الظاهر جدا، و أوضح منه مرفوعة البرقي، و يقرب منها الفقه الرضوي، فالجميع ظاهر في كونه مفسدا للصوم.

و الحقّ أن يقال انّ المقام من مواضع الرجوع إلى المرجحات، فالترجيح

مع الطائفة الأولى لكثرتها أوّلا، و شهرتها بين الأصحاب ثانيا، و كونها على خلاف التقية، لأنّ أهل السنة بين من لم ير الارتماس شيئا، و من يراه أمرا مكروها للصائم، «3» بخلاف الموثقة فانّها رواية واحدة غير مشهورة و موافقة للتقية، و يشير إليه قوله: «ليس عليه قضاؤه و لا يعودن» إذ لو كان الارتماس غير مضرّ، فلا وجه

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 8.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). المغني: 3/ 99.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 161

..........

______________________________

للنهي، فالإمام جمع بين التقية و الإفتاء بالحكم، و على كلّ تقدير فالأقوى كون الارتماس من المفطرات، و ليس الارتماس كالكذب على اللّه و رسوله، فانّ دليل الأوّل أقوى بخلاف دليل الثاني فقد عرفت ضعفه.

ثمّ إنّ هناك أمرين ذكرهما الماتن.

1. أن يكون تمام الرأس تحت الماء في آن واحد وجهه: انّ غمس الرأس أو رمسه لا يتحقق إلّا إذا كان الرأس بأجمعه تحت الماء في آن واحد، كما ذكروه في باب الغسل الذي جاء فيها: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله». «1» و على ذلك فلو غمس رأسه تحت الماء تدريجا على نحو التعاقب لا يبطل، بأن غمس الطرف الأيمن من الرأس ثمّ أخرجه، ثمّ رمس الطرف الأيسر و أخرجه.

2. المراد من الرأس ما فوق الرقبة بتمامها لا شكّ انّ الرقبة داخلة في اخبار الغسل من جهة تثليث الأعضاء، فبما انّ الرقبة غير داخلة في الجانب الأيمن و لا الأيسر فدخلت في العضو الآخر أي الرأس. و أمّا المقام فالموضوع هناك غمس الرأس، و

من المعلوم انّ الرقبة غير الرأس، فالموضوع للبطلان غمس الرأس و رمسه لا الرقبة.

و تظهر الثمرة فيما لو كان خارج الماء و غمس رأسه إلى أذنيه بطل صومه و إن لم يغمس رقبته لما عرفت من أنّ الرقبة خارجة عن الموضوع.

و على ذلك لو انتهى الغمس إلى المنافذ كلّها و كانت منابت الشعر خارجة عن الماء لم يبطل لعدم غمس الرأس.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 26 من أبواب الجنابة، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 162

[المسألة 30: لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات]

المسألة 30: لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات، بل و لا رمسه في الماء المضاف و إن كان الأحوط الاجتناب خصوصا في الماء المضاف. (1)

[المسألة 31: لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء]

المسألة 31: لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء، فالأحوط بل الأقوى بطلان صومه، نعم لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة و نحوها و رمس الإناء في الماء فالظاهر عدم البطلان. (2)

______________________________

(1) انّ هنا صورا:

1. رمس الرأس في غير المائع، كالدقيق و نحوه.

2. رمس الرأس في المائع غير الماء كالحليب و الدبس و الزيت.

3. رمس الرأس في الماء المضاف.

4. رمس الرأس في الماء المطلق.

لا إشكال في الأوّل و الثاني لانصراف الرواية عنهما أوّلا، و اشتمال الروايات على لفظ «الاستنقاع» ثانيا، و ورود الماء في صحيحة ابن مسلم و خبر الصيقل و صحيح الحلبي و حريز و عبد اللّه بن سنان كما مرّ ثالثا، إنّما الكلام في شموله للثالث و الرابع و الظاهر اختصاص الحكم بالماء المطلق و حمل القيد، على وروده مورد الغالب، خلاف الظاهر و لو شكّ فالشكّ في سعة المانعية فالمحكّم هو البراءة.

(2) محصله: انّ المانع عن وصول الماء لو كان متصلا بالبشرة كلطخ الرأس بمانع أو شدّه ب «نايلون» فهو مبطل دون ما إذا كان منفصلا عنها كالغوّاص

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 163

[المسألة 32: لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجا عن الماء كلا أو بعضا]

المسألة 32: لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجا عن الماء كلا أو بعضا لم يبطل صومه على الأقوى، و إن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ. (1)

[المسألة 33: لا بأس بإفاضة الماء على رأسه]

المسألة 33: لا بأس بإفاضة الماء على رأسه، و إن اشتمل على جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء، نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عال إلى السافل و لو على وجه التسنيم، فالظاهر البطلان لصدق الرمس، و كذا في الميزاب إذا كان كبيرا و كان الماء كثيرا كالنهر مثلا. (2)

______________________________

الذي يرمس في الماء و هو في جوف جهاز، أو اسطول بحري تحت الماء، و الظاهر عدم البطلان مطلقا، لأنّ المتبادر من الروايات مدخلية تأثر البشرة بالماء و هو غير موجود، و لذلك سوى سيد مشايخنا البروجردي بين الصورتين.

(1) قد ظهر وجهه مما ذكرناه.

(2) أمّا إذا أفاض الماء على رأسه، فلعدم صدق الرمس في الماء- حتى و إن كان تحت الرقبة في الماء- مضافا إلى قوله في صحيح ابن مسلم: عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال: الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه و يتبرّد بالماء. «1» و لو منع عن صبّ الماء يلزم عدم جواز الاغتسال للصائم، نعم لو صبّ على رأسه بوعاء كبير كالدلو على وجه يكون الماء محيطا بالرأس و هو مستورا بالماء، دفعة واحدة فالأحوط الاجتناب عنه.

كما أنّه لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصب من عال إلى السافل- فالأحوط الاجتناب، و إن لم يصدق عليه الغمس في الماء، و لكن العرف يلغي

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما

يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 164

[المسألة 34: في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه]

المسألة 34: في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه، و مع عدم التميّز يجب عليه الاجتناب عن رمس كلّ منهما، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلّا برمسهما و لو متعاقبا. (1)

______________________________

الخصوصية و كان الموضوع إحاطة الماء على مجموع الرأس دفعة واحدة من غير فرق بين كون الماء جاريا أو واقفا، و من غير فرق بين كون جريانه على وجه التسهيل أو التسنيم.

(1) للمسألة صور:

1. أن يكون كلّ من الرأسين أصليا، بحيث يرى به و يسمع.

2. أن يكون أحدهما أصليا و متميزا عن الآخر الذي هو بمنزلة العضو الزائد، إذ لا يرى به و لا يسمع.

3. تلك الصورة و لا يتميز الأصلي عن الآخر.

لا شكّ في بطلان الصوم برمس أحدهما في الصورة الأولى، و يظهر من الماتن و أكثر المحشين، التسالم على صحّة الصوم برمس الرأس غير الأصلي عند تميزهما و يحتمل أنّ الميزان صدق النسبة و هو رمس الرأس و إن كان غير أصليّ، و على ذلك يبطل الصوم في عامة الصور.

نعم لو لم نقل بذلك يقع الكلام في بطلان الصوم في الصورة الثالثة و هو غمس أحدهما في الماء مع عدم التميز فقال الماتن: فانّه لا يحكم ببطلان الصوم إلّا برمسهما و لو متعاقبا.

و لكن الظاهر من السيد الحكيم عدم الاجتزاء بذلك الصوم قائلا: إنّه و إن لم يحكم بالإفطار واقعا أو ظاهرا شرعا إلّا أنّه بمقتضى العلم الإجمالي يحكم عقلا بعدم الاجتزاء به لاحتمال مصادفة الواقع المنجز، و استصحاب الصحّة لا يجري في

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

قبال العلم الإجمالي المنجّز، و بالجملة وجوب

الاجتناب عقلا تابع لتنجز الواقع، و هو مانع من جريان الأصل المؤمّن منه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ العلم الإجمالي بأنّ غمس أحد الرأسين مفطر، يمنع عن جريان الأصل في موردهما، إمّا لعدم شمول دليل الأصول أطراف العلم كما هو الحقّ، أو شموله لها و لكن يسقط بالتعارض، و أمّا عدم جريانه فيما يرتبط بها، كصحة الصوم فلا يمنع عنه، كما أنّ منع جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي لا يمنع عن جريان الأصل في ملاقي أحد المشتبهين، كالعلم الإجمالي بخمرية أحد الإناءين، فانّه لا يمنع عن جريان أصالة الطهارة في ملاقيه.

فالأقوى الاجتزاء أخذا باستصحاب الصحّة في صومه.

و يظهر من السيد الخوئي الحكم بالبطلان، بناء على ما سبق منه في الكذب على اللّه عند ما نسب إليه و لكن مع الشكّ في الصحة، و ذلك لأنّه على تقدير كون المرموس أصليا لم يكن ناويا للصوم بطبيعة الحال، بل على تقدير خاص و هو عدم كون المرموس أصليا، و هذا لا ينفع، بل لا بدّ للصائم أن يكون ناويا لصومه في جميع الحالات و على جميع التقادير. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الحكم بالإفطار فرع قصد المفطر بعنوان كونه مفطرا، بأن يعلم انّه مفطر قطعا ثمّ يتناوله، و ليس المقام كذلك و ليس قصد الذات كافيا.

و أمّا ما ذكره من التحليل فإنّما هو قائم بذهنه الوقّاد و فكره الأصولي، و ليس عنه أثر في ذهن الرامس، بل هو على حد انّه لو علم انّه رأس أصلي لما رمسه، و إنّما يرمس رجاء أن لا يكون رأسا أصليّا.

كلّ ذلك على تقدير عدم كفاية صدق عنوان الرأس و معه لا تصل النوبة إلى هذه البحوث.

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 266.

(2). مستند العروة الوثقى كتاب

الصوم: 163.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 166

[المسألة 35: إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء يجب الاجتناب عنهما]

المسألة 35: إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء يجب الاجتناب عنهما، و لكن الحكم بالبطلان يتوقّف على الرمس فيهما. (1)

[المسألة 36: لا يبطل الصوم بالارتماس سهوا أو قهرا أو السقوط في الماء من غير اختيار]

المسألة 36: لا يبطل الصوم بالارتماس سهوا أو قهرا أو السقوط في الماء من غير اختيار. (2)

[المسألة 37: إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه]

المسألة 37: إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه. (3)

______________________________

(1) إذا كان مائعان أحدهما مضاف و الآخر مطلق و اشتبه أحدهما بالآخر، فلو قلنا بأنّ الارتماس في المضاف أيضا مبطل، يفسد الصوم بالارتماس في واحد منهما، و أمّا إذا قلنا بعدم البطلان إلّا في الارتماس في الماء المطلق، يكون نظير المسألة السابقة.

فعلى من قال بعدم الاجتزاء هناك لكون العلم الإجمالي منجّزا في المقام و لا تحرز صحّة الصوم لعدم جريان أصالة الصحّة فيه، أو قال بأنّه يشترط كونه ناويا على كلّ تقدير و ليس هو بمتحقق فانّه ناو على تقدير و هو كون المائع مضافا لا مطلقا، يكون الصوم محكوما بالبطلان. لكنّك عرفت ضعف كلا القولين فلا نعيد.

(2) لعدم صدق العمد

(3) ظاهر العبارة كفاية الظن بعدم الرمس، و لكنّه غير تام لعدم حجّيته، و الأولى أن يقول: «إنّه يكفي إذا كان على ثقة من نفسه على عدم الرمس» كما في رواية سماعة حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان فقال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس». «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6، و لاحظ الحديث 1 و 13 من هذا الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 167

[المسألة 38: إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه]

المسألة 38: إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه. (1)

[المسألة 39: إذا ارتمس نسيانا أو قهرا ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلى الخروج]

المسألة 39: إذا ارتمس نسيانا أو قهرا ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلى الخروج و إلّا بطل صومه. (2)

______________________________

(1) أقول: هنا فروض:

1. لو قلنا بأنّ المضاف كالمطلق، فالثمرة منتفية في الفرع الثاني، لأنّه مبطل كالمطلق و ينحصر النزاع في الفرع الأوّل.

2. لو قلنا بمقالة السيد الخوئي قدّس سرّه من أنّ الصائم الجازم برمس الرأس فيما دار كونه مبطلا أو غير مبطل، غير ناو للصوم على كلّ تقدير كما مرّ تفصيله فالصوم باطل بلا إشكال.

3. لو لم نقل بمقالته فصومه صحيح، لأنّ الشبهة موضوعية و لا يجب الاجتناب عنها بعد الفحص اللازم المناسب لها.

و بعبارة أخرى: يكون مرجع الشكّ إلى تعلق النهي بهذا الموضوع أو لا، و الأصل البراءة.

(2) و ذلك لفهم العرف من الأحاديث عدم الفرق بين الحدوث و البقاء، فقوله عليه السّلام: «لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم»، «1» و إن كان ظاهرا في الوجود الحدوثي و لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي عدم الخصوصية فيه و كون الموضوع، مطلق الرمس حدوثا و بقاء و انّ الموضوع تأثر الرأس بالماء و هو موجود في كلتا الصورتين.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 168

[المسألة 40: إذا كان مكرها في الارتماس لم يصحّ صومه]

المسألة 40: إذا كان مكرها في الارتماس لم يصحّ صومه، بخلاف ما إذا كان مقهورا. (1)

[المسألة 41: إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و إن كان واجبا عليه]

المسألة 41: إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و إن كان واجبا عليه. (2)

______________________________

(1) أمّا إذا كان مقهورا فلعدم صدق العمد، و أمّا إذا كان مكرها فهو فاعل مريد اختار أحد الطرفين لأجل محاسبات رجح الفعل معها على الترك. و بما انّ حديث الإكراه حديث رفع لا وضع فهو يرفع الإثم و بالتالي العذاب و لا يثبت صحّة الصوم، و لذلك قالوا حديث الرفع حديث رفع لا حديث وضع.

و الأقوى صحّة صومه بالبيان التالي:

إنّ المرفوع ما هو المكره عليه بالحمل الشائع، و من المعلوم انّ الرفع ليس رفعا تكوينيا بل تشريعيا، فيكون مرجعه إلى سلب حكمه الشرعي عنه، أي كونه مفطّرا، فيكون تناول المفطر كعدم تناوله في ميزان الشرع، و عند ذلك ينطبق عليه عنوان الصوم فيشمله الإطلاقات، كما هو الحال في نسيان الصوم، فانّ المنسي مرفوع تشريعا، فيكون الإمساك إمساكا تاما صادقا عليه عنوان الصوم فيشمله الإطلاق، و حديث الرفع و إن كان حديث رفع لا حديث وضع، و لكن الوضع أي الحكم بالصحّة إنّما هو على عاتق الإطلاقات بعد شموله للمورد.

و منه يظهر حال الفرع التالي.

(2) حيث إنّ المقام من قبيل المتزاحمين، فيقدم أحدهما على الآخر بحكم الشرع فيصدق عليه انّه مضطرّ بحكم الشرع في الرمس، فيكون حكمه مرفوعا بحكم الشرع.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 169

[المسألة 42: إذا كان جنبا و توقّف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمّم]

المسألة 42: إذا كان جنبا و توقّف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجبا معيّنا و إن كان مستحبّا أو كان واجبا موسّعا وجب عليه الغسل و بطل صومه. (1)

______________________________

(1) أما الانتقال إلى التيمم في الفرع الأوّل، فلأنّها من قبيل المتزاحمين، فإذا كان كذلك، فيقدّم ما ليس له بدل على ما

له بدل.

و بما انّ الصوم صوم واجب معين و ليس له بدل، و لكن الطهارة لها فردان:

اختياري و هو الطهارة المائية، و اضطراري و هو الطهارة الترابية، يحكم العقل بتقديم ما ليس له بدل و هو الصوم، على الطهارة المائيّة، التي لها بدل و هو التيمم.

و لعلّ هذا البيان أوضح ممّا أفاده السيد الحكيم حيث قال: إنّ وجوب الصوم يوجب حرمة الغسل الارتماسي، فيكون غير مقدور شرعا، فيتعين عليه التيمم. «1»

أقول: إنّ الحكم بحرمة الغسل الارتماسي لا يتم إلّا بعد ثبوت تقديم دليل الصوم على دليل الغسل الارتماسي، و إلّا فلا وجه للحكم بالحرمة و لا تثبت الحرمة له إلّا بما قلنا.

و أمّا عدم الانتقال إلى التيمّم في الفرع الثاني، أعني: ما إذا كان الصوم مستحبا أو واجبا موسعا، بل يجب عليه الغسل و إن بطل صومه فهو لأجل انّ كلّ واحد من الواجبين و إن كان ذا بدل، لكن يقدم الثاني أي الطهارة المائية على الأوّل، أي حفظ الصوم، و ذلك لأنّ بدل الصوم بدل اختياري لافتراض كونه واجبا موسّعا بخلاف بدل الطهارة المائية، فانّ بدله اضطراري فيقدم الثاني على

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 269.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 170

[المسألة 43: إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن]

المسألة 43: إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه و غسله إذا كان متعمّدا، و إن كان ناسيا لصومه صحّا معا، و أمّا إذا كان الصوم مستحبّا أو واجبا موسّعا بطل صومه و صحّ غسله. (1)

______________________________

الأوّل، فهو بارتماسه يبطل صومه و ينتقل إلى الفرد الاختياري منه بخلاف العكس، أي الحكم بحفظ الصوم حيث ينتقل إلى البدل الاضطراري للطهارة أي التيمم.

ثمّ إنّ هنا بحثا، و هو هل الصوم في الفرع

الثاني يبطل بنفس التكليف كما عليه أكثر المعلّقين، أو يبطل بنية القطع، أو بنفس الفعل أي الغسل، ربما يقال بالأوّل، و ذلك لامتناع الأمر بالصوم المشتمل على الاجتناب عن الارتماس بعد فرض فعلية الأمر بالارتماس. «1»

أقول: إنّه لو كان الخطاب شخصيا كان لما ذكره وجه حيث لا يصحّ أن يخاطب المكلّف بالصيام و في الوقت نفسه يؤمر بالارتماس في الماء، و بما انّ الحكم الفعليّ هو الارتماس يلزم بطلان الصوم بنفس التكليف بالارتماس.

و أما إذا كان الخطاب قانونيا، أي كلّيا، فلا يبطل إلّا بعد ملاحظة الدليلين و الخروج بتقديم الارتماس على الثاني، فعندئذ ينوي عدم الإتمام و الاغتسال بالارتماس فيبطل صومه، فالقول الثاني هو الأقوى.

(1) هنا فروع ثلاثة:

1. إذا كان الصوم واجبا معيّنا فارتمس في الماء بقصد الاغتسال عمدا بطل صومه و غسله.

2. تلك الصورة و لكن ارتمس في الماء سهوا و نسيانا صحّ صومه و غسله.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم: 169.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 171

[المسألة 44: إذا أبطل صومه بالارتماس العمديّ]

المسألة 44: إذا أبطل صومه بالارتماس العمديّ فإن لم يكن من شهر رمضان و لا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج، و إن كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضا، بل يشكل صحّته حال الخروج أيضا لمكان النهي السابق، كالخروج من الدار الغصبيّة إذا

______________________________

3. إذا كان الصوم واجبا موسعا أو مستحبا فارتمس في الماء عمدا بطل صومه، و صحّ غسله، و إليك دراسة الفروع.

أمّا الفرع الأوّل: فيبطل الصوم بالارتماس، و أمّا الغسل لكونه منهيا عنه و المبغوض لا يكون مقربا.

فإن قلت: يبطل الصوم بنية القطع، فلا

يكون الارتماس فيه مبغوضا و محرّما فيصحّ الغسل.

قلت: إنّما يصحّ ذلك في غير الواجب المعيّن الذي لا يكون الإمساك بعد الإفطار واجبا دون الواجب المعيّن الذي يجب فيه الإمساك بعد الإفطار أيضا تأدّبا، من غير فرق بين كونه رمضانا، أو واجبا معيّنا كالنذر، و عليه يكون الارتماس عند فساد الصوم بنيّة القطع، مبغوضا أيضا.

أمّا الفرع الثاني: فيصحّ كلاهما لعدم كون الارتماس السهوي مفطرا، فيصحّ الصوم و بالتالي لا يكون محرما فيصحّ الغسل أيضا.

أمّا الفرع الثالث: فبطلان الصوم لأجل الارتماس، و أمّا صحّة غسله فلعدم كونه محرما لجواز الإفطار و لو بالارتماس في الماء في الصوم الواجب غير المعين، أو المستحب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 172

دخلها عامدا، و من هنا يشكل صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضا سواء كان في حال المكث أو حال الخروج. (1)

______________________________

(1) المسألة مبنية على جواز الاغتسال تحت الماء بتحريك البدن، أو بإخراجه عن الماء، و إلّا فلو قلنا بظهور الدليل بإحداث الارتماس، استظهارا من قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله» «1» فلا مجال لعقد هذه المسألة.

صور المسألة 1. إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي و كان صومه مستحبا أو واجبا غير معيّن، فبما انّ الارتماس، ليس بمحرّم يكون المكث و الخروج مثله، فيصحّ غسله في الحالتين المتأخرتين.

2. إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي، و كان الصوم من شهر رمضان و كان الاغتسال حال المكث في الماء بتحريك بدنه فيه، يحكم عليه بالبطلان، لحرمة المكث في الماء و ذلك بملاحظة أمرين:

أ. يجب الإمساك بعد الإفطار أيضا تأدّبا.

ب. انّ الارتماس مفطر، حدوثا و بقاء فيجب الإمساك عن البقاء كالحدوث.

3. نفس

الصورة و لكن نوى الاغتسال بالخروج عن الماء، فيحكم عليه بالبطلان بتينك المقدمتين، لأنّ الخروج و إن كان واجبا عقلا من باب أخفّ القبيحين، لكنّه مبغوض و هو ينافي الصحة، و إن شئت فاستوضح ذلك بما ذكرناه في الأصول عند البحث فيمن توسط أرضا مغصوبة عن اختيار، و قلنا انّ الخروج

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 26 من أبواب الجنابة، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 173

..........

______________________________

واجب عقلا، لدفع الأفسد بالفاسد، و ليس بمحرم فعلا لمكان الاضطرار و عدم القدرة على تركه فيكون النهي لغوا، لكنّه مبغوض بالذات لكونه تصرّفا في مال الغير إذ كان في وسعه، ترك هذا المبغوض بعدم التوسط في الأرض، و كونه غير قادر على ترك الغصب في هذه الحالة موجب لسقوط الخطاب دون ملاكه و عقابه، لأنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

و أمّا إذا قلنا بعدم سقوط النهي فالحكم أوضح، و الخروج من الماء في المقام يكون محرما بالفعل، لكونه مبغوضا.

و حاصل الكلام: أنّه يظهر بطلان الغسل بملاحظة مقدّمتين، لما عرفت أوّلا انّه يجب الإمساك عن المفطر حدوثا و بقاء، و ثانيا انّ البقاء في الماء مبغوض و إن فسد الصوم بالارتماس الحدوثي و معه لا يصحّ الاغتسال.

نعم لو تاب تحت الماء يصحّ الغسل حال الخروج دون حال المكث، إذ التوبة لا تجتمع مع المكث، فما عن السيد الحكيم من الحكم بالصحّة في كلتا الحالتين لا يخلو عن تأمل.

4. إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي و كان واجبا معيّنا لا من شهر رمضان، فإن قلنا: إنّ حكمه، حكم شهر رمضان في وجوب الإمساك حدوثا و بقاء فيتحد حكمهما، و إلّا، فيحكم بصحّة الغسل في حالتي المكث و الخروج،

و لعلّه إلى ما ذكرنا يشير سيد مشايخنا في تعليقته بقوله: «لا وجه لهذا الإشكال إذ العنوان المنهي بالنهي السابق لا يصدق هنا على المكث و الخروج بخلاف المكث في المغصوب و الخروج عنه».

و حاصله: انّ البقاء تحت الماء حالة غير محرمة في الواجب المعين بخلاف شهر رمضان.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 174

[المسألة 45: لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب]

المسألة 45: لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب، فإن كان ناسيا للصوم و للغصب صحّ صومه و غسله، و إن كان عالما بهما بطلا معا، و كذا إن كان متذكّرا للصوم ناسيا للغصب، و إن كان عالما بالغصب ناسيا للصوم صحّ الصوم دون الغسل. (1)

______________________________

(1) صور المسألة:

1. إذا كان متذكرا للصوم و كون الماء مغصوبا.

2. إذا كان متذكرا للصوم ناسيا للغصب.

3. إذا كان متذكرا للغصب ناسيا للصوم.

4. إذا كان ناسيا للصوم و الغصب.

أمّا الأولى: فيبطل الصوم لتعمد الارتماس، و الغسل لكون الاغتسال بماء معلوم الغصبية فلا يكون المبعّد مقربا.

أمّا الثانية: فهو مثل الأولى يبطل الصوم لتعمد الارتماس، و الغسل للعلم بأنّه إفطار محرم، فبطلان الغسل لا ينحصر بالعلم بكون الماء مغصوبا بل يكفي العلم بكون الارتماس محرما.

و لكن بطلان الغسل مختص بما إذا كان الإفطار محرّما كما في الواجب المعين، دون الموسّع إذ عندئذ، يبطل الصوم، و يصحّ الغسل.

أمّا الثالثة: فيبطل الغسل للعلم بكون الماء غصبيا، دون الصوم لعدم التعمد في الإفطار.

و أمّا الرابعة: أعني ما إذا كان ناسيا لهما، فقد حكم الماتن بصحّة صومه و غسله، أمّا الصوم فلعدم التعمد، و أمّا الغسل فلأنّ المانع من صحّته، عدم تمشّي

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 175

..........

______________________________

التقرّب عند العلم بكون الماء مغصوبا، و المفروض كون المغتسل ناسيا

به، فيصحّ الغسل، كما هو الحال في كل متزاحم إذا كان حكمه غير منجز.

و لكن ذهب المحقّق الخوئي قدّس سرّه إلى بطلان الغسل في الصورة الأخيرة و حاصل كلامه: انّ المقام من باب التعارض دون التزاحم و ليس التركيب فيه انضماميا ليكون من موارد اجتماع الأمر و النهي حتى يتجه التفصيل بين الحرمة المنجّزة بالعلم، فلا يمكن التقرب عندئذ لكونهما بإيجاد واحد و بين صورة الجهل، فيمكن التقرب حينئذ بالأمر.

بل التركيب اتحادي ضرورة انّ الغسل أو الوضوء بالماء المغصوب متحد مع التصرف فيه فهو من باب النهي عن العبادة لا من باب الاجتماع، فيكون من باب التعارض دون التزاحم، فإذا قدم جانب النهي كان تخصيصا في دليل الواجب، فيخرج مورد الحرمة بحسب الواقع عن مورد الوجوب، إذ الحرمة لا تكون مصداقا للواجب، و عندئذ لا يفرق بين العلم و الجهل، إذ التخصيص واقعي، و لا يناط ذلك بعلم المكلّف و جهله. «1»

إنّ ما ذكره من الضابطة لتميز المتزاحمين عن المتعارضين مبني على تعلّق الأحكام بالأفراد و بالمصاديق الخارجية، فيفرّق بين ما إذا كان التركيب انضماميا، فيكون متعلق كلّ غير متعلّق الآخر، دون ما إذا كان اتحاديا فيتحد متعلّقا الحكمين، فلا محيص من تقديم أحدهما على الآخر و تخصيصه، كما خصص في المقام بتقديم دليل الغصب على دليل الغسل، و لكنك عرفت انّ متعلق الأحكام هي العناوين الكلية، و الخارج ظرف للسقوط لا للثبوت، فإذا كان المفهومان مختلفين مفهوما، و بينهما من النسبة عموم و خصوص من وجه، يصح الأمر بأحدهما و النهي عن الآخر، كما هو الحال في المقام أيضا، فيدخل المورد تحت اجتماع الأمر و النهي، فلو

______________________________

(1). مستند العروة: كتاب الصوم: 174.

الصوم في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 176

[المسألة 46: لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا]

المسألة 46: لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا (1).

______________________________

كان الأمر و النهي توصّليين كان عاصيا و ممتثلا دون ما إذا كان أحدهما تعبديا كالاغتسال فيكون عاصيا فقط، لكن لما كان النهي غير مؤثر، لأنّه إمّا مجهول أو منسيّ، فلا يكون منجزا، و عندئذ يتقرب بامتثال الأمر.

إنّ الفرق بين التزاحم و التعارض هو عدم التكاذب في مقام الجعل و التشريع في المتزاحمين و وجوده في المتعارضين، فقوله: «أنقذ هذا الغريق و أنقذ ذاك الغريق، ليسا بمتعارضين في مقام الجعل لإمكان جعل الوجوب على أكثر من واحد، بخلاف جعل النفوذ لبيع العذرة و عدمه في ما روى «يحرم بيع العذرة، لا بأس ببيع العذرة» فلا يمكن جعل حكمين متضادين لشي ء واحد، فكلّ، يكذّب الآخر، بخلاف الأمرين بإنقاذ نفرين.

و على ضوء ذلك، فالاغتسال بالماء المغصوب من باب التزاحم، لا التعارض لعدم التكاذب بين الحكمين في مقام الجعل و لا قصور في قدرة المكلّف في مورد امتثال الحكمين، لأنّ المفروض وجود المندوحة و إنّما جمع المكلّف بين الحكمين بسوء اختياره، فكان هناك تزاحم بين الملاكين لا يجتمعان، و من المعلوم انّ النهي عن التصرف في الماء المغصوب إنّما يؤثر إذا كان المستعمل ذاكرا بالموضوع، فإذا كان جاهلا أو ناسيا لم يؤثر، لعدم كونه مبعدا عند الجهل، فيصح الاغتسال عند الجهل أو النسيان.

نعم يشترط أن لا يكون الناسي، هو نفسه الغاصب، لأنّ النهي السابق الساقط، يؤثر في المبغوضية فلا يكون مقربا.

(1) و ذلك لعمومية الأحكام للعالم و الجاهل.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 177

[المسألة 47: لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل و لا بالارتماس في الثلج]

المسألة 47: لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل و لا بالارتماس في الثلج. (1)

[المسألة 48: إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه]

المسألة 48: إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه. (2)

______________________________

(1) لعدم صدق الارتماس في الماء.

(2) لأصالة عدمه، و لكن لو قصد الارتماس و شكّ في تحقّقه يبطل صومه بنية القطع و إن علم عدم الارتماس فضلا عن الشكّ فيه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 178

الثامن: البقاء على الجنابة عمدا

اشارة

الثامن: البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه، دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة على الأقوى و إن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضا خصوصا في الصيام الواجب موسّعا كان أو مضيّقا. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع ثلاثة:

1. البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق.

2. الإصباح جنبا من غير عمد، بل ناويا للغسل، و سيوافيك الفرق بين العنوانين.

3. البقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر إذا طهرت قبله.

و إليك الكلام في الفروع واحدا تلو الآخر.

البقاء على الجنابة عمدا يقع الكلام تارة في أصل الحكم من كونه مفسدا أو لا، و أخرى فيما يجب عليه، من القضاء و الكفّارة، و ثالثة في عمومية الحكم لشهر رمضان و قضائه، و الصوم الواجب المعين و غير المعيّن و الصوم المستحب.

أمّا الكلام في أصل الحكم فنقول:

المشهور بين الأصحاب بطلان الصوم و لزوم الكفارة، خلافا لأهل السنّة،

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 179

..........

______________________________

فالمشهور عندهم هو الصحّة و عدم وجوب شي ء، إلّا ما روي عن أبي هريرة و الحسن بن صالح بن حي حيث حكما بالبطلان، و لم يعلم إيجابهما الكفارة؛ روى أبو هريرة: من أصبح جنبا فلا صوم له، ما أنا قلته، قال محمد و ربّ الكعبة. «1»

و أمّا أصحابنا، فالمشهور عندهم ان تعمد البقاء على الجنابة من غير عذر في ليلة

شهر رمضان إلى الصباح موجب للقضاء و الكفّارة؛ و إليه ذهب الشيخان و علي بن بابويه و ابن الجنيد و سلار و أبو الصلاح و ابن إدريس حتى عدّه المرتضى في الانتصار ممّا انفردت به الإمامية.

لكن نقل هو فيه و الشيخ الطوسي في الجمل قولا بأنّ عليه القضاء دون الكفّارة، و نسبه العلّامة في المختلف إلى ابن أبي عقيل.

و نسب إلى الصدوق عدم لزوم شي ء منهما استنادا إلى حديث حماد بن عثمان. «2»

قال الشهيد الثاني بعد قول المحقّق: «و البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر»: هذا هو الصحيح و الأخبار به متضافرة، و خلاف ابن بابويه ضعيف. «3» و ما أبعد ما بينه و بين ما ذكره معاصره المحقّق الأردبيلي: ما رأيت دليلا يصلح لذلك (القول المشهور)، فكان مخالفة المشهور لا بدّ منها، لذلك. «4»

و مع ذلك قال في الجواهر: «فالحكم من القطعيات، بل لم أتحقق فيه

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 174، كتاب الصوم، المسألة 13.

(2). المختلف: 3/ 407.

(3). المسالك: 2/ 17.

(4). مجمع البرهان: 5/ 45 و قوله: «لذلك» إشارة إلى عدم الدليل، و قد نقل صاحب الحدائق اختيار ذلك القول عن رسالة للمحقّق الداماد في الرضاع.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 180

..........

______________________________

خلافا». «1»

على كلّ تقدير فيدل على القول المشهور طوائف من الروايات:

الأولى: ما يدل على المطلوب في من تعمد على البقاء 1. صحيحة أو موثقة «2» أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح؟ قال: «يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا» قال: و قال: إنّه حقيق أن لا أراه يدركه

أبدا. «3»

و السند لا غبار عليه، و إبراهيم بن عبد الحميد من مشايخ ابن أبي عمير الذي ثبت انّه لا يروي إلّا عن ثقة، و قد ذكر الفضل بن شاذان انّه صالح، و قال الشيخ في الفهرست: ثقة له أصل، نعم روى الكشي عن نصر بن الصباح انّه واقفي، و عنونه النجاشي و الكشي و لم يصفاه بشي ء من الصلاح و الوثاقة، أو الوقف و لكن القول الفصل، قول الفضل. «4»

2. خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم و لا يدرك فضل يومه. «5»

و ما في الوسائل من سليمان بن جعفر بدل «حفص» قد عرفت خلافه، و سليمان بن جعفر هو الجعفري، لا المروزي و سليمان بن حفص هو المروزي حيث

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 237.

(2). الترديد لأجل الاختلاف في كون إبراهيم بن عبد الحميد، واقفيا أو لا.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(4). قاموس الرجال: 1/ 221.

(5). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

وصف بالمروزيّ، فالمراد هو ابن حفص لا ابن جعفر. و هو لم يوثق، و وقوعه في سند روايات كامل الزيارات، غير مجد، كما أوضحناه في كتابنا «كليات في علم الرجال».

الثانية: في من تعمّد النوم جنبا حتى مطلع الفجر 3. خبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتى يغتسل، و إن أجنب ليلا

في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و يتم صيامه و لم يدركه أبدا. «1»

و السند مرسل أوّلا، و مشتمل على مهمل ثانيا، أعني: عبد الرحمن بن حماد إذا لم نقل باتحاده مع عبد الرحمن بن أبي حماد، الذي رمي بالضعف و الغلو. «2»

و لذلك وصفه صاحب المدارك بضعف السند، لكنّه في غير محله في الأولى.

4. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح قال: «يتم صومه ذلك ثمّ يقضيه، إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربّه». «3»

5. صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتى يصبح متعمدا؟ قال: «يتم ذلك اليوم و عليه قضاؤه». «4»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2). لاحظ رجال النجاشي: 2/ 51 برقم 631.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

و السند لا غبار عليه، لكن يدلان على وجوب القضاء دون الكفارة و يمكن تقييدها بما دلّ على وجوبها، كالروايات الثلاث الأول و هي أقوى دلالة منهما.

الثالثة: ما دلّ على وجوب القضاء على ناسي الغسل ما دل على وجوب القضاء على من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر. «1»

و إيجاب

القضاء مع النسيان يستلزم إيجابه مع التعمد بوجه أولى.

و ربما يستدل ببعض الروايات الراجعة إلى صورة الإصباح جنبا كالصحاح الثلاثة، أعني: صحيح محمد بن مسلم، «2» و معاوية بن عمار، 3 و ابن أبي يعفور، 4 و سيوافيك حالها.

أدلة المخالف قد عرفت تضافر الروايات على الحكم المطلوب و قد عمل بها الأصحاب و لم يظهر الخلاف إلّا عن الصدوق، و المحقّق الأردبيلي و المحقّق الداماد و قد اعتمد هؤلاء على إطلاق الآية أوّلا، و الروايات ثانيا.

1. قال سبحانه: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ 5، و الآية تقتضي جواز الرفث في كلّ جزء من أجزاء الليل و إن كان الجزء الأخير، و وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث و المباشرة في الجزء الأخير من الليل، و هو على خلاف إطلاق الآية.

______________________________

(1). لاحظ الباب 30 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

(2) 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3، 1، 2.

(3) 5. البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ دلالتها بالإطلاق و هو قابل للتقييد، بالسنّة المتضافرة.

2. و قد استدل بروايات، و هي على طائفتين، إمّا محمولة على التقيّة، أو قابلة للتأويل محمولة على من نام بعد الجماع بنية الغسل.

و إليك كلتا الطائفتين:

الطائفة الأولى: ما هي محمولة على التقية 1. صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخّر

الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر». «1»

يلاحظ عليه: أنّ قوله: «كان» ظاهر في الاستمرار و أي ملزم لمداومة الأمر المرجوح. و لعلّ الرواية نقلت على غير وجهها، و إلّا فلا محيص عن حملها على ورودها تقية و يؤيده اتّفاقهم على جواز البقاء على الجنابة ما ننقله تاليا.

2. رواية حماد بن عثمان انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل و أخّر الغسل حتى يطلع الفجر؟ فقال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجامع نساءه من أوّل الليل ثمّ يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر و لا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب يقضي يوما مكانه». «2» و مضمون الرواية غير قابل للتصديق، لأنّ البقاء على الجنابة إلى الفجر يلازم ترك نافلة الليل التي كانت واجبة عليه و إلّا فلا محيص عن حملها على التقية.

و يؤيده انّ الإمام ابتدأ بنقل الفعل من دون أن يجيب بالقول، أضف إلى ذلك انّه لم يعلم المراد من هؤلاء الأقشاب، الذين يرون بطلان الصوم و لزوم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 184

..........

______________________________

القضاء، مع اتّفاق فقهاء عصره على الصحة و عدم القضاء إلّا ما روي عن أبي هريرة و الحسن بن صالح، و هذا شاهد على أنّ الرواية لم تنقل على وجه صحيح.

3. خبر إسماعيل بن عيسى قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى يصبح أي شي ء عليه؟ قال: «لا يضره هذا و لا يفطر

و لا يبالي، فإنّ أبي عليه السّلام قال: قالت عائشة إنّ رسول اللّه أصبح جنبا من جماع من غير احتلام قال: لا يفطر و لا يبالي». «1»

و على الرواية أمارة التقية أمّا أوّلا، لتأكيده على عدم الافطار بقوله: «لا يضره هذا، و لا يفطره و لا يبالى» مع عدم الحاجة إليه لاتفاق أهل السنة على عدم الإضرار، و ثانيا الاستشهاد بكلام عائشة مع عدم الحاجة إليه.

الطائفة الثانية: ما يقبل التأويل 4. صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتى طلع الفجر فقال: «يتم صومه و لا قضاء عليه». 2

5. رواية سليمان بن أبي زينبة قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فأخّر الغسل حتى طلع الفجر؟ فكتب عليه السّلام إليّ بخطه أعرفه مع «مصادف»: «يغتسل من جنابته و يتم صومه و لا شي ء عليه». 3

ثمّ إنّ هذه الروايات الخمس لا يصحّ ردّها بكونها أخبار آحاد، مع أنّ فيها صحيح الخثعمي، و مرسلة المقنع، بل لا بدّ من العلاج بالجمع إذا أمكن، و الظاهر

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6، 4، 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 185

..........

______________________________

إمكان حملهما على التأخير لا عن عمد، فيحمل على من إذا أجنب، ثمّ نام بنيّة الغسل، و يؤيد الحمل رواية ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ نام حتى أصبح؟ قال: «لا بأس». «1»

و الحاصل: انّ الروايات المعارضة

بين ما هي ظاهرة في التقية كما في الثلاث الأول، و هي أمر غير خفي على العارف بأساليب كلامهم في بيان الأحكام الصادرة عنهم عليهم السّلام، أو محمولة على النوم بنيّة الغسل كما سيأتي حكمه.

و إن أبيت إلّا عن التعارض، فلا شكّ انّ ما دلّ على الفساد و الكفارة هو الراجح الذي دلّت المقبولة على الأخذ به.

عموم الحكم لرمضان و قضائه إنّ مورد الروايات و إن كان شهر رمضان، لكن الضابطة في الروايات المتعرضة لأحكام موضوع كالصلاة و الصوم و الحجّ، حملها على أنّها أحكام لماهيتها من غير فرق بين الأداء و القضاء، و الواجب و المندوب، و لذلك عطف المشهور المندوب على الواجب في عامة الأبواب في الأحكام و إن كان الحكم واردا في مورد الواجب، مضافا إلى ما ورد في خصوص قضاء رمضان من كون البقاء على الجنابة مفسدا، أعني: صحيح عبد اللّه بن سنان: انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى الفجر قد طلع؟ قال: «لا يصحّ ذلك اليوم و يصوم غيره»، «2» و مثله حديثه الآخر، 3 و في رواية سماعة 4 فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان قال: «فليأكل يومه ذلك و ليقض، فانّه لا يشبه رمضان شي ء من

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 8.

(2) 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 186

..........

______________________________

الشهور». و التعليل لبيان تجويز الأكل و

أنّ الإمساك تأدّبا مختص بشهر رمضان و لا يعمّ قضاءه.

و على ذلك فلا شكّ في وحدة حكم الأداء و القضاء إنّما الكلام في غيرهما.

عدم عموم الحكم لغير رمضان أداء و قضاء قد عرفت أنّ مقتضى الضابطة و تفسير الروايات المتعرضة لحكم الموضوعات انّه حكم لماهية الموضوع و ان ورد في مورد خاصّ، لكنّها معتبرة ما لم يدلّ دليل على خلافها، فهل هناك ما يدل على خرق القاعدة أو لا؟ ذهب المشهور إلى عدم الفرق بين أقسام الصوم قال المحدّث البحراني: ظاهر المشهور من كلام الأصحاب هو عموم هذا الحكم لشهر رمضان و غيره من الصوم الواجب و المستحب حيث إنّهم عدّوا من جملة المفطرات تعمّد البقاء على الجنابة، «1» و قريب منه ما في الجواهر، «2» و اختار المحقّق في المعتبر خلافه و قال: «و لقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام». «3»

و قال الشهيد: و إن كان نفلا، ففي رواية ابن بكير صحته و لو علم بالجنابة ليلا.

أقول: و تدل على الصحّة في التطوع روايات ثلاث:

1. صحيح حبيب الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 121.

(2). الجواهر: 16/ 240.

(3). المعتبر: 2/ 656.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 187

..........

______________________________

التطوع و عن «صوم» هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أنّي أجنبت، فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال:

«صم». «1»

2. موثقة ابن بكير: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ قال: «أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار». 2

3. موثقته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب ثمّ أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى ما مضى من النهار؟

قال: «يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار». 3

لكن الاستدلال بهذه الروايات مشكل من جهات:

1. انّ ظاهر الأوليين هو الحكم بالصحّة مطلقا، اغتسل قبل الظهر أم لا، بخلاف الثالثة، فظاهرها اشتراط الصحّة بالاغتسال قبله، و التقييد قول ثالث، لأنّ القوم بين من يقول بالصحّة مطلقا، و بالبطلان مطلقا.

2. عدم وضوح تعليل الصحّة بالقول بكونه على الخيار بين الفجر و نصف النهار، فانّ الخيار إنّما يكون مسوغا لجواز البقاء إذا لم يتناول المفطر أو لم يأت بشي ء يفسده، و المفروض أنّه بقى على الجنابة إلى قبيل الظهر و البقاء أحد المفسدات.

و توجيه التعليل بأنّ المفطرات على قسمين: قسم يكون مفطّرا مطلقا، كالأكل و الشرب، و قسم يكون مفطّرا من حين نية الصوم و اندراج الإنسان في

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1- 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 188

..........

______________________________

موضوع الصائم، و البقاء على الجنابة من القسم الثاني، فلو اغتسل ثمّ نوى الصوم فلا يكون مفطرا، غير تام لعدم معهودية هذا القسم أوّلا، و مخالفته لكلام المجوّزين ثانيا، و لإطلاق الأوليين ثالثا.

3. انّ مورد الأوليين هو الصوم تطوعا بخلاف الأخيرة، فانّها تعم الواجب و المندوب، حتى قضاء شهر رمضان إذا كان الوقت موسّعا فانّ الإنسان فيه مخير بين الفجر و نصف النهار، و قد عرفت أنّ حكم رمضان قضاء و أداء واحد.

فالاستدلال بهذه الروايات على تخصيص الضابطة مشكل خصوصا مع احتمال أن يكون التعليل، من الإمام نوع إعراض

عن الإجابة بالحكم الواقعي، فما ذهب إليه صاحب الجواهر و المصباح من تسويغ البقاء و تبعه السيد الحكيم قدّس سرّه في المستمسك، غير خال عن الإشكال و الاعتماد في نفي الاشتراط على صحيح ابن مسلم: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا يضر الصائم إذا اجتنب ثلاث خصال:

الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» «1» غير خال عن المناقشة لاحتمال دخوله في قوله: «و النساء» و غاية ما يمكن أن يقال هو الجواز في المندوب دون الواجب للأخذ بالأوليين، و قد عرفت الإشكال بالأخذ بإطلاق الثالثة. فيكون الصوم تطوعا، كصلاة النافلة حيث لا يعتبر فيه بعض ما يعتبر في الفريضة من الاستقرار و لا القيام و لا غيرهما.

ثمّ إنّ الماتن احتاط و قال: و إن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضا، غير انّ كيفية الاحتياط في الواجب غيرها في المندوب، فهي في الأوّل عبارة عن المبادرة إلى الاغتسال قبل الفجر، و في الثاني، المبادرة إليه، و إلّا فالمضي في الصوم و الاغتسال أثناء النهار لا ترك الصوم، لأنّه على خلاف الاحتياط.

______________________________

(1). الوسائل: الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 189

و أمّا الإصباح جنبا من غير تعمّد فلا يوجب البطلان إلّا في قضاء شهر رمضان على الأقوى، و إن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب الغير المعيّن به في ذلك، و أمّا الواجب المعيّن رمضان كان أو غيره فلا يبطل بذلك، كما لا يبطل مطلق الصوم واجبا كان أو مندوبا معيّنا أو غيره بالاحتلام في النهار. (1)

______________________________

(1) ذكر الماتن في عبارته فروعا:

1. الإصباح جنبا بغير عمد في شهر رمضان.

2. الإصباح جنبا بغير عمد في قضاء

شهر رمضان.

3. الإصباح جنبا بغير عمد في الواجب غير المعيّن.

4. الإصباح جنبا بغير عمد في الواجب المعيّن.

5. عدم بطلان الصوم بالاحتلام في نهار شهر رمضان.

أمّا الأوّل: فقد عرفت اختصاص البطلان بصورة العمد في النصوص «1» مضافا إلى ما مرّ من أنّ ما دلّ على عدم البأس «2» محمول على صورة عدم العمد، فالضابط هو البطلان في العمد و عدمه في غيره إلّا ما خرج بالدليل، كالصوم المندوب على ما مرّ، حيث يصحّ مع العمد أيضا.

و أمّا الثاني: فللنصوص الواردة في مورده كصحيح ابن سنان انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل فلا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال: «لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4 و 5.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1. و لاحظ 2 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 190

..........

______________________________

و أمّا الثالث: فالقول بالبطلان مبني على أنّ الموضوع في صحيحة ابن سنان و غيرها هو الواجب الموسع من دون خصوصيّة للقضاء، فيلحق به الواجب غير المعين كالنذر المطلق و الكفارات لكن العلم بالمناط مشكل لاحتمال مدخلية قضاء شهر رمضان، فيكون الموضوع باقيا تحت القاعدة السابقة من اختصاص البطلان بالتعمد.

و أمّا الرابع: فعدم البطلان على القاعدة لاختصاص النصوص بصورة العمد.

و بذلك ظهر انّه لا يبطل الصوم بالإصباح جنبا بغير العمد إلّا في صورة واحدة أعني: قضاء شهر رمضان للنصّ، و أمّا غيره

فهو باق تحت الضابطة.

و أمّا الخامس: فتدل عليه نصوص كثيرة منها: صحيحة عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة». «1» و هل يجب المبادرة إلى الاغتسال؟ مقتضى الإطلاقات عدمه. نعم في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال: سألته عن احتلام الصائم قال فقال: «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل». «2» و هو محمول على الاستحباب، و على ذلك فلو صلى الظهرين و نام و احتلم لا يجب عليه الغسل إلى المغرب.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1. و لاحظ الأحاديث 2، 3، 4.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 191

و لا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنبا عمدا بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام، و لا بين أن يبقى كذلك متيقّظا أو نائما بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل. (1)

______________________________

(1) أمّا عدم الفرق بين الإجناب و الاحتلام، فهو مقتضى التصريح في صحيحة البزنطي، ففيها التصريح بعدم الفرق بين الأمرين، روى عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عن رجل أصاب أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة حتى يصبح متعمدا؟ قال: «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه». «1» و نظيره صحيحة الحلبي. «2»

أمّا عدم الفرق بين بقائه متيقظا أو نائما، أمّا متيقظا فتدل عليه موثقة أبي بصير 3 و خبر سليمان بن حفص المروزي. 4 و أمّا نائما فيدل عليه صحيحة البزنطي الماضية حيث قال: «ثمّ نام متعمدا» و هي

شاهد جمع لما دلّ على عدم البطلان مطلقا، و ما دلّ على البطلان مطلقا.

أمّا الأوّل، فهو ما رواه أبو سعيد القماط قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمن أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فنام حتى أصبح؟ قال: «لا شي ء عليه، و ذلك لأنّ جنابته كانت في وقت حلال». 5

أمّا الثاني، فهو ما رواه ابن مسلم عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام انّه قال: «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخّن أو يستقي فطلع الفجر، فلا يقضي صومه». 6

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2) 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 3.

(3) 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(4) 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 192

و من البقاء على الجنابة عمدا الإجناب قبل الفجر متعمّدا في زمان لا يسع الغسل و لا التيمّم، و أمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه و إن كان عاصيا في الإجناب. (1)

______________________________

حيث يدل بالمفهوم على أنّه إن لم يستيقظ قضى صومه، فيحمل ما رواه ابن مسلم على من نام بنية الغسل، و الثاني على خلافه.

(1) هنا مسألتان:

إحداهما: الإجناب قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمم.

يقع الكلام في شمول الدليل على إحداث الجنابة، مع أنّ مورده هو البقاء على الجنابة و عدمه. و الظاهر شموله بملاكه لا بلفظه أمّا الثاني فلأنّه ليس بقاء عليها، بل إحداثا لها

حين الفجر، و أمّا الأوّل فلأنّ المتفاهم من الأدلة انّ سبب البطلان، كونه جنبا حين الفجر مع الاختيار، سواء كانت جنابته إحداثا حينه أو بقاء.

ثانيهما: لو أجنب في زمان يسع التيمم و لا يسع الغسل فحكم المصنف بأنّه عاص و صومه صحيح، فجمع بين صحة صومه و عصيانه.

أمّا الصحّة فلعموم بدلية التراب عن الماء، أعني قوله: «التراب أحد الطهورين» «1» و قوله: يكفيك عشر سنين. «2» أو بمنزلة الماء. 3 أو قوله: إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد. 4 فهذه الروايات ظاهرة في قيام التراب مقام الغسل

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 2، الباب 21 من أبواب التيمم، الحديث 1.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 2، الباب 20 من أبواب التيمم، الحديث 7 و 3.

(3) 4. الوسائل: الجزء 2، الباب 23 من أبواب التيمم، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

و الوضوء عند التعذر، و يترتب عليه ما يترتب على الماء، و أمّا العصيان، فلعدم وفاء الطهارة الترابية، لمصلحة الطهارة المائيّة، فلو كان الإجناب عن لا اختيار، لكان معذورا دون ما أجنب نفسه عن اختيار مع العلم بعدم وفاء الوقت إلّا للتيمّم.

هذا ما يرجع إلى المتن.

و الحقّ انّ هنا صورتين إحداهما أوضح حكما من الأخرى.

الأولى: إذا كان الوقت وسيعا، و لكن كان فاقدا للماء أو كان استعمال الماء مضرا من أوّل الأمر، فهل يجوز له إجناب نفسه و درك الفجر متطهرا بالطهارة الترابية أو لا؟ و هذا الفرع نفس ما يأتي الكلام عنه في المسألة 51 فانتظر.

الثانية: لو أخّر الغسل عمدا إلى أن ضاق الوقت أو أجنب عمدا في وقت يعلم بأنّه لا يسع الغسل فتيمم و صام، فهل يصحّ صومه أو لا.

و بعبارة

أخرى بعد الفراغ عن مشروعية التيمم للصوم، فهل تختص مشروعيّته بمن كان فاقدا أو عاجزا بطبعه أو يعمّ التعجيز الاختياري؟

ربما يقال بعدم المشروعية لقصور المقتضي، فانّ المستفاد من قوله سبحانه:

فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً «1» حسب الفهم العرفي هو عدم الوجدان بالطبع، لا أن يجعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء أو يجنب نفسه و الوقت غير واف. نعم في خصوص باب الصلاة التزمنا بالمشروعية و جعلنا ضيق الوقت و إن استند إلى العمد من المسوّغات و ذلك لقيام الدليل الخارجي عليه، و هو ما استفيد من صحيحة زرارة في المستحاضة من أنّ الصلاة لا تترك بحال «2» دون الصوم.

يلاحظ عليه: أنّ الآية و إن كانت واردة في مورد التعجيز الاضطراري و لا تعم التعجيز الاختياري لكن لا غبار في دلالة بعض الروايات على الجواز حيث

______________________________

(1). المائدة: 6.

(2). كتاب الصوم: 188.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 194

و كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّدا، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر، فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم و مع تركهما عمدا يبطل صومها. (1)

______________________________

إنّه يعلّل جواز الصلاة مع التيمم فيمن أجنب من غير عمد، بأنّ اللّه جعل التراب طهورا، روى الصدوق عن محمد بن حمران و جميل بن دراج انّهما سألا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضأ بعضهم و يصلّي بهم؟ فقال: «لا، و لكن يتيمم الجنب و يصلّي بهم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». «1» ترى أنّه يعلّل جواز الصلاة و

الإمامة بالتنزيل لا بان الصلاة لا تترك، و هو يدل على أنّ للتراب نفس الشأن الموجود للماء، و المورد و إن كان غير المختار إلّا أنّ العبرة بعموم التنزيل و حمله على أنّه سبحانه جعله منزلة الماء في ضيق الوقت في من أجنب بلا اختيار، دون من أجنب اختيارا، كما ترى و الظاهر صحّة ما في المتن، من الجمع بين الصحة و العصيان.

(1) قال ابن أبي عقيل: المرأة إذا طهرت من حيضها أو دم نفاسها ليلا، و تركت الغسل حتى تصبح عامدة، يفسد صومها، و يجب القضاء خاصة كالجنب إذا أهمل الغسل حتى يصبح عامدا.

و قال العلّامة بعد نقل هذا الكلام: و لم يذكر أصحابنا ذلك، و الأقرب انّها كالجنب إذا أخلّ بالغسل، فإن أوجبنا القضاء و الكفارة عليه أوجبناهما عليها و إلّا فالقضاء.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 2، الباب 24 من أبواب التيمم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 195

..........

______________________________

لنا: إنّ الثلاثة اشتركت في كونها مفطّرة للصوم، لأنّ كلّ واحد منها حدث يرتفع بالغسل، فيشترك في الأحكام. «1»

و نقل عن العلّامة في المنتهى أنّه قال: لم أجد لأصحابنا نصّا صريحا في حكم الحيض في ذلك بقي انّها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال، و يبطل الصوم لو أخلّت به حتى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك، لأنّ حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة.

و يمكن الاستدلال على وحدة الحكم بوجوه:

1. القياس الأولوي الوارد في كلام العلّامة حيث إنّ الجنابة غير مانعة عن الصوم بخلاف الحيض، إذ لا يصحّ معه الصوم أصلا، فكيف لا يكون البقاء عليه مبطلا مع أنّ البقاء على الأضعف مفسد فما أورد عليه صاحب الحدائق «2» من أنّ

التعليل ضعيف، كأنّه في غير محله.

2. القياس الأولوي المستفاد ممّا ورد في المستحاضة إذا تركت غسلها، حيث تقضي صومها. روى علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السّلام: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السّلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها». «3» نعم حكمه على الصلاة بعدم القضاء به غير معمول به.

فإذا كان الحكم ثابتا في الضعيف ففي القوي بوجه أولى، على أنّه يظهر من الراوي أنّ القضاء في الحيض و النفاس كان أمرا مسلما، و إنّما الشكّ في حكم

______________________________

(1). المختلف: 3/ 410، كتاب الصوم.

(2). الحدائق: 13/ 123.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

المستحاضة.

3. ما رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال، عن علي بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم». «1»

و أورد على الاستدلال بأنّ طريق الشيخ إلى كتاب علي بن الحسن بن فضال ضعيف.

قال في المشيخة: ما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال، فقد أخبرني به، أحمد بن عبدون المعروف ب ابن الحاشر سماعا، إجازة من علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضّال. «2» و السند ضعيف لأجل «علي بن محمد بن الزبير» لأنّه مجهول.

غير

انّ المحقّق الخوئي حاول تصحيح السند بوجه آخر، و هو انّ طريق الشيخ إلى كتاب علي بن الحسن بن فضال و إن كان ضعيفا إلّا أنّ طريق النجاشي إليه صحيح، و بما انّ شيخهما واحد، و هو أحمد بن محمد بن عبدون، و طبع الحال يقتضي انّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي من غير زيادة و لا نقيصة، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ أيضا حيثما عرفت. «3»

يلاحظ عليه: أنّ طريق النجاشي إلى علي بن الحسن نفس طريق الشيخ، قال: «قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة و الزكاة، و مناسك الحجّ، و الصيام و الطلاق، و النكاح و الزهد و الجنائز و المواعظ و الوصايا، و الفرائض، و المتعة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 21، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). التهذيب: 10/ 385، قسم المشيخة.

(3). كتاب مستند العروة: 190.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 197

..........

______________________________

و الرجال على أحمد بن عبد الواحد (ابن الحاشر أو ابن عبدون) في مدّة سمعتها معه، و قرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة، عن ابن الزبير عن علي بن الحسن. «1» ترى أنّه ينقل كتاب الصيام عن المؤلف عن شيخه عن ابن الزبير الذي هو عبارة عن علي بن محمد بن الزبير.

نعم للنجاشي طريق آخر إلى سائر كتب ابن فضال و هو صحيح قال:

و أخبرنا محمد بن جعفر في «آخرين» عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن بكتبه. و لكن شيخه في هذا الطريق عبارة عن محمد بن جعفر النحوي التميمي، لا ابن الحاشر.

و الذي يمكن ذبّ الإشكال به انّ ذكر الطريق إلى هذه الكتب كان لأجل

إخراجها عن صورة المراسيل إلى صورة المسانيد، لا لإثبات صحّة انتسابها لمؤلّفيها، فانّ الكتب التي روى عنها الصدوق و الشيخ كانت معروفة الانتساب إلى مؤلفيها.

أمّا الصدوق فقال في ديباجة الفقيه: و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل و إليها المرجع. «2»

و قال الشيخ في مشيخة التهذيب: الآن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول و المصنفات، و نذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لنخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل و تلحق بباب المسندات. «3» و الظاهر انّ مراده نفس ما ذكره الصدوق، و انّ نسبة هذه الكتب إلى أصحابنا كانت ثابتة غير محتاجة إلى تحصيل السند، لكن ذكرها في المشيخة لأجل إخراجها بصورة المسانيد لا لأجل إثبات انتسابها إلى مؤلفيها.

______________________________

(1). رجال النجاشي: 2/ 85 برقم 674.

(2). من لا يحضره الفقيه: 1/ 2.

(3). التهذيب: 10/ 382.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 198

و الظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان و إن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضا، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضا، و أمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في اللّيل حتّى دخل النهار فصومها صحيح واجبا كان أو ندبا على الأقوى. (1)

______________________________

البقاء على حدث النفاس و أمّا البقاء على حدث النفاس، فيعلم حكمه ممّا مر في الحيض، فانّ النفاس أخت الحيض تشاركها في أكثر الأحكام من القلّة و الكثرة، بل هي حيض محتبس:

كما ورد في بعض الروايات، و قد اشتهر في كلامهم: النفساء كالحائض.

و أمّا الكفّارة فإنّما تثبت لو كان دليل عام على وجوبها في كلّ مفسد للصوم، لكن سيوافيك في محلها من احتمال اختصاصها بالأكل

و الشرب و الجماع أو شيئا أوسع من ذلك، فانتظر.

(1) هنا فرعان:

1. هل حكم ترك البقاء على الجنابة و حدث الحيض و النفاس مختص بصوم رمضان أو يعمه و القضاء و الواجب غير المعين و المندوب.

2. لو طهرت الحائض و النفساء قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتى دخل النهار.

أمّا الفرع الأوّل فمبنيّ على أنّ ترك البقاء على الأحداث الثلاثة مأخوذ في ماهية الصوم و حقيقته، كترك الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس، فيكون مبطلا في عامة الأصناف من غير فرق بين صوم رمضان و قضائه و الواجب المعين و غير المعين و المندوب، أو هو شرط لصحّة بعض الأصناف كرمضان فيختص به دون

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 199

..........

______________________________

غيره إلّا بدليل.

و مورد الروايات هو صوم رمضان، فقد مرّ انّها بأصنافها الثلاثة واردة في صوم شهر رمضان من غير فرق بين من تعمد على البقاء مستيقظا، أو نائما، أو نسي الغسل حتى خرج الشهر، فإثبات الحكم في غير شهر رمضان حتى قضاءه يحتاج إلى دليل خاص.

و إن شئت قلت: إنّ القيد بينما ورد في كلام السائل كروايتي الحلبي و البزنطي، و ما ورد في كلام الإمام كخبر المروزي و مرسلة عبد الحميد، فكما يحتمل أن يكون القيد واردا مورد الغالب لكونه المبتلى به غالبا، يحتمل أن تكون للقيد خصوصية في الحكم. فيكون الشكّ في سعة الحكم و ضيقه من باب الشكّ في التكليف، فالمرجع هو البراءة.

و مع ذلك، فالظاهر من أدلة القضاء هو وحدة حكم القضاء مع المقضيّ حتى في الجهر و المخافتة، و على ذلك يبطل الصوم في قضاء شهر

رمضان بالبقاء عمدا.

فإن قلت: لو صحّ ذلك في غير هذا المقام لما صحّ في المقام، لاختلاف حكم القضاء مع الأداء في المقام لما عرفت من أنّ البقاء من غير عمد، لا يبطل صوم رمضان بخلاف قضائه، فانّه يبطله و قد ورد في رواية سماعة: «فليأكل يومه ذلك و ليقض فانّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور». «1»

قلت: إنّه على خلاف المدّعى أدل، حيث يدل على التشديد في القضاء دون الشهر نفسه، فإذا كان التشديد ثابتا في شهر رمضان نفسه يكون ثابتا في قضائه بطريق أولى.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 200

[المسألة 49: يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط الأغسال النهاريّة التي للصلاة]

المسألة 49: يشترط في صحّة صوم المستحاضة على الأحوط الأغسال النهاريّة التي للصلاة، دون ما لا يكون لها، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل كالمتوسّطة أو الكثيرة فتركت الغسل بطل صومها، و أمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها، و لا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة و إن كان أحوط، و كذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية بمعنى أنّها لو تركت الغسل الّذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك، نعم يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة. (1)

______________________________

الفرع الثاني: «إذا طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع للغسل و لا للتيمم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتى دخل النهار، فصومها صحيح واجبا كان أو ندبا على الأقوى.

و ذلك لاختصاص النص «1» بما إذا توانت في الاغتسال، و هو غير صادق على المقام.

(1) قد

ذكر في هذه المسألة فروع ثلاثة، لكن أساسها أمر واحد، و هو انّ صحة صوم المستحاضة رهن الأغسال النهارية التي تأتي بها للصلاة دون ما لا يكون لها.

فيترتب على هذا:

أوّلا: أنّه إن استحاضت بعد صلاة الفجر و تركت الغسل أو بعد صلاة الظهرين فتركت الغسل فلا تبطل صومها لعدم وجوب الغسل بعد أداء الصلاة.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 201

..........

______________________________

و ثانيا: لو تركت أغسال الليلية المستقبلة، لا يبطل صومها، إذ الميزان هو ترك الأغسال النهارية التي لا بدّ منها للصلاة.

و ثالثا: لو تركت أغسال الليلة الماضية، لا يبطل صوم اليوم الآتي إذا اغتسلت لصلاة الفجر إذا كان الميزان الإتيان بالأغسال النهارية.

و لكن الظاهر من ابن أبي عقيل و الشيخ في النهاية و المبسوط عدم الفرق بين الأغسال النهارية أو الليلية، قال العلّامة في المختلف:

قال الشيخ في النهاية: المستحاضة إذا صامت و لم تفعل ما تفعله المستحاضة كان عليها قضاء الصوم. و كذا قال ابن إدريس.

و في المبسوط: المستحاضة إذا فعلت من الأغسال ما يلزمها من تجديد القطن و الخرقة و تجديد الوضوء صامت و صحّ صومها إلّا الأيام التي يحكم لها بالحيض فيها و متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة و الصوم.

و اعترض العلّامة بأنّه لا دليل على الوضوء و تجديد القطنة و الخرقة. «1»

استدل بصحيح على بن مهزيار: كتبت إليه عليه السّلام: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت، فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين

هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السّلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك». «2»

و أمّا وجه تخصيص الأغسال بالنهارية فقد أوضحه السيد الحكيم قدّس سرّه بقوله:

______________________________

(1). المختلف: 3/ 485.

(2). الفقيه: 2/ 94، الحديث 419؛ عنه الوسائل: الجزء 7، الباب 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1. و قد خلت نسخة الوسائل من لفظة «فاطمة و».

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 202

..........

______________________________

إنّ المقطوع به إرادة ترك الغسل للصلاة أصلا حتى للفجر. و حينئذ فبطلان الصوم عند ترك الجميع لا يدل على اعتبار كلّ واحد منها فيه، و إنّما يدلّ على اعتبارها في الجملة، كلا أو بعضا، و لما كان لا يحتمل اعتبار غسل العشاءين فقط، بل التردد إنّما هو في اعتبار غسل النهار فقط، أو مع غسل الليل، يكون غسل الليل مشكوك الشرطية و يكون المرجع فيه أصل البراءة على التحقيق من جريانه مع الشك في الشرطية كالجزئية. «1»

أقول: ما ذكره إنّما يتم مع قطع النظر عمّا هو المغروس في ذهن السائل، إذ المتبادر من قوله: «من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة»، انّ الموضوع هو تارك وظائف المستحاضة من الوضوء لكلّ صلاة في القليلة و مع الغسل لصلاة الفجر للمتوسطة، أو مع الغسلين لكلّ صلاتين للكثيرة، فلو ذكر قوله: «من الغسل لكلّ صلاتين» فإنّما ذكره من باب المثال.

كما أنّ المغروس في ذهنه إنّ حدث الاستحاضة كحدث الحيض و النفاس مانع عن صحّة الصوم، و لا يرتفع إلّا بالوظائف الخاصة، فكلّ عمل من أعمالها، له قسط في رفع الحدث الملازم لصحّة

الصلاة و الصوم.

و في هذه الظروف، أجاب الإمام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاته» فيكون المتبادر انّ ترك كلّ وظيفة يرجع إلى رفع الحدث، فهو موجب للقضاء، فلا فرق بين الأغسال النهارية و الليليّة و من غير فرق بينها و بين الوضوء، نعم لا دليل على لزوم تغيير الخرقة و القطنة، لعدم تأثيره في رفع الحدث، و إنّما يؤثر في رفع الخبث.

و مع ذلك يمكن إبداء الفرق بين الغسل للّيلة الماضية و اللّيلة الآتية حيث يبطل ترك الأوّل دون الثاني لأنّ ترك الأوّل، موجب لإدراك الفجر و هي محدثة بالاستحاضة دون ترك الثاني، لأنّ تأثيره في صحّة صوم اليوم الماضي و إن كان

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 286.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 203

..........

______________________________

بمكان من الإمكان، لكنّه بعيد عن الأذهان لا يصار إليه إلّا بالنص.

و قد أورد على الحديث بوجوه:

1. كونها مضمرة.

2. اشتمالها على عدم قضاء الصلاة و هو خلاف ما أجمعوا عليه.

3. اشتمالها الأمر بفاطمة مع أنّ الأخبار تضافرت على أنّها ما كانت ترى حمرة.

4. اختصاصها بالكثيرة فلا تدل على أنّ المتوسطة مثلها، فلو وجب عليها غسل واحد كالمتوسطة لصلاة الفجر فلا دليل على بطلان صومها.

و لأجل الوجوه الثلاثة الأول قال الماتن- على الأحوط- و لأجل الوجه الرابع ذهب ابن سعيد «1» و بعض من تأخر عنه باختصاص الحكم بالكثيرة. قال: «و ترك المستحاضة ذات الدم الكثيرة الأغسال و صامت».

و الظاهر عدم تمامية الوجوه لرد الصحيحة.

أمّا الأوّل فهو غير مخل، إذ ما أكثر الإضمار في روايات زرارة و محمد بن مسلم و سماعة، و قد عمل بها الأصحاب، للقطع بأنّهم لا يرجعون و لا يصدرون إلّا عن أحاديث أئمّة أهل البيت.

أمّا الثاني، أي

الاشتمال على عدم قضاء الصلاة عليها فهو حكم شاذ يردّ عليهم.

و أمّا الثالث، فلا دليل على كون المراد من فاطمة هو بنت المصطفى عليه السّلام، و ما أكثر الفواطم في عصر الرسول، و قد حمل الإمام أمير المؤمنين الفواطم من مكة المكرمة إلى دار الهجرة، منهم فاطمة بنت النبي، و فاطمة بنت أسد، و فاطمة بنت الزبير.

______________________________

(1). الجامع للشرائع: 157.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 204

و كذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال، و إن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال و الوضوءات و تغيير الخرقة و القطنة، و لا يجب تقديم غسل المتوسّطة و الكثيرة على الفجر و إن كان هو الأحوط. (1)

[المسألة 50: الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام]

المسألة 50: الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام، و الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن و نحوه به، و إن كان الأقوى عدمه، كما أنّ الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض و النفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك، و إن كان أحوط. (2)

______________________________

و أمّا اختصاصها بالكثرة فإنّما ورد في كلام الراوي دون الإمام، و المفهوم ترك ما يجب للصلاة و إن كان غسلا واحدا كما في المتوسطة أو المفهوم مانعية الحدث الأكثر للصوم، و هو مشترك بين الصنفين في الاستحاضة.

و ربما يورد إشكال خامس: و هو انّ الموضوع للبطلان ترك الغسل في جميع الشهر، فلو ترك في بعضه، لم يكن عليها قضاء، و هو غير تام بعد كون كلّ يوم موضوعا مستقلا للوجوب.

(1) قد اتضح المختار ممّا ذكرنا. نعم لا يجب تقديم الغسل و إن كان أحوط، و ذلك لأنّ الغسل لأجل

الصلاة، فإيجاب الإتيان به قبل دخول وقتها يحتاج إلى دليل، و تأخيره لا يوجب دخولها في الفجر مع الحدث إذا اغتسلت للعشاءين أو كانت طاهرة.

(2) قال الشيخ في الخلاف: «من أصبح جنبا في شهر رمضان ناسيا تمّم صومه و لا شي ء عليه، و إن أصبح كذلك متعمدا من غير عذر بطل صومه و عليه قضاؤه

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 205

..........

______________________________

و عليه الكفّارة. «1»

ذهب ابن الجنيد، «2» و الصدوق في الفقيه، «3» و الشيخ في النهاية، «4» و المبسوط، «5» إلى لزوم قضاء الصلاة و الصوم. و قال ابن إدريس بوجوب قضاء الصلاة، دون الصوم. «6» و الأوّل خيرة العلّامة في المختلف.

و استدل بوجهين:

الأوّل: أنّه أخل بشرط الصوم و هو الطهارة من الجنابة في ابتداء النهار مع علمه بالحدث، و النسيان عذر في سقوط الإثم و الكفارة لا القضاء.

يلاحظ عليه: أنّه لو ثبت إطلاق شرطية الطهارة في الجنابة أو مانعيتها لحالتي العمد و النسيان كفى في الصحّة، حديث الرفع من رفع النسيان، و المراد رفع المنسي، و هو الشرطية أو المانعية، و ما ربّما يقال من أنّه لو ثبت عموم لقادحية الجنابة مطلقا فلا يصلح الحديث لتصحيح الناقص بنحو لا يحتاج إلى الإعادة و القضاء إذ غاية ما يقتضي هو رفع التكليف بالتمام لا ثبوت التكليف بالناقص حال النسيان ليصح. «7» مدفوع بأنّ الصوم حقيقة عرفية أمضاها الشارع ضمن شروط و قيود، و هو يصدق على من اجتنب عمّا لا ينسجم معه في نظر العرف العام.

غير انّ الشارع اعتبر الطهارة من الحدث الأكبر شرطا للصحة و مقتضى الإطلاق كونه مانعا من الصحّة في الذكر و النسيان، غير انّ حديث الرفع، دل على

سقوط

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 174، كتاب الصوم، المسألة 13.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 483.

(3). الفقيه: 2/ 119، الحديث 1896.

(4). النهاية و نكتها: 1/ 46.

(5). المبسوط: 1/ 288.

(6). السرائر: 1/ 407.

(7). المستمسك: 8/ 289.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 206

..........

______________________________

الشرطية في حال النسيان، فيكفي في الصحّة، انطباق العموم.

الثاني: بالروايات و هي كالتالية:

1. صحيح إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال: «عليه قضاء الصلاة و الصوم». «1»

2. صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام». 2

3. مرسلة الصدوق مثلهما إلّا أنّه قال: «إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فانّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم، و لا يقضي ما بعد ذلك». 3

و الموضوع للقضاء هو نسيان الجنابة، لا النوم عنها فلا مساس لما دل 4 من الصحّة عند النوم بالمقام و النسبة بينهما و إن كان عموما من وجه، إذ ربما يكون نوم بلا نسيان، و أخرى نسيان بلا نوم، و ربما ينسى ثمّ ينام، لكن المرجع هو روايات المقام فانّ عدم اقتضاء النوم القضاء، لا يكون دليلا على نفي اقتضاء النسيان له.

ثمّ إنّه يقع الكلام في موارد:

إلحاق قضاء رمضان بالأداء 1. لو نسي الجنابة في صوم قضاء رمضان، فهل يبطل الصوم أو لا؟

وجهان:

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 30 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1 و 3 و 2.

(2) 4. الوسائل: الجزء 7، الباب

15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 207

[المسألة 51: إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم]

المسألة 51: إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم فإن تركه بطل صومه، و كذا لو كان متمكّنا من الغسل و تركه حتّى ضاق الوقت. (1)

______________________________

أ. انّ المغروس في الأذهان اتحاد حكم القضاء و المقضي.

ب. انّ الشكّ في المقام يرجع إلى الشكّ في الشرطية و هو مورد للبراءة.

و الاستدلال على الشرطية بما ورد في باب أنّ من أصبح جنبا لم يجز له أن يصوم ذلك اليوم قضاء عن شهر رمضان، «1» غير تام، لأنّه وارد في العامد، و أين هي من الناسي؟

2. إذا نسي الجنابة في صوم الواجب المعين أو غيره، فهل يلحق بصوم شهر رمضان؟ فبما انّه لا دليل على الإلحاق، يرجع إلى البراءة.

3. إذا نسي غسل الحيض و النفاس و الاستحاضة فيقال: المرجع هو البراءة، لأنّه من قبل الشك في الشرطية و يمكن أن يقال: حدث الحيض و النفاس أقوى من حدث الجنابة كما مر، لأنّها تجامع الصوم دون الأوّلين، فإذا كان نسيان الجنابة موجبا للبطلان، فليكن الأوّلين كذلك، لأنّ الحدث فيها أقوى.

(1) في المسألة فرعان:

1. إذا كان معذورا في استعمال الماء لأجل المرض، أو كان فاقدا للماء و يعلم بعدم تمكنه منه إلى دخول الفجر، فهل يجوز له إجناب نفسه، و التيمّم مكان الغسل؟

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 208

..........

______________________________

2. لو أجنب نفسه و كان متمكنا من استعمال الماء لكن أخّر الاغتسال على نحو لا يبقى الوقت إلّا للتيمم.

أقول: قد أشرنا إلى هذا

الفرع عند كلام الماتن في مقدمة المفطّر الثامن، أعني قوله: «و أمّا لو وسع للتيمم خاصة فتيمم صحّ صومه» و قلنا: إنّ كلامه راجع إلى من يتمكن من استعمال الماء، لكنّه أجنب نفسه في زمان لا يسع لاستعمال الماء و إنّما يسع للتيمم فقط، و لكن هنا صورة أخرى و هي ما إذا كان الوقت وسيعا لكن لم يكن متمكنا من استعمال الماء، إمّا لعدمه، أو لكون استعماله مضرا، فهل يجوز إجناب نفسه و التيمّم لدرك الفجر متطهرا بالطهارة الترابية أو لا؟ و قد عنونه البحراني في حدائقه و ذكر لكلّ قول وجها. «1»

أقول: قد ذكرنا هناك انّ قوله سبحانه: فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً* «2» مختص بالعجز الاضطراري و لا يعمّ التعجيز الاختياري، فما في الحدائق من الاستدلال بعموم قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا غير تام، لكن في الروايات الواردة في الطهارة الترابية غنى و كفاية، و ذلك لأنّ المتبادر ممّا ورد في التيمم انّه بمنزلة الغسل فيترتب على فعله و تركه، ما يترتب على فعل الغسل و تركه. فكما انّه لو اغتسل صحّ صومه فهكذا إذا تيمم صحّ صومه و إطلاق أدلته يعم العجز الاضطراري و التعجيز الاختياري.

و تصور انّ تصحيح الصوم إنّما يتمّ لو كان المانع هو حدث الجنابة، لا نفسها و إلّا لبطل لأجل انّها لا ترتفع بالتيمم و إلّا لما وجب الاغتسال بعد التمكن و إنّما يرتفع بها أثرها. غير تام، لأنّه مبنيّ على أنّ هنا أمورا ثلاثة:

1. الأمر التكويني، أعني: التقاء الختانين، أو خروج المني من الإنسان.

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 124.

(2). النساء: 47.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

2. عنوان الجنابة الاعتبارية الشرعية.

3. أثرها المانع عن صحة الصلاة و الصوم.

بل

هنا أمران: الأوّل و الثالث، و أمّا الثاني فهو عنوان مشير إلى الأوّل لا شي ء ثالث، و من المعلوم انّ الأمر التكويني غير قابل للرفع. و إنّما القابل له أثره الاعتباري، أعني: كونها مانعة عن صحّة الصلاة و الصوم فكما يرتفع المنع بالغسل، فهكذا يرتفع بالتيمم، غاية الأمر انّ الرفع بالغسل قطعي و جذري، و بالتيمم، محدد و مؤقت، فإذا انتهى الأمد بالتمكن من استعمال الماء عاد المنع الاعتباري الشرعي.

و على ذلك فالواجب على من أجنب و هو معذور من استعمال الماء هو التيمم، فلو ترك بطل صومه. و مثله من كان متمكنا من الوقت و ترك حتى ضاق الوقت و انحصرت الحيلة بالتيمم، لكنّه تركه أيضا، بطل صومه.

و أمّا ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم: فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي، فطلع الفجر فلا يقضي صومه. «1» أو رواية إسماعيل بن عيسى: «أنّه سأل الرضا عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان- إلى أن قال:- قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل و لم يصب ماء، فذهب ليطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل إذا جاءه ثمّ يصلّي». 2

فعدم الأمر بالتيمم، لأجل انّ الراوي زعم سعة الوقت فانتظر تسخّن الماء أو تحصيله بالاستقاء فطلع الفجر بغتة.

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 210

[المسألة 52: لا يجب على من تيمّم بدلا عن الغسل أن يبقى مستيقظا حتّى يطلع الفجر]

المسألة 52: لا يجب على من تيمّم بدلا عن الغسل أن يبقى مستيقظا حتّى يطلع الفجر، فيجوز له النوم بعد التيمّم قبل الفجر على الأقوى، و إن كان الأحوط البقاء مستيقظا لاحتمال

بطلان تيمّمه بالنوم كما على القول بأنّ التيمّم بدلا عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر. (1)

______________________________

(1) ذهب صاحب المدارك إلى عدم وجوبه قائلا: إنّ انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلّا بعد تحقّقه، و بعده يسقط التكليف لاستحالة تكليف الغافل. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ النوم مانع من التكليف لا الوضع، و يظهر أثره في وجوب التيمم ثانيا بعد النوم. إذا أراد إقامة الصلاة.

و الظاهر انّ المسألة مبنية على أمر آخر، و هو عدم بطلان التيمم الذي هو بدل عن الغسل من جنابة أو غيرها بالحدث الأصغر، فما دام عذره باقيا، فالتيمم بمنزلته و إن بال و نام، غاية الأمر إذا كان عنده ماء يتوضّأ و إلّا يتيمّم بدلا عن الوضوء، لا عن الغسل لبقاء التيمم الأوّل.

و على ذلك، فلا يجب البقاء مستيقظا، حتى يطلع الفجر لما عرفت من عدم بطلان التيمم الذي هو بدل الغسل بالحدث الأصغر، فهو من جانب الحدث الأكبر متطهر ما دام العذر باقيا، و لو صدر منه الحدث الأصغر، فله حكمه فإن وجد ماء يتوضأ و إلّا يتيمّم.

و أمّا على القول الآخر، أعني: انتقاض التيمم بالحدث الأصغر ففيه تفصيل:

1. لو كان عنده ماء يتيمم أوّلا بدلا عن الغسل، ثمّ يتوضّأ.

2. إن لم يكن عنده ماء فإن كان الموجب، هو الجنابة يكفيه تيمّم واحد، و إلّا وجب عليه تيمّمان. «2»

______________________________

(1). مدارك الأحكام: 6/ 58.

(2). لاحظ العروة، فصل أحكام التيمم، المسألة 24.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 211

[المسألة 53: لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فورا]

المسألة 53: لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فورا، و إن كان هو الأحوط. (1)

[المسألة 54: لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلما لم يبطل صومه]

المسألة 54: لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلما لم يبطل صومه، سواء علم سبقه على الفجر أو علم تأخّره أو بقي على الشكّ، لأنّه لو كان سابقا كان من البقاء على الجنابة غير متعمّد، و لو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار، نعم إذا علم سبقه على الفجر لم يصحّ منه صوم قضاء رمضان مع كونه موسّعا، و أمّا مع ضيق وقته فالأحوط الإتيان به و بعوضه. (2)

______________________________

(1) قد تضافرت الروايات على أنّ الاحتلام نهارا لا ينقض الصوم، و أمّا المبادرة إلى الاغتسال، فيدل على عدمها صحيح العيص بن القاسم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟

قال: «لا بأس». «1»

و ما في مرسل إبراهيم بن عبد الحميد من قوله: «فلا ينام حتى يغتسل» 2 محمول على الكراهة.

(2) قد عرفت أنّ البقاء على الجنابة عمدا مبطل مطلقا أداء و قضاء. و أمّا البقاء عليها من غير عمد فهو غير مبطل لصوم رمضان، مبطل لقضائه و مرت رواياته:

إنّما الكلام فيما إذا كان الوقت للقضاء مضيقا، فهل يبطل أيضا أو لا. ربما يقال باختصاص الحكم بالموسّع لما في صحيح ابن سنان: «لا تصم هذا اليوم و صم غدا». 3

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3 و 5.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 212

[المسألة 55: من كان جنبا في شهر رمضان في اللّيل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال]

المسألة 55: من كان جنبا في شهر رمضان في اللّيل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال، و لو نام و استمرّ إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمّدا فيجب عليه القضاء و الكفّارة، و أمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم و إن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد، فلا يكون نومه حراما، و إن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد، و إن اتّفق استمراره إلى الفجر، غاية الأمر وجوب القضاء أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن. (1)

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 212

______________________________

و يمكن أن يقال: انّ القيد وارد في مورد الغالب، أعني: سعة الوقت، و المراد اليوم الآخر و إن كان بعد شهر رمضان بشهادة روايته الأخرى و لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره. «1» مضافا إلى عموم التعليل الوارد في موثقة «سماعة» حيث قال:

«فانّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور» 2 الدال على أنّ عدم إخلال البقاء على الجنابة نسيانا من خصائص رمضان فقط. فيبطل في غيره مطلقا موسعا كان الوقت أو مضيقا.

(1) يقع الكلام تارة فيما يعلم أنّه لا يستيقظ، و أخرى فيمن يحتمله.

أمّا الأوّل فهو من مصاديق البقاء على الجنابة الذي مرّ انّه موجب للقضاء و الكفارة، و قد مرّ انّ مورد بعضها هو النوم متعمّدا كما هو كذلك في رواية الحلبي 3 و غيره.

و أمّا الثاني فالكلام في حكمه الوضعي يأتي في المسألة الآتية إنّما الكلام في

حكمه التكليفي، و هو جواز نومه و عدمه، فلو كان مطمئنا للاستيقاظ فالظاهر

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 3.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 213

..........

______________________________

جوازه، لأنّه علم عرفي. إنّما الكلام فيما إذا كان محتملا فقط، فهل يجوز له النوم أو لا؟ قولان:

1. الحرمة. اختاره الشهيد الثاني في المسالك حتى فيما إذا اعتاد الانتباه قال:

قد تقدم انّ النومة الأولى إنّما تصح مع العزم على الغسل و إمكان الانتباه أو اعتياده، فإذا نام بالشرط ثمّ انتبه ليلا حرم عليه النوم ثانيا، و إن عزم على الغسل و اعتاد الانتباه. لكن لو خالف و أثم، فأصبح نائما وجب عليه القضاء خاصة. «1»

و القول بالقضاء مع الاعتياد و الاطمئنان بعيد جدا إنّما الكلام إذا لم يطمئن، فاستدلّ على الحرمة بوجوه:

1. صحيح معاوية بن عمار، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ... قلت: فانّه استيقظ ثمّ نام حتى أصبح؟ قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة». «2»

يلاحظ عليه: أنّ العقوبة الأخروية دليل الحرمة، لا العقوبة الدنيوية مثل إيجاب سجدتي السهو فانّهما عقوبة لما تركه من الواجب، و ليس دليلا على الحرمة.

و قد ورد في ناسي النجاسة: يعيد صلاته «3» كي يهتمّ بالصلاة.

2. و استدل في الجواهر بخبر إبراهيم بن عبد الحميد ... و إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتى يغتسل. «4» و لكنّه مرسل لا يحتج به.

3. النوم المحتمل فيه عدم الاستيقاظ محكوم بالاستمرار إلى الفجر بمقتضى الاستصحاب «5» فهذا نوم مستمر إلى الصباح عمدا، قد صدر باختياره

فهو عامد

______________________________

(1). المسالك: 2/ 18.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 2، الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(5). و الاستصحاب بهذا المعنى لم نعثر عليه إلّا في كلام السيد الخوئي لاحظ المستند: 207.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 214

[المسألة 56: نوم الجنب في شهر رمضان في اللّيل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام]

المسألة 56: نوم الجنب في شهر رمضان في اللّيل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام: فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل، و إمّا أن يكون مع التردّد في الغسل و عدمه، و إمّا أن يكون مع الذهول و الغفلة عن الغسل، و إمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار، فإن كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنبا، بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة و الذهول أيضا و إن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير. (1)

______________________________

إليه فيندرج تحت النصوص المتضمنة: انّ من تعمد النوم إلى الفجر و هو جنب قد أبطل صومه و عليه القضاء و الكفّارة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الاستصحاب عبارة عن جرّ الحالة السابقة إلى الحالة الفعلية، و أمّا جرّها من الحالة الفعلية إلى الحالة المستقبلة، فليس منه عين و لا أثر في روايات الاستصحاب و لا السيرة العقلائية و لا في كلمات العلماء.

فلو صحّ ما ذكره لحرمت الصلاة و الصوم فيما إذا رأت المرأة الدم محتملة انقطاعها قبل الثلاثة، لكون الدم محكوم بالاستمرار إلى الثلاثة و بعدها كما أنّه تجب عليها العبادة فيما إذا

تجاوز الدم عن أيّام العادة حيث يستصحب استمرار الدم إلى العشر و بعده إلى غير ذلك من الأمور التي لا يلتزم بها الفقيه.

و القول الثاني: الجواز و هو الأقوى أخذا بالأصل و عدم التصريح بالحرمة في الروايات مع أنّ المورد يكثر به الابتلاء.

(1) إذا أجنب في ليالي شهر رمضان، فأراد النوم و استمرّ نومه إلى ما بعد الفجر،

______________________________

(1). لاحظ الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 215

..........

______________________________

هل يجب عليه القضاء و الكفّارة، أو فيه تفصيل حسب الصور الأربع المذكورة في كلام الماتن.

فإذا كان عازما على ترك الغسل أو كان متردّدا في الغسل و عدمه فهو من مصاديق البقاء على الجنابة عمدا.

أمّا الأوّل فواضح، و لا يشترط في البقاء كونه مستيقظا، بل يصدق إذا كان نائما و لا يعدّ مثل هذا النوم عذرا (إذا نام مع العزم على ترك الغسل). و قد ورد في بعض الروايات قوله: «نام متعمدا في شهر رمضان». «1»

و مثله الثاني، لأنّ التردد في الغسل و عدمه يلازم عدم كونه ناويا للصوم، و هذا يكفي في البطلان و القضاء، بل و تتعلّق به الكفارة لصدق العمد، إذ لا يشترط في صدقه القصد إلى الترك، بل يكفي التواني و التساهل و التسويف.

إنّما الكلام في الصورة الثالثة: أعني: إذا كان ذاهلا عن الغسل ربما يقال بوجوب القضاء دون الكفارة. أمّا الثانية فواضحة لعدم كونه عامدا؛ و أمّا الأوّل، لأنّ الذهول لا ينفكان عن النسيان، لأنّه علم بالجنابة حينما جامع أو حينما انتبه من نومة الاحتلام ثمّ طرأ عليه الذهول و الغفلة فهو مسبوق بالعلم و لا نعني بالنسيان إلّا هذا فتشمله النصوص المتقدمة في الناسي المتضمنة

وجوب القضاء على من نسي الجنابة حتى مضى عليه يوم أو أيّام. «2»

يلاحظ عليه: بالفرق بينه و بين الناسي إذ يتوسط في النسيان بين العلم بالموضوع و الذهول، ذكر الموضوع ثمّ طروء الغفلة عليه، بخلاف المقام، فانّه ليس وراء العلم إلّا الغفلة، اللّهمّ إلّا أن يقال بإلغاء الخصوصية أو عدم توجه العرف إلى هذا الفرق.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). مستند العروة، كتاب الصوم: 210.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 216

و إن كان مع البناء على الاغتسال أو مع الذهول على ما قوّينا، فإن كان في النومة الأولى بعد العلم بالجنابة فلا شي ء عليه، و صحّ صومه، و إن كان في النومة الثانية- بأن نام بعد العلم بالجنابة، ثمّ انتبه و نام ثانيا- مع احتمال الانتباه فاتّفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفّارة على الأقوى. (1)

______________________________

و أمّا الصورة الرابعة، أعني: إذا كان ناويا للغسل، ففيها تفصيل: فتارة لا يجب عليه شي ء، و أخرى يجب عليه القضاء دون الكفارة، و ثالثة يجب كلاهما، و هذا ما يأتي في كلام المصنف تاليا.

(1) الكلام مركز على الصورة الرابعة، أعني: ما إذا نام ناويا للغسل بعد العلم بالجنابة و استمرّ إلى ما بعد الفجر فلا قضاء و لا كفارة في النومة الأولى، و القضاء في النومة الثانية. و أمّا الثالثة فسيوافيك بيان حكمها بعد شرح قول الماتن.

حكم النومة الأولى قال الشيخ في الخلاف: إذا أجنب في أوّل الليل و نام عازما على أن يقوم في الليل و يغتسل فبقي نائما إلى طلوع الفجر لم يلزمه شي ء بلا خلاف. و إن انتبه دفعة ثمّ نام و بقي إلى طلوع

الفجر كان عليه القضاء بلا كفارة. «1»

و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب من أوّل الليل ثمّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال: «ليس عليه

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 222، كتاب الصوم، المسألة 88.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 217

..........

______________________________

شي ء». قلت: فانّه استيقظ ثمّ نام حتى أصبح؟ قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة». «1»

و الصحيحة صريحة في المقصود، فلا ينافيه ما دلّ بظاهره على وجوب القضاء في النومة الأولى، أعني: صحيحة محمد بن مسلم و موثقة سماعة التاليتين:

1. قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: «يتم صومه و يقضي ذلك اليوم». 2

2. سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال: «عليه أن يتم صومه و يقضي يوما آخر». 3

و ذلك لإمكان رفع المعارضة بوجوه:

أ. حملها على النومة الثانية بأن يقال: انّ المراد من قوله: «و لم يستيقظ حتى أدركه الفجر»، انّه لم يستيقظ في الوقت الذي يمكن فيه الغسل لا انّه لم يستيقظ أصلا حتى أدركه الفجر.

ب. حمله على ما إذا لم يكن ناويا للغسل و إن كان ضعيفا جدا.

ج. ردّ علمها إليهم لإعراض المشهور عن مفاده.

إلى هنا تمّ رفع المعارضة بين الصحيحة، و الروايتين الأخريين. بقي الكلام في رواية ابن أبي يعفور فقد نقله الفقيه بصورة، و الشيخ بصورة أخرى. و على ما ذكره الصدوق يدل ذيل الصحيحة على أنّه لا شي ء في النومة الأولى بعد النوم الذي احتلم فيه و الهدف من دراسته استفادة حكم النوم الأوّل من ذيلها. و إليك

ما نقله الصدوق في الفقيه.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 3 و 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 218

..........

______________________________

رواية ابن أبي يعفور في الفقيه قلت لأبي عبد اللّه: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ، ثمّ ينام ثمّ يستيقظ، ثمّ ينام حتى يصبح.

قال: «يتمّ صومه و يقضي يوما آخر، و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ صومه و جاز له».

و الحديث صريح في أنّ الجنابة كانت بالاحتلام، خلافا لصحيحة معاوية بن عمّار، فانّها كانت فيها بالجماع.

فلو قلنا بعدم احتساب نومة الاحتلام، تنطبق الرواية على صحيحة معاوية ابن عمار بشرط الإمعان في الفقرات الثلاث الواردة في كلام السائل.

1. «الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ».

هذه الفقرة راجعة إلى نومة الاحتلام التي لا تحسب.

2. ثمّ ينام ثمّ يستيقظ هذا هو النوم الأوّل سواء لحقه النوم الثاني أو لا.

3. ثمّ ينام حتى يصبح: هذا هو النوم الثاني.

إذا عرفت ذلك، فلندرس جواب الإمام و له شقّان:

أ. «يتم صومه و يقضي يوما آخر».

و الجواب يرجع إلى ما انتهى إليه سؤال السائل و المفروض انّه انتهى إلى النوم الثاني إنّما الكلام في الشقّ الثاني أعني قوله:

ب. «و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ صومه و جاز له».

ففيه احتمالات ثلاثة:

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 219

..........

______________________________

الاحتمال الأوّل انّه ورد لإكمال ما ورد في الفقرة الثانية المتعرضة للنوم الأوّل فانّه له حالات ثلاث:

1. أن ينام و يستيقظ، و لا ينام أصلا إلى الفجر و لم يذكر حكم هذا في الشقين لوضوح حكمه، لأنّه إذا اغتسل صحّ صومه و إلّا فلا.

2. أن ينام و يستيقظ، ثمّ

ينام حتى يصبح و هذا ما ورد جوابه في الشقّ الأوّل من كلام الإمام.

3. أن ينام و لا يستيقظ إلى الصبح فهذا هو الذي جاء حكمه في الشقّ الثاني من كلامه، أعني قوله: «و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه و جاز له» أي إذا نام و لم يستيقظ.

الاحتمال الثاني إنّه ورد لإكمال الفقرة الأولى المتكفلة لبيان النوم المقرون بالاحتلام، أعني قوله: «الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ» و يكون معناه: أي و إن لم يستيقظ عن ذلك النوم لا شي ء عليه.

و هذا بعيد جدّا أوّلا لاستلزامه رجوع الشرط إلى أبعد الفروض في كلام الراوي و كون الجواب لتوضيح أمر واضح و هو انّ الاحتلام لا يبطل الصوم و إن استمرّ النوم إلى الصبح.

الاحتمال الثالث أن يرجع إلى الفقرة الثالثة، أعني قوله: «ثمّ ينام حتى يصبح» و هذا ممّا لا

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 220

..........

______________________________

يحتمل أصلا، لأنّه عندئذ يتحد مفاده مع تلك الفقرة و يكون تعبيرا ثانيا عنه، مع استلزامه التناقض في الحكم، لأنّ الفقرة الثالثة دلّت على وجوب القضاء، و هذا الشق دل على صحّة الصوم بلا قضاء.

و بذلك ظهر مفاد الصحيحة و انّه لا مناص عن تفسيرها بما ذكرناه و ينطبق مع مضمون رواية ابن عمار و بالتالي يدل الذيل على أنّه لا شي ء في النومة الأولى.

رواية ابن أبي يعفور في التهذيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ، ثمّ ينام حتى يصبح؟ قال: «يتم صومه و يقضي يوما آخر و إن لم يستيقظ، حتى يصبح أتمّ صومه و جاز له». «1»

و على هذا، ليس بعد الاستيقاظ من النوم الذي

احتلم فيه، سوى نوم واحد مستمرّ إلى أن يصبح فقد حكم فيه بالقضاء، مع أنّه حكم عليه حسب رواية الصدوق بعدم القضاء.

و الترجيح مع الفقيه لكونه أضبط من الشيخ، لكثرة ما في التهذيب من الخلل في السند و المتن مضافا إلى أنّه إذا دار الأمر بين الزيادة (من جانب الصدوق) و النقيصة (من جانب الشيخ) فالثانية أولى، لغلبة النقص في الكتابة على الزيادة السهوية.

على أنّه يمكن حملها- على فرض عدم ثبوت الزيادة- على صورة العمد و هو ليس ببعيد من قوله: «ثمّ ينام حتى يصبح» و بذلك علم أنّ في المقام أحاديث أربعة:

1. صحيحة معاوية بن عمار، و هي الرواية الصريحة التي عمل بها

______________________________

(1). التهذيب: 4/ 277، الحديث 19 من الباب 16 من أبواب كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 221

..........

______________________________

الأصحاب.

2 و 3. صحيحة محمد بن مسلم و موثقة سماعة، و قد علمت أنّهما محمولتان على النومة الثانية بحمل قوله: «و لم يستيقظ حتى يدركه الفجر» على أنّه لم يغتسل في الوقت الذي يمكن فيه الغسل.

4. صحيحة ابن أبي يعفور، فعلى ثبوت الزيادة ينطبق على صحيحة معاوية ابن عمار، و على فرض عدمها، يحمل على العامد.

هذا كلّه حول النومة الأولى.

ما هو المراد من النومة الأولى؟ إذا أجنب بالجماع، فالنوم الأوّل هو المتحقّق بعدها، و أمّا إذا احتلم، فهل نومة الجنابة هي الأولى، أو المتحققة بعد الاستيقاظ منها؟

و الظاهر هو الثاني بشهادة ما سبق من رواية الفقيه حيث لم يترتب على النومة المتوسطة بين نومة الجنابة، و النومة المتأخرة أثر إنّما رتّب القضاء على النومة الأخيرة.

و يدل عليه أيضا صحيحة العيص بن القاسم انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ، ثمّ ينام قبل أن يغتسل، قال: «لا بأس». «1» و المراد: «نام قبل أن يغتسل إلى الفجر» و إلّا فلا مورد للسؤال إذا انتبه قبل الفجر و اغتسل.

حكم النومة الثانية إذا نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه و نام ثانيا مع احتمال الانتباه فاتفق

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 222

و إن كان في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى، و إن كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفّارة أيضا في هذه الصورة، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضا، بل و كذا في النومة الأولى أيضا إذا لم يكن معتاد الانتباه و لا يعدّ النوم الّذي احتلم فيه من النوم الأوّل، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقّق الجنابة، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان من النوم الأوّل لا الثاني. (1)

______________________________

الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفّارة.

قد اتضح حكمها ممّا حررناه في الصورة الأولى فتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار أوّلا، و صحيحة ابن أبي يعفور ثانيا على ما مرّ، أعني:

1. يتم صومه و يقضي يوما آخر.

2. و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه و جاز له.

(1) النومة الثالثة لا شكّ في أنّه يجب عليه إتمام صومه و الإمساك تأدّبا و القضاء لكونه أولى بالعقوبة إنّما الكلام في وجوب الكفارة عليه و القدماء على وجوبها عليه.

قال الشيخ: و إن انتبه دفعتين كان عليه القضاء و الكفّارة على ما قلناه، و خالف جميع الفقهاء في ذلك. «1»

و قال القاضي في باب ما يفسد الصوم و يجب القضاء و الكفارة: النوم على

حال الجنابة إلى أن يطلع الفجر بعد الانتباه مرّتين. «2»

و قال ابن حمزة في نفس ذلك الباب: و معاودة النوم بعد انتباهين إلى طلوع

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 222، كتاب الصوم، المسألة 88.

(2). المهذب: 3/ 192.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 223

..........

______________________________

الفجر. «1»

و قال ابن سعيد في نفس ذلك الباب: و معاودة النوم جنبا بعد انتباهين حتى طلع الفجر. «2» إلى غير ذلك.

و قال المحقّق في الشرائع: و فيه تردد. و تبعه العلّامة، «3» و استدل له بإطلاق خبر المروزي، «4» و مرسل عبد الحميد، 5 بعد تقييدهما بما دلّ على القضاء فقط في النومة الثانية.

و ليس حملها على العامد بقرينة خبر أبي بصير، 6 أولى من حملها على من نام بعد انتباهين.

يلاحظ عليه: أنّ حملهما على العامد، أوضح من حملهما على من نام بعد انتباهتين، إذ لو كان هذا هو المراد لكان ترك القيد مستهجنا.

نعم ورود القضاء و الكفارة في الكتب الملتزمة بالإفتاء بلفظ النص، كما في فقه الرضا، 7 و المقنعة، 8 و النهاية، 9 و هذا يدل على ورود النص عليه و كون الحكم مشهورا بين القدماء، إذ من البعيد أن يكون الإفتاء لأجل هذين الخبرين القاصرين دلالة، أو من باب الاجتهاد و إن كان الظاهر من المفيد هو الثاني حيث علّل الكفارة بأنّه تعمّد الخلاف، و لكنّه لا يتنافي مع ورود النصّ، فالأحوط هو التكفير.

______________________________

(1). الوسيلة: 142.

(2). الجامع: 156.

(3). الجواهر: 16/ 275.

(4) 4 و 5 و 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 16، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3، 4، 2.

(5) 7. فقه الرضا: 207.

(6) 8. المقنعة: 347.

(7) 9. النهاية: 154.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 224

[المسألة 57: الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث]

المسألة 57: الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث حتّى في الكفّارة في الثاني و الثالث إذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر و نحوه. (1)

______________________________

و لا يشترط اعتياد الانتباه كما عليه صاحب المسالك، «1» بل يكفي احتمال الانتباه، و إلّا فلا وجه لكون القضاء عقوبة، كما مرّ إذا كان الانتباه عاديا.

(1) أقول: تقدّم عن المصنّف في مقدمة المفطر الثامن قوله: «البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضائه دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة و إن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضا خصوصا في الصيام الواجب موسعا كان أو مضيّقا».

فإذا كان الأصل مختصا برمضان، فكيف حال الفرع؟ أعني: أحكام النومات الثلاث التي وردت في خصوص شهر رمضان كما مرّ.

نعم يمكن تعميم الحكم إلى قضائه لما علمت اتحادهما في الأحكام و انّ الأصل يتسامح فيه، و لا يتسامح في الفرع، كما في الإصباح جنبا من غير عمد، إذ لا يوجب البطلان في شهر رمضان و يوجبه في قضائه، و على ذلك لا يبعد من عطف القضاء على الأداء.

فإن قلت: عطف القضاء على الأداء فرع وجود نص يتمسك بإطلاقه، و لم يكن في الأصل دليل سوى الشهرة الفتوائية بين القدماء و هي مختصة بالأصل أو المتيقن منه، هو صوم رمضان.

قلت: نعم و لكن الموجب لعطف القضاء على الأداء هو الأولوية المستفادة

______________________________

(1). المسالك: 2/ 18.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 225

[المسألة 58: إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس، فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث]

المسألة 58: إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس، فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث. (1)

[المسألة 59: الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة]

المسألة 59: الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة. (2)

[المسألة 60: ألحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات]

المسألة 60: ألحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات، و الأقوى عدم الإلحاق و كون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال، فمعه يبطل و إن كان في النوم الأوّل، و مع عدمه لا يبطل و إن كان في النوم الثاني أو الثالث. (3)

______________________________

من الفرع السابق، و انّه لا يتسامح في القضاء مع جوازه في الأداء، مضافا إلى موثقة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء قال: «عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان، لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان». «1» و بما انّ الإفطار جائز قبل الزوال فالحديث محمول على ما بعده.

و أمّا غير صوم رمضان و لا قضاءه، فالحقّ عدم الدليل على التعميم.

(1) لعدم احتمال انّ زيادة العدد، يهدم الحكم السابق.

(2) لأنّ العلم المأخوذ في البقاء على الجنابة تعمدا طريق و الاستصحاب يقوم مقام العلم المأخوذ طريقا.

(3) لا تلحق الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات، لأجل اختصاص النصوص بالجنب، و انّ الميزان فيها هو التواني و التساهل لكن مقتضى

______________________________

(1). التهذيب: 4، كتاب الصوم، الباب 26، باب قضاء شهر رمضان، الحديث 19.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 226

[المسألة 61: إذا شكّ في عدد النومات بنى على الأقلّ]

المسألة 61: إذا شكّ في عدد النومات بنى على الأقلّ. (1)

[المسألة 62: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه أيّام و شكّ في عددها]

المسألة 62: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه أيّام و شكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقّن، و إن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ. (2)

[المسألة 63: يجوز قصد الوجوب في الغسل و إن أتى به في أوّل اللّيل]

المسألة 63: يجوز قصد الوجوب في الغسل و إن أتى به في أوّل اللّيل، لكن الأولى مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة. (3)

______________________________

ما ذكرنا من الأولوية، هو الإلحاق لما عرفت من أنّ الجنابة غير مانعة من وجوب الصوم و صحته في بعض الصور، لكن الحائض و النفساء لا يصح منهما الصوم، فالحدث الناجم منهما أقوى من حدث الجنابة، فلو كانت النومة الثانية موجبة للقضاء، في الجنابة ففيهما أولى، و لأجل ذلك فالأحوط الإلحاق، و عدم الاكتفاء بالتواني.

(1) للأصل الموضوعي و الحكمي، أمّا الأوّل فانّ القضاء مترتب في لسان الدليل على من علم بالجنابة ثمّ نام و استيقظ، ثمّ نام و استيقظ بعد الفجر، و المتيقن عنده هو الأوّل: «النوم و الاستيقاظ بعد الفجر، و أمّا الثاني فهو مشكوك فيه، و الأصل عدمه، و أمّا الثاني فلاستصحاب عدم وجوب القضاء.

(2) لجريان قاعدة الفراغ في القدر المشترك، مضافا إلى استصحاب كونه متطهرا إلى ذلك اليوم. و ليس مثله مثبتا كما أوضحنا حاله في محله.

(3) إذا كان الوجوب الغيري ناشئا من الوجوب النفسي على وجه يكون الوجوب الثاني من مبادئ وجوده، كيف يمكن أن يتحقق الوجوب الغيري مع

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

عدم وجود علّته، أعني: وجوب الصوم، لأنّه مشروط بطلوع الفجر، و المفروض أنّه يأتي به قبل الوقت، نعم لو أتت به بعده- كما سبق- فلا إشكال.

ثمّ إنّ القوم صاروا إلى تصحيح نية الوجوب

إذا أتى الصائم به قبله بوجوه مذكورة عند البحث عن المقدّمات المفوّتة في الأصول، و قد أوضحنا حاله فيها، و نشير إلى إجمالها:

1. الالتزام بصحّة الواجب المعلّق، و هو ما يكون الوجوب حاليا و الواجب استقباليا و مقيّدا بقيد غير لازم التحصيل سواء كان تحصيله غير ممكن، كالزمان، أو ممكنا معتبرا حصوله لا تحصيله، كالاستطاعة على القول بكونها قيدا للواجب لا للوجوب. فعندئذ يجب الصوم قبل الفجر و بتبعه يكون الاغتسال واجبا شرعيا.

و ثمرة هذا الوجوب، لزوم الإتيان بمقدّمته، و لو اشترط في الوجوب الفعلي إمكان الإتيان بالواجب كذلك لزم امتناع الأمر بالمركب حاليّا، لأنّه لا يمكن الإتيان بعامة أجزائه مرة واحدة فالبعث إلى المركب حالي و الإتيان بالأجزاء استقبالي.

2. انّ الملازمة بين الوجوبين لا تعني أنّ وجوب المقدمة ناشئ و مترشح من وجوب ذيها حتى يعدّ وجوب الثاني من مبادئ وجوب الأولى. بل المراد منها، كون وجوبها لأجل وجوبه، و في الوقت لكلّ وجوب، ملاك خاص، فملاك وجوب الأوّلي كونها مما يتوقف عليها الواجب، و ملاك الثاني، قيام المصلحة به، و على ذلك فلا مانع من تقدم وجوب الأوّلي على وجوب ذيه، و ذلك لكون الملاك قائما بالمقدمة السابقة وجودا على وجوبه، دون المتأخرة وجودا.

و بعبارة أخرى: وجوب المقدمة مطلق و وجوب ذيها مشروط و لا مانع من إطلاق وجوبها، و اشتراط ذيها لما عرفت من إنكار حديث النشوء و معلولية وجوبها لوجوب ذيه.

3. ما نقل عن المحقّق الأردبيلي في مورد التعلّم إذا لم يتمكن بعد دخول

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 228

[المسألة 64: فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم]

المسألة 64: فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم فيصحّ صومه مع الجنابة، أو مع حدث الحيض

أو النفاس. (1)

______________________________

الوجوب، من أنّه واجب نفسي تهيّئي و قد عمّمه المحقّق النائيني إلى المقام أيضا.

4. الالتزام بأنّ الزمان اللاحق شرط للوجوب النفسي على نحو الشرط المقدّم، أي بوجوده الخارجي و هو بعد غير متحقق فلا يكون واجبا، و لكنّه شرط للوجوب الغيري على نحو الشرط المتأخر، أي بوجوده اللحاظي المقارن مع وجوبها، و إن لم يدخل الوقت.

5. الالتزام بأنّ الشرط لكلا الوجوبين هو الزمان و طلوع الفجر بنحو الشرط المتأخر، أي المتقدم لحاظا و المتأخر وجودا، فيكون هذا الوجه في النتيجة موافقا للقول بالواجب المعلّق من كون الوجوب النفسي حاليا، كما أنّ الوجوب الغيري مثله.

كلّ هذه المحاولات لإضفاء الوجوب على الاغتسال وجوبا مقدميا، و لكن قد قلنا في محله بعدم وجوب المقدمة وجوبا شرعيا و أنّ إيجابها أمر لغو، لأنّ جعل الوجوب لها لأجل كونه باعثا نحوها، و هو إمّا غير باعث أو غير محتاج إليه، لأنّه لو كان معرضا عن الإتيان بذيها، فلا يكون إيجابها باعثا أصلا و لو كان قاصدا إليها، فهو يأتي بالمقدمة و إن لم تكن واجبة.

و أمّا قصد القربة فهو غير متوقف على وجود الأمر، بل يكفي إمكان الإتيان بالشي ء للّه سبحانه، و من غير فرق بين الواجب الغيري أو النفسي.

على أنّه هناك من يقول باستحباب الطهارات الثلاث استحبابا نفسيا، و عندئذ يصحّ قصد ذلك الأمر.

(1) إذا كان القيد، دخيلا في أصل الوجوب كالزوال في وجوب الظهر، و الشرائط

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 229

[المسألة 65: لا يشترط في صحّة الصوم، الغسل لمسّ الميّت]

المسألة 65: لا يشترط في صحّة الصوم، الغسل لمسّ الميّت كما لا يضرّ مسّه في أثناء النهار. (1)

[المسألة 66: لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم]

المسألة 66: لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم، بل إذا لم يسع للاغتسال و لكن وسع للتيمّم، و لو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه، فإن كان بعد الفحص صحّ صومه، و إن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء على الأحوط. (2)

______________________________

العامة كلّها، كالعقل و البلوغ، فلا وجوب مع عدمها. و أمّا إذا كان دخيلا في صحّة الواجب فلو كان شرطا مطلقا كالطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة فمثل ما سبق، و أمّا إذا كان دخيلا في الصحّة في صورة التمكن لا مطلقا، لا يسقط الواجب بتعذّره، و من هذا الباب رفع الحدث، فانّ المخلّ منه هو التعمد لا مطلقا، فلا يعم العاجز، فيسقط القيد دون المقيد.

(1) لعدم الدليل على كونه مفطرا حتى يكون البقاء عليه مفطّرا، و الدليل على مانعيته مختص بباب الصلاة.

(2) ففي المسألة فروع ثلاثة:

1. لا يجوز أن يجنب نفسه و الوقت لا يسع لواحد من الاغتسال و «التيمم» و لو فعل عصى و بطل صومه و عليه القضاء و الكفارة، و قد سبق.

2. إذا لم يسع للاغتسال، و لكن وسع للتيمّم قلنا انّه عصى و صحّ صومه و قد مضى.

3. لو ظن سعة الوقت فتبين ضيقه، فقد فصّل الماتن بين كون الظن بالسعة بعد الفحص فيصح صومه، و أمّا مع عدمه فعليه القضاء.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 230

..........

______________________________

و علّله في المستمسك بعدم الدليل على المفطرية في الأوّل و احتمال صدق التعمد بترك الفحص في الثاني. «1»

أقول: لعلّ التفصيل هو مقتضى القاعدة لجريان استصحاب

الليل أو عدم طلوع الفجر في الأوّل دون الثاني، و قد قلنا في محله: اشتراط جريان الأصول في الشبهات الموضوعية بالفحص إذا أمكن تحصيل الواقع بسهولة، فقد أفطر في الأوّل عن حجّة فلا قضاء فيه بخلاف الثاني.

و أمّا النصوص فهي بينما تدل على القضاء مطلقا من غير تفصيل بين الفحص و عدمه كصحيح حماد، «2» و خبر إبراهيم بن مهزيار، 3 و علي بن أبي حمزة. 4 و ما تدل على التفصيل و هي موثقة سماعة بن مهران قال سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان فقال: «إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر، فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى انّه قد طلع الفجر فليتم صومه و يقضي يوما آخر، لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة». 5 و مورد الحديث و إن كان الأكل و الشرب لكن التعليل يعم جميع المفطّرات و احتمال الخصوصية لهما كما ترى.

و يدل عليه أيضا صحيح معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: آمر الجارية لتنظر إلى الفجر، فتقول: لم يطلع بعد فآكل ثمّ أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت قال: «اقضه امّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء». 6

و منه يظهر حكم فرعين آخرين:

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 306.

(2) 2، 3، 4، 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2 و 4 و 3.

(3) 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

1. اختصاص التفصيل بالقادر على الفحص فينتفي وجوب القضاء عند عدم القدرة، فلو ترك المراعاة لعجز عنها و تناول المفطر فصادف النهار، فلا يجب عليه القضاء للأصل و اختصاص الروايات بالقادر على المراعاة.

2. سقوط القضاء إذا تناول اعتمادا على خبر العدلين، لأنّهما حجّة شرعية على جواز الأكل، و معنى الحجية انّه اكتفى الشارع في امتثال أمره بهذا المقدار، كما أوضحناه في باب الإجزاء.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 232

التاسع: الحقنة

اشارة

التاسع من المفطرات: الحقنة بالمائع و لو مع الاضطرار إليها لرفع المرض، و لا بأس بالجامد و إن كان الأحوط اجتنابه أيضا. (1)

______________________________

(1) اختلفت كلمة الفقهاء في مفطّرية الحقنة فقال أبو حنيفة: يفطّر مطلقا و قال: الحسن بن صالح بن حيّ: لا يفطّر و فصل الشافعي بين الواصل فيفطّر دون غيره، كما فصل مالك بين القليل و الكثير. «1»

و أمّا أصحابنا فقد ذهب المفيد في المقنعة و السيّد في «الناصريات» و الشيخ في «الخلاف» و القاضي في «المهذب» و أبو الصلاح في «الكافي» إلى أنّ الحقنة بالمائعات تفطر.

و لم يذكره ابن أبي عقيل من المفطّرات، و قال ابن الجنيد: يستحب له الامتناع من الحقنة، و قال الشيخ في النهاية و ابن إدريس في السرائر بالحرمة التكليفية.

و استدل العلّامة على كونها مفطّرة بالقياس و قال: إنّه قد أوصل إلى جوفه المفطّر، فأشبه ما لو ابتلعه لاشتراكهما في الاغتذاء. «2» و هو كما ترى قياس لا نقول به، كما استدل الشيخ بأصالة البراءة من القضاء. و هو أيضا مثله لعدم وصول النوبة إلى الأصل مع وجود الدليل، ففي صحيح البزنطي عن أبي الحسن انّه سأله

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 213، كتاب الصوم، المسألة

73.

(2). المختلف: 2/ 412، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 233

..........

______________________________

عن الرجل يحتقن تكون به العلة من شهر رمضان؟ فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن». «1»

و الحقنة الاحتباس، و في الحديث «لا رأي لحاقن» سواء المحتبس بولا أو جائفة في البطن و إذا ذهبت إلى باب «الافتعال»، يكون معناه عالج الحقنة باستعمال دواء في المقعدة لتسهيل بطن المريض، و إطلاق الرواية تقتضي المنع عنها مطلقا مائعا كان أو جامدا و القول بالانصراف إلى الجامد، كما ترى. نعم يمكن تقييده بما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن أبيه قال: كتبت إلى أبي الحسن ما تقول في التلطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب: «لا بأس بالجامد». «2»

قال المحقّق الخوئي: المراد من أحمد بن محمد، إمّا ابن عيسى أو ابن خالد و كلاهما ثقتان و المراد من علي بن الحسن، هو علي بن الحسن بن الفضّال، عن أبيه، الحسن بن فضال.

و فيه تأمّل، لأنّه لم يرو علي بن الحسن عن أبيه أصلا لصغره.

قال النجاشي: و لم يرو عن أبيه شيئا و قال علي بن الحسن: كنت أقابله و سنّي ثمان عشرة سنة بكتبه و لم أفهم إذ ذاك الروايات، و لا استحلّ ان أرويها عنه و روى عن أخويه عن أبيهما. «3»

و الظاهر انّ المراد منهما غيره بقرينة ما رواه نفس الشيخ في ذلك الباب قال:

محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن علي بن رباط ....

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب ما

يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(3). رجال النجاشي: 2/ 82، برقم 674.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 234

..........

______________________________

فالمراد من أحمد، بقرينة رواية الكليني عنه، هو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المتوفّى سنة 333، لا الأحمدين، المعروفين، لأنّ الكليني لا يروي عنهما إلّا بواسطة. فقد توفيّ ابن خالد عام 274 أو 280، و ابن عيسى حوالي عام 280.

كما انّ المراد من علي بن الحسن، علي بن الحسن الميثمي الواقفي.

و هو يروي عن أخيه أحمد بن الحسن الميثمي.

و هو يروي عن أبيه الحسن الميثمي.

و على هذا فلو كان السند في الروايتين واحدا، فقد سقط من السند الأوّل لفظة «عن أخيه أحمد بن الحسن الميثمي».

و لعلّ الشيخ أخذ الحديث عن كتاب أحمد بن محمد بن عقدة، و قد ذكر سنده إليه في المشيخة.

ثمّ إنّ التفصيل بين الجامد و غيره رواه الكليني أيضا في الكافي بالسند التالي:

أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن محمد بن الحسين، عن أبيه قال:

كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام ما تقول في التلطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟

فكتب: «لا بأس بالجامد». «1»

و المراد من أحمد، هو ابن عقدة، و المراد من الراوي الثالث: هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب المتوفّى عام 262 و الراوي عنه ابنه، و الذي روى هو عنه أبوه. و الرواية ضعيفة لعدم ورود التوثيق على الابن و الأب.

فتلخص بذلك، انّ الاحتقان بالمائع مفسد للصوم دون الجامد.

فإن قلت: الظاهر من الصحيحة: «الصائم لا يجوز له أن يحقن به» هو

______________________________

(1). الكافي: 4/ 110، باب في الصائم يسعط، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 235

[المسألة 67: إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدبر]

المسألة 67: إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى

الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدبر، فلا يبعد عدم كونه مفطرا و إن كان الأحوط تركه. (1)

[المسألة 68: الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامدا أو مائعا]

المسألة 68: الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامدا أو مائعا و إن كان الأحوط تركه. (2)

______________________________

الحرمة التكليفية فقط، لا الوضعية فلا دليل على الإفساد.

قلت: المتبادر في هذه المقامات، هو الإرشاد إلى المانعية نظير قوله: «لا تجوز الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه»، فإذا ثبت كونه مانعا و مفسدا، فتلازم الحرمة التكليفية، ضرورة حرمة إفطار صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب.

فما عن الشيخ من كونه حراما تكليفيا فقط، أو عن ابن الجنيد من استحباب عدم الاحتقان، فكأنّهما في غير محلهما.

(1) الظاهر عدم صدق الاحتقان لما عرفت من أنّ الغاية منه، تسهيل خروج ما في البطن و هو لا يتم إلّا بورود المائع الجوف، دون أن يدخل في الدبر فيخرج.

(2) فلو قلنا بأنّ الاحتقان، لا يصدق إلّا على المائع دون الجامد، فالشكّ في كون شي ء مائعا أو جامدا، شكّ في كونه مصداقا للمفطر أو لا، و المرجع فيه البراءة.

و أمّا إذا قلنا ما عرفت من صدقه على المائع و الجامد، غير انّ الأخير خرج تخصيصا، فيكون مرجع الشكّ إلى كونه مصداقا للمخصص أو لا، و معه لا يصحّ التمسك بالعام و هو عدم جواز الاحتقان، لأنّه حجّة في غير ما صدق عليه عنوان الخاص و هو- عدم صدق عنوان الخاص- بعد غير محرز، لاحتمال كونه في الواقع جامدا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 236

..........

______________________________

فإن قلت: يمكن إحراز عدم صدق عنوان الخاص بالبيان التالي:

«انّ الباقي تحت العام في المقام بعد إخراج الجامد هو- كلّ احتقان لا يكون بجامد لا الاحتقان المنعوت بكونه بالمائع- فالموضوع

للبطلان مركّب من جزءين:

1. الاحتقان و أن لا يكون جامدا، و الأوّل محرز بالوجدان، و الثاني بأصالة عدم كونه جامدا و لو بأصل العدم الأزلي فيلتئم الموضوع و يترتب الحكم من الحرمة و البطلان. و بما انّ القيد المأخوذ في جانب العام وجوديّ فلدى الشكّ مقتضى الأصل، عدمه و به يحرز انّ هذا احتقان بما ليس بجامد، فلا يجوز. «1»

يلاحظ عليه أوّلا:- بما ذكرناه في الأصول- أنّ استصحاب العدم الأزلي مصداق عقلي، لقوله: «لا تنقض اليقين بالشك» و ليس مصداقا عرفيا له، فلو خالف الإنسان لا يقال انّه نقض يقينه بالشك.

و ثانيا: أنّ الأصل مثبت، و ذلك لأنّ لموضوع- مركب من أجزاء ثلاثة- على خلاف ما ذكره من أنّه مركّب من جزءين:

1. الاحتقان، 2. لا يكون بجامد، 3. النسبة الحكمية بين الموضوع و المحمول، فليس الموضوع أمرين مختلفين لا صلة بينها، بشهادة جعلهما موضوعا واحدا، لحكم واحد و هو فرع وجود الصلة و الرابطة بينهما فعلى هذا فالموضوع بعد التخصيص في الرواية: «الصائم لا يجوز أن يحتقن بغير الجامد» فانّ الجزءين، أعني: الاحتقان محرز بالوجدان، و القيد المنقطع عن الموصوف، محرز بالاستصحاب، لكن كون هذا الاحتقان موصوفا بغير الجامد، ليست له حالة سابقة.

و بذلك ظهر، انّ الأقوى الجواز على كلا القولين.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: 230.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 237

العاشر: تعمّد القي ء

اشارة

العاشر: تعمّد القي ء و إن كان للضرورة من رفع مرض أو نحوه، و لا بأس بما كان سهوا أو من غير اختيار، و المدار على الصدق العرفيّ، فخروج مثل النواة أو الدود لا يعدّ منه. (1)

______________________________

(1) قال الشيخ: إذا تقيّأ متعمدا وجب عليه القضاء بلا كفارة، فإن ذرعه «1» القي ء، فلا قضاء

عليه أيضا، و هو المروي عن علي عليه السّلام و عبد اللّه بن عمر. و به قال أبو حنيفة، و الشافعي، و مالك، و الثوري، و أحمد، و إسحاق.

و قال ابن مسعود و ابن عباس: لا يفطّره على حال و ان تعمّد. و قال عطاء و أبو ثور: ان تعمّد القي ء، أفطر و عليه القضاء و الكفارة. «2»

فالأقوال عندهم ثلاثة: 1. القضاء، 2. القضاء و الكفّارة، 3. عدم وجوب شي ء منهما.

و أمّا أقوال فقهائنا:

فالمشهور بين علمائنا ان تعمّد القي ء يوجب القضاء خاصة، فإن ذرعه لم يجب به شي ء. ذهب إليه ابن أبي عقيل، و الشيخان، و أبو الصلاح، و ابن البراج.

و نقل السيد المرتضى عن بعض علمائنا انّه يوجب القضاء و الكفارة.

______________________________

(1). يقال ذرعه القي ء سبق إلى فيه.

(2). الخلاف: 2/ 178، كتاب الصوم، المسألة 19.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

و قال ابن الجنيد بالقول المشهور إذا كان القي ء من محلّل، و أمّا إذا كان القي ء من محرم فيكون فيه إذا ذرعه القي ء، القضاء، و إذا استكره (تعمد) القضاء و الكفارة.

و قال السيد المرتضى: ينقض الصوم و لا يبطله.

و قال ابن إدريس: لا يجب به قضاء و لا كفارة بل يكون مخطئا. «1»

و تدل على وجوب القضاء روايات:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه». «2» و هو متحد مع ما رواه عن ابن مسكان عن الحلبي. 3 لوحدة المروي عنه و اللفظ.

2. موثقة سماعة قال: سألته عن القي ء في رمضان فقال: «إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد أفطر

و عليه القضاء». 4

3. رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء، ما عليه؟! قال: «إن كان تقيّأ متعمدا فعليه قضاؤه، و إن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي ء» 5 إلى غير ذلك من الروايات البالغة عددها إلى سبع.

نعم تخالفه رواية عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام، قال: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة». 6

و هو محمول على صورة النسيان بقرينة الاحتلام في الرواية و إن أبيت فهو

______________________________

(1). المختلف: 3/ 420، كتاب الصوم.

(2) 2، 3، 4، 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 3 و 5 و 10.

(3) 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

خبر واحد، لا يقاوم ما مضى من الروايات المتضافرة فالترجيح معها.

و أمّا صحيحة ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء». «1» فالظاهر انّ الحصر إضافي و بما انّ الراوي نقل جواب الإمام و لم ينقل السؤال، يمكن الحدس بأنّه كان في المجلس من يقول بمفطرية أمور أخرى وراء هذه الأربعة فحصر الإمام المفطّر فيها ناظرا إلى نفي تلك الأمور، لا غيرها و إلّا لزم عدم مفطرية ما اتّفق الأصحاب عليه كالكذب على اللّه، و البقاء على الجنابة و إن كان عن احتلام، و الحقنة، فالقول بالقضاء هو المتعين.

إنّما الكلام في وجوب الكفارة و لم يذكرها الماتن في الحقنة و

لا في المقام. نعم ذكرها في فصل خاص أعني فيما يوجب الكفارة.

و يمكن تقريب وجوبها، فانّ وجوب الكفارة مترتب في لسان الأدلة على عنوان الإفطار، فعن صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا قال: «يعتق نسمة». «2»

و مثلها صحيحة جميل بن دراج، 3 و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، 4 إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في بابها، هذا من جانب.

و من جانب آخر، حكم على من تقيّأ عن عمد بأنّه أفطر؛ كما هو الحال في صحيحة الحلبي، 5 و موثقة سماعة، 6 و خبر مسعدة بن صدقة. 7 فبضمّ الصغرى الواردة فيها إلى الكبرى الواردة فيما سبق، يحكم على من تقيّأ، بالكفارة.

نعم لا يجري ذلك البيان في الحقنة، لأنّ لسان الروايات هو النهي غاية الأمر إرشاد

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2 و 4.

(3) 5 و 6 و 7. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 5، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

إلى كون الصوم فاسدا، و هل الفساد يلازم الإفطار أو ربما يكون أعم، كما فيما إذا صام رياء و سمعة فصومه فاسد، و ليس هو بمفطر، و لكن التفصيل بين الحقنة و القي ء، إحداث قول ثالث.

هذا و يمكن القول بعدم وجوب الكفّارة بوجوه:

1. خلوّ هذه الروايات الدالّة على الفساد عن ذكر الكفّارة و لو كانت واجبة كان على الإمام، ذكرها

و لو في بعضها.

و أجاب عنه المحقّق الخوئي بأنّ ما ذكره لا يتجاوز عن كونه ظهورا إطلاقيا، و يكفي في التقييد النصّ الوارد بصورة العموم من «أنّ من أفطر متعمدا فعليه الكفّارة».

يلاحظ عليه: أنّ التقييد فرع تسليم صدق الإفطار في مورد الحقنة و القي ء، لما سيوافيك من احتمال انصرافه إلى الأكل و الشرب و استخدامه في المقام لأجل بيان فساد الصوم و وجوب القضاء لا انّهما مثل الأكل و الشرب، و انّه يجب فيهما القضاء و الكفارة.

2. ما ذكره صاحب المصباح: إطلاق اسم الإفطار عليه في بعض الروايات لو سلم كونه حقيقيا، لا يجعله مندرجا في موضوع قوله: «من أفطر متعمدا فعليه كذا»، بعد انصراف هذا الإطلاق عرفا إلى الأكل و الشرب لو لم نقل بكونه حقيقة فيهما، و المراد بلفظ «الإفطار» في مثل هذه الموارد، هو مطلق الإفساد لا التشبيه بالأكل و الشرب حتى يدّعى أنّ مقتضى إطلاق التشبيه مساواتهما في الحكم لا في خصوص القضاء.

مع إمكان أن يقال: إنّه على تقدير إرادة التشبيه ينصرف إلى خصوص القضاء، لأنّه هو الوجه الظاهر الذي ينصرف إليه التشبيه. «1»

______________________________

(1). مصباح الفقيه: 14/ 516، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 241

[المسألة 69: لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا]

المسألة 69: لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا، و لو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختيارا بطل صومه و عليه القضاء و الكفّارة بل تجب كفّارة الجمع إذا كان حراما من جهة خباثته أو غيرها. (1)

______________________________

و أورد عليه السيد الخوئي: فانّه لا واسطة بين الصوم و الإفطار، فإذا فسد صومه فهو غير صائم، فيكون مفطرا، و لا وجه لاختصاصه بالأكل و الشرب.

يلاحظ عليه: بوجود الواسطة بين الصوم

الصحيح و الإفطار، فربما يكون صومه فاسدا لكنّه غير مفطر كما في المرائي و غير الناوي، و على ضوء ذلك فمن تقيّأ عمدا صائم صوما فاسدا و ليس بمفطر.

و ممّا يؤيد عدم وجوب الكفارة قوله في رواية مسعدة بن صدقة: «و عليه الإعادة و إن شاء اللّه عذبه و إن شاء غفر له». «1» فلو كانت الكفارة واجبة، كان عليه أن يقول: عليه الكفارة حتى يكون معفوا قطعا.

و مع تضارب الأدلة و الشكّ في وجوبها، فالأصل عدمها في الحقنة و القي ء و إن كان الاحتياط حسنا. و سيوافيك تفصيل الكلام في الفصل السادس، فانتظر.

(1) التجشّؤ عبارة عن خروج الريح من فم الإنسان مع صوت عند الشبع و هو غير القي ء مفهوما و مصداقا، و قد عبر عنه في الروايات بالقلس. «2»

و الظاهر انّه غير التجشّؤ، و قد فسر بما خرج من البطن إلى الفم من الطعام و الشراب. و سببه عادة عسر الهضم ثمّ إنّ الخارج إذا كان قليلا فهو القلس و إن كان يملأ الفم فهو القي ء.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء: 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 242

..........

______________________________

و على كلّ تقدير: فقد حكم الماتن في هذه المسألة بأمور:

1. لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا، و هو واضح لعدم صدق الأكل أوّلا و تضافر الروايات على أنّ القلس لا يبطل الصوم. «1»

2. لو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختيارا بطل صومه و عليه القضاء و الكفارة، لصدق الأكل المفطّر و لا ينقص ابتلاعه عن

بلع ما يبقى في خلال الأسنان كما مرّ، و يشمله قولهم: «من أفطر متعمدا فعليه الكفّارة».

هذا مقتضى القاعدة و لكن روى الشيخ باسناده عن ابن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء من الطعام أ يفطره ذلك؟

قال: «لا» قلت: فان ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: «لا يفطره ذلك». «2»

و الرواية محمولة على الازدراد، نسيانا لمخالفتها للقاعدة.

3. وجوب الكفارة و قد علم حاله ممّا سبق في الإفطار بالقي ء. و سيوافيك الضابطة فيما يوجب الكفارة في الفصل السادس.

4. كفّارة الجمع إذا كان حراما من جهة خباثته أو غيرها.

أقول: لقد دلّت الروايات على وجوب كفارة الجمع عند الإفطار بحرام، ففي رواية عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عليه السّلام: «متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات». «3» و في مرسلة الفقيه:

«فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه، انّ عليه ثلاث كفارات». 4

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3 و 4.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

(3) 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 243

..........

______________________________

و قد دلت الآية على حرمة الخبائث قال سبحانه: في بيان أوصاف النبي:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1» لكن الكلام في أنّ ما يخرج إلى فضاء الفم هل

هو من الخبائث أو لا؟

قال الفيّومي: يطلق الخبيث على الحرام كالزنا و على الرديّ المستكره طعمه أو ريحه كالثوم و البصل، و منه الخبائث و هي التي كانت العرب تستخبثها مثل الحية و العقرب، قال تعالى: وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ أي لا تخرجوا الرديّ من الصدقة عن الجيّد، و الأخبثان: البول و الغائط. «2»

و على هذا فالشريعة الإسلامية تحلّ الطيبات و تحرّم الخبائث، و الموصوف بهما يكون الفعل، كالنكاح و الزنا و أخرى العين الخارجية أي الشي ء المستكره إلى حدّ يوصف الرديّ من الصدقة بالخبيث، و على ضوء هذا فالخارج من الداخل إلى ظاهر الفم خبيث بالنسبة إلى غير الإنسان و أمّا بالنسبة إليه فلا، كما أنّ ما يزدرده الإنسان، طيب بالنسبة إلى الآكل، دون غيره فصدقه عليه مشكوك جدا.

على أنّه يحتمل في الآية وجه آخر، و هو تحريم الخبائث التي كانت العرب تتداولها و تمارسها، غافلة عن خبثها، كالزنا و القمار، و الميتة و الدم، و الخبيث و إن كان أعم، لكن المحرم منه، شي ء أخص، و ذلك لأنّ الآية بصدد التعريف بالنبي و مدحه، و تحريم ما يستكرهه الناس و يستقذره، ليس أمرا مهمّا، بعد افتراض انّ الناس بطباعهم ينزجرون عنها، بل المراد الأفعال القبيحة التي يمارسها الناس أو الأعيان التي يتغذى منها، بلا استكراه و لا تنفّر، غافلة عمّا فيها من المفاسد

______________________________

(1). الأعراف: 157.

(2). المصباح المنير: 197.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 244

[المسألة 70: لو ابتلع في اللّيل ما يجب عليه قيئه في النهار فسد صومه]

المسألة 70: لو ابتلع في اللّيل ما يجب عليه قيئه في النهار فسد صومه إن كان الإخراج منحصرا في القي ء، و إن لم يكن منحصرا فيه لم يبطل إلّا إذا اختار القي ء مع إمكان

الإخراج بغيره، و يشترط أن يكون ممّا يصدق القي ء على إخراجه، و أمّا لو كان مثل درّة أو بندقة أو درهم أو نحوها ممّا لا يصدق معه القي ء لم يكن مبطلا. (1)

______________________________

و المضار فالنبي حرّمها و منع عنها و أين هو من النخامة أو ما قاءه، أو ما خرج من الداخل إلى ظاهر الفم، التي لا يرغب إليها أحد، فلو افترضنا خبثها فالآية غير ناظرة إليها.

(1) إذا بلع مال الغير قبيل الفجر، و كان الصوم واجبا غير معين و بما انّ ردّ مال الغير واجب يكون المورد من قبيل المتزاحمين من وجوب ردّ مال الغير، و إتمام الصوم فيقدم ما ليس له بدل، أعني: ردّ مال الغير، على ما له بدل، أعني: الصوم، أو كان الصوم واجبا معينا كشهر رمضان لكن كان إبقاؤه في الداخل مضرا للصحّة، فيقدم ما هو الأقوى ملاكا، أعني صيانة النفس عن الضرر.

إذا عرفت موضوع المسألة، فاعلم أنّ له حالتين:

تارة يكون الطريق إلى العمل بالأهم منحصرا بالقي ء، و أخرى يكون له طريقان:

أمّا الصورة الأولى، فقد أفتى الماتن بأنّه يفسد صومه سواء تقيّأ أم لم يتقيّأ.

أمّا إذا تقيّأ فالحكم واضح. و أمّا إذا لم يتقيّأ ففي الحكم ببطلان الصوم وجهان نابعان، من أنّ ترك القي ء جزء للصوم أو القي ء ضد وجودي له. فعلى الثاني يصح و إن عصى و لم يتقيّأ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 245

..........

______________________________

توضيح ما أفاده: هو انّه إذا كان ترك القي ء جزءا للصوم، فالأمر به يكون أمرا بتركه، و المفروض انّه مأمور بالقي ء، لأجل ردّ مال الغير فلا يمكن الأمر بالصوم إذا يكون مآله إلى الأمر بالقي ء و تركه.

فينحصر الأمر في واحد منهما و هو التقيؤ

الذي يعد مقدمة لرد مال الغير بخلاف ما إذا قلنا: القي ء ضد وجودي، و بما انّ الحقّ انّ الأمر بالشي ء لا يستلزم النهي عن ضدّه، أعني: الصوم، غايته عدم الأمر به في عرضه، فإذا يصحّ تعلّق الأمر به في ظرف عصيان الأمر بالأهم، فيكون الأمر الثاني في طول الأمر الأوّل بأن يقال: بأن يأمر بالقي ء و إن عصى فبالصوم، و قد أوضحنا في محله انّ الأمر الثاني على نحو الترتب ممكن و يكفي في وقوعه إمكانه.

فإن قلت: إنّ الأمر على نحو الترتب إنّما يصحّ في الضدين اللّذين لهما ثالث، على وجه لا يستلزم ترك أحدهما، فعل الآخر و بالعكس كما في الإزالة و الصلاة، حيث إنّ ترك الأوّل لا يلازم الصلاة بل يجتمع مع أفعال أخرى فيصحّ الأمر بالإزالة، و الأمر بالصلاة عند ترك الأولى، و أمّا الضدان اللّذان لا ثالث لهما كالحركة و السكون فلا يصحّ تعلق الأمر بالضد الآخر عند ترك الضد، لأنّه يكون من قبيل تحصيل الحاصل، فعند ترك الحركة يكون السكون حاصلا قهرا بلا حاجة إلى الأمر، و المقام من هذا القبيل، فبعصيان الأمر بالأهم، أعني: التقيّؤ، يكون الصوم متحقّقا قهرا من دون حاجة إلى الأمر.

قلت أوّلا: إنّ المخاطب بالأمر الترتبي ليس خصوص المخاطب الذي، يريد الإمساك و الصوم، حتى يكون الأمر به- عند ترك القي ء- تحصيلا للحاصل بل المخاطب مطلق المكلفين، و يكفي في صحّة الأمر الكلي بالمكلّفين وجود الملاك في الغالب و خطابات التكليف، خطابات قانونية لا شخصية، نعم لو قلنا بأنّ لكلّ مكلّف خطابا شخصيا كان لما ذكر وجه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 246

[المسألة 71: إذا أكل في اللّيل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من غير اختيار]

المسألة 71: إذا أكل في اللّيل ما يعلم أنّه يوجب القي ء

في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء. (1)

[المسألة 72: إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب إذا لم يكن حرج و ضرر.]

المسألة 72: إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب إذا لم يكن حرج و ضرر. (2)

______________________________

و ثانيا: ليس القي ء و الإمساك من قبيل الضدين اللّذين لا ثالث لهما، لإمكان أن يترك القى ء و لا يصوم أيضا، بل يأتي بسائر المفطرات.

و إذا لم يكن ردّ مال الغير، أو إخراج ما في الداخل منحصرا بالقي ء، فلا يبطل إلّا إذا اختار القي ء مع إمكان الإخراج بغيره و وجهه واضح.

ثمّ إنّه يشترط في مسألة الصوم أن يكون المخرج مما يصدق عليه القي ء أمّا خروج شي ء من الداخل كالدرهم، الّذي لا يصدق عليه القي ء، فلا يفسد.

(1) وجهان مبنيان على أنّ المفسد هل هو صدق تناول المفطر اختيارا فيفسد في المقام، لأنّ الفعل حين الصدور و إن كان خارجا عن الاختيار، إلّا أنّ مقدمته كانت اختيارية إذ كان في وسعه ترك ما يؤدّي إلى القي ء، أو أنّ المفسد عبارة عن تقيّؤ الصائم عامدا و هو غير متحقّق، و الظاهر هو الأوّل، و هذا نظير ما إذا ذهب بعد الفجر إلى مكان يعلم انّه يجبر فيه، بالإفطار، من دون ملزم للذهاب. و إن لم يكن حين الإفطار مختارا.

(2) وجهه انّه إذا تمكن من الحبس من غير ضرر و حرج يكون القي ء فعلا اختياريا له فيجري عليه حكم المتعمد. و لكن الأقوى عدم الإفساد، و ذلك لأنّ الموضوع هو القي ء الذي يكره نفسه عليه كما في موثقة سماعة: «إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد أفطر و عليه القضاء» و المفروض انّه لا يكره نفسه عليه هو بل يتقيّأ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 247

[المسألة 73: إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه]

المسألة 73: إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه و

لا يكون من القي ء، و لو توقّف إخراجه على القي ء سقط وجوبه و صحّ صومه. (1)

______________________________

باقتضاء الطبع، غاية الأمر انّه يتمكن من الحبس، و هذا لا ينافي كونه ليس بإكراه نفسه، بل بمقتضى طبعه، فإذا كان غير محكوم بالإفساد، فلا يكون الحبس محكوما بالوجوب التكليفي.

(1) المراد من دخولها في حلقه، هو وصوله إلى بداية الحلق دون منتهاه الذي يتحقّق معه البلع. و بعبارة أخرى: وصل إلى مخرج «الخاء» و لم يتجاوزه، فالناس- عند ذاك- حسب طباعهم على صنفين، فمنهم من يتمكن من إخراجه بسهولة بلا تقيّؤ، و منهم من يلازم إخراجه، التقيّؤ.

أمّا الأوّل فيجب إخراجه بوجهين:

1. حرمته التكليفيّة لكونه قذرا، و مضرا، أو خبيثا، و أمّا تعليل حرمة أكلها بكونها غير مذكّى فيدخل في المستثنى منه، من الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ ... إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. «1» فكما ترى لأنّ التقابل بين المذكّى و غير المذكّى تقابل العدم و الملكة، فلا يطلق غير المذكّى إلّا ما كان فيه ملكة التذكية و الذباب ليس كذلك و الأولى تعليلها بما ذكرنا.

2. حرمته الوضعية لصدق الأكل المبطل عليه.

و أمّا الثاني فإذا كان ملازما للقي ء، سقط وجوب إخراجه و صحّ صومه لدوران الأمر بين حرمة الابتلاع، و حرمة إبطال الصوم بالتقيّؤ، و بما انّ الصوم من

______________________________

(1). المائدة: 35.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 248

[المسألة 74: يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا و إن احتمل خروج شي ء من الطعام معه]

المسألة 74: يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا و إن احتمل خروج شي ء من الطعام معه، و أمّا إذا علم بذلك فلا يجوز. (1)

[المسألة 75: إذا ابتلع شيئا سهوا فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق]

المسألة 75: إذا ابتلع شيئا سهوا فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق وجب إخراجه و صحّ صومه، و أمّا إن تذكّر بعد الوصول إليه فلا يجب بل لا يجوز إذا صدق عليه القي ء، و إن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضا مع إمكانه عملا بأصالة عدم الدخول في الحلق. (2)

______________________________

الفرائض التي بني عليها الإسلام، فصيانته من البطلان أهمّ من ابتلاع الذباب الذي ليست حرمته في الأهمية كوجوب الصوم.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان المفروض فيما إذا لم يبلغ منتهى الحلق الذي يتحقّق بعده البلع، فصومه باطل على كلّ تقدير، إمّا للبلع إذا لم يخرج، أو للقي ء إذا أخرجه. و بالجملة فأمره دائر بين أحد أمرين اختياريين و كلّ منهما مفطر للصوم، فلا يصحّ عدّ حفظ الصوم مرجحا، بل يمكن أن يقال انّ الإخراج مع القي ء أولى من تركه، إذ فيه إبطال للصوم عن عذر، و في الثاني إبطال له أوّلا كذلك، و مخالفة للتكليف بحرمة أكل الذباب ثانيا.

(1) الظاهر الجواز مطلقا، أمّا الاوّل، فلإطلاق ما دلّ على جوازه «1»؛ و أمّا الثاني، فلأنّ المبطل هو القي ء و ليس مثله قيئا.

(2) الظاهر انّ المراد من عدم الوصول إلى الحلق أو الوصول إليه هو ما يأتي منه قدّس سرّه في المسألة 76 من عدم الوصول إلى الحدّ من الحلق كمخرج الخاء أو وصوله إليه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 249

[المسألة 76: إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة]

المسألة 76: إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة، فدخل في حلقه ذباب أو بقّ أو نحوهما أو شي ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه و توقّف إخراجه على

إبطال الصلاة بالتكلّم بأخ أو بغير ذلك، فإن أمكن التحفّظ و الإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب، و إن لم يمكن ذلك و دار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج فإن لم

______________________________

و إن شئت قلت: المقصود وصوله إلى حدّ لم يبلغ مرتبة البلع و إلى حدّ يصدق عليه البلع، و على هذا لا يرد عليه ما ورد في بعض التعاليق من أنّ الميزان لجواز البلع ليس الوصول إلى الحلق، لأنّه لا تأثير له في جواز بلعه و عدم إبطاله للصوم، فيجب إخراجه ما لم ينزل إلى الجوف و لا يعد مثله قيئا. «1»

و إن شئت قلت: إنّ مراده من قبل الوصول إلى الحلق و هو عدم وصوله إلى منتهاه الذي لا يصدق عنده البلع و من بعد وصوله إليه الذي يصدق معه البلع.

و على ذلك فما ذكره وجيه لا إشكال فيه، إذ على الأوّل يجب إخراجه لعدم بلعه، و على الثاني لا يجب لتحقّق الأكل و البلع، فلا دليل على إخراج ما أكله سهوا، فربما يصدق عليه القي ء.

نعم لو شكّ في ذلك، فقد أفتى المصنف بوجوب إخراجه مع إمكانه عملا بأصالة عدم الدخول في الحلق.

و لكن الأصل لا أصل له، لأنّ الموضوع هو الأكل و الشرب، و الأصل المزبور لا يثبت كون ابتلاعه أكلا و شربا.

نعم يمكن أن يقال بأنّ الأصل وجوب إخراجه سابقا قبل أن يصل إلى هذا الحدّ، و الأصل بقاؤه لعدم العلم بتجاوزه عن الحدّ الذي لا يجب إخراجه.

______________________________

(1). تعليقة السيد البروجردي على العروة الوثقى.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 250

يصل إلى الحدّ من الحلق كمخرج الخاء و كان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه كالذباب و نحوه،

وجب قطع الصلاة بإخراجه، و لو في ضيق وقت الصلاة، و إن كان مما يحل بلعه في ذاته كبقايا الطعام، ففي سعة الوقت للصلاة و لو بإدراك ركعة منه يجب القطع و الإخراج، و في الضيق يجب البلع و إبطال الصوم تقديما لجانب الصلاة لأهميّتها، و إن وصل إلى الحدّ فمع كونه ممّا يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة و إبطالها على إشكال، و إن كان مثل بقايا الطعام لم يجب و صحّت صلاته و صحّ صومه على التقديرين لعدم عدّ إخراج مثله قيئا في العرف. (1)

______________________________

(1) مجموع الصور الأصليّة لا يتجاوز عن خمس.

إذا دخل في حلقه شي ء فتوقف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم ب «أخ» أو لغير ذلك.

إمّا يمكن له التحفظ إلى الفراغ عن الصلاة، أو لا يمكن؛ و على التقدير الثاني: فإمّا أن لا يصل إلى حدّ الخاء أو يصل، و على التقديرين إمّا أن يحرم بلعه كالذباب، أو لا كبقايا الطعام. و إليك بيان الصور:

الأولى: إذا أمكن التحفظ وجب، لحرمة قطع الصلاة الواجبة.

الثانية: أعني: ما إذا لم يمكن التحفظ إلى الفراغ عن الصلاة و لم يصل إلى حد الخاء من الحلق، و كان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه كالذباب، فقد أفتى الماتن بقطع الصلاة كان الوقت وسيعا أم ضيقا، أدرك ركعة منها أو لا.

أمّا إذا كان الوقت وسيعا، أو أمكن إتيان ركعة منها في الوقت فلا إشكال فيه، و أمّا إذا استلزم فوات الصلاة بالمرة فجواز القطع غير ظاهر إذ كيف يجوز تركها لأجل امتثال النهي عن أكل الحرام.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 251

[المسألة 77: قيل: يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا]

المسألة 77: قيل: يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا، و

هو مشكل مع الوصول إلى الحدّ، فالأحوط الترك. (1)

______________________________

و الظاهر انّ حكم تلك الصورة حكم الصورة الآتية من لزوم إبطال الصلاة، إلّا إذا لم يبق شي ء من الوقت.

الثالثة: تلك الصورة و لكن كان ممّا يحل بلعه في ذاته ففي سعة الوقت- و لو بإدراك ركعة منه- يجب القطع و الإخراج، و في الضيق يجب البلع و إبطال الصوم تقديما لجانب الصلاة لأهميتها.

الرابعة: تلك الصورة و كان ممّا يحرم بلعه. فقال الماتن: وجب إخراجه بقطع الصلاة و إبطالها، على إشكال، و على ضوء ما ذكرنا يجب أن يقول وجب القطع إلّا أن يستلزم فوت الصلاة بالمرة، فيقدم على امتثال النهي عن أكل الحرام.

و يمكن أن يقال: يختلف حكم هذه الصورة مع حكم الصورة الثانية، فانّ الأمر فيها دائر بين الحرمتين: التكليفية و الوضعية و بين قطع الصلاة، و أمّا المقام فلا دليل على حرمة بلعه إذا دخل الجوف و تمّ الأكل كما لا دليل على إبطالها الصوم. فالظاهر انّه يقدم الصلاة في جميع الأوقات في سعة الوقت و ضيقه.

الخامسة: تلك الصورة و كان بلعها أمرا حلالا، فيظهر حالها ممّا ذكرنا في الصورة الرابعة، بل أولى منها لعدم الشبهة التكليفية فيه و يبقى احتمال الحرمة الوضعية و إبطاله الصوم، و قد عرفت عدم كونه مبطلا لتحقق الأكل بلا اختيار.

(1) الظاهر الجواز لعدم صدق القي ء، و قد تقدم من الماتن في المسألة الخامسة من ذلك الفصل انّه لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف و إن كان متعمدا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 252

[المسألة 78: لا بأس بالتجشّؤ القهريّ]

المسألة 78: لا بأس بالتجشّؤ القهريّ و إن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم و رجع

بل لا بأس بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم أنّه يخرج معه شي ء من الطعام و إن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه و لو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه و إن كان الأحوط القضاء. (1)

______________________________

(1) أمّا إذا كان خارجا عن الاختيار فواضح و إن رجع إلى الداخل، و أمّا إذا كان عن عمد، فقد خصّ المصنف الجواز بما إذا لم يعلم انّه يخرج معه شي ء من الطعام، و قد عرفت جوازه حتى مع العلم بالخروج ما لم يصدق عليه التقيّؤ.

كما أنّه إذا سبقه الرجوع إلى الحلق، لا يبطل ما لم يصدق عليه الأكل تعمّدا و اختيارا، كما سيوافيك في الفصل التالي.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 253

[الفصل الثالث في شرطية العمد و الاختيار]

اشارة

الفصل الثالث في شرطية العمد و الاختيار المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الّذي مرّ الكلام فيه تفصيلا إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد و الاختيار، و أمّا مع السهو و عدم القصد فلا توجبه من غير فرق بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن و الموسّع و المندوب، و لا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه و العالم، و لا بين المكره و غيره، فلو أكره على الإفطار فأفطر مباشرة فرارا عن الضرر المترتّب على تركه بطل صومه على الأقوى، نعم لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع أربعة:

1. يعتبر في غير البقاء على الجنابة- على التفصيل المذكور- العمد و الاختيار في الإفطار، فلو صدر بدونهما سواء صدر بلا قصد إلى فعل المبطل، كما إذا قاء بلا اختيار، أو احتلم، أو سبق ماء المضمضة، أو صدر مع القصد إليه، لكن ناسيا

صومه.

2. لا فرق في ذلك الحكم بين أقسام الصوم من الواجب المعيّن و الموسع و المندوب.

3. لا فرق في البطلان بين الجاهل بالحكم تقصيرا أو قصورا و العالم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 254

..........

______________________________

4. لا فرق بين المكره و غيره، إلّا إذا لم يصدق العمد كما إذا وجر في حلقه.

و إليك دراسة الفروع واحدا تلو الآخر.

أمّا الأوّل: أي إذا صدر عنه الفعل بلا قصد. فيدلّ على عدم كونه مفطرا، الأمور التالية:

1. تقييد القي ء بالعمد مثل قوله: «إن ذرعه من غير أن يتقيّأ» و «أو تقيأ من غير عمد». «1»

2. ما جاء في تعليل عدم مفطرية الاحتلام من أنّ «النكاح فعله، و الاحتلام مفعول به». «2»

3. ما ورد في سبق ماء المضمضة انّه: «إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فليس عليه شي ء، و قد تمّ صومه». «3»

4. ما دلّ على أنّه لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال. «4» و هو ظاهر في الاجتناب عن اختيار.

5. ما دلّ على صحّة صوم الناسي، مع كونه متعمدا و قاصدا إلى ذات الفعل. ففيما لا قصد فيه إلى الفعل يكون صحيحا بطريق أولى.

و المجموع يشرف الفقيه على القطع بالحكم مضافا إلى كونه أمرا متسالما عليه.

و أمّا إذا قصد الفعل، و لكن نسي كونه صائما، فيدل عليه ما مضى في محله

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2 و غيرهما.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك

عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 255

..........

______________________________

من صحّة صوم الناسي إذا تناول المفطر أو جامع ناسيا «1» و في بعضها: «إنّما هو شي ء رزقه اللّه فليتم صومه أو شي ء أطعمه اللّه إياه».

و ربّما يستدل بما دلّ على القضاء فيمن أفطر متعمدا. و قد استشكل عليه:

بأنّ القيد ورد في أربعة مواضع «2» في سؤال الرواة، و مورد واحد في جواب الإمام «3».

فالأوّل: لا يحتج به، لأنّ اختصاص سؤاله بالعمد لا يدل على اختصاص الجواب به. و أمّا الثاني: فقد جاء في الجواب: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم» فالجزاء فيها مجموع الحكمين: القضاء و الكفارة، فلا تدل على تقييد القضاء به.

يلاحظ عليه: أنّ ورود القيد في كلام الرواة غير مرة يدل على وجود ارتكاز عندهم على صحّة صوم غير العامد، و إلّا فلا معنى لوروده مرة بعد أخرى، مضافا إلى عدم تعرض الإمام إلى سعة الحكم و انّ العمد لا مدخلية له في الحكم.

أمّا الثاني: أي عدم الفرق بين أقسام الصوم، فيدل عليه إطلاق رواية الحلبي، «4» و عمار بن موسى، 5 و الزهري، 6 و محمد بن قيس، 7 و عمار الساباطي، 8 و خصوص رواية أبي بصير في النافلة، 9 و التعميم في مرسلة الفقيه، 10 مضافا إلى الاتّفاق المحكي و عدم الخلاف.

أمّا الثالث: أي عدم الفرق بين العالم و الجاهل مقصرا أو قاصرا، فهذا ما سنطرحه تاليا.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، جميع أحاديثه.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، 1، 2، 4، 13.

(3). الوسائل: الجزء 7،

الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 11.

(4) 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10. الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 7، 9، 11، 10، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 256

..........

______________________________

عموم الحكم للعالم و الجاهل قد تقدمت شرطية العمد و الاختيار في مفطرية الأمور الماضية، بقي الكلام في شرطية العلم بالحكم و عدمها، فالمشهور على عدم اشتراطه، و انّ العالم و الجاهل في الوضع و التكليف سيّان، و استدلوا على ذلك بالأمور التالية:

1. عموم أدلّة المفطرات و شمولها للعالم و الجاهل.

2. انّ تخصيص الأحكام بالعالم، أمر مشكل حتى قيل انّه يستلزم الدور.

يلاحظ عليه: أنّه غير صحيح لإمكان تخصيصه به بدليل ثان غير الدليل الأوّل المتضمن لتشريع الحكم.

3. انّ تعلّق العلم و الجهل بالأحكام، دليل ارتكازي على عمومه لهما، و إلّا يكون التقسيم غير صحيح.

ثمّ إنّ البحث في المقام، يرجع إلى الجاهل المقصر التارك للفحص، و أمّا القائم بالفحص و عدم العثور على دليل و مع استقلال عقله بالبراءة أو حكم الشرع عليه بالرفع فهو خارج عن مصبّ الحكم داخل في مبحث الإجزاء و التعبد بالأحكام الظاهرية.

نعم خرج عن تحت القاعدة الموارد التالية:

1. من جهر في موضع المخافتة و خافت في موضع الجهر.

2. من أتم في موضع القصر، و لا عكس.

3. من تزوّج في العدة بلا دخول و كان جاهلا بالتحريم. «1»

و أمّا ما عدا ذلك، فالجاهل و العالم سيان عملا بالإطلاقات إلّا ما خرج

______________________________

(1). دلت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، راجع الوسائل: الجزء 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 257

..........

______________________________

بالدليل.

و ذهب صاحب الحدائق في المقام (و تبعه السيد الحكيم في خصوص الجاهل المقصر غير المردّد) إلى اختصاص البطلان بالعالم بالحكم مستدلين بالروايتين التاليتين:

1. موثقة زرارة و أبي بصير قالا جميعا: سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له؟

قال: «ليس عليه شي ء». «1»

وجه الاستدلال: انّ بين مفاد الإطلاقات و الموثقة عموما و خصوصا من وجه؛ فالأولى عامة من حيث شمولها العالم و الجاهل، و خاصة باختصاصها بالقضاء؛ و الثانية عامة لشمول النفي، القضاء و الكفارة، و خاصة باختصاصها بالجاهل، فيتعارضان في الجاهل في مورد القضاء و يتساقطان، و يكون المرجع الأصل العملي، و هو البراءة من وجوبه.

و أجيب عن الاستدلال: بأنّ المنفيّ في ظرف الجهل إنّما هو الأثر المترتب على الفعل و انّه ليس عليه شي ء من ناحية الفعل الصادر عن جهل لا ما يترتب على الترك، و من المعلوم أنّ الأثر المترتب على الفعل، أعني: الإفطار، إنّما هو الكفّارة فقط، فهي المنفي؛ و أمّا القضاء، فليس هو من آثار الفعل، و إنّما هو من آثار ترك الصوم، و عدم الإتيان به في ظرفه على وجهه، فهو أثر للعدم لا للوجود.

نعم لأجل الملازمة بين الأمرين، أعني: الإفطار و ترك الصوم، صحّ اسناد أثر أحدهما إلى الآخر مجازا و بنحو من العناية فيقال: الإفطار موجب للقضاء مع أنّ الموجب لازمه و هو ترك الصوم. «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 12.

(2). مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 254.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 258

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره

دقة فلسفية لا يلتفت إليه العرف، و لذلك نرى أنّ القضاء في بعض الروايات، رتب على نفس الإفطار، بدون تجوّز و عناية. «1»

و الأولى أن يقال انّ المدّعى صحيح، و لكن وجه اختصاص الموثقة بالكفارة هو انّ المرتكز في ذهن الرواة في هذه الموارد، هو ترتب الكفارة و عدمها، (لا القضاء) و كأنّ القضاء كان أمرا مسلّما، و يدل على ذلك رواية الصدوق عن أبي جعفر عليه السّلام: انّ رجل أتى النبي فقال: هلكت و أهلكت فقال: ما أهلكك؟ فقال:

أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم فقال النبي: «اعتق رقبة». «2»

و بما انّ السؤال كان عن كيفية الخروج عن المهلكة أشار النبي إلى الكفارة دون القضاء و كأنّه كان أمرا مسلما، و عليه فالرواية ناظرة لمثل هذه الحادثة.

2. ما رواه عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: جاء رجل يلبّي حتى دخل المسجد و هو يلبّي و عليه قميصه، فوثب إليه ناس من أصحاب أبي حنيفة، فقالوا: شقّ قميصك و أخرجه من رجليك، فانّ عليك بدنة و عليك الحجّ من قابل، و حجّك فاسد. فطلع أبو عبد اللّه عليه السّلام على باب المسجد فكبّر و استقبل الكعبة، فدنا الرجل من أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو ينتف شعره و يضرب وجهه، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اسكن يا عبد اللّه» فلمّا كلمه- و كان الرجل أعجميا- فقال: ما تقول؟ قال: كنت رجلا أعمل بيدي، فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي ء، فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي و انّ حجّي فاسد و انّ عليّ بدنة فقال له: «متى لبست قميصك

أبعد ما لبيّت أم قبل؟» قال:

قبل أن ألبّي، قال: «فاخرجه من رأسك، فانّه ليس عليك بدنة و ليس عليك حجّ من قابل. أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه. طف بالبيت سبعا و صلّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام واسع بين الصفا و المروة، و قصّر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلّ بالحج، و اصنع كما يصنع الناس». «1»

يلاحظ عليه: أنّ لبس ثوبي الإحرام واجب و لكن لا يبطل الإحرام بتركه، و في المدارك: و لو أخل باللّبس ابتداء، فقد ذكر جمع من الأصحاب انّه لا يبطل إحرامه و إن أثم، و هو حسن، لإطلاق ما دلّ على حصول الإحرام بالنية و التلبية. «2»

و على فرض شرطية الثوب في صحّة الإحرام، فالرجل قد كان واجدا لهذا الشرط، و إن كان مقرونا بالمانع و هو لبس المخيط تحته، فعلى هذا فلم يفته شي ء من الفريضة، أمّا الإحرام فقد أحرم، و أمّا سائر الأعمال فقد أمر الإمام بالإتيان بها و لم يفته شي ء، و لذلك أمر الإمام بالاستمرار على العمل.

فقوله: أي رجل ركب أمرا لجهالة فلا شي ء عليه، يريد مثل هذا الرجل الذي لم يفته من الفريضة شي ء، غير انّه يحتمل لزوم الكفّارة عليه فنفاها الإمام بحجّة انّها للعالم لا للجاهل، و ليس لقوله: «أي رجل ركب ...» مطلق الجاهل الذي ترك الفريضة و أبطلها، كما لا يخفى.

و أمّا الفرع الرابع فهو ما يلي ضمن أمرين:

1. لا فرق

بين المكره و غيره لو أكره على الإفطار فأفطر مباشرة فرارا عن الضرر المترتب على ترك ما أكره عليه، بطل صومه، و ذلك لإطلاق أدلّة المفطرات، و لا وجه لانصرافها عن الإفطار عن إكراه بعد كونه فعلا اختياريا و إن لم يكن بطيب النفس عليه.

و يؤيده ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بطرق متعددة: «إفطاري يوما و قضاؤه

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 10، الباب 45 من أبواب تروك الاحرام من كتاب الحج، الحديث 3.

(2). الجواهر: 18/ 234.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 260

..........

______________________________

أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه». «1»

يلاحظ عليه: بما ذكرنا سابقا من نظائر المقام، و هو انّه إذا قلنا بالإجزاء في مورد امتثال أمر المولى بالأمر الظاهري أو الواقعي الثانوي، كالتقية و الإكراه و الاضطرار، أو أصل البراءة عند الجهل، يكون الإجزاء موافقا للقاعدة، فإذا أفطر في جزء من الزمان و أمسك الباقي، يكون أشبه بمن ترك جزء الصلاة، جهلا أو نسيانا أو اضطرارا و قد امتثل أمر المولى في عامة الزمان، إلّا في جزء خاص، فإذا كان الإفطار مرفوعا، و كان الإفطار كلا إفطار، صحّ صومه، و لو لا ظهور الاتفاق على القضاء و ما عرفت من المرسلة لكان القول بعدم القضاء أوجه.

و الظاهر من الشيخ الطوسي صحّة الصوم و عدم وجوب القضاء و الكفارة قال: من أكره على الإفطار لم يفطر، و لم يلزمه شي ء، سواء كان إكراه قهر، أو إكراه على أن يفعل باختياره.

و قال الشافعي: إن أكره إكراه قهر مثل أن يصبّ الماء في حلقه لم يفطر، و إن أكره حتى أكل بنفسه فعلى قولين.

ثمّ استدل بحديث الرفع. «2»

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي

استقرب البطلان بالبيان التالي: إنّ الأمر بالصوم قد تعلّق بمجموع التروك من أوّل الفجر إلى الغروب، و ليس كلّ واحد من هذه التروك متعلّقا لأمر استقلالي، بل الجميع تابع للأمر النفسي الوجداني المتعلّق بالمركب، فإذا تعلّق الإكراه بواحد من تلك الأجزاء، فمعنى رفع الأمر به، رفع الأمر النفسي المتعلّق بالمجموع المركب، لعدم تمكنه حينئذ من امتثال الأمر بالاجتناب عن

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(2). الخلاف: 2/ 195، كتاب الصوم، المسألة 46.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

مجموع هذه الأمور، فإذا سقط ذلك الأمر، بحديث الرفع، فتعلّق الأمر حينئذ بغيره يحتاج إلى الدليل. «1»

و من المعلوم أنّ حديث الرفع شأنه الرفع لا الوضع. فهو لا يتكفّل لنفي المفطرية عن الفعل الصادر عن إكراه لينتج كون الباقي مأمورا به و مجزيا.

يلاحظ عليه: أنّه ليس للأوامر الضمنية واقعية سوى انبساط الأمر الوحداني على الأجزاء من خلال تعلّقه بالعنوان الذي هو نفس الأجزاء في ثوب الوحدة، كما أنّ الأجزاء عبارة عن نفس العنوان في مرآة الكثرة. و على ذلك فليس تعلّق الأمر النفسي بكلّ جزء رهن تعلّقه بالجزء الآخر و إلّا يكون من قبيل الواجب بشرط شي ء، و هو خلاف المفروض، بل الواجب كلّ جزء من الأجزاء في حال وجوب الجزء الآخر.

فلو دلّ الدليل على سقوط الأمر عن جزء خاص، فلا يكون دليلا على سقوطه عن الجزء الآخر.

و يظهر ذلك بما ذكرناه في محلّه من أنّ دعوة الأمر إلى كلّ جزء بنفس دعوته إلى الكل، لا بدعوة خاصة و انّ الإتيان بكلّ جزء، امتثال للأمر النفسي، لا للأمر الضمني الموهوم، و بما انّ ماهية المأمور به أمر تدريجي،

يكون امتثاله أيضا تدريجيا.

2. الإيجار في حلقه لو أجر في حلقه من غير مباشرة لم يبطل لعدم صدق الإفطار عن اختيار.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 258.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 262

[المسألة 1: إذا أكل ناسيا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه]

المسألة 1: إذا أكل ناسيا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه، و كذا لو أكل بتخيّل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله فذكر أنّه واجب. (1)

______________________________

(1) قال الشيخ: إذا أكل ناسيا فاعتقد انّه أفطر، فجامع، وجب عليه الكفارة.

و قال الشافعي في الأمّ: لا كفارة عليه.

دليلنا: انّه وطء في صوم صحيح في شهر رمضان يجب أن تلزمه الكفارة لدخوله تحت عموم الأخبار الواردة في هذا المعنى. «1»

أقول: المسألة مزيجة من النسيان و الجهل، و قد تقدم انّ الإفطار في صورة النسيان، لا يبطل كما أنّه في صورة الجهل بالحكم يبطل، فيقع الكلام فيما إذا اجتمع النسيان مع الجهل، كما إذا أكل ناسيا، فظن فساد صومه- جهلا- فأفطر عامدا. فهو ملحق بالجاهل، لأنّ الإفطار الأوّل و إن كان مستندا إلى النسيان، لكن الثاني مستند إلى الجهل بالحكم حيث زعم فساد صومه، فأفطر مع أنّ صومه كان صحيحا و كان عليه الإمساك إلى الليل، فيشمله حكم الجاهل من لزوم القضاء.

نعم هنا فرق بين المقام و ما تقدم من الجاهل بالحكم، حيث إنّ الثاني يعتقد بكونه صائما و يجهل بكون الارتماس مثلا مفطّرا، بخلاف المقام حيث يعتقد فيه بأنّه غير صائم، و يعلم أنّ ما يتناوله- لو كان صائما- مفطر.

و لكن هذا المقدار من التفاوت لا يؤثر في الحكم، فكلّ واحد تناول المفطر بزعم انّه حلال، غير انّ المبدأ لارتكابه يكون تارة الجهل بكونه مفطرا، و أخرى الجهل بحكم صومه الذي أفطره نسيانا،

فمقتضى إطلاقات أدلة المفطرات هو بطلان صومه و عليه القضاء.

ثمّ إنّ السيد الحكيم قدّس سرّه حاول إبداء الفرق بين الصورتين، و قال بأنّه لو قلنا

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 190، كتاب الصوم، المسألة 39.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 263

[المسألة 2: إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه]

المسألة 2: إذا أفطر تقيّة من ظالم بطل صومه. (1)

______________________________

بدخول الصورة الأولى تحت موثقة زرارة أو صحيحة عبد الصمد، فلا وجه لإدخال الثانية تحتهما، و حاول السيد الخوئي مساواتهما أمامهما و انّ الفرق غير فارق.

و نحن في غنى عن الأمرين لما عرفت من أنّهما غير ناظرين إلى سقوط القضاء عن الجاهل بالحكم، بل تدلّان على نفي الكفارة عنه.

ثمّ إنّ لفظة «فظن» في عبارة المصنّف بمعنى الاطمئنان و العلم العرفي، و إن شئت قلت: بمعنى «اعتقد»، و إلّا فلو كان بمعنى الظن المقابل لليقين يكون البطلان واضحا غير محتاج إلى البحث لصدق التعمد بخلاف صورة القطع، إذ يكون للبحث فيه مجال.

(1) التقيّة من ظالم في شهر رمضان يتصور على وجهين:

1. التقيّة في كيفية الصيام بإتيان ما لا يرونه مفطرا كالإفطار قبل ذهاب الحمرة و الارتماس في الماء، كلّ ذلك تقية.

2. التقية في ترك الصوم كالإفطار يوم العيد.

هل يبطل الصوم في كلتا الصورتين اعتمادا على أدلّة القضاء، أو يصحّ مطلقا اعتمادا على نصوص مشروعية التقية، أو يفصل بينهما بالصحّة في الأولى و البطلان في الثانية، كما هو المحكيّ عن نجاة العباد من الإجزاء إذا تناول ما ليس مفطرا عندهم، أو أفطر قبل الغروب تقية، و وجوب القضاء فيما لو أفطر بما هو مفطر عندهم، وجوه ثلاثة:

و المهم دراسة أدلّة التقية، و مقدار دلالتها على الإجزاء.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام

صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 264

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

و حاصل الفرق انّه لو صام على طريقتهم كما إذا اجتنب عن الأكل و الشرب و الجماع و لم يجتنب عن الارتماس، فهو جدير بالبحث، و انّ أدلّة التقية هل تتكفل بإضفاء الصحّة على العمل؟ و أمّا لو أفطر بشي ء اتّفق الفريقان على كونه مفطّرا كالأكل في آخر شهر رمضان و قد حكم حاكم الجور بكونه يوم الفطر و كانت المخالفة مظنة الضرر، فلا موضوع للبحث عن الإجزاء، لأنّه لم يصم و لم يأت بعمل عبادي، حتى يقوم الناقص مكان الكامل، نظير ما إذا لم يصلّ تقية من الكافر.

أقول: قد تقدم الكلام في المكره من أنّه إذا صام طول النهار و أكره على الأكل في فترة منه، فقد قلنا بقيام العمل الناقص مكان الكامل، و ليس هذا مثل ما إذا لم يأت بعمل بتاتا و في المقام، لو أفطر بمقدار ارتفعت به التقية، و صام إلى الليل، فيقع البحث في إقامة العمل الناقص مكان الكامل.

و على كلّ تقدير فسواء أ كان البحث مركزا على القسم الأوّل أو عامّا يعم القسمين، يقع الكلام في مفاد أحاديث التقية.

أمّا صحّة العمل الجاري على وفق التقية، كما إذا فقد الشرط أو الجزاء و اقترن بالمانع فيدل عليه الروايات في الأبواب التالية، و نقتصر في كلّ باب برواية واحدة.

1. وجوب غسل الرجلين تقية عن داود بن زربي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟ فقال لي:

«توضأ ثلاثا، ثلاثا»، قال: ثمّ قال لي: «أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟» قلت:

بلى، قال: فكنت يوما أتوضأ

في دار المهدي، فرآني بعضهم و أنا لا أعلم به.

فقال: كذب من زعم أنّك فلاني و أنت تتوضأ هذا الوضوء قال: فقلت: لهذا و اللّه أمرني. «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 32 من أبواب الوضوء، الحديث 1. و لاحظ الحديث 2 و 3 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

2. جواز الصلاة خلف المخالف تقية روى حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل، كان كمن صلّى خلف رسول اللّه في الصفّ الأوّل». «1»

روى عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: إنّي أدخل المسجد و قد صلّيت، فأصلّي معهم فلا احتسب بتلك الصلاة؟ قال: «لا بأس، و أمّا أنا فأصلّي معهم و أريهم أنّي أسجد و ما أسجد». «2»

عن سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: «إن كان إماما عدلا فليصلّ أخرى، و ينصرف، و يجعلهما تطوّعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل، فليبن على صلاته كما هو، و يصلّي ركعة أخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع، فانّ التقية واسعة». «3»

3. الاتّباع في الفطر و الأضحى روى أبو الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام انّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحّي فقال: «الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحّي

الناس، و الصوم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1. و لاحظ: الحديث: 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10.

(2). الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8 و غيره.

(3). الوسائل: الجزء 5، الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 266

..........

______________________________

يوم يصوم الناس». «1»

نعم القدر المتيقن من الرواية هو عدم تبيين الخلاف بقرينة قوله: إنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، و لا يعمّ العلم بالخلاف، لكن في سائر الروايات و ما يأتي غنى و كفاية.

هذا بعض ما ورد من الروايات الواردة في أبواب خاصة.

ثمّ إنّ هنا روايات، يستفاد منها مضيّ كلّ عمل أتى به المكلّف عن تقية:

1. روى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر انّه يقول: «التقية في كلّ شي ء يضطر إليه ابن آدم، فقد أحلّه اللّه له». «2» و السند ينتهي إلى الأكابر من أصحاب الإمام أبي جعفر عليه السّلام، كإسماعيل بن جابر الجعفي الذي وثّقه الشيخ و العلّامة، و معمر بن يحيى بن سالم- كما في نسخة الوسائل، أو ابن سام كما في نسخة رجال النجاشي، أو مسافر كما في رجال ابن داود و قال: كذا رأيته بخط الشيخ أبي جعفر رحمه اللّه عرّفه النجاشي بقوله: كوفي عربي، صميم، ثقة متقدم- و محمد بن مسلم و زرارة.

و المراد من قوله: «أحلّه اللّه» هو الحلية الوضعية مثل قوله سبحانه: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا. «3» فإذا كان نافذا، وضعا يكون حلالا شرعا و معنى تنفيذه انّه يترتب عليه آثار الصحة و سقوط القضاء و الإعادة.

و ليس

المراد مجرّد الحلية التكليفية، فقط إذ لم تكن الحلية به بهذا المعنى أمرا خفيا على شيعتهم إذا عملوا بالتقية و أعادوا العمل في الوقت أو خارجه، و إنّما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 7.

(2). الوسائل: الجزء 11، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الحديث 2.

(3). البقرة: 275.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 267

..........

______________________________

الخفي هو قيام ذلك العمل الموافق لمذهب المخالف، مكان العمل الموافق للمذهب الحقّ.

و قد روى الكليني عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «التقية في كلّ ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به». «1»

و روى البرقي في المحاسن عن معمر «2» بن يحيى بن سالم، عن أبي جعفر عليه السّلام: «التقية في كلّ ضرورة». «3» و المجموع رواية واحدة لاتحاد المروي عنه راويا و إماما، و قد نقلت الأخيرتان غير كاملتين و إذا دار الأمر بين النقيصة و الزيادة السهويين، فالنقيصة أولى، لكثرة النقيصة السهوية و ندرة الزيادة كذلك.

2. روى الكليني بسند صحيح عن هارون بن مسلم السرمن رائي الثقة، عن مسعدة بن صدقة- الزيدي البتريّ الذي يقول في حقّه العلّامة المامقاني: و الإنصاف انّ الرجل ثقة- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل: «فكلّ شي ء يعمل المؤمن، بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز». 4

و طريق الاستدلال واحد.

ثمّ إنّ هناك طريقا آخر لإثبات إجزاء العمل الصادر عن تقية، و هو انّ الروايات الكثيرة الهائلة الباعثة إلى العمل بالتقية في كلّ شئون الدين على نحو يقول الإمام: «لا دين لمن لا تقيه له». 5 تدل بالملازمة العادية على أنّ الشارع اكتفى في

امتثال أوامره و نواهيه في ظروف الاضطرار و الخوف على النفس و العرض

______________________________

(1) 1 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 11، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 1، 8، 6.

(2). و في الوسائل المطبوع عمر مكان معمر و هو تصحيف.

(3) 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

و المال، بأداء العمل على النهج المألوف بين أهل الخلاف، إذ لو كان العمل غير مجز كان عليه التصريح بلزوم الإعادة و القضاء و لو مرّة واحدة مع أنّك لا تجد بين هذه الروايات الكثيرة التي يبلغ عددها إلى أربع و خمسين رواية «1» ما يدلّ على لزوم الإعادة و القضاء، و قد قلنا في مبحث الإجزاء من علم الأصول انّ في الأمر بالعمل بالأمارة في الأجزاء و الشرائط و الموانع، دلالة واضحة على أنّ الشارع اكتفى في امتثال سننه و فرائضه و مكروهاته و محظوراته على ما يصل إلى المكلّف من خلال الأمارة و سائر الحجج الشرعية، و القول بعدم الإجزاء في مورد التقية مطلقا أو الاقتصار في القول بالاجتزاء بباب الطهارة و الصلاة، كما عليه السيد المحقّق الخوئي في مستند العروة، كأنّه في غير محلّه.

ثمّ إنّ السيد الحكيم قدّس سرّه استدل برواية لا دلالة لها على الإجزاء قال: ظاهر جملة من النصوص الواردة في الأمر بالتقية: صحّة العمل الجاري على طبق التقية و إن وجد مانعا أو فقد شرطا أو جزءا، مثل المصحح عن أبي عمر الأعجمي: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا عمر انّ تسعة أعشار الدين التقية. و لا دين لمن لا تقية له. و

التقية في كلّ شي ء، إلّا في النبيذ، و المسح على الخفين». «2» فانّ استثناء المسح على الخفين يقتضي شمول المستثنى منه للحكم الوضعي، و مصحح زرارة: «قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال عليه السّلام: «ثلاثة لا أتّقي فيهن أحدا: شرب المسكر، و مسح الخفين، و متعة الحجّ» «3». «4»

و أورد عليه السيد الخوئي قدّس سرّه بأنّ الرواية قاصرة الدلالة، فإنّ الاستثناء في

______________________________

(1). جامع أحاديث الشيعة، الجزء 14، الباب 1 من أبواب وجوب التقية، و لاحظ سائر الأبواب.

(2). الوسائل: الجزء 11، الباب 24 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3؛ و الباب 25 من هذه الأبواب، الحديث 3.

(3). الوسائل: الجزء 11، الباب 25 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

(4). مستمسك العروة الوثقى: 8/ 320.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 269

[المسألة 3: إذا كانت اللقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر]

المسألة 3: إذا كانت اللقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر وجب إخراجها، و إن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه، بل تجب الكفّارة

______________________________

قوله: «التقية في كلّ شي ء إلا ...» استثناء عما ثبت، و الذي ثبت، هو الوجوب بقرينة: «انّ من لا تقية له لا دين له» و يكون معنى الرواية انّ التقية واجبة إلّا في هذه الثلاثة و أين هذا من الدلالة على الاجزاء. «1»

و الظاهر انّ الرواية قاصرة الدلالة من جهة أخرى، و هي انّها بصدد حدّ التقيّة في الإفتاء، و انّه يجب الإفتاء بالتقية في عامة المسائل إلّا في هذه المسائل الثلاث، و لذلك قال الإمام في الرواية الثانية: «ثلاثة لا اتّقي فيهن أحدا» و ليست في مقام بيان حدّ التقية في العمل في مقام العمل، و لعلّ عدم اتقائه فيها في مقام الإفتاء هو كونها

من المسائل المختلف فيها و ليس للمخالفين فيها رأي واحد.

و بذلك تعلم صحّة العمل الجاري على وجه التقية من غير فرق بين الأجزاء و الشرائط، و غيرهما كما إذا أفطر يوم فطرهم عن تقية و أمسك عنه إلى المغرب، فهو محكوم بالصحّة و الإجزاء، لأنّ الصوم عمل مستمر من الفجر إلى المغرب و قد ابتلى بالتقية في جزء من النهار و اقتصر بالمقدار الذي يرتفع به التقية، و لكنّه صام تمام النهار فهو من مصاديق قوله: كلّما اضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له و أنفده.

و أمّا ما ورد من قوله: «إفطاري يوما و قضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه». «2» فقد تقدّم انّه ورد في رواية واحدة و هي مرسلة لا يحتج بها و لم يرد في سائر الروايات.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 265.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 270

أيضا، و كذا لو كان مشغولا بالأكل فتبيّن طلوع الفجر. (1)

[المسألة 4: إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه]

المسألة 4: إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه، و إن أمكن إخراجه وجب و لو وصل إلى مخرج الخاء. (2)

[المسألة 5: إذا غلب على الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك يجوز له أن يشرب الماء مقتصرا على مقدار الضرورة]

المسألة 5: إذا غلب على الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك يجوز له أن يشرب الماء مقتصرا على مقدار الضرورة، و لكن يفسد صومه بذلك، و يجب عليه الإمساك بقيّة النهار إذا كان في شهر رمضان، و أمّا في غيره من الواجب الموسّع و المعيّن فلا يجب الإمساك، و إن كان أحوط في الواجب المعيّن. (3)

______________________________

(1) قد تبين ممّا سبق حكم هذه المسألة، و قد مضى الفرق بين الأكل بعد الفحص عن طلوع الفجر و الأكل بدونه و انّ القضاء يختص بالأوّل دون الثاني.

(2) تقدم الكلام فيه و انّه لو دخل الجوف و إن أمكن إخراجه، فلا دليل على وجوب إخراجه لعدم صدق الأكل عندئذ كما لا دليل على حرمة بلعه مع قطع النظر عن الصوم.

(3) فيه فروع:

1. إذا غلب على الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك، قال المصنّف:

يجوز له أن يشرب، بل يجب للزوم صيانة النفس عن الهلاك، و لعلّ التعبير بالجواز، لدفع توهم الحظر، و مثله إذا كان حرجا أو خاف ضررا فيجوز الشرب لدليل نفي الحرج، و الضرر على القول بأنّ المراد منهما عدم جعل حكم ضرري أو حرجيّ، كما

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 271

..........

______________________________

هو الظاهر في الثاني دون الأوّل.

2. يقتصر على مقدار الضرورة، لأنّها تتقدّر بقدرها، و هو مقتضى موثقة عمار، «1» و خبر المفضّل. 2

ففي الأوّل في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه؟ قال عليه السّلام:

«يشرب بقدر ما يمسك رمقه، و لا يشرب

حتى يروي». و في نسخه الوسائل:

«العطاش» و لكنّه تصحيف، سواء أ كان بكسر الفاء فهو جمع العطشان، و لا يصحّ اسناد الإصابة إليه أو بضمها، فهو داء يصيب الإنسان فيشرب الماء و لا يروى و المفروض انّه يروي، و هذا يكشف عن كون النسخة غلطا، و الصحيح: العطش كما في التهذيب، 3 و عليه عنوان الباب في الوسائل.

3. يفسد صومه بذلك قيل لاستعمال المفطّر اختيارا و أدلّة رفع الاضطرار لا تدل على صحة الصوم، لأنّها إنّما ترفع الحكم التكليفي، فغايته جواز الشرب الذي كان محرما في نفسه، و أمّا صحّة الصوم ليجزي بالإمساك عن الباقي، فلا دليل عليها.

يلاحظ عليه بأمرين: أ. الملازمة العرفية بين تجويز الإفطار بمقدار الضرورة، و صحّة صومه و قد مرّ نظيره.

ب. انّ الصحّة مقتضى إطلاق دليل الفريضة، حيث ينطبق عليه عنوان الصوم، نظير الإفطار عن نسيان أو تقيّة كما مرّ، و يؤيّد ذلك سكوت الإمام عن

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 16 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 2.

(2) 3. التهذيب: 4/ 240، باب العاجز عن الصيام، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 272

[المسألة 6: لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك]

المسألة 6: لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك، و يبطل صومه لو ذهب و صار مضطرّا، و لو كان بنحو الإيجار بل لا يبعد بطلانه بمجرّد القصد إلى ذلك فإنّه كالقصد للإفطار. (1)

______________________________

القضاء، و احتمال أنّ سكوته لأجل كون المخاطب عارفا به، أوّلا، لأنّه لم يكن في مقام البيان، كما ترى.

4. يجب عليه الإمساك بقية النهار: تدل عليه الموثقة الماضية، و من المعلوم عدم

الفرق بين النهي عن الارتواء و سائر المفطرات، و قد مرّ الإمساك التأدبي فيمن أفطر يوم الشك من رمضان ثمّ تبين انّه من رمضان.

5. هل يختص الإمساك بشهر رمضان كما هو المتبادر من الموثقة، أو يعمّ الواجب المعيّن؟ فعلى ما سلكناه من الصحّة لا كلام في وجوب الإمساك في الصيام المعيّن، و على القول ببطلانه فلا دليل على وجوبه في غير رمضان، لأنّ الموثقة و خبر مفضل منصرفة إلى شهر رمضان، بشهادة أنّه يقول: إنّ لنا فتيات و شبّان لا يقدرون على الصيام. و مثله الموثقة، فهي إمّا منصرفة، أو مهملة من هذه الجهة، فلا يمكن التمسك بإطلاقها.

(1) لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم أنّه يكره على الإفطار بإيعاد فيختار الإفطار دفعا للضرر، لصدق الاختيار و الإفطار عن عمد، لما عرفت من أنّ الفعل الصادر عن إكراه من مصاديق الاختيار.

و مثله ما لو اضطر إلى الإفطار، مثلا يعلم أنّه إن يذهب إلى مكان يغلب عليه العطش على نحو لو لم يشرب الماء لهلك.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 273

..........

______________________________

بل يمكن أن يقال إنّه بمجرد القصد إلى الذهاب يبطل صومه، لكونه ناويا للقاطع، هذا مما لا سترة عليه.

إنّما الكلام فيما إذا ذهب إلى مكان يعلم أنّه يضطر إلى الإفطار بنحو الايجار، فلا شكّ أنّه لو ذهب و أوجر، يكون صومه باطلا، لأنّ الايجار و إن كان فعلا غير اختياري لكنّه بالنسبة إلى مقدماته اختياري بوسعه أن لا يذهب.

هل يبطل صومه هذا بمجرّد القصد إلى ذلك، أو لا؟ مال السيد الحكيم إلى الوجه الثاني، قائلا بأنّه غير مفطّر نظير الاحتلام، لأنّه مفعول به، فالعمد إليه ليس عمدا إلى المفطّر حتى يكون حراما،

فالعمد إليه بالذهاب ليس عمدا إلى الحرام كما إذا علم أنّه إذا نام يحتلم، أو إذا أكل في الليل شيئا احتلم. «1»

يلاحظ عليه أوّلا: لا نسلّم أنّ الإيجار على وجه الإطلاق غير مفطر و إنّما هو كذلك إذا لم يكن اختياريا و لو باختيار ما ينتهي إليه من المقدمة، و أمّا معه فهو فعل اختياري تسبيبيّ و مفطّر قطعا.

و ثانيا: وجود الفرق بين الاحتلام و الايجار، بأنّ الاحتلام ليس من المفطرات، و إنّما المفطر هو الجماع، أو الاستمناء أو البقاء على الجنابة، فلا يكون شرب الدواء حراما و إن انتهى إلى الاحتلام، و هذا بخلاف الأكل و الشرب فانّهما من المفطرات إذا صدرا عن اختيار، و مناطه كون الفعل أعمّ من أن يكون بنفسه أو مقدماته اختياريا.

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 325.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 274

[المسألة 7: إذا نسي فجامع لم يبطل صومه، و إن تذكّر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج]

المسألة 7: إذا نسي فجامع لم يبطل صومه، و إن تذكّر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج، و إلّا وجب عليه القضاء و الكفّارة. (1)

______________________________

(1) مرّ الكلام فيها في الفصل الثاني، من كتابنا هذا في المسألة 12 فلاحظ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 275

[الفصل الرابع فيما لا يفسد الصوم]

اشارة

الفصل الرابع فيما لا يفسد الصوم لا بأس للصائم بمصّ الخاتم أو الحصى، و لا بمضع الطعام للصبيّ، و لا بزقّ الطائر، و لا بذوق المرق و نحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، و لا يبطل صومه إذا اتّفق التعدّي إذا كان من غير قصد و لا علم بأنّه يتعدّى قهرا أو نسيانا أمّا مع العلم بذلك من الأوّل فيدخل في الإفطار العمديّ. (1)

______________________________

(1) ذكر في هذا الفصل أمورا ربما يتوهم كونها ممنوعة على الصائم و ليس بممنوع، لعدم كونها من المفطّرات التي أهمّها الأكل و الشرب، فليس مصّ الخاتم أو الحصى، و لا مضغ الطعام للصبي، و لا زقّ الطائر، أو ذوق المرق، مضافا إلى ورود روايات خاصة في الموضوع. «1»

كما تضافرت الروايات على ذوق المرق. «2» لكن في رواية سعيد الأعرج «3» النهي عنه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا يبلعه قال:

«لا» و هو محمول على الكراهة، بقرينة ما دلّ على الجواز.

و إنّما يجوز إذا لم يعلم بأنّه يتعدّى إلى الحلق، سواء علم بالعدم أو احتمل، و أمّا مع العلم به، فيبطل لدخوله في الإفطار العمدي.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 38 و 40 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 3، 5، 6.

(3). الوسائل: الجزء 7،

الباب 37 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 276

و كذا لا بأس بمضغ العلك و لا ببلع ريقه بعده و إن وجد له طعما فيه ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه بل كان لأجل المجاورة، و كذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس رجلا كان أو امرأة و إن كان يكره لها ذلك، و لا ببلّ الثوب و وضعه على الجسد و لا بالسواك باليابس بل بالرطب أيضا، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه و عليه رطوبة و إلّا كانت كالرطوبة الخارجيّة لا يجوز بلعها إلّا بعد الاستهلاك في الريق، و كذا لا بأس بمصّ لسان الصبيّ أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة، و لا بتقبيلها أو ضمّها أو نحو ذلك. (1)

______________________________

(1) ذكر فيه فروعا لا بأس للصائم بها:

1. مضع العلك و بلع ريقه.

العلك- بكسر العين و سكون اللام- كلّ صمغ يعلك و يمضغ و يلاك، و هي ثمرة الشجرة، أمّا مضغها بلا بلع ريقها فجوازه مقتضى القاعدة، إنّما الكلام في مضغها مع بلع ريقه و تفتّت أجزائه.

ففي صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «إيّاك أن تمضغ علكا، فإنّي مضغت اليوم علكا و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا». «1»

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: الصائم يمضغ العلك؟ قال: «لا». 2

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال: «نعم إن شاء». 3

و على كلّ تقدير: عمل الإمام دليل على الجواز، و انّ تحذير ابن مسلم لغاية خاصة، و هي أحد أمرين:

______________________________

(1)

1، 2، 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

1. بلع الريق الممتزج بطعمه لأجل المجاورة.

2. بلع الريق بتفتت أجزائه و استهلاكه فيه.

و هل النهي لغاية الاحتراز عن كلا الأمرين، أو لخصوص الأمر الثاني؟ و بما أنّ النهي لأجل الأمرين يلازم غالبا النهي عن مضغه بتاتا، يتعين الثاني و لا يمكن أن يحمل النهي في صحيحة ابن مسلم على الكراهة، لمنافاة وروده بصيغة التحذر يقول ابن مالك:

إيّاك و الشر و نحوه نصب محذّر، بما استتاره وجب

أي بعّد نفسك عن مصغ العلك.

و أمّا العلك الرائج اليوم باسم «ادامس» فبما انّ تركيبه غير متبيّن لنا، فالحكم بالجواز يحتاج إلى دراسة تركيبه، و لعلّ أجزاؤه تتفتّت شيئا فشيئا في أوائل المضغ و يورث البطلان.

2. الجلوس في الماء لا بأس بجلوس الرجل في الماء ما لم يرتمس. إنّما الكلام في المرأة، فقد ورد النهي عن جلوسها في رواية حنّان بن سدير «1»، و لأجله اختلفت كلمة الفقهاء.

قال الشيخ: يكره للمرأة الجلوس في الماء إلى وسطها. و قال المفيد: و لا تقعد المرأة إذا كانت صائمة في الماء، فإنّها تحمله بقبلها. و قال أبو الصلاح: يجب به القضاء خاصّة. و قال ابن البراج: يجب به القضاء و الكفارة معا، إذا تعمّدت.

و المعتمد الأوّل. «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

(2). مختلف الشيعة: 3/ 420.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 278

..........

______________________________

و حنان بن سدير واقفي ثقة، و لكن الرواية محمولة على الكراهة، و لو كان جلوسها فيه من المفطرات لبان حكمها لكثرة الابتلاء.

و

أمّا حملها الماء فليس فيه بعد، بعد ضغط الماء، و ربما تحمل المرأة النطفة عن طريق جذبها، و لو شدّت فرجها بشي ء مانعة عن حمل الماء، ربّما ارتفعت الكراهة.

3. بلّ الثوب و وضعه على الجسد لا بأس ببلّ الثوب و وضعه على الجسد. و يدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الصائم يستنقع في الماء، و يصبّ على رأسه، و يتبرّد بالثوب». «1» و المقصود بلّ الثوب بالماء، و ما دلّ على المنع يحمل على الكراهة، نظير خبر عبد اللّه بن سنان، 2 و الحسن الصيقل، 3 و الحسن بن راشد، 4 لما ذكرنا من أنّه لو كان مفسدا لبان بين الأصحاب، و عموم الحصر في صحيحة محمد بن مسلم: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال، الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس». 5

4. السواك باليابس و الرطب قال الشيخ: لا بأس بالسواك في أوّل النهار و آخره، بالرطب و اليابس. و هو قول الصدوق ابن بابويه، و الشيخ المفيد، و قال ابن أبي عقيل: لا بأس بالسواك للصائم في أوّل النهار و آخره و لا يستاك بالعود الرطب. و الأقرب الأوّل. 6

______________________________

(1) 1، 2، 3، 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2، 3، 4، 5 و لاحظ 10.

(2) 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) 6. مختلف الشيعة: 3/ 426.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

و قال في الخلاف: لا يكره السواك للصائم على كلّ حال. و به قال أبو حنيفة.

و قال الشافعي: يكره بعد الزوال و لا يكره قبله.

«1»

و يدل عليه مضافا إلى ما دلّ على جواز السواك للصائم على وجه الإطلاق من غير تقييده باليابس، خصوص ما ورد في جوازه، من صحيحة الحلبي: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال: «لا بأس». «2» و يؤيده خبر الرازي 3 و الحسين بن علوان. 4 و بهذا يحمل ما دلّ على النهي على الكراهة.

5. إذا أخرج المسواك من فمه إذا أخرج المسواك من فمه لا يردّه و عليه رطوبة، و إلّا كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها، إلّا بعد الاستهلاك في الريق. و قد مرّ الكلام فيه.

6. مصّ لسان الصبي أو الزوجة لا بأس بمصّ لسان الصبي أو الزوجة إذا لم تكن عليه رطوبة، و كان عليه أن يضيف: و لا حدثت عليه الرطوبة بمصّه. و قد دلت الروايات 5 على جوازه، و ما ذكر من القيد أمر فرضي، و لعلّ الرطوبة القليلة غير المحسوسة لا تبطل، و بذلك يعلم حكم التقبيل أو الضم، و قد ورد النصّ على جوازه. 6

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 220، كتاب الصوم، المسألة 82.

(2) 2، 3، 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3، 4، 14.

(3) 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 3.

(4) 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 280

[المسألة 1: إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى]

المسألة 1: إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى، و كذا غير الدم من المحرّمات و المحلّلات، و الظاهر عدم جواز تعمّد المزج و الاستهلاك بالبلع، سواء

كان مثل الدم و نحوه من المحرّمات أو الماء و نحوه من المحلّلات، فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتّفاق. (1)

______________________________

(1) فصّل قدّس سرّه بين الاستهلاك القهري فيجوز بلعه، و الاستهلاك العمدي فلا يجوز، و أورد عليه السيد الحكيم قدّس سرّه: انّ وجهه غير ظاهر، لأنّه إذا فرض جواز البلع بعد الاستهلاك كان المنع عن الاستهلاك غير ظاهر الوجه، لأنّه محتاج إلى دليل، و هو مفقود، و الأصل يقتضي الجواز. «1»

و أورد عليه بأنّه و إن لم يصدق عليه الأكل أو الشرب لفرض الاستهلاك، إلّا أنّ التكليف غير مقصور على المنع عن الأكل و الشرب، بل الصائم مكلف بمقتضى قوله: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «2» بالاجتناب عن الطعام و الشراب، و معنى الاجتناب أن يكون على جانب منه و بعيدا عنه، و من الواضح أنّ المتعمّد المزبور غير مجتنب عن ذلك، فانّ من جعل الماء في فيه قطرة فقطرة فمزجه بريقه حتى استهلك فبلع و كذا السكر و نحوه ... يصحّ أن يقال عرفا: إنّه لم يجتنب عن الشراب و الطعام. «3»

______________________________

(1). مستمسك العروة الوثقى: 8/ 330.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 280- 281.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 281

[الفصل الخامس فيما يكره للصائم]

الفصل الخامس فيما يكره للصائم يكره للصائم أمور:

أحدها: مباشرة النساء لمسا و تقبيلا و ملاعبة خصوصا لمن تتحرّك شهوته بذلك، بشرط أن لا يقصد الإنزال، و لا كان من عادته و إلّا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعيّن.

الثاني: الاكتحال بما فيه

صبر أو مسك أو نحوهما ممّا يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق، و كذا ذرّ مثل ذلك في العين.

الثالث: دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف.

الرابع: إخراج دم المضعف بحجامة أو غيرها، و إذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المرّة.

الخامس: السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، و إلّا فلا يجوز على الأقوى.

السادس: شمّ الرياحين خصوصا النرجس، و المراد بها كلّ نبت طيّب الريح.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 282

السابع: بلّ الثوب على الجسد.

الثامن: جلوس المرأة في الماء، بل الأحوط لها تركه.

التاسع: الحقنة بالجامد.

العاشر: قلع الضرس بل مطلق إدماء الفم.

الحادي عشر: السواك بالعود الرطب.

الثاني عشر: المضمضة عبثا، و كذا إدخال شي ء آخر في الفم لا لغرض صحيح.

الثالث عشر: إنشاد الشعر و لا يبعد اختصاصه بغير المراثي، أو المشتمل على المطالب الحقّة من دون إغراق أو مدح الأئمّة عليهم السّلام و إن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم.

الرابع عشر: الجدال و المراء و أذى الخادم و المسارعة إلى الحلف و نحو ذلك من المحرّمات و المكروهات في غير حال الصوم فإنّه تشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله. (1)

______________________________

(1) لأجل وضوح حكم هذه الفروع تركنا التعليق عليها.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 283

[الفصل السادس فيما يوجب الكفّارة]

اشارة

الفصل السادس فيما يوجب الكفّارة المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة إذا كانت مع العمد و الاختيار من غير كره و لا إجبار، من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس و الكذب على اللّه و على رسوله، بل و الحقنة و القي ء على الأقوى نعم الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه، بل و

الثالث، و إن كان الأحوط فيها أيضا ذلك، خصوصا الثالث. (1)

______________________________

(1) أشار في المتن إلى الفروع التالية:

1. تجب الكفارة مع العمد و الاختيار، فأخرج صور الإكراه و الإجبار.

2. تجب الكفارة في عامة المفطرات.

3. عدم وجوبها في النوم الثاني بعد الانتباه، و الثالث و إن كان أحوط.

و إليك دراستها واحدا بعد الآخر.

1. وجوب الكفارة في صورة العمد تجب الكفارة في صورة العمد، لوروده في غير واحد من الروايات، و قد ورد غالبا في سؤال الراوي لا في جواب الإمام، نظير صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر،

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 284

..........

______________________________

قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا». «1»

نعم ورد في رواية المشرقي في كلام الإمام فعن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمّدا، ما عليه من الكفارة؟ فكتب «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم». «2» و المشرقي- و هو هشام بن إبراهيم العباسي- و إن كان لم يوثق «3» إلّا انّ الراوي عنه هو البزنطي، و هو مما لا يروي إلّا عن ثقة- كما ذكرناه في الكليات- و في المجموع من حيث المجموع غنى و كفاية، و ذلك لأنّ ورود القيد في كلام السائل يعرب عن كون المغروس في أذهانهم انّ الكفارة، للمتعمّد، دون غيره.

أضف إلى ذلك انّ ما لم يذكر فيه القيد منصرف إلى العمد، لأنّ الكفارة جريمة الذنب و لا ذنب في غير تلك الصورة.

ثمّ إنّ المراد من العمد، هو الفعل المقصود الصادر

عن إرادة و اختيار و هو يشمل المكره، لأنّه فعل إرادي و اختياري، و إنّما يفقد طيب النفس، فخروجه عن وجوب الكفارة لأجل حديث الرفع و غيره، و القول بانصراف العمد إلى غير المكره موضع تأمل، و قد قلنا إنّ حديث الرفع رافع للكفارة و القضاء، و قد استدل الإمام بحديث الرفع، في رفع الأثر الوضعي كما في رواية البزنطي، عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام و الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق، و العتاق، و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟ فقال: «لا. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمّتي ما أكرهوا عليه و ما لم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1. و لاحظ الحديث 2، 4، 10، 13.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 11.

(3). قال النجاشي: هاشم بن إبراهيم العباسي الذي يقال له المشرقي روى عن الرضا، له كتاب يرويه جماعة. (رجال النجاشي برقم 1169). و ربما يقال انّ العباسي المسمّى ب «هاشم» غير المشرقي المسمّى ب «هشام» و قد وثّقه الكشي، و قال: إنّه ثقة ثقة. (لاحظ الموسوعة الرجالية: 2/ 310).

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 285

..........

______________________________

يطيقوا و ما أخطئوا». «1» فقد دلّ الحديث على عدم اختصاص الرفع بالحكم التكليفي، بل يرفع الحكم الوضعي، أعني: صحّة الطلاق، و صيرورة المال صدقة.

2. لزوم الكفارة في عامة المفطرات هل تجب الكفارة في عامة المفطرات، كما هو ظاهر الماتن أو لا؟

قال المحقّق في الشرائع: يجب مع القضاء، الكفّارة بسبعة أشياء:

1. الأكل، 2. الشرب، 3. الجماع، 4. تعمد البقاء على الجنابة، 5. الإصباح

جنبا عمدا، 6. الاستمناء، 7. إيصال الغبار الغليظ.

و في الحقيقة خصّ الكفارة بالأكل و الشرب و الجنابة و بما انّه عمّم الأكل و الشرب للمعتاد و غيره فأدخل الغبار الغليظ تحت الأكل، و لم يوجبها من الارتماس، و لا من الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة عليهم السّلام، و لا من الحقنة، و لا من القي ء، و لا من النومة الثالثة. «2»

و بما أنّه وردت الكفّارة في الموارد المذكورة في النصوص، اقتصر عليها، و أمّا من قال بهما في عامة المفطرات فقد استند إلى قاعدة مضروبة للكفارة في بعض الروايات (رواية المشرقي) و هو «انّ من أفطر في شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم». «3» و هذه القاعدة إذا ضمّت إلى صدق الصغرى في عامة الموارد ينتج وجوبها في الجميع.

و تصور أنّ الإفطار منصرف إلى الإفطار بالأكل و الشرب و الجماع، محجوج بوروده في القي ء و الكذب على اللّه في الأحاديث التالية:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 16، الباب 12 من أبواب الأيمان، الحديث 12.

(2). الجواهر: 16/ 264؛ مصباح الفقيه: 471.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 11.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 286

..........

______________________________

1. «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر». «1»

2. «إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد أفطر». 2

3. «من تقيّأ متعمدا، و هو صائم فقد أفطر». 3

كما أنّه ورد في الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة عليهم السّلام.

4. سألته عن رجل كذب في رمضان؟ فقال: «قد أفطر». 4

5. «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم». 5

6. سأله عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال: «فقد أفطر». 6

7. «انّ الكذب على اللّه

و رسوله و على الأئمة يفطر الصائم». 7

8. «خمسة أشياء تفطر الصائم ... الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة عليهم السّلام». 8

9. «إنّ الكذبة لتفطر الصائم». 9

و يحتمل اختصاص الكفّارة بما ورد فيها التصريح بالكفّارة، و ذلك للوجوه التالية:

أ. انّ الضابطة وردت في رواية المشرقي الذي ترجمه النجاشي في رجاله و لم يذكر في حقّه شيئا و إن استظهرنا وثاقته من وجه آخر.

فإن قلت: قد ورد في أسئلة الرواة قولهم: رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا؟

فأجيبوا بوجوب الكفارة عليهم، و هذه الروايات مبثوثة في الباب الثامن من أبواب ما يمسك عنه الصائم، و قد مرّ ذكرها عند البحث في شرطية التعمّد في وجوب

______________________________

(1) 1، 2، 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 5، 6.

(2) 4، 5، 6، 7. الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 2، 3، 4.

(3) 8، 9. الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6، 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

القضاء؟

قلت: إنّ السائلين لم يكونوا في مقام البيان من هذه الجهة حتى يؤخذ بإطلاق كلامهم، و إنّما كانوا بصدد استفهام ما يجب على الإفطار العمدي، و أمّا ما هو المراد من الإفطار، فلعلّه كان منصرفا في ألسنتهم إلى الأكل و الشرب و الجماع، لما سيوافيك من أنّ الإفطار مأخوذ من الفطر و هو الشق، و هو كناية عن شق الفم الملازم للأكل و الشرب.

ب. لو افترضنا صحّة حديثه، لكنّه منصرف إلى الأكل و الشرب، و إنّما عطف عليهما، الجماع لأجل تضافر الروايات على

الكفارة فيه- و ذلك لأنّه من «فطر» بمعنى شق، قال سبحانه: إِذَا السَّمٰاءُ انْفَطَرَتْ أي شقت.

قال في المقاييس: أصل صحيح يدل على فتح شي ء و إبرازه، و من ذلك الفطر من الصوم.

و قال في اللسان: الفطر: الشق، إلى أن قال: أخذ فطر الصائم لأنّه يفتح فاه.

و هذا يدل على أنّ إطلاق الفطر على الصائم يناسبه فتح فيه، فلا إطلاق للحديث، و تصور أنّ ملاك الإطلاق، شقّ نيته، بعيد عن الأذهان العرفية.

ج. انّ الإمام علل فساد الصوم بإيصال الغبار و لزوم الكفارة فيه، بقوله:

«فانّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» «1» و هذا يعرب عن كون الأصل هو الثلاثة.

د. علل عدم بطلان الصوم بالكحل في رواية محمد بن مسلم بقوله: «لا بأس به، لأنّه ليس بطعام و لا شراب». «2» و في رواية ابن أبي يعفور 3: «لا بأس به،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 288

و لا فرق أيضا في وجوبها بين العالم و الجاهل المقصّر و القاصر على الأحوط و إن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصا القاصر و المقصّر غير الملتفت حين الإفطار، نعم إذا كان جاهلا بكون الشي ء مفطرا مع علمه بحرمته كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّه و رسوله من المفطرات فارتكبه حال الصوم فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفّارة. (1)

______________________________

إنّه ليس بطعام و لا شراب».

و هذا يدل على أنّ الملاك، الطعام و الشراب مضافا إلى الجماع.

ه. عدم ورودها في لسان الصادقين، و

لو كانت واجبة لما ترك التنصيص بها، مع كثرة الابتلاء، و الاعتماد فيها على مثل رواية المشرقي، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، مشكل.

و الأقوى عدم لزومها، إلّا فيما ورد النص فيه على لزوم الكفّارة.

3. عدم وجوب الكفّارة في النومة الثانية و الثالثة قد مضى الكلام فيه عند البحث عن المفطّرات.

(1) لا فرق بين العالم و الجاهل مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين العالم و الجاهل إلّا إذا كانت هناك قرينة على الانصراف، و هو ليس ببعيد في القاصر، لأنّ الكفارة تكفير للذنب المكتسب، و الجاهل القاصر معذور عقلا و شرعا، فلا ذنب له حتى يكفّر، نعم يجب عليه القضاء، لأنّه لجبر المصلحة الفائتة، و هو أمر مشترك بين العالم و الجاهل.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 289

..........

______________________________

ثمّ إنّ الماتن احتمل خروج المقصر غير الملتفت حين الإفطار اعتمادا على موثق أبي بصير، و زرارة، قالا- جميعا- و سألنا أبا جعفر عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا انّ ذلك حلال له؟ قال: «ليس عليه شي ء». «1» و مراده من غير الملتفت هو الجاهل المركب.

يلاحظ عليه: أنّ الجهل بعدم مفطرية الجماع في شهر رمضان لا يتصور إلّا في حقّ الجاهل القاصر كالجهل بعدم مفطرية الأكل و الشرب، حتى أنّ الأعرابي الذي جاء إلى النبي و قال: هلكت و أهلكت و جامعت أهلي في شهر رمضان. كان عالما به، و الرواية ناظرة إلى الجاهل القاصر، دون المقصر، و المنفي هو الكفارة دون القضاء.

ثمّ لو قلنا بخروج المقصّر، و لكنّه مختص بما إذا كان معتقدا بحلّيته عليه حين الصوم، و أمّا إذا كان عالما بحرمته و

إن كان جاهلا بمفطّريته كالكذب على اللّه و رسوله فارتكبه حال الصوم فهو ملحق بالعالم.

و يمكن أن يقال: إنّه لا وجه للاختصاص لاحتمال أن يكون المراد من قوله:

و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له كونه غير مخلّ بالصوم، و هو موجود في هذا المورد أيضا، و ليس المراد كونه حلالا في نفسه كما لا يخفى كي يخرج هذا القسم من تحت الرواية.

نعم خروج المقصر، مورد تأمل و نظر، فكيف خروج هذا القسم عنه؟!

و قد مرّ عدم وجوب الكفارة في غير ما ورد الدليل فيه من غير فرق بين العالم و الجاهل، فالكذب على اللّه ليس فيه كفارة مطلقا.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 290

[المسألة 1: تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم]

اشارة

المسألة 1: تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم:

[الأوّل: صوم شهر رمضان]

الأوّل: صوم شهر رمضان و كفّارته مخيّرة بين العتق و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستّين مسكينا على الأقوى، و إن كان الأحوط الترتيب فيختار العتق مع الإمكان، و مع العجز عنه فالصيام، و مع العجز عنه فالإطعام، و يجب الجمع بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم كأكل المغصوب و شرب الخمر و الجماع المحرّم و نحو ذلك. (1)

______________________________

(1) فيها فرعان:

أ. كفارة صوم رمضان بالتخيير بين الأمور الثلاثة، و إن كان الأحوط الترتيب.

ب. يجب الجمع بين الخصال عند الإفطار بالحرام.

أ. كفارة صوم رمضان بالتخيير هل الكفّارة فيه مخيّرة أو مرتّبة؟ الأقوال مختلفة، لاختلاف الروايات.

قال الشيخ في الخلاف: كفارة من أفطر في شهر رمضان لأصحابنا فيه روايتان:

إحداهما: انّها على الترتيب، مثل كفارة الظهار. العتق أوّلا، ثمّ الصوم ثمّ الإطعام. و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الشافعي و الأوزاعى و الليث ابن سعد.

و الأخرى: انّه مخيّر فيها. و به قال مالك. «1»

و المشهور بين الأصحاب هو التخيير، ذهب إليه الشيخان، و ابن الجنيد و ابنا

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 186- 187، كتاب الصوم، المسألة 32.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

بابويه، و السيد المرتضى، و أبو الصلاح، و سلّار، و ابن البراج، و ابن إدريس. و قال ابن أبي عقيل بالترتيب.

و في المبسوط اختار التخيير، ثمّ قال: و قد روي أنّها مرتّبة مثل كفارة الظهار.

و قال في الاقتصاد: و في أصحابنا من قال إنّها مرتبة كالظهار. و نقل السيد المرتضى في الجمل كلا القولين.

و اختار العلّامة التخيير «1» كما عليه المحقّق في الشرائع.

و يدل على قول المشهور لفيف من الروايات:

1. صحيح عبد اللّه بن

سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق». «2»

2. موثق سماعة قال: سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا؟

قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم، و من أين له مثل ذلك اليوم». 3

3. موثقه الآخر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله؟

قال: «عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا». 4

4. خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال: «كفارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم

______________________________

(1). المختلف: 3/ 438- 439.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 13.

(3) 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 292

..........

______________________________

ستين مسكينا، أو يعتق رقبة». «1»

و يؤيده ما في الفقه الرضوي: «و من جامع في شهر رمضان أو أفطر، فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، لكلّ مسكين مدّ طعام، و عليه قضاء ذلك اليوم، و أنى له بمثله». «2» و ما ذكره نفس ما رواه سماعة كما عرفت، و منه يعلم أنّه ليس تأليف الإمام، و إنّما هو تأليف عالم فقيه شيعي واقف بالأخبار و الروايات.

بقيت هنا روايات ربما يتصوّر تعارضها مع ما سبق.

الأولى:

ما يدل على أنّ العتق واجب تعييني، و ليس له بدل، روى البزنطي عن المشرقي، عن أبي الحسن عليه السّلام انّه قال: «فعليه عتق رقبة مؤمنة، و يصوم يوما بدل يوم» «3».

يلاحظ عليه: أنّها تخالف كلا القولين، فانّ مفاد الاقتصار على العتق يعرب عن كون الكفّارة شيئا واحدا و هو العتق فلا ترتيب و لا تخيير، فعلى كلا القولين فهي بحاجة إلى التقييد، إمّا بما دلّ على الترتيب، أو بما دلّ على التخيير، فليست الصحيحة دليلا على أحد القولين، فعلى القول بالترتيب ذكر ما هو الواجب أوّلا، و على القول بالتخيير ذكر أحد الأعدال الأفضل.

الثانية: ما اقتصر فيه على التصدق، نظير صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا؟ قال: «عليه خمسة عشر صاعا لكلّ مسكين مدّ، مدّ النبي أفضل». 4 و بهذا المضمون وردت عدّة روايات. 5

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(2). فقه الرضا: 25.

(3) 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 11، 10. لاحظ الأحاديث 2، 3، 4، 6، 7، 8، 12 من هذا الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 293

..........

______________________________

و الكلام فيها نفس ما سبق في الصحيحة، حيث إنّ مقتضى إطلاقها، كون التصدّق واجبا تعيينيا لا بدل له، لا ترتيبا و لا تخييرا، فعلى كلا القولين يجب أن يتصرف فيها بنحو تنطبق امّا على الترتيب أو التخيير، و القائل بالترتيب يقول: ذكر ما هو الواجب ثانيا، و القائل بالتخيير يقول: ذكر أحد الأفراد.

الثالثة: ما يدل على كون

الواجب تعيينيا ترتيبيا، فهذا الصنف يعارض ما يدل على كونه واجبا تخييريا بالدلالة المطابقية، و ما يدل عليه لا يتجاوز عن حديثين:

1. حديث الأعرابي الذي رواه الصدوق، تارة عن طريق عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام، و أخرى عن طريق عمرو بن شمر، و كلا السندين غير نقيّين. قال: إنّ رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: هلكت و أهلكت! فقال:

«و ما أهلكك؟» قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«اعتق رقبة» قال: لا أجد، قال: «فصم شهرين متتابعين» قال: لا أطيق، قال:

«تصدّق على ستين مسكينا ...». «1»

يلاحظ عليه أوّلا: الظاهر أنّ ما يحكيه من الواقعة هي نفس ما يحكيه جميل ابن دراج من الواقعة، و قد ذكر فيها الإمام التصدق و اقتصر عليه، و لعلّه عليه السّلام كان بصدد بيان ما يتعلق بالصدقة و ما أجاب به النبي، و لكن جاء في آخر الرواية «فلما خرجنا قال أصحابنا: إنّه بدأ بالعتق فقال: اعتق، أو صم، أو تصدق» «2». و هذا يعرب عن أنّ النبي أمره بالثلاثة على وجه التخيير، لا على وجه الترتيب، و أنّ ظهوره فيه ظهور بدئي و إنّما بدأ النبي بالأفضل فالأفضل، و على هذا لا يعتدّ بمثل هذا الظهور، مضافا إلى ضعف السند.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

2. ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته

عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: «عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه». «1»

و دلالته على اعتبار الترتيب أوضح من حديث الأعرابي، لأنّ التقييد بعدم التمكن جاء في كلام الإمام، بخلاف حديث الأعرابي، حيث جاء في كلامه عند ما اقترح عليه النبي العتق، أو الصوم. فقال: لا أطيق.

و أجاب السيد الخوئي عن الاستدلال: بأنّها لا تقاوم النصوص المتقدمة الصريحة في التخيير، فانّها إنّما تدل على الوجوب التعييني بالظهور الإطلاقي- كما في الأصول- و تلك قد دلّت على التخيير بالظهور الوضعي على ما تقتضيه كلمة «أو». «2»

يلاحظ عليه: أنّ دلالة الصحيحة على الترتيب أيضا بالظهور الوضعي، حيث يقيد كفاية الثاني، بعدم وجدان الأولى.

و الأولى أن يقال: لا بد من التصرف في هذا الظهور لأجل أظهرية الروايات الدالة على التخيير، لكثرتها و شهرتها، و قوّة دلالتها، و مخالفتها لما عليه أكثر فقهاء العامة، فتحمل الصحيحة على الأفضل فالأفضل.

ب: الإفطار بالحرام لو أفطر بجماع محرم عليه، أو طعام محرم، في نهار رمضان، فقد ذهب جماعة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

(2). مستند العروة الوثقى: 1/ 290، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 295

..........

______________________________

إلى أنّ كفّارته كفارة الجمع، و أفتى به الصدوق في الفقيه «1»، و ابن حمزة في الوسيلة «2»، و الشيخ في تهذيبه «3» و قال المحقّق: قيل يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات، مشعرا بضعف القول به. و قال العلّامة: المشهور ايجاب كفارة واحدة. «4»

و مقتضى الإطلاقات السابقة عدم الفرق بين الإفطار بحلال أو حرام،

و الأصل البراءة، إلّا أن يدل دليل على التقييد أو التخصيص، و قد استدل بما يلي:

1. روى الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة: قال: سألته: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين». «5»

أقول: هذه الرواية، تصلح أن تكون معارضة لما سبق من أنّ الواجب إحدى الخصال مرتبة أو مخيرة، و لا تصلح أن تكون دليلا على وجوب الجمع في خصوص الإفطار بالحرام، إلّا أن يكون هناك قرينة على الحمل، و يكفي في رفع التعارض حمل الواو على التنويع مثل قولهم: الكلمة: فعل و حرف، أو على التخيير: مثل قوله تعالى: مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ* «6»، أو احتمال كون نسخة الشيخ غير صحيحة، و انّ الصحيح هو لفظة: «أو» مكان «الواو»، و يدل على ذلك أنّ الرواية نقلها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بتلك اللفظة، و رواها عنه صاحب الوسائل في الباب

______________________________

(1). من لا يحضره الفقيه: 2/ 118 ذ ح 1892.

(2). الوسيلة: 146.

(3). التهذيب: 4/ 208 ح 604.

(4). مختلف الشيعة: 3/ 447- 448.

(5). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2 و رواه الشيخ في التهذيب: 4/ 208، الحديث 604.

(6). النساء: 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

الثامن كما مرّ نقله في المسألة السابقة. «1» حيث قال: «و عنه» أي عن أحمد بن محمد ابن عيسى المذكور في سند الرواية المتقدمة عن سماعة الخ.

نعم حمل الشيخ الحديث على الإفطار بحرام و قال: و يحتمل أيضا أن يكون هذا الحكم مخصوصا بمن أتى أهله في حال تحرم الوطء

فيها، مثل الوطء في الحيض، أو في حال الظهار قبل الكفارة، فانّه من فعل ذلك لزمه الجمع بين الكفّارات الثلاث، لأنّه وطأ في شهر رمضان، و قال: و يدل على هذا التأويل الرواية التالية. «2»

2. روى الصدوق، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: قلت للرضا عليه السّلام: يا ابن رسول اللّه قد روي عن آبائك عليهم السّلام فيمن جامع في شهر رمضان، أو أفطر فيه ثلاث كفّارات، و روي عنهم أيضا كفّارة واحدة، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال: «بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و إن كان قد نكح حلالا أو أفطر على حلال، فعليه كفارة واحدة، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه». «3» و لندرس السند:

1. عبد الواحد، من مشايخ الصدوق و لم يرو عنه الصدوق، إلّا رواية أو روايتين، و ليست مثل هذه الشيخوخة أمارة الوثاقة، و إنّما تكون أمارة إذا أكثر النقل عنه. «4»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 13.

(2). التهذيب: 4/ 209، الحديث 12، كتاب الصيام.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(4). معجم رجال الحديث: 11/ 37 برقم 7357.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 297

..........

______________________________

2. علي بن محمد بن قتيبة: قال النجاشي: عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال. «أبو الحسن» صاحب الفضل بن شاذان. و راوية كتبه، له كتب، منها:

كتاب يشتمل على ذكر مجالس «الفضل» مع أهل الخلاف، و مسائل أهل البلدان. «1»

لكن اعتماد الكشي لا يضفي عليه الوثاقة، لأنّه يروي عن الضعفاء كثيرا كما نصّ به النجاشي في ترجمته. «2»

3. حمدان بن سليمان أبو سعيد النيسابوري ثقة، من وجوه أصحابنا، كما ذكره النجاشي. «3»

4. عبد السلام بن صالح، أبو الصلت الهروي، ثقة، صحيح الحديث، كما ذكره النجاشي. «4»

و بذلك يعلم أنّ الإفتاء بمضمونها مشكل، لإعراض المشهور عنها أوّلا، و لم تثبت وثاقة الأوّلين ثانيا، إذ لم يرد في حقّ الأوّل إلّا كونه من مشايخ الصدوق، كما لم يرد في حقّ الثاني إلّا كونه من مشايخ الكشي، مع أنّه يروي عن الضعفاء كثيرا. «5»

3. ما رواه الصدوق في الفقيه: أمّا الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أنّ عليه ثلاث كفارات، فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه، أو بطعام محرّم عليه، لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي- رضي اللّه عنه-

______________________________

(1). رجال النجاشي: برقم 676.

(2). رجال النجاشي: برقم 1019.

(3). رجال النجاشي: برقم 355.

(4). رجال النجاشي: برقم 641.

(5). رجال النجاشي: برقم 1019.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 298

[الثاني: صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال]

الثاني: صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال، و كفّارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يتمكّن فصوم ثلاثة أيّام، و الأحوط إطعام ستّين مسكينا. (1)

______________________________

فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه. «1»

و ليس فيه تصريح على أنّ الرواية من المهدي عليه السّلام، و إن نسبه في الوسائل إلى المهدي (عجّل اللّه فرجه) و لعلّه استنبطه من قرينة خارجية، للعلم بأنّه لا يقول وردت إلّا إذا أخذه منه، و لكن

الرواية مرسلة، لأنّ الأسدي و إن كان ثقة صحيح الحديث لكن لم يدركه الصدوق، لأنّه توفي عام 312 ه، و قد ولد الصدوق حوالي عام 306 فكيف يروي عنه؟!

فتلخص أنّ القول بوجوب كفارة الجمع لا يخلو من إشكال.

(1) أقول: يقع الكلام في هذه المسألة في مواضع:

الأوّل. إفطار قضاء رمضان قبل الزوال المشهور بين الأصحاب جواز الإفطار قبل الزوال، و أرسله المحقّق في المعتبر، «2» و العلّامة في المنتهى، «3» إرسال المسلّم و لم ينقلا خلافا.

و يظهر ممّا نقله العلّامة في المختلف أنّ ابن أبي عقيل و أبا الصلاح لم يفرّقا بين الوقتين فحرّما الإفطار مطلقا، قال الأوّل: و من أصبح صائما لقضاء كان عليه

______________________________

(1). الفقيه: 2/ 118، طبعة جامعة المدرسين.

(2). المعتبر: 2/ 674.

(3). المنتهى: 2/ 576، الطبعة الحجرية تحت عنوان فروع الأوّل.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 299

..........

______________________________

من شهر رمضان و قد نوى الصوم من الليل فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك. «1»

و قد تضافرت الروايات على الجواز قبل الزوال و عدمه بعده نذكر منها ما يلي:

1. صحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في الذي يقضي شهر رمضان: «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوعا فانّه إلى الليل بالخيار». «2»

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل، متى ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» 3 و بهذا المضمون غيرهما. 4

و هناك ما يدل على كراهة الإفطار بعد الزوال و هو: موثق أبي بصير

قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار فقال: «لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال». 5 فانّه محمول على الحرمة بقرينة سائر الروايات، و قد استعمل اللفظة في التحريم في غير واحد من الروايات.

كما أنّ هناك ما يدل على المنع مطلقا حتى قبل الزوال، و هو: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألته عن الرجل يقضي رمضان، أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا كان نوى ذلك من الليل و كان من قضاء

______________________________

(1). المختلف: 3/ 556.

(2) 2، 3، 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 4، 9، و لاحظ: 8، 10، و غيرهما.

(3) 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

رمضان فلا يفطر و يتم صومه». «1» و يحمل على الكراهة، و مثل ما ورد من عدم جواز الإفطار في النوافل بعد الزوال. «2»

الثاني: لو أفطر بعد الزوال هل تجب الكفارة أو لا؟ اتّفقت كلمتهم على الوجوب- لما سيوافيك من الروايات في الموضع الثالث- و لم ينقل الخلاف إلّا من ابن أبي عقيل فتمسك بالأصل المدفوع بالدليل مضافا إلى أنّه زمان لم يتعين للصوم لا تجب به الكفارة كقبل الزوال، و كأنّه اجتهاد في مقابل النصّ.

نعم روى عمار بن موسى الساباطي: قال فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: قد أساء و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» «3». و هو من متفردات عمار، و قال الشيخ في العدة: لا يعمل بمتفرّدات

عمار. و يحتمل أن يكون المراد نفي القضاء بالنسبة إلى اليوم الذي أفطر فيه، لا نفي الكفارة و كونه من قبيل توضيح الواضح فإنّما هو بالنسبة إلى ظروفنا، لا إلى ظروف الراوي. و يؤيده ما في رواية بريد العجلي: «فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم». «4» فلا شبهة في وجوب الكفارة.

الثالث: في نوع الكفّارة فهل يجب عليه الكفّارة الكبرى، أي كفّارة شهر رمضان أو الكفارة الصغرى؟ فقد اختلفت كلمتهم فيه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 5.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 301

..........

______________________________

1. فذهب ابن الجنيد و المفيد، و الشيخ و ابن البراج و ابن إدريس إلى أنّ كفارته إطعام عشرة مساكين، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام بدلا من الكفارة، و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب.

2. التخيير بين الإطعام و الصيام: و هو خيرة الشيخ في الجمل و العقود، و في فصل أقسام الصوم من المبسوط، مع أنّه اختار الترتيب في فصل القضاء منه.

3. الإثم إن أفطر قبل الزوال، و الإثم و الكفارة إن أفطر بعده: و هو خيرة أبي الصلاح قال: إن أفطر يوما عزم على صومه قضاء قبل الزوال فهو «مأزور». «1» و إن كان بعد الزوال تعاظم وزره و لزمته الكفّارة: صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين.

4. كفّارة شهر رمضان، إن أفطر استخفافا، و التخيير بين الأمرين إن أفطر لغير ذلك: و هو

خيرة ابن حمزة قال: إن أفطر بعد الزوال استخفافا به فعليه كفارة مثل كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، و إن أفطر لغير ذلك فكفّارته صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين و هو خيرة ابن حمزة.

5. عليه كفارة اليمين التي جاء في الذكر الحكيم. قال سبحانه: فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ «2»: و هو خيرة ابن البراج في المهذب، و ذكر أنّ الأحوط انّ كفارته كفارة شهر رمضان.

6. انّ كفّارته، كفارة شهر رمضان: و هو خيرة الصدوقين، و سيوافيك مقدار صحّة النسبة.

هذه هي الأقوال الموجودة في المسألة، التي أخذناها من مختلف الشيعة. «3»

______________________________

(1). كذا في المطبوع، و لعلّ الصحيح موزور كما في المنجد، و هو من الوزر بمعنى الإثم، أي فهو آثم تكليفا.

(2). المائدة: 89.

(3). مختلف الشيعة: 3/ 554- 558.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 302

..........

______________________________

و قد ذكرت مصادر الأقوال في الهامش، و ستعرف أنّه لا دليل على أكثر هذه الأقوال.

دليل القول المشهور روايتان 1. رواية بريد العجلي: عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال: «إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس، فلا شي ء عليه إلّا يوم مكان يوم؛ و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس، فانّ عليه أن يتصدق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفارة لما صنع». «1» و السند لا غبار عليه إلّا الحارث بن محمد الذي يروي عنه الحسن بن محبوب فانّه غير موثق، لكن الرواية معتبرة لعمل المشهور بها، و قد رواها

الكليني في الكافي، و الصدوق في الفقيه، و أفتى الثاني بمضمونه في المقنع، غير انّه أسقط العدل الثاني، أعني: ما إذا لم يقدر فعليه صيام ثلاثة أيّام.

2. صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان؟ فقال: «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر، فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم؛ و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك». 2 و السند لا غبار عليه غير انّها تضمنت التحديد بالعصر مكان الظهر، و لعلّه مصحّف الظهر لكن حمله الشيخ على ما يوافق الأوّل لدخول وقت الصلاتين عند الزوال.

دليل القول بأنّ كفّارته كفّارة رمضان و قد نسب إلى الصدوقين انّهما قالا بأنّ كفارته، كفارة إفطار شهر رمضان و يدل عليه:

______________________________

(1) 1، 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 303

..........

______________________________

1. موثقة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال: «عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان، لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان». «1»

2. مرسلة حفص بن سوقه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان». «2»

و مقتضى الرواية الأولى عدم الفرق بين الزوال و بعده كما هو ظاهر عدم التفريق، و مقتضى التعليل و لكن لم يقل به أحد إذ

التفريق قبل الزوال و بعده أمر متسالم فيه، و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها، أو على الاستحباب و الرواية الثانية مرسلة، لا يحتج بها.

و قد نسب العمل بهما إلى الصدوق، و لكن عبارة الفقيه، لا تدل على ذلك، فإنّه قدّس سرّه نقل أوّلا رواية بريد العجلي الدالة على القول المشهور ثمّ قال: و روي أنّه إن أفطر قبل الزوال فلا شي ء عليه و إن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما في شهر رمضان. «3» و لو لم نستظهر ميله إلى القول المشهور، فلا أقلّ من عدم دلالة فيه على انتخاب القول الثاني.

و أمّا سائر الأقوال فليس لها دليل يذكر و أصحابها أولى بها. و لكن الماتن احتاط و قال: و الأحوط إطعام ستين مسكينا. لأجل العمل بكلتا الطائفتين من الروايات، و الأولى كما في بعض التعاليق «أو ضمّ العتق أو صيام شهرين على إطعام العشرة» لأنّ الواجب من كفارة شهر رمضان، ليس الإطعام فقط بل أحد الأمور الثلاثة، فيكون الأولى الجمع بين إطعام عشرة مساكين و واحد من هذه الخصال.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(3). الفقيه: 2/ 149، طبع مؤسسة النشر الإسلامي.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 304

[الثالث: صوم النذر المعيّن]

الثالث: صوم النذر المعيّن و كفّارته كفّارة إفطار شهر رمضان. (1)

______________________________

(1) اختلفت آراؤهم في كفارة حنث النذر، سواء أتعلق النذر، بالصوم أم بغيره، فلهم أقوال:

1. إنّ كفارته، كفارة شهر رمضان، أي الخصال الكبرى مخيّرة. و هو خيرة المرتضى في الانتصار، و ابن زهرة في الغنية،

كما في الجواهر، و نسبه إلى المشهور. «1»

2. كفارته، كفارة اليمين. و هو خيرة الصدوق في المقنع، «2» و خيرة المحقّق في النافع، «3» و هو خيرة العلمين، الحكيم و السيد الخوئي- قدّس سرهما-.

3. كفّارته، كفارة شهر رمضان إذا كان المنذور صوما، و كفارة اليمين إذا كان غيره، نقله صاحب الوسائل، «4» و نسبه إلى جماعة و استحسنه. و نسبه في المسالك إلى المرتضى و ابن إدريس و العلّامة في غير المختلف. «5»

4. ذلك القول، لكن مع التردد في نذر غير الصوم. و هو خيرة المحقّق في الشرائع قال: و كفارة من أفطر يوما نذر صومه على أشهر الروايتين، و كذا كفارة الحنث في العهد، و في النذر على تردد. «6»

هذه هي الأقوال الموجودة في المسألة.

و يظهر من الخلاف اختصاص القول بكفّارة شهر رمضان- في خصوص ما إذا نذر صوم يوم معين- بالشيعة قال: من أفطر يوما نذر صومه من غير عذر

______________________________

(1). الجواهر: 16/ 271.

(2). المقنع: 409.

(3). كما في المسالك: 10/ 17.

(4). الوسائل: الجزء 15، الباب 23 من أبواب الكفّارات، ذيل الحديث 8.

(5). المسالك: 10/ 18.

(6). المصدر نفسه: 17، قسم المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 305

..........

______________________________

لزمته الكفارة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك. «1» و المراد، كفارة شهر رمضان لا مطلق الكفّارة، كيف؟ و قد رووا عن النبي: كفارة النذر، كفارة اليمين. «2»

إذا علمت ذلك فاعلم أنّ الروايات على طوائف:

الأولى: ما يدل على أنّ كفّارة حنث النذر مطلقا هو كفّارة شهر رمضان سواء كان المنذور هو الصوم أو غيره، و هو رواية واحدة صحيحة السند إلّا الراوي الأخير عن الإمام.

خبر عبد الملك بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: من

جعل للّه عليه أن لا يركب محرّما فركبه، قال: لا، و لا أعلمه إلّا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين، أو ليطعم ستين مسكينا «3».

و الرواية غير صالحة للاحتجاج لا في كفارة مطلق خلف النذر، و لا في خصوص المورد، أمّا الثاني. فواضح إذ لم يتعلق النذر بالصوم، و إنّما تعلق بترك المحرمات في الكتاب، و أمّا الأوّل، فلوجهين:

أ. تردد الراوي في نقل المضمون حيث قال: و لا أعلمه إلّا قال.

ب. انّ عبد الملك بن عمرو لم يوثّق، فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق، و قال: عربي كوفي، روى عنهما.

و روى الكشي عنه قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّي لأدعو لك. «4» و دعاء الصادق عليه السّلام منقول عن طريقه فلا يكون حجّة في حقّه، و عمل المرتضى في الانتصار، و ابن زهرة لا يكون جابرا للسند، مع تردّد المحقّق فيه في الشرائع،

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 221، كتاب الصوم، المسألة 84.

(2). مسند أحمد: 4/ 144، و غيره.

(3). الوسائل: الجزء 22، الباب 23 من أبواب الكفّارات، الحديث 7.

(4). قاموس الرجال: الجزء 7، برقم 6432.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

و إفتائه بالخلاف في النافع.

نعم ذهب المحقّق في خصوص هذه المسألة إلى أنّ كفارته، كفارة كبرى مخيرة، أفتى بها في كتاب الصوم في كتاب النذر، و إنّما تردد، أو أفتى بالخلاف في غير هذا المورد، و هو أمر عجيب، كما ذهب إلى هذا التفصيل ابن إدريس في السرائر و العلّامة في غير المختلف كما مر. «1»

و الحاصل: الذي يدل على أنّ كفّارته، كفارة كبرى مخيرة هو هذه الرواية و هي ضعيفة السند، و المتن غير خال عن الإشكال.

الثانية: ما يدل على أنّ

كفارته تحرير رقبة، و تدل عليه مكاتبات ثلاث:

أ. مكاتبة ابن مهزيار: انّه كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوما بعينه، فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه: «يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة». «2»

نقله صاحب الوسائل في كتاب الصوم بالسند التالي: محمد بن يعقوب، عن محمد بن جعفر الرزاز (شيخ الكليني الثقة) عن ابن عيسى (محمد بن عيسى بن عبيد) عن ابن مهزيار و كلّهم ثقات.

و نقله في باب كفارة خلف النذر بسند آخر، و هو: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار «3» و كلا الاسنادين صحيحان.

ب. مكاتبة الحسين بن عبيدة. «4»

ج. مكاتبة القاسم بن الصيقل. 5

______________________________

(1). المسالك: 10/ 18.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 15، الباب 23 من أبواب الكفّارات، الحديث: 1، 2.

(4) 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 307

..........

______________________________

و الجميع ظاهر في تعيّن تحرير الرقبة، و لو حملوا على بيان أحد الأعدال، فهو مشترك بين الكفارة الكبرى المخيرة، و كفارة اليمين، حيث إنّ الواجب فيه: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، و من لم يستطع فإطعام ثلاثة أيّام، و مثل ذلك لا يكون دليلا على أحد القولين.

الثالثة: ما يدل على أنّ كفارته، كفارة حنث اليمين، و هي روايات ثلاث:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن قلت: للّه عليّ فكفّارة يمين». و السند صحيح لا غبار عليه. «1»

2. معتبرة حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام قال: سألته عن كفّارة النذر؟ فقال: «كفّارة النذر، كفّارة اليمين». 2 و السند معتبر رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري الثقة، عن سليمان بن داود المنقري الثقة، عن حفص بن غياث الذي عمل الأصحاب برواياته، و إن كان عامي المذهب.

3. ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب إليه و قرأته: «لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين، نسأل اللّه التوفيق لما يحب و يرضى». 3

بناء على أنّ سبعة مصحّف «عشرة» كما عبّر بها في المقنع على ما عرفت حيث إنّ الظاهر ان التعبير، عبارة النص و قال في المسالك: إنّه كذلك بخط الصدوق الذي عندي.

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 15، الباب 23 من أبواب الكفّارات، الحديث 1، 4.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

و قد رواه صاحب الوسائل عن تهذيب الشيخ «1»، نعم رواه الكافي بسند آخر، و بذلك يظهر النظر فيما ذكره المحقّق الخوئي من أنّ هذه الرواية بسندها المذكور في الوسائل غير موجودة في الكافي، و إنّما هي موجودة فيه بسند آخر و هو:

عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار. و ذلك لأنّ صاحب الوسائل أخذ الرواية من التهذيب، و السند فيهما واحد، و لم ينقل

من الكافي.

هذه هي الروايات الواردة في المقام و خلاصتها:

1. أنّ خبر عبد الملك يدل على أنّ كفّارته كفارة شهر رمضان، و مورد الرواية نذر ترك مطلق المحرمات.

2. انّ ظاهر المكاتبات الثلاث هو تعيّن تحرير الرقبة، و موردها نذر الصوم، دون غيره.

3. ما يدل على أنّ كفّارته كفّارة اليمين، و هو بين مطلق، يعم مطلق حنث النذر، كما هو الحال في صحيحة الحلبي، و معتبرة حفص، و خاص بالصوم، كما هو الحال في مكاتبة بندار، و الطائفة الثالثة ظاهرة في تعين الرقبة، و لو أغمض عن دلالتها على التعيّن فهي صالحة للحمل على بيان إحدى الأعدال الموجودة في كفارة رمضان، أو كفّارة اليمين.

فالمعارضة بين خبر عبد الملك، و صحيحة الحلبي و معتبرة غياث، و مكاتبة بندار، و الترجيح مع الثانية، نعم هي موافقة للعامة الذين اتّفقت كلمتهم على أنّ كفّارة النذر، هي كفّارة اليمين، و العجب أنّ الشهيد في المسالك جعلها من المؤيدات و المرجحات لهذه الطائفة، مع أنّ المنصوص أنّها مرجحة للمخالف قال:

اتّفاق روايات العامة التي صحّحوها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي و إن لم تكن حجّة إلّا أنّها

______________________________

(1). التهذيب: 4/ 286، باب قضاء شهر رمضان، الحديث 40.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 309

[الرابع: صوم الاعتكاف]

الرابع: صوم الاعتكاف و كفّارته مثل كفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال، و لكن الأحوط الترتيب المذكور هذا، و كفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع فلا تعمّ سائر المفطرات، و الظاهر أنّها لأجل الاعتكاف لا للصوم و لذا تجب في الجماع ليلا أيضا. (1)

______________________________

لا تقصر عن أن تكون مرجّحة. «1»

اللّهمّ إلّا أن يقال: لم يثبت حجية خبر «عبد الملك» فلا تكون المخالفة مرجحة، و

لم يثبت عمل المشهور لما عرفت من الاختلاف في الفتوى، فالقول بأنّ كفّارة النذر هو كفّارة اليمين، هو الأقوى، و إن كان القول الآخر هو الأحوط.

(1) هنا فروع:

1. إذا اعتكف في غير شهر رمضان فأفطر بالجماع.

2. إذا اعتكف في غير شهر رمضان، لكن أفطر بسائر المفطرات.

3. إذا اعتكف في غير شهر رمضان، و جامع في الليل.

4. إذا اعتكف في شهر رمضان، فأفطر بالجماع.

5. تلك الصورة، لكنّه أفطر بسائر المفطرات.

6. إذا اعتكف في شهر رمضان، و جامع بالليل.

7. إذا اعتكف في غير شهر رمضان، لكن كان الصوم واجبا بالنذر، أو دخل في اعتكافه اليوم الثالث حيث يجب اعتكافه فيجب صومه أيضا، فهو بمنزلة شهر رمضان بصورة الثلاث فتكون الصور تسع. و يأتي حكم الفرع السابع بصوره الثلاث في المسألة الآتية فلاحظ.

______________________________

(1). المسالك: 10/ 20.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

و إليك دراسة الفروع:

1. إذا أفطر المعتكف في غير شهر رمضان بالجماع.

إذا كان صومه ممحضا للاعتكاف، و لم يكن واجبا بأحد العناوين كصوم رمضان أو قضائه أو النذر المعين، فكفارته كفارة شهر رمضان مخيرا.

قال أبو الصلاح: إن أفطر نهارا أو جامع ليلا فسخ اعتكافه، و وجب عليه استئنافه و كفارة رمضان.

و قال سلّار: من أفطر في أيام الاعتكاف أو جامع نهارا أو ليلا، فعليه كفّارة افطار يوم من شهر رمضان. «1»

و الحكم مورد اتّفاق كما سيوافيك، إنّما الكلام في كونها مخيرة أو مرتبة، حيث دلّت موثقة سماعة على التخيير، روى الشيخ باسناده، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن معتكف واقع أهله؟ قال: «هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان». «2»

و مثلها موثقته الأخرى التي هي

صريحة في التخيير: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: «عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا». 3

و بإزائهما صحيحتان:

1. روى زرارة قال: سألت عن المعتكف يجامع أهله؟ قال: «إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر». 4

______________________________

(1). المختلف: 3/ 593- 594، و قد نقل عبارات الأصحاب في المقام.

(2) 2، 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2، 5.

(3) 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 311

..........

______________________________

2. روى أبو ولاد الحناط: قال سألت أبا عبد اللّه عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فانّ عليها ما على المظاهر». «1»

و بما انّ الموثقة الثانية صريحة في التخيير، و الصحيحتان ظاهرتان في الترتيب يجمع بينهما، بحمل الترتيب على الأفضلية، فترفع اليد عن الظاهر بالنص.

و يمكن أن يقال: إنّ كفارة شهر رمضان هي نفس كفّارة الظهار، غير أنّ الترتيب في الأوّل مستحب دون الآخر لما مرّ من رواية علي بن جعفر عليه السّلام. «2»

و على ذلك فلا مانع من حمل قوله: «عليه ما على المظاهر» على إرادة الفرد الأفضل من كفّارة شهر رمضان.

2. إذا أفطر المعتكف بغير الجماع إذا كان معتكفا في غير شهر رمضان، و لم يكن صومه واجبا معيّنا، و أفطر بغير الجماع، فذهب المفيد و أبو الصلاح إلى وجوب الكفارة أيضا،

و قد مرّت عبارتهما، و هو خيرة المرتضى قال: فإن أفطر بغير الجماع في نهار الاعتكاف- من غير عذر- كان عليه ما على المفطر في نهار شهر رمضان. «3»

و قال سلّار: من أفطر في أيّام الاعتكاف أو جامع نهارا أو ليلا فعليه كفّارة إفطار يوم من شهر رمضان. 4

و لكن المساعدة مع هذا القول مشكلة لاختصاص الأدلة بالجماع، و كون

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 6، من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

(3) 3 و 4. المختلف: 3/ 593- 594.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

الإفطار محرّما لا يلازم الكفّارة، و هل يلحق الاستمناء بالجماع؟ فالظاهر من عبارة الشيخ في الخلاف هو وحدة الحكم. «1» و لعلّه لقوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع»، «2» و هو غير تام، لاختصاص موردها بشهر رمضان، فلا يدل على وجوب الكفّارة في غيره.

3. إذا اعتكف و جامع في الليل إذا اعتكف في غير شهر رمضان و جامع في الليل تجب عليه كفارة الاعتكاف، لخبر عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال: «عليه الكفارة»، قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال: «عليه كفارتان». «3» و نظيره مرسلة الصدوق غير انّه أسقط قيد شهر رمضان. 4

و الظاهر صلاحيته للاستدلال و إن اشتمل على لفظ «شهر رمضان» إذ لو كان له دخل في الحكم فانّما هو في نهاره لا في ليله، فليله و ليل غيره في الاعتكاف سواء.

ثمّ إنّ الظاهر وجوب الكفّارة لمطلق الاعتكاف سواء كان

مستحبا أو واجبا بنذر و شبهه، كما هو إطلاق الروايات، و عليه السيد الأستاذ في تحريره بشرط عدم الرفع عن اعتكافه قال: و كذا في المندوب على الأحوط إذا جامع مع عدم رفع اليد عن الاعتكاف، و أمّا معه فالأقوى عدم الكفارة، غير أنّ الظاهر من ابن أبي عقيل و تبعه العلّامة في المختلف عدم وجوبه للمندوب منه قال في المختلف: و قال ابن

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 238، كتاب الاعتكاف، المسألة 113.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(3) 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 4، 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 313

..........

______________________________

أبي عقيل- و نعم ما قال:- و من أفطر في اعتكافه أو جامع عامدا فقد أفسد عليه اعتكافه و عليه القضاء إذا كان اعتكافه نذرا. و قال العلّامة- بعد نقل كلامه-:

و الوجه أنّ الاعتكاف إن كان في شهر رمضان متعينا بنذر و شبهه وجب بالإفطار فيه و الجماع نهارا، كفارتان: أحدهما لرمضان و الأخرى للاعتكاف، و بالجماع ليلا كفارة واحدة.

و إن كان في غير رمضان و كان متعيّنا فكذلك.

و إن لم يكن متعيّنا فلا كفارة فيه بالإفطار، و يجب فيه بالإجماع كفارة واحدة، إن كان (الصوم) واجبا و إلّا فلا- إلى أن قال:- و لأنّه أبطل اعتكافا لم يتعين وقته فلا كفارة فيه، و مع الندبيّة أولى. «1»

4. إذا اعتكف في شهر رمضان و أفطر بالجماع قال الشيخ: لا يجوز للمعتكف المواقعة ليلا و نهارا، فإن واقع ليلا فعليه كفارة رمضان: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا؛ و إن كانت مواقعته بالنهار في شهر رمضان

كان عليه كفارتان. و جرى عليه في المبسوط، و الخلاف و الاقتصاد، و به قال ابن الجنيد، و السيد المرتضى في الانتصار، و ابن البراج في المهذب، و ابن إدريس في السرائر، و ابن حمزة في الوسيلة، و نسبه الصدوق في الفقيه إلى الرواية. «2»

قال العلّامة: الوجه انّ الاعتكاف إن كان في شهر رمضان متعينا بنذر و شبهه وجب بالإفطار فيه، و الجماع نهارا، كفّارتان: إحداهما لرمضان، و الأخرى للاعتكاف. و بالجماع ليلا كفارة واحدة، و إن كان في غير رمضان و كان متعينا

______________________________

(1). المختلف: 3/ 594.

(2). المختلف: 3/ 592- 594.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 314

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

فكذلك. «1»

حاصله: أنّ الموضوع للكفارة هو الاعتكاف، و هو سبب مستقل، و صوم رمضان سبب آخر، فلا يتداخلان.

و يؤيده ما رواه الصدوق، و الشيخ، عن محمد بن سنان، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال: «عليه الكفّارة». قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال: «عليه كفّارتان». «2» و لعلّه نفس مرسلة الصدوق. 3

و الرواية ضعيفة لمحمد بن سنان- على القول بضعفه-، و أمّا عبد الأعلى بن أعين، فقد قال المفيد في حقّه في الرسالة العددية: من فقهاء أصحاب الصادقين عليهما السّلام و الاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذي لا يطعن عليهم، و لا طريق إلى ذم واحد منهم، و هم أصحاب الأصول المدوّنة و المصنفات المشهورة. 4

و الرواية صالحة للتأييد.

5. إذا اعتكف في رمضان و أفطر بسائر المفطرات فلا يجب عليه إلّا كفارة واحدة، و هي لأجل الإفطار في شهر رمضان، لا للاعتكاف لما عرفت من أنّ اختصاص الكفّارة فيه بالجماع.

6. إذا اعتكف في شهر رمضان لكنّه جامع بالليل: فعليه كفّارة واحدة.

هذا حكم الفروع التي أشرنا إليها، و هناك فروع أخرى نشير إلى حكمها في المسألة الآتية.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 594.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 4، 3.

(3) 4. قاموس الرجال: 6/ 42.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 315

و أمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في إفطاره واجبا كان كالنذر المطلق و الكفّارة، أو مندوبا فإنّه لا كفّارة فيها، و إن أفطر بعد الزوال. (1)

[المسألة 2: تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين أو أزيد من صوم له كفّارة]

المسألة 2: تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين أو أزيد من صوم له كفّارة، و لا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع و إن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى، و إن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين، بل الأحوط التكرار مطلقا، و أمّا الجماع فالأحوط بل الأقوى تكريرها بتكرّره. (2)

______________________________

(1) 1. إذا اعتكف في غير رمضان لكن كان الصوم واجبا معينا بالنذر أو وجب الاعتكاف بدخوله في اليوم الثالث أو السادس و معه وجب صومه، فأفطر، فحكمه حكم رمضان في الكفارة، فلو جامع نهارا فعليه كفارتان: إحداهما للاعتكاف، و الأخرى للصوم الواجب بالنذر.

2. و لو جامع ليلا، فله كفارة واحدة للاعتكاف.

3. و لو أفطر نهارا بسائر المفطرات، فعليه كفارة واحدة للإفطار، دون الاعتكاف لما عرفت من اختصاص كفارته بالجماع و اللّه العالم.

(2) أقول: الكلام في إفطار الصوم

الذي له كفارة و لا خلاف نصا و فتوى في أنّ الكفارة تتكرر بتكرر الموجب إذا كان في يومين.

إنّما الخلاف في تكرّرها بتكرار الموجب في اليوم الواحد، و هنا صور:

لأنّ الموجب المتكرّر، إمّا هو الجماع، أو غيره؛ و على الثاني، إمّا يختلفان جنسا، أو يتحدان؛ و على فرض الاتحاد إمّا يتخلّل التكفير بين الموجبين، أو لا، فقد

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

قوّى الماتن التعدّد فيما إذا كان الموجب هو الجماع، و نسب التكرر في المختلف جنسا أو المتخلل بينها التكفير إلى الاحتياط، ثمّ احتاط في جميع الصور.

هذه صور المسألة، و أمّا الأقوال:

1. لا يتكرّر بتعدّد الموجب مطلقا. و هو خيرة الشيخ في المبسوط، و ابن حمزة في الوسيلة.

2. تتكرّر مطلقا. نقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

3. التفصيل بين الجماع فتتكرّر، و غيره فلا. و هو خيرة المرتضى، و أبي الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب.

4. التفصيل بين التكفير عن الموجب الأوّل فتتكرّر، دون ما إذا لم يكفّر فواحدة. و هو خيرة ابن الجنيد.

5. التفصيل بين تغاير جنس المفطر فتتعدد سواء اتحد الزمان أو لا، كفّر عن الأوّل أو لا و اتحاد جنس المفطر في يوم واحد، فإن كفر عن الأوّل تتعدد الكفارة و إلّا فلا. و هو خيرة العلّامة في المختلف. «1»

و هذه الفتاوى مبنية على كون تعدد الأسباب موجبا لتعدد المسببات و عدمه، أو يفصل بين التكفير و غيره، أو بين وحدة الجنس و عدمه.

و أمّا أهل السنة، فقد حكى الشيخ في الخلاف عدم الخلاف بينهم في عدم تعدّد الكفارة و انّهم نصوا بذلك، ثمّ نقل عن السيد المرتضى التفصيل المتقدم. «2»

أمّا ابتناء التعدّد و عدمه على

المسألة الأصولية من تداخل الأسباب و عدمه، فالظاهر انّه لا موضوع له كما نصّ به غير واحد من الأعلام، لأنّه مبني على أحد

______________________________

(1). المختلف: 3/ 450، أخذت الأقوال منه.

(2). الخلاف: 2/ 189- 190، كتاب الصوم، المسألة 38.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 317

..........

______________________________

أمرين غير ثابتين.

1. انّ السبب نفس استعمال ذات المفطر من الأكل و الشرب.

2. السبب هو إفطار الصوم، أو مخالفة وجوب الإمساك التأدبي. و لكنّهما غير ثابتين.

فلأنّ المتبادر من قوله: «من أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا» هو كفارة من نقض صومه، و أبطل فريضته، و هو يتحقق بالموجب الأوّل و لا يبقى للموجب موضوع.

أقول: إنّ هنا احتمالين:

أ. انّ التكفير مترتب على عنوان الإفطار و هو غير صادق في مورد السبب الثاني أو على استعمال المفطر فيعمّ الموجب الثاني كالأوّل، و لكن الاحتمال الأوّل أظهر، لأنّ المتبادر من الروايات انّها جريمة على نقض الصوم و إبطاله، و هو يتحقّق بالأوّل دون الثاني.

و منه يعلم حكم الجماع أيضا، فانّ العنوان فيه و إن كان قوله: «في رجل واقع أهله في شهر رمضان» و هو يصدق على الموجب الثاني و الثالث، و لكن الاعتماد على هذا الظهور كالاعتماد على عنوان الإفطار، يعدّ دقة عقلية، بعد كون المتبادر في هذه الموارد، كون الكفّارة لأجل إبطال الصوم و قد بطل فلا موضوع للتكفير.

و أبعد منه كون المخالفة للإمساك تأدّبا هي موضوع للحكم، فيجب التعدّد مطلقا حسب الواجبات، فالقول بعدم التعدّد هو الأقوى.

و أمّا الاعتماد في تعدّده بالجماع على الروايات المروية في المقام، فكلّها ضعاف كما لا يخفى. «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1، 3.

الصوم في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 318

[المسألة 3: لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن تكون الحرمة أصليّة كالزناء و شرب الخمر، أو عارضيّة كالوطء حال الحيض]

المسألة 3: لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن تكون الحرمة أصليّة كالزناء و شرب الخمر، أو عارضيّة كالوطء حال الحيض أو تناول ما يضرّه. (1)

[المسألة 4: من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم]

المسألة 4: من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث لكنّه مشكل. (2)

[المسألة 5: إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي]

المسألة 5: إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي. (3)

______________________________

(1) قد عرفت أنّ وجوب كفارة الجمع من باب الاحتياط، و عليه لا فرق بين الذاتي و العرضي لإطلاق لفظ الحرام الوارد في النصوص. «1»

(2) تقدم الكلام في معنى «الخبائث» و انّ المراد منها، هي الميتة و الدم و لحم الخنزير التي كانت العرب تتناولها، مضافا إلى تعارف بلعه بلا اكتراث.

(3) و ذلك لأنّ الوارد في لسان النصوص «فعليه ثلاث كفارات»، الظاهر في وجوب كل على وجه الاستقلال، فلا يضرّ سقوط البعض لأجل التعذّر كالعتق في هذه الأيّام، بوجوب الباقي فما استظهره السيد الحكيم قدّس سرّه في كون التكليف بالجمع ارتباطيا و انّ مقتضى القاعدة الأوّلية سقوط وجوب الممكن منها بالعجز عن بعض أجزائه لا يخلو من تأمّل.

أضف إلى ذلك انّه يلزم أن يكون المفطر بالمحرّم أهون أمرا من غيره، إذ يتعين على الثاني غير المتعذر من الأمور الثلاثة، بخلاف المقام، فإذا تعذر إحدى الخصال يسقط الباقي و هو كما ترى.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 319

[المسألة 6: إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفّارات بعددها]

المسألة 6: إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفّارات بعددها و إن كان على الوجه المحرّم تعدّدت كفّارة الجمع بعددها. (1)

[المسألة 7: الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعدّ إفطارا واحدا و إن تعدّدت اللقم]

المسألة 7: الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعدّ إفطارا واحدا و إن تعدّدت اللقم، فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعدّدها، و كذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة. (2)

[المسألة 8: في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر الكفّارة]

المسألة 8: في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر الكفّارة و إن كان أحوط. (3)

[المسألة 9: إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة]

المسألة 9: إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة، و كذا إذا أفطر أوّلا بالحلال ثمّ أفطر بالحرام تكفيه كفّارة الجمع. (4)

______________________________

(1) على القول بتعدّد الكفّارات في الجماع و القول بكفّارة الجمع في الإفطار بالمحرم.

(2) لأنّ المجموع يعدّ إفطارا واحدا.

(3) لأنّ المجموع يعدّ جماعا واحدا، لأنّ لوحدة المجلس مدخلية في إضفاء وصف الوحدة على العمل المتكرر.

(4) ذكر فيها فرعان:

1. إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع، فقال المصنّف: يكفيه التكفير الواحد.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

2. إذا أفطر بحلال ثمّ أفطر بحرام فقال قدّس سرّه: تكفيه كفارة الجمع.

أمّا الأوّل، فكان ما دلّ على وجوب الكفارة بالجماع منصرف إلى ما إذا لم يسبقه استعمال مفطّر قبله.

لكنّه إنّما يتم لو كان المعتمد في تكرّر الكفارة بالجماع، النصوص الضعيفة الماضية. «1» و أمّا إذا كان الدليل لوجوب الكفارة في الجماع هو عنوان: «المواقعة» فهو موجب للكفارة سبقه مفطّر آخر، أو لا، بخلاف سائر المفطرات، فانّ الموضوع فيها هو الإفطار فلا يصدق فيما إذا سبقه مفطر آخر، فما ذكره صحيح فيما إذا عكس، أي جامع ثمّ تناول مفطرا.

أمّا الثاني فله صور:

1. إذا أفطر بحلال ثمّ بحرام و كانا بغير الجماع، كما إذا أكل حلالا ثمّ شرب الخمر.

2. إذا أفطر بحلال بغير الجماع ثمّ جامع بالجماع الحرام.

3. أن يكون على العكس.

ففي الصورة الأولى، تكفيه إحدى الخصال، لما عرفت من أنّه لا تأثير للمفطر الثاني، لأنّه ليس بصائم.

و في الصورة الثانية منها، يجب الجمع بين إحدى الخصال للأوّل و كفارة الجمع للثانية، أمّا الأولى فلكونه مفطرا، و

أمّا الثانية فلأنّ العنوان هو المواقعة الصادقة على ما إذا تقدّمها مفطر آخر.

و في الصورة الثالثة تكفي كفارة الجمع، إذ ليس للمفطر الآخر تأثير.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1 و 2 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 321

[المسألة 10: لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضا]

المسألة 10:

1. لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضا لم تجب عليه.

2. و إذا علم أنّه أفطر أيّاما و لم يدر عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم.

3. و إذا شكّ في أنّه أفطر بالمحلّل أو المحرّم كفاه إحدى الخصال.

4. و إذا شكّ في أنّ اليوم الّذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة.

5. و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين. (1)

______________________________

(1) تتضمن المسألة فروعا خمسة، و أساس الأحكام المذكورة هو انّه إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر فهو مجرى للبراءة دون ما إذا دار الأمر بين المتباينين، فالمحكّم هو الاحتياط و إليك التطبيق:

أمّا الصورة الأولى، فلدوران الأمر بين الأقل و الأكثر، فوجوب القضاء معلوم على كلّ حال، و الكفارة مشكوكة الوجوب تجري فيها البراءة.

أمّا الصورة الثانية، فكذلك: فإذا تردّد الفائت بين عشرة أو عشرين، فوجوب الأقل معلوم و وجوب الأكثر مشكوك يقع مجرى للبراءة.

و ربما يقال بالاحتياط، و ذلك بوجهين:

1. انّ التكليف بصوم شهر رمضان قد تنجّز في ظرفه و شكّ في الخروج عن

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

عهدة التكليف المعلوم بإتيان الأقل، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا

بالإتيان بالأكثر.

يلاحظ عليه: أنّ التكليف بشهر رمضان لمّا سقط بالعصيان، في المقام، فحدث تكليف جديد باسم القضاء مردّد بين الأقل و الأكثر، فتجري البراءة في الأكثر المحتمل.

2. المفروض انّه كان ذاكرا المقدار الفائت من الصوم و تنجز الواقع عند ذاك ثمّ طرأ النسيان، ففي مثله يجب الخروج عن عهدة التكليف على وجه اليقين.

و لا يحصل البراءة إلّا بالاحتياط.

يلاحظ عليه: أنّ العلم السابق إنّما ينجز إذا كان موجودا، فإذا انعدم بطروء النسيان فقد زال تنجزه.

فإن قلت: ربما يزول العلم و يبقى أثره، كما إذا أراق أحد الإناءين المشتبهين، فليس عندئذ علم إجمالي بنجاسة الإناء الباقي أثره.

قلت: الفرق بين المقامين واضح، لأنّ العلم في مورد الاناءين بكمّه و كيفه موجود في ظرفه حتى بعد الإراقة، أي يعلم أنّ أحد الإناءين كان نجسا قبل الإراقة، و هذا بخلاف المقام، إذ ليس في المقام بعد النسيان إلّا العلم بأصل الفوت، و أمّا مقداره فهو مجهول.

و منه يعلم عدم وجوب الكفّارة إلّا بالمقدار المتيقن قضاؤه، و أمّا المشكوك، فلا يجب قضاؤه و لا كفّارته.

و أمّا الصورة الثالثة، فلجريان البراءة عن وجوب جميع الخصال، و تصور تردّد الواجب بين عنوانين متباينين: إحدى الخصال أو جميعها، فيجب الاحتياط، مدفوع بأنّ العنوانين يشيران إلى الخارج، و هو تردّد الواجب في نظر العقل مردّد بين واحد أو كثير.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

أمّا الصورة الرابعة، أعني: ما إذا أفطر قبل الزوال و دار الأمر بين كونه من رمضان فتتعلّق به الكفارة، أو من قضائه فلا تتعلّق، فيدور الأمر بين وجوب الكفّارة و عدمه فيكون مجرى للبراءة.

و أمّا الصورة الخامسة، و هي نفس الصورة لكن أفطر بعد الزوال، فتردد بين كونه من

قضاء شهر رمضان، فيكفي في كفارته إطعام عشرة مساكين- على ما مرّ- أو من رمضان، فلا تكفي إلّا إطعام ستين مسكينا، و قد أفتى الماتن بكفاية الأقلّ.

فاستدل السيد الحكيم عليه بقوله: إنّ الشكّ المذكور يوجب العلم إجمالا بوجوب التصدّق على عشرة مساكين تعيينا، أو بوجوب الصدقة على ستين مسكينا تخييرا بينه و بين العتق و صوم شهرين متتابعين، فالتصدق على عشرة مساكين مما يعلم بتعلّق الطلب به المردّد بين التعيين و التخيير، و لأجل ذلك يعلم بتحقّق الامتثال به و يشك في وجوب الزائد عليه، فيرجع فيه إلى أصل البراءة. «1»

و أورد عليه المحقّق الخوئي بالمنع عن كون المقام من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير، ليؤخذ بالمتيقن في مقام الجعل و يدفع الزائد بالأصل، و ذلك لما ذكرناه في محلّه من الأصول من أنّ متعلّق الوجوب إنّما هو الجامع الانتزاعي المنطبق على كلّ من الطرفين أو الأطراف، و ليس الطرف بنفسه متعلقا للتكليف بوجه، و إنّما هو محقّق للامتثال، و عليه ففي المقام نعلم إجمالا بتعلّق الطلب إمّا بالعنوان الجامع، أعني: إحدى الخصال من إطعام الستين و أخويه، أو بإطعام عشرة مساكين. و من الضروري انّ العشرة مباينة مع الجامع المزبور و ليس أحدهما متيقنا بالإضافة إلى الآخر ليؤخذ به و يدفع الزائد بالأصل. نعم العشرة متيقنة بالإضافة إلى الستين، و لكن الستين ليس متعلّقا للتكليف جزما، فكما أنّ مقتضى

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 358.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

الأصل عدم تعليق التكليف بالجامع كذلك مقتضاه عدم تعلّقه بالعشرة، فيسقطان بالمعارضة، فلا بدّ من الاحتياط، و يتحقّق: إمّا بالجمع بين العشرة و بين العتق أو الصيام، و إمّا باختيار الستين للقطع بتحقّق

الامتثال في ضمنه، إمّا لكونه عدلا للواجب التخييري، أو لأجل اشتماله على العشرة و زيادة. «1»

يلاحظ عليه: أنّه مبني على أنّ الواجب في الواجب التخييري هو العنوان الانتزاعيّ المنطبق على كلّ واحد من الأطراف، و لكنّه أحد الآراء و ليس على تعيّنه دليل، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه، فانّ الظاهر انّ الواجب هو كلّ واحد من الأطراف لكن على وجه لو أتى بواحد منها سقط التكليف عن غيره بخلاف الواجب التعييني بالنسبة إلى تعييني آخر، فانّ الإتيان به لا يسقط التكليف عن الآخر، و ذلك لأجل تعدّد الملاك في الأخير و وحدته في الأوّل و حصوله بكلّ واحد منهما.

و يؤيد ذلك ظهور الآية فيما ذكرنا، أعني: قوله سبحانه في كفارة اليمين:

فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ. «2»

فانّ الآية ظاهرة في تعلّق التكليف بنفس العناوين لا بالأمر الانتزاعي الجامع بينها و كلّ واحد من الأمور الثلاثة واجب تعلق به الطلب لكن على وجه لو أتى بواحد منها، يسقط الطلب عمّا عداه.

و على ذلك فنحن نعلم بوجوب إطعام العشرة: إمّا تعيينا إذا أفطر قضاء شهر رمضان، أو في ضمن ستين مسكينا تخييرا بينه و بين أخويه، فينتج العلم بوجوب العشرة و الشكّ في تعلّقه بالزائد عنه.

______________________________

(1). مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 325- 326 بتلخيص.

(2). المائدة: 89.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 325

[المسألة 11: إذا أفطر متعمّدا ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة]

المسألة 11: إذا أفطر متعمّدا ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة بلا إشكال، و كذا إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها، بل و كذا لو بدا له السفر لا

بقصد الفرار على الأقوى، و كذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخّص، و أمّا لو أفطر متعمّدا ثمّ عرض له عارض قهريّ من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار ففي السقوط و عدمه وجهان، بل قولان، أحوطهما الثاني و أقواهما الأوّل. (1)

______________________________

و مع هذا فنحن لا نؤمن بالانحلال و حصول العلم التفصيلي بوجوب العشرة، و ذلك لأنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقل على كلّ تقدير، معلول العلم إجمالي إمّا بوجوب العشرة بنفسها أو في ضمن إطعام ستين مسكينا مع أخويه، و هذا العلم الإجمالي هو العلّة لحصول العلم التفصيلي، و مع ذلك كيف يكون العلم التفصيلي سببا هادما للعلم الإجمالي بإجراء الأصل عن وجوب إطعام ستين مسكينا مع أخويه، و هذا أشبه بكون المعلول هادما لعلته.

و هذا نفس الإشكال الذي أورده المحقّق الخراساني على القائلين بالانحلال في الواجب المردّد بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و نحن و إن أجبنا عن إشكاله في الأصول لكن الجواب المذكور غير ناجع في المقام، كما هو الظاهر لمن أمعن النظر في جوابنا. «1»

(1) موضوع المسألة من أفطر صوما تتعلّق الكفارة بإفطاره، و لكنّه طرأ عليه عنوان مسوغ للإفطار، فهل يكون ذلك كاشفا عن عدم وجوب الصوم عليه في الواقع، و بالتالي عدم كونه مفطرا للصوم.

______________________________

(1). لاحظ المحصول: 3/ 548.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 326

..........

______________________________

ثمّ إنّ للمسألة فروعا:

الأوّل: إذا أفطر بلا مسوّغ و طرأ عليه عنوان لم يكن مسوّغا له، كما إذا أفطر قبل الزوال و سافر بعده، فانّ السفر بعد الزوال لا يؤثر في جواز الإفطار عندنا و عند عامة الفقهاء إلّا أحمد. «1»

و هذه الصورة خارجة عن المقسم،

أعني: طروء عنوان يرخّص الإفطار.

الثاني: إذا أفطر ثمّ سافر قبل الزوال للفرار عن الكفارة.

الثالث: إذا أفطر ثمّ سافر قبل الزوال لقضاء الحاجة.

الرابع: إذا أفطر و طرأ عليه عنوان مسوغ للإفطار خارج عن الاختيار، كما إذا حاضت أو نفست أو مرض أو جنّ و غير ذلك.

هذه هي صور المسألة.

و أما الأقوال، فهي ثلاثة: فمن قائل بوجوب الكفارة مطلقا، إلى آخر بعدمه مطلقا، إلى ثالث قائل بالتفصيل.

أمّا الأوّل، فهو خيرة الشيخ في الخلاف، فقال بعدم سقوط الكفّارة و أضاف:

و للشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه و هو أقيسهما؛ و الثاني: لا كفارة عليه، و به قال أبو حنيفة. «2»

و أمّا الثاني، فلم نجد من الأصحاب قائلا به، و حكاه الشيخ في الخلاف عن أبي حنيفة، و وجهه كون السفر كاشفا عن عدم وجوب الصوم عليه، فلا تتعلّق الكفارة بالإفطار المجاز واقعا.

و أمّا الثالث، فهو خيرة العلّامة في المختلف قال: الأقرب عندي السقوط إن

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 219، كتاب الصوم، المسألة 80.

(2). الخلاف: 2/ 219، كتاب الصوم، المسألة 79.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 327

..........

______________________________

كان المسقط من قبل اللّه تعالى كالحيض و المرض و الإغماء و الجنون، أو من قبله و إن كان باختياره لا لذلك كالسفر، أمّا لو كان غرضه من فعل المسقط إسقاط الكفّارة فلا، كما لو أفطر ثمّ خرج إلى السفر لإسقاطها، فان الكفارة لا تسقط عنه. «1»

و هناك تفصيل آخر اختاره السيد الحكيم قدّس سرّه و هو التفريق بين الناقض الاختياري و عدمه مطلقا، فلا يسقط في الأوّل و يسقط في الثاني. «2»

و إليك دراسة الأقوال.

أمّا الأوّل فله وجهان:

1. ما ذكره المحقّق الخوئي قدّس سرّه و حاصله: انّ الإفطار الموضوع لوجوب

الكفّارة عبارة عن نقض العدم، و قلبه إلى الوجود، لأنّه في مقابل الإمساك الذي هو صوم لغويّ، و لا يتوقف صدقه على تحقّق الصوم الشرعي بل كان مأمورا بالإمساك سواء أ كان ذلك مصداقا للصوم الشرعي أيضا أم لا.

و حاصله: انّ المكلّف في هذه الفترة ليس مأمورا بالصوم بل مأمور بالإمساك إلى أن يسافر، أو يطرأ عليه طارئ، فلو تناول المفطر لصدق عليه انّه أفطر.

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من الأدلة هو المفطر لصومه، فالموضوع للكفارة هو إفطار الصائم بلا مسوغ لا إفطار الممسك بلا مسوغ.

2. انّ المكلّف في هذه الفترة صائم ظاهرا و واقعا، فلو أفطر، فقد أفطر صائما فتعمّه أدلة الكفّارة.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 452.

(2). مستمسك العروة الوثقى: 8/ 360.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

توضيحه: أ. انّ عدم السفر ليس شرطا للصوم و لا قيدا للواجب و إنّما هو ناقض له، فإذا تحقق، ينقض الصوم شأن كلّ مانع و قاطع و ناقض، و قد ذكرنا في محله انّ كون الشي ء مانعا، ليس بمعنى أخذ عدمه في جانب المأمور، بل وجوده، مانع عن تحقّق الواجب، فلو كان حين الفجر حاضرا يكون مأمورا بالصوم غاية الأمر لو سافر، يكون السفر ناقضا و مانعا عن استدامته، لا انّ وجوب الصوم مقيد بعدم السفر في ذلك اليوم، نعم لو كان حين الفجر مسافرا فهو غير مكلّف بالصوم لوجود المانع من أوّل الأمر، و لذلك قال سبحانه: وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ.

ب. ليس الصوم علما، للإمساك مع النية من مطلع الفجر إلى المغرب، بل هو يصدق على القليل و الكثير، كالصلاة و الماء، فهو بين الحدين صائم، فلو أفطر فقد

أفطر صائما.

ج. انّه مكلف بالإمساك مع النّية بين الحدين، و لذلك لا يجوز له الإفطار قبل الوصول إلى حدّ الترخص، و لا يجوز على المرأة الإفطار حتى تطمث. «1»

و على ضوء ذلك، تجب عليه الكفّارة مطلقا من غير فرق بين الاختيار و الاضطرار.

و أمّا القول الثاني، أعني: السقوط مطلقا، فهو مبني على أنّه غير مكلف بالصوم في علم اللّه، فلو أفطر، فقد أفطر و هو غير صائم، فلا تترتب عليه الكفّارة.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّه ليس قيدا للوجوب و لا للواجب، غير انّ بينه و بين الصوم منافرة و تمانع، و معه لا دليل على أنّه غير مكلّف بالصوم بالمقدار الممكن.

و أمّا التفصيل بين الاختياري و الاضطراري فهو خيرة السيد الحكيم و حاصل ما أفاده: انّ موضوع الكفارة: الصوم الصحيح الواجب على المكلّف صحّة تأهلية، و هذا المعنى لا يختل بوجود السفر باختياره.

نعم لو كان السفر غير اختياري كان موجبا للمنع عن التكليف بالصوم، لأنّه مع الاضطرار إلى السفر لا يقدر على إتمامه فلا يكون مكلّفا به فينتفي موضوع الكفارة، لأنّه الصوم الواجب. و أمّا السفر الاختياري فلا يمنع عن القدرة على الصوم التامّ، و لا عن التكليف به من غير جهة السفر. «1»

يلاحظ عليه: بأنّه مبني على تقييد الواجب بعدم طروء الطوارئ إلى نهاية اليوم، فعندئذ لا يكون الصوم أمرا مقدورا في الواقع و مكلّفا به. و لكنّك عرفت انّ مرجع المانع أو الناقض إلى وجود التباين و التنافي بين الأمرين على نحو يزاحم الآخر، لا إلى وجوب الواجب مشروط

بعدمه، فعندئذ لا مانع من تعلّق خطاب الصوم به في مطلع الفجر غاية الأمر إذا طرأ المانع يكون الاستمرار أمرا غير مقدور.

ثمّ إنّه يمكن أن يستدل على عدم سقوط الكفّارة بما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أيّما رجل كان له مال حال عليه الحول، فإنّه يزكّيه»، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال عليه السّلام: «ليس عليه شي ء أبدا».

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 360.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

و قال زرارة عنه عليه السّلام: «إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته، ثمّ يخرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره إبطال الكفارة التي وجبت عليه».

و قال: «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء بمنزلة من خرج ثمّ أفطر». «1»

لقد شبه الإمام من وهب المال الذي تعلّقت الزكاة به بعد حلول الحول، بمن أفطر ثمّ خرج بعد الزوال كما شبّه من وهب قبل حلوله، بمن خرج ثمّ أفطر، فكما أنّ الهبة بعد التعلّق، لا يؤثر في وجوب الزكاة فهكذا الإفطار أوّلا، ثمّ السفر ثانيا، لا يؤثر في الحكم الشرعي، فعليه القضاء و الكفّارة.

و أورد عليه السيد الحكيم: بأنّ مورده السفر بعد الزوال في آخر النهار، و قد عرفت أنّه لا إشكال في عدم إسقاطه للكفّارة. «2»

و يمكن أن يقال: إنّ وجه التقييد به لأجل حفظ المشابهة بين الموردين، فانّ الزكاة لا تتعين إلّا بحلول الحول، فهكذا الصوم لا يتعين إلّا بدخول الزوال، فناسب التمثيل بمورد يتعين فيه الزمان للصوم، و ليس هو إلّا إدراك الإنسان الزوال صائما.

و

بذلك يعلم تعلّق الكفارة بجميع الصور، لأنّه أفطر و كان مكلّفا بالصوم و تصور انّ المكلّف مع السفر الاضطراري لا يقدر على إتمامه فلا يكون مكلّفا به و مثله سائر الموانع الاضطرارية غير تام، لأنّه يكشف عن عدم وجوب الصوم التام، لا المقدار الذي وجب عليه الصوم ظاهرا و واقعا. و ليس للمرأة التعلل من غسل الجنابة بحكم علمه بأنّها تحيض أثناء النهار، لأنّها مأمورة بالصوم ما دام لم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 58، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). المستمسك: 8/ 359.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 331

[المسألة 12: لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال]

المسألة 12: لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال فالأقوى سقوط الكفّارة، و إن كان الأحوط عدمه، و كذا لو اعتقد أنّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّدا فبان أنّه من شوّال أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان. (1)

[المسألة 13: قد مرّ أنّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا إن كان مستحلا فهو مرتدّ]

المسألة 13: قد مرّ أنّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا إن كان مستحلا فهو مرتدّ، بل و كذا إن لم يفطر و لكن كان مستحلا له، و إن لم يكن مستحلا عزّر بخمسة و عشرين سوطا، فإن عاد بعد التعزير عزّر ثانيا، فإن عاد كذلك قتل في الثالثة، و الأحوط قتله في الرابعة. (2)

______________________________

تحض، فإذا حاضت انقطع الوجوب، لا انّه كشف عن عدم وجوب الصيام عليها رأسا.

و بالجملة فالمحكّم هو إطلاق الدليل، و هو شامل لهذه الأصناف و ليس الموضوع كونه عاريا عن المانع في علم اللّه إلى الغروب، إذ ليس علمه سبحانه موضوعا للتكليف.

(1) وجه هذه الفروع الثلاثة واضحة، لأنّ الحكم تابع لموضوعه واقعا، و المفروض انّه لم يكن من رمضان، بل كان إمّا من شعبان، أو من شوال، فلم يكن الصوم واجبا حتى تتعلق به الكفارة و ما احتاط به ليس له وجه.

نعم هو متجرّ و عليه ما على المتجرّي من الحكم.

(2) مرّ الكلام فيه في صدر الكتاب، و المسألة مطروحة في كتاب الحدود، و يطلب التفصيل من هناك.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 332

[المسألة 14: إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرها لها كان عليه كفّارتان و تعزيران]

المسألة 14: إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرها لها كان عليه كفّارتان و تعزيران خمسون سوطا، فيتحمّل عنها الكفّارة و التعزير، و أمّا إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما كفّارته و تعزيره، و إن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى، و إن كان الأحوط كفّارة منها و كفّارتين منه، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة. (1)

______________________________

(1) في المسألة قولان، و المشهور انّه يجب عليه كفّارتان، و القول الآخر لابن أبي عقيل انّ

عليه كفارة واحدة.

قال الشيخ في الخلاف: يجب بالجماع كفّارتان: إحداهما: على الرجل، و الثانية: على المرأة إن كانت مطاوعة له، فإن استكرهها كان عليه كفّارتان.

و قال الشافعي في القديم و الأم: كفّارة واحدة، و عليه أصحابه و به يفتون.

و هل عليه أم عليها، و يتحملها الزوج على وجهين. و قال في الإملاء: كفارتان: على كلّ واحد منهما كفارة كاملة من غير تحمل، و به قال مالك و أبو حنيفة. «1»

و قال ابن أبي عقيل: و لو انّ امرأة استكرهها زوجها فوطأها، فعليها القضاء وحده و على الزوج القضاء و الكفارة.

و قال ابن إدريس: إذا أكرهها لم يكن عليها قضاء و لا كفارة.

يقع الكلام تارة في مقتضى القاعدة الأوّلية، و أخرى في مقتضى النصوص الواردة في المسألة.

أمّا الأوّل: فلو كان الإكراه مستمرا، لم يتعلّق بالزوج إلّا كفارة واحدة؛ و أمّا الكفارة الثانية، فلا وجه لها، أمّا على القول بصحّة صوم الزوجة، كما هو الأقوى؛

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 182، كتاب الصوم، المسألة 26، و لم يعلم مورد قوله: «و قال في الاملاء» فهل هو ناظر إلى صورة المطاوعة أو الاكراه؟

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

و عليه ابن إدريس في سرائره. «1» فواضح إذ الكفارة فرع فساد الصوم و المفروض صحّته و أمّا على القول الآخر، من بطلان صومها، فالكفارة مرفوعة بحكم حديث الإكراه، فليس هنا كفّارة حتى يتحمّلها الزوج، و على فرض عدم رفعها، فانتقال الكفّارة من شخص إلى شخص آخر يحتاج إلى الدليل.

أمّا الملفّق من الطاعة و الإكراه، فلو كانت مطاوعة في الابتداء فلكلّ كفارته، و ذلك لأنّها أفسدت صومها بالجماع عن طوع و رغبة، و لو رضيت في الآخر، بعد ان كانت مستكرهة

في الابتداء، فعدم تعلّقها بها رهن شمول حديث الإكراه بهذا القسم، فهي مكرهة في بعض الوقت و مختارة في البعض الآخر، و لعلّ الحديث منصرف عن هذه الصورة.

فتبين انّ مقتضى القاعدة، وجوب كفّارة واحدة على الزوج في الأوّلين من الصورة و كفّارتين إحداهما للزوج و الأخرى للزوجة في ثالثها.

و أمّا حسب النص الوارد في المسألة فقد روى الكليني، عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حماد، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة؟ فقال: إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا». «2»

و الاستدلال رهن صحّة السند أو جبر ضعفه إذا كان ضعيفا.

أمّا علي بن محمد بن بندار فهو شيخ الكليني لم يوثق؛ و أمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر، فهو النهاوندي الذي قال في حقّه النجاشي: كان ضعيفا في حديثه «3»؛ و أمّا عبد اللّه بن حماد، فهو ثقة بلا ريب عرّفه النجاشي بقوله: من

______________________________

(1). السرائر: 1/ 386.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). رجال النجاشي: 1/ 94 برقم 20.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

شيوخ أصحابنا، له كتابان «1»؛ و أمّا المفضل فقد اختلفت فيه كلمة الرجاليين، و إن كان الأقوى وثاقته.

فخرجنا بتلك النتيجة أنّ السند لا يحتج به، إلّا أنّ الظاهر عمل المشهور به، قال المحقّق: إنّ سندها ضعيف لكن علماءنا

ادّعوا على ذلك إجماع الإمامية، و مع ظهور القول بها و نسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السّلام يجب العمل بها. «2» و مع شهادة فقيه كالمحقّق، يحصل الاطمئنان بصدور الرواية عنهم عليهم السّلام و إن كان السند غير نقيّ لما عرفت من أنّ الحجّة هو الموثوق صدوره.

قد عرفت مقتضى القاعدة الأوّلية و أنّه لا يجب على الزوج مطلقا كفّارتان، و أمّا الزوجة فهي بينما لا تجب عليها الكفّارة مطلقا كما إذا كانت مستكرهة، أو تجب عليها كفّارة واحدة كما في الصورتين الملفّقتين.

و أمّا إذا عملنا بالرواية، فإن قلنا بأنّها ناظرة إلى صورة واحدة، أعني: ما إذا كان الإكراه مستمرا، فيرجع في غيرها إلى القواعد الأوّلية و قد عرفت مقتضاها.

و أمّا لو قلنا بعدم الاختصاص، ففيما إذا كانت مطيعة في بدء الأمر فلكلّ كفارته، و ليس للإكراه بعد الطاعة أثر، لبطلان صومها بالمطاوعة أوّلا. و أمّا إذا كانت مستكرهة في بدئه و مطيعة في الأثناء، فقد قوى الماتن وحدة حكم الصورتين، و انّه ليس عليه كفّارتان، و لعلّه لظهور الخبر في استمرار الإكراه إلى الفراغ، فليس لمثل هذا النوع من الإكراه أثر كما في الصورة الأولى أيضا.

و لكنّه على فرض الثبوت ظهور بدئي، لصدق أنّه أكرهها على الجماع و أفسدت صومها فعليها الكفّارة، و ما احتاط به هو الأقوى، حيث قال: و إن كان الأحوط كفارة منها و كفّارتين منه.

و أمّا أنّه لا فرق بين الدائمة و المنقطعة فهو مقتضى الإطلاق.

______________________________

(1). رجال النجاشي: 2/ 15 برقم 566.

(2). المعتبر: 2/ 681.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 335

[المسألة 15: لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفّارة و لا التعزير]

المسألة 15: لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفّارة و لا التعزير

كما أنّه ليس عليها شي ء و لا يبطل صومها بذلك، و كذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات حتّى مقدّمات الجماع و إن أوجبت إنزالها. (1)

[المسألة 16: إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا]

المسألة 16: إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا. (2)

[المسألة 17: لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع و هما صائمان]

المسألة 17: لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع و هما صائمان، فليس عليه إلّا كفّارته و تعزيره و كذا لا تلحق بها الأجنبيّة إذا أكرهها عليه على الأقوى، و إن كان الأحوط التحمّل عنها خصوصا إذا تخيّل أنّها زوجته فأكرهها عليه. (3)

______________________________

(1) لخروج المورد عن النص، و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية، مضافا إلى ما قيل من أنّ الكفارة لأجل فساد الصوم و المفروض عدم بطلان صومها، لعدم صدور عمل منه.

و قد عرفت عدم بطلان صومها إذا كانت شاعرة وفاقا لابن إدريس.

(2) للأصل و عدم الدليل.

(3) و احتمل العلّامة شمول الحديث للأمة لقوله «إلى امرأته» و لم يقل زوجته.

لو أكره أجنبية على الفجور، قال الشيخ في المبسوط: ليس لأصحابنا فيه نص، و الذي يقتضيه الأصل أنّ عليه كفارة واحدة؛ لأنّ حملها على الزوجة قياس لا نقول به. قال: و لو قلنا: إنّ عليه كفارتين لعظم المأثم فيه كان أحوط. «1»

______________________________

(1). المختلف: 3/ 429؛ المبسوط: 1/ 275.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 336

[المسألة 18: إذا كان الزوج مفطرا بسبب كونه مسافرا أو مريضا أو نحو ذلك و كانت زوجته صائمة]

المسألة 18: إذا كان الزوج مفطرا بسبب كونه مسافرا أو مريضا أو نحو ذلك و كانت زوجته صائمة لا يجوز له إكراهها على الجماع و إن فعل لا يتحمّل عنها الكفّارة و لا التعزير، و هل يجوز له مقاربتها و هي نائمة إشكال. (1)

______________________________

أقول: القياس الأولوي إنّما يصحّ إذا كان الحكم على وفق القاعدة، لا ما إذا كان على خلافها كما في المقام، و أيضا أنّ الكفّارة لتكفير الذنب فقد يكون الذنب كبيرا لا يؤثر في إسقاطه و لا في تخفيفه الكفّارة. «1»

(1) في المسألة فروع:

1. إذا كان الزوج غير صائم و الزوجة صائمة، فهل يجوز إكراهها على

الجماع أو لا؟

ذهب صاحب المدارك إلى عدم الجواز، و قال: إنّ الأصح التحريم، لأصالة عدم إجبار المسلم على غير الحقّ الواجب عليه. و قال في الجواهر: و فيه بحث. «2»

أقول: يقع الكلام في موضعين:

1. إكراه الزوجة على الأمر المباح، الذي عبّر عنه صاحب المدارك بغير الحقّ الواجب.

2. إكراهها على الأمر المحرم.

أمّا الأمر الأوّل: فهو على قسمين: إمّا يكون فعل المباح مزاحما لحقّ الانتفاع بحقّه الشرعي، أو لا يكون.

______________________________

(1). المختلف: 3/ 430.

(2). الجواهر: 16/ 309- 310.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

فعلى الأوّل، يجوز الإكراه، بل يحرم عليها الاشتغال بالأمر المباح المزاحم لحقّ الزوج، و على الثاني، لا يجوز الإكراه، لأنّه يتضمن الإيذاء و هو أمر محرم، مخصوصا إذا توصل إليه بالتوعد بأمر محرم كالضرب و الهتك و غيره.

نعم للزوج أن يتوصل إلى إكراهها إلى ترك أمر مباح بالتوعيد بأمر مشروع، كما إذا قال: لو اشتغلت بهذا الأمر لطلّقتك، أو تزوّجت عليك بزوجة أخرى، بل يجوز هذا النوع من الإكراه في حقّ غيرها كالأصدقاء و الجيران كمالا يخفى.

فتلخص انّه يجوز الإكراه على ترك المباح إذا كان مزاحما لحقوق الزوج، و إلّا فلا يجوز، خصوصا إذا توعدها بالضرب و الهتك، إلّا إذا هددها بالانتفاع بحقّ مشروع للمكره كما عرفت.

و أمّا الإكراه على أمر محرم: كما في المقام فلا يجوز، لأنّ المجامعة في هذه الحالة أمر مبغوض عند الشرع سواء أتوصل إليه مباشرة أو تسبيبا، فالإكراه من أدوات الأخير، من غير فرق بين إيعادها بأمر مباح كالطلاق و التزويج بثانية، أو بأمر محرم كالضرب.

و ذلك لأنّ مقتضى الجمع بين حقّه سبحانه، و حقّ الزوج و وجوب إطاعته، فانّ حقّ طاعته كحقّ إطاعة الوالدين محدد بغير المعصية،

قال سبحانه: وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا. «1»

و يظهر من السيد الخوئي قدّس سرّه انّه لو كانت المرأة مستطيعة و لكن الزوج لا تسمح له نفسه بذهابها إلى الحج، فيعدم موضوع الاستطاعة بالإكراه فيقول: إن

______________________________

(1). لقمان: 15.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 338

..........

______________________________

ذهبت إلى الحجّ طلّقتك أو تزوجت عليك أخرى، و كلّ من الطلاق و التزويج حرج عليها و هو أمر سائغ في الشريعة الإسلامية حتى ابتداء و من غير إكراه، أ فهل هناك مانع من جواز هذا الإكراه؟! «1»

أقول: المانع موجود، و ذلك لأنّ الحجّ مطلوب للشارع لا يرضى بتركه فالتسبيب إليه و لو بالتوصل بالانتفاع بحقّ شرعي، مبغوض أيضا، كما أنّ إفساد الصوم أمر مبغوض، فالتسبب إليه- و لو بالتهديد بالانتفاع بحقّ مشروع- مبغوض مثله، و قد عرفت أنّ مقتضى الجمع بين الحقّين، هو تحديد الانتفاع بالحقّ بغير ما ينتهي إلى ترك المطلوب أو فعل المبغوض.

2. إذا أكرهها على الجماع- سواء أقلنا بجوازه أم بحرمته- فيقع الكلام في تعلّق الكفّارة في الزوجة و الزوج و عدمه.

أمّا على الزوجة فلا لكونها مكرهة، بل يصحّ صيامها على الأقوى؛ و أمّا على الزوج، لما عرفت من أنّه على خلاف القاعدة، و هو خارج عن مورد النصّ.

3. هل يجوز مقاربتها و هي نائمة؟

فيه إشكال، ناش من ثبوت الحقّ له في هذه الحالة، و عدم صدور الفعل على وصف المبغوضية، و من أنّ مقتضى الجمع بين وجوب التمكين، و وجوب الصوم، اختصاص حقّه بغير تلك الحالة، و عدم صدور مبغوض منها لا مباشرة و لا تسبيبا، غير كاف في جوازه، لعدم وجود الإطلاق في دليل التمكين.

______________________________

(1).

مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 347- 348.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 339

[المسألة 19: من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان]

المسألة 19: من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوما أو يتصدّق بما يطيق و لو عجز أتى بالممكن منهما و إن لم يقدر على شي ء منهما استغفر اللّه تعالى و لو مرة بدلا عن الكفّارة و إن تمكّن بعد ذلك منها أتى بها. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع:

الفرع الأوّل: من عجز عن الخصال الثلاث تخيّر بين أمرين.

الفرع الثاني: لو عجز عنهما أتى بالممكن منهما.

الفرع الثالث: إن لم يقدر استغفر اللّه و لو مرّة.

الفرع الرابع: و لو تمكن بعد ذلك أتى بها.

أمّا الفرع الأوّل: فقد ذهب المفيد، و السيد المرتضى، و ابن إدريس إلى تعيّن صوم ثمانية عشر يوما.

و قال ابن الجنيد، و الصدوق في المقنع: بالتصدق بما يطيق.

و قال العلّامة في المختلف: الأقرب عندي التخيير. و هو مقتضى الجمع بين الروايات، حيث دلّ بعضها على الأوّل، و بعضها على الثاني، فالجمع بعد كون الأصل عدم الترتيب فوجب القول بالتخيير. «1»

أمّا الأوّل: فاستدل بخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام، و لم يقدر على العتق، و لم يقدر على الصدقة؟ قال: «فليصم ثمانية عشر يوما، عن كلّ عشرة مساكين

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 444- 445.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

ثلاثة أيّام». «1»

يلاحظ على الاستدلال أوّلا: بضعف السند، حيث ورد فيه إسماعيل بن مرّار، و عبد الجبار بن المبارك و لم يوثّقا و إن كانت القرائن تدل على وثاقة الأوّل.

و ثانيا: أنّ الحديث محمول

على الظهار، بقرينة أنّه جعل كلّ ثلاثة أيّام بدلا من عشرة مساكين، لا بدلا من غيرها، و هذا يدل على تعيّن الإطعام عليه فصار صيام ثمانية عشر بدلا عنه و لا يتعين الإطعام إلّا في الخصال المترتبة، لا المخيّرة فانّ الجميع في عرض واحد.

و هذا الاحتمال قريب، خصوصا على نقل الشيخ في الاستبصار حيث ترك فيه قوله: «و لم يقدر على العتق» الذي توسط في الحديث بين العجز عن الصيام و العجز عن الإطعام، و عندئذ اقتصر الراوي على العجز عن الأمرين المترتبين، فأجاب الإمام بالبدل.

و ثالثا: أنّ صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه، يصلح أن يكون مبينا للمقصود، أعني: الحديث التالي.

2. قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر امرأته فلم يجد ما يعتق، و لا ما يتصدق و لا يقوى على الصيام؟ قال: «يصوم ثمانية عشر يوما، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام». «2»

و يحتمل اتحاد الحديثين، و هو صريح في الظهار، فيكون خارجا عن محلّ البحث، أعني: كفارة إفطار شهر رمضان، و لا مانع من العمل بهما في موردهما إذا

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

صحّ جبر الضعف بعمل المشهور، و إن كان المتن غير خال عن الشذوذ لتقديم العجز عن التصدق، على العجز عن الصيام، مع أنّ مقتضى الترتب هو العكس.

فتبيّن أنّ ما استدل به على القول الأوّل غير ظاهر فيه بل ظاهر في غيره.

و أمّا ما يدل على القول الثاني، فهو صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في

رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال:

«يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق». «1»

و مثله صحيحته الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستين مسكينا؟ قال: «يتصدق بقدر ما يطيق». «2» و الحديث محمول على عجزه عن الأمرين أيضا، و إلّا لم تصل النوبة إلى الأمر الرابع.

و الظاهر وحدة الروايتين، إذ من البعيد أن يسأل ابن سنان أبا عبد اللّه عن مسألة واحدة مرتين.

و أمّا القول الثالث: فمبني على تعارض الروايتين، و الجمع بينهما بالتخيير.

لكنّه فرع التعارض، لما عرفت من اختلاف موردهما، فما دلّ على صوم ثمانية عشر يوما، فإنّما ورد في المظاهر العاجز، و أمّا ما دلّ على التصدّق بما يطيق فإنّما ورد فيمن أفطر شهر رمضان بلا عذر، و عجز عن التكفير، فيعمل بكلّ في مورده.

و بذلك ظهرت قوة القول الثاني، الذي هو خيرة الصدوق في المقنع، دون الأوّل و دون القول بالتخيير.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 342

..........

______________________________

و هناك احتمال رابع، و هو الجمع بين الأمرين، لاحتمال أن يكون العدل المجعول في ظرف العجز عن الخصال الثلاث هو صوم ثمانية عشر يوما، و التصدق بما يطيق.

و هو ضعيف لم يقل به أحد، مضافا إلى استلزامه عدم كون الروايات بصدد بيان ما هو الواجب.

و هنا احتمال خامس، و هو الواجب على من عجز عن الخصال الثلاث هو

الصدقة بما يطيق، مع الاستغفار، و يدل عليه أمران:

1. ما عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام: قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: «عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه». «1»

و مقتضى الرواية كون الاستغفار في رتبة التصدق بما يطيق.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الرواية غير صالحة للاحتجاج، لأنّ السائل يسأل عن كفارة شهر رمضان، و الجواب جاء على وفق كفّارة الظهار.

و ثانيا: عدم ورود الأمر بالتصدق بما يطيق كاشف عن عدم كونها لبيان تمام الوظيفة.

و ثالثا: أنّ ما روي في كتاب المسائل لعلي بن جعفر لا يعادل ما جاء في الكتب الأربعة.

2. صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم، أو عتق، أو صدقة في يمين، أو نذر، أو قتل، أو غير

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 343

..........

______________________________

ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة، فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار، فانّه إذا لم يجد ما يكفّر به، حرم عليه أن يجامعها، و فرّق بينهما إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها». «1»

يلاحظ عليه: أنّ المتبادر من الرواية، هو العاجز عن مطلق الكفارة مبدلا و بدلا، كما يشير إليه في قوله: «أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة» فلا يكون الاستغفار عندئذ في رتبة التصدق بما يطيق، بل في درجة متأخرة، كما يأتي في الفرع

الثالث.

الفرع الثاني: ما أشار إليه بقوله: و لو عجز أتى بالممكن منهما.

و العبارة لا تخلو من مسامحة، فإنّ المفروض عجزه عن التصدق بما يطيق، و معه كيف يمكن أن يقال: و لو عجز أتى بالممكن منهما، و لعلّ الصحيح منها أي من ثمانية عشر، تمسكا بقاعدة الميسور.

و بما انّك عرفت أنّ مورد ما دلّ على صيام ثمانية عشر يوما، هو المظاهر العاجز، فلو صحّ التمسك بقاعدة الميسور لاختص بمورد الظهار، و لا يعمّ المفطر، فلو عجز المفطر عن التصدق بما يطيق، فلا شي ء عليه إلّا الاستغفار كما سيوافيك.

الفرع الثالث: إذا عجز عن كلّ شي ء فعليه الاستغفار: فيدلّ عليه مضافا إلى صحيح علي بن جعفر الماضي، صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ من عجز عن الكفارة التي تجب عليه، من صوم، أو عتق، أو صدقة في يمين، أو نذر، أو قتل، أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفارة، فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار، فانّه إذا لم يجد ما يكفّر به حرم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 6 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 344

..........

______________________________

عليه أن يجامعها، و فرّق بينهما، إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها». «1»

الفرع الرابع: لو عجز عن الإتيان بإحدى الخصال، فانتقل إلى البدل، و هو إمّا ثمانية عشر، أو التصدّق بما يطيق، ثمّ تجددت القدرة على الإتيان بإحداها قال المصنف: «أتى بها». «2» و لعل الوجه: اختصاص البدلية بالعجز المستمر فإذا تمكن من ذلك، انكشف عدم البدلية، و ربما يفصل بين ما يجب فيه البدار إلى البدل، فيسقط المبدل منه بالإتيان بالبدل. و ما

لا يجب فيه، فيكون إسقاط البدل مراعى باستمرار العجز.

كما ربما يفصل بين المؤقت و غيره، ففيما إذا كان المبدل منه من المؤقتات فلو كان له وقت معين و كان عاجزا عن الإتيان به في وقته و قد جعل له بدل، فمقتضى دليل البدلية بحسب الفهم العرفي وفاء البدل بكلّ ما يشمل عليه البدل معه في الملاك بخلاف ما إذا كان غير مؤقّت بزمان، بل يستمرّ ما دام العمر فلا ينتقل إلى البدل إلّا لدى العجز المستمرّ، فلو تجدّدت القدرة كشف ذلك عن عدم تحقق موضوع البدل و عدم تعلّق الأمر به.

و لكن الظاهر كفاية ما أتى، و ذلك لظهور الأمر بالبدل وفاؤه بكلّ ما يشمل المبدل منه من الملاك الذي نتيجته الاجزاء.

هذا من غير فرق بين كون المبدل منه من المؤقّتات، و قد عجز عن الإتيان به في وقته، أو كان غير مؤقت بزمان خاص، و سواء أ كان فوريا أو لم يكن، فانّ الأمر بالبدل في ظرف العجز دليل على أنّ المولى اقتصر في باب الامتثال بهذا المقدار،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 6 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(2). هذا هو المقصود من العبارة لا ما يظهر من المستمسك من أنّه إذا عجز عن الاستغفار، ثمّ تمكن منه، و أورد عليه انّ لازم عدم الاكتفاء، هو عدم اكتفاء بدلية الصوم ثمانية عشر، و الصدقة بما يطيق، فتدبر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 345

[المسألة 20: يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت صوما كانت أو غيره]

المسألة 20: يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت صوما كانت أو غيره و في جواز التبرّع بها عن الحيّ إشكال و الأحوط العدم خصوصا في الصوم. (1)

______________________________

و ذلك ممّا يفهمه العرف من الأمر بالبدل. فوجوب التدارك أو القضاء يحتاج إلى الدليل،

فما نقلناه من الاعلام الفرق بين المؤقت و غيره، أو ما يجب فيه البداء و عدمه أمر يخالف ما هو المتبادر عند العرف من الأمر بالبدل.

نعم ورد الأمر في باب الظهار، كما في مصحح إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة، فليستغفر ربّه، و ينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ثمّ ليواقع، و قد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوما من الأيّام، فليكفّر». «1»

و قد احتمل السيد الحكيم احتمال إلقاء الخصوصية، و هو موضع تأمّل، لما دلّ عليه صحيح أبي بصير من تشديد الأمر في الظهار لأجل عدم كفاية الاستغفار في المجامعة و إن رضيت الزوجة و إنّما تكفي في جواز المعاشرة الاجتماعية لا في المجامعة، و معه لا يمكن إلغاء الخصوصية.

(1) أمّا التبرع عن الميت بالصوم و غيره فلا إشكال فيه، فانّه- مضافا إلى أنّه إحسان إليه وسعي في براءة ذمته عن دين اللّه- مقتضى الروايات الخاصة في غير واحد من الأبواب من جواز الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة من غير فرق بين كون المتبرّع هو الولد، أو غيره، روى الصدوق بسند صحيح، عن عمر بن يزيد الثقة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: نصلّي عن الميت؟ فقال: «نعم حتى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع اللّه عليه ذلك الضيق، ثمّ يؤتى فيقال له: خفّف عنك هذا الضيق

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 6 من أبواب الكفارات، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

بصلاة فلان أخيك عنك» قال: فقلت له: فأشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال:

«نعم». «1»

و أرسله الصدوق إرسال المسلّم، و قال:

قال عليه السّلام: «يدخل على الميت في قبره، الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و البرّ و الدعاء و يكتب أجره للذي يفعله و للميّت». 2

روى النسائي في سننه، عن ابن عباس قال: قال رجل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ أبي مات و لم يحج أ فأحج عنه؟ قال: «أ رأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فدين اللّه أحقّ». 3

و قوله في صحيح عمر بن يزيد الماضي: «بصلاة فلان أخيك عنك» يدل على جواز ذلك للولد و غيره، و هو حجّة على من ينفيه في غير الولد.

روى الشيخ في التهذيب، عن عمر بن يزيد قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يصلّي عن ولده كلّ ليلة ركعتين. 4

و قد نقل المحدّث البحراني ما يدل على جواز العبادة عن الأموات أحاديث تناهز أربعة و ثلاثين حديثا. و قد جمعها علي بن طاوس في كتابه «غياث سلطان الورى، لسكان الثرى». 5

ثمّ إنّ الصلاة أو الصوم عن الميت تارة بنحو إهداء الثواب إليه و هذا ما لا يشترط فيه سوى قابلية الميت للإهداء كالإيمان و أخرى بنحو النيابة عنه، و هذا لا يصحّ إلّا بعد العلم بالاشتغال، أو احتمال الاشتغال فيصلّي عندئذ رجاء، و أمّا الصلاة عنه و إن علم فراغ ذمته منها فهو مشكل، لأنّ فعل العبادات أمر توقيفي، فلا يجوز إلّا بدليل شرعي.

______________________________

(1) 1، 2. الوسائل: الجزء 2، الباب 28 من أبواب الاحتضار، الحديث 1 و 3.

(2) 3. سنن النسائي: 2/ 5. و قد نقل أصحاب السنن هذه الرواية باسناد مختلفة.

(3) 4. الوسائل: الجزء 2، الباب 28 من أبواب الاحتضار، الحديث 7.

(4) 5. الحدائق:

11/ 32- 38.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 347

..........

______________________________

و ربما يستدل على الجواز بما رواه النجاشي في ترجمة صفوان: كان صفوان شريكا لعبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان، و روى: أنّهم تعاقدوا في بيت اللّه الحرام، انّه من مات منهم، صلّى من بقي، صلاته و صام عنه صيامه، و زكّى عنه زكاته، فماتا و بقي صفوان، فكان يصلّي في كلّ يوم مائة و خمسين ركعة، و يصوم في السنة ثلاثة أشهر، و يزكّي زكاته ثلاث دفعات، و كلّ ما يتبرع به عن نفسه ممّا عدا ما ذكرناه، تبرع عنهما مثله. «1»

لكن المروي عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان، و ماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا، ماتت فيه، قال: «لا تقضي عنها، فانّ اللّه لم يجعله عليها قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك؟ قال: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها». «2»

هذا كلّه حول التبرع عن الميت.

التبرّع بالكفارة عن الحيّ و أمّا التبرّع بالكفارة عن الحيّ، فقد اختلفت كلمتهم في جوازه مطلقا، أو عدم جوازه كذلك، أو يفصل بين الصوم فلا يجوز، و غيره فيجوز.

قال العلّامة في المختلف: لو تبرّع بالتكفير عن الحيّ، قال الشيخ في المبسوط: أجزأ. و قال بعض أصحابنا: لا يجزئ. و الوجه عندي الأوّل. «3»

و لم يشر إلى التفصيل المحقّق في الشرائع حيث قال: يراعى في خصوص

______________________________

(1). رجال النجاشي: 1/ 439، ترجمة صفوان برقم 522.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

(3). المختلف: 3/ 452.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1،

ص: 348

..........

______________________________

الصوم الوفاة، و قال صاحب الجواهر: و الأقوى عندي عدم التبرّع عن الحي مطلقا، وفاقا لجماعة، بل لعله المشهور. للأصل، و قد تبعه المصنف فجعل عدم التبرع هو الأحوط مكان الأقوى لصاحب الجواهر، و الظاهر ما في الجواهر عن كونه الأقوى و ذلك:

انّ ظاهر الأمر، هو قيام المكلّف بالمأمور به مباشرة أو تسبيبا على وجه يسند الفعل إليه، و كفاية تبرّع الغير و سقوط المأمور به، بفعله يحتاج إلى الدليل.

توضيح ذلك: ربما يكون الغرض قائما بنفس الفعل، كتطهير الثوب و دفن الميت، فلو غسل الثوب بإطارة الريح إياه إلى الماء الكر، ثمّ قذفه الموج إلى خارجه يحصل غرض المولى، و يصحّ إقامة الصلاة معه، و أخرى يكون الغرض قائما بصدور الفعل عن المكلّف الخاص لغاية التأديب و التربية كما في المقام، فانّ غرض المولى قائم بقيام المكلّف بالعتق أو الصوم أو الإطعام حتى تكون الجريمة رادعة عن العود إليه ثانيا، ففي مثله كيف يكون تبرّع الغير مسقطا للتكليف؟! و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّ الأفعال على قسمين: قسم يكون المأمور به قابلا للتسبيب، أي يكفي في إسقاط الواجب صحة اسناد الفعل إليه، و لو بالتسبيب فيما تصح فيه النيابة كما في الموارد التالية:

1. أن يوكّل المكلف الغير في أن يعتق أو يطعم من ماله.

2. أن يملّك الغير شيئا من ماله للمكلّف، ليقوم بالعتق أو الإطعام.

3. أن يأذن الغير للمكلّف، أن يعتق أو يطعم ماله و إن لم يملكه بناء على جوازه.

و على أحد الوجهين الأخيرين يحمل قول رسول اللّه للأعرابي الذي قال:

هلكت يا رسول اللّه، فقال له الرسول: «تصدّق و استغفر ربك» فقال الرجل:

فو الذي عظّم حقّك ما تركت في البيت شيئا

لا قليلا و لا كثيرا- إلى أن قال:- فقال

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 349

..........

______________________________

له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «خذ هذا التمر فتصدق به». «1»

روى الكليني بسند موثق، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا رسول اللّه ظاهرت من امرأتي؟ قال:

فاذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي- إلى أن قال:- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا أتصدّق عنك فأعطاه تمرا لإطعام ستين مسكينا، قال: اذهب فتصدّق بها». «2»

و هو أيضا محمول على أحد الأمرين، لا التبرع.

هذا كلّه إذا كان المأمور به قابلا للتسبيب كالعتق أو الإطعام، و أمّا ما تشترط فيه المباشرة كالصلاة و الصوم في الحي فلا يكفي التسبيب، إلّا إذا قام الدليل عليه فضلا عن التبرع.

استدل للقول بالجواز بوجهين:

1. انّ خصال الكفّارة دين اللّه، و كلّ دين يجوز التبرّع فيه. روى النسائي في سننه، عن ابن عباس قال: قال رجل يا رسول اللّه: إنّ أبي مات و لم يحج أ فأحج عنه؟ قال: «أ رأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فدين اللّه أحق». «3»

2. قول النبي للأعرابي: «خذ هذا التمر و تصدّق به».

و الوجهان ضعيفان:

أمّا الأوّل: انّ مورده الميّت، و قد دلّ الدليل على جواز التبرع عنه، لعدم إمكان المباشرة و التسبيب، و إنّما الكلام في الحيّ الذي يستطيع أن يقوم بالواجب بأحد الوجهين، و أمّا جواز التبرع في وفاء دين الحي فهو من باب إبراء ذمة المديون،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك

عنه الصائم، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 2 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(3). سنن النسائي: 2/ 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 350

[المسألة 21: من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين]

المسألة 21: من عليه الكفّارة إذا لم يؤدّها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر. (1)

[المسألة 22: الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع فلا تجب المبادرة إليها]

المسألة 22: الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع فلا تجب المبادرة إليها.

نعم لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون. (2)

______________________________

لغاية تملك ما تبرع به الغير و ذلك لأنّ المفروض أنّ الغير لا يتبرع و لا يملّكه إلّا بهذا الشرط، و إلّا فالسقوط يحتاج إلى دليل.

و أمّا الثاني: أعني: حديث الأعرابي، فقد عرفت أنّها من باب التمليك أو الإذن في أن يتصدق بمال النبي، و على كلا الوجهين فالفعل منسوب إلى الأعرابي.

أمّا التفصيل بين الصوم فلا يجوز، و غيره فيجوز، فوجهه انّ الصوم عن الغير لا يقبل الوكالة، فلا يكفي التبرّع بخلاف الأخيرين فيقبلان الوكالة، و كلما جازت فيه الوكالة تجوز فيه النيابة و التبرع.

يلاحظ عليه: أنّ الكبرى غير مسلمة، للفرق بين الوكالة و التبرّع، فانّ فعل الوكيل منسوب إلى الموكل، دون الآخر.

(1) و يكفي في ذلك، الأصل و عدم الدليل عليه، و ليس للسبب الواحد إلّا مسبب واحد.

(2) و ذلك لعدم دلالة الأمر على الفور، و ليست الكفّارة جزءا للاستغفار الذي تجب المبادرة إليها لقول النبي في قضية الأعرابي: «تصدّق و استغفر» فانّ مقتضى المقابلة هو التعدد، و حقيقة الكفارة هو ستر الذنب و تغطيته، و جبر ما فاته من المصلحة أو ارتكبه من المفسدة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 351

[المسألة 23: إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام من زناء أو شرب الخمر أو نحو ذلك]

المسألة 23: إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام من زناء أو شرب الخمر أو نحو ذلك لم يبطل صومه و إن كان في أثناء النهار قاصدا لذلك. (1)

______________________________

و هل جواز التأخير محدّد بعدم التهاون، أو بحدّ لا يطمئن معه بأداء الواجب؟ و الأوّل خيرة المصنّف، و الثاني خيرة السيد المحقّق الخوئي، و لكلّ وجه.

أمّا الأوّل: فيمكن الاستئناس له من حديث أبي بصير «و

إن صح في ما بين الرمضانين، فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به، و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعا لكلّ يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان» «1» فيدل على أنّ حدّ التأخير هو عدم التهاون، و إلّا فعليه وراء القضاء، الكفارة لكل يوم مد، و مورد الرواية و ان كان الواجب المؤقت بخلاف المقام فانّه غير مؤقت لكن المورد مؤقت موسع قريب من المقام الذي هو غير مؤقت و موسع.

وجه الثاني: انّ الرواية ناظرة إلى الحكم الوضعي دون تعرض للحكم التكليفي، فيجوز التأخر إلى حدّ يعلم أو يطمئن بالخروج عن العهدة دون ما إذا احتمل العجز.

و يمكن إرجاعهما إلى معنى واحد، و هو أنّ معنى التهاون و التواني هو عدم العزم و الاهتمام، أمّا لو عزم عليه فلا يصدق عليه أنّه تهاون و توانى، فيجوز التأخير إلى الحدّ الذي يطمئن بالامتثال.

(1) لعدم الدليل، و انصراف الدليل إلى الإفطار بالحرام لا الإفطار الحلال بالحرام.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 352

[المسألة 24: مصرف كفّارة الإطعام للفقراء إمّا بإشباعهم و إمّا بالتسليم إليهم كلّ واحد مدّا]

المسألة 24: مصرف كفّارة الإطعام للفقراء إمّا بإشباعهم و إمّا بالتسليم إليهم كلّ واحد مدّا، و الأحوط مدّان من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك، و لا يكفي في كفّارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد أو إعطاؤه مدّين أو أزيد بل لا بدّ من ستّين نفسا. نعم إذا كان للفقير عيال متعدّدون و لو كانوا أطفالا صغارا يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مدّا. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع:

1. مصرف كفارة الإطعام.

2. كيفية الإطعام.

3. مقدار الطعام.

4. جنس الطعام.

5. اشباع أو إعطاء شخص مرتين.

6. تجوز

محاسبة أولاد الفقير من الستين.

1. مصرف الكفارة أقول: ورد التكفير بالإطعام في الآيات و الروايات:

فتارة: يكون التكفير به منحصرا به كما في تكفير من يطيقون الصوم قال سبحانه: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ «1». و أخرى: أحد مصاديقه المترتبة، كما في كفارة الظهار قال سبحانه: وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ

______________________________

(1). البقرة: 184.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 353

..........

______________________________

يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ...* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «1». و ثالثة: أحد مصاديقه المخيرة، كما في كفارة اليمين، كقوله سبحانه: فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ «2»، و كفّارة الصيد كما في قوله: أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً «3» و كفارة إفطار رمضان حيث تضافرت الروايات «4» على إطعام ستين مسكينا، و المتعلّق في الجميع هو المسكين المعروف هو الأسوأ حالا، بخلاف الفقير، أو هو الذي يسأل الناس دون الفقير، و لكن الظاهر انّ المقصود هو مطلق الفقير، لأنّ المسكين و الفقير إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا، مضافا إلى موثقة إسحاق بن عمار حيث فسرته بالمحتاج قال:

سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستين مسكينا، أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال: «لا و لكن يعطي إنسانا إنسانا، كما قال اللّه تعالى». قلت: فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين؟ قال: «نعم». «5»

2. كيفية الإطعام ذكر المصنف للإطعام طريقين:

1. إشباعه.

2. مجرّد التسليم و الإعطاء.

ثمّ إنّ الوارد في النصوص هو الإطعام، فإن أخذ من الطعم فهو بمعنى

______________________________

(1). المجادلة: 3- 4.

(2). المائدة: 89.

(3). المائدة: 95.

(4). الوسائل: الجزء

7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، أحاديث الباب.

(5). الوسائل: الجزء 15، الباب 16 من أبواب الكفارات، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

الذوق، قال سبحانه: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي. «1»

و إن أخذ من الطعم فهو بمعنى الإشباع، قال سبحانه: وَ لٰكِنْ إِذٰا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذٰا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا. «2» و قوله: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. «3»

و في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: ما أوسط ذلك؟ فقال:

«الخل، و الزيت و التمر و الخبز، يشبعهم به مرة واحدة». «4»

و لو لا النص على كفاية تسليم الطعام و إعطائه لقلنا باختصاصها بالأوّل، و لكن دلّت النصوص على كفاية الثاني، و هو تسليم مدّ أو مدين.

3. مقدار الطعام أمّا مقداره من المدّ، فالمعروف بين الأصحاب هو المد الواحد، و قد ورد به النص في حديثين:

1. صحيح عبد الرحمن بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال: «عليه خمسة عشر صاعا، لكلّ مسكين مدّ بمدّ النبي أفضل» و في نقل آخر: «لكلّ مسكين مدّ مثل الذي صنع رسول اللّه». «5»

2. مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستين مسكينا، مدّ لكلّ مسكين» 6 و لم يرد في كفارة شهر رمضان غير هذين

______________________________

(1). البقرة: 249.

(2). الأحزاب: 53.

(3). قريش: 4.

(4). الوسائل: الجزء 15، الباب 14 من أبواب الكفارات، الحديث 5.

(5) 5 و 6. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 10 و 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

355

..........

______________________________

الحديثين.

نعم قد تضافرت الروايات «1» على أنّ الواجب في كفارة اليمين هو المدّ، و بما انّ الموضوع في الموردين هو إطعام المسكين فتحديده بالمدّ في أحدهما يكون حجّة على الآخر أيضا.

و مع ذلك فقال الشيخ في الخلاف باعتبار مدّين قال: إذا أطعم فليطعم لكلّ مسكين نصف صاع، و روي مد.

و نقل عن أبي حنيفة انّه قال: إن كفّر بالتمر و الشعير فعليه لكلّ مسكين صاع، و إن كان من البر نصف صاع. «2» نعم ورد الأمر بالمدين في باب الظهار، «3» لكنّها محمولة على الاستحباب لعدم القائل به.

و أمّا الصاع فقد اختلفت الروايات في مقدار الواجب منه.

فهل الواجب خمسة عشر صاعا، أو الواجب عشرون صاعا؟

أما ما يدل على وجوب خمسة عشر صاعا:

1. صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال: «عليه خمسة عشر صاعا، لكلّ مسكين مدّ». «4»

2. خبر القاسم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام في قضية الأعرابي قال:

«... فأتى النبي بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر». 5 و العذق هو النخلة، و يطلق على التمر أيضا كما في المقام، و المكتل بكسر الميم، هو الزنبيل

______________________________

(1). لاحظ الوسائل: الجزء 15، الباب 12 و 14 من أبواب الكفارات.

(2). الخلاف: 2/ 188، كتاب الصوم، المسألة 36.

(3). الوسائل: الجزء 15، الباب 14 من أبواب الكفارات، الحديث 6.

(4) 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 10 و 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 356

..........

______________________________

المعمول من الخوص، كما في المصباح المنير.

و أمّا ما يدل على وجوب عشرين صاعا

فهو عبارة عمّا يلي:

1. رواية جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا ...» «1» رواه الكليني.

2. روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ المكتل الذي أتى به النبي كان فيه عشرون صاعا من تمر». 2

3. رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا؟ قال: قال: «يتصدق بعشرين صاعا و يقضي مكانه». 3

4. خبر إدريس بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال: «عليه عشرون صاعا من تمر». 4

و على ذلك فلعبد الرحمن البصريّ روايتان تارة تحدّده بخمسة عشر و أخرى بعشرين، و لجميل أيضا روايتان تحدّدان بعشرين، و لكن في الأولى منهما قوله: «الذي يكون عشرة أصوع بصاعنا».

و طريق الجمع الحمل على اختلاف البلدان في مقدار الصاع، و أن يكون له إطلاقات، كما هو الحال في لفظ «الرطل» فالمكي غير المدني و هما غير العراقي؛ و قد روى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «الكرّ من الماء الذي لا ينجسه شي ء ألف و مائتا رطل».

و روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «الكرّ ستمائة رطل».

و الأولى محمولة على الرطل العراقي، و الثاني على الرطل المكّيّ الذي هو

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2 و 7.

(2) 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4، 8.

الصوم في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 357

..........

______________________________

ضعف العراقي.

فالكر كان مقدارا معينا، و الاختلاف إنّما في الطريق إليه، فتارة يكال برطل صغير فيزداد عدد الرطل، و أخرى برطل كبير فيقلّ عدده.

و أمّا التمثيل بالمنّ و اختلافه، فهو غير منطبق للمقام، لأنّ المنّ ليس وزنا محددا معينا حتى يكون الاختلاف في الطريق إليه، بل نفسه مختلف فالشاهي منه، ضعف التبريزي.

و يحتمل زيادة قوله: «يكون عشرة أصوع بصاعنا» بشهادة انّه لم ينقله في الاستبصار، كما ذكره المعلّق على الوسائل، فيدور الأمر بين العشرين و خمسة عشرة، و لعلّ الصاع المقدر بخمسة عشر يعادل صاعا و ربع الأوّل و لا غرو في ذلك لاختلاف الأوزان حسب اختلاف البلدان.

و في بعض روايات باب كفارة الظهار: «تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا، لكلّ مسكين مدين مدين». «1»

و هو يوافق كون الصاع هو أربعة أمداد غير انّه لو قلنا بكفاية المد الواحد، يكفي كونه خمسة عشر صاعا، و لو قلنا بمدين يلزم أن يكون ثلاثين صاعا.

4. جنس الطعام الطعام عبارة عن ما يتغذى و الطعم بضم الطاء الأكل، و الطعم يدرك بحاسة الذوق، و الطعام من قبيل الأجسام. «2»

في المصباح المنير: إذا أطلق أهل الحجاز الطعام يعنون البرّ خاصة و في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 14 من أبواب الكفارات، الحديث 6.

(2). مجمع البيان: 1/ 122، تفسير قوله سبحانه: لَنْ نَصْبِرَ عَلىٰ طَعٰامٍ وٰاحِدٍ يريد انّ الطعام جوهر و الطعم عرض.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 358

..........

______________________________

العرف اسم لما يؤكل، مثل الشراب اسم لما يشرب، و ما نسبه إلى أهل الحجاز لا يصدقه قوله سبحانه: وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ «1» حيث فسر الطعام

بمطلق الحبوب. «2» و مثله قوله سبحانه حاكيا عن بني إسرائيل، انّهم قالوا: لَنْ نَصْبِرَ عَلىٰ طَعٰامٍ وٰاحِدٍ فَادْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهٰا وَ قِثّٰائِهٰا وَ فُومِهٰا وَ عَدَسِهٰا وَ بَصَلِهٰا «3»، فقد عدّ الجميع من أقسام الطعام، و كان طعامهم يوم ذاك المنّ و السلوى، حيث طلبوا منه أن يدعو اللّه لكي ينزّل عليهم، سائر الأطعمة الواردة في الآية و هي غير الحنطة.

و في اللسان: اسم جامع لكلّ ما يؤكل، و أهل الحجاز إذا أطلقوا لفظ الطعام يعنون البر. و في حديث أبي سعيد: كنّا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير. قيل أراد به البر، و قيل: التمر و هو أشبه، لأنّ البر كان عندهم قليلا لا يتسع لإخراج زكاة الفطر. و قال ابن الأثير:

الطعام عام في كلّ ما يقتات من الحنطة و الشعير و التمر و غير ذلك. «4» و ما ذكره أخيرا هو الأقوى.

5. حكم إشباع أو إعطاء شخص مرّتين لا يكفي في كفارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين أو أزيد أو اعطاؤه مدّين أو أزيد، بل لا بدّ من إشباع أو إعطاء ستين مسكينا، لورود النصّ به الظاهر في التعدّد مضافا إلى مصحح إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟

______________________________

(1). المائدة: 5.

(2). مجمع البيان: 2/ 162.

(3). البقرة: 61.

(4). اللسان: مادة طعم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 359

..........

______________________________

فقال عليه السّلام: «لا، و لكن يعطي إنسانا، إنسانا كما قال اللّه تعالى». «1»

ثمّ إنّ عدم الاكتفاء

بإعطاء الواحد مرّتين في كفارة واحدة إنّما هو مع التمكّن من ستين مستحقا، و أمّا مع التعذّر، فيجوز إشباع أو إعطاء الواحد أزيد، عملا بقاعدة الميسور. و يشهد له خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إن لم يجد في الكفارة إلّا الرجل و الرجلين فليكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غدا». «2» و كون المورد، كفارة اليمين لا يخلّ بعموم الحكم بعد مساعدة العرف إلغاء الخصوصية.

6. محاسبة الأطفال من الستين أمّا إذا كان بنحو التمليك، فهو مقتضى الإطلاق لصدق المسكين عليهما كصدقه على الكبير. مضافا إلى صحيح يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء، و النساء و الرجال، أو يفضّل الكبار على الصغار، و الرجال على النساء؟

فقال: «كلّهم سواء». «3»

و الرواية ناظرة إلى صورة التمليك، دون الإشباع و أمّا في صورة الإشباع فلا شكّ انّ الصغير لا يعادل الكبير في المقدار إذا كان دون العشرة، فالاكتفاء به غير تام. نعم إذا كان مراهقا، يأكل كما يأكل ابن الثلاثين، فيكفي لعدم الدليل على اعتبار البلوغ.

هذا حسب القاعدة؛ و أمّا حسب النصوص، ففي موثقة غياث بن إبراهيم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 16 من أبواب الكفارات، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 16 من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 15، الباب 17 من أبواب الكفارات، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 360

[المسألة 25: يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة]

المسألة 25: يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة، بل و لو كان للفرار من الصوم لكنّه مكروه. (1)

______________________________

عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال: «لا يجزئ طعام الصغير في كفارة اليمين و لكن صغيرين بكبير». «1»

و في موثقة السكوني عن جعفر عليه السّلام، عن أبيه انّ عليا عليه السّلام قال: «من أطعم في كفارة اليمين صغارا و كبارا، فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير». 2 و مقتضى إطلاق الأولى كفاية احتساب الاثنين واحدا سواء كانوا متفردين أو منضمين.

و منه يظهر ضعف ما في الشرائع حيث قال: و لا يجزى إطعام الصغار، منفردين، و يجوز منضمّين و لو انفردوا احتسب الاثنان واحدا، 3 حيث إنّ الظاهر منه هو محاسبة كلّ صغير، مسكينا إذا انضمّوا، دون ما إذا انفردوا فيحسب الاثنان مسكينا، و لم يعلم وجهه مع إطلاق لزوم محاسبة الاثنين واحدا، بل مورد موثقة السكوني هو صورة الانضمام و هي تأمر بتزويد الصغير.

نعم ذكر في الجواهر له وجها، فلاحظ. 4 و على كلّ تقدير، فالأحوط ترك محاسبة الصغار، لعدم تنقيح مناط الصغر و الكبر.

(1) قال العلّامة: قال أبو الصلاح: إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا. و المشهور انّه مكروه إلى أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما فتزول الكراهة. 5

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 15، الباب 17 من أبواب الكفارات، الحديث 1 و 2.

(2) 3. الشرائع: 3/ 639، كتاب الكفارات.

(3) 4. الجواهر: 33/ 269.

(4) 5. المختلف: 3/ 460؛ الكافي في الفقه: 182.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 361

..........

______________________________

قال البحراني: المشهور بين الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- جواز السفر في شهر رمضان و إن كان على كراهة إلى أن يمضي من الشهر ثلاثة و عشرون يوما.

ثمّ نقل كلام أبي الصلاح، و قال: و المعتمد القول المشهور للأخبار الكثيرة إلّا أنّ ظاهرها الاختلاف

في الأفضلية في بعض المواضع و انّ السفر في بعضها أفضل من الصيام فإطلاق القول بأفضلية الصيام و كراهة السفر مما لا وجه له. «1»

هذا ما لدى الشيعة، و أمّا السنّة فقد ذكر ابن قدامة بأنّ عبيدة السلماني، و أبو مجلز، و سويد بن أبي غفلة قالوا: لا يفطر من سافر بعد دخول الشهر لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «2» و يظهر منه انّ الجمهور قائلون بجواز الإفطار إلّا هؤلاء. «3»

و على كلّ حال فالمحكّم في المقام هو الآية المباركة، قال سبحانه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، فعلّق وجوب الصوم على شهود الشهر، و المسافر بسفره هذا يعدم الموضوع فلا يشمله الأمر.

و بعبارة أخرى: انّ الصوم مشروط بشهود الشهر و لا يجب تحصيل شرط الوجوب، و إن كان شرط الواجب ربما يجب تحصيله. و تصور انّ المراد أنّ من شهد الشهر و لو يوما واحدا فعليه صيام الشهر مطلقا و عدم السفر غير تام، لأنّ لكلّ يوم حكمه الخاص.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 361

و أمّا الروايات فهي على طوائف خمس:

الطائفة الأولى: ما تركّز على جواز السفر مطلقا من دون نظر إلى أفضلية أحد الأمرين: الإقامة أو السفر و هي صحيحة واحدة روى محمد بن مسلم عن

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 408.

(2). البقرة: 185.

(3). المغني: 3/ 18.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 362

..........

______________________________

أبي جعفر عليه السّلام انّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضى منه أيام؟ فقال: «لا بأس بأن يسافر

و يفطر و لا يصوم». «1»

و الرواية صريحة في الجواز بلا قيد و شرط.

الطائفة الثانية: ما يركز على أنّ الإقامة أفضل إلّا إذا كانت هناك حاجة شرعية أو عقلائية، فلو رجع الاستثناء إلى الأفضل (لا إلى عدم جواز السفر المتوهّم)، ينقلب الأمر و يكون السفر القداسة الغاية أفضل، و هذه الطائفة تسلم جواز السفر لكن تركز على الأفضلية.

ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا، ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر؟ فسكت، فسألته غير مرة، فقال: «يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله». 2

و بذلك يعلم وجه فضل الإقامة و كراهية السفر، لأنّ السفر مفوّت فضيلة شهر رمضان.

روى الصدوق في المقنع، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشيّع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة؟ فقال: «إن كان في شهر رمضان فليفطر» قلت: أيّهما أفضل، يصوم أو يشيعه؟ قال: «يشيّعه، إنّ اللّه قد وضع عنه الصوم إذا شيّعه». 3

و قد تضافرت الروايات على أفضلية السفر لغاية تشييع الأخ المؤمن نقلها

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2، 1.

(2) 3. الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 363

..........

______________________________

صاحب الوسائل في كتاب صلاة المسافر. «1»

الطائفة الثالثة: ما يدل على أنّ الإقامة أفضل و إن كانت الغاية من السفر زيارة قبر الإمام عليه السّلام.

روى الشيخ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: جعلت

فداك يدخل علي شهر رمضان، فأصوم بعضه فتحضرني نيّة زيارة قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام أزوره و أفطر ذاهبا و جائيا؟ أو أقيم حتى أفطر و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال: «أقم حتى تفطر» قلت له: جعلت فداك فهو أفضل؟ قال: «نعم، أ ما تقرأ في كتاب اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» «2»

أمّا فقه الحديث فالمراد من قوله: «و اقيم حتى أفطر» هو إدراك عيد الفطر، و يدل على ذلك الاستشهاد بالآية فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ كما هو المراد من قول الإمام: «أقم حتى تفطر»، غير أنّ في الحديث إشكالين:

الأوّل: كيف يكون السفر لتشييع الأخ المؤمن أفضل من الاقامة و لا يكون كذلك لزيارة قبر الإمام أبي الشهداء عليه السّلام الذي في زيارته ثواب عظيم.

الثاني: الاستدلال بالآية، فانّ الظاهر منها أنّ الشهود قيد الوجوب لا قيد الواجب، فكيف لا يجوز تركها؟!

و يمكن دفع الإشكال الأوّل بوجود الفرق بين التشييع، فهو واجب مؤقت ليس له بدل، بخلاف زيارة الإمام فانّها واجب موسع له بدل، فلو سافر بعد عيد

______________________________

(1). الوسائل: 5، الباب 10 من أبواب صلاة المسافر.

(2). الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

الفطر يجمع بين الفضيلتين.

و في مكاتبة محمد بن الفضل البغدادي إلى أبي الحسن العسكري عليه السّلام:

«لشهر رمضان من الفضل و الأجر ما ليس لغيره من الشهور، فإذا دخل فهو المأثور». «1»

و نظيره في مسائل داود الصرمي، حيث سأل علي بن محمد عليه السّلام عن زيارة الحسين عليه السّلام في شهر رمضان، و أجاب الإمام بما ورد في الرواية السابقة. 2

و على

أي تقدير فهذه الطوائف مع اختلاف فيما تركز عليه، متفقة على جواز السفر.

و هنا طائفة ربما يستشم منها الخلاف و تعد معارضة للطوائف الثلاث و إليك بيانها:

الطائفة الرابعة: ما يدل على عدم الجواز إلّا لأمر ضروري.

1. روى الصدوق، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال: «لا، إلّا فيما أخبرك به: خروج إلى مكة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف هلاكه، و انّه ليس أخا من الأب و الأم». 3

2. ما رواه الشيخ، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تخرج في رمضان إلّا للحج أو العمرة، أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده». 4

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: 10، الباب 91 من أبواب المزار، الحديث 1، 2.

(2) 3 و 4. الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3 و 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 365

..........

______________________________

3. مرسلة علي بن أسباط، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط، قال اللّه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج الّا في حج، أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء». «1»

و هذه الروايات ضعيفة الأسانيد، فالأولى لأجل علي بن حمزة البطائني، و الثانية لأجل علي بن السندي إذ لم ينقل توثيقه إلّا عن نصر بن الصباح الذي

هو أيضا لم يوثق، و الثالثة لإرسالها.

و على فرض الصحة، فتحمل على الكراهة، و تزول الكراهة حسب فضيلة الغاية التي يسافر إليها.

و منه يعلم ما في حديث الأربعمائة حيث قال: «ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ». «2»

فقد عرفت عدم دلالة الآية على وجوب الإقامة، مضافا إلى أنّ في سند حديث الأربعمائة من الضعف و الوهن حيث ورد في طريقه:

أ. الحسن بن راشد، و لم يوثق.

ب. القاسم بن يحيى، حفيد الحسن، و لم يوثق.

و على كلّ حال فالناظر في تلك الآيات يقف على كراهة السفر بمراتبها و أنّها تتضاءل حسب أهمية الغاية المنشودة.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6.

(2). المصدر السابق: الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 366

[المسألة 26: المدّ ربع الصاع]

المسألة 26: المدّ ربع الصاع و هو ستّمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال و على هذا فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و ربع ربع المثقال، و إذا أعطى ثلاثة أرباع الوقيّة من حقّة النجف فقد زاد أزيد من واحد و عشرين مثقالا إذ ثلاثة أرباع الوقيّة مائة و خمسة و سبعون مثقالا. (1)

______________________________

(1) ما ذكره من الأوزان متروكة أو على وشك الاضمحلال، فالأولى تقدير الصاع و المد بالأوزان الدارجة في العصر الحاضر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 367

[الفصل السابع فيما يجب القضاء دون الكفّارة]

اشارة

الفصل السابع فيما يجب القضاء دون الكفّارة يجب القضاء دون الكفّارة في موارد

[أحدها: ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث]

أحدها: ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث و إن كان الأحوط فيهما الكفّارة أيضا خصوصا الثالث.

[الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات]

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات أو بالرياء أو بنيّة القطع أو القاطع كذلك.

[الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام]

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ. (1)

______________________________

(1) كان البحث في الفصل السابق منصبّا على ما يجب فيه القضاء مع الكفارة، و ثمة أسباب توجب القضاء دون الكفارة، و قد أشار إليها المصنف، و هي أمور:

الأمر الأوّل: إذا أجنب ليلة شهر رمضان ثمّ نام و استيقظ ثمّ نام حتى طلع الفجر، فقد تقدّم أنّ عليه القضاء، كما أنّه إذا نام بعد ذينك حتى طلع الفجر فعليه القضاء و الكفّارة. «1»

الأمر الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات، أو بالرياء، أو بنيّة القطع أو القاطع، فصومه فاسد لفقد قصد القربة، و هو روح العبادة فيجب عليه القضاء لأجل فوت اليوم الصحيح، و أمّا الكفارة فقد مضى أنّها مترتبة على الإفطار العمدي. «2»

______________________________

(1). انظر الصفحة 222.

(2). لاحظ الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، أحاديث الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 368

[الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه و أنّه كان في النهار]

الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه و أنّه كان في النهار سواء كان قادرا على المراعاة أو عاجزا عنها لعمى أو حبس أو نحو ذلك أو كان غير عارف بالفجر و كذا مع المراعاة و عدم اعتقاد بقاء الليل بأن شكّ في الطلوع أو ظنّ فأكل ثمّ تبيّن سبقه بل الأحوط القضاء حتّى مع اعتقاد بقاء الليل و لا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب بل الأقوى فيها ذلك حتّى مع المراعاة و اعتقاد بقاء الليل. (1)

______________________________

و قد مرّ أنّ الافطار عبارة عن تناول المفطرات المعهودة، بل قد عرفت أنّ الإفطار مختص بالأكل و الشرب

فلا يجب إلّا فيهما، و ما دلّ على وجوب الكفارة فيه خصوصا كإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق، و المفروض في المقام عدم تناول المفطر و عدم الدليل على الكفارة.

الأمر الثالث: إذا نسي الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام، و قد مرّت المسألة في المسألة الخمسين من الفصل الثاني (فصل المفطرات).

(1) في المسألة فروع:

أ. من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه، يجب عليه القضاء.

ب. لو فعل هذا و كان عاجزا عن المراعاة لعمى أو حبس، أو كان غير عارف بالفجر.

ج. إذا راعى، و لكن شكّ في الطلوع، أو ظن فأكل ثمّ تبين سبقه.

د. إذا اعتقد بقاء الليل و أكل ثمّ تبين سبق طلوع الفجر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 369

..........

______________________________

ه. لا فرق في هذا الحكم بين الصوم الواجب و المندوب.

و قبل الخوض في بيان أحكام الفروع نقدم أمورا

لا إشكال في جواز تناول المفطر إذا كان قاطعا بعدم طلوع الفجر أو ظانّا أو شاكا فيه، استنادا إلى الحجة العقلية، أعني العلم، أو الشرعية كالاستصحاب.

إنّما الكلام في الحكم الوضعي، فربما يقال: انّ مقتضى القاعدة الأوّلي هو القضاء، لأنّه مترتب على فوت الفريضة في وقتها و هو صادق على المقام، لأنّ حقيقة الصوم هو الإمساك عن المفطرات في مجموع الوقت- أي فيما بين الحدين- و المفروض انّه لم يتحقق، ففي كلّ مورد دل الدليل على الإجزاء نأخذ به، و إلّا فالمرجع هو مقتضى القاعدة، أعني: لزوم القضاء.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى القاعدة الأوّلي هو الإجزاء في كلّ مورد اعتمد في تناول المفطر على الحجّة، فانّ تسويغ تناول المفطر يلازم عرفا بأنّ الشارع اقتصر في امتثال أمره بما أدّى إليه الحجّة فانّ

الأمر بعدم نقض اليقين بالشك، بمعنى ترتيب أثر الليل على الزمان المشكوك، فلو كان موافقا للواقع، و إلّا فقد اكتفى في امتثال الأمر بالصوم بما أدّى إليه الحجّة، فتكون النتيجة أنّ الواجب هو الإمساك بين الحدين اللّذين أعم من الحدّ الواقعي أو الحدّ التنزيلي، و على ذلك يكون مقتضى القاعدة، هو الإجزاء، إلّا إذا دلّ الدليل على خلافه.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تبيين حال الفروع.

1. من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ تبين سبق الطلوع على الفعل.

مقتضى القاعدة- حسب المختار- و إن كان عدم القضاء، لكن الظاهر لزوم القضاء حتى على تلك القاعدة، لما قلنا في محله من اشتراط الفحص الميسور في جريان البراءة، و هو مفقود في المقام.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

و يؤيد ذلك موثقة سماعة قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال: «إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر، فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر إلى الفجر، فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوما آخر، لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة». «1» و في السند عثمان بن عيسى، واقفي ثقة، و أحد أصحاب الإجماع، و عدّه الشيخ في العدة ممّن عملت الطائفة برواياته.

و بذلك يقيّد إطلاق صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن؟ فقال: «يتم صومه ذلك ثمّ ليقضه». 2

و إطلاق صحيح الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم

عليه السّلام قال: سألته عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم في شهر رمضان؟ قال: «يصوم يومه ذلك و يقضي يوما آخر». 3 و المراد من القاسم بن محمد، هو الجوهري، لا الاصفهاني، بقرينة كون الراوي عنه الحسين بن سعيد، الراوي كتابه عنه.

و على ذاك فيختص القضاء بمن تناول و لم يراع الفجر و لم يفحص عنه.

2. هل يختص الحكم بالقادر أو يعم العاجز أو غير العارف أيضا؟ مقتضى القاعدة هو عدم القضاء، لكون المورد مجرى البراءة و لا يضرّ عدم الفحص لعدم إمكانه لأجل وجود غيم في السماء أو عمى في الصائم، أو غير ذلك، إنّما الكلام في شمول ما ورد من الروايات لهذا المورد.

أمّا الموثقة، فموردها التمكّن، فهو يفصل فيه بين من قام و نظر إلى الفجر

______________________________

(1) 1، 2، 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 44، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3، 1، 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

و لم ير شيئا و أكل، و من أكل و شرب ثم نظر إلى الفجر فرآه طالعا، فلا تعرّض لها إلى غيرهما، و أمّا صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن فقال: «يتم صومه ذلك ثمّ ليقضه». و لو كان معذورا لما غفل الراوي عن ذكره، إذ له مدخلية في الحكم عند عامة الناس. على أنّ ظاهر قوله: ثمّ خرج من بيته و قد طلع، أنّ المانع من رؤية الفجر هو كونه في البيت، و لما ترك البيت تبيّن الفجر، و هو يلازم كونه متمكنا، فتكون النتيجة عدم القضاء كالمراعي.

3.

حكم الشاك و الظان بالطلوع بعد النظر قال الشيخ: إذا شكّ في طلوع الفجر، وجب عليه الامتناع من الأكل، فإن أكل ثمّ تبيّن له أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء، و كذلك إن شكّ في دخول الليل فأكل ثمّ تبيّن أنّه ما كان غابت الشمس كان عليه القضاء. و به قال جميع الفقهاء، و قال الحسن و عطاء: لا قضاء عليه. «1» و الموضوع هو الشاك، و مثله الظان إذا كان غير حجّة.

إنّما الكلام في وجوب القضاء، امّا مقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء و كفايته عن الواقع، لأنّه صام بين الحدين بأمر من الشارع، أعني: الاستصحاب الملازم عرفا لاقتصار الشارع بما أدّى إليه الدليل. إنّما الكلام في شمول موثقة سماعة لهاتين الصورتين؟ قال: «إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتم صومه و لا إعادة عليه» فهل المراد، مجرد النظر و عدم رؤية الفجر سواء كان شاكا أو ظانا أو قاطعا، أو المراد حصول الاعتقاد و الاطمئنان بعدم دخول الفجر و الموضوع لسقوط القضاء، النظر الذي يترتب عليه الاطمئنان

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 174، المسألة 14 من كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 372

..........

______________________________

بالعدم؟

و الظاهر هو الأوّل، و المراد انّه إذا عمل بالاحتياط و قام و نظر و لم ير شيئا يدل على طلوع الفجر، فيكفي ذلك في عدم القضاء، و أمّا حصول الاطمئنان فهو أمر لا يدل شي ء في الحديث عليه.

نعم لو كان الحديث غير واضح الدلالة على حكم صورتي الشك و الظن، فالمرجع هو إطلاقات القضاء الذي دلّ عليه صحيح الحلبي، و خبر علي بن إبراهيم، فالأقوى الكفاية، و إن كان الأحوط القضاء.

4. فعل المفطر مع

اعتقاد بقاء الليل قد عرفت حكم الشك و الظن في بقاء الليل، بقي الكلام في حكم الاعتقاد ببقاء الليل بعد النظر إلى الأفق، فالإجزاء و عدم القضاء هو القدر المتيقن من موثقة سماعة، و لو قلنا بعدم الإجزاء في هذه الصورة أيضا، يلزم طرح الموثقة، و بذلك يعلم أن حكم المصنف بالقضاء احتياطا في هذه الصورة ممّا لا وجه له، و لا بدّ من تأويل كلامه بحمله على ما إذا حصل اليقين بالبقاء من غير طريق النظر، كما إذا أذعن عن طريق المحاسبة بوسائل علمية تقيس الزمان كالساعة.

و يدل على الاجزاء صحيح معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع بعد، فآكل ثمّ أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال: «اقضه، أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء». «1»

و هي صريحة في أنّه لو كان هو الناظر لم يكن عليه وجه، و إن كان الفجر طالعا، لأنّ قطع الناظر حجّة عليه دون الغير.

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

اختصاص الحكم بشهر رمضان قد عرفت أنّ الصائم إذا نظر إلى الأفق و لم ير شيئا و تناول المفطر، فصومه صحيح و إن كان الفجر في الواقع طالعا، لكن يقع الكلام في اختصاص هذا الحكم بشهر رمضان أو عمومه لغيره، فهنا وجوه:

أ. اختصاص الحكم بالصحة برمضان دون غيره.

ب. عموم الحكم لكلّ واجب معيّن و إن كان غير رمضان كالنذر المعين و عدم شموله لغيره سواء أ كان واجبا أم مندوبا.

ج. عموم الحكم للواجب و المندوب،

و من الواجب، للمعين و غيره.

أمّا الأوّل فوجهه اختصاص الموثقة الدالة على الإجزاء بشرط المراعاة، بشهر رمضان بشهادة قوله: «سألته عن رجل أكل و شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان»، و يكون المرجع في غير شهر رمضان هو القاعدة، و قد عرفت أنّها القضاء عند القوم و الإجزاء عندنا.

و أمّا الثاني، أي عموم الحكم لكلّ واجب معين، فلإطلاق صحيحة معاوية ابن عمار، أعني قوله: «أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء».

و المراد من شي ء هو القضاء، فتختص الرواية بالواجب المعين الذي له القضاء، و لا يعم غير المعين إذا ليس له القضاء.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الرواية مختصة بشهر رمضان على ما نقله الكليني حيث قال: إنّه قال: «تتمّم يومك ثمّ تقضيه» و الإمساك التأديبي آية كونه من شهر رمضان، إذ غيره لا يجب فيه الإمساك.

و ثانيا: أنّ غير شهر رمضان داخل في ذيل صحيح الحلبي الذي نقله الشيخ الحر العاملي في الباب الخامس و الأربعين حيث قال: «فإن تسحر في غير شهر

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 374

[الخامس: الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر]

الخامس: الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع كونه طالعا. (1)

______________________________

رمضان بعد الفجر أفطر». «1»

فإن قلت: مقتضى تقدم موثقة سماعة على صدر صحيحة الحلبي تقديمها على ذيلها أيضا فكما أنّ قوله في الصدر «يتمّ صومه ذلك، ثمّ يقضيه» مقيد بعدم المراعاة، فهكذا قوله في الذيل: أفطر، مقيد بعدم المراعاة.

قلت: إنّ الموثقة- كما تقدم- مختصة بشهر رمضان حيث قال: «بعد ما طلع في شهر رمضان» فعليه فيقيّد صدر صحيحة الحلبي لكونه أيضا في شهر رمضان، و لا تقيد ذيل صحيحة الحلبي لأنّ الذيل وارد

في غير شهر رمضان.

و الحاصل: انّ الموثقة المفصّلة بين المراعاة و غيرها مختصة بشهر رمضان، و صدر صحيحة الحلبي الحاكم بالقضاء مطلقا وارد في شهر رمضان، فيقيد الصدر بالتفصيل الوارد في الموثقة، و أمّا الذيل الحاكم بالبطلان مطلقا سواء نظر أم لم ينظر فهو وارد في غير شهر رمضان، فكيف يمكن أن يقيد الذيل بالموثقة؟! فتلخّص من ذلك اختصار الصحة بالمراعاة بشهر رمضان، و أمّا غيره فهو داخل في إطلاق ذيل صحيحة الحلبي.

إلى هنا تبيّن انّ القاعدة الأولى هو عدم القضاء إذا استند في فعل المفطرات إلى الحجّة الشرعية، غير انّها محكومة في شهر رمضان بالموثقة، و في غيره بذيل صحيح الحلبي الدال على عدم الإجزاء مطلقا.

(1) أمّا عدم الكفارة فلعدم صدق العمد، لأنّه أكل مع الاطمئنان بعدم

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 375

[السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر أو لعدم العلم بصدقه]

السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر أو لعدم العلم بصدقه. (1)

______________________________

طلوعه، و أمّا القضاء فلصحيحة معاوية بن عمار الآمرة بالقضاء لدى إخبار الجارية.

و لكن القدر المتيقن منه هو إخبار من ليس قوله حجّة.

و أمّا إذا كان المخبر حجّة، كالبيّنة، أو قول الرجل الثقة، فالقول بالإجزاء هو الموافق للقاعدة وفاقا لصاحب المدارك، لما عرفت من الملازمة بين الأمر بتطبيق العمل على قول الثقة و الاكتفاء في أداء الواجب بما أدى إليه، من غير فرق بين كون الصوم صوم شهر رمضان أو غيره.

(1) أمّا عدم الكفارة فلعدم العمد، لاعتقاده بأنّ المخبر بصدد السخرية، أو للعلم بعدم صدقه.

و أمّا القضاء فلا يخلو إمّا أن يكون من شهر رمضان، أو من غيره. أمّا الأوّل:

فلأنّ مقتضى صحيح

الحلبي بعد تقييده بالموثقة، هو الإتمام و القضاء لعدم النظر إلى الفجر، و أمّا الثاني: فهو مقتضى ذيله الحاكم بالقضاء مطلقا أخبر مخبر أو لا.

مضافا إلى صحيح العيص، الثقة (الذي له مائة و خمسون رواية)، قال:

سألت أبا عبد اللّه عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم أنّه قد طلع الفجر فكفّ بعض، و ظنّ بعض أنّه يسخر فأكل؟ فقال: «يتم صومه و يقضي». «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 376

[السابع: الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل و إن كان جائزا له لعمى أو نحوه، و كذا إذا أخبره عدل بل عدلان]

السابع: الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل و إن كان جائزا له لعمى أو نحوه، و كذا إذا أخبره عدل بل عدلان بل الأقوى وجوب الكفّارة أيضا إذا لم يجز له التقليد. (1)

______________________________

(1) للمسألة صورتان:

1. تناول المفطر في صورة عدم جواز تقليد المخبر، لعدم جواز الأكل بعد استصحاب النهار و عدم دخول الليل، سواء كان عالما بعدم حجّية قوله أو جاهلا، بناء على عموم الكفارة للعالم و الجاهل.

إنّما الكلام إذا كان التقليد جائزا، فظاهر المصنف و كلّ من قال بعدم الإجزاء في مورد العمل بالأمارات هو وجوب القضاء و الكفارة، قائلين بأنّ الجواز الشرعي ظاهرا لا يلازم الصحّة الواقعية، فبعد تبيّن الخلاف ينكشف عدم الإتيان بالوظيفة.

و لكنّك عرفت أنّ مقتضى التعبّد بالأمارة، هو الملازمة بينه و بين الاقتصار بما أدّت إليه الأمارة في مقام تأمين مقاصد الشارع.

و يؤيد ذلك ما ورد في عدم وجوب القضاء على من غلب على ظنه دخول الليل فأفطر، ففي صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و

قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك، و تكف عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا». «1» و المراد منه الظن بالغروب بقرينة سائر الروايات، فمقتضى القياس الأولوي كون الحكم كذلك في الحجج الشرعية.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 377

[الثامن: الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه]

اشارة

الثامن: الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه و لم يكن في السماء علّة.

و كذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها بل المتّجه في الأخيرين الكفّارة أيضا لعدم جواز الإفطار حينئذ و لو كان جاهلا بعدم جواز الإفطار فالأقوى عدم الكفّارة، و إن كان الأحوط إعطاؤها.

نعم لو كانت في السماء علّة فظنّ دخول اللّيل فأفطر ثمّ بان له الخطاء لم يكن عليه قضاء فضلا عن الكفّارة، و محصّل المطلب أنّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول اللّيل بطل صومه في جميع الصور إلّا في صورة ظنّ دخول اللّيل مع وجود علّة في السماء من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك من غير فرق بين شهر رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب و في الصور الّتي ليس معذورا شرعا في الإفطار كما إذا قامت البيّنة على أنّ الفجر قد طلع و مع ذلك أتى بالمفطر أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّا غير معتبر و مع ذلك أفطر يجب الكفّارة أيضا فيما فيه الكفّارة. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة فيما إذا تبين الخطأ- بخلاف المسألة الآتية فالكلام فيها فيما إذا لم يتبين- فقد ذكر المصنّف فروعا ثلاثة:

1. إذا قطع بالغروب و لم يكن في السماء علة، يجب القضاء.

2. إذا ظن

بالغروب و لم يكن في السماء علّة، يجب القضاء و الكفّارة.

3. لو كان في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء فضلا عن الكفّارة، هذا ما لدى المصنف.

ثمّ إنّه اختلفت عبارة فقهائنا:

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

ذهب الشيخ الطوسي في النهاية إلى وجوب القضاء على الشاك في دخول الليل لوجود عارض في السماء، و عدمه، على الظان بما هو هو سواء كان في السماء علّة أو لا. و هو خيرة الصدوق في الفقيه و ابن البراج في المهذب.

2. ذهب الشيخ في المبسوط إلى القضاء، إذا أفطر لعارض يعرض في السماء من ظلمة، و عدمه إذا أفطر عند أمارة قوية، و قريب منه قول ابن إدريس حيث قال بوجوب القضاء في الظن، و عدمه في خصوص الظنّ القوي.

و ذهب المفيد، و السيد المرتضى، و سلّار، و أبو الصلاح، إلى وجوب القضاء في صورة وجود عارض في السماء. قال المفيد: و من ظن أنّ الشمس قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر، ثمّ تبين انّها لم تكن غابت في تلك الحال وجب عليه القضاء. «1»

و فصّل المحقّق بين الوهم بدخول الليل، و بين الظن به، فقال بالقضاء في الأوّل دون الثاني، و قد اختلف الشراح في مقصوده من العبارة، مع وضوحها في نظري.

هذه كلمات فقهائنا، و أمّا أهل السنّة: قال الخرقي في متن المغني: و إن أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع و قد كان قد طلع أو أفطر بظن أنّ الشمس قد غابت، و لم تغب، فعليه القضاء.

و قال ابن قدامة في شرحه: هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء و غيرهم، و حكي

عن عروة عن مجاهد و الحسن و إسحاق، أن لا قضاء عليهم .... «2»

و قال الشيخ في الخلاف: إذا شكّ في طلوع الفجر وجب عليه الامتناع من الأكل، فإن أكل ثمّ تبين له أنّه كان طالعا كان عليه القضاء، و كذلك إن شكّ في

______________________________

(1). المختلف: 3/ 430- 431.

(2). المغني: 3/ 123.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 379

..........

______________________________

دخول الليل فأكل ثمّ تبين أنّه ما كان غابت الشمس كان عليه القضاء. و به قال جميع الفقهاء. و قال الحسن و عطاء: لا قضاء عليه. «1»

و لم يذكر الشيخ حكم الظان بل اقتصر على الشاك.

و الذي يدل على القضاء ما رواه الكليني تارة عن أبي بصير و سماعة، و أخرى عن سماعة عن أبي عبد اللّه، في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمّدا». «2»

و جاء في الحديث الثاني مكان «فرأوا» فظنّوا، و في الاستدلال إشارة إلى أنّه لم يأت بالمأمور به و لم يعتمد في ذلك على حجّة شرعية ففاتته فريضة، و من فاتته فعليه القضاء كما فاتته.

و السند لا غبار عليه، و الدلالة واضحة و لو كان كلام فإنّما هو في جهة الصدور.

و بإزائها روايات أربع:

1. صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا».

«3»

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 174، كتاب الصوم، المسألة 14.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 380

..........

______________________________

و المفروض في كلام الإمام أنّ الصائم رأى غيبوبة القرص ثمّ رأى بعده، و لا يتفق ذلك إلّا إذا كان في السماء علة من غيم أو غبار، أو شي ء يوهم الغيبوبة، إذ من البعيد جدا أن يرى الإنسان غيبوبة القرص و ليس في السماء علّة ثمّ يراه بعده.

2. صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء». «1»

و السند الثاني يشتمل على أبان، و المراد أبان بن عثمان البجلي الكوفي الذي قال النجاشي في حقّه: له كتاب حسن. و قال الطوسي: له كتب و أصل، و وقع في اسناد 700 رواية، و هو من أصحاب الإجماع فالروايتان معتبرتان.

و احتمال انّ الصحيحتين واحدة بعيد جدا بعد تعدّد مضمونهما.

3. ما رواه الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال: «قد تم صومه و لا يقضيه». 2

و في السند: محمد بن الفضيل، و هو ابن كثير الأزدي الكوفي الصيرفي، ضعفه الشيخ و قال: يرمى بالغلوّ: و ذكره النجاشي، مجردا عن وصفه بالغلوّ و قال:

روى عن موسى و الرضا عليهما السّلام له كتاب و مسائل و هو يعرب عن

عدم ثبوت كونه غاليا و تؤيد وثاقته انّ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و هو من أجلّاء الأصحاب راوي كتابه. 3

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2، 3.

(2) 3. رجال النجاشي: 2/ 272 برقم 996.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

و أمّا أبو الصباح الكناني، فهو إبراهيم بن نعيم العبدي، يروي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه، فهو ثقة بلا كلام و يسميه الإمام الصادق بالميزان.

ثمّ إنّه ربما يحتمل انّ محمد بن فضيل هو محمد بن القاسم بن فضيل الذي من أصحاب الرضا، و هو ثقة لكنّه بعيد جدّا، لأنّ النسبة إلى الجدّ- بحذف الأب- يختص بأسماء خاصة ك «بابويه»، «قولويه».

و ربما يقال بأنّ محمّد بن فضيل مشترك بين الظبّي الثقة، و الأزدي الضعيف و كلاهما في عصر واحد.

يلاحظ عليه: أنّ الظبّي كما في رجال الشيخ: من أصحاب الصادق فقط و أمّا الأزدي فالشيخ و إن عدّه من أصحاب الصادق، لكن النجاشي عدّه من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السّلام، و على كلّ تقدير فالمقصود في المقام هو الثاني بشهادة رواية الحسين بن سعيد عنه، الذي هو من أصحاب الرضا و الجواد، و أبي الحسن الثالث، و من البعيد أن يروي الحسين عن أصحاب الصادق عليه السّلام.

4. ما رواه زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صائم ظن أنّ الليل قد كان، و انّ الشمس قد غابت و كان في السماء سحاب فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: «تمّ صومه و لا يقضيه». «1»

و في السند: محمد بن عبد الحميد بن سالم الذي وثّقه

النجاشي، و هذا نصّه: أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى، و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر و الضمير يرجع إلى الابن لا الأب لأنّ الكلام في الثاني استطرادي.

و أبو جميل: و هو المفضل بن صالح، ضعفه ابن الغضائري قال: ضعيف

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 382

[المسألة 1: إذا أكل أو شرب مثلا مع الشكّ في طلوع الفجر و لم يتبيّن أحد الأمرين لم يكن عليه شي ء]

المسألة 1: إذا أكل أو شرب مثلا مع الشكّ في طلوع الفجر و لم يتبيّن أحد الأمرين لم يكن عليه شي ء. نعم لو شهد عدلان بالطلوع و مع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة أيضا و إن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك و لو شهد عدل واحد بذلك فكذلك على الأحوط. (1)

______________________________

كذّاب يضع الحديث. و قال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد: روى عنه جماعة غمز فيهم و ضعّفوا، منهم: المفضل بن صالح. و كلام النجاشي حاك عن وجود المبالغة في كلام ابن الغضائري، و مع ذلك روى عنه أحمد بن أبي نصر البزنطي.

و على كلّ تقدير فهذه الروايات بين صحيح و معتبر و ضعيف يشدّ بعضها بعضا، فالعدول عنها بالإفتاء على وفق رواية زرارة الواحدة ممّا لا يوافق الضوابط، فلا محيص من حمل المخالف على التقيّة كما عرفت من المغني و الخلاف، من اتّفاق فقهائهم، إلّا الحسن و عطاء على لزوم القضاء أو حمله على الاستحباب.

نعم القدر المتيقن، ما إذا حصل الظن بالغروب لأجل اختلال جوّي، لا مطلق الظن و إن لم يكن في الأفق شي ء. نعم اقتصر السيد البروجردي على خصوص صورة الغيم في الجوّ لكن التعميم أقوى.

و بما انّ مقتضى القاعدة

هو وجوب القضاء خرجت هذه الصورة (وجود اختلاف جوّي) عنها بدليل، و لذلك يجب القضاء بل الكفارة في غيرها.

(1) الفرق بين هذه المسألة و ما تقدم في الأمر الثامن واضح لا حاجة إلى البيان، لأنّ الكلام في الأمر الثامن في الإفطار مع الشكّ أو الظن بالغروب و في المقام، هو الأكل مع الشكّ في الطلوع، أضف إلى ذلك: انّ الكلام هناك فيما إذا تبين الخلاف دون المقام.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 383

..........

______________________________

و أمّا الفرق بينها و بين الأمر الرابع بعد اشتراكهما في الأكل مع الشكّ في الطلوع هو تبين الخلاف في الرابع دون المقام.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ هنا فروعا ثلاثة:

1. إذا أكل مع الشكّ في الطلوع و لم يتبين أحد الأمرين.

2. إذا أكل مع شهادة عدلين بطلوع الفجر.

3. إذا أكل مع شهادة عدل واحد أمّا الصورة الأولى فلا كلام في جواز الأكل استصحابا لبقاء الليل و هو كاف في الحكم بجواز الأكل. و أمّا الاستدلال بالآية على جوازه قائلا بأنّ الموضوع هو التبين، فما لم يتبين لا مانع في الأكل، فلا يتم إلّا في حقّ من أكل و عينه على الأفق، حتى يصدق في حقّه انّه لم يتبين في السماء، و أمّا من أكل و هو في داخل البيت فلا يمكن أن يحتج بعدم التبين- و الحالة هذه- على عدم التبين واقعا كما هو واضح، و قد عرفت أنّ جريان الاستصحاب أيضا رهن فحص ممكن ميسور.

و يؤيّد ما ذكرنا انّ النبي أذن في الأكل عند أذان ابن أمّ مكتوم، لأنّه كان أعمى و أذانه يورث الشك في طلوع الفجر، دون أذان بلال حيث قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام و الشراب فقد أصبحتم». «1»

و منه يتبين أنّ عدم وجوب القضاء لعدم ثبوت الفوت بعد و الأصل البراءة من القضاء.

أمّا الصورة الثانية: فلا يجوز الأكل تكليفا لقيام الحجّة و لو أكل وجب القضاء و الكفّارة، لثبوت الأكل في النهار شرعا.

أمّا الصورة الثالثة، فعدم الجواز تكليفا أو وصفا مبني على حجّية قول الثقة

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 42 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 384

[المسألة 2: يجوز له فعل المفطر و لو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر و لم يشهد به البيّنة]

المسألة 2: يجوز له فعل المفطر و لو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر و لم يشهد به البيّنة و لا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب عملا بالاستصحاب في الطرفين و لو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملا بالاحتياط للإشكال في حجّية خبر العدل الواحد و عدم حجّيته إلّا أنّ الاحتياط في الغروب إلزاميّ و في الطلوع استحبابيّ نظرا للاستصحاب. (1)

______________________________

في الموضوعات، و قد قلنا بحجّية قوله في الموضوعات و الأحكام معا إلّا ما خرج بالدليل، أعني: فصل الخصومات أو ما ورد النصّ فيه على التعدد، كالهلال و غيره، و ذلك لأنّ دليل الحجّية هو السيرة العقلائية و نسبته إلى الأحكام و الموضوعات سواء.

و ربما يؤيّد ذلك بصحيح العيص بن القاسم، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:

عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت، فنظر إلى الفجر، فناداهم انّه قد طلع الفجر فكفّ بعض و ظن بعض أنّه يسخر فأكل؟ فقال: «يتم صومه و يقضي» «1» حيث إنّ الظاهر لزوم القضاء مطلقا تبين أم لم يتبين.

و يحتمل كون القضاء لأجل التبيّن، لا لحجّية قول

الثقة.

و ربما يستدل على حجّية قول الثقة في الأذان بأنّ النبي جعل أذان بلال حجّة.

هذا كلّه من حيث أوّل الوقت أمّا إذا أفطر في آخر الوقت و لم يتبيّن أحد الأمرين فقد طرحه الماتن في المسألة التالية.

(1) إذا فعل المفطر مع الشكّ في الغروب، فله صورتان:

1. أن يكون شاكا فيه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 385

..........

______________________________

2. إذا أخبر مخبر بغروبه.

لا شكّ في عدم جواز تناول المفطر مع الشكّ و يترتّب عليه القضاء و الكفارة أخذا باستصحاب بقاء النهار أو عدم دخول الليل و ربما يقال:

انّ القضاء و الكفارة إنّما يترتّبان على الإفطار في النهار أي تناول المفطر المقيد بكونه في النهار، و المقيد بما هو هو ليست له حالة سابقة و استصحاب القيد أي بقاء النهار لا يثبت كون الإفطار فيه إلّا بالملازمة العقلية بين بقاء النهار و كون الفعل واقعا فيه.

و الجواب انّ هذا النوع من الأصول المثبتة حجّة بالاتفاق لخفاء الواسطة و إلّا يلزم بطلان أكثر الأصول الجارية في الموضوعات:

1. استصحاب طهارة الماء الملازم لكون التوضّؤ بما هو طاهر.

2. استصحاب طهارة الثوب الملازم لكون الصلاة واقعا في ثوب طاهر.

3. استصحاب بقاء النهار الملازم لكون الصلاة واقعة فيه و بالتالي وقوعها أداء.

هذا و لا يتفاوت في ذلك كون الإمساك مقيدا بقيد وجودي كالنهارية أو بقيد عدمي، كعدم دخول الليل، فانّ المقيّد على كلا الوجهين ليست له حالة سابقة، و استصحاب نفس القيد: بقاء النهار، أو عدم دخول الليل لا يثبت كون الإفطار واقعا في هذا الظرف.

و ربما يتصور بأنّ الإشكال إنّما يرد إذا كان القيد أمرا وجوديا كالإفطار المقيد

لوقوعه في النهار، دون ما إذا كان القيد عدميا كما إذا وجب الإمساك ما لم يدخل الليل فإذا شكّ في الدخول كان مقتضى الاستصحاب عدمه فيترتب عليه الحكم كما في موثقة سماعة حيث قال: فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمدا. «1»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 386

[التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الجوف]

اشارة

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الجوف فإنّه يقضي و لا كفّارة عليه، و كذا لو أدخله عبثا فسبقه، و أمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضا و إن كان أحوط، و لا يلحق بالماء غيره على الأقوى و إن كان عبثا، كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره و إن كان أحوط في الأمرين. (1)

______________________________

و بما انّ الليل أمر وجودي منتزع من غيبوبة القرص، فإذا شكّ فيه كان مقتضى الأصل عدمه، فيجب الإمساك إلى أن يحرز دخوله.

يلاحظ عليه: أنّه و إن كان يجب عليه الإمساك قبل أن يدخل الليل، لكن الكفارة مترتبة على من أفطر قبل أن يدخل الليل و المقيد بما هو مقيد ليس له حالة سابقة و استصحاب عدم دخول الليل لا يثبت كون الإفطار واقعا في هذا الظرف العدمي.

هذا كلّه إذا كان شاكا، و أمّا الصورة الثانية، أي إخبار الثقة بالغروب، فقد اختار المصنف حجّية قول الثقة عند الإخبار بالطلوع في المسألة الأولى، و لكن احتاط في هذه المسألة عند إخباره بالطلوع و الغروب بالكف عن الأكل في الموردين، لكن احتاط في الطلوع استحبابا و في الغروب وجوبا. و لكن لو قلنا

بحجّيته فلا فرق بين الطلوع و الغروب.

(1) في المسألة فروع خمسة و الجامع هو إدخال الماء في الفم لا لغاية التمضمض للوضوء و أمّا الإدخال لذلك، فسيأتي حكمه في المسألة الثالثة، و إليك ما في هذه المسألة من الصور:

1. إذا أدخل الماء في الفم لغاية التبرد، أو عبثا، فسبقه الماء.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 387

..........

______________________________

قال الشيخ: إذا تمضمض للصلاة نافلة كانت أو فرضا، فسبق الماء إلى حلقه لم يفطر. و إن تمضمض للتبرد أفطر. ثمّ نقل أقوال الآخرين بتفصيل. «1»

و جعله العلّامة في المنتهى قول علمائنا و قال: لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه فإن تعمّد بلع الماء وجب عليه القضاء و الكفارة و لو تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه و لا كفارة و إن كان للتبرد أو العبث وجب عليه القضاء خاصة و هو قول علمائنا.

أقول: مقتضى القاعدة هو الجواز تكليفا و عدم القضاء وضعا، لأنّه سبقه إلى حلقه من غير اختيار، فهو معذور كالناسي الذي هو الفرع الثالث لكن الحكم عليه بالقضاء في المقام لأجل ورود النصّ.

و أمّا الأحاديث فهي بين نافية للقضاء مطلقا، و بين مفصل بين المضمضة للوضوء فلا قضاء و لغيره ففيه القضاء، أمّا الأوّل روى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم؟ قال: «ليس عليه شي ء إذا لم يتعمّد ذلك»، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: «ليس عليه شي ء»، قلت: فإن تمضمض الثالثة؟ قال: فقال: «قد أساء و ليس عليه شي ء و لا قضاء» «2» و قوله: «قد أساء» يدل على الكراهة مطلقا، لكن إطلاقه يقيد بالتالي:

روى

الشيخ عن سماعة في حديث قال: سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال: عليه قضاءه

______________________________

(1). الخلاف: 2/ 215، كتاب الصوم، المسألة 76.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 388

[المسألة 3: لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء]

المسألة 3: لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة على الأقوى بل لمطلق الطهارة و إن كانت لغيرها من الغايات من غير فرق بين الوضوء و الغسل و إن كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة خصوصا فيما كان لغير الصلاة من الغايات. (1)

______________________________

و إن كان في وضوء فلا بأس به». «1» فيحمل موثق عمار، على المضمضة لأجل الوضوء. بل يمكن أن يقال بانصراف موثّق حماد إلى المضمضة للوضوء لغلبة استعمالها في المضمضة لتلك الغاية.

و يؤيد التفصيل ما رواه الكليني و الشيخ عن يونس. 2 فهو و إن لم يكن رواية مسندة و لا مضمرة، لكنّه فتوى بالرواية.

و مورد الرواية هو التمضمض بالماء للتبرد فيعمّ التمضمض لغاية غسل الاسنان أو العبث فيتعدى منه إليهما. نعم لا يعم التمضمض بالمائع المضاف إلّا أن يدعى عدم الخصوصية، و هو غير بعيد، و بذلك يعلم حكم الفرع الرابع في المتن، حيث قال: و لا يلحق بالماء غيره على الأقوى و إن كان عبثا.

و أمّا الاستنشاق بالماء فهل يلحق بالمضمضة، الظاهر لا، لبعد السبق فيه بخلاف المضمضة.

و أمّا إذا سبق ناسيا، فلا يبطل، لخروجه عن النصوص، فالمرجع ما دلّ على عدم قدح النسيان.

(1) في المسألة فروع مطوية قد مضى بعض النصوص الدالة على عدم البطلان عند التمضمض للوضوء إذا

سبقه الماء، و يقع الكلام في الفروع التالية:

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 389

..........

______________________________

1. هل يختص الحكم بالوضوء لغاية إقامة الفريضة، أو يعم إقامة النافلة أيضا؟

2. هل يختص الحكم بالتوضّؤ لغاية إقامة الصلاة، أو يعم غيره كقراءة القرآن و غيرها؟

3. هل يختص الحكم بالوضوء، أو يعم المضمضة للغسل أيضا؟

أمّا الأوّل: فالمفهوم من كلام الأصحاب هو عدم القضاء في الوضوء مطلقا لفريضة كان أو نافلة خصوصا بالنظر إلى تعليل العلّامة في «المنتهى» بأنّه فعل مشروعا، لكن الوارد في صحيح حماد «1» هو الفرق بين الفريضة و النافلة حيث روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء في حلقه فقال: «إن كان وضوئه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء». «2»

و لو ثبت الإعراض عن التفصيل نأخذ بما في المتن من عدم الفرق بين الوضوءين، و إلّا فلا مانع من الأخذ بالتفصيل الوارد في الصحيحة، و على هذا فقد دلّت موثقة عمار بالجواز مطلقا «3»، و دلت موثقة سماعة على القضاء إذا عبث بالماء، دون ما إذا تمضمض للوضوء فلا قضاء، و خصت صحيحة الحلبي، الحكم بوضوء الفريضة دون النافلة، فتكون النتيجة، هو عدم القضاء فيما إذا تمضمض لوضوء الفريضة فسيق إليه الماء.

______________________________

(1). كما في رواية الكليني، و أمّا على رواية الشيخ «حماد» عن الحلبي كما هو الغالب على رواياته.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3). على القول بإطلاقه و إلّا فلا يبعد انصرافه إلى التمضمض للوضوء بقرينة سؤاله عن

التمضمض إلى ثلاث مرّات.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 390

..........

______________________________

غير انّ المفهوم من كلام الأصحاب عدم الفرق بين الوضوءين كما في الحدائق. «1»

عموم الحكم للوضوء و لو لغير الصلاة هل الحكم يختص بما إذا توضأ لصلاة، أو يعم ما لو توضأ لغاية أخرى من الغايات؟ ذهب المصنّف إلى عدم الفرق قائلا: و إن كانت لغيرها من الغايات، و يؤيّده موثقة سماعة حيث قال: «و إن كان في وضوء فلا بأس»، فجعل الموضوع هو الوضوء من دون تقييد للصلاة، و لكن لو قلنا بما في صحيح «حماد»، من عدم العفو إذا كان الوضوء للصلاة النافلة يكون البطلان في الوضوء لغير غاية الصلاة بوجه أولى إلّا إذا قلنا بإعراض المشهور عن هذا التفصيل.

عمومية الحكم لمطلق الطهارة هل الحكم يختص بالوضوء، أو يعم المضمضة للغسل أيضا؟ قال المصنّف: «من غير فرق بين الوضوء و الغسل» و ذلك لحمل الوضوء على بيان الفرد الشائع، فلو تمضمض للغسل، فسبق الماء، صحّ بلا إشكال. و لا مانع منه بشرط أن يكون مما وردت فيه المضمضة، لأنّ القدر المتيقن هو القيام بها لأجل العمل بالسنة.

عموم الحكم للاستنشاق هل يعمّ الحكم للاستنشاق أيضا؟ ربما يقال بالشمول لإطلاق صحيح حماد، أعني قوله: «في الصائم يتوضأ للصلاة» من غير تقييد

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 90.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 391

[المسألة 4: يكره المبالغة في المضمضة مطلقا]

المسألة 4: يكره المبالغة في المضمضة مطلقا، و ينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات. (1)

[المسألة 5: لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه]

المسألة 5: لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه. (2)

______________________________

بالمضمضة.

و الظاهر عدم البطلان مطلقا، إمّا لدخوله تحت هذه الروايات، أو لكونه واقعا تحت القاعدة الأوّلية لما عرفت من انّ مقتضاها عدم البطلان لكونه فعلا خارجا عن الاختيار، خرج عنه المضمضة للتبريد أو العبث، و بقى الباقي و منه الاستنشاق للوضوء تحتها، و قد مرّ في المسألة السابقة عدم شمول دليل البطلان للاستنشاق للتبريد و العبث لبعد السبق فيه.

(1) يدل على الأوّل مرسل حماد عن الصادق عليه السّلام في الصائم يتمضمض و يستنشق قال عليه السّلام: «نعم، و لكن لا يبالغ». «1»

و يدل على الثاني خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم يتمضمض؟ قال عليه السّلام: «لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات». «2»

(2) لكونه داخلا في الإفطار العمدي، و عندئذ لا يجوز مع الاحتمال المعتد به و يجوز إذا كان مأمونا منه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 31 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 392

[العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده]

العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده و لا عادته على الأحوط و إن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضا. (1)

______________________________

(1) مضى الكلام فيه في الفصل الثاني فيما يجب الإمساك عنه في المسألة 18، و قلنا: إنّ الميزان كما ورد في النص أن يثق أن لا يسبقه منيّه، و على ذلك فلو لم يكن من قصده و لا من عادته سبق المني و لم يكن يحتمل ذلك احتمالا يعتد به، فسبق المني فصومه

صحيح، و إلّا فلو احتمل احتمالا يعتد به فهو محكوم بالقضاء، لأنّ الميزان هو الوثوق بعدم سبق الماء، فكان على الماتن أن يقول: إذا لم يكن من قصده و لا من عادته و لا يحتمل احتمالا معتدا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 393

[الفصل الثامن في الزمان الذي يصح فيه الصوم]

اشارة

الفصل الثامن في الزمان الذي يصح فيه الصوم و هو النهار من غير العيدين، و مبدؤه طلوع الفجر الثاني، و وقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق. (1)

______________________________

(1) ذكر فيه أمورا ثلاثة:

1. لا يصحّ الصوم إلّا في النهار.

2. لا يصحّ في العيدين.

3. مبدؤه طلوع الفجر و منتهاه ذهاب الحمرة من المشرق.

أمّا الأوّل، فهو من ضروريات الفقه، و اتّفاق المسلمين، و سيأتي أيضا في نهاية الفصل.

أمّا الثاني فهو أيضا كذلك، مضافا إلى تضافر الروايات بحرمته فيهما. «1»

و حرمة أيّام التشريق على من كان بمنى. «2»

و أمّا الثالث فمبدأ الصوم هو تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، و المراد تبيّن بياض اليوم من سواد الليل، و في صحيح أبي بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب الصوم المحرم و المكروه.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب الصوم المحرم و المكروه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 394

..........

______________________________

الصلاة، صلاة الفجر؟ فقال: «إذا اعترض الفجر و كان كالقبطية البيضاء، فثم يحرم الطعام و يحلّ الصيام». «1»

القبطية واحدة «القباطي» و هي ثياب رقاق من كتّان تجلب من مصر نسبة إلى القبط، و هو جيل من النصارى.

و في رواية ابن أبي عمير، عن علي بن عطية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الفجر هو الذي

إذا رأيته كان معترضا كأنّه بياض نهر سوار» «2» و سوار موضع بالعراق، و المراد النهر الجاري فيه و يحتمل أن يكون نهر الحلّة.

فدلتا على أنّ مبدأه هو الفجر.

و أمّا منتهاه، فهل هو سقوط القرص، أو ذهاب الحمرة من جانب المشرق، فانّ الشمس عند ما تغيب يظهر آنذاك سواد في ناحية الشرق، و عند ذلك ترتفع الحمرة من تلك الناحية، و هي نتيجة إشعاع الشمس بعد الغيبوبة في دائرة الأفق.

قولان: و المشهور هو الثاني، و على كلّ تقدير فالمراد ذهاب الحمرة من المشرق، لكن في كلمات بعض الفقهاء ذهابها من قمة الرأس تبعا للحديث. ففي مرسل ابن أبي عمير: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار و سقط القرص». «3»

و المراد ظهور الحمرة في ناحية المغرب و بما انّ المتبادر إلى الأذهان انّ الحمرة الظاهرة في المغرب هي نفس الحمرة التي كانت في المشرق فكأنّها جاوزت قمة الرأس و ظهرت هناك، عبر عنه بالتجاوز، و على كلّ فهل زوال الحمرة طريق إلى

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 42 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 27 من أبواب المواقيت، الحديث 2.

(3). الوسائل: الجزء 3، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 395

و يجب الإمساك من باب المقدّمة في جزء من الليل في كلّ من الطرفين، ليحصل العلم بإمساك تمام النهار، و يستحبّ تأخير الإفطار حتّى يصلّي العشاءين لتكتب صلاته صلاة الصائم، إلّا أن يكون

هناك من ينتظره للإفطار، أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع و الإقبال، و لو كان لأجل القهوة و التتن و الترياك فإنّ الأفضل حينئذ الإفطار ثمّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان. (1)

______________________________

العلم بغيبوبة القرص، أو له موضوعية فتجب مراعاة زوالها و لو بعد العلم بسقوطه؟ وجهان، و الظاهر الأوّل.

و تدل عليه معتبرة بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها». «1» و في مرسلة ابن أبي عمير: «فإذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار و سقط القرص». 2

و بذلك يمكن الجمع بين ما تضافرت عليه الروايات من أنّ منتهاه هو سقوط القرص، و قول المشهور من غيبوبة الشمس مع ذهاب الحمرة المشرقية، و كأنّه طريق إلى العلم به، فلو حصل العلم به، لسقط لزوم رعايته، و التفصيل في محلّه.

(1) هنا فرعان:

1. الإمساك في جزء من الليل من باب المقدمة إمساك جزء من طرفي الليل من باب المقدمة ليحصل العلم بإمساك تمام

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 3، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 1 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 396

..........

______________________________

النهار، و ذلك لأنّه لمّا كان الواجب الإمساك من أوّل جزء من النهار إلى أوّل جزء من الليل، و كان العلم بالحدين بوجه دقيق أمرا غير ميسور، فلا محيص في تحصيل الامتثال القطعي من إدخال آخر الليل و أوّله، ليعلم انّه أمسك بينهما قطعا، كما هو الحال في الوضوء و التيمم حيث يدخل شيئا من الوجه و المرفق لتلك الغاية.

و قد أورد عليه بأنّه إنّما يتم

في آخر النهار، «1» حيث إنّ مقتضى الاستصحاب هو بقاء النهار و عدم دخول الليل، فلا محيص له إلّا الإمساك حتى يتيقن بدخول الليل و لا يحصل إلّا بإدخال جزء من أوّله، و أمّا في أوّل النهار فمقتضى الدليل الاجتهادي جواز الأكل حتى يتبين لقوله سبحانه: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. «2» فما لم يتبين فهو مرخص في جواز الأكل. و معه لا مجال لإيجاب الاحتياط، بل الجواز مقتضى الاستصحاب الموضوعي من عدم دخول النهار و بقاء الليل فيترتب عليه جواز الأكل.

يلاحظ عليه: بأنّ إيجاب العقل لو كان مولويا لحصلت المنافاة بينه و بين جواز الأكل، و أمّا إذا كان إرشاديا، لأجل الاحتراز عمّا ربما يترتب على عدم الرعاية من القضاء كما إذا تناول المفطر بلا مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه و انّه أكل في النهار، فقد تقدم وجوب القضاء، فالإيجاب هنا إرشادي للاحتراز عمّا يترتّب عليه من القضاء.

2. تقديم الصلاة على الإفطار دلت الروايات على استحباب تقديم الصلاة على الإفطار لتكتب صلاته

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب آداب الصائم، الحديث 1.

(2). البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 397

..........

______________________________

صلاة الصائم، فكأنّه ما لم يفطر فهو صائم كما في صحيح الحلبي «1» و موثقة زرارة 2 و لكن استثني فيها و في كلمات الفقهاء موردان:

1. أن يكون مع قوم ينتظرون الإفطار فيفطر و يصلّ.

2. إذا كان تنازعه نفسه للإفطار على وجه يسلب به الخضوع و الإقبال.

و يدل عليه مرسلة المقنعة 3 و هي و إن لم تكن حجة لكن الأدلة تؤيد ذلك، لأنّ روح الصلاة، هو الخشوع و الخضوع، و إقبال

النفس إلى اللّه سبحانه و المفروض عدم حصوله إلّا بالتأخير.

و هل المستحب هو تقديم خصوص المغرب على الإفطار دون العشاء أو المستحب تقديم العشاءين كما عليه المصنف، الظاهر هو الأوّل لانصراف الصلاة إليه في الروايتين، لصدور الرواية في ظرف كانوا يؤخّرون العشاء عن صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المغربية، فلو قيل في هذا الظرف، يصل ثمّ ليفطر، لا يتبادر منه إلّا صلاة المغرب.

و ما ربما يقال من استحباب تقديم العشاءين لاشتراكهما في الوقت بمقتضى قوله عليه السّلام في بعض النصوص: و إذا غاب القرص فقد وجب الصلاتان، إلّا أنّ هذه قبل هذه، فنفس المناط الذي اقتضى تقديم المغرب يقتضي تقديم العشاء أيضا لتساويها في الوقت 4 غير تام، لأنّ المناط الذي صار سببا لتقديم الصلاة على الإفطار لا يخل بإقامته في وقت الفضيلة، بخلاف العشاء فإنّ على الإفطار تقديمه، يفوّت فضيلة إقامته بعد زوال الحمرة.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب آداب الصائم، الحديث 1، 2، 4.

(2) 4. مستند العروة الوثقى: كتاب الصوم: 1/ 421.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 398

[المسألة 1: لا يشرع الصوم في الليل و لا صوم مجموع الليل و النهار]

المسألة 1: لا يشرع الصوم في الليل و لا صوم مجموع الليل و النهار بل و لا إدخال جزء من الليل فيه إلّا بقصد المقدّميّة. (1)

______________________________

(1) ما ذكره من ضروريات الفقه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 399

[الفصل التاسع في شرائط صحة الصوم]

اشارة

الفصل التاسع في شرائط صحة الصوم

[هي أمور]

اشارة

و هي أمور

[الأوّل: الإسلام و الإيمان]

الأوّل: الإسلام و الإيمان فلا يصحّ من غير المؤمن و لو في جزء من النهار فلو أسلم الكافر في أثناء النهار و لو قبل الزوال لم يصحّ صومه، و كذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة و إن كان الصوم معيّنا و جدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى. (1)

______________________________

(1) ذكر المصنّف في هذا الفصل لصحة الصوم شروطا ستة، و ذكر لصحة خصوص الصوم المندوب شرطا واحدا و هو أن لا يكون عليه صوم واجب من قضاء و نذر و كفارة، و إليك البحث في هذه الشروط.

الأوّل: الإسلام و الإيمان أمّا اشتراط الإسلام فعلى القول بأنّهم مكلّفون بالأصول دون الفروع فواضح، فليس هنا تكليف حتى يبحث عن شرائط صحته، و أمّا صحة عبادة الصبي، مع عدم كونه مكلفا، فسيأتي الكلام فيه و انّ المرفوع عنه في مجال التكليف هو الوجوب و الحرمة دون التكاليف الاستحبابية فانتظر، و أمّا على القول بتكليفهم بالأصول و الفروع فالكفر مانع عن صحّة العمل، و يدل على ذاك لفيف من الآيات و الروايات.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 400

..........

______________________________

أمّا الآيات فقوله سبحانه: و لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ. «1» فاذا كان الشرك اللاحق موجبا لحبط العمل فالشرك المقارن أولى، و بذلك يعلم عدم تمامية ما ربما يقال: إنّ الآية انّما تدل على البطلان بالشرك عند الموت لا مطلقا.

و بما انّ المسألة من ضروريات الفقه فلا نطيل الكلام فيه.

و أمّا الروايات.

فمنها صحيحة العيص: في قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن

يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر». «2»

ثمّ إنّ هنا فرعين:

1. إذا أسلم قبل الزوال.

2. إذا ارتد و تاب قبل الزوال قبل أن يفعل ما يفطره.

فهل يجب عليهما تجديد النية و الإمساك، أو لا؟

أمّا الأول فقد نقل عن مبسوط الشيخ القول بوجوب تجديد النية في الأوّل لإطلاق الأمر بالصوم و بقاء وقت النية كالمريض و المسافر. «3»

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه مخالف لما في صحيحة العيص حيث قال: إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر.

و ثانيا: أنّ الحكم في المريض و المسافر على خلاف القاعدة، فلا يصحّ

______________________________

(1). الزمر: 65.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 2، 3، 4.

(3). لم نعثر عليه في المبسوط، لاحظ: 1/ 265 نعم طرح فيه مسألة المرتد.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 401

..........

______________________________

القياس و إن قلنا بصحته، و على ذلك لا يجب عليه تجديد النية و لا الإمساك تأدّبا و لا القضاء.

و أمّا الثاني: فقال الشيخ: أمّا المرتدّ عن الإسلام اذا رجع فانّه يلزمه قضاء الصوم، و جميع ما فاته من العبادات في حال ارتداده، لأنّه كان بحكم الإسلام لالتزامه له أوّلا، فلأجل ذلك وجب عليه القضاء، فأمّا إذا ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام قبل أن يفعل ما يفطره، فلا يبطل صومه بالارتداد، لأنّه لا دليل عليه. «1»

أقول: الظاهر بطلان صومه، لأنّ الإسلام شرط لصحّة جميع أجزاء العمل الواحد، و المفروض وقوع بعضه دون بعض.

و بعبارة أخرى: انّه محكوم بالكفر في فترة من اليوم، و الإسلام شرط لعامة أجزاء الصوم، فإيجاب الناقص أوّلا، و قبوله مكان الكامل على فرض وجوبه ثانيا يحتاج إلى الدليل، فيجب عليه قضاء ذلك اليوم و ما فاته من العبادات. نعم

تجديد النية و الإمساك فيما بقي ثم القضاء هو الأحوط.

الإيمان شرط القبول لا شرط الصحّة لا شكّ أنّ الإسلام شرط الصحّة، إنّما الكلام في شرطية الإيمان لصحّة العمل، فهل هو كذلك أو شرط لترتب الثواب؟ فالمصنّف على الأوّل، و بعض المحقّقين ممن عاصرناه على الثاني و لا يترتب عليه ثمرة عملية في أعمال نفسه لتضافر الإخبار على عدم القضاء، إذا استبصر المخالف إلّا الزكاة، نعم تظهر الثمرة إذا قام بعمل واجب كفائي يشترط فيه قصد القربة كغسل الميت، فعلى القول ببطلان عمله لا يسقط عن ذمة الآخرين، و إلّا فيجزي، و للكلام موضع آخر.

______________________________

(1). المبسوط: 1/ 266.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 402

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو ادوارا و إن كان جنونه في جزء من النهار، و لا من السكران، و لا من المغمى عليه و لو في بعض النهار و إن سبقت منه النيّة على الأصحّ. (1)

______________________________

(1) لا شكّ انّ العقل شرط التكليف- كما سيوافيك في الفصل الثاني- و شرط لصحته، لأنّ فاقد العقل يشبه الحيوان، ففي صحيح محمد بن مسلم: «و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحب إليّ منك و لا أكملتك، إلّا في من أحبّ، أما إنّي إيّاك آمر، و إيّاك أنهى، و إيّاك أعاقب و إيّاك أثيب». «1»

هذا إذا كان الجنون مطلقا، و أمّا إذا كان أدواريا، فالحكم بوجوب الصوم فيه و في نظيره، أعني: الإغماء و السكر، موضع تأمل.

قال الشيخ المفيد: و إذا أغمي على المكلّف للصيام قبل استهلال الشهر، و مضى عليه أيام ثم أفاق، كان عليه قضاء ما فاته من الأيّام، فان استهل الشهر عليه و هو يعقل فنوى صيامه

و عزم عليه ثم أغمي عليه و قد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه، لأنّه في حكم الصائم بالنية و العزيمة على أداء فرض الصيام. «2»

و قال الشيخ في الخلاف: إذا نوى الصوم من الليل، فأصبح مغمى عليه يوما أو يومين أو ما زاد عليه كان صومه صحيحا، و كذلك ان بقي نائما يوما أو أياما، و كذلك إن أصبح صائما ثم جنّ في بعضه، أو مجنونا، فأفاق في بعضه و نوى فلا قضاء عليه. ثمّ نقل فتاوى الآخرين بتفصيل. «3»

______________________________

(1). مرآة العقول: 1/ 29، 84.

(2). المقنعة: 352، باب حكم المغمى عليه.

(3). الخلاف: 2/ 198، كتاب الصوم، المسألة 51.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 403

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك نقول: يقع الكلام فيما إذا جنّ من جزء من النهار أو أغمي عليه أو أسكر فيه، فهل يجب عليه تجديد النية إذا سبقت منه النية، أو لا؟ وجوه:

1. ألحقه المصنّف بالجنون فحكم بعدم الصحة و إن سبقت منه النية.

و ألحقها بعضهم بالنوم، فحكم بوجوب تجديد النية و الصحة و يحتمل التفصيل.

أمّا وجه الأوّل، فلأنّ الصوم من العبادات التي روحها قصد القربة في مجموع العمل و لا يتمشّى إلّا من العاقل الشاعر بعمله و إمساكه و هو شرط لجميع أجزاء العمل لا لبعضه و قبول صوم النائم إذا سبقت النية خرج بدليل. و قد عدّ نوم الصائم عبادة؛ كما في خطبة النبي في آخر جمعة شعبان.

أمّا وجه الثاني فلأنّ ما ذكر من الدليل على عدم الصحة وجيه في الأعمال الوجودية، فالاستشعار فرع صحة العمل، دون العمل الإمساكي الذي يقوم بالإمساك و الترك حيث استكشفنا من قبول صوم النائم، كفاية سبق

النية فيكفي سبق النية و إن لم يكن شاعرا بإمساكه.

و أمّا التفصيل فيلحق الجنون الادواري بالأطباقي، و الآخران بالنوم.

و الظاهر هو الأوّل، و أمّا ما ذكره المحقق الخوئي قدّس سرّه في تقريب الوجه الثاني- من أنّه لم يرد اشتراط التكليف بعدم السكر و الإغماء و لا سيما إذا كان السكر و الإغماء اختياريا، فيكون التكليف مطلقا من هذه الناحية و لم يكن مشروطا بعدمهما فلا إشكال إلّا من ناحية النية، و لكن النية المعتبرة في الصوم تغاير ما هو المعتبر في العبادات الوجودية و انّها سنخ لا تنافي النوم- غير تام. إذ فيه مضافا إلى قوله سبحانه: لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ «1» انّ التكاليف التعبدية لا ينفك عن التقيد بالاستشعار و قصد القربة، فماهية العمل تنادي بعدم انفكاكها عن قيد الاستشعار و قياس الموارد الثلاثة بالنائم قياس مع الفارق، فانّ النوم أمر

______________________________

(1). النساء: 43.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 404

[الثالث: عدم الاصباح جنبا أو على حدث الحيض و النفاس بعد النقاء من الدم]

الثالث: عدم الاصباح جنبا أو على حدث الحيض و النفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم. (1)

[الرابع: الخلو من الحيض و النفاس في مجموع النهار]

الرابع: الخلو من الحيض و النفاس في مجموع النهار فلا يصح من الحائض و النفساء إذا فاجأهما الدم و لو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة و يصحّ من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية. (2)

______________________________

طبيعي ليس فيه زوال العقل غاية الأمر أنّ فيه تعطيل الحواس، فهو قرينة على عدم اشتراطه بعدمه بخلاف الجنون و الإغماء و السكر. ففي الجميع زوال العقل على اختلاف مراتبه فقياسها على النوم مع هذا التفاوت قياس مع الفارق.

(1) تقدم الكلام فيه في مبحث المفطرات، و إنّما ورد النص في الأوّل، و الحق الثاني و الثالث بالجنابة بأقوائية الملاك و المانعية للصوم.

(2) لا يصحّ صوم الحائض و النفساء سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد مضي زمن قليل من الفجر قال في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه و النصوص متواترة في الحائض المتحد حكم النفساء معها. «1»

و قال في الحدائق: هو موضع وفاق بين الأصحاب. 2

و لنذكر بعض ما يدل عليه:

روى الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (البجلي) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال:

______________________________

(1) 1 و 2. الجواهر: 16/ 322؛ الحدائق: 13/ 168.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 405

[الخامس: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب إلّا في ثلاثة مواضع]

الخامس: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم في الصوم الواجب إلّا في ثلاثة مواضع: أحدها: صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع. الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هو ثمانية عشر يوما. الثالث: صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصّة أو سفرا و حضرا. (1)

______________________________

«تفطر حين تطمث». «1»

و في موثقة منصور بن

حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت، و إذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم و الليل مثل ذلك». 2

و أمّا خبر أبي بصير الدال على التفصيل بين الطمث قبل الزوال فلا تعتدّ، و الطمث بعده فلتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب؛ فهو مما أعرض عنه الأصحاب، و حمله الشيخ الطوسي على وهم الراوي حيث قال الإمام «و لا تعتد» فزعم انّه قال: «لتعتد». 3

و لا يخفى ضعف الحمل لمنافاته مع قوله: «ما لم يأكل و يشرب».

و أمّا صحّة صوم المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية فقد مضى الكلام فيها في مبحث المفطرات.

(1) اتفقت كلمة الفقهاء على مشروعية الإفطار في السفر تبعا للذكر الحكيم و السنّة المتواترة، إلّا أنّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة نظير الخلاف في كون

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2، 4.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 28 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 406

..........

______________________________

القصر فيه جائزا أو واجبا، فالامامية تبعا لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و الظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة. قال ابن حزم: اختاره من الصحابة: عبد الرحمن بن عوف، و عمرو بن عبد اللّه، و أبو هريرة، و غالب، و ابن عباس؛ و من التابعين: علي بن الحسين، و ابنه محمد الباقر، و سعيد بن المسيب، و عطاء، و عروة بن الزبير، و شعبة، و الزهري، و القاسم بن محمد بن أبي بكر، و يونس بن عبيد و أصحابه. «1»

و نسب

الشيخ الطوسي في الخلاف القول بالعزيمة إلى ستّة من الصحابة، غير انّ قاطبة الفقهاء على الخيار بين أن يصوم و لا يقضي و بين أن يفطر و يقضي. «2»

و كونه شرط الصحة من ضروريات فقه الشيعة، و يدل عليه الإمعان في الآيات الثلاث المباركة:

قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. «3»

أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. «4»

شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ. «5»

______________________________

(1). المحلى: 6/ 258.

(2). الخلاف: 2/ 201، كتاب الصوم، المسألة 53.

(3). البقرة: 183.

(4). البقرة: 184.

(5). البقرة: 185.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 407

..........

______________________________

توضيح الاستدلال: أنّ هذه الآيات الثلاث تتضمن أحكاما ثلاثة لطوائف ثلاث:

الأولى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ و معنى ذلك انّه كتب عليه الصوم في ذلك الشهر.

الثانية: من كان مريضا أو على سفر فقد كتب عليه صيام عدة من أيام أخر، و معنى ذلك انّه مكلف بالصيام في غير أيام شهر رمضان.

و إن شئت قلت: إنّ الواجب عليه من أوّل الأمر هو القضاء لا الأداء و إطلاق القضاء عليه من باب التوسع باعتبار انّه لو كان مصحّا و حاضرا كان عليه أن يصوم.

و بذلك يعلم انّ من قدّر جملة «فافطر» قبل قوله «فعدّة» و قال: إنّ تقدير الآية: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ «فأفطر» فَعِدَّةٌ مِنْ

أَيّٰامٍ أُخَرَ حاول تفسير الآية على وفق المذهب حيث إنّ جواز الإفطار عنده رخصة لا عزيمة، و لذلك قدر هذه الجملة ليكون معنى الآية انّه من أفطر فعليه صيام أيام أخر. و أمّا من لم يفطر فعليه صيام شهر رمضان. و هذا تأويل لم يدل عليه أي قرينة، فالمتبادر من الآية هو انّ في المقام صنفين: شاهدا للشهر مع الصحة، فهو يصوم، و غير شاهد صحيحا سواء أ كان شاهدا مع المرض أم لم يكن شاهدا أصلا كالمسافر فالواجب عليهما صيام أيام أخر.

الثالثة: الشيخ و الشيخة، اللّذان يعبّر عنهما القرآن بقوله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ.

ثمّ يعود القرآن و يخاطب المؤمنين بقوله: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ و معناه أن تصوموا على النحو الذي بيّنت خير لكم إن كنتم تعلمون فالشاهد يصوم في شهر رمضان، و غيره في أيام أخر، و المطيق يكفّر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 408

..........

______________________________

بذلك يعلم أنّ قوله: وَ أَنْ تَصُومُوا غير راجع إلى المسافر، لأنّه رجوع بلا دليل، و الّا فلو رجع إلى المسافر يجب أن يرجع إلى قرينه أيضا أي المريض، لأنّهما ذكرا معا، و قال سبحانه: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ، و من الواضح انّ الصوم للمريض ليس خيرا غالبا.

و بالجملة، قوله: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ راجع إلى أصل التشريع، و أنّ في تشريع الصيام فوائد في عاجلكم و آجلكم فلا تغفلوا عنه، كما ذكره مرّة أخرى في ثنايا الآيات الثلاث بقوله: أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ للإشعار بأنّه لا يتجاوز عن أيام معدودات قليلة منقضية بسرعة، و ليس لقوله وَ أَنْ تَصُومُوا ...

أيّ صلة بدعوة المسافر إلى

الصوم.

فالإمعان في الآية يثبت أنّ الإفطار للمسافر عزيمة لا رخصة، مضافا إلى الروايات التي نقلها الحر العاملي في مورده و قد عقد بابا خاصا له. «1»

ثمّ إنّ عدم الصحة يختص بما إذا كان عالما بالحكم، فلو كان جاهلا به يصحّ، كما يصحّ الإتمام في موضع الجهل بالحكم، و سيوافيك بيانه عند تعرّض المصنّف إليه في القريب العاجل.

صحّة الصوم الواجب في السفر في مواضع ثلاثة نعم يصحّ الصوم الواجب عن المسافر في ثلاثة مواضع:

1. من لا يجد هدي التمتع و لا ثمنه، صام بدله عشرة أيام، ثلاثة في سفر الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله، قال سبحانه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ و قد وردت فيه روايات. «2» و أمّا

______________________________

(1). الوسائل: 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم.

(2). الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 409

..........

______________________________

تخصيص أي يوم من أيام الحج له، فقد ورد النص بتخصيص السابع و الثامن و التاسع منها. «1»

2. من أفاض من عرفات إلى المشعر قبل الغروب عمدا، كان عليه كفارة بدنة، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، و يدل عليه صحيح ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله». «2» و دلالة الحديث على جواز الصوم في السفر لا شبهة فيها، و حمل الرواية على الصوم في مكة أو في الطريق إذا نوى الإقامة

ثم الصوم، كما ترى، و قد عمل به المشهور، و على ذلك فيخصّص ما دلّ على عدم جواز الصوم في السفر نظير «من لم يجد الهدي و لا ثمنه».

3. من نذر الصوم في السفر على وجه يكون السفر قيدا للنذر، أو نذر على الوجه الأعم من السفر و الحضر على وجه يكون السفر ملحوظا حال النذر، أمّا بخصوصه و متقيدا به، أو الأعم منه و من الحضر، و قد تلقّاه الأصحاب بالقبول الّا المحقق في الشرائع حيث توقف.

و مستند المسألة، صحيحة علي بن مهزيار: قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟

فكتب إليه و قرأته: «لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت من غير علّة فتصدّق بعدد كل يوم على سبعة مساكين، نسأل اللّه التوفيق لما يحب و يرضى». «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 10، باب 46 من أبواب الذبح، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 10، باب 23 من أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفات، الحديث 3.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب: الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 410

..........

______________________________

و الرواية صحيحة، لأنّ الشيخ رواها بالسند التالي:

محمد بن الحسن الصفار: القمي الثقة المتوفّى عام 290 ه.

عن أحمد بن محمد، و عبد اللّه بن محمد: أي أحمد بن محمد بن عيسى (المتوفى عام 280 ه) و أخيه عبد اللّه بن محمد بن عيسى المشتهر ببنان، و كلاهما ثقة.

عن علي بن مهزيار (الذي كان حيا عام 229 ه) الثقة، و على ذلك فلا غبار

في الرواية من جهة السند.

و أمّا بندار الذي كتب إلى الإمام عليه السّلام فلعله هو بندار بن محمد بن عبد اللّه، يقول النجاشي: إمامي متقدم له كتب، منها: كتاب الطهارة، و كتاب الصلاة، و كتاب الصوم، و كتاب الحج، و كتاب الزكاة، ذكر ذلك أبو الفرج محمد بن إسحاق أبي يعقوب النديم في كتاب الفهرست. «1»

و عدم ورود التوثيق في حقّه لا يخل بالرواية، لأنّ العبرة بعلي بن مهزيار الذي قرأ الكتاب و هو ممن كان يكاتب كثيرا أئمّة أهل البيت عليهم السّلام و يعرف خطوطهم.

هذا هو سند الحديث، و أمّا الإضمار فغير مضر لجلالة علي بن مهزيار من أن يعتمد على كلام غير إمامه المعصوم.

نعم، بقي في المتن شذوذان:

أحدهما: انّه قال: «و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك» فإن رجع اسم الإشارة «ذلك» إلى السفر فهو، و إلّا فلو رجع إلى السفر و المرض أو خصوص المرض يتوجه الإشكال، لأنّ جواز الصوم في المرض لا يدور

______________________________

(1). رجال النجاشي: 1/ 285 برقم 292. و لاحظ فهرست ابن النديم: 327.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 411

..........

______________________________

مدار النيّة بل يناط بالضرر و عدمه، و لا يصححه النذر، و لعل وضوح هذا قرينة على رجوع اسم الإشارة إلى السفر دون المرض.

ثانيهما: أنّه جعل الكفارة، هو التصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين مع أنّ الصحيح عشرة مساكين، بناء على أنّ كفارة النذر هي كفارة اليمين، قال سبحانه: لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ. «1»

و الظاهر أنّ نسخة الشيخ كانت مغلوطة، و

الصحيح عشرة مساكين بشهادة نقل الصدوق حيث قال في «المقنع» ناقلا مضمون الرواية: فإن نذر رجل أن يصوم كلّ سبت أو أحد أو سائر الأيام فليس له أن يتركه إلّا من علّة، و ليس عليه صومه في سفر و لا مرض، إلّا أن يكون نوى ذلك، فإن أفطر من غير علة تصدّق مكان كل يوم على عشرة مساكين. «2»

ثمّ إنّه يظهر من الصدوق جواز الصيام في السفر في موارد أخرى:

1. صوم كفارة صيد المحرم، قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً لِيَذُوقَ وَبٰالَ أَمْرِهِ «3» و قد روي عن علي بن الحسين عليهما السّلام انّه قال للزهري: «يا زهري أ تدري كيف يكون عدل ذلك صياما؟» قال: لا أدري، قال عليه السّلام: «يقوّم الصيد قيمة ثم تفضّ تلك القيمة على البرّ ثم يكال البرّ أصواعا فيصوم لكل نصف

______________________________

(1). المائدة: 89.

(2). المقنع: 410، باب الإيمان. و تقدم انّ الشهيد الثاني رأى خط الصدوق و فيه: عشرة مساكين.

(3). المائدة: 95.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 412

دون النذر المطلق بل الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضا. (1)

______________________________

صاع، يوما». «1»

2. صوم كفارة الإحلال من الإحرام ان كان به أذى من رأسه «2» توضيحه أنّه سبحانه قال: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «3» فصاحبها فيها بالخيار، فإن صام، صام ثلاثة أيام. «4» فيحرم للمحرم أن يحلق رأسه، حتى يبلغ الهدي محله، و

قد استثنى من كان مريضا أو به أذى من رأسه فيحتاج إلى الحلق للمداواة، فأبيح له الحلق بشرط الفدية.

3. صوم الاعتكاف في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول، أو مسجد الكوفة، أو مسجد المدائن، و نسب العلّامة في المختلف جواز الصوم في السفر فيها إلى الصدوق و والده. «5» و لم يذهب غيرهما إلى الجواز في هذه الموارد. و لم يعلم وجه الجواز إلّا التمسك بإطلاق الآية، و من المعلوم انّها ليست بصدد بيان الحكم من هذه الجهة.

(1) قد تبيّن ممّا ذكرناه كون السفر مانعا من صحة الصيام الواجب إلّا في الموارد التالية:

1. إذا كان جاهلا بالحكم.

______________________________

(1). المقنع: 180.

(2). المقنع: 199.

(3). البقرة: 196.

(4). المقنع: 180.

(5). مختلف الشيعة: 3/ 462، و لاحظ المقنع أيضا: 199.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 413

..........

______________________________

2. صيام ثلاثة أيام بدل الهدي.

3. صيام ثمانية عشر يوما بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب.

4. صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصة أو سفرا و حضرا.

بقي الكلام في الموردين التاليين:

أ: النذر المطلق غير المقيّد بالسفر، و لا بالأعم منه و من الحضر.

ب: الصوم المندوب في السفر.

و إليك البحث فيهما واحدا تلو الآخر.

1. الصيام في السفر مع النذر المطلق إذا علّق الصيام بوقت معيّن فاتفق أنّه صار مسافرا، فذهب المشهور إلى أنّه لا يجوز صيامه و إن كان النذر معينا. و يدل عليه مضافا إلى ما عرفت من صحيح علي بن مهزيار:

صحيح ابن أبي عمير، عن كرّام- و هو «كرّام بن عمرو»- و لعلّ في نقل ابن أبي عمير عنه، كفاية في وثاقته، و قد وقع اسمه في 12 موردا في الكافي و التهذيبين، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت على

نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال:

«صم و لا تصم في السفر». «1»

و موثق زرارة، قال: قلت لأبي جعفر: إنّ أمّي كانت جعلت عليها نذرا إن يردّ اللّه عليها بعض ولدها من شي ء، كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكّة فأشكل علينا لمكان النذر تصوم أو تفطر؟ فقال: «لا تصوم قد وضع اللّه عنها حقه ...» 2 إلى غير ذلك من الروايات، كموثق عمار. 3

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 9 و 3 و 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 414

..........

______________________________

نعم جوزه المفيد في المقنعة. «1» و نسب الجواز إلى المرتضى و سلار. «2» لتقديم عموم الوفاء بالنذر على حرمة الصوم في السفر، و لرواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى؟

قال: «يصوم أبدا في السفر و الحضر». «3»

يلاحظ عليه: أنّ العناوين الثانوية الاختيارية كالنذر و العهد، لا تغيّر أحكام العناوين الأوّلية، إلّا ما خرج بالدليل- كما مرّ- فلا يجوز التوضّؤ بماء مضاف إذا نذر التوضّؤ به، فلا تقدّم على أدلة المحرمات و لا على أدلة الشرائط و الاجزاء.

و أمّا رواية إبراهيم بن عبد الحميد، فهو واقفي ثقة، غاية الأمر يقيّد إطلاقه بما دل على اختصاص الجواز إذا نوى الصيام في السفر أو عمّمه إلى السفر و الحضر.

2. التطوع بالصيام في السفر اختلف علماؤنا في حكم صيام التطوع في السفر على أقوال ثلاثة:

1. عدم الجواز: اختاره ابن بابويه و المفيد، و سلار، فقال الأوّلان: لا يصوم في السفر

تطوعا و لا فرضا، و استثنى من التطوّع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي، و صوم الاعتكاف في المساجد الأربعة. «4»

و قال المفيد: لا يجوز ذلك، إلّا ثلاثة أيام للحاجة: الأربعاء و الخميس

______________________________

(1). المقنعة: 362.

(2). قال: و صوم النذر إذا علق بوقت حضر في السفر. المراسم: 95.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7.

(4). المقنع: 63.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 415

..........

______________________________

و الجمعة عند قبر النبي، أو مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السّلام، ثمّ إنّ فقهاء العصابة عملوا باخبار المنع «1».

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 415

و قال سلّار: و لا يصوم المسافر تطوعا و لا فرضا، إلّا ثلاثة أيام بدل المتعة- إلى أن قال:- و صوم الثلاثة أيام للحاجة. «2»

2. الكراهة: و هو خيرة الشيخ في نهايته «3» و ابن البراج في مهذبه «4» و ابن إدريس في سرائره «5» بل نسب في الأخير القول بالكراهة إلى المفيد أيضا، لكن المتبادر من كلامه في المقنعة أنّ المختار عنده عدم الجواز، أو لعلّ مراد ابن إدريس من الكراهة هو الحرمة، للاستدلال عليها بقوله: «ليس من البر الصيام في السفر».

3. الجواز بلا كراهة: و هو الظاهر من ابن حمزة، قال: صيام النفل في السفر ضربان: مستحب: و هو ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جائز: و هو ما عدا ذلك، و روي كراهة صوم النافلة في السفر، و الأوّل أثبت. «6»

و اختار المحقق في الشرائع

القول بالكراهة، و هو خيرة الجواهر تبعا للمحقق. «7» كما اختار السيد في المدارك و المحدث البحراني عدم الجواز. و اختلاف الأقوال يستند إلى اختلاف الروايات و كيفية علاج تعارضهما. و إليك دراسة الروايات.

______________________________

(1). المقنعة: 350.

(2). المراسم العلوية: 97- 98.

(3). النهاية و نكتها: 45.

(4). المهذب: 1/ 194.

(5). السرائر: 1/ 392.

(6). الوسيلة: 148.

(7). الجواهر: 16/ 338.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 416

..........

______________________________

الأخبار الدالة على المنع 1. ما دلّ على حرمة الصوم في السفر مطلقا نظير قول الصادق عليه السّلام: «ليس من البر الصيام في السفر» «1» و قوله عليه السّلام: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر، ما صليت عليه». 2 إلى غير ذلك مما أورده الحرّ العاملي في الباب الأوّل من أبواب من يصحّ منه الصوم من كتاب الوسائل.

ما دلّ على المنع في خصوص المورد 2. صحيح زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لم يكن رسول اللّه يصوم في السفر في شهر رمضان و لا في غيره، و كان يوم بدر في شهر رمضان، و كان الفتح في شهر رمضان. 3 و لعلّ مراده من الصوم في غيره هو الصوم المندوب.

3. مرسل العياشي، عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لم يكن رسول اللّه يصوم في السفر تطوعا و لا فريضة». 4

إنّ في دلالتهما على الحرمة قصورا، لأنّهما يحكيان فعل المعصوم و هو أعم من الحرمة و الكراهة و الجواز، فلا يصلحان للاحتجاج، إلّا أن يقال: إنّ الروايتين ناظرتان إلى عمل الناس يوم ذلك، فهما بصدد نفي عملهم و ذم فعلهم، فيكون ظاهرا في التحريم.

4. صحيح البزنطي: سألت أبا الحسن عن الصيام بمكة و المدينة و نحن

في سفر؟ قال: «أ فريضة؟» فقلت: لا، و لكنّه تطوع كما يتطوع بالصلاة، فقال: «تقول اليوم و غدا؟» قلت نعم: فقال: «لا تصم». 5

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 11 و 9.

(2) 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4.

(3) 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 417

..........

______________________________

و النهي ظاهر في عدم الجواز و لا يحمل على الكراهة إلّا بدليل.

5. موثقة عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول: للّه علي أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل، فيعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟ قال: «إذا سافر فليفطر، لأنّه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية». «1»

و السند لا غبار عليه سوى انّ الجميع فطحيون، و المراد من أحمد بن الحسن الذي به صدّر السند هو أحمد بن الحسن بن علي بن فضال الثقة.

ما يدل على الجواز و يدل على الجواز خبران مرسلان و رواية صحيحة.

1. مرسل إسماعيل بن سهل، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان، فكان يصوم، ثمّ دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان، و تفطر شهر رمضان؟! فقال: «نعم، شعبان إليّ إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه

عزّ و جلّ عليّ الإفطار». «2»

و في السند: منصور بن العباس الذي وصفه النجاشي بقوله: مضطرب الأمر، و محمد بن عبد اللّه بن واسع، الذي لم يرد في حقّه شي ء كما أنّ المرسل، أعني:

إسماعيل بن سهل: قال النجاشي فيه: ضعّفه أصحابنا، فلا يحتج بمثل هذه

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 8.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 418

..........

______________________________

الرواية.

2. مرسل الحسن بن بسام الجمال، عن رجل قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك، أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال: «إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا». «1»

و الظاهر وحدة المرسلتين لتقارب مضمونهما.

و في السند سهل بن زياد رواه عن علي بن بلال، و الظاهر انّه البغدادي الثقة الذي يروي عن الهادي و العسكري عليهما السّلام، و هو عن الحسن بن بسّام الجمّال، الذي لم يرد في حقّه شي ء مدح و لا ذمّ.

3. روى الحسين بن سعيد الأهوازي، عن سليمان الجعفري الثقة، قال:

سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: «كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظل مرتفع فيضرب له ...». «2»

رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفري و هو سليمان بن جعفر الطالبي الجعفري، و لو صحّ الاحتجاج بهذا الحديث- و غضّ النظر عن عدم

إفتاء الأصحاب بمضمونه-، أقتصر على مورده.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 419

إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة و الأفضل إتيانها في الأربعاء و الخميس و الجمعة، و أمّا المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصحّ صومه و يجزيه حسبما عرفته في جاهل حكم الصلاة إذ الإفطار كالقصر، و الصيام كالتمام في الصلاة لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار، و أمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصحّ صومه، و أمّا الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحّة. (1)

______________________________

(1) هنا فروع ثلاثة:

الأوّل: اتفقت كلمة الأصحاب على أنّه يجوز للمسافر أن يصوم ثلاثة أيام في المدينة للحاجة، و وردت عليه نصوص خصّت الجواز بالأيام الثلاثة: الأربعاء و الخميس و الجمعة.

روى الشيخ بسند صحيح عن معاوية بن عمار قال: إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أوّل يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة، و هي اسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس، ثم تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مصلّاه ليلة الجمعة فتصلّي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة. «1»

و ربما يتصور انّ التقييد بالأيام الثلاثة من قبيل تعدد المطلوب، كما هو الحال في باب المستحبات، فلا يحمل فيه المطلق

على المقيد كما إذا ورد دليل على استحباب زيارة الحسين عليه السّلام تحت السماء فيحمل على تعدد المطلوب و يزار أيضا تحت السقف.

يلاحظ عليه: بوجود الفرق بينه و بين المقام، لأنّ القاعدة الأوّلية في المقام

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 10، الباب 11 من أبواب المزار، الحديث 1، و لاحظ بقية الأحاديث.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 420

..........

______________________________

هي الحرمة، فلا يصحّ رفع اليد عنها إلّا في المورد المتيقن، و هو الأيام الثلاثة، و المرجع فيما سواها هو عمومات الحرمة، على أنّ العمل المذكور إنّما يصحّ إذا كان هناك مطلق، و مقيد، فيؤخذ بالأوّل دون الثاني لما ذكره، و ليس المقام كذلك لورود القيد في عامة روايات الباب.

نعم عطف المفيد في المقنعة «1» سائر المشاهد المشرّفة على مسجد النبي، و لم نجد ما يدل عليه و إلغاء الخصوصية و القطع بالمناط، فرع حصول العلم به.

2. اختصاص الصحة بالجاهل بالحكم اتّفقت كلمتهم على أنّ الجاهل بالحكم غير معذور إلّا في موارد:

1. الإتمام في مكان القصر.

2. و الصيام مكان الإفطار.

3. الجهر مكان المخافتة و بالعكس.

و قد أشبعنا الكلام في الأوّل في كتابنا «ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر»، و يدل على الثاني، صحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه». «2» و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (البصري) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر؟ فقال: «إن كان لم يبلغه انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء قد أجزأ عنه الصوم». 3

و تقيد بهما ما دل على بطلان صوم

المسافر مطلقا، عالما كان أو جاهلا، و قد نقل رواياته صاحب الوسائل في الباب الأوّل من أبواب من يصحّ منه الصوم.

______________________________

(1). المقنعة: 350، قال: عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السّلام.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 421

..........

______________________________

نعم ورد في مورد الإتمام مكان التقصير قوله: «إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له، فصلّى أربعا أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه». «1» دون المقام و إنّما ورد فيه قوله: «إن كان لم يبلغه انّ رسول اللّه نهى عن ذلك» و الوجه في ذاك، هو انّ التقصير وجب بالذكر الحكيم و هو قوله:

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ «2» و هو بحاجة إلى التفسير، لظهور قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ في الرخصة لا في العزيمة، و حمله على الثانية يحتاج إلى التفسير و لكن الإفطار وجب بالسنّة حيث إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمّى قوما صاموا في السفر عصاة، و قوله صريح في العزيمة. «3»

فتلخص انّ التفصيل بين الجاهل بالحكم و عالمه في الإتمام و الصيام مقتضى الأدلة الواردة فيه.

و إنّما يحكم بالصحة إذا بقى على جهله إلى آخر النهار، و أمّا لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصح صومه، لأنّ الخارج من تحت الإطلاقات إنّما هو الجاهل في تمام النهار دون البعض، على أنّه كيف يمكن أن يتقرب بالمبغوض بعد العلم به.

3. الناسي ملحق بالعالم إنّ مقتضى الإطلاقات الواردة هو حرمة الصيام في

السفر على المكلّف بأقسامه الثلاثة: العالم و الناسي و الجاهل كموثقة عمار: «إذا صام الرجل رمضان، في السفر لم يجزه و عليه الإعادة». «4» خرج عنه الثالث بقي الباقي تحت العام، و مثله

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 5، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2). النساء: 101.

(3). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 422

..........

______________________________

ناسي حكم التقصير، فصلى تماما ناسيا، فيلحق بالعالم في بطلان صلاته، و لزوم إعادته.

ثمّ إنّ الروايات دلّت على وجود الملازمة بين القصر و الإفطار؛ ففي صحيح الفقيه عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «هذا واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت، قصّرت». «1»

و في موثقة سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «و ليس يفترق التقصير و الإفطار فمن قصّر فليفطر». 2 إلى غير ذلك من الروايات الحاكية عن الملازمة بين الأمرين، و هي الضابطة في الموارد المشكوكة إلّا أن يدل دليل على التفكيك بينهما، و لعلّ المورد التالي منه، أعني: إذا سافر الصائم بعد الزوال، فيقصر و لا يفطر، و قد اختلفت كلماتهم في شروط الإفطار و الإمساك نأتي بمهم التفاصيل.

الف. الملاك: الخروج قبل الزوال و بعده ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّ الملاك في الإفطار و عدمه هو انّه لو خرج قبل الزوال يقصّر و يفطر، و إذا خرج بعده يقصر و لا يفطر. و هذا هو المشهور بين المتأخرين، و عليه الصدوق في المقنع، و المفيد في المقنعة، و الشيخ في الخلاف

في الشق الثاني، و اختاره العلّامة في المختلف.

1. قال الصدوق: و إذا سافر قبل الزوال فليفطر. و إن خرج بعد الزوال فليصم. و روي ان خرج بعد الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم. 3 و ما ذكره أوّلا هو مختاره، و ما نسبه إلى الرواية إنّما ذكره استطرادا.

______________________________

(1) 1 و 2. الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 2.

(2) 3. المقنع: 198.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 423

..........

______________________________

2. قال المفيد: و من خرج عن منزله إلى سفر يجب فيه التقصير قبل زوال الشمس فانّه يجب عليه التقصير في الصلاة و الإفطار، فان خرج بعد الزوال فعليه التمام في صيام ذلك اليوم و عليه التقصير في الصلاة على كلّ حال. «1»

3. و قال الشيخ: إذا تلبس بالصوم في أوّل النهار، ثمّ سافر آخر النهار، لم يكن له الإفطار. و به قال جميع الفقهاء إلّا أحمد فانّه قال: يجوز له أن يفطر. «2»

قال العلّامة: و المعتمد عندي قول المفيد رحمه اللّه. «3»

ب: الملاك تبييت النية و الخروج قبل الزوال و يظهر من الشيخ في المبسوط انّ السبب المجوّز للإفطار هو اجتماع أمرين: تبييت النية ليلا مع كون الخروج قبل الزوال، و لو خرج بعد الزوال فهو يصوم مطلقا، فخص التفصيل بين تبييت النية و عدمه بما قبل الزوال. و أمّا بعده فقد أفتى فيه بالصوم مطلقا بيّت النيّة أو لا.

قال: و من سافر من بلده في شهر رمضان و كان خروجه قبل الزوال، فإن كان بيّت نية السفر، أفطر و عليه القضاء و إن كان بعد الزوال لم يفطر. «4»

هذا هو المستفاد من نهايته بعد الإمعان في أطراف كلامه،

و انّه يقول فيها بنفس ما اختاره في الخلاف قال فيه:

«إذا خرج إلى السفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النهار و كان قد بيّت نيّته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار، و إن لم يكن قد بيّت نيّته من الليل ثم

______________________________

(1). المقنعة: 354.

(2). الخلاف: 2/ 219، كتاب الصوم، المسألة 80.

(3). مختلف الشيعة: 3/ 470.

(4). المراد: أيّ جزء من أجزاء قبل الزوال من النهار كما سيظهر من ذيل كلامه فانتظر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 424

..........

______________________________

خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم و ليس عليه قضاؤه، و إن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الإفطار على كلّ حال و كان عليه القضاء. «1»

و متى بيت نيّته للسفر من الليل و لم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار و كان عليه القضاء». «2»

و إذا ضمّ هذا الشق الأخير إلى صدر كلامه يظهر أنّ مختاره في النهاية و الخلاف واحد، و انّه يشترط في الإفطار شرطين: 1. تبييت النية، 2. الخروج قبل الزوال، و لذلك حكم بعدم كفاية التبييت في الشق الثاني (تبييت النية ليلا و الخروج بعد الزوال)، غير انّه حكم في النهاية- مع وجوب الإمساك- بالقضاء دون الخلاف حيث اكتفى بنفس الإمساك.

و القول بلزوم اجتماع الشرطين هو مختار المحقّق الخوئي، قال في تعليقته على قول المصنف: فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار»، هذا إذا كان ناويا للسفر من الليل و إلّا فالأحوط إتمام الصوم و القضاء.

كما تبع الشيخ- في السفر بعد الزوال- في نهايته بعض المشايخ حيث علّق على قول الماتن: «و كذا يصحّ الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال» بقوله:

«لكن

الأحوط القضاء أيضا إذا نوى السفر من الليل».

و بذلك يعلم انّه ليس هنا قائل يقول بأنّ العبرة بتبييت النية ليلا من غير فرق بين قبل الزوال و ما بعده، فإن بيّت نيّة السفر أفطر و لو خرج بعد الزوال و إلّا صام و إن خرج قبله. «3»

______________________________

(1). ليس هذا شقا مستقلا لأنّ الخروج قبل الفجر مقرون مع تبييت النية و الخروج قبل الزوال.

(2). النهاية: 162 و هذا الشق دليل على أنّ المراد من قوله: «أي وقت كان من النهار»، هو أي جزء من النهار قبل الزوال.

(3). مستند العروة: كتاب الصوم: 1/ 446.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 425

..........

______________________________

لما عرفت من أنّ القائل هو الشيخ في كتابيه و هو إنّما يشترط تبييت النية في الخروج قبل الزوال، و أمّا بعده ففي الخلاف حكم عليه بالإمساك و كفايته، و في النهاية حكم عليه بالإمساك مع القضاء أيضا. نعم وردت على وفق هذا الملاك روايات أصحها، رواية علي بن يقطين كما سيوافيك.

و اختاره أبو الصلاح في الكافي و قال: «و إذا عزم على السفر قبل طلوع الفجر و أصبح حاضرا فإن خرج قبل الزوال أفطر، و إن تأخر إلى أن تزول الشمس أمسك بقية يومه و قضاه. «1» و لم يذكر الخروج قبل طلوع الفجر لوضوح حكمه.

كما اختاره القاضي ابن البراج في مهذبه. «2» و هو الظاهر من عبارة ابن حمزة في الوسيلة حيث قسم المسافر إلى أربعة.

1. إن خرج قبل الفجر من منزله: يفطر.

2. إن خرج بعده قبل الزوال ناويا للسفر من الليل يفطر.

3. تلك الصورة و لكن غير ناو للسفر من الليل لا يفطر و يقضي.

4. إذا خرج بعد الزوال (ناويا للسفر من الليل)

يصوم و يقضي. «3»

فصارت النتيجة انّه تبع الشيخ الأعلام الثلاثة: أبو الصلاح، و ابن البراج، و ابن حمزة.

ج. الصوم كالصلاة يفطر إذا سافر في جزء من النهار ذهب جماعة إلى أنّ الصوم كالصلاة، يفطر الصائم إذا سافر أي جزء من النهار، فلا يشترط فيه الخروج قبل الزوال و لا تبييت النية من الليل. و عليه علي بن

______________________________

(1). الكافي في الفقه: 182.

(2). المهذب: 1/ 194.

(3). الوسيلة: 149.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 426

..........

______________________________

بابويه في رسالته، و ابن أبي عقيل، و السيد المرتضى، و وصفه ابن إدريس في السرائر بأنّه أوضح من جميع ما تقدمه من الأقوال. «1»

و هذا القول مخالف للقولين السابقين حيث لا يعتبر شيئا من القيدين اللّذين اعتبرهما أو أحدهما أكثر الفقهاء، و يخالف النصوص الواردة في المسألة، فلنترك هذا القول لأصحابه، و لندرس الروايات حتى يتبين مفادها.

الروايات الواردة على صنفين:

ألف: الملاك الخروج قبل الزوال و بعده دلّت الروايات الصحيحة على أنّ الملاك للصوم و الإفطار هو الخروج قبل الزوال و بعده، فلو خرج قبله يفطر و إلّا فيمسك بلا قضاء عليه.

1. صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتدّ به من شهر رمضان». «2»

2. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، قال: فقال: «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه». 3

3. صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يسافر في شهر

رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر، و إن خرج بعد الزوال فليصم». 4

4. موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر». 5

______________________________

(1). لاحظ المختلف: 3/ 469- 470.

(2) 2 و 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 2، 3، 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 427

..........

______________________________

و ليس فيها ما يدل على شرطيّة تبييت النية، و تصوّر انّ الإمام لم يكن في مقام بيان تمام شرائط الإفطار و الإمساك من جميع الجهات بعيد جدا.

ب: الملاك هو تبييت النية ليلا و هناك روايات تعلّق الإفطار على تبييت النية في الليل و مقتضى إطلاقها انّه ان بيّتها ليلا، يفطر و إن خرج بعد الزوال، و إن لم يبيتها فلا يفطر و إن خرج قبله، و يدلّ عليه من الروايات ما يلي:

1. موثق علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السّلام في الرجل يسافر شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدّث نفسه من الليل ثمّ بدا له في السفر من يومه أتم صومه». «1»

و هذه الرواية هي المعتبرة من هذا الصنف، و غيرها كلها مراسيل ضعاف.

2. رواية صفوان بن يحيى، عمّن رواه، عن أبي بصير.

3. رواية إبراهيم بن هاشم، عن رجل، عن صفوان، عن الرضا عليه السّلام.

4. رواية سماعة هو و ابن مسكان، عن رجل، عن أبي بصير.

و معه كيف يمكن أن يحتج بها؟

و أمّا رواية علي بن يقطين،

فرواها الشيخ عن كتاب علي بن الحسن بن فضال، و ابن فضال لا غبار عليه إنّما الكلام في سند الشيخ إلى كتابه الذي أخذ الحديث عنه و في سنده إليه أبو الحسن علي بن محمد بن لزبير القرشي الكوفي.

و قد حاول بعض الرجاليين أن يثبت وثاقة الحسن بن محمد القرشي المعروف ب «ابن الزبير» مما ذكره النجاشي في ترجمة استاذه «ابن عبدون» فقد قال في حقّه: قد

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 10.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 428

..........

______________________________

قرأ كتب الأدب على شيوخ أهل الأدب، و كان قد لقى أبا الحسن علي بن محمد القرشي المعروف ب «ابن الزبير»، و كان علوا في الوقت. «1»

و في استدلاله نظر صغرى و كبرى.

أمّا الأولى فالظاهر انّ الضمير «في كان» الثانية، يرجع إلى ما رجع إليه «كان» الأولى، و هو نفس ابن عبدون لا ابن الزبير.

أمّا الثانية فلأنّ المراد هو علو سنده (لا علو مقامه) فانّ علو الاسناد مما يتنافس به أصحاب الحديث و يتحملون المشاقّ لأجله. «2»

إذا وقفت على مقدار اعتبار السند، فلندرس دلالة الحديث، فنقول:

إنّ الصنف الأوّل جعل المعيار الخروج قبل الزوال و بعده، و الصنف الثاني جعل المعيار، تبييت النية في الليل و عدمه، فيقع التعارض بينهما في موردين:

1. إذا خرج قبل الزوال بلا تبييت النية. فيفطر على الأوّل، و يصوم على الثاني.

2. إذا خرج بعد الزوال مع التبييت. فيصوم على الأوّل، و يفطر على الثاني.

فما هو المرجع؟ فهل هو الرجوع إلى المرجحات، أو الجمع الدلالي بتقييد إطلاق الصنف الأوّل بالثاني في خصوص الخروج قبل الزوال و إبقاء إطلاق النصف الأوّل بحاله في الخروج بعد

الزوال؟ وجهان:

الرجوع إلى المرجحات إنّ الاختلاف بين الصنفين و إن لم يكن على نحو التباين، بل الاختلاف

______________________________

(1). رجال النجاشي: برقم 209.

(2). منتهى المطلب: 2/ 599، الطبعة الحجريّة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 429

..........

______________________________

بينهما على وجه الإطلاق و التقييد لكن يصار إلى الطرح للوجوه التالية:

1. انّ الإطلاقات المتضافرة، لا تقيّد إلّا بدليل مفيد للاطمئنان، و قد عرفت أنّ الصنف الأوّل، أخبار صحاح، تضافرت على اعتبار قيد واحد، و هو كون الخروج قبل الظهر و بعده، و من البعيد أن لا يكون الإمام فيها بصدد بيان تمام المراد، فلا ترفع اليد عنه إلّا بدليل معتبر يفيد الاطمئنان، و الوارد في الصنف الثاني إمّا مراسيل و إما خبر واحد لا يفيد الاطمئنان في مقابل الإطلاقات الكثيرة، و ليس هذا بمعنى إنكار تقييد المطلق بالخبر الواحد، بل بمعنى إنكار تقييد المطلقات المتضافرة بخبر الواحد الذي يتضاءل عندها، و لذا لم نقل بحق المارّة الذي ورد في خبر واحد، في مقابل الإطلاقات المتضافرة الدالة على عدم حلية مال أحد لأحد إلّا بطيب نفسه.

2. انّ المعتبر منها إنّما هو رواية علي بن يقطين، و كان الرجل مبتلى بالمخالف، فلعلّ الإمام أفتى بالتقية، و يؤيد ذلك وجود هذا القيد في فتاواهم قال العلّامة في المنتهى: إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر، ثم خرج بعد الفجر مسافرا لم يفطر يومه و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي و أبو ثور و اختاره النخعي و مكحول و الزهري» و هو صريح في أنّ الإفطار مشروط بشرط تبييت النية ليلا و لو لم يبيّت فلا يفطر.

3. انّ هذا الصنف من الروايات الذي تعتبر الملاك تبييت النية في الليل فقط لم

يعمل بها أحد من الفقهاء، و قد عرفت أنّ الشيخ يعتبر وراء ذلك، الخروج قبل الزوال، و معه كيف يكون حجة صالحة لتقييد إطلاق الصحاح المتضافرة.

المرجع هو الجمع الدلالي ذهب السيد الخوئي قدّس سرّه إلى أنّ المرجع هو الجمع الدلالي، و ذلك بفضل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 430

..........

______________________________

صحيح رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال: «يتم صومه». «1» و ذلك بالتقريب التالي:

إنّ قوله: «يعرض» ظاهر في عروض السفر و حدوث العزم عليه من غير سبق النية، فدلّت على أنّ من لم تسبق منه النية لو سافر قبل الزوال يصوم، فتكون قرينة على أنّ الطائفة الثانية المتضمنة للتفصيل بين التبييت و عدمه ناظرة إلى هذا المورد، أعني: ما قبل الزوال، فيكون الحكم بالصيام إذا سافر بعد الزوال الذي تضمنته الطائفة الأولى سليما عن المعارض. «2»

و حاصله انّ إطلاق الصنف الأوّل يقتضي لزوم الإفطار إذا خرج قبل الزوال مطلقا، نوى السفر ليلا أو لا، كما أنّ إطلاقه يقتضي لزوم الإمساك إذا خرج بعد الزوال، نوى السفر ليلا أو لا، فبما انّ صحيح رفاعة المتضمن لشرطية التبييت وارد في خصوص الشق الأوّل، يقيد إطلاق هذه الروايات في خصوص الشق الأوّل و يؤخذ بإطلاق الشق الثاني

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتم إذ ورد القيد «حين يصبح» في كلام الإمام، دون ما إذا كان واردا في كلام الراوي فيحتمل أن لا يكون له دخل في الحكم و انّ الملاك للإفطار و عدمه، هو نية السفر ليلا و عدمه، فعلى الثاني يصوم مطلقا، و على الأوّل يفطر مطلقا، و بذلك ظهر انّ ما أتعب السيد الجليل في

الجمع بين الصنفين من الروايات أمر لا تطمئن به النفس، و ما ذكرناه أولى و أوفق بالقواعد الموروثة عن أئمة أهل البيت.

ج: كفاية السفر قبل الزوال و بعده في وجوب الإفطار قد عرفت القائلين بهذا القول و يدل عليه ما رواه عبد الأعلى مولى آل سام

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

(2). مستند العروة: كتاب الصوم: 1/ 451.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 431

..........

______________________________

في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال: «يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل». «1»

و في السند موسى بن جعفر البغدادي الذي لم يرد في حقّه التوثيق، مضافا إلى أنّ الرواية غير مسندة إلى المعصوم، فلا يحتج بمثلها.

و لعلّه فتوى نفس عبد الأعلى.

و يؤيده مرسلة المقنع: و روي ان خرج بعد الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم كما مر. و كما يؤيد بما في الفقه الرضوي. «2»

و المرسلة لا يحتج بها في مقابل الصحاح مثل الفقه الرضوي، لأنّها مأخوذة من رواية عبد الأعلى و نحوها على أنّ هذا القول مخالف لكلتا الطائفتين من الروايات الدالة على شرطية أحد الأمرين أو كليهما فالقول بكفاية مطلق السفر في الإفطار يضادّ مع هذه الروايات التي توجد بينها الصحاح. و هذا القول يترك إلى أصحابه.

ثمّ إنّ هنا روايات لم يعمل بمضمونها أحد من الفقهاء.

1. اشتراط الخروج قبل الفجر إذا نوى السفر في الليل كرواية سليمان بن جعفر الجعفري «3» و سماعة 4.

2. هو بالخيار في تلك الصورة كصحيح رفاعة بن موسى. 5

فيرجع علم هذه الروايات إليهم عليهم السّلام.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 14.

(2). الفقه الرضوي:

25. رواه الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال الفطحي الثقة الجليل، عن أيوب بن نوح الثقة عن محمد بن أبي حمزة (ابن أبي حمزة الثمالي المعروف الذي وثقه الكشي) عن علي بن يقطين.

(3) 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6، 8، 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 432

و كذا يصحّ الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال كما أنّه يصحّ صومه إذا لم يقصر في صلاته كناوي الإقامة عشرة أيّام و المتردّد ثلاثين يوما و كثير السفر و العاصي بسفره و غيرهم ممّن تقدّم تفصيلا في كتاب الصلاة. (1)

[السادس: عدم المرض أو الرمد الّذي يضرّه الصوم]

السادس: عدم المرض أو الرمد الّذي يضرّه الصوم لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ، بل أو الاحتمال الموجب للخوف، بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصحّ منه، و كذا إذا خاف من الضرر في نفسه أو غيره أو عرضه أو عرض غيره أو في مال يجب حفظه و كان وجوبه أهمّ في نظر الشارع من وجوب الصوم، و كذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه، و لا يكفي الضعف و إن كان مفرطا ما دام يتحمّل عادة. نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الإفطار. و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة إشكال فلا يترك الاحتياط بالقضاء. و إذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضر و علم المكلّف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه، و إذا حكم بعدم ضرره و علم المكلّف أو ظنّ كونه مضرا وجب عليه تركه و لا يصحّ

منه. (2)

______________________________

(1) ما ذكره مقتضى الملازمة بين القصر و الإفطار و الإتمام و الإمساك التي دلت عليها الروايات المتقدمة فلاحظ.

(2) هنا فروع ثمانية ندرسها حسب الترتيب المذكور في كلام المصنّف.

1. المرض الذي يضرّ به الصوم من شروط صحة الصوم عدم المرض الذي يضرّ به الصوم، و هو من

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 433

..........

______________________________

ضروريات الفقه الإسلامي قال سبحانه: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» أي ليصم أيّاما أخر، هو الواجب عليهما فيجب عليهما الإفطار، و ليس المراد مطلق المرض و إن لم يضرّ به الصوم، بل ربما كان مفيدا، بل المرض الذي يضرّ به الصوم، و هذا مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع أوّلا.

و التصريح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام ثانيا، قال: سألته عن حدّ ما يجب على المريض ترك الصوم؟ قال: «كلّ شي ء من المرض أضرّ به الصوم فهو يسعه ترك الصوم». «2»

و يدل عليه أيضا تفويض حدّ المرض إلى المكلف، الكاشف عن كون الملاك، المرض الخاص الذي يضرّ به الصوم ففي صحيح يونس عن شعيب «3» عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المرض إذا نقه في الصيام؟ فقال: «ذلك إليه هو أعلم بنفسه إذا قوي فليصم». «4»

و نظيره غيره، و لو كان المانع عن الصحة مطلق المرض، فلا وجه لتفويض تشخيصه إلى المكلف، فظهر انّ الملاك المرض الذي يضر به الصوم و المكلف عارف بنفسه: بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. «5»

و بذلك يعلم أنّ الموضوع في الواقع هو الصوم المضر، و أخذ المريض موضوعا في الآية لكون الصوم غالبا، مضرّا

به، و بما أنّ بين المرض و الإضرار من النسبة عموم و خصوص من وجه، فلو كان الصوم غير ضارّ بالمرض، أو كان ضارا، و إن لم يصدق عليه المرض كرمد العين فلا يفطر في الأوّل، و يفطر في

______________________________

(1). البقرة: 184.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 9.

(3). المراد شعيب بن أعين الحدّاد، كوفي ثقة.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

(5). القيامة: 14.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 434

..........

______________________________

الثاني، كما يفطر فيما إذا اجتمعا.

2. ما هو الطريق إلى إحراز الموضوع؟ إذا كان الموضوع للإفطار، هو الصوم المضرّ بالمرض، يقع الكلام فيما هو الطريق إلى إحرازه، فهناك وجوه:

1. تحصيل اليقين أو الاطمئنان الذي هو العلم العرفي.

2. كفاية الظن بالضرر.

3. احتمال الضرر المورث للخوف.

مقتضى القاعدة هو الاقتصار على العلم العرفي و الرجوع في غيره إلى العمومات و الإطلاق، لكن ورود النصّ بكفاية الخوف على عينه من الرمد، أو على نفسه من العطاش، صار سببا للاقتصار على احتمال الضرر.

فقد ورد في الأوّل عن حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر». «1»

كما ورد في الثاني عن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه؟ قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتى يروى». «2»

و الأوّل صحيح و الثاني موثق.

و يؤيد ذلك، انّه الملاك في أبواب التيمم.

1. روى داود الرقي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أكون في السفر فتحضر

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

(2). الوسائل:

الجزء 7، الباب 16، من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 435

..........

______________________________

الصلاة و ليس معي ماء ... قال: «لا تطلب الماء و لكن تيمّم، فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع». «1»

2. روى البزنطي عن الرضا عليه السّلام في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح، أو يكون يخاف على نفسه البرد؟ فقال: «لا يغتسل، يتيمم». 2

3. روى داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح و قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: «لا يغتسل و يتيمّم». 3

على أنّ تحصيل الجزم و الاطمئنان بل الظن أمر مشكل إلّا إذا كان هناك تجربة و لما كان الخوف في مظان الخطر، طريقا عقلائيا يبعث الإنسان إلى الأخذ بجانب الاحتياط، أمضاه الشارع فاكتفى في إحراز الموضوع بصورة الخوف الذي له مصدر عقلائي، و لذلك قال المصنّف: بل أو الاحتمال الموجب للخوف.

3. إذا خاف من حدوث المرض لا كلام فيما إذا خاف من إضرار الصوم بالمرض الفعلي، و أمّا إذا احتمل إحداث المرض مع كونه مصحّا فهو أيضا كذلك، إذا كان له منشأ عقلائي.

و ذلك لأنّ المتبادر من قوله سبحانه: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً و قوله عليه السّلام: «كل شي ء من المرض أضرّ به الصوم فهو يسعه ترك الصوم» و إن كان هو المرض الفعلي لكن الفقيه يقطع بأنّه لا فرق بين كونه سببا لبقاء المرض و شدّته، أو سببا لحدوثه و طروئه، فالصيانة على صحّة مزاج الصائم، صارت سببا لتجويز الإفطار، و معه لا فرق بين الحال و الاستقبال.

أضف إليه: أنّ الموضوع في صحيح حريز هو

المرض غير الفعلي، عن أبي

______________________________

(1) 1 و 2 و 3. الوسائل: الجزء 2، الباب 2 من أبواب التيمم، الحديث 1؛ و الباب 5، الحديث 7 و 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 436

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام قال: «الصائم إذا خاف على عينه من الرمد أفطر». «1»

و في موثق سماعة: «فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان». «2» فانّ إيجاد الضعف، أشبه بإحداث مرض لم يكن موجودا.

4. إذا زاحمه ضرر آخر إذا لم يكن الصوم مضرّا في حدّ نفسه لكن توقف حفظ نفسه أو نفس غيره على الإفطار.

و بعبارة أخرى: إذا دار الأمر بين الصوم و تحمل ضرر نفسي أو عرضي أو مالي، كما إذا هدّده الظالم بقتله أو قتل غيره إذا صام، أو توقف حفظ عرضه أو عرض غيره أو مال يجب حفظه كالوديعة و العارية أو مال كثير، نعلم بأنّ الشارع لا يرضى بتلفه، على الإفطار، ففي هذه الموارد يؤخذ بما هو الأهم عند الشارع، و من المعلوم انّ حفظ النفس و العرض أو الأموال المذكورة أكثر أهمية من الصوم الذي يفطر ثم يقضيه، و هذا بخلاف ما إذا دار الأمر بين الصوم، و تلف مال قليل أو الصوم و ذمّ الناس و النيل منهم، ففي هذه الموارد، يقدّم الصوم على غيره.

و الحاصل: انّ هنا فرقا بين الصوم المورث للضرر في النفس و العضو، فهو موجب للإفطار من دون لحاظ الأهم و المهم، لأنّ وجوده مانع من صحّة الصوم، و هذا بخلاف ما إذا دار الأمر بين الصوم و بين الضرر الآخر، فيدخل مثله في باب المتزاحمين فيقدّم الأهم على المهم، و من ذلك يعلم

حال الفرع الثاني.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 19 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 437

..........

______________________________

5. إذا زاحمه واجب آخر غير الضرر كما إذا دار الأمر بين الصوم و الإنفاق على العائلة، أو بين الصوم و تجهيز الميّت إلى غير ذلك من الواجبات التي لا يمكن للمكلف أن يجمع بينهما، فيدخل كالمورد السابق في باب التزاحم فيقدّم الأهم منهما، غير انّ التزاحم في السابق كان بين الصوم و بين دفع ضرر آخر، و في المقام بين الصوم و بين القيام بواجب آخر كالإنفاق و تجهيز الميت.

و لكن هنا أمرين لم يتعرض لهما المصنّف.

الف: هل يكفي احتمال المزاحم أو يجب إحرازه بالحجة؟ قد مرّ انّه يكفي في المريض الذي يضرّ به الصوم، خوف الضرر و لا يجب تحصيل القطع أو الظن، فهل هو كذلك في مقام التزاحم، فيكفي احتمال مزاحمة الصوم، لضرر آخر أو بواجب آخر أو لا بدّ من إحراز المزاحم بالحجة العقلية أو الشرعية؟ قال السيد الحكيم قدّس سرّه: هذا إنّما يتم لو أحرز وجود المزاحم بقيام العلم أو العلمي على وجوده، أمّا مع الشكّ فيه فلا وجه لرفع اليد عن التكليف المعلوم، اللّهم إلّا أن يستفاد من أدلة المقام، طريقية الاحتمال الموجب للخوف مطلقا، حتى في المقام، كما لعله ظاهر الأصحاب و هو غير بعيد. «1»

و فصّل السيد الخوئي قدّس سرّه بين ما كان الواجب ممّا اعتبر فيه عنوان الحفظ كحفظ النفس أو العرض أو المال، فيكفي فيه مجرد الخوف، لأنّ نفس هذا العنوان يقتضي المراعاة في موارد الاحتمال ضرورة انّ ارتكاب

شي ء يحتمل معه التلف ينافي المحافظة، و بين غيره كالإنفاق على العائلة، فلا بدّ من إحراز وجود المزاحم بعلم

______________________________

(1). المستمسك: 8/ 419.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 438

..........

______________________________

أو علمي، إذ الصوم واجب و لا يكاد يرتفع وجوبه إلّا بالتعجيز الحاصل من قبل المولى الذي لا يتحقق إلّا بالتكليف المنجز دون المحتمل.

الظاهر أن يقال: إنّ الواجب على قسمين: قسم يكون صرف الاحتمال فيه منجزا للتكليف و لا يتوقف التنجز على العلم و العلمي كأعراض الناس و دمائهم، فيكفي فيه مجرد الاحتمال المورث للخوف، الذي يعتني به العقلاء في حياتهم و معاشهم، و قسم لا يبلغ هذه المرتبة في الأهمية فلا يرفع اليد عن التكليف المنجّز كالصوم إلّا بتكليف منجّز مثله.

و بذلك يظهر الفرق بين المقامين:

إذا دار الأمر بين الصوم و ضرر نفسي أو عرضي أو مالي فيكفي فيه مجرّد الاحتمال، لأنّ التكليف بحفظ النفوس و الأعراض و أموال الناس، يكفي في تنجز حكمه مجرد الاحتمال و لأجل ذلك لا تجري البراءة في الشبهة البدوية منها فيكفي في مقام التزاحم ذلك، بخلاف الثاني أي إذا دار الأمر بين الصوم و أداء تكليف آخر، كالإنفاق على العائلة فلا يرفع اليد إلّا بالحجّة، و قد قلنا في باب التزاحم انّ ما ليس له البدل، كالإنفاق يقدم على ما له البدل كالصوم.

ب: إذا عصى و صام هل يصح أو لا؟ لو عصى بترك الواجب الأهم كحفظ الوديعة و العارية و صام، فهل يصحّ صومه أو لا؟ مقتضى القاعدة، الصحّة للفرق بين المريض إذا أضرّ به الصوم، و بين المقام، فانّ الأوّل من قبيل تخصيص أدلة وجوب الصيام، فهو مكتوب على كلّ مؤمن إلّا المريض و المسافر، فلم

يكتب عليهما و لم يشرّع في حقّهما، و هذا بخلاف المقام فانّ رفع اليد عن حكم أحد المتزاحمين لا لعدم الجعل في الأوّل، بل لعدم القدرة على الامتثال بحيث لو قدر على الجمع، وجب عليه ففي مثل ذلك،

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 439

..........

______________________________

يكون المرفوع هو الوجوب، و أمّا الملاك فهو باق بحاله فيصح إذا عصى و صام بأحد الوجهين امّا الاقتصار بالملاك و امّا تعلّق الأمر بالمهم عن طريق الترتب الذي يكفي في صحته، صرف الإمكان على ما حرر في محلّه، فكأنّه قال: احفظ مال الودعي و إن عصيت فصم.

و بذلك يعلم أنّ عدم الابتلاء بمزاحم آخر، سواء كان المزاحم هو الضرر، أو واجب آخر، ليس من شرائط الصحّة التي عقد الفصل لبيانها، بل من شرائط الوجوب التي سيأتي بيانه في الفصل الآتي.

6. الضعف المجوّز للإفطار إنّ الصوم يكون مقرونا بالضعف غالبا، و هو إحدى الغايات المطلوبة من إيجاب الصوم، فقد شرع لأجل مسّ الجوع و الألم و كسر الشهوات الذي لا يفارق الضعف، و على ذلك لا يكون مطلق الضعف مجوزا للصيام و إن كان مفرطا إلّا إذا كان بلغ مرتبة الإطاقة الواردة في قوله سبحانه: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فالضمير في الفعل يرجع إلى الصوم، و المراد من يصومون و لكن باعمال كلّ ما يمتلكون من القدرة، فيكون مساوقا للحرج الموجود في الشيخ و الشيخة أو من بلغ من الضعف مرتبتهما، و بما انّ الآية المباركة بصدد الحصر يختص جواز الإفطار بما إذا استلزم الإطاقة، و بذلك يفسر موثق سماعة قال سألته ما حدّ المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار ...؟ قال: «فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد

قوة فليصمه كان المرض ما كان». «1»

7. إذا صام بزعم عدم الضرر إذا صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ عن الصوم، فقال

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 440

..........

______________________________

المصنّف: ففي الصحة إشكال.

وجه البطلان: انّ الموضوع لإيجاب الصوم، هو من شهد الشهر و لم يكن مريضا يضرّ به الصوم، و الواجب على الغائب و المريض الذي يضرّ به الصوم، هو الصيام في أيام أخر، و على ذلك فقد خرج ذلك الفرد عن تحت الأمر بالصوم بالتخصيص أو بالتقييد و لم يكتب عليه الصوم أبدا، و إلى ذلك يشير كلام الإمام زين العابدين عليه السّلام في رواية الزهري: «فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ». «1»

و من المعلوم أنّ الصحة رهن أحد الأمرين: إمّا الأمر و المفروض عدمه فانّ الآية قسّمت المكلف إلى من كتب عليه الصوم في شهر رمضان، و من كتب عليه الصيام في غير هذا الشهر، و هو المسافر و المريض، و من كتب عليه الفدية مكان الصيام. و أمّا الملاك فهو غير معلوم، إذ ليس المقام من باب التزاحم بل من باب التخصيص.

وجه الصحة: انّ استثناء المريض في الآية و الرواية من باب التزاحم بين وجوب الصوم و حفظ النفس و أهمية الثاني، لا لعدم الملاك في صوم المريض ليكون استثناؤه من باب التخصيص، و حينئذ فلو صام كان صومه واجدا لملاك الأمر فيصحّ. «2»

يلاحظ عليه: أنّه خلاف المتبادر من الآية من أنّ المكتوب عليهما

هو الصيام في أيام أخر و مع ذلك فكيف يكون من قبيل التزاحم؟!

و بما ذكرنا تقف على الضابطة الكلية و هي:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

(2). المستمسك: 8/ 421.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 441

..........

______________________________

انّ رفع التكليف لو كان مستندا إلى التخصيص أو تقييد الموضوع بعدم الإضرار، لا يصح صومه لعدم الأمر به، و عدم إحراز الملاك، و أمّا إذا كان مستندا لأجل مزاحمة الأهم، كمزاحمة الصوم مع ضرر آخر، أو واجب آخر، فلو عصى صحّ لأحد الوجهين الماضيين، إمّا الأمر عن طريق الترتب و إمّا الملاك.

و منه يظهر حال ما إذا توضأ أو اغتسل بزعم عدم الضرر، فبان خلافه فلو كان شرطية عدم الضرر مأخوذا في لسان دليلي الوضوء و الغسل، يكون خروج الوضوء أو الغسل الضرريين من باب التخصيص، فيكون باطلا، و أمّا إذا كان من حكومة العنوان الثانوي على العنوان الأوّلي، فيصحّ لأنّ أقصى ما تقتضيه الحكومة، هو رفع الحكم الفعلي، دون أن تمسّ بملاك الحكم. فيكون صحيحا إذا تمشّى منه القربة كما لا يخفى.

و ربما تعلّل الصحة بأنّ حديث «لا ضرر» و «لا حرج» دليل امتناني، و لا امتنان في الحكم بالبطلان فلا يكون مشمولا للقاعدة.

يلاحظ عليه: يكفي في جريان القاعدتين كونه امتنانيا في أغلب الموارد، لا في كلّ مورد إلّا أن يكون المناط الضرر و الحرج الشخصيين.

8. إذا حكم الطبيب بالضرر و علم بالخلاف إذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ عليه و علم المكلف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه، لأنّ الخارج هو الصوم المضرّ واقعا، و المفروض عدمه، فكان باقيا تحت العموم و رأي الطبيب طريق قد علم خطؤه،

و منه يعلم حكم العكس، فلو كان مضرا في الواقع و حكم الطبيب بعدمه، فلا يصحّ لكونه خارجا عن تحت العموم و داخلا تحت المخصص.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 442

[مسائل في شرائط صحة الصوم]

[المسألة 1: يصحّ الصوم من النائم و لو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل]

المسألة 1: يصحّ الصوم من النائم و لو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل، و أمّا إذا لم تسبق منه النيّة فإن استمرّ نومه إلى الزوال بطل صومه و وجب عليه القضاء إذا كان واجبا و إن استيقظ قبله نوى و صحّ كما أنّه لو كان مندوبا و استيقظ قبل الغروب يصحّ إذا نوى. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع:

1. صحّة صوم النائم إذا سبقت منه النية.

2. إذا لم تسبق منه النية و استيقظ قبل الزوال نوى و إلّا بطل صومه.

3. لو كان الصوم مندوبا له أن ينوي قبيل الغروب.

فلنأخذ كلّ واحد بالدراسة:

1. إذا سبقت منه النية قبل الفجر و نام تمام النهار، صحّ الصوم للفرق بين النية المعتبرة في الأفعال، و المعتبرة في التروك، ففي الأوّل يشترط صدور كلّ عن شعور و مع قصد القربة، فلا يصح الوضوء و الغسل نائما و هكذا الصلاة و الطواف و السعي. و أمّا الثاني فيكفي وجود الداعي الإلهي، إلى الاجتناب لو تمكن من الفعل و هو موجود في نفسه سواء كان مستيقظا أو نائما، مضافا إلى أنّ النوم أمر طبيعي للإنسان طول النهار فلو كان مانعا عن الصحة، لوجب التنبيه عليه، بل ورد الأمر بصحّة الصوم معه، حيث عدّ في خطبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في آخر جمعة من شهر شعبان، نوم الصائم عبادة و قال: «و نومكم فيه عبادة». «1»

روى الكليني بسنده عن الحسن بن صدقة قال: قال

أبو الحسن عليه السّلام:

______________________________

(1). جامع أحاديث الشيعة: 10/ 157، باب فضل شهر رمضان، الحديث 39.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 443

..........

______________________________

«قيلوا، فانّ اللّه يطعم الصائم، و يسقيه في منامه». «1»

ثمّ إنّ هنا سؤالا:

ما الفرق بين الجنون و الإغماء حيث يبطل الصوم إذا عرضا أثناء النهار أو أوّله، و النوم مطلقا حيث لا يبطل به الصوم.

الجواب: انّ الأوّلين يخرج المكلف عن أهلية الخطاب أو التهيّؤ له، فيمنعان عن صحّة الصوم ابتداء أو استدامة، بخلاف النوم و السهو و النسيان مع بقاء التعقل و هذه المعاني و إن منعت من ابتداء التكليف لكن لا تمنع من استدامته.

و ما يظهر من صاحب المدارك من عطف النائم على المجنون و المغمى عليه، لاشتراك الجميع في تحقّق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها سواء في ذلك الابتداء أو الاستدامة «2»، غير تامّ للفرق بينهما، فانّ النوم، استراحة للإنسان، و سبات له، قال سبحانه: وَ جَعَلْنٰا نَوْمَكُمْ سُبٰاتاً «3»، فهو من نعم اللّه سبحانه على الإنسان لا من نقمه، بخلافهما.

و إن شئت قلت: النوم و السهو و النسيان تغطّي الحواس الظاهرة و تعطّلها و لكن العقل معها باق على حاله، فان عرضت في الابتداء (أي قبل النية) فلا إشكال في عدم الصحة، و إن عرضت بعد النية أو بعد انعقاد الفعل صحّ فلا وجه للبطلان بعد عدم زوال العقل.

فإن كان ما ذكرناه كافيا في رفع الإشكال، و إلّا فالفارق هو النص حيث لا يرى النوم منافيا للتكليف بالصوم و يقتصر على وجود النية في قرار ذهنه.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب آداب الصائم، الحديث 1. لاحظ أحاديث الباب.

(2). مدارك الأحكام: 6/ 138- 139.

(3). النبأ: 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 444

[المسألة 2: يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبيّ المميّز على الأقوى]

المسألة 2: يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبيّ المميّز على الأقوى من شرعيّة عباداته و يستحبّ تمرينه عليها بل التشديد عليه لسبع من غير فرق بين الذكر و الأنثى في ذلك كلّه. (1)

______________________________

2. إذا لم تسبق منه النية و استيقظ قبل الزوال صحّ صومه إذا نوى، دون ما إذا لم ينو، و استيقظ بعده. و قد تقدم الكلام فيه في فصل النية «1»، لكن الأحوط انّه إذا استيقظ بعد الزوال هو تجديد النية و الإمساك إلى المغرب و قضاءه.

3. جواز النية في المندوب قبيل المغرب، و قد تقدم الكلام فيه. 2

(1) تتضمن المسألة فرعين:

1. مشروعية عبادات الصبي المميز.

2. التشديد عليها بسبع بلا فرق بين الذكر و الأنثى.

المشهور بين الأصحاب انّ نية الصبي المميز صحيحة و صومه شرعي، و كذا جملة عباداته بمعنى انّها مستندة إلى أمر الشارع فيستحق عليها الثواب، لا تمرينيّة.

ذهب إليه الشيخ و جمع، منهم المحقق و غيره.

قال الشيخ: إذا نوى الصبي صحّ ذلك منه و كان صومه شرعيا. 3

و قال العلامة في المختلف: الأقرب انّه على سبيل التمرين، و أمّا انّه تكليف مندوب إليه، و الأقرب المنع.

أمّا القائل بأنّها تمرينية، فدليله واضح، لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ و مع

______________________________

(1) 1 و 2. لاحظ الفصل الأوّل، المسألة 12.

(2) 3. المبسوط: 1/ 278.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 445

..........

______________________________

انتفاء الشرط ينتفي المشروط. «1» مضافا إلى حديث رفع القلم، فلو أريد منه رفع قلم التكليف، فهو ليس بمكلف فكيف تكون عباداته شرعيّة؟!

و يمكن إثبات شرعية عباداته بوجهين تاليين:

1. انّ العقل لا يأبى توجيه الخطاب إلى المميز، فلا مانع من أن يكون مكلفا بالمستحبات و ترك المكروهات و

ما دلّ على أنّ التكليف مشروط بالبلوغ، فهو شرط لقسم من التكليف، أعني: الوجوب و الحرمة اللّذين يترتب على ترك الأوّل و فعل الثاني، العقاب، و عليه يحمل ما دلّ على رفع القلم عن ثلاثة: «عن الصبي حتى يحتلم ...» «2»، فهو ناظر إلى هذا النوع من التكليف.

و يؤيد ذلك إمضاء بعض ما يصدر من الصبي المميز في باب العتق و التصدّق و الإيصاء على حدّ معروف، و قد ورد في كتاب الوصايا روايات «3» في ذلك المجال. بل يظهر من بعض الروايات صحّة أذانه و إمامته، «4» و تنفيذ الصدقة و الوقف و العتق و الإمامة موجب لدخول أعماله تحت المطلقات الواردة في هاتيك الأبواب، و ترتّب الثواب عليها فيكون عباداته صحيحة إذا طابق ما ورد في الشرع.

نعم حكى صاحب الحدائق عن الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المحقق: «نية الصبي المميز صحيحة و صومه شرعي»، ما هذا صورته: امّا صحة نيته و صومه فلا إشكال فيه، لأنّها من باب خطاب الوضع و هو غير متوقف على التكليف، و أمّا كون صومه شرعيا ففيه نظر لاختصاص خطاب الشرع بالمكلّفين

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 386.

(2). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.

(3). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب الوصايا، الحديث 1، 2، 3، 4، 5.

(4). الوسائل: الجزء 5، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 446

..........

______________________________

و الأصح انّه تمريني لا شرعي. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الحكم الوضعي الذي لا يتوقف على التكليف، هو الوضع الملازم للغرامة (على تأمل فيه) فلو أتلف مال الغير و أورد خسارة على مال الغير يكون سببا للضمان و

أمّا تنفيذ الصدقة و الوقف و العتق و الإمامة فهو يلازم عرفا كونه مشمولا للخطاب التكليفي في هذا المورد حتى إذا قام بالعمل، وصف عمله بالصحة.

و يوضح ذلك ما ورد من الروايات حول حجهم إذا «اثغروا» حيث يأتون بعامة أجزاء الحجّ إمّا مباشرة، أو نيابة عنهم و مما جاء فيها: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جرّدوه و غسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثمّ زوروا البيت و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و بين الصفاء و المروة «2» و في رواية أخرى: «إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير فانّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبّي، لبّوا و يطاف به و يصلى عنه. 3

كلّ ذلك يعرب على أنّه لو أحسن، يحسب له عملا شرعيا و إن لم يكن مسقطا عن حجّة الإسلام.

2. انّ الأمر بالأمر، أمر بذلك الشي ء بمعنى انّ الظاهر من حال الآمر كونه مريدا لذلك الشي ء ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين، بما أطاقوا من صيام اليوم- إلى أن قال:

- فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم

______________________________

(1). الحدائق: 13/ 55.

(2) 2 و 3. الوسائل: الجزء 8، الباب 17 من أبواب أقسام الحج، الحديث 1 و 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 447

..........

______________________________

العطش أفطروا». «1» و لعل هذين الوجهين خصوصا الوجه الأوّل كاف في إثبات شرعية عبادات الصبي.

2. متى يؤخذ الصبي بالصيام هذا هو الفرع الثاني، و لا خلاف بين الأصحاب في أنّه

يستحب تمرين الصبي على الصوم قبل البلوغ إلّا أنّهم اختلفوا في مبدئه لاختلاف الأخبار.

الف. بلوغ الحلم أو القدرة على صيام ثلاثة أيام متتابعات قال المفيد: يؤخذ بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم بذلك جاءت الأخبار. «2»

و قال ابن الجنيد: يستحب أن يعوّد الصبيان و إن لم يطيقوا الصيام و يؤخذوا إذا أطاقوا صيام ثلاثة أيام تباعا. «3»

ب. يشدد إذا بلغوا تسع سنين قال الشيخ: و يستحب أن يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه و بلغوا تسع سنين و إن لم يكن واجبا عليهم. «4»

و نقل العلامة في المختلف عن المبسوط: سبع سنين، و لكن في المطبوع تسع سنين قال: «و يستحب أخذه بذلك إذا أطاقه، و حدّ ذلك بتسع سنين فصاعدا، و ذلك بحسب حاله في الطاقة. «5»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ عنه الصوم، الحديث 3.

(2). المقنعة: 367، باب وجوه الصيام، مع اختلاف في التعبير.

(3). المختلف: 3/ 486.

(4). النهاية: 149.

(5). المبسوط: 1/ 266.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 448

..........

______________________________

3. يشدد عليهما لسبع مع الطاقة «1» و هذا هو المنسوب إلى الشيخ حسب نقل المختلف كما مرّ.

و عن المعتبر: يمرّن لست سنين. «2» و لعله خارج من موضوع البحث، لأنّ الكلام في التشديد و أمّا التمرين فليس له حدّ معين إلّا الطاقة و إن كان نصف يوم.

ثمّ إنّ اختلاف الآراء مستند إلى اختلاف الروايات.

و يشهد لما ذكره المفيد موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة، فقد وجب عليه صوم شهر رمضان». «3» و في دلالته على ما ذكره المفيد قصور واضح، لأنّها

تحكم عليه بالوجوب، لا على المولى بالتشديد.

و يدل على ما ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط- حسب المطبوع- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم و يطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطش أفطروا». 4 و يقرب منه مرسلة الصدوق. 5

و التفريق بين صبيان أهل البيت و صبيان غيرهم، يرجع إلى الاختلاف في الظروف حيث إنّ الأطفال في البيوت العامرة بالدين و التقوى يسهل لهم القيام بهذه الأمور بخلاف غيرهم، و لكن المروي في المختلف: «أبناء سبع سنين». 6

و أمّا ما يدل على السبع فليس له دليل صالح سوى ما ورد في نسخة

______________________________

(1). الشرائع: 1/ 147.

(2). لم نعثر عليه في المعتبر، و الموجود: و يصحّ من الصبي المميز لقولهم مروهم بالصلاة بسبع: 2/ 683.

(3) 3 و 4 و 5. الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5، 3، 11.

(4) 6. المختلف: 3/ 486.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 449

[المسألة 3: يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافا إلى ما ذكر أن لا يكون عليه صوم واجب]

المسألة 3: يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافا إلى ما ذكر أن لا يكون عليه صوم واجب من قضاء أو نذر أو كفارة أو نحوها مع التمكّن من أدائه، و أمّا مع عدم التمكّن منه كما إذا كان مسافرا و قلنا بجواز الصوم المندوب في السفر أو كان في المدينة و أراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة فالأقوى صحّته، و كذا إذا

نسي الواجب و أتى بالمندوب فانّ الأقوى صحّته إذا تذكّر بعد الفراغ، و أمّا إذا تذكّر في الأثناء قطع و يجوز تجديد النيّة حينئذ للواجب مع بقاء محلّها كما إذا كان قبل الزوال. (1)

______________________________

المختلف كما عرفت.

و الذي يمكن أن يقال: يبتدأ بالتمرين بالسنين النازلة كالست على ما ذكره المحقق في المعتبر، أو السبع لأنّه يفطر كلّما غلبه الغرث و العطش، و أمّا التشديد فهو يختلف حسب اختلاف الأطفال في القوة و الضعف و الإطاقة و عدمها و ينزل اختلاف الأخبار و الكلمات على اختلاف مراتب الأطفال في القوة و الضعف.

لا فرق بين الصبي و الصبية قد عرفت التصريح بعدم الفرق بين الصبي و الصبية و الوارد في الروايات هو الصبي، و هل أخذه في لسان الروايات كأخذ الرجل فيها في أكثر الأحكام حيث يتلقّاه العرف حكما على من لم يبلغ، و انّه من باب التمثيل لا التخصيص، أو أنّ للذكورية مدخليّة؟ وجهان، و لعل الأظهر هو التعميم.

(1) و في المسألة فروع:

1. صحّة الصوم المندوب موقوف على أن لا يكون عليه صوم واجب يتمكّن من أدائه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 450

..........

______________________________

2. لا فرق في الواجب بين القضاء و النذر و الكفّارة.

3. إذا لم يتمكن من أدائه، أو نسي، فصام صوما مندوبا يصح.

4. إذا نسى و صام صوما مندوبا و تذكر قبل الزوال يجدّد النية للواجب.

1. في صحة الصوم المندوب الظاهر أنّه لا خلاف في أنّ من عليه قضاء من شهر رمضان، لا يجوز له التطوّع بشي ء من الصيام حتى يؤدّي ما بذمّته من القضاء. و لم يخالف في ذلك إلّا السيد المرتضى قال: و يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوعا. و

منع ذلك الشيخان، و ابن بابويه، و هو رحمه اللّه أيضا في الجمل، و أبو الصلاح. «1»

و يدل عليه صحاح الروايات:

1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن ركعتي الفجر؟ قال:

«قبل الفجر»- إلى أن قال:- «أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة». «2»

2. صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوع؟ فقال: «لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان». 3

3. و معتبر أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أ يتطوع؟ فقال: «لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان». 4

و بذلك يعلم ضعف رأي السيد، و نقل في المختلف احتجاجه بالأصل

______________________________

(1). مختلف الشيعة: 3/ 508، كتاب الصوم.

(2) 2 و 3 و 4. الوسائل: الجزء 7، الباب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 5، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 451

..........

______________________________

الدال على الإباحة. «1» و كان عليه أن يحتجّ بإطلاق ما دلّ على جواز الصوم المندوب لا بالأصل، لأنّ الأصل في العبادات عدم الجواز حتى يدل عليه دليل.

و لو احتجّ بالإطلاق فالصحاح مقيّدة له.

2. لا فرق في الواجب بين القضاء و النذر و الكفّارة و هو أنّ الحكم يعم قضاء رمضان و غيره من النذر و الكفارة أو يختص بقضاء رمضان؟ فقد قيل بالأوّل، و ليس له دليل صالح سوى ما جاء في الفقيه على النحو التالي:

باب الرجل يتطوع بالصيام و عليه شي ء من الفرض: وردت الأخبار و الآثار عن الأئمّة عليهم السّلام أنّه

لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض، و ممن روى ذلك الحلبي، و أبو الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «2»

و قال في المقنع: و اعلم أنّه لا يجوز أن يتطوع الرجل و عليه شي ء من الفرض، كذلك وجدته في كل الأحاديث. «3»

وجه الاستدلال: واضح، حيث ينفي جواز التطوّع و على المتطوع شي ء من الفرض، لكن الاستدلال رهن أن تكون العبارة، متن الحديث دون استنباطه من الحديث، فلو كان الثاني كما يشهد عليه قوله بعده و ممن روى ذلك الحلبي و أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، اللّذان نقل روايتهما الكليني فليس استنباطه بصحيح، لأنّ الوارد في الحديثين، عدم جواز التطوّع و عليه شي ء من قضاء رمضان، كما عرفت. فيبقى إطلاق أدلة التطوّع بحاله و لم يرد عليه تقييد إلّا في قضاء رمضان.

______________________________

(1). المختلف: 4/ 509.

(2). الفقيه: 2/ 136، طبع مؤسسة النشر الإسلامي.

(3). المقنع: 203.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 452

..........

______________________________

و بذلك يعلم ما في الوسائل حيث جعل ما استفاده الصدوق من روايتي الحلبي و أبي الصباح الكناني، رواية له عنهما قال: «محمد بن الحسين باسناده عن الحلبي و باسناده عن أبي الصباح الكناني جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض». «1» ثمّ إنّه نقل صحيح الحلبي و معتبرة أبي الصباح في نفس الباب عن الكافي برقم 5- 6 معربا عن أنّ ما يرويه الكليني عنهما غير ما رواه الصدوق عنهما آنفا.

لكنّ احتمال ما ذكره الصدوق باسم الرواية، هو نفس ما رواه الكليني عن الحلبي و الكناني، يصدّنا عن الاعتماد على قول

الصدوق، غير أنّ السيد المحقق الخوئي أجاب عن هذا الإشكال، و قال: و الذي يكشف كشفا قطعيا من عدم كونه ناظرا إلى هاتين الروايتين أنّ طريق الصدوق إلى الحلبي بجميع من في سلسلة السند مغاير، مغايرة تامة مع طريق الكليني إليه في تمام أفراد السند، بحيث لا يوجد شخص واحد مشترك بينهما، و معه كيف يمكن أن يريد به تلك الرواية المروية في الكافي عن الحلبي؟

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من أن يرويه الصدوق عن الحلبي بسندين:

أحدهما: سنده الخاص إلى كتاب الحلبي، و ثانيهما: أن يرويه عن طريق الكليني، و قد نقلهما في المقام عن ذاك الطريق.

و العجب انّه قدّس سرّه لا يعتمد على الشهرة الفتوائية، و مع ذلك اعتمد على نقل الصدوق في المقام، و هو لا يزيد عن كونه مرسلا.

3. مع عدم التمكن من أدائه إذا فرضنا أنّه غير متمكن من الفرض كما إذا كان مسافرا، و قلنا بجواز

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 453

..........

______________________________

الصوم المندوب في السفر، أو كان في المدينة و أراد صيام ثلاثة أيام للحاجة، فقد قوّى الماتن صحته، و ذلك لانصراف المنع إلى فرض التمكن، و ذلك لأنّ حكمة المنع حسب فهم العرف أهمية الفرض، و انّ تفريغ الذمة منه أهم من الاشتغال بالندب، و هو لا يصدق إلّا إذا كان متمكنا، و مثله ما إذا كان عليه كفارة شهرين متتابعين و قد دخل شهر شعبان فلا مانع من التطوّع بالمستحب، و أوّل من نبّه بذلك هو الشهيد في الدروس و قال: و يشترط فيه (صوم النفل) خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله،

فيجوز حيث لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة و لم يبق سواه، و جوّز المرتضى التنفّل مطلقا و الرواية بخلافه «1» و تبعه صاحب المدارك. «2»

و احتمل صاحب الجواهر أن يكون المانع نفس اشتغال الذمة بالواجب و إن كان غير متمكن لأنّه في سفر. «3»

يلاحظ عليه: بأنّه احتمال ضعيف لما عرفت ممّا يتبادر من العلة الارتكازية للمنع.

4. إذا نسي و أتى بالمندوب و تذكّر بعد الفراغ صحّ إذا نسي و أتى بالمندوب و تذكر بعد الفراغ، فقد قوّى المصنّف الصحة بنفس الدليل المذكور في غير المتمكن من انصراف الدليل إلى من كان الحكم في حقّه منجّزا.

وجه الانصراف: ما ذكرنا من أنّ المتبادر، انّ المنع عن التطوّع مع اشتغال الذمة بالواجب، لأجل تقديم تفريغها عنه، و هذا التعليل الارتكازي يكون سببا

______________________________

(1). الدروس: 1/ 282.

(2). المدارك: 6/ 210.

(3). الجواهر: 17/ 22.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 454

و لو نذر التطوّع على الإطلاق صحّ و إن كان عليه واجب فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعد ما صار واجبا، و كذا لو نذر أيّاما معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها و أمّا لو نذر أيّاما معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها، ففي صحّته إشكال من أنّه بعد النذر يصير واجبا و من أنّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره و لا يبعد أن يقال إنّه لا يجوز بوصف التطوّع و بالنذر يخرج عن الوصف و يكفي في رجحان متعلّق النذر رجحانه و لو بالنذر، و بعبارة أخرى المانع هو وصف الندب و بالنذر يرتفع المانع. (1)

______________________________

لانصراف الدليل إلى من كان الدليل في حقّه منجّزا، حتى يقوم بأداء الواجب مكان المستحب، و هو منفي في

حقّ الناسي، كالجاهل أو غير المتمكن. و احتمل صاحب الجواهر في المقام أيضا أن يكون الخلو شرطا في الواقع. «1» و قد احتمل في البحث السابق كون الاشتغال مانعا.

و على أيّ تقدير فلا يترتب على صحّة الصوم المندوب في هذه الصور، ثمرة فقهية إلّا في النذر.

ثمّ إنّه إذا تذكر في الأثناء، قطع لصيرورة الحكم في حقّه منجزا فيشمله إطلاق النهي لهذه الصورة، و يجوز له تجديد النية للواجب مع بقاء محلها كما إذا كان قبل الزوال. كيف، و لو كان عازما على عدم الصوم فبدا له أن يصوم و لم يحدث شيئا، يجوز له التجديد كما مر في محله.

(1) 1. إذا تعلّق النذر بصوم يوم إذا نذر أن يصوم يوما من السنة أو الشهر على وجه يمكن تفريغ الذمة عن

______________________________

(1). الجواهر: 17/ 23.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 455

..........

______________________________

الواجب قبل الإتيان بالمنذور، يقع الكلام في صحّته أوّلا، و جواز الإتيان به قبل الفريضة ثانيا.

أمّا الصحة فلا إشكال في وقوع النذر صحيحا، لكون الصوم راجحا بالذات، إنّما الكلام في جواز الإتيان به قبل الواجب، فقد ذهب المصنف تبعا لصاحب الجواهر، إلى جواز الإتيان به قبل الفريضة، لأنّ المنساق منه، التطوع من حيث كونه تطوعا، فلو وجب بالنذر و نحوه جاز له أداؤه لخروجه عن الوصف المذكور و اندراجه في الواجب. «1»

يلاحظ عليه: أنّه لا يخرج الصوم المندوب بتعلّق النذر به عن كونه تطوعا و مستحبا، و إنّما يجب بالنذر، الوفاء به، لقوله سبحانه: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ «2» و لذلك قلنا في محلّه: إذا نذر نافلة الليل، فليس إلّا قصد الندب في مقام الأداء، إذ به يتحقق الوفاء به، لأنّ المفروض أنّه نذر الصلاة

المندوبة، لا الواجبة و إنّما حصل الخلط بين الواجب بالذات و هو الوفاء بالنذر، و الواجب بالعرض و هو المنذور، و على ذلك فما دل على عدم صحة التطوع مع وجود الفريضة يعم المقام.

و قد ذكر في المستمسك وجها آخر قال: إنّه إذا كان التطوّع غير جائز على من عليه الفرض فلا يكون للمنذور إطلاق يشمله، بل يختص بغيره فلا يكون الإتيان به قبل الواجب فردا للمنذور. «3»

يلاحظ عليه: أنّ عدم الشمول ليس لأجل فقد المقتضي، بل لأجل وجود المانع، و هو انّه تطوع، فإذا ارتفع المانع، فلا وجه لعدم شمول دليل المنذور، بل الوجه في عدم الجواز ما ذكرنا من بقائه على التطوع.

______________________________

(1). الجواهر: 17/ 22.

(2). الحج: 29.

(3). المستمسك: 1/ 428.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 456

..........

______________________________

2. نذر صوم أيام معيّنة يتمكن من الفريضة قبلها إذا تعلّق النذر بصوم أيام معينة و كان الإتيان بالفرض ممكنا، كما إذا كان عليه صوم ثلاثة أيام و نذر صوم اليوم الخامس عشر من شعبان و هو في أوّل الشهر، فالكلام في صحّة النذر و عدم جواز الإتيان قبل الإتيان بالفرض كما سبق، و على ما ذكرنا يجب عليه- لصيانة نذره عن الحنث- الإتيان بالفرض، مقدمة لإمكان الوفاء بالنذر.

3. نذر أيام معيّنة لا يتمكن من الفريضة قبلها إذا نذر صوم أيّام معيّنة على نحو لا يتمكن من الإتيان بالفريضة قبلها، يقع الكلام في صحّة النذر أوّلا، و صحّة الإتيان به قبل الفريضة ثانيا.

أمّا الأوّل: فقد ذكر المصنف فيه وجهين:

1. البطلان، لأنّه تطوّع قبل الفريضة، فلا يصحّ نذره.

2. الصحة، لأنّه بالنذر يخرج عن وصف التطوع، و يكفي في رجحان متعلّق النذر كونه راجحا، و لو بالنذر.

و بعبارة

أخرى: المانع هو وصف الندب، و بالنذر يرتفع المانع.

يلاحظ عليه أوّلا: أنّه بالنذر لا يخرج من التطوع، فهو صوم مستحب فرض على نفسه الوفاء به.

و ثانيا: لا يكفي في رجحان متعلّق النذر كونه راجحا و لو بالنذر، و إلّا يلزم جواز نذر المكروهات و المرجوحات، بل لا بدّ من كونه حائزا للرجحان مع قطع النظر عن النذر، و لذلك حاول المحقّقون كيفية تصحيح الإحرام قبل الميقات بالنذر، ببيان خاص.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 457

[المسألة 4: الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجاريّا]

المسألة 4: الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استئجاريّا و إن كان الأحوط تقديم الواجب. (1)

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ مقصوده بقرينة ذيل كلامه «المانع وصف الندب و بالنذر يرتفع» انّ المتعلّق يتمتع بالرجحان الذاتي- مع قطع النظر عن تقابله بالفريضة- غاية الأمر انّه مقرون بالمانع و مرفوع بالنذر.

نعم يرد عليه عدم ارتفاعه بالنذر، لأنّه بعد صوم مندوب لا يخرج عن كونه تطوّعا، فالمانع باق بحاله، و على ما ذكر، لا يصحّ النذر، و معه لا يبقى مجال للبحث في جواز الإتيان به قبل الفريضة.

(1) علله في الجواهر بقوله: المنساق من الأدلة الواجب عليه لنفسه دون غيره بإجارة أو نذر، أو بتبرّع لكونه وليا أو غير ذلك مع احتماله. «1»

و قد مرّ انّ المتبادر، ما إذا كان الصيام واجبا عليه بنفسه ابتداء لا ما إذا وجب على غيره و وجب عليه تفريغ ذمة الغير بالنية عنه بمقتضى عقد الاستئجار.

بلغ الكلام إلى هنا، صبيحة يوم الثلاثاء، 5 ربيع الأوّل من شهور عام 1420 ه و الحمد للّه أوّلا و آخرا

______________________________

(1). الجواهر: 17/ 22.

الجزء الثاني

اشارة

الصوم في

الشريعة الإسلامية الغرّاء

الجزء الثاني

تأليف: العلامة الفقيه آية الله الشيخ جعفر السبحاني

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 2

سبحاني تبريزى، جعفر 1308، اقتباس كننده.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغرّاء/ تأليف جعفر السبحاني. قم: مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام، 1420 ق./ 1378.

ج. (ج. 1) ISBN: 9646243681

فهرست نويسى بر اساس اطلاعات فيپا.

منبع اصلى كتاب حاضر عروة الوثقى نوشته محمد كاظم اليزدى است.

عربى.

كتابنامه.

ج. 2 (1421 ق./ 1379) 2) ISBN: 9646243940

20000 ريال: (ج ..

1. روزه. 2. روزه. فلسفه. الف. يزدى، محمد كاظم بن عبد العظيم، 1247؟ 1338؟ ق.

العروة الوثقى. ب. مؤسسة امام صادق عليه السَّلام. ج. عنوان.

9 ص 2 س/ 1/ 188 BP 354/ 297

كتابخانه ملّى ايران 7812911 م

اسم الكتاب: الصوم في الشريعة الإسلامية الغرّاء ج/ 2

المؤلف: العلّامة الفقيه جعفر السبحاني

الطبعة: الأُولى

المطبعة: اعتماد قم

الجزء: الثاني

التاريخ: 1421 ه. ق

الكمية: 1500 نسخة

الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام

الصفّ و الإخراج باللاينوترون: مؤسسة الإمام الصادق عليه السَّلام

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 3

الصوم

في الشريعة الإسلامية الغرّاء

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 4

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطيّبين الطاهرين، عيبة علمه، و مستودع سرّه، و حفظة سُننه.

اما بعد:

فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا الموسوم «الصوم في الشريعة الإسلامية الغرّاء» يبحث فيه عن شرائط وجوب الصوم، و من رُخِّص له الافطار، و طرق ثبوت هلال رمضان، و أحكام قضاء الصوم و شروطه، وصوم الكفّارة و أقسامها، و أقسام الصوم: الواجب، المكروه، المندوب، و المحظور.

ثمّ يعقبه كتاب الاعتكاف الّذي نال شهرة واسعة و أحكامه.

فارجو من الله سبحانه أن يكون الكتاب مفيداً للطالب، و منيراً له الدرب، و مصباحاً لبُغاة الفقه، و قد سرنا في هذا الكتاب على نهج كتاب «العُروة الوُثقى» لفقيه الطائفة السيد محمد كاظم الطباطبائي (قدس الله سرّه).

المؤلّف

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 5

[تتمة كتاب الصوم]

[الفصل العاشر في شرائط وجوب الصوم]

اشارة

الفصل العاشر في شرائط وجوب الصوم

[و هي أُمور]
اشارة

و هي أُمور:

[الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل]

الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل فلا يجب على الصبيّ و المجنون، إلّا أن يكملا قبل طلوع الفجر، دون ما إذا كملا بعده، فإنّه لا يجب عليهما و إن لم يأتيا بالمفطر، بل و إن نوى الصبيّ الصوم ندباً، لكن الأحوط مع عدم إتيان المفطر الإتمام و القضاء إذا كان الصوم واجباً معيّناً. و لا فرق في الجنون بين الإطباقيّ و الأدواري إذا كان يحصل في النهار و لو في جزء منه، و أمّا لو كان دور جنونه في اللّيل بحيث يُفيق قبل الفجر فيجب عليه. (1)

______________________________

(1) إنّ النسبة بين شرط الصحّة، و الوجوب عموم و خصوص من وجه، فالبلوغ شرط الوجوب دون الصحّة، و الإسلام شرط الصحّة دون الوجوب، و العقل شرط للصحّة و الوجوب، و لذلك ذكر العقل في كلا الفصلين، إذا عرفت ذلك فاعلم انّ هنا فروعاً ستة:

الأوّل: حكم الصبي و المجنون.

الثاني: إذا بلغ أو أفاق قبل الفجر.

الثالث: إذا بلغ الصبي بعد الفجر و أفطر قبل البلوغ.

الرابع: تلك الصورة و لكنّه لم يفطر إلى أن بلغ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 6

..........

______________________________

الخامس: تلك الصورة و لكنّه نوى الصوم ندباً.

السادس: لا فرق في الجنون بين الإطباقي و الأدواري إذا كان في جزء من النهار دون ما إذا كان في جزء من الليل.

فلنتناول الجميع بالبحث.

أمّا الأوّل، فلا يجب الصوم على الصبي و المجنون، بالإجماع، و هو من ضروريات الفقه، مضافاً إلى قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ». «1»

و أمّا الثاني، أعني: إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون قبل الفجر،

فيجب الصوم عليهما، لكونهما بالغين عاقلين حين التكليف.

و أمّا الثالث: أي إذا بلغ بعد الفجر و قد أفطر قبل البلوغ، فلا يجب عليه الصوم، لعدم التبعيض في الصوم؛ و أمّا وجوب الصوم على ذي العطاش، فليس هو من التبعيض في الصوم في شي ء، بل هو من قبيل استثناء مفطر واحد على حد الضرورة طول اليوم مع لزوم الاجتناب عن سائر المفطرات، و سيوافيك تفصيله.

و أمّا الرابع: أي إذا بلغ بعد الفجر و لم يفطر إلى حين البلوغ، فقد أفتى الماتن بعدم وجوب الصوم عليه. خلافاً لابن حمزة حيث حكم بالوجوب، قال: «الصبي إن لم يفطر و بلغ صام واجباً». «2»

و مال إليه السيد الحكيم و قال: «و في عدم الوجوب تأمّل».

و احتاط السيد الشاهرودي و قال: «و لا ينبغي ترك الاحتياط في صورة عدم الإتيان بالمفطر و إن لم ينو الصوم ندباً».

______________________________

(1) الوسائل: 1، الباب الرابع من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.

(2) الوسيلة: 147.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 7

..........

______________________________

و على كلّ تقدير، فالظاهر ما عليه الماتن، و هو انّ الصوم الواجب عبارة عن نية الصوم من الفجر إلى المغرب، و المفروض عدمه، قال سبحانه: (كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ). «1»

و الاكتفاء ببعض اليوم في بعض الصور، كما إذا حضر قبل الزوال، أو برأ المريض قبله، لدليل خاص في الأوّل، و تنقيح المناط في الثاني على إشكال سيأتي.

نعم، الاحتياط حسن حيث نحتمل قيام صوم بعض الأجزاء مكان الجميع، كما في المسافر القادم قبل الزوال.

و أمّا الخامس، أعني: إذا نوى الصبي الصوم من الفجر و بلغ أثناء النهار، فذهب الشيخ الطوسي

إلى وجوب الإمساك، قال: «فإن كان الصبي نوى الصوم من أوّله وجب عليه الإمساك، و إن كان المريض نوى ذلك لا يصحّ، لأنّ صوم المريض لا يصحّ عندنا». «2»

و نقل العلّامة في «المختلف» عدم الوجوب عن ابن الجنيد و ابن إدريس، و اختاره هو أيضاً كالماتن.

وجه الوجوب انّه كان مخاطباً بالصوم من أوّل الفجر بناء على أنّ عباداته شرعية، و لكنّه لمّا كان يفقد شرط الوجوب كان الخطاب استحبابياً، و لما تحقّق الشرط في أثناء النهار انقلب الخطاب الندبي إلى الخطاب الوجوبي قهراً، و أمّا حديث «رفع القلم» فالمرفوع هو الحكم الإلزامي لا الندبي، فلا ينافي الخطاب الاستحبابي.

يلاحظ عليه: أنّ الصوم الملفّق من المندوب و الواجب على خلاف القاعدة، فهو

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) الخلاف: 2، كتاب الصوم، المسألة 57.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 8

..........

______________________________

إمّا مندوب أو واجب، و الملفّق رهن دليل، و القول بانقلاب الأمر الندبي إلى الأمر الوجوبي نفس المدّعى فصار أشبه بالمصادرة، و تصوّر انّ الصوم بعد البلوغ يوصف بالوجوب تماماً، غير صحيح، لأنّ الصوم الواجب عبارة عن صوم من كان بالغاً وقت تعلّق الخطاب الوجوبي، أعني: عند طلوع الفجر، لا البالغ بعد تعلّق الخطاب الندبي، و الاجتزاء بالإمساك المباح الملفّق مع الإمساك الواجب في المسافر القادم من السفر خرج بالدليل.

و إلى ما ذكرنا ينظر كلام العلّامة في «المختلف» من أنّ الصوم عبادة لا تقبل التجزئة، و هو في أوّل النهار لم يكن مكلّفاً فلا يقع التكليف به في باقيه. «1»

نقد دليل آخر للقائلين بالوجوب

ثمّ إنّ القائلين بالوجوب استنبطوا حكم المقام من حكم صبي صلّى آخر الوقت و قد بلغ أثناءه، حيث يجب عليه الاستمرار في الصلاة.

أقول: إنّ للمسألة صوراً

أربع نتناولها بالبحث و إن كان بعضها خارجاً عن مصب النزاع.

الصورة الأُولى: إذا صلّى في الوقت و هو غير بالغ، ثمّ بلغ بعد الفراغ في نفس الوقت، فالظاهر صحّة صلاته و إجزاؤها عن الواجب، لأنّ صلاتي الواجب و المندوب متّحدتان في الماهية، و قد انطبق على المأتي به عنوان الصلاة، و انعقد الإجماع على عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة على المكلّف.

مضافاً إلى أنّ الخطاب في قوله: (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ ...) «2»، منصرف إلى من لم يصل صلاة شرعية.

______________________________

(1) المختلف: 3/ 514، كتاب الصوم.

(2) الإسراء: 78.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 9

..........

______________________________

الصورة الثانية: لو صلّى في سعة الوقت و بلغ في أثنائه، فهو مخيّر بين القطع و الاستئناف، و بين الإكمال و الاجتزاء بها لوحدة الطبيعة و انطباق عنوان الصلاة عليه، و انعقاد الإجماع على عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة على المكلّف، مضافاً إلى الانصراف الذي تقدم في الآية.

فإن قلت: فهل ينقلب الأمر الندبي إلى الأمر الوجوبي إذا حاول الإكمال و استمر في الصلاة؟

قلت: لا دليل عليه، و الاكتفاء بهذه الصلاة لأجل حصول الملاك لعدم الفرق بين إكمالها أو قطعها و استئنافها.

الصورة الثالثة: إذا صلّى في ضيق الوقت و بلغ أثناءه على وجه لو قطع أمكن له إدراك ركعة في الوقت، و بما انّه متمكن من الصلاة الأدائية و لو تنزيلًا يكون مكلّفاً بالصلاة على وجه الوجوب، و مع ذلك لا يكون مخيّراً بين الاستئناف و الإكمال، بل يتعين الثاني لقصور شمول الخطاب في قوله «من أدرك ركعة من الوقت، فقد أدرك الوقت جميعاً». «1» للتعجيز الاختياري، بل هو خاص للعاجز بلا اختيار.

و بعبارة أُخرى: الحكم لا يثبت

موضوعه، فلو كان إدراك الركعة سبباً لإدراك جميع الوقت امتناناً، فهو لا يدل على تأخير الصلاة عمداً إلى أن لا يبقى منه إلّا مقدار ركعة معلومة.

فإن قلت: فعلى هذا لا يكون الحديث شاملًا لحال هذا المصلّي لما قلنا من أنّ الحكم لا يثبت موضوعه، فلا يصحّ له أن يقطع صلاته حتى يدخل تحت قوله: «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت جميعاً»، فعند ذلك من أين علمنا وجوب الاستمرار عليه؟

قلت: الخطاب و إن لم يكن شاملًا له بلسانه، لكنّه شامل له بملاكه للعلم بعدم

______________________________

(1) تاج الأُصول: 1/ 146، كتاب الصلاة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

الفرق بين مكلّف قام من النوم و قد أدرك ركعة من الوقت، و حين بلغ قُبيل الركعة الأخيرة من الصلاة؛ فكل أدرك من الوقت ركعة.

الصورة الرابعة: لو بلغ و هو في الركعة الرابعة من صلاة العصر فلا دليل على وجوب الإتمام، لأنّها إنّما تجب على البالغ المدرك لأربع ركعات في الوقت، إدراكاً تحقيقياً أو تنزيلياً، و المفروض انتفاؤهما.

و بما ذكرنا علم حكم مسألتنا، أعني: إذا بلغ الصائم أثناء النهار، فهو من قبيل الصورة الرابعة من صور الصلاة، لاشتراكهما في عدم إمكان الإتيان بجميع المأمور به و هو بالغ. أمّا الصلاة فلأنّه بلغ و لم يبق من الوقت حتى ركعة، و أمّا الصوم فلأنّه بلغ و قد مضى من النهار شي ء، و الخطاب إنّما يتوجه إذا أمكن له الإتيان بالصوم الكامل تحقيقاً أو تنزيلًا و هو بالغ، و المفروض عدمه.

أمّا تحقيقاً فواضح، و أمّا تنزيلًا فلأنّه لم يرد في الصوم انّ من أدرك و بلغ قبل الزوال فقد أدرك الصوم جميعاً.

تنبيه

إنّ عبارة الماتن لا تخلو من إشكال، حيث قال:

«و لكن الأحوط مع عدم الإتيان بالمفطر الإتمام و القضاء».

وجه الإشكال: انّه لا وجه لإيجاب القضاء بعد الإتمام، و الصحيح أن يقول: و الأحوط الإتمام، و القضاء إذا لم يفعل.

و أمّا السادس من الفروع، فهو إذا صادف جنونه الأدواري جزءاً من النهار لا يجب عليه الصوم إلى الغروب، لأنّه مجنون و لو آناً ما، و لا يصحّ تكليفه، و قد عرفت أنّ الصوم لا يقبل التبعّض.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 11

[الثالث: عدم الإغماء]

الثالث: عدم الإغماء فلا يجب معه الصوم و لو حصل في جزء من النهار. نعم لو كان نوى الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه. (1)

______________________________

(1) اختلفت كلمتهم في اشتراط وجوب الصوم «بعدم الإغماء»، فالظاهر من المفيد في المقنعة و الشيخ في الخلاف عدم اشتراطه به.

قال المفيد: فان استهلّ الشهر عليه و هو يعقل، فنوى صيامه و عزم عليه ثمّ أُغمي عليه، و قد صام شيئاً منه أو لم يصم، ثمّ أفاق بعد ذلك، فلا قضاء عليه، لأنّه في حكم الصائم بالنية و العزيمة على أداء الفرض. «1»

و قال الشيخ الطوسي: إذا نوى الصوم من الليل، فأصبح مغمى عليه يوماً أو يومين أو ما زاد عليه، كان صومه صحيحاً. «2»

و ذهب العلّامة في «المنتهى» إلى الاشتراط، قائلًا: بأنّه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوباً و ندباً، فلا يصحّ منه الصوم مع سقوطه.

أقول: للمسألة صور:

الصورة الأُولى: إذا أُغمي عليه تمام اليوم، فقد تضافرت الروايات على عدم وجوب القضاء. «3»

و على ذلك لا ثمرة في اشتراط وجوب الصوم بعدم الإغماء و عدمه بعد تضافر الروايات على عدم القضاء.

الصورة الثانية: إذا نوى الصيام ثمّ أُغمي عليه (سواء صام شيئاً من النهار أو لم يصم) ثمّ أفاق،

فهل يجب الإتمام عليه أو لا؟

______________________________

(1) المقنعة: 352، باب حكم المغمى عليه.

(2) الخلاف: 2/ 198، كتاب الصوم، المسألة 51.

(3) الوسائل: 7، الباب 24 من أبواب من يصحّ منه الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 12

[الرابع: عدم المرض الّذي يتضرّر معه الصائم]

الرابع: عدم المرض الّذي يتضرّر معه الصائم، و لو برئ بعد الزوال و لم يفطر لم يجب عليه النيّة و الإتمام، و أمّا لو برئ قبله و لم يتناول مفطراً فالأحوط أن ينوي و يصوم، و إن كان الأقوى عدم وجوبه. (1)

______________________________

الصورة الثالثة: إذا أُغمي عليه قبل الفجر و صحا قبل الزوال، فهل يجب عليه تجديد النية؟ و بما انّه لم يرد نص في هاتين الصورتين، فالحكم بالوجوب و عدمه مبنيّ على لحوق تلك الصورة بالنوم. لأنّه في حكم الصائم بالنية و العزيمة على أداء فرض الصيام، أو بالجنون للفرق بينه و بين النوم، فانّ الثاني طارئ طبيعي يعدُّ من قبيل تعطيل الحواس، بخلاف الإغماء ففيه زوال العقل على اختلاف مراتبه.

نعم مال السيد الاصفهاني في «الوسيلة» إلى القول بالوجوب، و قال: «نعم الصحة مع سبق النية منهما لا يخلو من قوّة». «1»

الصورة الرابعة: لو أُغمي عليه قبل الفجر و لم ينو حتى صحا بعد الزوال لا يجب الإتمام لفوات محل النية.

(1) أقول: في المقام فروع:

أ: عدم المرض الذي يضرّه الصوم، من شرائط الوجوب.

ب: لو لم يُفطر و برئ بعد الزوال لم تجب عليه النية و الإتمام.

ج: تلك الصورة و لكن برئ قبل الزوال.

فلنتناول تلك الفروع بالبحث.

أمّا الأوّل، فلتضافر النصوص على الشرطية، مضافاً إلى الذكر الحكيم قال سبحانه: (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ). «2»

______________________________

(1) وسيلة النجاة: 169، فصل القول في شرائط صحّة الصوم

و وجوبه.

(2) البقرة: 184.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

نعم المانع المرض الذي يضرّه الصوم لا ما لا يضرّه، لمناسبة الموضوع و الحكم، مضافاً إلى الإشارة إليه في بعض النصوص من قوله: «ذلك إليه هو أعلم بنفسه». «1» و قوله أيضاً: «فإن وجد ضعفاً فليفطر». 2 و قوله: «إذا رمدت عيناه رمداً شديداً، فقد حلّ له الإفطار». 3

و أمّا الثاني: إذا لم يفطر و برئ بعد الزوال، فلا يجب عليه الإتمام لفوات محل النية.

و أمّا الثالث: إذا لم يفطر و برئ قبل الزوال، فهل يجب عليه الإتمام أو لا؟ فيه قولان:

أ: عدم الوجوب و عليه الشيخ في الخلاف، قال: و إن كان المريض نوى ذلك لا يصحّ، لأنّ صوم المريض لا يصحّ عندنا. 4 و عليه الماتن.

و نقل المحدّث البحراني في «الحدائق» الوجوبَ عن المفيد، و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى»، و «التذكرة»، و صاحب المدارك في مداركه، و قوّاه أكثر المعلّقين من المشايخ كالسيد البروجردي و الشاهرودي، لكن للمسألة صورتان:

الأُولى: فيما إذا كان مريضاً و زعم انّ الصوم يضرّه فلم ينو و لم يكن كذلك في الواقع، فلا شك أنّه يجب عليه الإمساك حينما برئ، فهو أشبه بالجاهل الذي علم في أثناء النهار انّه من رمضان، لأنّه كان محكوماً في الواقع بالإمساك غير انّ الجهل كان عذراً، فإذا ارتفع العذر يكون الحكم فعلياً، و قد ذكر الفقهاء فيما إذا زعم المسافر انّ المسافة مسافة شرعية يجب فيها القصر و الإفطار، فتبيّن خلاف ذلك، فتجب عليه النيّة و يُضمّ الإمساك الفاقد للنية بالإمساك الواجد له.

ثمّ لو تم الدليل على إلحاق هذه الصورة بالمسافر القادم أو الجاهل بكون المسافة

______________________________

(1) 1 و

2 و 3 الوسائل: 7، الباب 20 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 2، 6.

(2) 4 الخلاف: 2/ 203، المسألة 57.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 14

[الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس]

الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس، فلا يجب معهما، و إن كان حصولهما في جزء من النهار. (1)

[السادس: الحضر]

السادس: الحضر فلا يجب على المسافر الّذي يجب عليه قصر الصلاة بخلاف من كان وظيفته التمام كالمقيم عشراً و المتردّد ثلاثين يوماً و المكاري و نحوه و العاصي بسفره، فإنّه يجب عليه التمام، إذ المدار في تقصير الصوم على تقصير الصلاة، فكلّ سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم و بالعكس. (2)

______________________________

شرعية، فهو، و إلّا فيمسك و يقضي.

الثانية: إذا كان مريضاً و كان الصوم مضرّاً في الواقع لكنّه برئ في أثناء النهار، و صار الإمساك إلى الغروب غير مضرّ في الواقع، فوقع الكلام في وجوب الإمساك و صحّة صومه و عدمهما الظاهر هو الثاني، لأنّ المفروض انّه كان مريضاً يضرّه إلى أوائل النهار، و معه لا يكون محكوماً بالصوم، لما عرفت من أنّ الصوم الواجب عبارة عمّا إذا كتب الإمساك على الشخص من أوّل الفجر إلى نهاية اليوم و المفروض انّه ليس كذلك، و أقصى ما عند القائل بوجوب الإمساك و الصحّة هو ادّعاء الأولوية من أنّ المريض أعذر من المسافر، فإذا صحّ فيه إذا نوى قبل الزوال فليكن المريض كذلك، لكنّه ضعيف لعدم العلم بالمناط، و معه يكون ادّعاء الأولوية غير صحيح.

(1) المسألة من ضروريات الفقه، و قد مضى دليله عند البحث في شرائط صحّة الصوم.

(2) دلّت الروايات على الملازمة بين القصر و الإتمام، و هي ضابطة كلّية إلّا ما خرج بالدليل، كالمسافر بعد الزوال حيث يقصر و لا يفطر، و سيأتي في المسألة الثانية موارد الاستثناء.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 15

[مسائل في شرائط وجوب الصوم]
[المسألة 1: إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر]

المسألة 1: إذا كان حاضراً فخرج إلى السفر فإن كان قبل الزوال وجب عليه الإفطار، و إن كان بعده وجب عليه البقاء على صومه، و إذا كان مسافراً و

حضر بلده أو بلداً يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر وجب عليه الصوم، و إن كان بعده أو تناول فلا، و إن استحبّ له الإمساك بقيّة النهار. (1)

______________________________

(1) لا شكّ انّ المسافر في تمام الوقت يجب عليه الإفطار على الشروط المقررة، إنّما الكلام فيما إذا كان مسافراً في بعض الوقت، و هو على قسمين:

فتارة يكون حاضراً و يطرأ عليه السفر، و أُخرى على العكس.

أمّا القسم الأوّل، فقد تقدّم البحث فيه في الفصل السابق (شرائط صحّة الصوم: الشرط الخامس) و بقي الكلام في القسم الثاني، أعني: من كان مسافراً فطرأ عليه الحضر، و هو القدوم قبل الزوال فيصوم بشرط عدم تناول مفطر.

و أمّا إذا قدم بعد الزوال، فلا يجب عليه الإمساك سواء تناول المفطر أو لا و إن كان مستحباً.

أمّا إذا قدم من السفر قبل الزوال و لم يتناول المفطر، فيجب عليه الصوم لجملة من الروايات الصحيحة و الموثقة:

1. موثقة أبي بصير، قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان؟ فقال: «إن قدم قبل زوال الشمس، فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به». «1»

2. معتبرة سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، قال: سألت أبا الحسن عليه السَّلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئاً قبل الزوال؟ قال: «يصوم». 2

و المراد من أحمد بن محمد الذي روى عنه «سهل» هو البزنطي الذي مات سنة

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6، 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 16

..........

______________________________

221 ه، و ليس المراد منه البرقي، لأنّه توفّي عام 274 ه، فلا

يروي عنه سهل لتعاصره معه، بل تقدّم رتبته عليه.

3. معتبرة محمد بن عيسى، عن يونس في حديث قال: في المسافر يدخل أهله، و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه أن يتم صومه و لا قضاء عليه، يعني: إذا كانت جنابته من احتلام. «1»

و المراد من يونس هو يونس بن عبد الرحمن، و الراوي عنه هو محمد بن عيسى العبيد الذي ضعّفه ابن الوليد و استثناه من أسانيد كتاب نوادر الحكمة، و قال: ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه.

و لكن وثّقه أُستاذ النجاشي ابن نوح، و الفضل بن شاذان، و نقل النجاشي أنّ أصحابنا ينكرون هذا القول (التضعيف)، و يقولون: «من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى». «2»

مضافاً إلى أنّ الصدوق روى نفس الرواية باسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر، و ليس في اسناده محمد بن عيسى العبيد.

ثمّ إنّ المراد من قوله «و يدخل أهله» أي يريد أن يدخل أهله، كما في قوله سبحانه: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ). «3»

4. موثقة علي بن السندي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟ إلى أن قال: إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهراً، و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء. «4»

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

(2) رجال النجاشي: 2/ 218، برقم 897.

(3) المائدة: 6.

(4) الوسائل: الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 17

..........

______________________________

و

المراد من علي بن السندي، هو علي بن إسماعيل السندي؛ قال الكشي: قال نصر بن الصباح: علي بن إسماعيل ثقة، و هو علي بن السندي.

و يمكن استنباط وثاقته أنّه ورد في أسانيد نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى، و لم يستثنه ابن الوليد عنها.

و ربّما يبدو من بعض الروايات انّ الميزان هو الدخول قبل الفجر فيجب عليه الصوم، و إلّا فإن دخل بعد الفجر فهو بالخيار بين الصوم و الإفطار، و هذه الروايات عبارة عن صحيحي محمد بن مسلم و معتبر رفاعة بن موسى.

أمّا الاوليان، فقد روى عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث قال: «فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها، فعليه صوم ذلك اليوم؛ و إن دخل بعد طلوع الفجر، فلا صيام عليه و إن شاء صام». «1»

و في رواية أُخرى له، قال: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله، فهو بالخيار إن شاء صام، و إن شاء أفطر». 2

و هذه الرواية تتضمن أحد الشقين ممّا ورد في الرواية الأُولى، أعني: من كان خارج البلد و قد طلع الفجر ففيه الخيار، و أمّا إذا دخل البلد قبل طلوع الفجر، فهو يصوم بلا إشكال.

أقول: الظاهر انّ المراد من الخيار هو كونه مخيّراً خارج البلد، بمعنى أنّ من علم انّه يصل البلد قبل الزوال و قد طلع الفجر و هو خارج البلد، فهو بالخيار إن شاء أفطر قبل الدخول، و إن شاء أمسك حتى يدخل فيصوم، فليس الخيار بعد دخول البلد و إنّما هو قبل دخوله.

و هذا النوع من التأويل قريب بالنظر إلى الروايات الصريحة، و منه يظهر حال

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب

6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

رواية رفاعة بن موسى. «1»

هذا كلّه إذا قدم قبل الزوال و لم يتناول شيئاً، و أمّا إذا قدم بعد الزوال فإن أكل شيئاً فلا كلام في وجوب القضاء عليه و الإمساك تأدّباً «2»، و أمّا إذا دخل بعد الزوال و لم يتناول، فعليه القضاء لزوال وقت النية بشهادة ما مرّ من الروايات الصحاح التي كانت تركّز على شرطية الدخول قبل الزوال، إنّما الكلام في استحباب الإمساك.

الإمساك التأدبيّ

أفتى الماتن باستحباب الإمساك لمن أفطر في الطريق و دخل قبل الزوال، و من دخل بعد الزوال مطلقاً سواء أفطر أم لم يفطر.

و قد ورد النص في الصورة الأُولى، ففي موثّق سماعة قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل؟ قال: «لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً، و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل». «3»

و أمّا الصورة الثانية، أي الدخول بعد الزوال، فيدل على استحباب الإمساك فيما إذا أكل، إطلاق صحيح يونس، قال: في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان، و قد أكل قبل الدخول؟ قال: «يكفّ عن الأكل بقية يومه و عليه القضاء». 4 فانّ قوله: «يدخل أهله في شهر رمضان» مطلق يعم ما إذا دخل بعد الزوال، لكن أكل في الطريق.

بقي الكلام فيما إذا دخل بعده و لم يأكل، فيمكن استفادة استحباب الإمساك بطريق الأولوية، لأنّه إذا استحب الإمساك لمن أكل، فيكون من لم يأكل أولى بذلك

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

(2) لاحظ الوسائل: الجزء 7، الباب 7، من أبواب من يصحّ

منه الصوم.

(3) 3 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 19

و الظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص و كذا في الرجوع المناط دخول البلد لكن لا يترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال و الخروج عن حدّ الترخّص بعده و كذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الزوال و الدخول في المنزل بعده. (1)

______________________________

البتة، لكونه أقرب إلى الصائم من الأكل.

(1) لماّ ذهب الماتن في كتاب صلاة المسافر إلى أنّ مبدأ حساب المسافة سور البلد أو آخر البيوت من البلدان الصغار، و آخر المحل في البلدان الكبار الخارقة للعادة، و جعل الميزان في الخارج عن البلد، هو الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده، ليعمّ البلدان الصغيرة و الكبيرة، فانّ الشروع في الأوّل بالخروج عن البلد، و في الثانية بالخروج عن آخر المحلّة.

و يرد عليه: انّه جعل المناط في الرجوع، الدخول في البلد مع أنّه لا يتم إلّا في البلاد الصغيرة لا الكبيرة، بل انّ المناط فيها على مذهبه هو الدخول في المحلة، فالتعبيران في الدخول و الخروج غير متوازنين، و لكن الحقّ انّ المناط في الصغيرة و الكبيرة واحد بشرط أن تكون المحلات فيها متصلة بعضها مع بعض يصدق عليها اسم واحد، و هذا المناط المشترك عبارة عن الخروج عن البلد أو الدخول فيه.

و الدليل على ذلك أمران:

الأوّل: انّ مبدأ التحديد في جميع الأزمنة هو سور المدينة، فيقال بين بغداد و الحلة كذا فرسخ، و المقياس للمبدإ و المنتهى هو سور المدينتين، و لذلك

ينصبون علائم الطريق في مدخل المدينة لا في داخلها.

الثاني: انّ المتبادر من الأحاديث الواردة هو كون المبدأ آخر المدينة، قال الصادق عليه السَّلام: «و لقد سافر رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 20

..........

______________________________

يكون إليها بريدان: أربعة و عشرون ميلًا فقصّر و أفطر، فصار سنّة». «1»

فلو كان المقياس هو الخروج عن منزله أو آخر المحلّة لما كان الحديث مقياساً عامّاً مع أنّ الإمام بصدد بيان الضابطة العامة، و لا تتحقّق إلّا بجعل المبدأ آخر البلد الذي يشترك فيه جميع أهل البلدة من دون فرق بين كون المسافر قاطناً وسط المدينة أو أطرافها.

و مثلها رواية أبي ولّاد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: إنّي كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء. «2»

فإنّ المتبادر انّ المبدأ لمحاسبة عشرين فرسخاً هو مرسى السفن، و من الواضح انّ مراسي السفن تبتعد عن المنازل و المحلات بفواصل كبيرة.

هذا موجز ما ذكرناه في كتاب «ضياء الناظر في أحكام صلاة المسافر». «3»

و الحاصل: انّ على المختار في صلاة المسافر من عدم الفرق بين الصغير و الكبير، إذا كانت المحلات متصلة، واقعة تحت عنوان و اسم واحد، فالميزان هو الخروج عن البلد، لا آخر المحلة، بل يمكن أن يقال أنّه لا يصدق اسم المسافر إلّا لمن ترك بلده من غير فرق بين الكبير و الصغير.

و على كلّ تقدير فالميزان هو الخروج عن البلد أو آخر المحل قبل الزوال أو بعده، لا الخروج عن حدّ الترخّص، إذ يصدق عليه عنوان

المسافر و إن لم يصل إلى حد الترخّص، نعم ذلك الحد، تحديد لحكم المسافر من جهة القصر و الإفطار، فلا يجوزان

______________________________

(1) الوسائل: 5، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 4.

(2) الوسائل: 5، الباب 4 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

(3) انظر ص 3530.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 21

[المسألة 2: قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة و الصوم و قصرها و الإفطار، لكن يستثنى من ذلك موارد]

المسألة 2: قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة و الصوم و قصرها و الإفطار، لكن يستثنى من ذلك موارد: أحدها: الأماكن الأربعة، فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر و التمام في الصلاة، و في الصوم يتعيّن الإفطار. الثاني: ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال، فانّه يتعيّن عليه البقاء على الصوم مع أنّه يقصر في الصلاة.

الثالث: ما مرّ من الراجع من سفره، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام، مع أنّه يتعيّن عليه الإفطار. (1)

______________________________

إلّا بعد الوصول إلى النقطة التي لا يرى فيها آثار البلد و لا يسمع أذانه.

و منه يعلم حال الرجوع إلى البلد، فالميزان في صدق الدخول قبل الزوال أو بعده هو الخروج عن كونه مسافراً و هو فرع الوصول إلى البلد، لا الوصول إلى حد الترخّص و إن لم يصل إليه، كما إذا وصل إلى نقطة يرى آثار البلد أو يسمع أذانه مع وجود المسافة بينه و بين البلد. فلو وصل إلى حد الترخّص قبل الزوال و وصل إلى نفس البلد، بعده فيفطر.

و الحاصل حدّ الترخّص ليس مبدأ للمسافة و إنّما هو تحديد لحكم الإفطار و التقصير، بمعنى انّ صدق عنوان المسافر لا يكفي في التقصير و الإفطار ما لم يصل إلى حد الترخّص، فهو مبدأ للحكم بالإفطار و التقصير و ليس مبدأً لمحاسبة المسافة.

نعم، الاحتياط حسن

كما ذكره الماتن، و هو الجمع بين الصوم و القضاء، فمن خرج عن البلد قبل الزوال و عن حدّ الترخّص بعده يحتاط بالجمع، كما أنّ من تجاوز حدّ الترخّص عند الإياب قبل الزوال و دخل البلد بعده يجمع بين الصوم و القضاء.

(1) انّ هذه الموارد الثلاثة يفطر فيها المسافر و يتم صلاته.

أمّا الأوّل: فلاختصاص ما دلّ على جواز الإتمام بالصلاة دون الصوم، و قد سأل الراوي على ما في بعض الروايات عن الصلاة و الصوم في الحرمين، فأجاب الإمام

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 22

[المسألة 3: إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص]

المسألة 3: إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص، و قد مرّ سابقاً وجوب الكفّارة عليه إن أفطر قبله. (1)

[المسألة 4: يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان]

المسألة 4: يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان، بل و لو كان للفرار من الصوم كما مرّ، و أمّا غيره من الواجب المعيّن فالأقوى عدم جوازه إلّا مع الضرورة كما أنّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان. (2)

______________________________

بخصوص الصلاة، قال: «أتمها و لو صلاة واحدة». «1»

و أمّا الثاني و الثالث: فيصوم الخارج بعد الزوال و يفطر القادم بعده لما دلّ عليه من الروايات الماضية.

و أمّا الصلاة فهي تفارق الصوم بدليل خاص. و هو انّ العبرة في التقصير و الإتمام هو وقت أدائها لا وقت وجوبها. و عليه يقصر الخارج بعد الزوال، لأنّه في حال الأداء مسافر، و يتمُّ القادم بعد الزوال، لأنّه في حال الأداء حاضر.

و ليعلم أنّ التفكيك بين الصلاة و الصوم لا ينحصر بالموارد الثلاثة، بل هناك موارد أُخرى يجب الصوم، و لكنّه يقصر الصلاة. «2»

(1) مضى الكلام في ذلك في الفصل السادس المسألة 11 و يدلّ عليه ما دلّ على الملازمة بين الإتمام و الصيام، و القصر و الإفطار، و بما انّه لا يجوز التقصير قبل الوصول إلى حد الترخّص، فلا يجوز الإفطار إلّا كذلك.

نعم ما دلّ على شرطية الوصول إلى حدّ الترخّص إنّما ورد في مورد الصلاة لكن قاعدة الملازمة أوجبت مشاركة الصيام مع الصوم في ذلك الحكم.

(2) المسألة تشتمل على فرعين، و قد مرّ الكلام في الفرع الأوّل و هو جواز السفر في

______________________________

(1) الوسائل: 5، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 17.

(2) انظر الجزء الأوّل

من هذا الكتاب، ص 408.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

شهر رمضان للفرار عن الصوم و لا نعود إليه، و سيوافيك في المستقبل أنّ كراهة السفر مختص بما قبل الثالث و العشرين من شهر رمضان.

بقي الكلام في الفرع الثاني و هو حكم السفر في الواجب المعيّن، فهل يجوز السفر اختياراً و بلا ضرورة أو لا؟ و على فرض عدم الجواز تجب عليه الإقامة لو كان في السفر.

ثمّ إنّ الواجب المعيّن ينقسم إلى واجب بالنذر، كما إذا نذر صوم أيّام البيض؛ و إلى آخر واجب لأجل ضيق الوقت، كما إذا كان عليه قضاء صوم رمضان و لم يصم حتى ضاق الوقت؛ و إلى ثالث واجب لتقييد الصوم بيوم معين في عقد الإجارة، كما إذا قال: استأجرك على صيام يوم عرفة، فهل يجوز له السفر أو لا؟ فلنأخذ كلّ واحد بالبحث.

الصوم الواجب المعيّن بالنذر

إنّ للصوم الواجب بالنذر صوراً ثلاث:

1. أن يتعلّق النذر بالصوم مشروطاً بالحضور أو عدم السفر، أي إذا كنت حاضراً أو لم أُسافر.

2. أن يتعلّق النذر بكلا الأمرين: الصوم و الإقامة.

3. أن يتعلّق النذر بالصوم من غير تعليق بالحضور غير انّه علم من الخارج انّ صحّة الصوم مشروطة بالحضور.

أمّا الأُولى، فلا كلام في جواز السفر و عدم وجوب الحضور في الوطن أو قصد الإقامة في السفر.

كما لا كلام في حرمة السفر في الصورة الثانية، بل يجب عليه تحصيل العمل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

بالنذر بالحضور في البلد أو قصد الإقامة في السفر.

إنّما الكلام في الصورة الثالثة، فهل يجب تحصيل الحضور أو لا؟ و المسألة معنونة في كتاب النذر.

قال المحقّق: لو نذر يوماً معيّناً فاتّفق له السفر أفطر و قضاه،

و كذا لو مرض و حاضت المرأة أو نفست. «1»

و عن المدارك: أمّا وجوب الإفطار فلا ريب فيه، و أمّا وجوب القضاء فمقطوع في كلام الأصحاب. «2»

فيقع الكلام تارة في مقتضى القاعدة الأُولى، و أُخرى في مقتضى النصوص الواردة.

أمّا الأُولى: فلا شكّ انّ الحضور شرط لوجوب الصوم، كما هو شرط لصحته.

و بعبارة أُخرى: الحضور مقدّمة وجوبية و مقدّمة وجودية. قال سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) «3»، و قد ذكرنا سابقاً انّ الآية بصدد بيان واجب الحاضر و واجب المسافر و المريض، و انّ واجب الأوّل هو الصوم، و واجب الثاني و الثالث هو الصيام في أيّام أُخر، و كأنّه لم يكتب له إلّا الصيام بعد شهر رمضان، و انّ إطلاق القضاء عليه مع عدم وجوب الصوم فهو لأجل فوت الملاك.

لكن دليل الوفاء بالنذر مطلق غير مشروط بالحضور، قال تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «4»، فإطلاق الوفاء بالنذر يقتضي

______________________________

(1) المختصر النافع 246، ط مصر.

(2) و كان عليه أن يتكلم حول جواز السفر، و لكنّه تلقّاه أمراً مسلّماً فتكلم في حكم الإفطار.

(3) البقرة: 185.

(4) الحج: 29.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

وجوب الوفاء بالنذر و تحصيل شرطه، و هو الحضور و عدم السفر.

و على ذلك فمقتضى الإطلاق هو حرمة السفر و وجوب الإقامة إذا كان مسافراً.

هذا ما يستفاد من كلام بعض المحقّقين. «1»

و لكنّ هنا إشكالين:

الأوّل: انّ المهم في المقام وجود الإطلاق في صيغة الناذر و إلّا فلا يفيد إطلاق الآية، فلو كان نذر الناذر منصرفاً إلى صورة الحضور الاتّفاقي، فلا يكون إطلاق الآية دليلًا على

لزوم الحضور، أو دليلًا على وجوب الإقامة في السفر.

و بعبارة أُخرى: قوله سبحانه: (وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) كبرى كلّية لا يحتج بها إلّا إذا كان نذر الناذر مطلقاً غير منصرف إلى صورة الحضور، و لا مشكوك الانصراف، و إلّا فإذا كان إنشاء الناذر مختصاً بحال الحضور، أو منصرفاً إليه، أو شككنا في الإطلاق، فلا يمكن أن يحتج بالكبرى على لزوم الحضور في الصغرى، فاللازم هو التحقيق في جانب الصغرى و تعيين حدود دلالة صيغة النذر حسب القرائن الحافّة بها. و بما انّ أكثر الناس غافلون عن شرطية الحضور في صحة الصوم، يكون منصرف إنشائهم هو اجتماع الشرائط على وجه الاتفاق لا تحصيلها، فالواجب على المحقّق التركيز على مقدار إنشاء الناذر مكان التركيز على إطلاق الآية.

و بذلك يمكن أن يقال انّ مقتضى القاعدة الأُولى حسب أغلبية حال الناذرين شرطية الحضور لوجوب الوفاء بالنذر، على خلاف ما اختاره.

هذا كلّه حول القاعدة الأُولى، و أمّا القاعدة الثانية فمقتضاها عدم وجوب الحضور و تحصيله فتكون موافقة لما هو مقتضى القاعدة الأُولى حسب ما استفدناه من إنشاء الناذرين، و هناك روايات ثلاث نذكرها واحدة تلو الأُخرى:

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 2/ 29

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

1. صحيح علي بن مهزيار في حديث: كتب إليه بندار مولى إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فان أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟!

فكتب عليه السَّلام و قرأته: «لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض، إلّا أن تكون نويت ذلك. و إن كنت أفطرت منه من غير علّة، فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين. نسأل اللّه التوفيق لما يحب و يرضى».

«1»

و مجهولية «بندار» أو كونه مهملًا لا يضرُّ بصحة الحديث، لأنّ العبرة بقراءة ابن مهزيار خط الإمام، و المتبادر من الحديث انّه نذر صوم يوم السبت من كلّ اسبوع و قد صادف ذلك اليومُ أحد العيدين، أو سافر. فأجاب الإمام قائلًا: «... و ليس عليك صومه في سفر ...».

نعم الحديث ساكت عن القضاء، و لكن الأمر بالتصدّق على سبعة مساكين دليل على وجوبه، لأنّ الكفارة فرع وجوب القضاء، و قد مرّ عند البحث في كفّارة حنث النذر انّ الصحيح عشرة مساكين.

2. موثقة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السَّلام: إنّ أُمي كانت جعلت عليها نذراً إن ردّ اللّه عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة، فأشكل علينا لمكان النذر، أ تصوم أو تفطر؟ فقال: «لا تصوم، قد وضع اللّه عنها حقه و تصوم هي ما جعلت على نفسها»، قلت: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أ تقضيه؟ قال: «لا»، قلت: أ فتترك ذلك؟ قال: «لا، لأنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره». «2»

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 27

..........

______________________________

و نقله صاحب الوسائل في كتاب النذر «1» عن الكافي بالسند التالي، و هو «صحيح: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، غير انّه لم يذكر اسم الإمام الذي روي عنه الحديث.

3. روى الكليني، عن محمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن

المبارك، عن عبد اللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن عبد اللّه بن جندب، قال: سأل عبّاد بن ميمون و أنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً و أراد الخروج إلى مكة؟ فقال عبد اللّه بن جندب: سمعت من رواه عن أبي عبد اللّه انّه سأله عن رجل جعل على نفسه نذراً صوماً، فحضرته نيّته في زيارة أبي عبد اللّه؟ قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك». «2»

و نقله الشيخ عن الكليني على النحو الذي مرّ. «3»

و قد نقله صاحب الوسائل «4» بتصرّف غير يسير حيث:

أ: توسط أبو جميلة بين عبد اللّه بن جبلة، و إسحاق بن عمار، مع أنّه ليس منه أثر في الكافي و التهذيب.

ب: انّ الوارد في الكافي و التهذيب (سمعت من رواه عن أبي عبد اللّه) و في نسخة الوسائل: (سمعت من زرارة).

ج: انّ المسئول لسؤال عبّاد بن ميمون غير مذكور في الكتابين، و على ما في الوسائل فالمسئول هو أبو عبد اللّه حيث قال: سأل أبا عبد اللّه عباد بن ميمون، و لكنّه غير صحيح، إذ لو كان المسئول هو الإمام لما أجاب عبد اللّه بن جندب، كلّ ذلك

______________________________

(1) الوسائل: 16، الباب 13 من أبواب النذر و العهد، الحديث 2.

(2) الكافي: 7/ 457، الحديث 16.

(3) التهذيب: 8/ 422، باب النذور، الحديث 16.

(4) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

يعرب عن طروء الخطأ إلى نسخ الوسائل أو إلى نسخة الشيخ الحر العاملي؛ و لكن الظاهر هو الأوّل، لأنّه نقله في كتاب النذر بصورة نقيّة عن هذه الأخطاء. «1»

ثمّ إنّ المشار

إليه في قوله: «و أنا حاضر» هو إسحاق بن عمار؛ و حاصل الحديث: انّ عباد بن ميمون سأل عبد اللّه بن جندب، و كان عمار حاضراً في المجلس، فأجاب عبد اللّه بن جندب بما سمعه ممّن رواه عن أبي عبد اللّه؛ و حاصل الجواب: انّه يسافر و لا يصوم في الطريق و إذا رجع قضى.

و الحديث يوجب القضاء خلافاً لما مرّ. نعم في السند يحيى بن المبارك، و هو من أصحاب الرضا عليه السَّلام، و له سبع و سبعون رواية في الكتب الأربعة، و ممّن ورد اسمه في أسانيد تفسير القمي.

و لذلك قال السيد الخوئي: لم تثبت وثاقة يحيى بن المبارك على المشهور. «2» و التقييد بقوله: على المشهور، إشارة إلى أنّ الرواية صحيحة على مبناه، لورودها في أسانيد التفسير المذكور.

نعم الحديث مرسل، لأنّه لم يسم من رواه عن أبي عبد اللّه، و لذلك يكون الحديث معاضداً لما سبق.

و لعلّ هذه الأحاديث المتفقة على جواز السفر لأجل انّ إنشاء الناذر لم يكن مطلقاً بل ناظراً إلى بعض الظروف و منصرفاً إلى ما اتفق له الحضور، و الشك في سعة الإنشاء و ضيقه يكفي في الحكم بجواز السفر.

بقي الكلام في موردين:

1. إذا كان عليه صوم قضاء رمضان و قد ضاق الوقت، فهل يجوز له السفر أو

______________________________

(1) الوسائل: 16، الباب 13 من أبواب النذر، الحديث 1.

(2) مستند العروة: 2/ 40.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 29

[المسألة 5: الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن تمضي ثلاثة و عشرون يوماً إلّا في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه.]

المسألة 5: الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن تمضي ثلاثة و عشرون يوماً إلّا في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه. (1)

______________________________

لا؟ الظاهر لا، و ذلك لأنّ الحضور شرط الوجوب في

صيام رمضان، دون القضاء و إن كان شرطاً لصحته، و ليس هناك ما يدل على شرطية الحضور في مورد القضاء، فإطلاق دليله الدال على عدم جواز تأخيره و انّه موجب للعصيان بدليل تعلّق الكفارة لدى التأخير، دليل لزوم إحراز شرط الصحة، أعني: الحضور، اللّهمّ إلّا إذا قلنا بإلغاء الخصوصية و عطف القضاء على الأداء في عامة الأحكام.

2. لو كان أجيراً لشخص و لصيام يوم معين، فهل يجوز له السفر أو لا؟ الظاهر لا، لإطلاق صيغة الإجارة و عدم كونها مشروطة بالحضور و قد ملك الموجر، الصوم في ذمة الأجير على وجه الإطلاق، فليس له تضييع حق الناس بالسفر بما دل على جواز السفر في شهر رمضان أو اليوم المعيّن للصيام، فالصوم فيها حق إلهيّ رخّص سبحانه السفر، بخلاف المقام فهو من مقولة حق الناس، فلا يمكن الاستشهاد بما في المورد الأوّل، على الثاني.

(1) قد مضى الكلام في كراهة السفر في شهر رمضان في الفصل السادس، المسألة 25. و قد استثني منها موردان:

1. السفر بعد مضي ثلاثة و عشرين يوماً.

2. السفر لغايات مهمة كالحج و العمرة أو حاجات فائقة.

أمّا الأوّل: فقد ورد في مرسل علي بن أسباط، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: إذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط، قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلّا في حج إلى أن قال: فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرون، فليخرج حيث شاء. «1» و الاعتماد عليه مع إرساله في رفع

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 30

[المسألة 6: يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار، التملّي من الطعام و الشراب]

المسألة 6: يكره

للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار، التملّي من الطعام و الشراب و كذا يكره له الجماع في النهار، بل الأحوط تركه و إن

______________________________

الكراهة تأمّل.

و أمّا الثاني، فقد ورد الاستثناء في عدّة من الروايات:

1. ففي خبر أبي بصير، «1» و مرسلة علي بن أسباط، 2 استثناء الخروج إلى مكة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف من هلاكه.

2. و في موثقة الحسين بن المختار استثناء الخروج للحج، أو العمرة، أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده. 3 فجاء الخروج للحصاد مكان الخروج إلى نجاة أخ يخاف هلاكه.

3. و في صحيح الحلبي: استثناء الحاجة الشديدة، أو الخوف على المال. 4

4. و في مرسلة المقنع استثناء تشييع الأخ المؤمن. 5

و الظاهر انّ ما جاء في هذه الروايات من باب المثال و الميزان هو أحد الأمرين، إمّا لكونه أهم من الصوم في شهر رمضان، كالخروج إلى الجهاد، أو لكونه حاجة تفوت بالتأخير و إن لم يكن أهم.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3. و في سند الصدوق إلى أبي بصير: علي بن حمزة البطائني، و لذا عبّرنا عنه بالخبر، و الحديث 6.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 8. الحسين بن المختار واقفي ثقة.

(3) 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1. و طريق الصدوق إلى الحلبي صحيح.

(4) 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 3، من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 31

كان الأقوى جوازه. (1)

______________________________

(1) امّا كراهة

التملّي، فلصحيح ابن سنان، حيث جاء في ذيله: «و إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلّا القوت، و ما أشرب كل الري». «1» و مورد الحديث و إن كان هو المسافر، لكن المفهوم من مجموع الحديث انّ السبب هو حرمة شهر رمضان و لا خصوصية للمسافر لذلك قال الماتن: بل كلّ من يجوز له الإفطار.

أمّا كراهة الجماع فالمشهور بين الأصحاب هو الكراهة إلّا الشيخ في النهاية قال: لا يجوز للمسافر أن يجامع النساء نهاراً إلّا عند الحاجة، و لا ينبغي أن يمتلئ من الطعام و الشراب. «2»

و نقل العلّامة عن ابن الجنيد و ابن إدريس الكراهة، و عن أبي الصلاح الحرمة ما لم يخف فساداً في الدين، ثمّ قال: الأقرب عندي الكراهة. «3»

و التتبّع في كلمات الأصحاب قديماً و حديثاً يكشف عن كون الكراهة هو المشهور بينهم قبل الشيخ و بعده، أمّا الأوّل قال الكليني: الفضل عندي أن يوقِّر الرجل شهر رمضان و يمسك عن النساء في السفر بالنهار، إلّا أن يكون تغلبه الشهوة و يخاف على نفسه. «4»

و قال الصدوق: النهي عن الجماع للمنصرف من السفر إنّما هو نهي كراهة لا نهي تحريم. و أكثر الروايات المروية عن أئمّة أهل البيت تدلّ على الجواز، و هو يكشف عن كون الجواز هو المشهور بين أصحاب الأئمّة، و هو يدل على أنّه مذهب الأئمّة،

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

(2) النهاية و نكتها: 1/ 45.

(3) مختلف الشيعة: 3/ 478477.

(4) الكافي: 4/ 135.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

فانّ مذهبهم يعلم بنقل شيعتهم و أتباعهم، كما أنّ مذهب أبي حنيفة يعلم من نقل أتباعه، و لذلك

عدّ المحقّق الجواز أشبه بأُصول المذهب و قواعده. «1»

و ما يدلّ على الجواز يناهز سبع روايات بين صحيح و غيره.

ففي صحيح عمر بن يزيد (أي عمر بن محمد بن يزيد الثقة، و كلّما أطلق فهو المراد، دون عمر بن يزيد الصيقل الذي ترجمه النجاشي و لم يوثّقه) سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يسافر في شهر رمضان أله أن يصيب من النساء؟ قال: «نعم». «2»

و موثق محمد بن مسلم (لوجود عثمان بن عيسى شيخ الواقفة في سنده) قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن الرجل يقدم من سفر، بعد العصر من شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أ يواقعها؟ قال: «لا بأس به» 3 و لاحظ غيرهما.

و يعارضهما روايتان صحيحتان:

إحداهما عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان، فانّ ذلك محرّم». 4

و الأُخرى عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له أ فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: «سبحان اللّه أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان، إنّ له في الليل سبحاً طويلًا» قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصّر؟ قال: «إنّ اللّه تبارك و تعالى قد رخّص المسافر في الإفطار، و التقصير

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 156.

(2) 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 101. و لاحظ الأحاديث 1، 3، 4، 7، 9.

(3) 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 33

..........

______________________________

رحمة و تخفيفاً لموضع التعب و النصب و وعث السفر و لم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، و أوجب عليه قضاء الصيام، و لم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة، إذا آب من سفره» ثمّ قال: «و السنّة لا تقاس». «1» و أمّا روايته الأُخرى فهي متحدة مع هذا.

أمّا صحيحة محمد بن مسلم، فهو ظاهر في التحريم و حملها على الكراهة بعيد جداً، نعم صحيحة ابن سنان قابلة للحمل عليها حيث قال: «أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان» و لا ينافيه ردّ الإمام استدلال الراوي حيث قال: الجماع بالأكل و الشرب فقال: «و السنّة لا تقاس»، إذ يحتمل أن يكون الردّ لغاية إبطال ما تخيّله الراوي من نفي الكراهة عن الجماع كنفيها عن الأكل و الشرب، فلم يبق إلّا صحيحة ابن مسلم مع أنّها معارضة بنفس ما روي عنه كما عرفت، و يكفي في شذوذها إعراض الأصحاب عنها في الأعصار المعاصرة للأئمة و بعدها، فالكراهة هي الأقرب.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 35

[الفصل الحادي عشر في من وردت الرخصة في إفطارهم]

اشارة

الفصل الحادي عشر في من وردت الرخصة في إفطارهم

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص بل قد يجب

[الأوّل و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجاً و مشقّة]

الأوّل و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجاً و مشقّة فيجوز لهما الإفطار، لكن يجب عليهما في صورة المشقّة، بل في صورة التعذّر أيضاً، التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من طعام و الأحْوط مدّان و الأفضل كونهما من حنطة، و الأقوى وجوب القضاء عليهما لو تمكّنا بعد ذلك. (1)

______________________________

(1) تتضمن المسألة فروعاً:

1. هل الإفطار لهما رخصة أو عزيمة؟

2. وجوب التكفير في صورتي التعذّر و المشقة.

3. كفاية المد و الأفضل المدّان، كما أنّ الأفضل أن يكون من حنطة.

4. وجوب القضاء إذا تمكن بعد ذلك.

و لنتاول كلّ واحد بالبحث.

1. هل الإفطار عزيمة أو رخصة؟

هل يتخيّر معها المكلّف بين الإفطار و الفدية، أو الصوم؟ محل الكلام فيما إذا

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

كان الصوم أمراً شاقّاً عليهما لا متعذراً على نحو يكونان عاجزين عنه، إذ لا كلام في هذه الصورة في تعيّن الفدية للعجز عن الصوم. لو قلنا بها فيها، كما سيوافيك:

إنّ دراسة الآيات الواردة حول الصوم في سورة البقرة تثبت أنّ الإفطار عزيمة لا رخصة، و مجموعها لا يتجاوز عن ثلاث آيات:

1. قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). «1»

2. (أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). «2»

3. (شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ فَمَنْ

شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). «3»

فلنشرح هذه الآيات واحدة تلو الأُخرى.

أمّا الآية الأُولى، فجاءت تخاطب المؤمنين و تفرض عليهم وجوب الصوم (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ)، و تصرّح بأنّه ليس أمراً بديعاً، بل كان مكتوباً على الأُمم السابقة (كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، و تُبيّن انّ الغاية من هذه الفريضة هي التحلّي بالتقوى.

______________________________

(1) البقرة: 183.

(2) البقرة: 184.

(3) البقرة: 185

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

و أمّا الآية الثانية، فتتشكل من أربع فقرات بعد بيان انّ الواجب لا يتجاوز عن كونه أيّاماً معدودات.

الأُولى: (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ).

الثانية: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ).

الثالثة: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ).

الرابعة: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

و جاءت الفقرات الثلاث الأُول بصيغة الغائب بخلاف الأخيرة فجاءت بصيغة الخطاب.

فالفقرة الأُولى تصرح بأنّ الواجب على الصنفين هو الصيام في أيّام أُخر، و كأنّه لم يُكتب عليهم الصيام في شهر رمضان، بل كتب في تلك الأيّام، كما هو صريح قوله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ).

و على ذلك فالمكلّف يُصنَّف إلى حاضر و مسافر و مريض، فالحاضر وظيفته الصوم في شهر رمضان، و الآخران واجبهما الصيام في أيام أُخر.

نعم ربّما يقدّر بعد قوله: (وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ) لفظة «فافطر» «1» إشعاراً بأنّه يمكن للمسافر الصوم في شهر رمضان، لكن لو أفطر وجب عليه القضاء في أيام أُخر.

و لكن التقدير على خلاف الظاهر أوّلًا، و

إنّما لتصحيح فتوى أهل السنة ثانياً حيث يجوّزون الصوم للمسافر في شهر رمضان، بل الحقّ انّ المتبادر هو انّ المفروض من أوّل الأمر هو الصوم في أيّام أُخر.

______________________________

(1) تفسير الجلالين في تفسير الآية و غيره من سائر التفاسير.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

و أمّا الفقرة الثانية، فهي أيضاً جاءت بصيغة الغائب تفرض على الذين يطيقون الصوم فدية طعام مسكين، فيقع الكلام في مفاد هذه الفقرة.

فقوله تعالى: (يُطِيقُونَهُ) بمعنى من يقدر على الصوم بجهد و مشقة و ببذل جميع طاقاته، و ليس بمعنى الاستطاعة و القدرة كما ربما يتوهم.

قال ابن منظور: الطوق، الطاقة، أي أقصى غايته، و هو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه. «1»

و في النهاية عند تفسير شعر عامر بن فهيرة:

كل امرئ مجاهد بطوقه و الثور يحمي أنفه بروقه

قال: أي أقصى غايته، و هو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقة منه. «2»

و من هنا يعلم أنّ تفسير تلك الفقرة بغير هذا الوجه على خلاف الظاهر، حيث فسّرت بوجوه غير تامّة، نذكر منها اثنين.

الأوّل: انّه سبحانه خيّر المطيقين من الناس كلّهم بين أن يصوموا و لا يكفِّروا و بين أن يفطروا و يكفِّروا عن كلّ يوم بإطعام مسكين، لأنّهم كانوا لم يتعودوا الصوم، ثمّ نسخ ذلك بقوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

يلاحظ عليه أوّلًا: بأنّ تفسير (يطيقون) بالمستطيعين و القادرين على الصوم خلاف ظاهر اللغة كما عرفت. و إن وافقهم الطبرسي في تفسيره، حيث قال: أطاقه: إذا قوي عليه، فلو صحّ هذا الاستعمال فهو استعمال غير ذائع، و إنّما الشائع هو ما ذكرنا أي من يقدر لكن ببذل جهد و مشقة كبيرة يلحقه في نظر العرف بالعاجز و

إن لم يكن

______________________________

(1) لسان العرب: 8/ 225، مادة طوق.

(2) النهاية: 3/ 144، مادة طوق.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

عاجزاً عقلًا.

و ثانياً: أنّ هذا التفسير أشبه بالتفسير بالرأي، فلا يصحّ الاعتماد عليه إلّا إذا وجد عليه شاهد من الكتاب و السنة. و لم نعثر على دليل يؤيد ذلك.

و ثالثاً: أنّ الناظر في الآيات يقف على أنّها كسبيكة واحدة نزلت مرة واحدة لغايات تشريعية من دون أن يكون هناك ناسخ و منسوخ، أو تناف و مخالفة، و لازم القول بالنسخ وجود فاصل زماني بين المنسوخ و الناسخ و هو ينافي ظهور الآيات بنزولها دفعة واحدة.

رابعاً: لو كانت هذه الفقرة ناظرة إلى عامة المسلمين القادرين، لما كان هناك وجه للعدول عن الخطاب إلى الغيبة حيث نرى أنّه سبحانه عند ما يحكم على المؤمنين قاطبة يخاطبهم بقوله: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ)، فلو كان هذا الحكم في هذه الفقرة حكماً شمولياً لكلّ المستطيعين، لكان الأُولى صياغة الحكم في قالب الخطاب، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ تلك الفقرة ترجع إلى صنف خاص و هم المتحمّلون للصوم بجهد و مشقة، فيكون هذا الصنف كالمسافر و المريض، صنفاً خاصاً يصلح لبيان الحكم في صيغة الغائب.

الثاني: انّ تلك الفقرة ناظرة إلى الذين أفطروا بلا عذر ثمّ عجزوا، و يؤيد ذلك رواية شاذة مرسلة.

روى ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ) قال: «الذين كانوا يطيقون الصوم و أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكلّ يوم مد». «1»

و هذا التفسير يشاطر التفسير السابق في كونه خلاف ظاهر الآية، لحاجتها إلى

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 40

..........

______________________________

تقدير «افطروا».

فالتفسير الصحيح هو ما قدّمناه، و يؤيده روايات عديدة، منها:

1. صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السَّلام يقول: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمد». «1»

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان؟ قال: «يتصدق كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين». 2

و بذلك تبيّن انّ ظاهر الآية هو العزيمة حيث إنّ ظاهرها انّ المكتوب على المطيقين هو الفدية لا غير، نظير ما ذكرنا في المريض و المسافر.

و أمّا الروايات فأكثرها أو جميعها بصدد بيان الفدية، و ليست بصدد بيان كونها عزيمة أو رخصة. و مع ذلك تصحّ استفادة العزيمة و تعيّن الدية بالبيان التالي: انّ قوله: «يتصدّق كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين» في صحيحة ابن سنان، أو قوله: «و يتصدق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّ من طعام» في صحيح محمد بن مسلم، ظاهر في كون التصدّق واجباً تعيينياً لا تخييرياً، إذ لو كان كذلك كان عليه أن يأتي بالعِدْل الآخر، فالسكوت مع كونه في مقام البيان آية كونه تعيينياً مع أنّه لم يرد في رواية ضعيفة فضلًا عن غيرها انّه مخيّر بين الأمرين.

و بذلك لا يمكن الاعتماد على ظهور قوله في الرواية الأُولى: «لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان»، لأنّه ورد في محل توهم الحظر، فالهدف رفع ذلك التوهّم، أي لا يحرم الإفطار، و أمّا كونه واجباً أو رخصة فخارج

عن مصب الكلام.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1 و 5. و لاحظ الأحاديث: 2، 3، 4، 7، 8، 9، 10، 11، 12 من ذلك الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

نعم ذهب جماعة منهم المحدّث البحراني و الماتن إلى التخيير، قال في الحدائق: إنّ المراد من الآية هو من أمكنه الصوم بمشقة، فانّه قد جوّز له الإفطار و الفدية. «1» و قد عرفت مدلول الآية.

و أمّا الفقرة الثالثة، أي قوله: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)، فهو بمعنى انّ من زاد في الفدية فهو خير له، فلو زاد في الإطعام على مسكين واحد أو أطعم المسكين الواحد أكثر من الواجب فهو خير، و التطوع من الطوع بمعنى الانقياد، و المقصود من قوله: «خيراً» ما يقارب معنى المال، مثل قوله سبحانه: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ). «2»

و من غريب القول تفسير تلك الفقرة بالصوم، و هو كما ترى لا صلة لها به.

و أمّا الفقرة الرابعة، أعني قوله: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، فقد وقعت ذريعة لطائفتين:

الأُولى: من قال بأنّ الإفطار رخصة للمطيق.

الثانية: من قال بأنّ الإفطار رخصة للمسافر.

و لكن الإمعان فيها يثبت أنّها تتعلّق بالآية الأُولى، أعني قوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ)، و الشاهد على ذلك ورودهما بصيغة الخطاب في كلا المقامين. فالفقرة ناظرة إلى أنّ التشريع الماضي بعامة خصوصياته خير لكم أيّها المؤمنون، فلو قلنا بأنّ الحاضر يصوم، و المريض و المسافر يصومان في أيّام أُخر، و المطيق ليس عليه صوم كلّ هذا من أجل خيركم و سعادتكم.

فلو كانت الفقرة الرابعة راجعة إلى

المطيق أو المسافر و المريض، لكان الأنسب

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 421.

(2) البقرة: 180.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

أن ترد الفقرة بصيغة الغائب، و الحال انّها جاءت بصيغة الخطاب مشعرة بأنّها تخاطب عامة المسلمين لا صنفاً خاصاً.

هذا كلّه حول الآية الثانية، و أمّا الآية الثالثة فتتشكّل من الفقرات التالية:

أ: (شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ) تريد الآية بيان تخصيص تلك الأيام بفريضة الصوم، و انّه شهر نزل فيه القرآن الذي فيه هدى للناس و آيات بيّنات واضحات فيها من الهداية و الفرقان بين الحقّ و الباطل.

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) أعاد سبحانه ذكر ما سبقه في الآية الثانية ردّاً على المتزمّتين الذين يظنون انّ الإفطار غير جائز بحال، و لقد صدّق الخَبَرَ الخُبْرُ.

روى مسلم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثمّ دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثمّ شرب، فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال: «أُولئك العصاة، أُولئك العصاة». «1»

ج: (يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، و هو بيان لحكمة رفع الصيام عن الأصناف الثلاثة الذين أمروا بالإفطار، و تلك الحكمة طلب يسر الحياة لهم و دفع العسر عنهم من غير فرق بين المريض و المسافر و من يشقّ عليه الصيام.

و ربما يستظهر منه بأنّ الإفطار رخصة حتى قال بعض المفسرين الشيعة بأنّه لو لا الروايات الصحيحة عن أهل البيت عليهم

السَّلام عن جدّهم رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لجزمنا بأنّ الإفطار

______________________________

(1) شرح صحيح مسلم للنووي: 7/ 232.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 43

..........

______________________________

في السفر رخصة لا عزيمة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الإرادة في الآية إرادة تشريعية، و معنى ذلك انّ المشروع هو الميسور لا المعسور، و معه كيف يكون الصوم المعسور مشروعاً؟ كيف، و قد قال سبحانه: (وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) «2»، فالمجعول هو الحكم الذي ليس فيه حرج و ما على خلافه فليس بمجعول أي بمشروع.

د: (وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)، و هي راجعة إلى لزوم القضاء للمريض و المسافر، أي انّ الموضوع منهما هو حكم الصيام في شهر رمضان، و أمّا القضاء بعدد الأيام المعدودات فلا و قد عرفت معنى القضاء في المقام.

ه: (وَ لِتُكَبِّرُوا اللّٰهَ عَلىٰ مٰا هَدٰاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، الفقرة غاية لوجوب عقد الصيام، و اللّه سبحانه يطلب من عباده تكبيره في مقابل هدايتهم حتى يكونوا شاكرين لنعمه.

تمّ الكلام في الفرع الأوّل.

2. وجوب الفدية و عمومه للعاجز و المطيق

اتّفقت كلمتهم على وجوب الفدية، إلّا ما يحكى عن أبي الصلاح حيث اختار القول بالاستحباب، و عليه فلا يجب عليه الفدية كما لا يجب عليه الصوم. «3» و هو قول شاذّ، مخالف لصريح الآية من جعل الفدية على ذمة المطيقين حيث يقول: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ) حيث تحكي عن ثبوتها عليهم، و ما ربّما يستدل على

______________________________

(1) الكافي: 1/ 285.

(2) الحج: 78.

(3) عبارته في الكافي: 182 هكذا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

قوله برواية إبراهيم الكوفي، فسيوافيك توضيحها عن قريب.

ثمّ اختلفوا

بعد ما اتفقوا على وجوب الفدية في وجوبها على خصوص المطيق، أو عمومها له و للعاجز. الأشهر هو الثاني.

ذهب ابن أبي عقيل، و ابن الجنيد، و ابن بابويه في رسالته، و الصدوق في المقنع، و الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد، و ابن البراج، خلافاً للمفيد و السيد المرتضى و أبي الصلاح و سلّار و ابن إدريس، و العلّامة في مختلفه. «1»

و قد استدلّ على القول بالاختصاص بوجوه:

1. مقتضى الأصل هو البراءة و عدم الوجوب، و على القائل به إقامة الدليل عليه.

2. انّ الكفّارة إمّا بدل عن واجب، أو مسقطة لذنب صدر عن المكلف، و كلاهما منفيان. «2»

يلاحظ عليه: أنّ سبب إيجابها أعم منهما، إذ يمكن أن يكون سببه هو فوت المصلحة منهما، فتتدارك بالفدية.

3. قوله سبحانه (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ)، حيث دلّ بمفهومه على سقوط الفدية عن العاجز الذي لا يطيقه أصلًا.

يلاحظ عليه: أنّ المفهوم في الآية أشبه بمفهوم اللقب، فانّ جعل الوجوب على المطيق لا يكون دليلًا على عدم وجوبه للعاجز.

و المهم في الاستدلال هو أصل البراءة كما مرّ.

و أمّا القول بالوجوب، فليس له دليل سوى توهّم وجود إطلاقات تعم كلا

______________________________

(1) لاحظ الأقوال في المختلف: 3/ 542.

(2) المختلف: 3/ 543.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 45

..........

______________________________

الصنفين، و هو موضع تأمّل، فانّ العناوين الواردة فيها لا تتجاوز عمّا يلي:

1. «الشيخ الكبير» كما في حديثي محمد بن مسلم، «1» و حديث رفاعة. 2

2. «الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم» كما في حديث عبد الملك بن عتبة 3 الهاشمي. و الظاهر انّ الضعف قيد لكليهما لا لخصوص العجوز، بقرينة صحيح بن سنان، عن رجل كبير ضعف

عن صوم شهر رمضان، 4 و صحيح الحلبي. 5

3. «الشيخ الكبير الذي لا يستطيع أو لا يقدر» كما في مرسلة العياشي، 6 و معتبر أبي بصير، 7 و خبره الآخر، 8 و لا يبعد أن يكون المراد من القسم الثالث هو غير القادر عرفاً لا عقلًا، فيتحد مع القسم الثاني، إذ من البعيد أن يركز الحديث على العاجز، دون المطيق بجهد و مشقة، فتعيّن أن يكون المراد هو المطيق بمشقة، و لا جامع بين العاجز القادر ليستعمل فيه.

و بذينك القسمين يقيد القسم الأوّل الذي كان الموضوع فيه هو الشيخ الكبير بوجه مطلق.

بقي الكلام في حديث إبراهيم الكرخي الذي رواها الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود؟ فقال: «ليؤم برأسه إيماء» إلى أن قال: قلت فالصيام؟ قال: «إذا كان في ذلك الحد، فقد وضع اللّه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ عن طعام بدل

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 3، 8.

(2) 3 و 4 و 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4، 5، 9.

(3) 6 و 7 و 8 الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7، 11، 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

كلّ يوم أحب إلى، و إن لم تكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه». «1»

أمّا السند، ففيه الطيالسي التميمي؛ فقد عنونه النجاشي

في رجاله، و الشيخ أيضاً في رجاله من أصحاب الكاظم و لم يوثقاه. «2»

و امّا إبراهيم الكرخي، فهو ثقة عندنا، لكونه من مشايخ ابن أبي عمير و صفوان، له روايات في الكتب الأربعة.

و أمّا المتن فالرواية ظاهرة في العاجز دون المطيق، بقرينة قوله: «و لا يمكنه الركوع و السجود»، فلا مانع من الالتزام باستحباب الفدية في حقّه إذا كان له يسار، و لعله لأجل إدراك فضيلة شهر رمضان.

و بذلك يعلم أنّ الاستدلال بها على استحباب الفدية على المطيق في غير محله، لأنّ الموضوع هو العاجز، لا المطيق.

نعم لو قلنا بأنّ المراد هو المطيق بقرينة قوله «لضعفه»، فلا محيص من حمل «افعل» التفضيل على معنى لا ينافي الوجوب مثل قول يوسف (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). «3»

أي السجن محبوب دون الآخر، و مثله المقام و هو انّ الفدية محبوبة دون تركها.

3. الواجب مدّ لا مدّان

المشهور أنّ الواجب هو مدّ من طعام، ذهب إليه ابن عقيل و ابن الجنيد و ابنا

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 10.

(2) رجال النجاشي: رقم 911؛ رجال الشيخ برقم 26.

(3) يوسف: 33.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

بابويه و السيد المرتضى و سلّار و ابن إدريس. خلافاً للشيخ في المبسوط و ابن البراج في المهذب، و الطبرسي في المجمع، حيث قالوا بأنّ الواجب مدّان، فإن لم يتمكّن فمدّ واحد. «1»

و لكن الأقوى هو القول الأوّل، و ذلك لأنّه سبحانه يقول (فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ)، و الفدية بمعنى البدل و العوض، و قوله (طَعٰامُ مِسْكِينٍ) عطف تفسير لها، و المراد قدر ما يأكله في موعد، بل يوم واحد، و هو يعادل مدّاً

في أغلب الأفراد.

و أمّا الروايات، فهي على أصناف ثلاثة:

أ: ما يُفسِّر قوله سبحانه: (طَعٰامُ مِسْكِينٍ) بمدّ، كما هو الحال في مرسلة ابن بكير و المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى. «2»

ب: ما يدل على وجوب مدّ واحد، و عليه أكثر روايات الباب. «3»

ج: ما يدل على وجوب مدّين من طعام، و هو المروي عن أبي عبد اللّه بطريق محمد بن مسلم. «4»

و قد روى محمد بن مسلم مدّاً واحداً عن أبي جعفر كما مرّ، و على ذلك لا يمكن توحيد الروايتين، بزعم انّ الخطأ نشأ من جانب الرواة، لأنّه إنّما يتم إذا روى عن إمام واحد، و لكنّه نقله عن إمامين، فلا محيص من حمل المدّين على الاستحباب؛ و أمّا حمل المدّ الواحد على العاجز عن المدين، فهو جمع تبرّعي.

______________________________

(1) المختلف: 3/ 545؛ مجمع البيان: 1/ 274.

(2) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6، 12.

(3) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1، 4، 6، 10.

(4) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

جنس الطعام

لقد ورد في القرآن قوله سبحانه: (طَعٰامُ مِسْكِينٍ)، و قد مرّ منا «1» انّ الطعام ما يُتغذى من الحنطة و غيره، و هو في العرف اسم لما يؤكل كالشراب لما يُشرب، و مقتضى الإطلاق كفاية كلّ ما يؤكل عادة غداءً و عشاءً.

نعم ورد التقييد بالحنطة في رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي، و قد مرّ انّه لم يوثق.

4. وجوب القضاء إذا تمكّن

هل يجب القضاء لو تمكّنا من القضاء قبل حلول رمضان الآتي؟ ادّعى العلّامة في «المختلف» الإجماع

على عدم الوجوب. «2»

و مع ذلك يقول المحقّق في «الشرائع»: ثمّ إن أمكن القضاء وجب. و علّله في الجواهر بعموم من فاتته فريضة. «3»

يلاحظ عليه: عدم صدق الفوت وجوباً و ملاكاً.

أمّا الأوّل فلما عرفت من عدم وجوبه عليه بل الواجب هو الفدية، و أمّا الملاك فلأنّه يُتدارك أو يحتمل تداركه بالفدية.

أضف إلى ذلك انّه يمكن استفادة عدم الوجوب من الوجهين التاليين:

أ: التصريح بعدم القضاء في صحيحة محمد بن مسلم. «4»

______________________________

(1) لاحظ الجزء الأوّل، الفصل السادس، المسألة 24.

(2) المختلف: 3/ 545.

(3) الجواهر: 17/ 147.

(4) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 49

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 49

[الثالث: من به داء العطش]

الثالث: من به داء العطش فإنّه يفطر، سواء كان بحيث لا يقدر على الصبر، أو كان فيه مشقّة، و يجب عليه التصدّق بمدّ، و الأحوط مدّان، من غير فرق بين ما إذا كان مرجو الزوال أم لا، و الأحوط، بل الأقوى، وجوب القضاء عليه إذا تمكّن بعد ذلك، كما أنّ الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة. (1)

______________________________

ب: انّه ورد في صحيحة الحلبي و ابن سنان أنّ الفدية تجزي عن الصوم.

ففي صحيحة الحلبي يتصدق بما يجزي عنه (أي عن الصوم) طعام مسكين لكلّ يوم «1»، فقوله: (طَعٰامُ مِسْكِينٍ) فاعل الفعل يجزي، فكأنّ الفدية تقوم مقام الصوم.

و مثلها صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: يتصدّق كلّ يوم بما يجزي [عنه] من طعام مسكين. 2

فقوله: من طعام مسكين بيان لفاعل الفعل، و الظاهر سقوط كلمة «عنه»،

و ظاهر الروايتين كفاية الفدية عن الصوم، فلا يبقى مجال للقضاء.

(1) انّ من به داء العطش أي ذو العطاش (بضم العين)، و هو داء لا يروي صاحبه، محكوم بأحكام أربعة:

أ: يفطر في صورتي العجز و المشقة.

ب: يتصدّق بمدّ و الأحوط مدّان.

ج: وجوب القضاء عند التمكّن.

د: الأحوط الاقتصار في الشرب على قدر الضرورة.

أمّا الأوّل، فالعاجز خارج عن محطّ البحث لعدم القدرة كخروجه عن قوله: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ)، فالأولى التركيز على صورة المشقة، و جواز

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 9، 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

إفطاره مورد اتفاق، لقوله سبحانه: (لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا) «1»، و قوله سبحانه: (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ). «2»

من غير فرق بين من يرجى برؤه و بين من لا يرجى، لأنّ الملاك هو المشقة و برؤه و عدم برئه في المستقبل غير دخيل في الحكم.

أمّا الثاني، أي وجوب الكفّارة، فقد اتّفقت كلمتهم على وجوبها فيمن لا يرجى بُرؤه، و لم يخالف فيه أحد إلّا ما نقل عن سلّار.

نعم إنّما الاختلاف فيمن يرجى برؤه و يتوقع زواله.

فمن قائل بأنّه داخل في قوله سبحانه: (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ) فحكم عليه بوجوب القضاء دون الفدية، كما هو حال كلّ مريض. و هو خيرة المفيد و السيد المرتضى و ابن إدريس و العلّامة في المختلف. «3»

إلى آخر قال بأنّه داخل في قوله: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) فحكم عليه بالفدية، و أمّا القضاء فسيوافيك.

و الحقّ هو القول الثاني، و ذلك

لوجهين:

الوجه الأوّل: انّ المراد من المريض المحكوم بالإفطار، من يضرّه الصوم فيوجب طولَ برئه أو شدّة مرضه، و الصوم بالنسبة إلى داء العطاش ليس كذلك و إنّما هو يوجب المشقة عليه، لأنّه يسكن بشرب الماء، و الصوم يخالفه، فلذلك يكون خارجاً عن عنوان المريض.

______________________________

(1) البقرة: 287.

(2) الحج: 78.

(3) مختلف الشيعة: 3/ 548547.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 51

..........

______________________________

نعم لو قال الطبيب بأنّ الصوم يضرّ بهذا الداء، فهو موضوع جديد يحكم عليه بما حكم على المريض، و لكنّه نادر أو غير واقع.

الوجه الثاني: انّ الظاهر من الروايات انّ من به داء العطاش غير المريض.

1. صحيحة محمد بن مسلم عند تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (أي في الظهار) قال: من مرض أو عطاش. «1»

2. خبر داود بن فرقد، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: فيمن ترك صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر، فقال: «إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ». «2»

3. و خبره الآخر عن أخيه و فيه: «إن كان من مرض فإذا قوي فليصمه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ». «3»

و أمّا الثالث، أي وجوب القضاء عند التمكن، فقد ظهر عدم وجوبه و إن ذهب الماتن إلى وجوبه، و قد مضى انّ من قال به فقد جعله من أقسام المريض، و أمّا من جعله من أقسام غير المطيق فقد جعل الواجب عليه الفدية دون القضاء، و على أيّ تقدير فقد جاء التصريح بعدم القضاء في ذي العطاش في صحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السَّلام، يقول: «الشيخ الكبير و

الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان و يتصدّقا كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما». «4»

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ من الصوم، الحديث 3.

(2) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(3) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 8.

(4) الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 52

[الرابع: الحامل المقرب التي يضرّها الصوم أو يضرّ حملها]

الرابع: الحامل المقرب التي يضرّها الصوم أو يضرّ حملها فتفطر و تتصدّق من مالها بالمدّ أو المدّين و تقضي بعد ذلك. (1)

______________________________

و أمّا الرابع و هو الاقتصار في الشرب بقدر الضرورة، فلم نجد له دليلًا صالحاً، نعم يكره التملّي من الشراب و الغذاء، و هو غير الاقتصار بقدر الضرورة، و ما استدل به عليه غير ظاهر.

1. روى عمار، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه؟ قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، و لا يشرب حتى يروى». «1»

2. و ما رواه المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: انّ لنا فتيات و شباناً لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال: «فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم و ما يحذرون». 2

وجه عدم الدلالة واضح، فانّ الحديثين ناظران إلى من يصيبه العطش لأجل الهواء و غيره فرخّص في الشرب بمقدار الضرورة، و هو غير من به داء العطش طول العمر، فلا يمكن الاحتجاج بها عليه.

و بعبارة أُخرى: انّ من أصابه العطش يبقى على صومه إلّا بمقدار الضرورة، بخلاف من به داء العطاش فهو يفطر.

نعم لا

يتملّى كسائر من رُخِّص لهم بالإفطار.

(1) الحامل المقرب التي يضرّ الصوم بأحدهما حكم عليها بالأحكام الأربعة:

الإفطار أوّلًا، و القضاء ثانياً، و التصدّق من مالها ثالثاً، بمقدار المدّ أو المدّين رابعاً. و الظاهر من الماتن كغيره انّها عنوان مستقل غير داخل «فيما لا يطيقون»، و إلّا

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 16 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

يكفي التصدّق و لا يجب القضاء، و لا في عنوان المريض و إلّا يلزم القضاء فقط دون التصدّق، فإيجابهما معاً يكشف عن كونه عنواناً مستقلًا عند الماتن و غيره ممن وافقه في القضاء و التصدّق.

أمّا الأوّل، أي الإفطار فموضع وفاق في كلتا الصورتين، فإذا أضر الصوم بالأُمّ يكفي في جواز الإفطار ما دلّ على أنّ الصوم المضرّ للصائم يفطر، و قد قلنا في محلّه انّ الموضوع إضرار الصوم بالصائم لا المريض سواء أ كان مريضاً أو لا، فالصوم المضر موجب لجواز الإفطار، و أمّا إذا أضرّ بالحمل فتفطر لتقديم الأهم على المهم من حفظ النفس المحترمة. فعلى ذلك لو لم يكن للمسألة أصل تكفي القواعد العامّة في إثبات جواز الإفطار، مضافاً إلى وجود النص.

و أمّا الثاني أي وجوب القضاء، فلم يعرف فيه خلاف سوى ما نقل عن ابن بابويه، و سوى ما نقله العلّامة في «المنتهى» «1» عن سلّار.

قال ابن بابويه: المرأة الحامل ... فعليهم جميعاً الإفطار و التصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام و ليس عليهم قضاء.

قال العلّامة: و هذا الكلام يشعر بسقوط القضاء في حقّ الحامل و المرضع و المشهور بين علمائنا وجوب القضاء عليهم.

و يدلّ على وجوب القضاء صحيحة محمد بن

مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السَّلام يقول: «الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أن تتصدق كلّ واحد منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد». «2»

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 427.

(2) الوسائل: 7، الباب 17 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 54

..........

______________________________

و لعل ابن بابويه اعتمد في نفي القضاء على قوله: «لا تطيقان الصوم» في نفس الرواية، فأدخله في (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، و لكنّه إشعار لا يقابل مع التصريح الوارد فيها على القضاء.

ثمّ إنّه ربّما يستدل على عدم وجوب القضاء بصحيحة عبد اللّه بن مسكان، عن محمد بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن عليه السَّلام: إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين، فوضعت ولدها و أدركها الحبل فلم تقو على الصوم؟ قال: «فلتصدّق مكان يوم بمدّ على مسكين». «1»

وجه الدلالة عدم تعرضه للقضاء، و لكنّه غير تام، إذ غايته الإشعار و هو لا يعادل التصريح الوارد في صحيحة محمد بن مسلم السابقة، مضافاً إلى ورودها في مورد النذر، فلا يقاس عليه شهر رمضان، هذا كلّه حول الدلالة، و أمّا السند فطريق الصدوق إلى ابن مسكان و إن كان صحيحاً، لكن محمد بن جعفر الذي يروي عنه عدّة، مثل ابن مسكان و إبراهيم بن هاشم و أبي العباس الكوفي مجهول لم يُعرف، فلا يصلح للاستدلال.

و أمّا الثالث، أي وجوب التصدّق فهو محل وفاق فيما إذا أضرّ بالولد، و أمّا إذا أضرّ بنفس الحامل فهو محل خلاف.

قال العلّامة في «المنتهى»: الحامل المقرب و المرضع

القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا و عليهما القضاء، و هو قول فقهاء الإسلام و لا كفارة عليهما؛ و لو خافتا على الولد من الصوم فلهما الإفطار أيضاً، و هو قول علماء الإسلام، و يجب عليهما القضاء إجماعاً، إلّا من سلّار من علمائنا، و يجب عليهما التصدّق في كلّ يوم بمدّ من طعام، ذهب إليه علماؤنا.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 17 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

و يظهر من الشهيد في «الدروس» انّ التفصيل هو مذهب الأصحاب، و هو خيرة المحقق الثاني في حاشية الإرشاد، حتى أنّ المتقدمين كالشيخ المفيد في «المقنعة» و الطوسي في «المبسوط» و ابن إدريس في «السرائر» ذكروا خصوص الخوف على الولد فأوجبوا الإفطار و القضاء و الفدية في ذلك، و أمّا الخوف على أنفسهما فلم يذكروا حكمه، و جعلوه من قبيل سائر الأمراض، فاستندوا في حكمه إلى عموم أخبار المرض من وجوب الإفطار و القضاء خاصة. «1»

و لكن ذهب المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» إلى القضاء و الفدية معاً، و عليه الماتن، و الدليل على وجوب الفدية إطلاق صحيح محمد بن مسلم الماضي.

و ربما يقال بانصراف الصحيح إلى ما إذا أضرّ الصوم بالحمل بقرينة تقييد الحامل بالمقرب، و المرضعة القليلة اللبن و كلاهما مظنة الضرر به لا بنفسها. و إلّا لكان التقييد بهما لغواً. «2»

يلاحظ عليه: من أين نعلم أنّ صوم المقرب يضرّ بالولد، لا بالأُمّ؟ فانّ هذه الحالة من أخطر الحالات على الأُمّ و الولد معاً، لا الولد وحده. نعم لو حصل الوثوق من قول الطبيب و غيره انّ الصوم يضرّ بالأُمّ سواء أ كانت حاملًا أم لا على

نحو لا يكون للحمل أيّ تأثير في طروء الضرر، فلا مانع من إلحاقه بالمريض و الحكم بالقضاء وحده كما يأتي في المرضعة القليلة اللبن.

فإن قلت: إنّ النسبة بين الآية المباركة و صحيح الحلبي، عموم و خصوص من وجه، فانّها تشمل ما يضرّ به الصوم حاملًا كانت أو حائلًا، بخلاف الصحيح فانّه مختص بالحامل، لكنّه أعم من أن يضرّ بالأُمّ أو الولد، فتصدق الآية في مورد غير

______________________________

(1) لاحظ في الوقوف على مصادر هذه الأقوال: الحدائق الناضرة: 13/ 428427.

(2) مستند العروة: 2/ 56.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 56

[الخامس: المرضعة القليلة اللّبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد]

الخامس: المرضعة القليلة اللّبن إذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد و لا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة و يجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضاً من مالها و القضاء بعد ذلك، و الأحوط، بل الأقوى الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعاً أو بأُجرة من أبيه أو منها أو من متبرّع. (1)

______________________________

الحامل، دون الصحيح، كما انّه يصدق فيما أضرّ بالولد وحده، دون الأُمّ في الآية، و يجتمعان في الحامل الّتي يضر الصوم بها دون الولد، فمقتضى الآية هو كفاية القضاء، لكن مقتضى الصحيح ضم الفدية إليه فيتساقطان و يرجع في مورد الاجتماع إلى أصل البراءة.

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى القاعدة هو تقدّم صراحة النصّ في لزوم الفدية على ظهور الآية في عدم وجوبها من خلال سكوتها فيها، و على ذلك فالأحوط لو لم يكن الأقوى ضمّ الكفارة إذا كان يضرّ بالأُم وحدها.

و أمّا الرابع، أعني: مقدار الفدية من مالها فهو المدّ، كما في الصحيح، و لا وجه لاحتمال المدّين لتصريح الصحيح بأنّ الواجب هو المدّ،

نعم جاء المدّان في الشيخ و الشيخة في بعض الروايات، و قد عرفت أنّه محمول على الاستحباب.

ثمّ إنّ ظاهر المتن و غيره انّها تخرج المدّ من مالها لا من مال زوجها و انّها ليست من النفقة و هو بعدُ موضع نظر، لأنّ الكفارة إحدى حاجاتها الضرورية كالدواء، مضافاً إلى أنّ الزوج أيضاً دخيل في لزومها عليها و كون الواجب هو بذل المسكن و المطعم و الملبس، محمول على الغالب، إذ لا تنحصر نفقاتها الضرورية أو ما تناسب حالها بها كما لا يخفى. و قد أوضحنا حالها في كتاب النفقات من النكاح.

(1) حكم المرضعة القليلة اللبن حكم الحامل في كلتا الصورتين، أي سواء أضرّ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 57

..........

______________________________

الصوم بها أو بولدها، في أنّها تفطر أوّلًا، و تقضي ثانياً، و تكفّر من مالها ثالثاً، من غير فرق بين كون الولد لها أو متبرعة برضاعه أو مستأجرة، و الدليل الوحيد هو إطلاق الصحيح المتقدّم الذي يعمّ الأصناف الثلاثة.

و ربما يقال بانصراف الصحيح بقرينة «القليلة اللبن» إلى ما إذا أضرّ بالولد من خلال قلّة اللبن، ضرورة عدم الفرق في الخوف على النفس بين كونها قليلة اللبن أو كثيرته، مرضعة كانت أو غير مرضعة، فانّ الخوف المزبور متى عرض و لأيّ شخص تحقّق، فهو داخل في عنوان المريض، و محكوم بالإفطار و القضاء دون الفداء. «1»

قلت: مرّ الكلام فيه في أنّه لو ثبت انّ الصوم يضرّ بالأُم مطلقاً، مرضعة كانت أو لا، قليلة اللبن كانت أو لا، فهي خارجة عن النص، و أمّا إذا كان لهذه الحالة أي كونها مرضعة، تأثير في إضرار الصوم بها دون ما إذا لم يكن كذلك فهو داخل تحت الصحيح.

إنّما الكلام في اختصاص الحكم بصورة عدم وجود المندوحة من مرضعة أُخرى أو الانتفاع من حليب الدواب أو الحليب المجفف.

يظهر اشتراط عدم المندوحة من الشهيدين في الدروس و الروضة. قال الأوّل: لا فرق بين المستأجرة و المتبرعة إلّا أن يقوم غيرها مقامها، ثمّ قال: لو قام غير الأُم مقامها، روعي صلاح الطفل، ... ثمّ بالأجنبية فالأقرب عدم جواز إفطارها، هذا مع التبرع أو تساوي الأُجرتين، و لو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها و جاز الإفطار. و قال ثاني الشهيدين: لو قام غيرها مقامها متبرعاً أو أخذ مثلها أو أنقص امتنع الإفطار. «2»

و استدلّ على ذلك مضافاً إلى وجوب المقدمة التي لا تقتضي ضرراً أو قبحاً، بمكاتبة علي بن مهزيار التي رواها صاحب الوسائل عن ابن إدريس في «مستطرفات

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 58.

(2) الدروس: 1/ 292،. الروضة البهية: 2/ 130.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

السرائر» نقلًا عن كتاب «مسائل الرجال» رواية أحمد بن محمد بن الجوهري و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعاً، عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه يعني: علي بن محمد عليه السَّلام أسأله عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان فيشتدَّ عليها الصوم و هي ترضع حتى يُغشى عليها، و لا تقدر على الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم، فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟!

فكتب: «إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها». «1»

و الحديث لو صحّ دليل على شرطية

عدم المندوحة، و في الوقت نفسه دليل على سقوط الكفارة فيما إذا أضرّ الصوم بالأُمّ، كما أشرنا إليه في مورده.

لا غبار على دلالة الرواية للتفصيل إنّما الكلام في سندها، فانّها أخذت من كتاب مسائل الرجال و مكاتباتهم مولانا أبي الحسن علي الهادي سلام اللّه عليه و الأجوبة عن ذلك. و قد روى تلك الأسئلة و الأجوبة عن أصحابه عليه السَّلام اثنان:

1. أحمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن بن عياش الجوهري الذي عرّفه النجاشي بقوله: رأيت هذا الشيخ و كان صديقاً لي و لوالدي، و سمعت منه شيئاً كثيراً، و رأيت شيوخنا يضعّفونه، فلم أرو عنه و تجنّبته، مات 401 ه. «2»

2. عبد اللّه بن جعفر الذي يصفه النجاشي بقوله: شيخ القميين و وجههم، قدم الكوفة سنة نيف و تسعين و مائتين، صنف كتباً كثيرة. «3»

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 17 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

(2) رجال النجاشي: 1/ 225، برقم 205.

(3) رجال النجاشي: 2/ 18 برقم 571.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

قال الشيخ الطوسي: ثقة، له كتب. و ذكره أيضاً في رجال الإمام الرضا و الهادي عليهما السَّلام.

و بما انّ الإمام الرضا عليه السَّلام توفّي عام 203 ه، فيكون من المعمّرين، لأنّه قدم الكوفة كما عرفت سنة نيف و تسعين و مائتين.

و بذلك يعلم أنّ الراويين غير معاصرين لطول الفاصل الزماني، و الأوّل لم يوثّق بخلاف الثاني.

ثمّ إنّهما رويا في ذلك الكتاب أجوبة الإمام الهادي عليه السَّلام و جواباته لكتب أصحابه، و ممّن سأله أو كتب إليه.

1. أيوب بن نوح.

2. أحمد بن محمد.

3. علي بن الريان.

4. داود الصرمي.

5. بشر بن البشار.

6. علي بن مهزيار.

7. محمد بن علي بن

عيسى.

إلى غيرهم ممّن نقلوا الأسئلة و الأجوبة مباشرة أو بتوسيط رجال آخرين. «1»

هذا هو حال الكتاب، و مع ذلك ففي الاحتجاج به إشكال.

أوّلًا: الظاهر انّه لم يكن لابن إدريس سند إلى تلك المجموعة و إنّما نقل عنها بالوجادة، إذ لو كان له سند لذكره.

______________________________

(1) لاحظ كتاب السرائر: 3/ 281 للاطّلاع على خصوصيات هؤلاء.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

و ثانياً: لم يعلم أنّ المكاتبة هل نقلها كلاهما أو نقلها واحد منهما؟ و إن كان الظاهر ممّا ذكره ابن إدريس في مقدمة كتابه انّها من رواياتهما.

مضافاً إلى أنّ إلزام الأُم بإرضاع ولدها بلبن الدواب أو الحليب المجفّف أمر حرجيّ على الأُمّ لا تطيبه نفسها، إذ كيف تترك لبن ثديها و ترضعه بلبن غيرها.

و لو عملنا بالرواية فلا بدّ من حمل المتبرعة على من وجب عليها الإرضاع عيناً، للانحصار، و إلّا فلا يجوز لها الإفطار مع قيام أُمّ الولد أو غيرها بالإرضاع.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 61

[الفصل الثاني عشر في طرق ثبوت هلال رمضان و شوّال للصوم و الإفطار]

اشارة

الفصل الثاني عشر في طرق ثبوت هلال رمضان و شوّال

للصوم و الإفطار

[و هي أُمور]
اشارة

و هي أُمور:

[الأوّل: رؤية المكلّف نفسه.]

الأوّل: رؤية المكلّف نفسه.

[الثاني: التواتر.]

الثاني: التواتر.

[الثالث: الشياع المفيد للعلم]

الثالث: الشياع المفيد للعلم، و في حكمه كلّ ما يفيد العلم و لو بمعاونة القرائن، فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به، و إن لم يوافقه أحد، بل و إن شهد و ردّ الحاكم شهادته.

الرابع: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال شعبان أو ثلاثين يوماً من هلال رمضان، فإنّه يجب الصوم معه في الأوّل و الإفطار في الثاني. (1)

______________________________

(1) تخصيص هذه الطرق لثبوت هلال رمضان و شوال لا يعني اختصاصها بهما، بل لمّا كان البحث منعقداً في ثبوتهما دون غيرهما خُصَّ هلال رمضان و شوال في العنوان بالذكر.

مضافاً إلى أنّه محل الابتلاء لعامة الناس، و إلّا فالطرق المذكورة تشمل ثبوت

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

مطلق الهلال.

و هذه الطرق الأربعة كلّها مفيدة للعلم، و العلم في المقام طريق محض يكون حجّة مطلقاً، و مع ذلك فلنطرح كلّ واحد على بساط الدراسة.

أمّا الأوّل: أعني رؤية المكلّف، فيكفي في ثبوت الهلال بها لنفس الرائي قوله سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). «1»

فإنّ رؤية الهلال مع اجتماع سائر الشروط عبارة أُخرى عن شهود الشهر، مضافاً إلى الروايات الواردة التي نقتصر منها على صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: إنّه سئل عن الأهلة؟ فقال: «هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال، فصم. و إذا رأيته فافطر». «2»

و هل تكفي الرؤية بالعين المسلّحة أو لا؟ سيوافيك الكلام فيه.

و أمّا الثاني: أي ثبوت الهلال بالتواتر، فلأجل انّه حجّة قطعية إذا اجتمعت فيه شروطها التي بيّنها علماء الدراية.

و أمّا الثالث: أي الشياع المفيد للعلم، فقد علّله في المنتهى بأنّه نوع تواتر يفيد العلم، و مع ذلك فالشياع المفيد للعلم غير الخبر المتواتر.

و

قد تضافرت الروايات على حجّية الشياع المفيد للعلم، نذكر منها ما هو المهم في هذا الصدد.

أ: ما رواه عبد الحميد الأزدي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: أكون في الجبل في القرية، فيها خمسمائة من الناس، فقال: «إذا كان كذلك، فصم لصيامهم و أفطر

______________________________

(1) البقرة: 182.

(2) الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6. و هو متحد مع المروي برقم 7 و لاحظ أيضاً في ذلك الصدد، الحديث 3، 8، 9، 11، 13.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

لفطرهم». «1»

و إطلاقه يعم ما يفيد الظن أو العلم.

ب: خبر زياد بن منذر العبدي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السَّلام يقول: «صم حين يصوم الناس و أفطر حين يفطر الناس، فانّ اللّه عزّ و جلّ جعل الأهلّة مواقيت». 2

و إطلاقه مثل ما سبق.

ج: موثقة سماعة انّه سأل أبا عبد الله عليه السَّلام عن اليوم في شهر رمضان، يختلف فيه؟ قال: «إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل مصر خمسمائة إنسان». 3

و لعلّ ورود الحديث في شرطية إفادة العلم أقوى من إطلاقها حيث يقيد الجماعة بالعدد المزبور.

و على كلّ تقدير لا يمكن الأخذ بإطلاقها لما في غير واحد من الروايات انّ شهر رمضان ليس بالرأي و لا بالتظنّي.

ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا، و ليس بالرأي و لا بالتظنّي و لكن بالرؤية». 4

و صحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: قلت له كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا

بالتظنّي». 5

و بالإمعان في هذه الروايات يعلم الفرق بين التواتر و الشياع، فالتواتر عبارة عن

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3، 4، 6.

(2) 4 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(3) 5 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 64

[الخامس: البيّنة الشرعيّة]

الخامس: البيّنة الشرعيّة و هي خبر عدلين، سواء شهدا عند الحاكم و قبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده، أو شهدا و ردّ شهادتهما، فكلّ من شهد عنده عدلان يجوز بل يجب عليه ترتيب الأثر من الصوم أو الإفطار، و لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو من خارجه و بين وجود العلّة في السماء و عدمها. (1)

______________________________

إخبار جماعة عن الرؤية يمتنع تواطؤهم على الكذب، و أمّا الشياع فهو ذياع خبر الرؤية بين الناس دون تكذيب.

ففي موثقة عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «صم للرؤية، و أفطر للرؤية، و ليس رؤية الهلال أن يجي ء الرجل و الرجلان فيقولا رأينا، إنّما الرؤية أن يقول القائل: رأيت فيقول القوم: صدق». «1»

و أمّا الرابع: أي مضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان؛ فيدل عليه مضافاً إلى أنّ الشهر لا يكون أزيد من ثلاثين صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم». «2»

هذه هي الطرق العلمية

التي لا تحتاج إلى بسط الكلام فيها، إنّما الكلام في غير تلك الطرق.

(1) في حجّية البيّنة

الطريق الخامس لثبوت الهلال هو قيام البيّنة على رؤيته، و قد اختلفت

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 14.

(2) الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1؛ و لاحظ الباب 8، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

الأقوال في حجيتها على التفصيل الآتي:

أ: المشهور هو حجّيّتها مطلقاً، سواء أ كانت السماء صافية أم لا، و سواء أ كانت من البلد أم من خارجه. و هذا قول ابن الجنيد، و المفيد، و المرتضى، و ابن إدريس، و المحقّق في «الشرائع»، و نسبه في الجواهر إلى المشهور. «1»

ب: لا تقبل مطلقاً. نقله المحقّق في «الشرائع» و اعترف في الجواهر بأنّه لم يعرف القائل به.

ج: يثبت بالشاهد الواحد في أوّله. و هو خيرة سلّار في مراسمه. «2»

د: ما اختاره الشيخ و من تبعه، و هو انّه إذا كانت السماء صافية و طُلب فلم يُر، فالحجة هو شهادة خمسين من خارج البلد دون البيّنة، و إن كان في السماء غيم أو غبار فيثبت بشهادة خمسين من أهل البلد و عدلين من خارجه.

و على ذلك فالشيخ اعتبر قول العدلين في صورتين:

الصورة الأُولى: إذا كانت السماء صافية و لم يُستهلّ فالبيّنة حجّة بلا ريب. نعم لو استهل و السماء صافية فلم يره إلّا اثنان فليست بحجّة.

الصورة الثانية: إذا لم تكن السماء صافية، فشهادة عدلين من خارج البلد حجّة.

و على كلّ حال فقد مال صاحب الحدائق إلى قول الشيخ، و قال: إنّ محل البحث ليست في حجّية البيّنة، و إنّما الكلام فيما إذا كانت السماء خالية

من العلّة المانعة للرؤية و توجه الناس إلى رؤيته، فالمشهور على حجّية قولهما و الشيخ على عدم حجّيته. «3»

و أمّا أهل السنّة فهم يفرّقون بين ثبوت هلال رمضان و هلال شوال.

______________________________

(1) الجواهر: 16/ 355.

(2) المراسم: 96.

(3) الحدائق: 13/ 256.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

قال الخرقي في متن المغني: و إن كان عدلًا صُوِّم الناس بقوله.

و قال ابن قدامة في شرحه: المشهور عن أحمد انّه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل، و يلزم الناس الصيام بقوله. و هو قول عمر و علي و ابن عمر و ابن مالك و الشافعي في الصحيح عنه. و روي عن أحمد انّه قال: [قول] اثنين أعجب إليّ.

قال أبو بكر (يريد الخلّال): إذا رآه واحد وحده ثمّ قدم المصر صام الناس بقوله، و إن كان الواحد في جماعة الناس فذكر انّه رآه دونهم، لم يقبل إلّا قول اثنين، لأنّهم يعاينون ما عاين.

و قال أبو حنيفة في الغيم كقولنا: و في الصحو لا يقبل إلّا الاستفاضة، لأنّه لا يجوز أن تنظر الجماعة إلى مطلع الهلال و أبصارهم صحيحة و الموانع مرتفعة فيراه واحد دون الباقين. «1»

هذه هي الأقوال.

حجّة القول المشهور

استفاضت الروايات على حجّية قول العدلين في ثبوت الهلال مطلقاً، و هي تناهز حد التضافر، و قد نقل قسماً منها الشيخ الحر العاملي في الباب الحادي عشر، و أحال قسماً منها إلى أبواب أُخرى تقدّم في الكتاب أو يأتي، و لو انضم إلى الروايات الخاصة بحجيّة البيّنة في ثبوت الهلال، ما دل على حجّيتها على وجه الإطلاق هلالًا كان أو غيره لبلغ الدليل إلى حدّ التواتر.

و الروايات الواردة في خصوص الهلال على أصناف ثلاثة:

الأوّل: ما ورد لغاية ردّ شهادة

النساء أو شهادة الواحد من الرجال أو غير

______________________________

(1) المغني: 3/ 9392.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

العدلين منهم، و ليس ناظراً إلى إضفاء الحجّية على البيّنة، و كأنّه يُسلّم انّ البيّنة حجّة، و يركّز الكلام على سلب الحجّية عن غيرها.

و بذلك لا يمكن التمسك بإطلاق هذا الصنف، لأنّها ليست بصدد إضفاء الحجّية عليها حتى يؤخذ بإطلاقه و تكون حجّة في الغيم و الصحو.

الثاني: ما ورد لأجل إضفاء الحجّية على البيّنة و انّها حجّة مطلقاً، فيمكن التمسّك بإطلاقه في الموارد المذكورة.

الثالث: ما ورد لبيان انّ البيّنة التي تشهد القرائن على خطئها لا تكون حجّة.

و بعبارة أُخرى أنّها ليست بصدد بيان سلب الحجّية عن البيّنة، و إنّما هي بصدد بيان انّ القرائن إذا شهدت على خطأ العدلين في شهادتهما (و إن كانا صادقين في أنفسهما) لا يُؤخذ بها، كما إذا كانت السماء صاحية و استهل جمّ غفير فلم ير أحد إلّا الرجلين، فلا يُعتدّ بهما و إن كانا صادقين في ادّعائهما، لأنّه من البعيد بمكان أن يراه اثنان و لا يراه مائة.

هذه هي خلاصة تلك الأقسام، و إليك نقلها حتى يتضح مدى صحّة هذا التقسيم.

الصنف الأوّل: ما هو بصدد سلب الحجّية عن شهادة النساء

1. روى الكليني بسند صحيح عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: أنّ علياً كان يقول: «لا أُجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين». «1»

2. و روى أيضاً بسند صحيح عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز إلّا شهادة رجلين

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث

1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 68

..........

______________________________

عدلين».

3. ما رواه «1» الحلبي أيضاً عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «قال علي عليه السَّلام: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين». 2

4. روى الشيخ بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه أنّ علياً كان يقول: «لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين». 3

5. ما رواه شعيب بن يعقوب، عن جعفر، عن أبيه أنّ علياً، قال: «لا أُجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين». 4

6. روى داود بن الحصين، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث طويل قال: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلّا شهادة رجلين عدلين، و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة». 5 و سيوافيك توضيح هذا الحديث عن قريب.

هذه الروايات الست التي استدل بها على حجّية البيّنة في ثبوت الهلال لا يخلو من إشكال، لأنّ الجميع بصدد ردّ شهادة النساء أو شهادة الواحد، بشهادة حديث حمّاد و غيره، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين».

و على ذلك فلا يصحّ الاعتماد على إطلاق هذه الروايات، لأنّها ليست بصدد إعطاء الحجّية للبيّنة الذي نحن نرتئيه.

الصنف الثاني: ما هو بصدد إعطاء الحجية للبيّنة في مورد ثبوت الهلال، و هو كالتالي:

______________________________

(1) 1، 2، 3 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3، 7، 8.

(2) 4 و 5 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 9 و 15.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

1. كصحيحة منصور بن حازم

(إذا كان الحسن الوارد في السند هو الحسن بن محبوب، و أمّا لو كان المراد الحسن بن فضّال فالرواية موثّقة) عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه». «1»

2. و ما رواه حمّاد، عن شعيب (و المراد شعيب أبو يعقوب العقرقوفي الذي وثّقه النجاشي)، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان؟ فقال: «لا يقضه إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة، متى كان رأس الشهر». 2

3. صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه بيّنة عدل من المسلمين». 3

و مقتضى إطلاق هذه الروايات حجّية البيّنة في جميع الأحوال، مضافاً إلى ما رواه المفيد في مقنعته، 4 و ابن عيسى في نوادره. 5

و هذا المقدار من الروايات حجة قاطعة على حجّية البيّنة، مضافاً إلى ما ورد في حجّية البيّنة على وجه الإطلاق.

الصنف الثالث: ما يدلّ على أنّ البيّنة إذا شهدت القرائن على خطئها ليست بحجّة.

و بعبارة أُخرى: انّ البيّنة حجّة لإفادتها الوثوق، فإذا كانت هناك قرائن تدلّ على خلاف ما تدّعيه البيّنة فلا يؤخذ بها.

______________________________

(1) و 2 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4، 5.

(2) 3 و 4 و 5 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6، 16، 17.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

و إليك بيانه:

1. ما رواه الشيخ، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حبيب الخزاعي، قال: قال أبو

عبد الله عليه السَّلام: «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلًا عدد القسامة.

و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة، فأخبرا انّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية». «1»

و الاحتجاج بالحديث فرع صحّة السند، و هو ليس كذلك، لا لأجل وقوع إسماعيل بن مرّار في السند، لأنّه ثقة بشهادة انّه لم يستثنه ابن الوليد ممّن يروي الكتب الروائية ليونس، قال ابن الوليد: كتب يونس التي هي بالروايات كلّها صحيحة معتمد عليها إلّا ما ينفرد به محمد بن عيسى العبيد. بل لأجل حبيب الخزاعي (أو الجماعي أو القناعي) كما في التهذيب فانّه لم يوثق.

و أمّا حبيب الخثعمي فهو ثقة، لكن الوارد في التهذيب هو أحد الأوصاف الثلاثة الماضية لا «الخثعمي»، و لم يعلم من أين جاء وصف الخثعمي في نسخة الوسائل.

هذا حال السند، و أمّا الرواية فالفقرة الأُولى ناظرة إلى ما إذا كانت السماء صافية، و تدلّ على عدم جواز الأخذ بالبيّنة، لا لقصور في حجّيتها، بل لأجل انّه إذا كانت السماء صافية و استهلّ الناس يراه أكثرهم و لا تختص الرؤية بالعدلين، و هذا يدل على خطئهما و لذلك شرط الإمام عدد القسامة.

و أمّا الفقرة الثانية، فهي ناظرة فيما إذا كانت في السماء علّة، فقال بحجّية البيّنة

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

بشرط أن يكونا من خارج البلد، لأنّ السماء إذا كان فيها غيم و استهل الناس، كيف يصحّ أن يراه اثنان و لا يراه الجميع؟!

و أمّا العدلان الواردان من خارج المصر فيؤخذ بقولهما، لاحتمال انّ السماء كانت هناك

صافية فتمكّنا من رؤيته، و لذلك ينقلان رؤية الآخرين أيضاً في المكان الذي كانا فيه، و على هذا البيان فالبيّنة حجّة إذا لم تقترن بقرائن تشهد على خطئها.

نعم إذا كانت السماء صافية و لم يستهل الناس إلّا العدلان أو ثلاثة، فرآه العدلان، فقولهما حجّة، إذ ليس هناك ما يدل على خطئهما، أو كانت السماء غيماً و لم يستهل إلّا قليل، فرآه عدلان، فتكون حجّة.

و بهذا البيان تقف على مضمون الأحاديث الأُخرى الواردة في هذا المضمار.

2. ما رواه علي بن مهزيار، عن الحسن، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «الصوم للرؤية، و الفطر للرؤية، و ليست الرؤية أن يراه واحد و لا اثنان و لا خمسون». «1»

أمّا السند فالمراد من الحسن هو حسن بن فضّال، و على احتمال الحسن بن محبوب.

و أمّا القاسم بن عروة، قال النجاشي: بغدادي و بها مات. و لكن المفيد وثّقه في كتاب المسائل الصاغانية. و ذكره الكشي و قال: إنّه روى عنه الفضل. و ذكره ابن داود في القسم الممدوح من كتابه، و هو من مشايخ ابن أبي عمير و البزنطي، و له أكثر من مائة و خمس و عشرين رواية، و هذا المقدار من القرائن يورث الاعتماد عليه.

و أمّا أبو العباس، فالمراد الفضل بن عبد الملك المعروف بالبقباق الثقة.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 72

..........

______________________________

و أمّا الدلالة، فالظاهر انّ الرواية ناظرة إلى ما إذا كانت السماء صافية، فنفى حجّية قول واحد و اثنين حتى الخمسين مع أنّ الرواية السابقة نصّت على حجّية الأخير، و ذلك لأنّ القرائن تشهد على

خطئهم، كما إذا استهلّت أُمة كبيرة و جمّ غفير يعد بالآلاف فلم ير إلّا خمسون.

و يحتمل أن يكون عدد الخمسين من باب المثال، و المراد انّه لا يعتد بقول القليل في مقابل الكثير الذين كانوا مثلهم في حدّة البصر.

3. صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، و إذا رأيتموه فأفطروا، و ليس بالرأي و لا بالتظنّي و لكن بالرؤية.

و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد: هو ذا هو، و ينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف.

و إذا كان علّة فأتم شعبان ثلاثين».

و زاد حماد فيه: و ليس أن يقول رجل: هو ذا هو، لا أعلم إلّا قال: و لا خمسون. «1»

الفقرة الأُولى من الحديث توضح الغاية منه و انّها بصدد نفى حجّية الرأي و التظنّي المبنيّين على التخيّل، و لذلك قال: و لكن بالرؤية.

ثمّ إنّ الفقرة الثانية تشير إلى أنّه إذا كانت السماء صافية، فلا يصحّ الاعتماد على قول واحد بين العشرة، إذ لو رآه، لرآه عشرة أيضاً، فمثل هذا لا يكون دليلًا على عدم حجّية البيّنة، بل دليل على عدم الاعتماد عليها إذا اقترن بما يسلب الوثوق بصدقها واقعاً.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11. و قد سقط في السند لفظة «أبي» عن أيوب و لكن نقل الحديث في الباب الثالث من هذه الأبواب بلفظة «أبي أيوب» لاحظ الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

و الفقرة الثالثة ناظرة إلى ما إذا كانت السماء غيماً فيعتمد على الطريق القطعي، أعني: عدَّ ثلاثين ليلة من أوّل شعبان.

4. ما رواه إبراهيم بن عثمان الخزاز، عن أبي عبد

الله عليه السَّلام أنّه قال: «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تُؤدوا بالتظنّي.

و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة، فيقول واحد: قد رأيته و يقول الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف.

و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقل من شهادة خمسين.

و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر». «1»

و في السند العباس بن موسى، و المراد أبو الفضل الوراق الثقة، و هو من أصحاب يونس.

و أمّا إبراهيم بن عثمان الخزاز، فهو أيضاً ثقة.

و بيان الفقرة الأُولى و الثانية نظير البيان المتقدّم في الحديث السابق فلا نعيد.

و أمّا الفقرة الثالثة، فهي ناظرة إلى ما إذا كانت السماء صافية، فاعتمد على شهادة خمسين دون البيّنة، لشهادة القرائن على خطئها إذا رأياه دون ثمانية و أربعين رجلًا.

و أمّا الفقرة الرابعة، فهي ناظرة إلى ما إذا كانت السماء غيماً، و إنّما شرط أن يكون من خارج البلد، و ذلك لاحتمال أن تكون السماء هناك صافية، و إلّا فلو كانت السماء غيماً أيضاً فأي فرق بين الرجلين في البلد و الرجلين في خارجه.

هذه الروايات هي التي استدلّ بها الشيخ الطوسي و تبعه المحدّث البحراني على

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 74

نعم يشترط توافقهما في الأوصاف، فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها. نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما و أطلق الآخر كفى، و لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في اللّيل، و لا يثبت بشهادة النساء و لا بعدل واحد و لو

مع ضمّ اليمين. (1)

______________________________

عدم حجّية البيّنة في تلك الموارد، و قد عرفت مورد الحجّية عن غيره، ففي السماء الصافية إذا استهلا و لم يستهل آخرون، و هكذا في السماء غير الصافية إذا استهلا و لم يستهل الآخرون، يكون قولهما حجّة بلا إشكال.

و ممّا يوضح انّ المراد هو عدم الاعتماد في هلال شهر رمضان و شوال على التظنّي و الرأي و القرائن الضعيفة، ما ورد في الباب الثالث من أبواب شهر رمضان من الأحاديث. «1»

ثمّ إنّه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم و الفطر، حكم الحاكم، بل لو رآه عدلان و لم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما و عرف عدالتهما الصوم و الفطر، كما هو مقتضى صحيحة منصور بن حازم، «2» و صحيحة الحلبي، «3» الماضيين.

(1) الفروع المذكورة في المقام لا تتجاوز عن ثلاثة:

الأوّل: يشترط التوافق في الأوصاف، فلا يعتبر إذا اختلفا.

الثاني: لا يعتبر اتحادهما في زمان الرؤية إذا توافقا على الرؤية في الليل.

الثالث: لا يعتبر شهادة النساء و لا العدل الواحد و لو بضمّ يمين. و إليك

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 11، 12، 14.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 17.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

البحث في كلّ واحد.

الأوّل: اشتراط التوافق في الأوصاف

إذا شهد الشاهدان على رؤية الهلال، فله صور أربع:

الصورة الأُولى: أن يشهدا على الرؤية بلا وصف.

الصورة الثانية: أن يشهدا على الرؤية بوصف متوافق.

الصورة الثالثة: أن يشهد أحدهما على الرؤية بلا وصف و الآخر عليها مع الوصف.

الصورة الرابعة: أن يشهدا على الرؤية بوصفين متخالفين.

لا إشكال

في حجّية البيّنة في الصور الثلاث الأُولى، لأنّ الشاهدين يشهدان على أمر واحد، غاية الأمر يصف أحدهما في الصورة الثالثة و لا يصف الآخر.

إنّما الكلام في الصورة الرابعة أي إذا شهدا بوصفين متخالفين، فقد ذهب صاحب الجواهر إلى عدم الاعتبار، و قال: لو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة و الانحراف و نحو ذلك ممّا يقتضي اختلاف المشهود عليه، بطلت شهادتهما. «1»

و حاصله انّهما لا يشهدان على أمر واحد و انّ الاختلاف في الأوصاف يمنع من الحكاية عن خارج واحد.

و قد فصل السيد الحكيم بينما إذا كان الاخبار عن الهلال مع الوصف بصورة وحدة المطلوب أو بصورة تعدد المطلوب، مثلًا إذا شهد أحدهما برؤية الهلال المحدب

______________________________

(1) جواهر الكلام: 16/ 358.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

نحو الأرض و الآخر برؤية الهلال المحدب إلى السماء. «1» فالمدلول الالتزامي للخبر الأوّل عدم الهلال المحدب إلى السماء، و المدلول الالتزامي للخبر الثاني عدم الهلال المحدب نحو الأرض، و كما أنّ القدر المشترك بين المدلولين المطابقيين للخبرين هو نفس وجود الهلال، كذلك القدر المشترك بين المدلولين الالتزاميين لهما هو عدم الهلال، فالأخذ بأحد المدلولين دون الآخر ترجيح بلا مرجّح، و معنى كون خبر كلّ منهما عن الموصوف بنحو وحدة المطلوب هو الإصرار برؤية الهلال المقيد على وجه لا يرضى بانفكاك الوصف عن الموصوف، على وجه لو تبيّن له الخطأ بالشهادة بالوصف، عدل عن الشهادة بذات الموصوف، و هذا بخلاف ما إذا كان بنحو تعدد وحدة المطلوب، إذ ليس الجامع بين المدلولين الالتزاميين لهما عدم الهلال لعدم إصرار كلّ على نفي الموصوف عند نفي الصفة. و علامة ذلك انّه لو تبيّن للشاهد الخطأ في الشهادة بالوصف بقي

مصراً على الشهادة بذات الموصوف. «2»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من التقسيم أمر ذهني لا واقع له في الخارج إلّا القسم الثاني، لأنّ الخطأ في الوصف أمر غير عزيز إذ قلّما يتّفق أن يشهد إنسان على الموصوف على وجه لو خطّأ الآخرون شهادته على الوصف دون الموصوف لعدل عن الشهادة بالأصل، خصوصاً في مثل الهلال الذي إذا رآه المستهل لحظة أو لحظتين ربما ينصرف إلى أمر آخر أو يغيب الهلال تحت السحاب، ففي هذا المورد و نظائره لا يستبعد الإنسان الخطأ في الوصف.

و على ذلك فهما يشهدان على أصل الرؤية، و لا يرجع اختلافهما في الوصف إلى نفي كلّ منهما، رؤية الهلال من رأس، لما عرفت من كون المورد من قبيل تعدّد المطلوب،

______________________________

(1) و في النسخة إلى الشمال، و لعلّ الصحيح ما أثبتناه.

(2) المستمسك: 8/ 456 بتصرف.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

فهما متّفقان في الأصل، مختلفان في الوصف.

نعم ينفي كلّ، وصف الآخر لا أصل الرؤية، بخلاف ما إذا كان بنحو وحدة المطلوب.

و هناك تفصيل آخر للسيد الخوئي، و حاصله: الفرق بين الاختلاف في الأوصاف المقارنة، ككون الهلال فوق السحاب أو تحته، محفوفاً به أو غير محفوف به، ففي هذه الموارد يُؤخذ بقول الشاهدين، لأنّ الاختلاف في الأوصاف المقارنة لا ينتهي إلى الاختلاف في المشهود به، بخلاف الأوصاف المخصِّصة، كما إذا شهد أحدهما بكون الهلال مطوَّقاً و الآخر على خلافه، أو تحدّبه إلى الأرض أو إلى السماء، ففي هذا المورد يخبر أحدهما عن فرد، و يخبر الآخر عن فرد آخر فبطبيعة الحال يقع التكاذب حينئذ بين الشهادتين، لأنّ ما يُثبته هذا، ينفيه الآخر و هكذا العكس، إذ لا يمكن أن يكون الهلال في

آن واحد على خصوصيتين متضادتين. «1»

يلاحظ عليه: أنّه لا فرق بين المقارن و القيد المفرِّد، إذ لو كان الأوّل بصورة وحدة المطلوب يكون مرجعه إلى القيد المفرِّد و انّ كلًا منها يكذب بالدلالة الالتزامية الهلالَ بالوصف المغاير. مثلًا إذا شهد برؤية الهلال فوق السحاب على وجه لو خطّئوه في الوصف لعدل عن الشهادة بأصل الهلال، و هكذا الآخر فيكون القدر المشترك بين المدلولين الالتزاميين هو عدم الهلال، فانّ الهلال إمّا مطوَّق أو غير مطوَّق، فأحدهما ينفي بالدلالة الالتزامية الهلال المطوق و الآخر العكسَ، فالقدر المشترك بين الدلالتين عدم الهلال.

و حصيلة الكلام: انّه لو أخذ الوصف المقارن قيداً للمرئي لا ظرفاً له يكون

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 74.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

حكمه حكم القيد المشخِّص فيبطل التفصيل و يبقى التفصيل المتقدم للسيّد الحكيم قدّس سرَّه، و قد عرفت أنّ ما هو الواقع لا يتجاوز عن تعدّد المطلوب، و عليه يكون المفهوم من حجية البيّنة هو الأخذ بالقدر المشترك بينها و إلغاء الوصف، و هذا أمر شائع في البيّنة حيث يُؤخذ ببعض مدلولاتها و يترك البعض الآخر.

الثاني: لا تشترط وحدة زمان الرؤية

لا تشترط وحدة زمان الرؤية مع التوافق على الرؤية في الليل، بمعنى انّه إذا شهد أحدهما على أنّه رأى بعد مضيِّ خمس دقائق من غروب الشمس و الآخر على أنّه رأى بعد مضي عشرين دقيقة، فلا مانع من الأخذ بهما لعدم التضاد.

أو ادَّعى أحدهما انّه رأى قبل الغروب بخمس دقائق، و الآخر برؤيته بعد الغروب بدقائق خمس، فيؤخذ بقولهما لكون الهلال في كلتا الصورتين متعلّقاً بليلة واحدة و إن كانت إحدى الرؤيتين قبل الليل بخمس دقائق، و هذا هو المراد من قوله

مع توافقهما على الرؤية في الليل.

نعم لو ادّعى أحدهما انّه رأى الهلال ليلة السبت و الآخر انّه رأى الهلال يوم الأحد، فلا يثبت بقولهما كون الأحد أوّل الشهر و لا كون الأحد من شهر رمضان إذا لم يكن هناك دليل آخر على كونه من رمضان.

أمّا الأوّل فلعدم قيام البيّنة على كون الأحد هو الليلة الأُولى، بل شهد أحدهما عليها و الآخر على العكس.

و أمّا عدم ثبوت كون الأحد من رمضان، فلأجل عدم قيام البيّنة على هذا القدر المشترك، و ذلك لأنّ كونه من رمضان و إن كان مدلولًا التزامياً لشهادة الشاهد الأوّل الذي شهد على رؤية الهلال ليلة السبت، و لكن بما انّا لم نأخذ بالدلالة المطابقية لكلامه

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

فلا تكون الالتزامية التابعة لها، حجة.

و أمّا الشاهد الثاني فهو و إن شهد على كون الأحد من رمضان، لكنّه شاهد واحد لا يثبت به الموضوع.

الثالث: في شهادة النساء و العدل الواحد

لا يثبت الهلال بشهادة النساء منفردات و منضمات إلى الرجال إجماعاً بقسميه، كما ادّعاه في الجواهر. «1»

قد اشتهر انّه لا تثبت موضوعات ستة إلّا بشهادة شاهدين، و هي:

1. الطلاق، 2. الخلع، 3. الوكالة، 4. الوصاية، 5. النسب، 6. رؤية الهلال.

و قد جاء في معتبرة السكوني عن الإمام علي عليه السَّلام أنّه كان يقول: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا حدود، إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه». «2»

و الهلال ليس داخلًا في المستثنى، مضافاً إلى الأحاديث المتضافرة في هذا المقام. «3»

و أمّا رواية داود بن الحصين، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث طويل: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر،

إلّا شهادة رجلين عدلين، و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة». فربّما «4» تستظهر منه حجّية قول المرأة في أوّل رمضان دون آخره، فيصام بقولها و لا يفطر به.

______________________________

(1) الجواهر: 16/ 363.

(2) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 42.

(3) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 2، 3، 7 و غيرها.

(4) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 15.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

لكن الاحتجاج به ضعيف، لأنّه خبر واحد لا يقاوم المتضافر من الروايات الدالّة على عدم جواز شهادة النساء في الهلال.

مضافاً إلى أنّ التفكيك بين الصوم و الإفطار بقبول شهادتها في الأوّل دون الثاني آية الاحتياط، إذ لا محذور في أن يصوم الإنسان لأجل شهادة المرأة رجاءً و استظهاراً، و هذا بخلاف الثاني، لأنّ الإفطار اعتماداً على شهادتها مع احتمال كون اليوم من شهر رمضان على خلاف الاحتياط.

و يؤيد ما ذكرنا قوله: «لا بأس» الدال على المحبوبية لا الإلزام، و إلّا كان عليه أن يقول: تجوز شهادة المرأة الواحدة.

و أمّا العدل الواحد فلا يثبت به على الأصح، كما في الشرائع، و المخالف هو سلّار الديلمي في «مراسمه». «1» فاجتزأ في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم دون حلول الأجل، و استدلّ على قوله بصحيح محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين». «2»

و قد أُجيب تارة بضعف السند و أُخرى بضعف الدلالة.

أمّا الأوّل فلاحتمال انّ المراد من محمد بن قيس غير البجلي.

يلاحظ عليه: أنّ الراوي عنه يوسف بن عقيل، و هو

راوية كتاب محمد بن قيس. و يصفه النجاشي بقوله: كوفي، ثقة، قليل الحديث، يقول القمّيّون: إنّ له كتاباً و عندي انّ الكتاب لمحمد بن قيس.

أمّا الثاني: فانّ الشيخ و إن رواه في التهذيب «شهد عليه عدل». «3»

______________________________

(1) المراسم: 96.

(2) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6، و في الوسائل: «بينة عدل».

(3) التهذيب: 4/ 242، باب علامة شهر رمضان، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 81

[السادس: حكم الحاكم]
اشارة

السادس: حكم الحاكم (1)

______________________________

و لكنّه رواه في الاستبصار نحو «أو تشهد عليه بيّنة عدول». «1» و عليه نسخة الوسائل. و في رواية زيد الشحام: «إلّا أن يشهد بيّنة عدول». «2»

و بذلك لا يمكن الاعتماد على مثل الحديث، على أنّه يمكن أن يقال انّ المراد من العدل هو الأعم من الواحد و الكثير، و قد نقل العلّامة في المختلف عن أهل اللغة بأنّه يطلق على الواحد و الكثير. «3»

على أنّ تضافر الروايات على شهادة عدلين حجّة بلا إشكال، و هو الأكثر عدداً و أشهر عند الأصحاب.

و منه يظهر عدم ثبوتها بشاهد واحد مع ضم اليمين، لأنّه لا يثبت باليمين إلّا الدعاوي المالية كما هو محقّق في محلّه. «4»

(1) ثبوت الهلال بحكم الحاكم

هل يثبت الهلال بحكم الحاكم إذا استند إلى مستند صحيح كالبيّنة أو التواتر أو الشياع المفيد للعلم و الرؤية أو لا؟ فيه خلاف.

قال في الحدائق: ظاهر الأصحاب هو الحجّية، بل زاد بعضهم الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي، و يظهر من بعض أفاضل متأخري المتأخرين العدم، و انّه لا بدّ للمفطر من سماعه من الشاهدين، و انّه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي

______________________________

(1) الاستبصار: 2/ 64، الحديث 9.

(2) الوسائل:

7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(3) مختلف الشيعة: 3/ 491.

(4) لاحظ كتابنا: القضاء و الشهادة: 1/ 526.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

هنا، بل إن حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك و إلّا فلا. «1»

و مال هو أيضاً إلى القول بعدم الحجّية، و قوّاه النراقي في مستنده «2»، و إليك البيان. لا شكّ انّ قول الحاكم حجّة في الأحكام الشرعية، كما هو حجّة في القضاء في الخصومات، و مثلهما الحقوق الإلهية، إلى غير ذلك من الموارد التي اتّفق المشهور على حجّية قول الحاكم فيها على اختلافهم في سعة ولايته كالإمام المعصوم أو ضيقها.

إنّما الكلام في حجّية قوله في الموضوعات، فهل يثبت به أو لا؟ مثلًا لو ثبت عند الحاكم بالبيّنة نجاسة الماء أو حرمة اللحم، أو غصبية الماء، أو دخول الوقت في زمان معين و لم يثبت عند المكلّف لعدم سماعه البيّنة، فهل يجب على العامي الأخذ بحكم الحاكم بنجاسة الماء و حرمة اللحم و غصبية الماء و دخول الوقت أو لا؟ الظاهر عدم الحجّية في مطلق الموضوعات لعدم الدليل عليها، و أمّا ثبوت الهلال بخصوصه من بين الموضوعات ففيه قولان:

الأوّل: عدم الحجّية، و هو الذي استند إليه بعض المتأخرين، و قال: إنّ الأدلّة الدالّة على الفطر أو الصيام من الأخبار، أمّا رؤية المكلّف نفسه أو ثبوتها بالتواتر أو بالشياع المفيد للعلم أو السماع من رجلين عدلين أو مضي ثلاثين يوماً من شعبان أو من رمضان.

و أمّا ثبوته بأمر سادس و هو حكم الحاكم، فلم نجد له ما يعتمد عليه و يركن إليه.

و عليه اعتمد و ركن المحقّق النراقي في ترجيح عدم الحجّية، و قال:

______________________________

(1) الحدائق: 13/

258.

(2) مستند الشيعة: 10/ 420.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

و الأخبار المعلّقة للصوم و الفطر على الرؤية أو مضي الثلاثين، و الناهية عن اتّباع الشك و الظن في أمر الهلال، و قول الحاكم لا يفيد أزيد من الظن. «1»

يلاحظ عليه: أنّه يحتمل أن يكون عدم ذكر الإمام عليه السَّلام حكم الحاكم، لأجل أنّ المخاطبين بهذه الروايات هم الشيعة الذين كانوا متفرقين في البلاد، و لم يكن لهم آنذاك في بلدانهم حاكم شيعي يُرجع إليه في هذا الأمر و نحوه، و لذلك اكتفى بالأُمور المذكورة، و إلّا فلو كان الأمر بغير هذه الصورة ربما ذكره. و بذلك لا يكون عدم الذكر دليلًا قطعياً على عدم حجّية حكم الحاكم.

الثاني: الحجية، فالواجب دراسة أدلّة القائلين بحجّية قول الحاكم في الموضوعات في خصوص الهلال.

استدل على هذا القول بوجوه:

الأوّل: مقبولة عمر بن حنظلة

قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أ يحل ذلك؟ قال: «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الطاغوت» إلى أن قال: قلت: فكيف يصنعان؟ قال: «ينظران من كان منكم ممّن روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فانّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخف بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرادّ علينا، الرادّ على اللّه». «2»

______________________________

(1) مستند الشيعة: 10/ 420.

(2) الوسائل: الجزء 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

وجه الاستدلال: انّ مقتضى إطلاق التنزيل، ترتيب جميع وظائف القضاة و الحكام على المنوب

من جانبهم، فالحاكم الشيعي يقوم مقام الحاكم الآخر في كلّ ما كانوا يمارسونه و يتولّونه، و منه مسألة الهلال، إذ لم يكن بناء المسلمين، الاكتفاء بالطرق الأربعة: الرؤية و البيّنة و التواتر و الشياع العلمي، بل كانوا يرجعون إلى ولاة الأمر من الحكام و القضاة، فإذا حكموا، أفطروا أو صاموا.

أقول: الاستدلال يتوقف على تمامية السند و الدلالة.

أمّا السند فرجاله كلّهم ثقات، غير الراوي الأخير أي عمر بن حنظلة، فانّه لم يرد في حقّه، أيّ توثيق في كلمات الرجاليين، لكن يمكن الاعتماد عليه لأجل رواية الأجلّاء عنه كزرارة، و صفوان بن يحيى، و عبد اللّه بن مسكان، و عبد اللّه بن بكير، و له أكثر من 70 رواية، و قد حاول الشهيد الثاني إثبات وثاقته بوجوه غير تامّة في نفسها، «1» لكن المجموع مضافاً إلى رواية الأجلّاء كاف في الاعتماد عليه.

نفترض انّه لم تثبت وثاقته، لكن هذه الرواية من بين رواياته مما تلقّاها الأصحاب بالقبول، و لذلك سمّيت مقبولة، و رواها أصحاب الجوامع الأربعة مضافاً إلى أنّ فقراتها تشبه كلمات الأئمة و يعضدها بعض الروايات الواردة في كتاب القضاء و غيره، و قد قلنا في محلّه: إنّ الحجّة هو الخبر الموثوق به، لا الرواية الصحيحة التي تدور على كون الراوي ثقة، فالمناقشة في سند الراوية غير صحيح.

أمّا الدلالة فالمهم هو ثبوت إطلاق التنزيل حيث نزله الإمام منزلة الحاكم الذي كان الناس يفزعون إليه، و من الأُمور التي كان الحكام يوم ذاك يمارسونها، هو مسألة الهلال خصوصاً في شهر رمضان و شوال، فمقتضى عمومها هو جواز حكم الحاكم في الهلال، غرار ثبوته بحكم الحاكم الآخر.

______________________________

(1) معجم الرجال: 13/ 27، برقم 7820.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

85

..........

______________________________

و أورد على عموم التنزيل بوجهين:

1. انّ النصب في الرواية خاص بمورد التنازع و الترافع المذكور في صدر الحديث، فكلّ أمر وقع مورد التخاصم، فالمرجع فيه هو الحاكم الشرعي حتى الهلال بشرط أن يقع مورده، كما إذا اختلفا المستأجر و الموجر في انقضاء الشهر برؤية الهلال و عدمه و ترافعا إليه، و حكم الحاكم بالهلال، فيكون حكمه حجّة بملاك وجود الترافع فيه، و أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان مجرّد شك بين الناس، فحجية حكمه عندئذ خارج عن مصب الرواية. «1»

2. انّ الاستدلال مبني على أنّ القضاة كانوا يتولّون أمر الهلال و كان الناس يعملون على حكمهم فيه بلا ريب، و لكنّه غير واضح، فانّ مجرّد تصدّي قضاء العامّة لأمر الهلال خارجاً لا يكشف عن كونه من وظائف القضاء في الشريعة المقدسة حتى يدل نصب الفقيه قاضياً على كون حكمه نافذاً في الهلال، و لعلّهم ابتدعوا هذا المنصب لأنفسهم.

يلاحظ على الأوّل: أنّ من قرأ الرواية و أمعن فيها يقف على أنّ الإمام بصدد ردع الشيعة من الرجوع إلى أبواب الطواغيت، و ذلك بإيجاد حلول تغنيهم عن الرجوع إليهم، و ذلك بنصب الفقيه حاكماً يفزع إليه، و مثل ذلك يقتضي عموم المنزلة لا تخصيصها بالمرافعات و تركهم في غيرها حيارى و أمرهم فوضى لا يعرفون وظائفهم و لا يدرون إلى أين يرجعون. و ما ذكرناه و إن لم يكن أمراً قطعياً لكنّه يكفي في ردّ القطع بأنّها وردت حول الدعاوي و المرافعات فقط.

و وجود حلول أُخرى في خصوص مورد الهلال، من الرؤية و شهادة العدلين و التواتر و الشياع العلمي، لا يرفع الحيرة مع عدم التمكن من الرؤية فيما إذا كانت

______________________________

(1) مستند العروة:

2/ 87.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 86

..........

______________________________

السماء غيماً، و تعسّر تحصيل الشروط الثلاثة على أكثر الناس على أنّ القيد ورد في كلام الراوي دون الإمام كما هو واضح لمن راجعه.

يلاحظ على الثاني: بأنّ من سبر الروايات الواردة حول الهلال يقف على وجود السيرة في عصر أئمة أهل البيت عليهم السَّلام. روى الصدوق بسند صحيح عن عيسى بن أبي منصور انّه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السَّلام في اليوم الذي يشك فيه، فقال: «يا غلام اذهب فانظر أ صام السلطان أم لا؟» فذهب ثمّ عاد فقال: لا،، فدعا بالغداء فتغدّينا. «1»

و وروده مورد التقية على فرض الصحة لا يضرّ بالمقصود، إذ هو على أيّ تقدير كاشف عن أنّ الحكام كانوا يمارسون أمر الهلال. و احتمال انّه لم يكن من مناصب القضاة و الحكام و إنّما تبنّوه لأنفسهم كما ترى، لأنّ الناس بطبعهم يرجعون فيما يبتلي به العامة، إلى رؤسائهم و في الأُمور الدينية إلى زعمائهم في ذلك المجال.

الثاني: مشهورة أبي خديجة الأُولى

روى الشيخ باسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد الله عليه السَّلام إلى أصحابنا، فقال: «قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو تدارى في شي ء من الأخذ و العطاء، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلًا قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، و إيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر». «2»

و الاستدلال بالحديث يتوقف على صحة السند أوّلًا، و تمامية الدلالة ثانياً. أمّا

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 57 من أبواب ما يمسك

عنه الصائم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الجزء 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 87

..........

______________________________

الأوّل فالسند لا غبار عليه، و أمّا «أبو جهم» فهو أخو زرارة و اسمه بكير بن أعين من أصحاب الإمام الصادق عليه السَّلام و لمّا بلغه موته قال في حقّه: «أما و اللّه لقد أنزله اللّه بين رسول اللّه و أمير المؤمنين» و من أحفاده حسن بن الجهم. «1»

و قد أشكل على السند بوجهين:

1. انّ بين الحسين بن سعيد الأهوازي و أبي الجهم سقطاً، لأنّ الثاني توفّي في عصر الإمام الصادق عليه السَّلام الذي توفّي عام 148 ه، و لكن الأوّل ممن يروي عن الإمام الجواد (المتوفّى عام 220 ه) و الإمام الهادي (المتوفّى عام 254 ه)، فكيف يمكن أن يروي عن بكير بلا واسطة؟!

و لكن يمكن أن تستظهر الواسطة بفضل سائر الروايات التي روى فيها الحسين بن سعيد عن بكير بن أعين بواسطة أو وسائط.

فيروي عنه على النحو التالي:

أ: يروي عن محمد بن خالد، عن أبي الجهم. «2»

ب: حريز بن عبد اللّه، عن بكير. «3»

ج: ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن بكير. «4»

ج: حماد بن عيسى، عن حريز، عن عبد اللّه عن بكير. «5»

______________________________

(1) رجال الكشي: 181.

(2) التهذيب: الجزء 9، ص 4، باب الصيد و الذكاة، الحديث 9؛ و الجزء 5، ص 462، كتاب الحج، الحديث 258.

(3) التهذيب: 2/ 255 برقم 1012.

(4) الاستبصار: 1/ 61 برقم 182.

(5) الاستبصار: 1/ 248 برقم 892 و يحتمل أن يكون لفظ «عن» مصحف «بن» فالمراد حريز بن عبد اللّه، كما يحتمل أن يكون المراد عبد اللّه بن بكير.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

88

..........

______________________________

د: صفوان، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبيه بكير بن أعين. «1»

ه: حماد بن عيسى، عن عمر بن أُذينة، عن بكير. «2»

و هؤلاء كلّهم ثقات.

و ربما يتخيّل انّ المكنّى بأبي الجهم غير بكير، و انّ المراد هو: ثوير بن أبي فاختة الذي هو من أصحاب الإمام السجاد و الباقر و الصادق عليهم السَّلام، و لكنّه ضعيف، إذ ليس لحسين بن سعيد أيّ رواية عنه. و إن احتمل المعلّق على التهذيب أن يكون هو المراد في بعض الموارد.

2. انّه «3» اختلفت كلمات الرجاليين في حقّ أبي خديجة الذي اسمه سالم بن مُكرَم (بالفتح) الذي وثّقه النجاشي و الكشي. قال النجاشي: سالم بن مكرَم، أبو خديجة، و يقال: أبو سلمة، يقال: كنيته كانت أبا خديجة، و انّ أبا عبد الله عليه السَّلام كنّاه أبا سلمة، ثقة، ثقة. «4»

فعلى ما ذكره النجاشي اسمه: سالم، و اسم أبيه: مكرم، و له كنيتان: أبو خديجة، و أبو سلمة، فهو ثقة، ثقة. و ذكر نحوه الكشي في رجاله. «5»

و عدّه البرقي من أصحاب الصادق عليه السَّلام، قائلًا: أبو خديجة، و يكنّى أبا سلمة ابن مكرم. و على هذا فهو مقبول الرواية.

______________________________

(1) الاستبصار: 1/ 430 برقم 1660.

(2) الاستبصار: 3/ 270 برقم 960.

(3) لاحظ التهذيب: 5/ 12، كتاب الحج، الحديث 258، و الجزء 9/ 5 باب الصيد و الذكاة، الحديث 9.

(4) رجال النجاشي: 1/ 423 برقم 499.

(5) رجال الكشي: 301 برقم 201.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

ثمّ إنّ سالم بن مكرم المكنّى بكنيتين غير سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني الذي وصف النجاشي حديثه، بقوله: ليس بالنقي، و انّه لا نعرف منه إلّا خيراً. «1» كما ضعّفه ابن

الغضائري أيضاً، و قال: ضعيف جداً. «2» و الفرق بين المترجمين انّ الأوّل يكنى بكنيتين، و كلاهما كنيتان لسالم، و أمّا الآخر فإنّما يكنّى والده ب «أبي سلمة»، فربما خلط الشيخ بينهما، فضعف الأوّل ظناً منه اتحادهما. و انّ سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة، فأصبحت الرواية بحمد الله صالحة للاستناد.

و أمّا كيفية الاستدلال فعلى النحو الذي ذكرناه في مقبولة عمر بن حنظلة.

الثالث: مشهورة أبي خديجة الأُخرى

روى الصدوق في الفقيه باسناده عن أحمد بن عائذ أبي حبيب الأحمسي البجلي الثقة، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السَّلام: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، فتحاكموا إليه». «3» و رواه في الكافي غير انّه قال: مكان «قضايانا» قضائنا «4».

و الرواية صحيحة و سند الصدوق إلى أحمد بن عائذ صحيح، و أمّا أحمد بن عائذ فيكفي في وثاقته قول النجاشي في حقّه: مولى، ثقة، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرم و أخذ عنه و عرف به.

______________________________

(1) رجال النجاشي: 1/ 427 برقم 507.

(2) العلّامة: الخلاصة: القسم الثاني: 228 برقم 4 في باب سالم.

(3) الوسائل: الجزء 18، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(4) الكافي: 7/ 412، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

و كيفية الاستدلال بالنحو السابق في مقبولة عمر بن حنظلة فلا نطيل.

الرابع: التوقيع الرفيع

روى الصدوق في كمال الدين، عن محمد بن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل

لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائل أُشكلَت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السَّلام: «أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبَّتك إلى أن قال: و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم، و أنا حجة اللّه». «1»

و الاستدلال يتوقف على ثبوته سنداً و دلالة.

أمّا السند فقد رواه الصدوق عن محمد بن محمد بن عصام و هو أيضاً كليني، من مشايخ الصدوق و تلاميذ الكليني، و قد ترضّى عليه الشيخ الصدوق في المشيخة، و قال: و ما كان فيه عن محمد بن يعقوب فقد رويته عن محمد بن محمد بن عصام الكليني و علي بن أحمد بن موسى و محمد بن أحمد الشيباني رضي اللّه عنهم و ذلك آية الوثاقة.

و أمّا إسحاق بن يعقوب، فهو أخو الكليني، و قد ورد السلام عليه في التوقيع، لكنه ليس بحجّة، لأنّ الراوي له هو نفسه، و لم يوثّق لكن من البعيد جداً أن يروي الكليني توقيعاً لأخيه بلا تحقيق، فالرواية صالحة للاحتجاج.

و أمّا الدلالة ففي قوله: «الحوادث الواقعة» احتمالات:

1. الموضوعات التي لا يعلمون حكمها لكي يعلموا.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

2. المرافعات التي تحدث بينهم فيرجع إليهم لكي تحسم.

3. المشاكل الدينية لكي تحل عقدتها، كتكليف أموال الغُيَّب و القُصَّر و ما شاكلهما.

و الأوّل بعيد، لأنّه توضيح للواضح يومذاك، لأنّ الشيعة لم تزل ترجع في تعلّم الأحكام إلى تلاميذ الأئمّة الذين كانوا رواة الأحاديث.

و أمّا الثاني فهو و إن كان أقرب من الأوّل، لكن يبعده قوله: «فارجعوا فيها»، إذ لو كان المراد هو المرافعات، فالأنسب أن يقول فارجعوها

إلى رواة أحاديثنا، و احملوها إليهم.

فتعيّن الثالث و هو المشاكل التي ربما تواجهها الشيعة و ليست لها جهة معينة يرجع إليها، و لا يبعد أن يكون منها ثبوت الهلال، لأنّها معضلة دينية لا تحل عقدتها إلّا بيد العارف بالأحكام.

و يؤيد ذلك انّ قوله: «فهو حجّتي عليكم» بمعنى انّه حجّة في كلّ ما أنا حجّة فيه، فإذا كان حكم الإمام حجّة في ثبوت الهلال، فيكون هو أيضاً حجّة حجة اللّه في ذلك.

إلى هنا تمّ استعراض الروايات العامة التي استدل بها على حجّية حكم الحاكم في ثبوت الهلال.

الخامس: صحيحة محمد بن قيس

روى الصدوق بسند صحيح، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان انّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم». «1»

تدل الصحيحة على أنّ الإفطار يجب بأمر الإمام سواء أثبت قبل الزوال أم بعده، غير انّه يفترق عن إقامة الصلاة إذا ثبت بعد الزوال، حيث إنّها لا تُشرع بعده و من ثمّ تؤخر إلى الغد.

و السند نقيّ جداً، و قد نوقش في الدلالة، فقال صاحب الحدائق: فانّ المراد من الإمام هو إمام الأصل، أو ما هو الأعم منه و من أئمة الجور المتولين لأُمور المسلمين، و ليس ثبوته للأوّل دليلًا على ثبوته لنائبه، لعدم الدليل على هذه النيابة الكلية لظهور اختصاص بعض الأُمور بالإمام دون نائبه. «2»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره أشبه «بقسمة ضيزى»، إذ كيف يجب على الشيعة، إطاعة الحاكم الجائر في ذلك

الموضع، دون الحاكم الحقّ الذي يقتفي ظل الإمام و لا يعدل عنه قيد شعرة. اللّهمّ إلّا إذا كانت إطاعته بملاك التقيّة؟!

و أورد عليه السيد الحكيم بأنّ الحديث مختص بالإمام، الظاهر في إمام الحق، و لا يجدي فيما نحن فيه إلّا أن يقوم ما يدل على أنّ الحاكم الشرعي بحكم الإمام و له كلّ ما هو وظيفته. «3»

يلاحظ عليه: ان أراد من «إمام الحق» هو الإمام المعصوم كما هو المتبادر من كلامه، فيرد عليه، انّ المراد من الإمام في تلك المقامات، هو الأعم من المعصوم و غيره، بل استعماله في كلماتهم في الحاكم كثير، و قد جمعنا لفيفاً من هذه الروايات ما يناهز ثلاثين مورداً في كتابنا مفاهيم القرآن. «4» و نذكر منها ما يلي:

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) الحدائق: 13/ 260.

(3) المستمسك: 8/ 460.

(4) مفاهيم القرآن: 2/ 2924.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 93

..........

______________________________

1. لما حجّ إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين و مائة، فسقط أبو عبد اللّه الصادق عليه السَّلام عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل، فقال له الصادق عليه السَّلام «سِرْ الإمام لا يقف». «1» و المراد من «إسماعيل» هو إسماعيل بن عبد اللّه بن عباس و كان أمير الحج.

2. قال الإمام علي عليه السَّلام في مسئولية الحاكم: «يجب على الإمام أن يُحبس الفسّاق من العلماء، و الجهّال من الأطباء، و المفاليس من الأكرياء» «2» و المراد منه مطلق الحاكم لا خصوص الإمام المعصوم، و ذلك لأنّ الإمام المعصوم أعرف بوظيفته فلا يحتاج إلى البيان.

3. قال الإمام الصادق عليه السَّلام في مسئولية الحاكم في أمر المسجونين: «على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم

الجمعة إلى الجمعة و يوم العيد إلى العيد، فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة و العيد، ردّهم الى السجن». 3

4. قال الإمام الرضا عليه السَّلام: «المغرم إذا تدين أو استدان من حق، أُجّل سنة، فان اتسع، و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال». 4

5. و قال الإمام علي عليه السَّلام: «على الإمام أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام و الإيمان». 5

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في مطلق الإمام، و منها رواية محمد بن قيس، إذ لو كان المراد من الإمام هو الإمام المعصوم، فهو أعرف بالحكم لا يحتاج إلى البيان، و إنّما المحتاج هو الإمام الذي يستمدّ كلّ ما له من الشئون من إمامة الإمام المعصوم.

و أورد عليه المحقّق الخوئي بأنّ الرواية ليست بصدد بيان ثبوت الهلال بحكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء 8، الباب 26 من أبواب آداب السفر، الحديث 1.

(2) 2 و 3 وسائل الشيعة: الجزء 18، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3 و 2.

(3) 4 الكافي: 407، و تفسير العياشي: 1/ 155.

(4) 5 غرر الحكم: 215.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 94

الّذي لم يعلم خطؤه و لا خطأ مستنده كما إذا استند إلى الشياع الظنّي. (1)

______________________________

الحاكم الذي يحتاج إلى الانشاء، بل بصدد بيان لزوم طاعة أمره و انّه متى أمر بالإفطار يفطر عملًا بمقتضى قوله سبحانه: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) «1» من غير صدور حكم، كما هو ظاهر الحديث، و هذا ثابت للأئمة و لم ينهض دليل ما يتكفل لإثباته لغيرهم من الفقهاء. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الرواية بصدد بيان اختلاف حكم الإفطار مع الصلاة إذا ثبت عند الإمام بالبيّنة، و انّه يفطر على

كلّ تقدير، و لا يصلّي إلّا إذا ثبت قبل الزوال و إلّا فيؤخر الصلاة لغد، و أين هذا من ظهورها في وجوب إطاعة الإمام و انّها من شئون الأئمّة؟!

و أمّا عدم اشتمال الرواية على الحكم صريحاً، فقد استغنى عن ذكره بالأمر بالإفطار، و عدم ذكره يعرب إمّا عن إنشائه قبل الأمر، أو انّه يكفي في إنشاء الحكم ما يدل عليه بالدلالة الالتزامية، كالأمر بالإفطار و ليس للفظ «حكمت» خصوصية.

أضف إلى ما ذكر انّه سبحانه اهتمّ بشهر رمضان و جعل له أحكاماً تدور على ثبوت الهلال صوماً و إفطاراً، فلو حُوِّل ذلك إلى رؤية الإنسان أو قيام البيّنة فقط يلزم الهرج و المرج، فمن صائم عاكف في المسجد، إلى مفطر يأكل و يشرب، إلى بلد رافع أعلام السرور و ألوية العيد، إلى آخر مقبل على صومه و دعائه، و هذا ممّا لا يرضى به الشارع كما هو ملموس، فلا بدّ أن يكون هنا مرجع يكون قوله حاسماً، و أمره نافذاً، و هو الحاكم بالحق.

(1) لا شكّ انّ حكم الحاكم لا يُغيِّر الواقع، فلو تبيّن انّ حكمه على خلافه لا يجوز اتّباعه، فلو ذهب لفيف من أهل السنّة إلى التصويب و انقلاب الواقع وفقَ

______________________________

(1) النساء: 59.

(2) مستند العروة: 2/ 82.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

مضمون الأمارة أو فتوى المجتهد، فإنّما ذهبوا إليه في الأحكام الشرعية الكلّية دون الموضوعات، لاتّفاقهم على بطلان التصويب فيها، فلو قامت الأمارة على أنّ القبلة جانبُ الشمال يجب اتّباعها ظاهراً، و لكن جهة القبلة لا تتغيّر عمّا هي عليه في الواقع.

هذا من جانب، و من جانب آخر انّ الغاية من القضاء هو حسم مادة الخلاف و فضّ النزاع و

نشر السلام في المجتمع، و هذا رهن نفوذ قضاء الحاكم في حقّ المترافعين و غيرهم ممّا له صلة بموضوع الترافع، فلو قضى الحاكم في واقعة حسب اجتهاده و كان مخالفاً لرأي المجتهد الآخر، فليس له أن ينقضه، و إلّا لبطلت الغاية المنشودة من جهاز القضاء.

و مع الاعتراف بهذين الأمرين، فقد ذهب الفقهاء إلى جواز نقض حكم الحاكم في موارد، نذكر منها ماله صلة بالمقام، أعني: رؤية الهلال.

الأوّل: إذا علمنا قطعاً انّ حكمه على خلاف الواقع، كما إذا حكم بثبوت الهلال في ليلة التاسع و العشرين غفلةً فلا يُتبع حكمه لكونه على خلاف الواقع بلا ريب.

الثاني: إذا احتملنا إصابة قضائه للواقع، و لكن نعلم فساد اجتهاده، كما إذا حكم بالهلال من خلال شهادة النساء، أو بشهادة واحد مع ضم اليمين، فلا يُتّبع لاتفاق الجميع على عدم ثبوته بهما، حتى القاضي لو نبهه أحد على خطئه في قضائه.

الثالث: فساد مستنده، كما إذا شهد بشهادة شاهدين نعلم فسقهما و كذبهما في هذه الشهادة مع احتمال إصابة الواقع، و إن كانا مزكّيين عند الحاكم، ففي هذه الموارد لا يجوز اتّباعه فيما حكم به.

نعم لو استند إلى دليل اختلفت الأنظار فيه، كالشياع الظني حيث ذهب العلّامة في التذكرة و الشهيد الثاني في المسالك «1» إلى حجّيته مستدلين بأنّ الظن الحاصل

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 249.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

منه أقوى من الظن الحاصل من البيّنة، فما دلّ على حجّية البيّنة يدل بالفحوى على حجّيته. و إن خالفهما الآخرون كما تقدّم بحثه، ففي هذا المورد و نظائره يجب اتّباع قضائه و اختلاف النظر لا يصدّ الآخرين عن الاتّباع لعدم انكشاف الواقع.

و بهذا يعلم انّ ما ذكره المصنّف من

جواز المخالفة إذا كان الشياع الظني أساساً للحكم، غير صحيح، و إلّا يجوز الخلاف في عامة الموارد الّتي يختلف فيها القاضي مع غيره في النظر و الفتوى.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 97

[الهلال و حجّية قول المنجّم فيه]

و لا يثبت بقول المنجّمين. (1)

______________________________

(1) 1. الهلال و حجّية قول المنجّم فيه

ذهب المشهور إلى عدم حجّية قول المنجّم في رؤية الهلال مستدلّين بأنّ النصوص تركّز على ثبوته من خلال الطرق المتقدمة من الرؤية و البيّنة و الشياع و عدّ الثلاثين، و الثبوت بغيرها يحتاج إلى الدليل، مضافاً إلى أنّ قوله لا يفيد إلّا الظن و لا دليل على حجّيته في المقام.

قال صاحب الحدائق: الجدول حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر و اجتماعه بالشمس، و لا ريب في عدم اعتباره، لاستفاضة الروايات على أنّ الطريق إلى ثبوت دخول الشهر إمّا الرؤية، أو مضي ثلاثين يوماً من الشهر المتقدّم، و حكى الشيخ في الخلاف عن شاذ منّا العمل بالجدول، و نقله في المنتهى عن بعض الجمهور تمسّكاً بقوله تعالى: (وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) «1»، و بأنّ الكواكب و المنازل يُرجع إليها في القبلة و الأوقات، و هي أُمور شرعية فكذا هنا.

ثمّ أجاب عن الاستدلال و قال: إنّ الاهتداء بالنجم يتحقّق بمعرفة الطرق و مسالك البلدان و تعرّف الأوقات، و الذي يرجع إليه في الوقت و القبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في كثير من الأوقات، قال في التذكرة: و قد شدّد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم النهي عن سماع كلام المنجم حتى قال صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما أنزل الله على محمّد صلَّى الله عليه و

آله و سلَّم. «2»

______________________________

(1) النحل: 17.

(2) الحدائق: 13/ 269.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 98

..........

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 98

______________________________

أقول: أمّا الاستدلال على حجّية قول المنجم بالآية المباركة فغريب جداً، فأين الاهتداء بالنجم المرئي من حدس المنجم و أخباره حسب القواعد و الجداول؟!

كما أنّ الاستدلال على ردّ قوله بالحديث النبوي أيضاً من الغرابة بمكان، لأنّ الحديث ناظر إلى تصديق قوله في ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية، فأين هذا من إثبات الهلال و استنباطه؟!

فكلا الاستدلالين لا يخلوان من إفراط و تفريط، و الذي يمكن أن يقال: إنّ علم النجوم في مصطلح القدماء هو العلم بآثار حلول الكواكب في البروج و الدرجات و آثار مقارناتها و سائر أنوارها. و التنجيم هو الحكم بمقتضى تلك الآثار، و هذا هو الذي طرحه الفقهاء في المكاسب المحرمة، و أساسها يرجع إلى تأثير الأوضاع العلوية في الحوادث السفلية بصورها المختلفة.

و قد عرّفه صاحب جامع المقاصد، و قال: التنجيم عبارة عن الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية.

ثمّ القول بالتأثير يتصور على أقسام ستة:

أ: انّ الأفلاك و ما فيها من النجوم مؤثرات بذواتها بالاستقلال.

ب: انّها حيّة مؤثرة بذواتها بالشركة.

ج: انّها مؤثرة بكيفيتها و خاصتها.

د: انّها مؤثرة بحركاتها و أوضاعها.

ه: أن يكون استناد الأفعال إليها، بمعنى انّ اللّه تعالى أجرى عادته على أنّها إذا كانت على شكل مخصوص يفعل ما ينسب إليها و يكون الربط نفس الربط الموجود في الأدوية و الأغذية.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 99

..........

______________________________

و: أن يكون ربط

الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف بالمكشوف. «1»

هذا هو علم النجوم في مصلح القدماء و التنجيم هو استنباط الأحكام و الإخبار بها.

و أمّا علم النجوم في مصطلح اليوم فهو عبارة عن حساب حركة الشمس و الإخبار عن أوائل الشهور الرومية و الفارسية، و رصد حركات القمر و سائر النجوم و ما شابه ذلك، فأين هذا المعنى من علم النجوم بالنسبة إلى المعنى السابق؟!

و ربما يطلق على ذلك علم الجدول، و يطلق على أهله الحُسّاب، و قد تشعب علم النجوم إلى شعب مختلفة، و من تلك الشعب هو التعرّف على ماهيات النجوم، و كيفية تكوّنها و ولادتها و انحلالها و موتها و فواصلها و هذا علم يدرس في المعاهد و الكليات.

و ربما يقال: بأنّ المنجمين و أصحاب الجداول لا يثبتون أوّل الشهر بمعنى جواز الرؤية، بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية.

يلاحظ عليه: أنّ الموجود ما بأيدينا من التقاويم من المنجمين لا يقتصر على تأخر القمر عن المحاذاة، بل يخبر عن خروجه عن تحت الشعاع و مقدار بعده عنها ثمّ يحكمون بإمكان الرؤية و وقوعها.

و على ذلك فما ورد من الروايات في ذم علم النجوم و المنجم و عدم الاعتداد بأخبارهم إنّما يرجع إلى علم النجوم في مصطلح القدماء، و لا صلة له بما يسمى بعلم النجوم في عصرنا هذا، و هو علم ذو قواعد رصينة مبنية على حسابات رياضية قلّما تخطأ، و لذلك نأخذ بها في تعيين وقت الخسوف و الكسوف و دخول الأوقات و محاذاة القبلة و العرض الجغرافي للبلد و طوله.

إذا عرفت ذلك، إذا اتّفق المنجمون في أغلب أصقاع العالم على عدم خروج

______________________________

(1) لاحظ المواهب

في تحرير أحكام المكاسب: 373.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 100

..........

______________________________

القمر عن تحت الشعاع و عدم إمكان رؤيته في أصقاع معينة، فهو يصدّنا عن الأخذ بقول البيّنة أو الشهود المتفرقة خصوصاً فيما إذا كانت السماء غير صاحية، أو كانت صاحية و قلّ عدد مدّعي الرؤية.

و بالجملة: إذا لم تساعد الأدلة على الأخذ بقول المنجمين في ثبوت الهلال و لكن اتّفاقهم على عدم إمكان الرؤية يصدُّنا عن الأخذ ببعض الظنون و الحجج أمام اتّفاقهم على الخلاف، فما يتراءى في هذه الفترات الأخيرة رفض اتفاق علماء النجوم في عدم إمكان الرؤية و الحكم بادّعاء رؤية البعض مع كون السماء غيماً في غالب البلدان أو السماء صاحية و قلّ مدّعو الرؤية، فهو على خلاف الاحتياط.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 101

[الهلال و الغيبوبة بعد الشفق]

و لا بغيبوبة الشفق في اللّيلة الأُخرى. (1)

______________________________

(1) 2. الهلال و الغيبوبة بعد الشفق

يريد أنّ علوَّ الهلال و بقاءه في السماء إلى أن يغيب الشفق لا يكون أمارة على أنّه لليلتين، و لا غيبوبته قبل الشفق دليلًا على أنّه لليلة.

ذهب الصدوق إلى اعتبارها و قال: «و اعلم أنّ الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، و إذا رُئي الرأس فهو لثلاث ليال. «1»

و ذهب الشيخ إلى عدم اعتبارها، لأنّها تختلف باختلاف المطالع و العروض. «2»

احتجّ الصدوق بما رواه إسماعيل بن الحسن (بحر) عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو ليلتين».

و رواه الكليني بسند صحيح إلى الصلت الخزاز.

و الروايتان ضعيفتان، لأنّ إسماعيل بن الحسن (بحر) و الصلت الخزاز مجهولان، و احتمل السيد الخوئي تبعاً

لنسخ الكتب الثلاثة: الكافي و الفقيه و التهذيب، انّ الصحيح إسماعيل بن الحرّ مكان لفظة «بحر» في الوسائل «فلا الحسن صحيح و لا بحر».

على أنّ الرواية معارضة بصحيحة أبي علي بن راشد الصريحة في عدم العبرة بالغيبوبة.

قال: كتب إليَّ أبو الحسن العسكري عليه السَّلام كتاباً و أرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك في سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شكّ، و صام أهل

______________________________

(1) المقنع: 58.

(2) المبسوط: 1/ 268.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس، و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس «1» و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء قال: فكتب إليّ: «زادك اللّه توفيقاً فقد صُمتَ بصيامنا»، قال: ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه، فقال لي: «أو لم أكتب إليك إنّما صُمت الخميس و لا تصم إلّا للرؤية». «2»

و هذه الصحيحة هي الحجّة المعتبرة دون الخبرين الماضيين، و في صورة المعارضة يرجع إلى العمومات، و هو عدم ثبوت الهلال إلّا من خلال الرؤية أو ما قام مقامها.

و أمّا حسب الاعتبار، فلأنّ البقاء في الأُفق طويلًا، لا يكشف عن تولّد الهلال قبل أربع و عشرين ساعة ليكون هو من الليلة السابقة، بل يكفي في ذلك تولّد الهلال قبل فترة طويلة لا حين الغروب، فيبقى في الأُفق طويلًا.

______________________________

(1) اعتقد بعد ما وصلت إليه رسالة الإمام، و إلّا فكان معتقده قبل وصولها انّ أوّل الشهر هو يوم الأربعاء.

(2) الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 103

[الهلال و الرؤية يوم الثلاثين قبل الزوال]

و لا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فلا يحكم بكون ذلك اليوم أوّل الشهر. (1)

______________________________

(1) 3. الهلال و الرؤية يوم الثلاثين قبل الزوال

قد تتفق رؤية الهلال في النهار تارة قبل الزوال و أُخرى بعده، و أمّا الرؤية قبل الغروب فكثيرة جداً، فإذا شوهد بعد الزوال فليس أمارة على أنّ اليوم أوّل الشهر، إنّما الكلام إذا رُئي قبل الزوال، فهل يكون أمارة على أنّه أوّل الشهر أو لا؟ فيه خلاف.

و قال السيّد المرتضى في المسائل الناصرية لمّا ذكر قول الناصر انّه إذا رُئي الهلال قبل الزوال، فهو للّيلة الماضية: هذا صحيح و هو مذهبنا. «1»

و قال الشيخ: إذا رُئي الهلال قبل الزوال أو بعده فهو للّيلة المستقبلة دون الماضية، و به قال جميع الفقهاء، و ذهب قوم من أصحابنا إلى أنّه ان رُئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية و إن رُئي بعده فهو لليلة المستقبلة، و به قال أبو يوسف. «2»

و فصّل العلّامة، و قال: الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر، محتجاً بأنّه أحوط للعبادة، فكان أولى. «3»

و مال إلى هذا القول، المحدّث الكاشاني في «الوافي» و «المفاتيح»، و الفاضل الخراساني في «الذخيرة»، و تردّد المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد و لكن المشهور بين الأصحاب عدم الاعتبار. «4»

و الثبوت خيرة المحقّق الخوئي في «المستند». «5»

______________________________

(1) الناصريات: المسألة 126.

(2) الخلاف: 2/ 171، المسألة 10.

(3) مختلف الشيعة: 3/ 494.

(4) أخذنا الأقوال عن الحدائق: 13/ 284.

(5) مستند العروة: 2/ 99.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 104

..........

______________________________

و قبل الخوض في سرد الروايات نلفت نظر القارئ إلى نكتة و هي:

إنّه إذا ساقتنا الأدلّة إلى الأخذ بهذا التفصيل لا يكون مخالفاً

لما تضافر عنهم عليهم السَّلام من أنّ الصوم و الإفطار للرؤية الظاهرة في رؤية الهلال بالليل.

و ذلك لأنّ الرؤية قبل الزوال تكون أمارة على خروج الهلال عن تحت الشعاع و تكوّنها في الليل و وجوده فيه و صلاحيته للرؤية في الليلة السابقة، فلا جرم يكون اليوم هو أوّل الشهر.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّه يدل على ذلك التفصيل روايتان:

1. صحيحة حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال، فهو للّيلة المستقبلة». «1»

2. موثقة عبيد بن زرارة و عبد اللّه بن بكير، قالا: قال أبو عبد الله عليه السَّلام: «إذا رُئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، و إذا رُئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان». 2

و الروايتان لا غبار عليهما في الدلالة و السند، إنّما الإشكال في وقوع الرؤية قبل الزوال، إذ لم نره طيلة عمرنا و لا سمعنا به من ثقة.

نعم يمكن رؤية الهلال قبل المغرب بساعة أو نصف ساعة، و أمّا الرؤية قبل الزوال الكاشف عن خروجه تحت الشعاع في الليلة الماضية وقت المغرب، فهو أمر نادر لم نسمع به، و على فرض وقوعه، فالروايتان حجتان و لم يثبت الاعراض لما وقفت من عمل الصدوق به و غيره.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6 و 5، و لا تبعد وحدة الروايتين.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 105

..........

______________________________

إنّما الكلام في الروايات المعارضة، فهي على أصناف ثلاثة:

1. ما يدل على عدم الاعتبار برؤية الهلال في النهار من غير تقييد بشي ء، نظير:

أ: ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن جراح المدائني،

قال: قال أبو عبد الله عليه السَّلام: «من رأى هلال شوّال بنهار في شهر رمضان، فليتمّ صيامه». «1»

ب: ما رواه العياشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان، عن جرّاح، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «قال اللّهو (أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ) «2» يعني صوم رمضان، فمن رأى الهلال بالنهار فليتم صومه». «3»

2. ما يدل على عدم الاعتبار برؤية الهلال في وسط النهار، نظير:

أ: ما رواه الشيخ في «التهذيب» و الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» في الصحيح عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل». «4»

ب: موثّقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان، فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه. و إذا رأيته من وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل». «5»

و سنذكر الصنف الثالث بعد دراسة هذين الصنفين.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(2) البقرة: 187.

(3) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

(4) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(5) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

أقول: إنّ الصنف الأوّل مضافاً إلى الضعف في اسنادهما فإنّ قاسم بن سليمان و جرّاح المدائني لم يوثّقا، و إن وردا في اسناد كامل الزيارات و تفسير القمي، و

ذكرهما النجاشي و الطوسي و لم يوثّقاهما فإنّ مضمونهما مطلق يمكن تقييدها بما في الصحيحة و الموثّقة، و حمل الأمر بإتمام الصوم بما إذا رُئي بعد الزوال.

و أمّا الصنف الثاني فإنّما يصح الاستدلال في صورتين:

الأُولى: أن يكون مبدأ النهار، هو الفجر و آخره غروب الشمس فيكون وسط النهار، هو الساعة الحادية عشرة و الربع (15/ 11)، و لكن تفسير النهار بهذا المعنى لا يساعده العرف و لا اللغة حيث إنّهما جعلا مبدأ النهار هو مطلع الشمس. و نهايته مغربها، و يدل على ذلك انّه سبحانه وصف النهار بقوله: (مُبْصِراً) قال: (وَ النَّهٰارَ مُبْصِراً) «1»، و قال تعالى: (وَ جَعَلْنٰا آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً) «2».

الثانية: يكون المبدأ هو مطلع الشمس و لكن المراد من وسط النهار، هو المعنى العرفي الذي يُتسامح في إطلاقه فيعمُّ لما قبل الزوال بنصف ساعة أو ساعة.

و أمّا إذا حمل على المعنى الدقيق: الحدّ الوسط بين مطلع الشمس و مغربها، فيدل على عدم الثبوت إذا رُئي حين الزوال و بعده، فلا يخالف ما دلّ على ثبوته بما إذا رُئي قبل الزوال.

و أمّا الصنف الثالث، فهي رواية واحدة نقلت مضطربة حيث يصحّ بها الاستدلال على كلا القولين حسب اختلاف المضمون.

فرواه الشيخ في «التهذيب» عن محمد بن عيسى بالنحو التالي:

______________________________

(1) يونس: 67

(2) الإسراء: 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

قال: كتبت إليه عليه السَّلام، جعلت فداك، ربما غُمَّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلالَ قبل الزوال، و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نُفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السَّلام: «تُتمّ إلى الليل، فانّه إن كان تامّاً رُئي قبل الزوال». «1»

و روي هذا

الخبر في الاستبصار بالنحو التالي: «ربما غُمّ علينا الهلال في شهر رمضان».

أقول: تجب دراسة الحديث سنداً و دلالة.

أمّا السند: روى الشيخ في «التهذيب» الحديث بالسند التالي:

علي بن حاتم، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى.

و الأخيران ثقتان بلا كلام، و أمّا علي بن حاتم، قال النجاشي: علي بن أبي سهل حاتم بن أبي حاتم القزويني، ثقة في نفسه، من أصحابنا، يروي عن الضعفاء، سمع فأكثر، و صنّف كتباً.

قال الطوسي: له كتب كثيرة جيدة معتمدة نحواً من ثلاثين كتاباً.

و قال في رجاله: يكنَّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف. و هو من مشايخ الصدوق.

و أمّا محمد بن جعفر فهو محمد بن جعفر، المؤدِّب، المعروف بابن بطّة، قال النجاشي: كان كبير المنزلة بقم، كثير الأدب و الفضل و العلم، يتساهل في الحديث و يعلّق الأسانيد بالإجازات.

و على كلّ تقدير فالرواية صحيحة.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 108

..........

______________________________

و أمّا الدلالة: فعلى ما نقله في التهذيب «1»، يكون مفاده مطابقاً للصحيحة و الموثّقة، و تدلّ على كشف الرؤية قبل الزوال، عن كون اليوم أوّل الشهر، و ذلك لأنّه قال: «غُمّ علينا هلال شهر رمضان»، فيكون السؤال عن رؤية الهلال في يوم الشك من رمضان قبل الزوال، فعندئذ يجب تفسير جملتين واقعتين بعده.

الأُولى: للراوي، و هي: «فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأينا أم لا».

و هذا السؤال لا يترتب على السؤال الأوّل، لأنّه إذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان و انّه ربما خفى عليهم بغيم فرُئي من الغد قبل الزوال ...، كان الأنسب بل اللازم السؤال عن صيامه و احتسابه

من رمضان لا عن إفطاره و عدمه، و هذا يدل على سقم النسخة.

و بذلك اعترف المحدّث الكاشاني في «الوافي» أيضاً، فقال بعد نقل الخبر المذكور برواية التهذيب: بيان: هكذا وجدنا الحديث في نسخ التهذيب، و في الاستبصار «ربما غم علينا الهلال من شهر رمضان» و هو الصواب، لأنّه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلّا بتكلّف. «2»

الثانية: للإمام، و هي: «تتم إلى الليل، فانّه إن كان تامّاً، رُئي قبل الزوال»، فإذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان مع قطع النظر عن عدم الانسجام السابق، يكون معناه:

إنّ هذا اليوم أوّل يوم شهر رمضان و انّ هذا الشهر تامّ ثلاثون يوماً، و ذلك لأنّه إذا كان الشهر تامّاً يُرى هلاله مضافاً إلى رؤيته غروب أمس الدابر يُرى في اليوم الأوّل قبل الزوال بخلاف ما إذا كان تسعة و عشرين يوماً، فلا يرى هلاله إلّا بعد الزوال

______________________________

(1) التهذيب: 4/ 177، باب علامة أوّل شهر رمضان، الحديث 62.

(2) الوافي: 11/ 148.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

أو حين المغرب، و على هذا يكون دليلًا على قول المرتضى و من تبعه.

و أمّا على نسخة الاستبصار انّه «ربما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان» فيكون السؤال عن هلال شهر شوال و رؤية الهلال في يوم الشك قبل الزوال، فصحّ للراوي السؤال عن الإفطار بعد كون الحكم الشرعي مع قطع النظر عن الرؤية قبل الزوال هو حرمة الإفطار أخذاً بقوله: «صم للرؤية و أفطر للرؤية»، فأجاب الإمام بأنّه لا يعتدّ بتلك الرؤية و لا يجعله دليلًا على أنّ اليوم أوّل شوال، و ذلك لأنّه إذا كان الشهر تامّاً ربما يمكن أن يُرى هلاله قبل الزوال، أي هلال الشهر الآتي،

فلا دلالة على كون اليوم، أوّل يوم من شوال. و تكون الرواية مخالفة للصحيحة و الموثّقة.

إلى هنا تمّت دراسة الأصناف الثلاثة، و بقيت هنا رواية رواها صاحب الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهاراً فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك في أوّل النهار أو في آخره. و قال: لا تفطروا إلّا لتمام ثلاثين يوماً من رؤية الهلال أو بشهادة عدلين أنّهما رأياه». «1» فهو غير قابل للتقييد و التخصيص، و لذلك لا بدّ من علاجه بوجه آخر كضعف السند إذ لا يحتج بمثله.

و صناعة الاجتهاد تقتضي تقديم الصحيحة و الموثّقة لصحة سندهما و إتقان دلالتهما. و انتفاء احتمال التقية لما عرفت من اتّفاق العامة إلّا أبا يوسف على خلاف ما ورد فيها، كما عرفت من الخلاف. و أمّا الطائفة المعارضة، فبين مطلق قابل للتقييد كالصنف الأوّل مضافاً إلى ما عرفت من التساهل في راويا الحديث إلى مبهم قابل للحمل إلى ما بعد الزوال، كالصنف الثاني، إلى مضطرب في المتن، لم يعلم الصحيح منه كصحيح أبي عيسى. و بذلك يرجّح الأوّليان على هذه الأصناف. و أمّا الاعراض فلم

______________________________

(1) دعائم الإسلام: 1/ 280، مستدرك الوسائل: 7/ 404، حديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 110

[و لا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ و لو كان قويّاً إلّا للأسير و المحبوس]

و لا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ و لو كان قويّاً إلّا للأسير و المحبوس (1)

______________________________

يثبت، لما عرفت من العامل بها بين القدماء و المتأخرين.

و الذي يسهل الخطب انّ رؤية الهلال قبل الزوال أمر غير واقع إلّا نادراً لم نسمع به لحد الآن في زماننا، بل انّ هذا الأمر غير محتمل عادة، فانّ الهلال الضئيل الذي يظهر في أوّل الشهر

أو آخره لا يمكن أن يرى في النهار لضعف ضوئه تجاه ضوء الشمس.

فالبحث فيه، بحث في أمر نادر جداً.

(1) بقيت هنا أمارات ظنيّة تعرض إليها الفقهاء في كتبهم و أشار إليها المصنّف بلا تفصيل، و هي عبارة عن الأُمور التالية:

1. التطويق أمارة انّه لليلتين.

2. رؤية ظل الرأس أمارة انّه لثلاث ليال.

3. العدد و هو عدّ شعبان ناقصاً أبداً و شهر رمضان تامّاً أبداً.

4. عد خمسة أيام من أوّل الهلال من السنة الماضية فجعل اليوم الخامس أوّل شهر رمضان.

5. عدُّ ستين يوماً من أوّل رجب و جعل اليوم الستين أوّل رمضان.

و إليك دراسة الكل واحداً بعد الآخر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

4. الهلال و التطويق

التطويق عبارة عن إحاطة النور أطراف القمر كطوق محيط به، فربما يجعل أمارة على كونه لليلتين، فيحكم بأنّ السابقة هي الليلة الأُولى و إن لم يُر الهلال فيها.

و إليك توضيحه بالنحو التالي:

إنّ الهلال إذا وُجد و لم يقترب نحو التربيع كما في الليلتين: الثانية و الثالثة فانّ له شكلين من النور.

الأوّل: النور الأساسي هو الذي يشكِّل الهلال نفسه، و يكون عادة منحرفاً إلى الشمال في الأسفل و زاويته إلى الأعلى، و يكون الجرم الأسود للهلال ممكن الرؤية أيضاً.

الثاني: انّ هذا الجرم الأسود محاط من الجانب الآخر لنور الهلال بخيط رفيع من النور و خفيف إلى حدّ يبدو ثمّ يختفي ثمّ يبدو ثمّ يختفي و قلّما يوجد بشكل واضح مستمر.

فهذان الشكلان من النور لو جمعنا بينهما في الفكرة كان الحاصل انّ الجرم الأسود واقع في وسط دائرة من النور تشبه الطوق حوله، و من هنا سُمّي القمر مطوقاً و سميت الظاهرة بالتطويق.

و هناك فروق بين الشكلين:

الفرق الأوّل: انّ نور الهلال

عريض نسبيّاً بينما انّ نور التطويق من فوق ضئيل جداً.

الفرق الثاني: انّ نور الهلال ثابت، و نور التطويق يختفي ثمّ يظهر باستواء غالباً.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

الفرق الثالث: انّ نور الهلال ينمو و يزداد، بينما نور التطويق لا ينمو و لكنك تراه في الليالي المتقدمة كالخامسة و السابعة زائلًا تماماً.

الفرق الرابع: انّ نور الهلال ذو زاويتين حادّتين في جانبيه مرتفعتين عن الوسط قليلًا بينما نور التطويق خط مستقيم ليس فيه زيادة و لا نقصان، يعني ليس بعض جوانبه أكثر سمكاً من بعض.

و من الطريف انّ هذا التطويق غير موجود في الليلة الأُولى و لكن يُبدأ وجوده من الليلة الثانية عامة، و من هنا يقال: إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين و يستمر موجوداً لليلتين أو ثلاث.

كما أنّ التطويق لا يُرى في النهار لا من أجل سيطرة نور الشمس عليه، بل لأنّ القمر أساساً لا يبدو في النهار إلّا في أواسط الشهر حيث يكون التطويق زائلًا.

كما أنّ من الطريف انّ هذا التطويق لا وجود له في آخر الشهر حين يعود القمر هلالًا مرة ثانية.

و هذا هو التطويق و هذه سماته و علائمه. «1»

و على كلّ تقدير فقد ذهب إلى هذا القول الشيخ الصدوق في الفقيه، لأنّه أورد الحديث الدال عليه و قد أوعز في مقدمة الكتاب بأنّه ما يورد إلّا ما يفتي به.

و جعله الشيخ أمارة على دخول الشهر فيما إذا كان في السماء علّة من غيم و ما يجري مجراه، فجاز حينئذ اعتباره، و أمّا مع زوال العلّة و كون السماء مصحية فلا تعتبر هذه الأشياء. «2»

و قد مال إليه الفاضل الخراساني في «الذخيرة» و مستند الجميع ما رواه الشيخ في

______________________________

(1)

ما وراء الفقه: 2/ 123121.

(2) التهذيب: 4/ 178، ذيل الحديث 495.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

«التهذيب» بالسند التالي:

عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن مرازم، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، قال: «إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين، و إذا رأيت ظل رأسك فهو لثلاث».

و قد رواه الكليني بالسند التالي:

أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد مثل السند السابق. «1»

و سند الحديث صحيح على كلا الطريقين.

أمّا طريق الشيخ: فسعد بن عبد اللّه، ثقة جليل.

و يعقوب بن يزيد بن حماد الأنباري يصفه النجاشي، بقوله: روى عن أبي جعفر الثاني، و انتقل إلى بغداد، و كان ثقة صدوقاً، له كتب.

و أمّا محمد بن مُرازم، يقول النجاشي: الساباطي، الأزدي، ثقة.

و أمّا أبوه مُرازم بن حكيم، قال النجاشي: الأزدي المدائني، مولى، ثقة.

و أمّا سند الكليني: فيرويه عن أحمد بن إدريس، المكنَّى بأبي علي الأشعري (المتوفّى عام 306 ه) و هو يروي عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي، أبو جعفر، قال النجاشي: كان ثقة في الحديث. و باقي السند مشترك بين السندين.

و على كلّ حال فالرواية صحيحة، فما في الجواهر «2» ناقلًا عن التذكرة من منع صحّة الحديث، غير صحيح.

و قد أورد على الاستدلال بوجوه:

الأوّل: إعراض الأصحاب عن الإفتاء بمضمونه، و لكنّه غير ثابت لفتوى

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(2) الجواهر: 16/ 375.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

الصدوق على وفقه، و عمل الشيخ به في مورد خاص، أي فيما إذا كانت السماء غيماً، و تقدّم ميل بعض المتأخرين إلى العمل به.

الثاني: انّه معارض لما دلّ على

أنّ الصوم و الإفطار رهن الرؤية.

يلاحظ عليه: بأنّ ما دلّ على أنّهما رهن الرؤية لا يزيد عن كونه مطلقاً قابلًا للتقييد، أو عامّاً قابلًا للتخصيص، فلا يعد مثل ذلك معارضاً.

الثالث: انّ الحديث يعارض ما دلّ على أنّ الإفطار في اليوم المشكوك فيه لا يوجب القضاء إلّا إذا قامت البيّنة على الرؤية، و بمقتضى اعتبار التطوق انّه متى أفطر يوم الشك، و رُئي في الليلة الثانية متطوّقاً، فانّه يجب القضاء بمقتضى هذه الرواية مع أنّ الروايات الصحاح الصراح قد استفاضت بأنّه لا يقضى إلّا إذا قامت البيّنة بالرؤية و إلّا فلا. «1»

يلاحظ عليه: بمثل ما سلف، فانّ ما دلّ على أنّ القضاء بالبيّنة لا يعدو عن كونه مطلقاً أو عاماً قابلًا للتقييد و التخصيص.

الرابع: انّ ظاهر كلام الإمام عليه السَّلام في الرواية أنّه يُدلّ السامع إلى قاعدة تكوينية و ليس قاعدة تشريعية، تكون كالمساعدة في استكشاف عدد الأيام و لا شكّ في كونها مساعدة في ذلك، إذ لو حصل الوثوق بالعدد نتيجة التطويق كان ذلك حجّة، و لا صلة لها بالحكم الشرعي التعبدي.

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ما ذكر يترتب عليه الصوم و الإفطار ترتب الحكم على الموضوع و إن لم يكن الإمام بصدد بيان الحكم الشرعي.

و هذا الجواب يشبه ما ذكره صاحب المستند في المقام و نظيره (غيبوبة الهلال عند الشفق)، حيث قال: إنّ هذه الأحوال تدلّ على أنّ الليلة السابقة كانت ذات هلال و

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 290.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

أوّل الشهر، و ذلك لا ينافي ما دلّ على عدم وجوب الصوم أو الفطر، إذ يمكن أن يكونان مترتبين على رؤية الهلال الصائم و المفطر بنفسه أو شهوده، لا

تحقّق الهلال. «1»

يلاحظ عليه: أنّه احتمال ضعيف، فانّ هدف السائل و المجيب إنّما هو تعيين أوّل الشهر لأجل غايات شرعية، و منه وجوب الصوم أو الفطر، لا غايات عرفية كحلول أجل الدين أو الإجارة.

نعم، بما انّ الرواية ظاهرة في كون التطويق أمارة على كون الهلال ابن ليلتين، يجب العمل وفقها تحت شرائط خاصة.

الأوّل: إذا لم يثبت بالمناظير عدم وجود الهلال بالمرّة في الليلة السابقة، و إلّا فلا يكون دليلًا على كون الهلال ابن ليلتين.

الثاني: أن لا يترتب عليه ما هو مخالف لما ثبت بالرؤية أو بالبيّنة، كما إذا كان التطويق دليلًا على كونه لليلتين ملازماً لاعتبار الشهر السابق ثماني و عشرين يوماً، فانّ لازم ذلك تعارض البيّنتين و الأخذ بإحداهما بلا وجه.

الثالث: إنّما يؤخذ بمقتضى هذه الأمارة إذا لم تعارضه أمارة أُخرى، كما إذا كان الجو صاحياً و كثر الاستهلال و لم يره أحد، فانّه أمارة على عدم وجود الهلال في تلك الليلة، فلو خرج الهلال في الليلة القادمة مطوقاً، يقع التعارض بين العلامتين.

فخرجنا بتلك النتيجة على أنّ التطويق أمارة على وجود الهلال في الليلة الماضية إذا لم تعارضها أمارة أُخرى.

و أمّا حكم الأسير و المحبوس الذي أشار المصنّف إليهما في المقام فسيوافيك الكلام فيهما في المسألة 8، فانتظر.

______________________________

(1) مستند الشيعة: 10/ 417.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

5. الهلال و رؤية ظلّ الرأس

من العلائم الواردة في صحيح ابن مرازم أن يكون له ظلّ بحيث يَرى الإنسان ظلَّ رأسه فيه، فيكون دليلًا على أنّه ابن ثلاث ليال، قال: «إذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث». «1»

و هل للهلال في الليلة الثالثة مثل هذا الظلّ الذي يرى الإنسان فيه ظلَّ رأسه؟! و هل هي

علامة دائمة؟ و هل الظلّ المشاهد لمجموع البدن، أو لخصوص الرأس إذا أدبر على الهلال مع انحناء رأسه إلى الامام؟ و الظاهر انّه للمجموع.

6. الهلال و الإثبات بالعدد

ذهب الصدوق في «الفقيه» إلى أنّ شهر رمضان تامّ لا ينقص أبداً كما أنّ شهر شعبان ناقص دائماً، لنصوص دلّت على ذلك، أكثرها مروية عن حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص و اللّه أبداً». «2»

قال الصدوق بعد نقل ما يدل عليه: مَن خالف هذه الأخبار و ذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ضدها، اتّقي كما يُتّقى العامة و لا يكلّم إلّا بالتقية كائناً من كان، إلّا أن يكون مسترشداً فيرشد و يبيّن له، فانّ البدعة إنّما تماث و تبطل بترك ذكرها و لا قوة إلّا

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(2) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 27، و جاء بهذا المضمون أحاديث أُخرى فلاحظ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 117

..........

______________________________

باللّه. «1»

و هذا القول أعرض عنه قاطبة الأصحاب قبل الصدوق كابن قولويه، و بعده كالمفيد إلى أعصارنا هذه، حتى أنّ الصدوق أعرض عنه في مكان من كتابه «من لا يحضره الفقيه» حيث عقد باباً باسم «الصوم و الإفطار للرؤية» ذكر فيه انّه إذا أفطر يوم الشكّ ثمّ ظهر انّه من رمضان يقضيه.

فانّ هذا القول على طرف النقيض من أنّ شهر رمضان تام أبداً.

و ألّف الشيخ المفيد رسالة باسم «الرسالة العددية» نقد فيها الأحاديث الدالة على أنّ شهر رمضان لا ينقص أبداً، فأثبت شذوذها و اضطراب سندها، و طعن العلماء في رواتها، كما

ذكر أسماء الرواة الذين نقلوا أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه النقص و التمام، و قال في حقّهم: و أمّا رواة الحديث بأنّ شهر رمضان شهر من شهور السنة، يكون تسعة و عشرين يوماً، و يكون ثلاثين يوماً، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي، و أبي عبد اللّه جعفر بن محمد، و أبي الحسن موسى بن جعفر، و أبي الحسن علي بن موسى، و أبي جعفر محمد بن عليّ، و أبي الحسن علي بن محمد، و أبي محمد الحسن بن علي بن محمد صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام، و الفتيا و الأحكام، الذين لا يطعن عليهم، و لا طريق إلى ذم واحد منهم، و هم أصحاب الأُصول المدونة، و المصنّفات المشهورة و كلهم قد أجمعوا نقلًا و عملًا على أنّ شهر رمضان يكون تسعة و عشرين يوماً، نقلوا ذلك عن أئمّة الهدى عليهم السَّلام و عرّفوه في عقيدتهم و اعتمدوه في ديانتهم. «2»

______________________________

(1) الفقيه: 2/ 171، باب النوادر.

(2) الرسالة العددية (جوابات أهل الموصل في العدد و الرؤية) المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد: 9/ 2625.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 118

..........

______________________________

و قال الشيخ الطوسي في ردّ هذا القول: المعتبر في تعرّف أوائل الشهور بالأهلّة دون العدد على ما يذهب إليه قوم من شُذّاذ المسلمين، و الذي يدلّ على ذلك، قول اللّه عزّ و جلّ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ) «1»، فبيّن اللّه تعالى انّه جعل هذه الأهلّة معتبرة في تعرف أوقات الحجّ و غيره ممّا يعتبر فيه الوقت، و لو كان الأمر على ما يذهب إليه أصحاب العدد،

لما كانت الأهلّة مراعاة في تعرّف هذه الأوقات، إذ كانوا يرجعون إلى العدد دون غيره، و هذا خلاف التنزيل.

إلى أن قال: فمن زعم أنّ العدد للأيام، و الحساب للشهور و السنين، يغني في علامات الشهور عن الأهلّة، أبطل معنى سمات الأهلّة و الشهور الموضوعة في لسان العرب على ما ذكرنا.

و يدل على ذلك فزع المسلمين في وقت النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و من بعده إلى هذا الزمان في تعرّف الشهر إلى معاينة الهلال و رؤيته، و ما ثبت أيضاً من سنّة النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم انّه كان يتولّى رؤية الهلال و يلتمس الهلال و يتصدّى لرؤيته و ما شرعه من قبول الشهادة عليه، و الحكم فيمن شهد بذلك في مصر من الأمصار و جاء بالخبر به عن خارج الأمصار، و حكم المخبر به في الصحة و سلامة الجو من العوارض، و خبر من شهد برؤيته مع السواتر في بعض الأصقاع.

فلولا انّ العمل على الأهلّة أصل في الدين و معلوم لكافة المسلمين، ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه، و لكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثاً لا فائدة فيه، و هذا فاسد بلا خلاف.

و أمّا الأخبار في ذلك فشي ء أكثر من أن يحصى، ثمّ ذكر روايات كثيرة دالة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه ما يصيب غيره. «2»

______________________________

(1) البقرة: 189.

(2) تهذيب الأحكام: 4/ 154.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 119

..........

______________________________

و قال المحقّق في المعتبر: و لا بالعدد، فانّ قوماً من الحشوية يزعمون انّ شهور السنة قسمان ثلاثون يوماً و تسعة و عشرون يوماً، فرمضان لا ينقص أبداً و شعبان لا يتم أبداً، محتجّين بأخبار

منسوبة إلى أهل البيت عليهم السَّلام يصادمها عمل المسلمين في الإفطار بالرؤية و روايات صريحة لا يتطرّق إليها الاحتمال، فلا ضرورة إلى ذكرها. «1»

إذا عرفت ذلك، فاعلم انّ هناك صحاحاً متواترة أو مستفيضة تدلّ على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يزيد و ينقص و قد يكون تسعة و عشرين يوماً، و إليك ذكر أسماء من رواها عن الأئمّة عليهم السَّلام.

1. محمد بن مسلم، 2. إسحاق بن جرير، 3. حماد بن عثمان، 4. زيد الشحام، 5. سماعة، 6. محمد بن الفضل، 7. الحلبي، 8. عبيد بن زرارة، 9. هشام بن الحكم، 10. أبو خالد الواسطي، 11. الحلبي، 12. جابر، 13. عبد اللّه بن سنان، 14. أبو أحمد عمر بن الربيع، 15. صابر مولى أبي عبد الله عليه السَّلام، 16. يعقوب الأحمر، 17. قطر ابن عبد الملك، 18. عبد الأعلى بن أعين «2»، 19. هارون بن حمزة «3»، 20. محمد بن قيس «4».

روى محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين إلى أن قال: و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ أفطروا».

______________________________

(1) المعتبر: 2/ 688.

(2) الوسائل: ج 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 2، 3، 4، 6، 7، 9، 10، 13، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24.

(3) الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 15.

(4) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11. و إنّما فصلنا هذه عن نظائرها في ذلك الباب لاختلاف مضمونها عن سائر الروايات، كما أوضحناه في المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

120

..........

______________________________

هذه الرواية تدلّ على أنّ المعيار للإفطار هو الرؤية و إلّا فعدّ الشهر ثلاثين يوماً، و هذا يدلّ على أنّ رمضان يصيبه ما يصيب غيره من الشهور القمرية و إلّا لأمر بالثلاثين في بدء الأمر.

و بهذا المضمون روايات كثيرة لو أُضيفت إلى الأعداد السابقة لناهز إلى أكثر ممّا ذكرنا.

و بهذا تصبح المسألة واضحة بيّنة.

هذا كلّه حول أدلّة المشهور.

و أمّا ما دلّ على خلافه، و انّ شهر رمضان تام في جميع الأجيال، فأكثرها ينتهي إلى حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير، و إليك أسماء من رويت عنهم:

1. حذيفة بن منصور. «1»

2. معاوية بن عمار. 2

3. محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه. 3

4. عن محمد بن إسماعيل. 4

5. أبي بصير. 5

6. ياسر خادم الرضا. 6

و عدد الروايات و إن كان يناهز أربعة عشر حديثاً لكن سبعة منها ينتهي إلى حذيفة بن منصور، و هو تارة ينقل عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السَّلام، و أُخرى عن

______________________________

(1) 1- 6 الوسائل: الجزء 7، الباب 5، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 25، 31، 32، 35، 36.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 121

..........

______________________________

الإمام مباشرة، و السبعة الباقية تنتهي إلى خمسة أشخاص و أين هؤلاء من رواة القول الآخر في العدد و العظمة و الجلالة؟! و ها نحن نذكر شيئاً من هذه الأحاديث الشاذة ثمّ نذكر ما ذكره الشيخ حولها:

1. قال معاذ: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: إنّ الناس يقولون: انّ رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم صام تسعة و عشرين أكثر ممّا صام ثلاثين، فقال: «كذبوا، ما صام رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم

منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه أقل من ثلاثين يوماً، و لا نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه تعالى السماوات و الأرض من ثلاثين يوماً و ليلة». «1»

قال الشيخ حول هذا الخبر و ما أشبهه: إنّ هذا الخبر لا يصحّ العمل به من وجوه:

الأوّل: انّ متن هذا الحديث لا يوجد في شي ء من الأُصول المصنّفة، و إنّما هو موجود في الشواذ من الأخبار.

الثاني: انّ كتاب حذيفة بن منصور رحمه الله عريّ منه، و الكتاب معروف مشهور، و لو كان هذا الحديث صحيحاً عنه لضمّنه كتابه.

الثالث: انّ هذا الخبر مختلف الألفاظ مضطرب المعاني، أ لا ترى أنّ حذيفة تارة يرويه عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السَّلام، و تارة يرويه عن أبي عبد الله عليه السَّلام بلا واسطة، و تارة يفتي به من قبل نفسه فلا يسنده إلى أحد، و هذا الضرب من الاختلاف ممّا يضعف الاعتراض به و التعلّق بمثله.

الرابع: لو سلم جميع ما ذكرنا، لكان خبر واحد لا يوجب علماً و لا عملًا، و أخبار

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 24 و انظر الروايات التالية 25، 26، 27، 28، 29، 30 كلّها تنتهي إلى حذيفة بن منصور.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن و الأخبار المتواترة. «1» إلى غير ذلك من الوجوه.

و أمّا ما رواه غيره فالكل لا يخلو من إشكال.

منها: ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في قوله تعالى: (وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) «2» قال: صوم ثلاثين يوماً. «3»

و قد جاء هذا التعليل في رواية أبي بصير «4»، و يعقوب بن

شعيب. 5

و من الواضح انّ التعليل الوارد في القرآن لا يدل على لزوم كون رمضان ثلاثين في كلّ عام، لأنّ المراد من تلك الفقرة أي تتموا عدّة ما أفطرتم فيه و هي أيام السفر و المرض بالقضاء، إذا أقمتم و برأتم فتصوموا للقضاء بعدد أيام الإفطار و أين هي من الدلالة على أنّ شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين؟!

و نظير هذا التعليل ما ورد في رواية محمد بن يعقوب بن شعيب، عن أبيه من تمامية شهر ذي القعدة الحرام، قال: «و ذو القعدة ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً، لأنّ اللّه تعالى يقول: (وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلٰاثِينَ لَيْلَةً)». 6 7

إذ أي صلة بين تمامية ذلك الشهر عند ما كان موسى عليه السَّلام في الميقات و بين كون هذا الشهر تامّاً مدى السنين و الأجيال؟!

______________________________

(1) التهذيب: 4/ 169.

(2) البقرة: 185.

(3) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 31.

(4) 4 و 5 الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 35 و 37.

(5) 6 الأعراف: 142.

(6) 7 الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 32.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 123

..........

______________________________

و بالجملة هذه الروايات لا تخلو من علل مسقطة عن الحجّية يجمعها العناوين التالية:

1. إعراض المشهور عنها.

2. مخالفتها للروايات المستفيضة بل المتواترة.

3. انتهاء أكثرها إلى حذيفة بن كثير، و ليس في كتابه أثر منه.

4. اشتمالها على العلل الضعيفة.

5. مخالفتها للسنّة التكوينية، فانّ معنى الروايات انّ للقمر حركة بطيئة في خصوص شهر ما دائماً و سريعة في خصوص آخر كذلك.

7. عدّ خمسة أيّام من هلال رمضان الماضية

قد ورد في بعض الروايات عدّ خمسة أيّام من هلال رمضان السنة الماضية،

فجعل اليوم الخامس هو أوّل الآتية، فإذا كان أوّل رمضان من السنة الماضية يوم السبت فيكون أوّله في السنة القادمة يوم الأربعاء، و قد وردت هذه العلامة في عديد من الروايات:

أ: ما رواه صفوان بن يحيى، عن محمد بن عثمان الجدري (عُثيم الخُدري)، عن بعض مشايخه، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه أوّل عام». «1»

و الرواية ضعيفة، لأنّ محمد بن عثمان الخُدري لم يوثّق، مضافاً إلى إرساله في آخر السند.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 124

..........

______________________________

نعم لو قلنا بأنّ صفوان لا يروي إلّا عن ثقة، لثبت وثاقة محمد بن عثمان، لكن الإرسال يبقى بحاله.

ب: ما رواه عمران الزعفراني، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة فأيّ يوم نصوم؟ قال: «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية و صم يوم الخامس». «1»

ج: و عن عمران الزعفراني أيضاً، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: انّا نمكث في الشتاء اليوم و اليومين لا ترى شمس و لا نجم فأي يوم نصوم؟ قال: «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية و عدّ خمسة أيّام و صم اليوم الخامس». «2»

و الروايتان ضعيفتان، لأنّ عمران بن إسحاق الزعفراني مجهول.

د: ما رواه الصدوق مرسلًا، قال: قال عليه السَّلام: «إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيّام و صم اليوم الخامس». «3» و هو كما ترى مرسل، و إن ذكره الصدوق بلفظة: «قال عليه السَّلام» الحاكية عن ثبوته لديه.

ه:

روى ابن طاوس في كتاب «الإقبال» من كتاب الحلال و الحرام لإسحاق ابن إبراهيم الثقفي الثقة، عن أحمد بن عمران بن أبي ليلى، عن عاصم بن حميد، عن جعفر بن محمد عليهما السَّلام قال: «عدّوا اليوم الذي تصومون فيه و ثلاثة أيام بعده، و صوموا يوم الخامس، فإنّكم لن تخطئوا». 4

و قد نسب في الوسائل الكتاب لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، و حكى شيخنا

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(2) الفروع من الكافي: 4/ 81، باب النادر، الحديث 4.

(3) 3 و 4 الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4 و 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 125

..........

______________________________

المجيز في الذريعة كونه كذلك في طبعة الصغير من كتاب «الإقبال» للسيد ابن طاوس ص 246، و لكن الصحيح لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الثقة (المتوفّى عام 283 ه).

و أمّا أبو إسحاق الذي له أيضاً كتاب الحلال و الحرام، فقال النجاشي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني، الراوي عن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السَّلام و كان مختصاً بهما، و لذلك كانت العامة تضعّفه، و حكى بعض أصحابنا عن بعض المخالفين: إنّ كتب الواقدي، سائرها إنّما هي كتب إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى نقلها الواقدي و ادّعاها لنفسه». «1»

و قد توفّي إبراهيم هذا سنة 184 أو سنة 191 «2»، و ذكر أنّ كتابه في الحلال و الحرام مبوّب رواه عن جعفر بن محمد. «3»

و على هذا فهنا كتابان باسم واحد، أي الحلال و الحرام، أحدهما: لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، و قد توفّي عام 283؛ و الآخر:

لأبي إسحاق إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى المدني من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق عليهما السَّلام.

و على كلّ تقدير فالرواية ضعيفة، لأنّ أحمد بن عمران بن أبي ليلى لم يوثّق.

نعم عاصم بن حُميد ثقة الذي يروي عنه أحمد بن عمران.

بقي هنا من الروايات رواية السيّاري، و هو شاذ سنداً و مضموناً. أمّا سنداً فيكفي ما ذكره النجاشي في حقّه حيث قال: ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية،

______________________________

(1) النجاشي: 1/ 85 برقم 11 و 18.

(2) معجم رجال الحديث: 1/ 200 برقم 92 و 93.

(3) الذريعة: 7/ 61، برقم 322.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 126

..........

______________________________

كثير المراسيل.

و أمّا مضموناً فلاحظ ما ذكره المحقّق الخوئي في شأن هذه الرواية. «1»

8. جعل يوم الستين بعد شهري رجب و شعبان،

أوّل رمضان

قد ورد في بعض الروايات أنّه يعد الشهران رجب و شعبان 59 يوماً، فاليوم الستون أوّل رمضان، رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «إذا صحّ هلال رجب فعُدّ 59 يوماً و صم يوم الستين». «2» و رواه الصدوق في المقنع. 3

و الرواية ضعيفة بمحمد بن الحسين بن أبي خالد مضافاً إلى إرساله.

و هناك كلمة لصاحب الحدائق في حقّ هذه العلائم، يقول:

إنّها لا تخلو من تعارض و تناقض بعضها مع بعض، لأنّ العمل على بعض منها ربّما ينافيه العمل على البعض الآخر، فالأظهر هو طرح الجميع، و الرجوع إلى الأخبار المستفيضة بالرؤية أو شهادة العدلين أو عدّ ثلاثين يوماً من شعبان، كما عليه كافة العلماء الأعيان، و اللّه العالم. 4

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 109.

(2) 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب أحكام رمضان، الحديث 7 و

5.

(3) 4 الحدائق: 13/ 292.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 127

[مسائل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال للصوم و الإفطار]
[المسألة 1: لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية بل شهدا شهادة علميّة.]

المسألة 1: لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية بل شهدا شهادة علميّة. (1)

______________________________

(1) اتّفق الفقهاء على أنّه لا بدّ في الشهادة من الاستناد إلى الحس، و لا يكفي مطلق العلم إذا كان مستنداً إلى غير الحس، كالجفر و الرمل و غيرهما، و استشهدوا على ذلك بوجهين:

1. انّ الشهادة مأخوذة من الشهود و هي لغة الحضور، و المعتمد على السماع في المبصرات و لم يحضر الواقعة فلا يقال له إنّه شهد و حضر، بل يوصف الشاهد بأنّه لم يكن شاهداً و حاضراً للمشهود به.

2. انّ في قول النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و قد سئل عن الشهادة، و قال: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع». «1» إشعاراً باعتبار الرؤية في الشهادة في خصوص المبصرات. و مثله قول الإمام الصادق عليه السَّلام: «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك». «2»

يلاحظ على الوجه الأوّل: بأنّه سبحانه استعمل لفظ الشهود في مطلق العلم الجازم، قال سبحانه حاكياً عن لسان اخوة يوسف: (فَقُولُوا يٰا أَبٰانٰا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَ مٰا شَهِدْنٰا إِلّٰا بِمٰا عَلِمْنٰا). «3» مع أنّهم لم يحضروا وقت السرقة و إنّما علموا بها من إخراج صواع الملك من رحله، و مع ذلك قالوا: (وَ مٰا شَهِدْنٰا).

أضف إلى ذلك قوله سبحانه: (شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ وَ الْمَلٰائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ) «4»، إلى غير ذلك من الآيات التي استعملت فيها مادة الشهادة في مطلق العلم.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17، الباب 15 من كتاب الشهادات، الحديث 2.

(2) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب الشهادات، الحديث 3.

(3)

يوسف: 81.

(4) آل عمران: 18.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

و التفريق بينها و بين ما ورد في باب ثبوت الدعوى بشهادة العدلين بتخصيص الثانية للمشاهدة و الرؤية تفكيك بلا وجه، بعد كون المادة موضوعة للمعنى العام، و مستعملة في جميعها بملاك فارد، فلا بدّ من التماس تخصيص الشهادة بالحس في عامة الأبواب من الاستناد إلى الوجه الثاني، و أمّا المقام فيكفي ما تضافر نقله من تعليق الصوم و الإفطار على الرؤية.

ففي صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه». «1»

و في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه بيّنة عدل من المسلمين» 2. الحديث.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام: انّ عليّاً عليه السَّلام كان يقول: «لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين». 3

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الشهادة على الهلال المقيدة بالرؤية، و بها يقيد ما جاء مطلقاً.

و بذلك يعلم وجه التفريق بين شهادة المنجمين، فلو ادّعوا ولادة الهلال في ليلة خاصة انّه قابل للرؤية فيها، فلا يؤخذ بها إلّا إذا رُئي الهلال، لما ذكرنا من اشتراط استناد الشهادة إلى الحسّ، بخلاف ما لو ادّعوا عدم إمكانها إلّا بعد ساعات من الغروب، فيؤخذ بها بمعنى انّه يجب الثبت و الدقّة في ثبوت الهلال بالبيّنة أو بالشياع، لأنّه مظنة خطأ الحسّ، و قد ورد نظير ذلك فيما إذا كان الهواء صافياً و ادّعى واحد الرؤيةَ فردّ عليه الإمام و قال: «و ليس بالرأي

و لا بالتظنّي و لكن بالرؤية، و الرؤية ليس أن يقوم عشرة

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4 و 6 و 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 129

[المسألة 2: إذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم ثمّ شهد عدلان برؤيته]

المسألة 2: إذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم ثمّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم و كذا إذا قامت البيّنة على هلال شوال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان أو رآه في تلك اللّيلة بنفسه. (1)

[المسألة 3: لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه.]

المسألة 3: لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضاً إذا لم يثبت عنده خلافه. (2)

______________________________

فينظروا فيقول واحد هو ذا هو، و ينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد، رآه عشرة آلاف». «1»

(1) 1. إذا ترك الصوم في يوم الشك في يوم رمضان اعتماداً على الاستصحاب جاز له الإفطار، و إذا شهد عدلان على رؤية الهلال، يثبت على أنّ اليوم الذي أفطر فيه كان من رمضان و فاته الصوم لعذر ظاهري، فتعمّه أدلّة القضاء المترتبة على عنوان الفوت.

2. كما أنّه إذا قامت البيّنة على رؤية الهلال في ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان كشف عن أنّ اليوم الذي أفطروا فيه بعنوان آخر شعبان كان من رمضان، لأنّ الشهر لا ينقص من تسعة و عشرين كما هو المحقّق من حيث العلم و الروايات.

أمّا العلم فمعلوم. و أمّا الروايات فمرسلة عبد اللّه بن سنان، قال: صام عليٌّ بالكوفة 28 يوماً شهر رمضان، فرأوا الهلال فأمر منادياً ينادي اقضوا يوماً فانّ الشهر 29 يوماً. «2»

و قد وردت روايات تدلّ على عدم نقصان الشهر عن 29 يوماً. «3»

(2) قد تقدّم منّا ثبوت الهلال بحكم الحاكم مع الاعتراف بأنّ الموضوعات لا

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(2) الوسائل: 7، الباب 14 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(3) لاحظ الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان،

الحديث 14، 15 و لاحظ أيضاً الباب الخامس.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 130

[المسألة 4: إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده]

المسألة 4: إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده فإن كانا متقاربين كفى و إلّا فلا إلّا إذا علم توافق أُفقهما و إن كانا متباعدين. (1)

______________________________

تثبت بحكمه و لكن للهلال خصوصية، فإذا كان داخلًا تحت عموم ما دلّ على نفوذ القضاء و الحكم، فهو ينفذ في حق الجميع سواء كان عامّيّاً أو مجتهداً ثبت عنده أو لم يثبت.

اللّهم إلّا في موارد خاصة كفساد اجتهاده أو فساد مستنده، فلو قضى بشهادة النساء أو بشهادة الفاسق لم يكن نافذاً، أو استند إلى شهادة من نعلم كذبه، و في غير هذه الموارد يكون حكمه نافذاً.

أمّا عدم نفوذ حكمه عند فساد اجتهاده أو فساد مستنده، فلأنّ حكم الحاكم لا يُغيِّر الواقع، لأنّ التصويب في الموضوعات باطل.

و تدل على ذلك صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً، فإنّما قطعت له به قطعة من النار». «1»

و بما ذكرنا يعلم أنّه لا يجوز نقض الحكم بالفتوى، مثلًا لو كان أساس حكم الحاكم هو الشياع الظنّي و كان المجتهد الآخر يرى عدم حجّيته، فلا يصحّ له نقض الحكم بالفتوى، و لا بالحكم.

أمّا بالفتوى، فمعلوم، لأنّه لم يتبيّن فساد اجتهاده و لا فساد مستنده، و إنّما بان الخلاف في الفتوى و النظر، و الواقع بعد غير معلوم؛ و أمّا بالحكم، فهو خلاف إطلاق روايات النفوذ.

(1) اتّفقت كلمتهم على عدم اعتبار

الرؤية في نفس البلد، بل تكفي الرؤية في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

خارجه، و قد استفاضت الروايات في ذلك. «1»

كما اتّفقت كلمتهم على كفاية الرؤية في بلد آخر إذا كان متحداً معه في الأُفق، كما إذا كانا متحدين في المطالع.

و مثل الثاني ما إذا كانا مختلفين في المطالع لكن الثبوت في بلد يكون مستلزماً للثبوت في البلد الآخر بالأولوية، مثلًا إذا رُئي الهلال في البلد الشرقي فيكون حجّة بالنسبة إلى البلد الغربي، لأنّ حركة القمر من الشرق إلى الغرب، فإذا رُئي في الشرق يكون دليلًا على تولّد الهلال تولّداً شرعياً قابلًا للرؤية عند الغروب في المشرق قبل وصوله إلى المغرب.

فهذه الموارد الثلاثة لا يُطرأ عليها الاختلاف، إنّما الكلام فيما إذا اختلف الأُفق و شوهد الهلال في البلاد الغربية فهل يكفي ذلك للبلاد الشرقية أو لا؟

و الفقهاء في هذه المسألة على طوائف ثلاث:

الأُولى: مَن لم يتعرض للمسألة و لم يصرِّح بالفرق أو بعدم الفرق بين البلاد المتقاربة و المتباعدة.

الثانية: مَن صرّح بالمسألة و فرّق بين المتباعد و المتقارب، و هم الأكثر.

الثالثة: مَن لم يفرّق بينهم و عطف المتباعد على المتقارب.

لا حاجة لذكر أسماء الطائفة الأُولى و إنّما المهم هو الإيعاز إلى أسماء الطائفتين.

من اشترط وحدة الأُفق

قد ذهب لفيف من القدماء إلى شرطية التقارب بين البلدين، و أوّل من نبَّه بذلك

______________________________

(1) لاحظ الوسائل: 7، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10، 13، و غيره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 132

..........

______________________________

هو شيخ الطائفة الطوسي (460385 ه).

1. قال: علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البيّنة إلى أن قال: و

متى لم يُر الهلال في البلد و رُئي خارج البلد، على ما بيّناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رئي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية و الموانع مرتفعة، لرُئي في ذلك البلد أيضاً، لاتّفاق عروضها و تقاربها، مثل بغداد و واسط و الكوفة و تكريت و الموصل، فأمّا إذا بعدت البلاد مثل بغداد و خراسان، و بغداد و مصر، فإنّ لكلّ بلد حكمَ نفسه. «1»

و لم يتعرض في كتابيه الآخرين: النهاية، «2» و لا الخلاف للمسألة. «3»

2. قال ابن حمزة (المتوفّى حوالي 550 ه): و إذا رُئي في بلد و لم ير في آخر، فإن كانا متقاربين لزم الصوم أهلهما معاً، و إن كانا متباعدين، مثل بغداد و مصر أو بلاد خراسان، لم يلزم أهل الآخر. «4»

3. و قال المحقّق (676602 ه): و إذا رُئي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة و بغداد، وجب الصوم على ساكنيهما أجمع، دون المتباعدة، كالعراق و خراسان. «5»

و قال في المعتبر نفس ذلك القول و ذكر فتوى ابن عباس، فقال: و قد أفتى بذلك عبد اللّه بن عباس. «6» و سيوافيك فتوى ابن عباس عن التذكرة.

4. و قال العلّامة (648- 726 ه) في «التذكرة»: إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد، و لم يره أهل بلد آخر، فإن تقاربت البلدان كبغداد و الكوفة، كان حكمهما واحداً: يجب الصوم عليهما معاً، و كذا الإفطار؛ و إن تباعدتا كبغداد و خراسان و الحجاز و العراق، فلكلّ بلد حكمُ نفسه، قال الشيخ رحمه الله «7»: و هو المعتمد. و به قال أبو حنيفة، و هو قول بعض

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 268267.

(2) النهاية: 150.

(3) الخلاف: 1/ 391، المسألة 8.

(4) الوسيلة: 141.

(5) شرائع الإسلام:

1/ 200.

(6) المعتبر: 2/ 689.

(7) المبسوط: 1/ 268.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

الشافعية، و مذهب القاسم و سالم و إسحاق «1»؛ لما رواه كُرَيب من أنّ أُمّ الفضل بنت الحارث بَعثتهُ إلى معاوية بالشام، قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي و استهلّ عليّ رمضان، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثمّ قدمتُ المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد اللّه بن عباس و ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة؛ فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم و رءاه الناس و صاموا و صام معاوية؛ فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه؛ فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية و صيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم. «2»

و لأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع و الأرض كرة، فجاز أن يرى الهلال في بلد و لا يظهر في آخر؛ لأنّ حَدَبَة «3» الأرض مانعة من رؤيته، و قد رصد ذلك أهل المعرفة، و شوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جدّ في السير نحو المشرق و بالعكس.

و قال بعض الشافعية: حكم البلاد كلّها واحد، متى رُئي الهلال في بلد و حكم بأنّه أوّل الشهر، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت، اختلفت مطالعها أو لا و به قال أحمد بن حنبل و الليث بن سعد «4»، و بعض

______________________________

(1) فتح العزيز: 6/ 272271؛ المهذب للشيرازي: 1/ 168؛ المجموع: 6/ 273 و 274؛ حلية العلماء: 3/ 180؛ المغني: 3/ 10؛ الشرح الكبير: 3/ 7.

(2) صحيح مسلم: 2/ 765/ برقم 1087؛ سنن الترمذي: 3/ 7776/ برقم 693؛ سنن

أبي داود: 2/ 300299 برقم 2332؛ سنن النسائي: 4/ 131؛ سنن الدارقطني: 2/ 171 برقم 21؛ سنن البيهقي: 4/ 251.

(3) الحَدَبَة: ما أشرف من الأرض و غلظ و ارتفع. لسان العرب: 1/ 301.

(4) فتح العزيز: 6/ 272؛ المجموع: 6/ 273 و 274؛ حلية العلماء: 3/ برقم 181؛ المغني: 3/ 10؛ الشرح الكبير: 3/ 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

علمائنا لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية، و في الباقي بالشهادة، فيجب صومه؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). «1»

و قوله عليه السَّلام: «فرض اللّه صوم شهر رمضان». «2» و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

و لأنّ الدَّين يحلّ به، و يقع به النذر المعلّق عليه.

و لقول الصادق عليه السَّلام: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه». «3»

و قال عليه السَّلام، في من صام تسعة و عشرين، قال: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية، قضى يوماً». «4»

و لأنّ الأرض مسطّحة، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في غيره شي ء عارض؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

و نمنع كونه يوماً من رمضان في حقّ الجميع؛ فإنّه المتنازع، و لا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة؛ فإنّه أوّل المسألة.

و قول الصادق عليه السَّلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية؛ جمعاً بين الأدلّة. «5»

5. و قال في «المنتهى»: إن رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت. و به قال أحمد و الليث بن سعد و بعض أصحاب الشافعي، ثمّ ذكر تفصيل الشيخ بين البلاد المتباعدة، ثمّ أخذ بردّها، فخرج بالنتيجة التالية:

ان علم طلوعه في بعض الصفائح و عدم طلوعه في

بعضها المتباعد منه لكروية

______________________________

(1) البقرة: 185.

(2) صحيح البخاري: 3/ 31؛ سنن النسائي: 4/ 121؛ سنن البيهقي: 4/ 201 نقلًا بالمعنى.

(3) التهذيب: 4/ 158157/ برقم 439؛ الاستبصار: 2/ 64/ برقم 206.

(4) التهذيب: 4/ 158/ برقم 443.

(5) التذكرة: 6/ 124.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

الأرض لم يتساو حكماهما، أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ. «1»

و على هذا فما ربما يعدّ العلّامة في المنتهى من القائلين بعدم الفرق بين البعيد و القريب إنّما يصحّ حسب ابتداء كلامه، و أمّا بالنسبة إلى النتيجة التي وصل إليها فإنّما سوّى بين القريب و البعيد إذا لم يُعلم اختلاف مطالعهما، و إلّا فالحكم هو الفرق بين القريب و البعيد.

6. كما أنّه قدَّس سرَّه مشى في «القواعد» على غرار «التذكرة»، و قال: و حكم البلاد المتقاربة واحد بخلاف المتباعدة، فلو سافر إلى موضع بعيد لم يُر الهلال فيه ليلة الثلاثين تابعهم؛ و لو أصبح معيّداً و سار به المركب إلى موضع بعيد لم ير فيه الهلال لقرب الدرج، ففي وجوب الإمساك نظر، و لو رأى هلال رمضان ثمّ سار إلى موضع لم ير فيه، فالأقرب وجوب الصوم يوم أحد و ثلاثين.

و بالعكس يفطر يوم التاسع و العشرين. «2»

أقول: ما ذكره في الفرعين، هو الذي يُلزم به القائلون باشتراط وحدة الأُفق حيث يورد عليهم بأنّ لازم اشتراط وحدة الأُفق صوم واحد و ثلاثين يوماً في فرض و ثماني و عشرين في فرض آخر.

أمّا الأوّل ففيما إذا كان الشهر تامّاً في القريب و البعيد رُئي الهلال في الأوّل دون الثاني، و صام ثلاثين يوماً في القريب، و سار إلى البلد الآخر بعده، فلو وجبت عليه المتابعة يلزم أن يصوم ذلك اليوم،

لأنّه هو اليوم الآخر من شهر رمضان في ذلك القطر فيلزم أن يصوم واحداً و ثلاثين.

بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الرؤية في القريب حجّة على البعيد، فيجب على الجميع

______________________________

(1) المنتهى: 2/ 593.

(2) قواعد الأحكام: 1/ 70.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

الإفطار في ذلك اليوم، من غير فرق بين بلد رُئي فيه الهلال و ما لم ير فيه.

و أمّا الثاني ففيما إذا كان الشهر غير تام في القريب و البعيد: فلو رُئي في بلده متأخراً و في البلد البعيد متقدماً، فصام في بلده ثماني و عشرين يوماً ثمّ سار به إلى البلد الآخر، فلو وجبت المتابعة يجب أن يفطر التاسع و العشرين، لكونه في ذلك القطر يوم الفطر و كلاهما لا يلتزم به الفقيه.

7. و قال الشهيد الأوّل (786734 ه): يصام رمضان برؤية هلاله و إن انفرد ... و البلاد المتقاربة كالبصرة و بغداد متّحدة لا كبغداد و مصر، قاله الشيخ؛ و يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية و إن تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع. «1»

و لا يخفى انّ ما استثناه ليس مخالفاً للقول بشرطية وحدة الأُفق لما سيوافيك من أنّ هذه (الرؤية في الشرق حجّة على الغرب) خارج عن محط البحث للملازمة بين الرؤيتين.

8. و قال الشهيد الثاني (966911 ه): و إذا رُئي في البلاد المتقاربة، كالكوفة و بغداد، وجب الصوم على ساكنيهما أجمع دون المتباعدة، قال: المراد انّه إذا رُئي في أحد البلاد المتقاربة و لم ير في الباقي وجب الصوم على الجميع؛ بخلاف المتباعدة، فانّ لكلّ واحدة منها حكم نفسها.

9. و قال «2» المقدس الأردبيلي (المتوفّى 993 ه) عند قول المحقّق: «و المتقاربة كبغداد

و الكوفة متحدة بخلاف المتباعدة».

قال: و وجهه ظاهر بعد الفرض، لأنّه إذا نظر و ما رأى في هذا البلد و رأى في

______________________________

(1) الدروس الشرعية: 1/ 285284.

(2) المسالك: 2/ 52.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

بلد آخر يصدق عليه أنّه ما رأى فيفطر، لصدق الأدلة المفيدة أنّه ليس من الشهر في هذا البلد، فلا تنفع الرؤية في بلد آخر لأهل هذا البلد، و لا يستلزم الصدق.

مع أنّه علم بالفرض من مخالفة المطالع، عدمَ استلزام إمكان الرؤية هنا، بل قد يكون ممتنعاً.

فقول المصنِّف في «المنتهى» بعدم الفرق بعد الرؤية في بلد ما، في إيجاب الصوم و الإفطار بين المتقاربة و المتباعدة بدليل ثبوته بالرؤية في بلد، و بالشهود في آخر بعيد لما مرّ، و لأنّ الظاهر انّ المراد بمن شهد الشهر أنّهم رأوا في البلد الذي هم فيه كما هو المتبادر. «1»

10. و قال صاحب المدارك (المتوفّى 911 ه): المراد انّه إذا رُئي الهلال في إحدى البلاد المتقاربة، و هي التي لم تختلف مطالعها و لم يُر في الباقي، وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد، بخلاف المتباعدة، فهي ما علم اختلاف مطالعها، فانّ الصوم يلزم من رأى دون من لم ير. «2»

إلى هنا تبيّن انّه لم يفت أحد إلى نهاية الألف سنة من الإمامية باتحاد حكم المتباعد و المتقارب إلّا العلّامة في «المنتهى»، و قد عرفت أنّه عدل عمّا ذكره في صدر كلامه إلى شي ء آخر، و هو وحدة البلاد في الحكم إذا لم يعلم اختلاف مطالعهما.

نعم احتمل الشهيد الأوّل احتمالًا متساوياً، و قد عرفت أنّ مورده خارج عن محط البحث.

و أمّا بعد الألف، فربما نرى بعض من يرجِّح ذلك القول، و

على رأسهم المحدِّث الكاشاني و تبعه الشيخ يوسف البحراني و غيرهم، و إليك بعض نصوصهم.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 5/ 295.

(2) مدارك الاحكام: 6/ 171.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

من لم يشترط وحدة الأُفق

قال المحدّث الكاشاني (10911007 ه) في «الوافي» بعد نقل جملة من الأخبار الدالة على القضاء بشهادة أهل بلد آخر: أنّما قال عليه السَّلام: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»، لأنّه إذا رآه واحد في البلد رآه ألف كما مرّ. و الظاهر انّه لا فرق بين أن يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه، لأنّ بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية، و لعدم انضباط القرب و البعد لجمهور الناس، و لإطلاق اللفظ، فما اشتهر بين متأخري أصحابنا من الفرق ثمّ اختلافهم في تفسير القرب و البعد بالاجتهاد لا وجه له. «1» و سيوافيك انّ المناط هو جواز الرؤية.

و قال المحدّث البحراني (المتوفّى 1186 ه): قد صرّح جملة من الأصحاب بأنّ حكم البلاد المتقاربة كبغداد و الكوفة واحد، فإذا رُئي الهلال في أحدهما وجب الصوم على ساكنيهما، أمّا لو كانت متباعدة كبغداد و خراسان و العراق و الحجاز، فانّ لكلّ بلد حكم نفسها. و هذا الفرق عندهم مبني على كروية الأرض و أمّا مع القول بعدمها فالتساوي هو الحقّ. «2»

الظاهر تصحيح النزاع على القول بكرويتها، و إن كان على القول بكونها مسطحة غير صحيح كما سيوافيك.

و قد تبعهما النراقي في «المستند»، و قال: الحقّ كفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقاً سواء أ كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيراً، لأنّ اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين لا يحصل العلم بهما

البتة. «3»

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 13/ 268.

(2) الحدائق الناضرة: 13/ 263.

(3) مستند الشيعة: 10/ 424.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

و قال في الجواهر (12661200 ه): إن علم طلوعه في بعض الأصقاع و عدم طلوعه في بعضها للتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو أحكامهما.

ثمّ قال: و يمكن أن لا يكون كذلك ضرورة عدم اتفاق العلم بذلك عادة، فالوجوب حينئذ على الجميع مطلقاً قوي. «1»

و لا يخفى انّ ما ذكره صاحب الجواهر من عدم حصول العلم بعدم التساوي في المطالع صار بمنزلة الأُمور البديهية في هذه الأزمان حسب تقدم وسائل الاتصال و تطورها. و قد أيّد ذلك القول بعض مراجع العصر كالسيد الحكيم في مستمسكه و اختاره السيد الخوئي في «منهاج الصالحين» في إطار خاص، و هو أن تكون ليلة واحدة ليلة للبلدين و إن كانت أوّل ليلة لأحدهما، و آخر ليلة للآخر المنطبق طبعاً على النصف من الكرة الأرضية دون النصف الآخر الذي تشرق عليه الشمس عند ما تغرب عندنا بداهة انّ الآن نهار عندهم فلا معنى للحكم بأنّه أوّل ليلة من الشهر بالنسبة إليهم. «2»

هذا هو تاريخ المسألة و سيرها في الأعصار و قد علمت أنّ القول باتحاد القريب و البعيد في الحكم كان شاذاً في العشر الأُولى من القرون و إنّما خرج عن الشذوذ بعد فتوى المحدّث الكاشاني و المحدّث البحراني و صاحب المستند إلى ان اختاره السيد الخوئي قولًا في إطار خاص كما عرفت.

و قبل الخوض في أدلّة القولين نقدّم أُموراً تلقي المزيد من الضوء على المسألة.

الأوّل: قال علماء الفلك: إنّ القمر يدور حول نفسه، و حول الأرض في نفس الوقت و تبدأ كلتا الدورتين معاً، و تنتهيان معاً و مدتهما

شهر كامل من شهور الأرض.

______________________________

(1) الجواهر: 16/ 361360.

(2) مستند العروة: 2/ 119.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

الثاني: قال علماء الفلك: إنّ حركة القمر حول الأرض معقّدة، و انّ الفترة الزمنية بين اقترانين (أي اقتران القمر بالشمس مرّة بعد مرة) ليست على نمط واحد، بل هي تختلف من شهر إلى شهر، و هي تتراوح من 29 يوماً و 19 ساعة إلى 29 يوماً و 5 ساعات. و هي مدة غير قليلة من الاختلاف غير انّهم حدّدوها بيوم أو يومين من أيام المحاق.

الثالث: انّ دورة القمر حول الأرض لا يمكن أن تقلَّ عن 29 يوماً، و قد أجمع الفقهاء على ذلك، و من ثمّ لا ترى أيّاً منهم يوصل الشهر القمري إلى 28 يوماً.

الرابع: ما ذا يراد من وحدة الأُفق أو اختلافه؟ فانّ الأُفق ليس إلّا المحل الذي ترى فيه السماء كأنّها منطبقة على الأرض في نهاية مدّ البصر و هي مسافة قد لا تزيد في الأرض المنبسطة على كيلومترين و نصف أو ثلاثة، فإذاً فالأُفق كدائرة حول الناظر لا يزيد قطرها على ستة كيلومترات، و هي منطقة صغيرة. بحيث يمكن تقسيم الكرة الأرضية إلى آلاف مثلها، و من المعلوم انّ المراد غير هذا.

و المراد وحدة البلدين في الطلوع و الغروب، فإذا كانا تحت خطّ واحد من نصف النهار فهما متّحدان في الأُفق.

ثمّ إنّ القمر بما انّه يتحرك من الشرق إلى الغرب، على خلاف الأرض فإنّها تسير من الغرب إلى الشرق، فإذا رُئي الهلال في بقعة دلّ على أنّ الهلال تولّد في هذه البقعة، فعندئذ لا يكون دليلًا على ولادته في الآفاق الشرقية، لإمكان أن لا يخرج القمر من المحاق في سيره من المشرق

إلى هذه البقعة، و لكنّه يكون دليلًا على وجود الهلال في الآفاق الغربية عند الغروب بحيث لو استهل و لم يكن هناك مانع لرُئي قطعاً كما سيوافيك.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

الخامس: كيفية تكوّن الهلال؟

إنّ القمر في نفسه جرم مظلم و إنّما يكتسب النور من الشمس نتيجة المواجهة معها، فنصف منه مستنير دائماً، و النصف الآخر مظلم كذلك، غير انّ النصف المستنير لا يستبين لدينا على الدوام، بل يختلف زيادة و نقصاً حسب اختلاف سير القمر.

فانّه لدى طلوعه عن الأُفق من نقطة المشرق مقارناً لغروب الشمس بفاصل يسير في الليلة الرابعة عشرة من كلّ شهر بل الخامسة عشرة فيما لو كان الشهر تامّاً يكون تمام النصف منه المتجه نحوَ الغرب مستنيراً حينئذ لمواجهته الكاملة مع النيّر الأعظم، و هذا ما يطلق عليه مقابلة القمر مع الشمس، كما أنّ النصف الآخر المتجه نحو الشرق مظلم.

ثمّ إنّ هذا النور يأخذ في قوس النزول في الليالي المقبلة، و تقلُّ سعته شيئاً فشيئاً حسب اختلاف سير القمر إلى أن ينتهي في أواخر الشهر إلى نقطة المغرب بحيث يكون نصفه المنير مواجهاً للشمس. و هذا ما يطلق عليه مقارنة النيرين. و يكون المواجه لنا هو تمام النصف الآخر المظلم. و هذا هو الذي يعبِّر عنه بتحت الشعاع و المحاق، فلا يرى منه أي جزء، لأنّ الطرف المستنير غير مواجه لنا لا كلًا كما في الليلة الرابعة عشرة، و لا بعضاً كما في الليالي السابقة عليها أو اللاحقة.

ثمّ يخرج شيئاً فشيئاً عن تحت الشعاع و يظهر مقدار منه من ناحية الشرق و يرى بصورة ضوء عريض هلاليّ ضعيف، و هذا هو معنى تكوّن الهلال و تولّده، فمتى كان

جزء منه قابلًا للرؤية و لو بنحو الموجبة الجزئية، فقد انتهى به الشهر القديم، و كان مبدأً لشهر قمري جديد.

إذاً فتكوّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلًا للرؤية و لو في الجملة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

السادس: الشهر القمري يفترق عن الشهر الطبيعي، و لكنّ الثاني ربما لا يشكّل بداية الشهر الشرعي، ما لم يتكون الهلال بصورة قابلة للرؤية عند الغروب، و لذا يتأخر الشهر الشرعي عن الشهر الطبيعي باستمرار، لاستحالة أن يتولّد الهلال من أوّل أمره عريضاً قابلًا للرؤية.

و بعبارة أُخرى: انّ القمر إذا بدأ بالخروج من مقارنة النيّر الأعظم متحركاً إلى جانب الغرب يتحقّق الشهر الطبيعي أو الفلكي، و مع ذلك لا يرى في السماء عند الغروب إلّا إذا انتهت حركته إلى درجة تؤهله للرؤية، و يذكر الفلكيون انّ القمر إذا وصل إلى الدرجة السادسة من دائرة حركته يكون صالحاً للرؤية بالعين المجردة، و لذلك ربما يتوقف على تأخر ليلة كاملة من ولادته الطبيعية.

السابع: انّ القمر يبدأ بحركته من الشرق إلى الغرب، و يخرج من مقارنة النير الأعظم متوجهاً إلى جانبه شيئاً فشيئاً إلى أن يتولد الهلال القابل للرؤية عند الغروب، فإذا رُئي يكون دليلًا على إمكان رؤيته في الآفاق الغربية، لأن سير القمر يكون باتجاهها و إذا وصل إليها ربما يكون النور فيه قد ازداد.

و لذلك ربما يقال: إنّ الرؤية في الآفاق الشرقية دليل على إمكان رؤيته في الآفاق الغربية، بل ربما يكون رؤية الهلال فيها أكثر وضوحاً من الآفاق الشرقية، و هذا بخلاف العكس، فإذا رُئي في الآفاق الغربية لا يكون دليلًا على إمكان رؤيته في الآفاق الشرقية عند غروب فيها، لإمكان تولّد الهلال

القابل للرؤية بعد تجاوزه الآفاق الشرقية.

الثامن: إذا خرج القمر عن المحاق و تكوّن الهلال الشرعي على وجه صار قابلًا للرؤية لأوّل وهلة في أُفق خاص بحيث لم يكن هناك أي هلال قبلها. فعندئذ تكون نسبة الآفاق إلى ذلك الأُفق مختلفة حسب اختلافها في طول البلد.

فالآفاق الواقعة غرب ذلك الأُفق بين آخر نهارها أو وسط نهارها أو أوائل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 143

..........

______________________________

فجرها، كما أنّ الآفاق الشرقية غطها الليل فهي بين وسط الليل أو آخره.

فما هو المنهج المتبع للتعرف على بداية الشهر القمري؟

هناك احتمالات:

1. أن يكون ثبوت الشهر أمراً مطلقاً لا نسبياً بمعنى أنّ تكوّن الهلال و صيرورته قابلًا للرؤية في نقطة من نقاط العالم، يكون سبباً لثبوت الشهر الشرعي في جميع العالم.

و بعبارة أُخرى: خروج القمر عن المحاق وقت الغروب في نقطة، يعد بداية الشهر القمري لعامة الآفاق.

2. أن يكون ثبوت الشهر في نقطة من نقاط العالم سبباً لثبوت الشهر الشرعي في الآفاق التي تشترك مع هذا الأُفق في جزء من الليل و إن كان ساعة واحدة من غير فرق بين الآفاق الغربية و الشرقية، و على هذا يكون ثبوت الشهر أمراً نسبياً لكن في دائرة كبيرة و يشارك هذا الوجه مع الوجه الأوّل في أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع في نقطة وقت الغروب، يكون بداية الشهر الشرعي في البلاد التي تشارك بلد الرؤية في جزء من الليل.

3. أن يكون إمكان الرؤية الذي هو أوّل الولادة الشرعية للهلال سبباً لكونه شهراً شرعياً للنقاط التي يُرى فيها الهلال عند غروبهم إذا لم يكن هناك مانع، كما هو الحال في الآفاق الغربية بالنسبة إلى الأُفق الذي رُئي فيه الهلال، و لكن لا

يتّسم الزمان بالشهر الشرعي إلّا بعد غروب الشمس في كلّ أُفق على نحو يمكن للإنسان رؤية الهلال إذا لم تكن موانع و عوائق.

أمّا الاحتمال الأوّل فهذا مما لا يمكن الالتزام به، إذ معنى ذلك أن نلتزم ببدء الشهر فيه من ثلث الليل و نصفه و يكون ذاك بداية الشهر الشرعي في تلك الآفاق.

و الثاني هو خيرة المحقّق الخوئي كما سيوافيك، و هو أخف إشكالًا من الأوّل، و هو يشارك الأوّل في الإشكال في بعض النقاط.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 144

..........

______________________________

و أمّا الثالث و هو نقيّ عن الإشكال، إنّما الكلام في ما يستفاده من الروايات.

التاسع: انّ الصوم و الإفطار و إن علّق على الرؤية في كثير من الروايات، لكنّ الرؤية طريق إلى العلم بخروج القمر عن المحاق، و يدلّ على ذلك أُمور:

1. إقامة البيّنة مقام الرؤية، و هذا دليل على أنّ الرؤية مأخوذة بنحو الكاشفية، فلو كشف عن الهلال حجّة شرعية تقوم مقامها.

2. عدّ الثلاثين من أوّل يوم رُئي فيه الهلال حيث يحكم بخروج الشهر السابق و دخول اللاحق.

3. وجوب قضاء صوم يوم الشك إذا أفطر لعدم ثبوت الهلال ثمّ ثبت ولادة الهلال في ليلة ذلك اليوم.

4. إذا رُئي الهلال في ليلة التاسع و العشرين من صومه انكشف انّه أفطر في شهر رمضان يوماً.

5. إذا صام بنية آخر شعبان فتبيّن انّه من رمضان، فقد صحّ صومه. و هذه الفروع كلّها منصوصة، و قد أفتى على ضوئها العلماء، و هذا يكشف عن كون الرؤية أخذت طريقاً لوجود الهلال في الأُفق وقت المغرب.

العاشر: قد عرفت أنّ الموضوع هو الرؤية، فهل هي منصرفة إلى العين العادية أو يعمّها و العين ذات البصر الحاد، و على كلّ

تقدير فهل الموضوع هو الرؤية بالعين المجردة أو يعمّ الرؤية بالعين المسلحة المستندة إلى النظارات القوية؟

المشهور هو الأوّل، فلا تكفي الرؤية بعين ذات البصر الحاد كما لا تكفي الرؤية بالآلات الرصدية، و ما هذا إلّا للانصراف.

نعم لا بأس بالاستعانة بالنظارات لتعيين المحل، ثمّ النظر بالعين المجردة، فإذا كان قابلًا للرؤية و لو بالاستعانة بتلك الآلات في تحقيق المقدمات كفى

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

و ثبت الهلال. «1» و لكن يمكن التفريق بين الرؤية بالعين ذات البصر الحاد، فإذا افترضنا في بلد يوجد فيها ثقتان لهما حدة البصر فرأيا الهلال بالعين المجرّدة، و شهدا عند الحاكم فهل عليهما أن يصوما أو لا؟

و على الفرض الأوّل هل تقبل شهادتهما عند الحاكم أو ترد؟

لا أظن أن يلتزم الفقيه بعدم وجوب الصوم عليهما، كيف و هو على خلاف النص.

1. روى علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السَّلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: «إذا لم يشك فليفطر و إلّا فليصم مع الناس». «2»

2. روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه، قال: سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله أن يصوم؟ فقال: «إذا لم يشك فيه فليصم وحده و إلّا يصوم مع الناس إذا صاموا».

و إنّما 3 الكلام في الثاني، فهل للحاكم أن يرد شهادتهما مع علمه بوثاقتهما و عدم كون المورد مظنة الخطأ، لأنّه إنّما يكون كذلك إذا كان الجوّ صحواً و ادّعى رجلان الرؤية و لم يكونا من ذوي البصر الحاد، و يؤيد ذلك انّهما لو ادّعيا الرؤية و رُئي الهلال في ليلة التاسع و العشرين

فليس للحاكم إلّا الحكم بالإفطار و الأخذ بقولهما.

إنّما الكلام في الرؤية بالآلات الرصدية، فالظاهر انصراف النص عنه، و قد عرفت الفرق بين الولادة الطبيعية للهلال و الولادة الشرعية، و انّ الثاني إنّما يتم إذا خرج

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 2/ 119117.

(2) 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 4 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 146

..........

______________________________

القمر عن مقارنة الشمس بست درجات، فما تُريه النظارات فإنّما تثبت الهلال الطبيعي لا الهلال الشرعي، و إن شئت قلت: الشهر الطبيعي لا الشهر القمري.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 146

إذا عرفت هذه الأُمور فلنرجع إلى بيان أدلّة القولين، فنقول:

تحليل نظرية اشتراط وحدة الأُفق

إذا وقفت على هذه الأُمور فلندخل في صلب الموضوع و نقدم دليل من قال باشتراط وحدة الأُفق، فقد استدلوا أو يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين تاليين:

الأوّل: خروج القمر عن المحاق كشروق الشمس

إنّ خروج القمر عن تحت الشعاع أشبه بشروق الشمس و غروبها، فكما انّ لكلّ أُفق مشرقاً و مغرباً حسب اختلاف البلدان حيث إنّ الأرض بمقتضى كرويتها و حركتها الوضعية يكون النصف منها مواجهاً للشمس دائماً و النصف الآخر غير مواجه، و يعبِّر عن الأوّل بقوس النهار و عن الثاني بقوس الليل، و هذان القوسان في حركة و انتقال دائماً حسب حركة الأرض حول نفسها، و لذلك يكون هناك مشارق و مغارب حسب اختلاف درجاتها.

و هكذا الهلال و خروج القمر عن تحت الشعاع، فانّه يختلف حسب اختلاف الآفاق، فربما يخرج القمر من بقعة عنه و

يُرى الجزء القليل من وجهه المضاء، دون بقعة أُخرى، و يظهر ذلك بوضوح إذا علمنا انّ القمر يسير من الشرق إلى الغرب، فلو رئي في بلد دل على خروجه عنه في ذلك الوقت، لا يكشف ذلك عن خروجه عنه في البلد الواقع في شرقه، إذ لعلّ القمر وقت غروب الشمس عنه كان في المحاق.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

هذا هو الاستدلال المعروف و قد يؤاخذ عليه بالتالي:

وجود الفرق بين شروق الشمس و غروبها و طلوع الهلال، لأنّه يتحقّق في كلّ آن شروق في نقطة من الأرض و غروب في نقطة أُخرى مقابلة لها، و ذلك لأنّ هذه الحالات إنّما تنتزع من كيفية اتجاه الكرة الأرضية مع الشمس، فهي نسبة قائمة بين الأرض و الشمس، و بما انّ الأرض لا تزال في تبدّل و انتقال، فتختلف تلك النسب حسب اختلاف جهة الأرض مع الشمس، و هذا بخلاف الهلال فانّه إنّما يتولد و يتكون من كيفية نسبة القمر إلى الشمس من دون مدخل لوجود الكرة الأرضية في ذلك بوجه، بحيث لو فرضنا خلوّ الفضاء عنها رأساً لكان القمر متشكلًا بشتى أشكاله من هلاله إلى بدره و بالعكس كما نشاهدها الآن.

و بعبارة أُخرى: انّ الهلال عبارة عن خروجه تحت الشعاع بمقدار يكون قابلًا للرؤية و لو في الجملة، و هذا كما ترى أمر واقعي وجداني لا يختلف فيه بلد عن بلد و لا صقع عن صقع، لأنّه كما عرفت نسبة بين القمر و الشمس لا بينه و بين الأرض، فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونية في جو الفضاء، و على هذا يكون حدوثها، بداية شهر قمري لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها

و مغاربها و إن لم ير الهلال في بعض مناطقها لمانع خارجي من شعاع الشمس أو كُرويّة الأرض. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من أنّ الشروق نسبة قائمة بين الشمس و الأرض بخلاف خروج القمر من المحاق فانّها نسبة بين الشمس و القمر، غير تام.

و ذلك لعدم التفاوت بينهما حيث إنّ وجه القمر المقابل للشمس، مستنير أبداً و الوجه المخالف مظلم كذلك، و لا يتصور في الجانب المستنير الهلال و لا التربيع و لا

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 117.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 148

..........

______________________________

التثليث و لا البدر إلّا بالإضافة إلى الأرض و فرض الناظر فيه، ففي حالة المقارنة يكون وجه القمر المظلم إلى الأرض، و الوجه المستنير كلّه إلى الشمس و إذا بدأ بالخروج عن المحاق يبدو نور عريض حول القمر بالنسبة إلى الأرض و الناظر المفروض فيه ثمّ لم يلبث يتحرك حتى يصل إلى التربيع بحيث يكون نصف الوجه المقابل مستنيراً و نصفه في ظلمة إلى أن يصل إلى التثليث و البدر.

فلو لم يكن هناك أرض و لا ناظر مفروض بحيث جرد النظر إلى الشمس و القمر، فلا يتحقق فيه تلك الحالات الأربع: الهلال، التربيع، التثليث، و البدر، بل ليس هناك إلّا حالة واحدة و هي كون نصف منه مظلم و نصف منه مستنير، و يدلّ على ذلك انّه لو فرض ناظر يرى القمر في كوكب آخر غير الأرض لما يراه هلالًا فاتّضحت بذلك صحّة قياس بزوغ القمر ببزوغ الشمس، فكما أنّ هناك مشارق و مغارب فهناك أيضاً بزوغات للقمر حسب اختلاف المناطق.

الثاني: الميقات هو وجود الهلال عند الغروب

إنّ المستفاد من الأدلّة هو الاحتمال الثالث في تحقّق الشهر الشرعي، قال سبحانه:

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهٰا وَ لٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقىٰ وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). «1»

سأل الناس عن أحوال الأهلّة في زيادتها و نقصانها و وجه الحكمة فأمر رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بأن يقول لهم بأنّ وجه الحكمة في زيادة القمر و نقصانه ما يتعلّق بمصالح

______________________________

(1) البقرة: 189.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

دينهم و دنياهم، لأنّ الهلال لو كان مدوّراً أبداً مثل الشمس لم يمكن التوقيت به فهي مواقيت للناس في دنياهم و عبادتهم.

فجعل المقياس هو الهلال و ليس الهلال إلّا رؤية خيط عريض وقت الغروب، و لذلك سمّي الهلال هلالًا، لأنّه حين يُرى يهلُّ الناس بذكره.

فالميقات ليس تكوّن الهلال في وقت من الأوقات و خروجه عن المحاق مطلقاً، بل تكوّنه و رؤيته عند الغروب، و هذا القيد هو المهمّ في هذا الاستدلال، و المتبادر من الآية بحكم كونه خطاباً لعامّة الناس في أقطار الأرض و أيّ جزء منها، هو انّ ميقات كلّ إنسان هو هلاله وقت غروب الشمس عن أراضيه، و على ذلك فلا تكون الرؤية في بقعة من البقاع دليلًا على دخول الشهر في جميع الآفاق أو الآفاق التي تشارك معها في جزء من الليل، إذ لو التزمنا بذلك يلزم أن يكون بدء الشهر فيه هلاله المتحقّق في ثلث الليل أو نصفه مع أنّ الميقات هو هلاله وقت الغروب في أراضيه.

و إن شئت قلت: الهلال المتكوّن لدى الغروب حدوثاً أو بقاء كما في الآفاق الغربية. و لو قلنا بأنّ الرؤية في الآفاق الشرقية حجة على الآفاق الغربية

ليس معناه انّ اللحظة التي رُئي فيها الهلال في الأُفق الشرقي هو ابتداء الشهر القمري للمناطق الغربية في تلك اللحظة، بل يبتدأ الشهر الشرعي بغروب الشمس فيها في تلك المناطق.

كلام لبعض المحقّقين حول الآية

ثمّ إنّ بعض المحقّقين ذكر في تفسير الآية ما يلي: «الهلال عنوان للقمر في حالة خاصة له و هي الخروج من تحت شعاع

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

الشمس، فالقمر في حالته هذه علامة للناس، و هذه الحالة وحدها لم يعتبر فيها أن تكون مرئية للناس و إنّما الخروج من تحت شعاع الشمس تمام ماهيتها فلم تتقيد بالرؤية و لا بحالة من حالات الأرض مثل أن تتقيد برؤية هذا البلد أو غيره أو تتقيد بأن يرى الهلال مثلًا خلال عشر دقائق بعد الغروب أو نحوه و هذا تمام ملاك الهلال. «1»

يلاحظ عليه: أنّه سبحانه جعل الهلال ميقاتاً للناس و ليس الهلال مجرّد خروج القمر عن مقارنة الشمس أو عن تحت الشعاع أو ما شئت فعبر، بل خروجه عنها عند الغروب، فلو خرج القمر عنها عند الظهر أو قبل ساعات من الغروب عنها، لم يتحقّق الشهر الشرعي بل يكون منوطاً بخروجه عنها حدوثاً أو بقاءً عند الغروب على نحو يكون «الخروج عند الغروب» بكلا النحوين محقِّقاً لمعنى الهلال، و هذا النوع من الزمان جعل مبدأً للشهر الشرعي، لا قبله، و لا بعده.

و على هذا فلو رُئي الهلال في العراق و لم يُر في الصين الذي يبتعد عنه بست ساعات، و يكون غروب العراق منتصف ليل الصين، فهل يا ترى أنّ الآية تشمل تلك المناطق الشرقية و يخاطبهم بدخول الشهر الشرعي و هم في آناء الليل مع أنّ الآية تدقّ مسامعهم

بأنّ الميقات هو الهلال المتبادر منها هلال أُفقهم؟

و بعبارة أُخرى: المتبادر انّ الميقات هو هلال كلّ منطقة لأهلها عند غروب الشمس عن أراضيهم.

فما ذكره ذلك المحقّق تبعاً للسيد المحقّق الخوئي قدّس سرَّه حول الهلال و انّه عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلًا للرؤية و لو في الجملة صحيح، لكنّه ليس تمام الموضوع لابتداء الشهر الشرعي، بل يجب أن ينضم إليه، كلمة «عند الغروب» و هذا القيد كالمقوم لما يفهم من لفظ الهلال الذي وقع موضوع للحكم و ميقاتاً للناس. و من المعلوم انّه متحقّق في بلد الرؤية حدوثاً، و لما يليه من الآفاق الغربية بقاء، دون الآفاق

______________________________

(1) مجلة فقه أهل البيت، العدد 1211، مقالة المحقّق الشيخ الخزعلي: 198.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 151

..........

______________________________

الشرقية له، فلم يتكون فيه لا حدوثاً و لا بقاء و قد سار القمر فيها و هو تحت الشعاع و المحاق عند غروب الشمس عن آفاقهم. و بذلك يظهر النظر في بقية كلامه، حيث قال:

المدار هو العلم، و الرؤية طريق العلم خصوصاً و قد قورنت في الروايات بهذه الكلمة لا بالرأي و التظنّي. فنستفيد انّ الأئمّة عليهم السَّلام أكدوا على أن لا يستند الناس إلى الآراء الحدسية و الظنون الفاشلة، بل إلى الرؤية المؤدّية إلى العلم، فإذا لم يكن الهلال مقيداً بقيد سوى كونه هلالًا و لم تكن الرؤية إلّا طريقاً للعلم به، فإن علمت به و أنا في الساعة الرابعة من الليل، أ فلا يصدق انّ القمر خرج الآن من تحت الشعاع و انّ هذا الليل الذي قد غشينا ليل رُئي فيه الهلال و علم فيه بخروج القمر من تحت الشعاع و قد أخذ القمر

في بداية شهر جديد؟

أو لست أنا الآن في شهر جديد و قد علمت علماً يقيناً غير ذي شك بأنّ الهلال قد أخذ في طريق ما سخّر له، و هذا لعمري من الوضوح بمكان. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من الرؤية طريق للعلم أمر صحيح و قد أشار إلى برهانه، إنّما الكلام في قوله «انا إذا كنت في الساعة الرابعة من الليل في الآفاق الشرقية و علمت أنّ القمر خرج الآن عن تحت الشعاع من الآفاق الغربية، أ فلا يصدق انّه خرج عن تحت الشعاع في هذا الآن» و ذلك لأنّ المعلوم ليس تمام الموضوع و لذا لو علمنا به قبل الغروب، لا يحكم على ذلك الوقت بداية الشهر الجديد، بل هو جزء الموضوع و يجب أن ينضم إليه قيد آخر، و هو خروج القمر عن تحت الشعاع وقت الغروب حتى يكون بداية الشهر الجديد، و هو طبعاً يتضيق ببلد الرؤية و ما يليه من الآفاق الغربية لا الشرقية.

______________________________

(1) مجلة فقه أهل البيت، العدد 1211 مقالة الشيخ الخزعلي: 199.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 152

..........

______________________________

و القول بأنّ الخروج عن تحت الشعاع في غرب ما، يعدّ هلالًا، للبلاد التي لم يخرج فيه عنه وقت الغروب، أمر لا يلائم ظاهر الآية و لا يصار إليه إلّا بدليل صريح.

أدلّة القائلين بعدم شرطية وحدة الأُفق

استدلّ القائلون بعدم شرطية الوحدة بوجوه نقلية نأتي بها:

الأوّل: إطلاق أدلّة البيّنة

إنّ مقتضى إطلاقات نصوص البيّنة الواردة في رؤية الهلال ليوم الشكّ في رمضان أو شوال و أنّه في الأوّل يقضي يوماً لو أفطر، هو عدم الفرق بين ما إذا كانت الرؤية في بلد الصائم أو غيره المتحد معه في الأُفق أو المختلف. و

دعوى الانصراف إلى أهل البلد كما ترى سيما مع التصريح في بعضها بأنّ الشاهدين يدخلان المصر و يخرجان كما تقدّم «1» فهي طبعاً تشمل الشهادة الحاملة من غير البلد على إطلاقها. «2»

يلاحظ عليه: أنّ ما ادّعاه من الإطلاق صحيح حيث يعم بلد الرؤية و غيرها، و أمّا إطلاقه بالنسبة إلى المتحد في الأُفق أو المختلف بعيد جداً خصوصاً بالنسبة إلى الوسائط النقلية.

مثلًا قوله في صحيحة منصور بن حازم: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته و إن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه» «3» ناظر إلى شاهدين مرضيين

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أحكام شهر رمضان، الحديث 10. لاحظ نصوص البيّنة الباب 5، الحديث 4، 9 و الباب 6، الحديث 1، 2.

(2) مستند العروة: 2/ 120.

(3) الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 153

..........

______________________________

رأيا الهلال أمّا في نفس البلد أو في بلد يقاربه على وجه يكون بينهما مسافة يوم، و من المعلوم أنّ الإنسان في الأدوار السابقة حسب وسائط النقل المتاحة آنذاك لا يقطع في يوم واحد أكثر من 60 كيلومتراً، و من المعلوم انّ هذا المقدار في الفاصل المكاني لا يؤثر في وحدة الأُفق، بل نفترض انّ الفاصل المكاني بين البلدين حوالي الخمسمائة كيلومتراً و هي منطقة واحدة في ثبوت الهلال على وجه الأرض و ليست منطقتين.

فانّ هذا و نظائره منصرف إلى البلاد التي كان يقطعها الإنسان في يوم أو يومين أو مثل ذلك لا يخرج البلدين من وحدة الأُفق.

الثاني: النصوص الخاصة

و قد استدلّ بنصوص خاصة، منها:

1. صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه قال فيمن صام

تسعة و عشرين، قال: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوماً». «1»

2. صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن هلال شهر رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ قال: «لا تصم إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

آخر فاقضه». «1»

3. صحيحة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال: «لا تصمه إلّا أن تراه، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه». «2»

4. صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان؟ فقال: «لا تقضه إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، و قال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلّا أن يقضي أهل الأمصار، فإن فعلوا فصمه». «3»

دلّت بمقتضى إطلاقها على أنّ الرؤية و الثبوت في مصر كافية لسائر البلاد و لم يقيد بوحدة الأُفق.

أقول: إنّ الاستدلال بهذه الإطلاقات مع العلم بأنّ الوسائل النقلية المتاحة آنذاك كانت محدودة جداً، فالمسافر الذي ينقل الخبر يأتي من بلد إلى بلد تكون المسافة بينهما خمسين كيلومتراً أو قريباً منه، و هذا المقدار من المسافة بل أكثر منها بكثير كما عرفت لا تؤثر في وحدة الأُفق، و قلّما يتفق أن يخرج إنسان من مصر و يدخل بغداد حاملًا خبر الهلال، و يكون قوله حجّة لأهل بغداد التي تقع في الجانب الشرقي

بالنسبة إلى مصر، و إن كنت في شك فلاحظ حديث الخزّاز حيث يقول: «و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر». «4»

فانّ الخبر ظاهر في أنّ البيّنة رأت الهلال قبل يوم و دخلت مصر بعد يوم و من المعلوم انّ مثل هذا لا يصدق على المسافات الشاسعة.

و منه يعلم انّ الاستدلال بصحيحة أبي بصير التي جاء فيها: «إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر» في غير محله. فانّ قوله «من

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 9.

(2) الوسائل: 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(3) الوسائل: 7، الباب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(4) الوسائل: 7، الباب 11. من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

جميع أهل الصلاة» ناظر إلى عمومية الحكم لجميع المسلمين على اختلاف مشاربهم و مذاهبهم لا على اختلاف بلادهم في الآفاق.

كما أنّ المراد من قوله: «أهل الأمصار» في نفس الصحيحة هي الأمصار المتقاربة التي كان الرجل يقطع بينهما حسب الوسائط النقلية المتوفرة في يوم أو يومين و يحمل خبر الرؤية.

الثالث: صحيحة عيسى بن عبيد

روى محمد بن عيسى بن عبيد قال: كتب إليه أبو عمر «1» أخبرني يا مولاي انّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة فيفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقية و الأندلس، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتى يختلف القرص على أهل الأمصار، فيكون

صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟

فوقع عليه السَّلام: «لا تصومنّ الشك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته». «2»

وجه الاستدلال: انّ السائل سأل عن قول أهل الحساب برؤية الهلال في الأندلس و افريقية، فأجاب عليه السَّلام بأنّه لا صوم مع الشك و لم يجب بأنّ الرؤية في البلاد البعيدة لا تكفي.

يلاحظ عليه: أنّ البلد الراوي عنه واقع في غرب العراق الذي كان الإمام

عليه السَّلام

______________________________

(1) أبو عمر الحذاء من أصحاب الإمام الهادي

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 156

..........

______________________________

و الراوي يقطنان فيه، و قد عرفت أنّ ثبوت الهلال فيه، لا يكون على وجود الهلال في سماء البلد الشرقي عند الغروب، إذ من المحتمل جداً عدم تكونه عند غروب الشمس عنه. و عندئذ كان لإرشاد الراوي إلى الحكم الواقعي (عدم الملازمة بين الرؤيتين) طريقان:

الأوّل: أن يشير الإمام إلى عدم الملازمة بين الرؤيتين، لاختلاف البلدين في الأُفق، و انّ الرؤية في الآفاق الغربية لا يكون دليلًا على كون الهلال و ولادته في الآفاق الشرقية، و بشرح حقيقة ذلك الأمر.

الثاني: أن يثير احتمال تطرّق الخطأ في حساب المنجّمين، خصوصاً انّ السماء كانت في العراق صافية و لم يره أحد، و هذا ما يؤيد وجود الخطأ في حسابهم. و قد اختار الإمام هذا الجواب لسهولته و قال: إنّ الصوم و الإفطار مبنيّان على اليقين دون الشك، و سكوت الإمام عن الجواب الأوّل لا يكون دليلًا على عدم اعتبار وحدة الأُفق، إذ من المحتمل أن لا تكون الظروف مساعدة لإلقاء هذا النوع من الجواب.

و ربما يعضد هذا القول بالدعاء المأثور في صلاة العيد: «أسألك بحقّ هذا اليوم

الذي جعلته للمسلمين عيداً».

فإنّه يعلم منه بوضوح انّ يوماً واحداً شخصياً يشار إليه بكلمة (هذا) هو عيد لجميع المسلمين المتشتتين في أرجاء المعمورة على اختلاف آفاقها لا لخصوص بلد دون آخر.

و هكذا الآية الشريفة الواردة في ليلة القدر و انّها خير من ألف شهر و فيها يفرق كلّ أمر حكيم، فانّها ظاهرة في أنّها ليلة واحدة معينة ذات أحكام خاصة لكافة الناس و جميع أهل العالم، لا انّ لكلّ صقع و بقعة ليلة خاصة مغايرة لبقعة أُخرى من بقاع الأرض. «1»

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 122.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 157

[المسألة 5: لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى بالتلغراف في الإخبار عن الرؤية إلّا إذا حصل منه العلم]

المسألة 5: لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى بالتلغراف في الإخبار عن الرؤية إلّا إذا حصل منه العلم بأن كان البلدان متقاربين و تحقّق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك. (1)

______________________________

يلاحظ عليه: أنّه لا محيص من تعدّد يوم العيد و ليلة القدر على القول بكرويّة الأرض، و القائل بعدم اشتراط وحدة الأُفق قد خصَّ الحجّية بالأقطار التي تشترك في الليل و لو في جزء يسير منه، و لا يشمل النصف الآخر للكرة الذي لا يشارك تلك البقعة في ليلها، فيتعدّد يوم العيد سواء أقلنا باشتراط وحدة الأُفق أو لا، كما أنّ ليلة القدر تتعدّد حسب كرويّة الأرض.

و بذلك يظهر عدم صحّة ما أفاده صاحب الحدائق حيث قال: إنّ كلّ يوم من أيام الأُسبوع و كلّ شهر من شهور السنة أزمنة معينة معلومة نفس أمرية، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة، و ما ورد في أيّام الأعياد من الأعمال، و ما ورد في يوم الغدير و نحوه من الأيام الشريفة و ما ورد في شهر رمضان من الفضل و الأعمال، فإنّ

ذلك كلّه ظاهر في أنّها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية. «1»

فإنّ ما ذكره مبني على كون الأرض مسطحة كما اعترف بذلك، و أمّا على القول بكرويّة الأرض فتتعدد ليالي القدر و أيّام الجمعة و أيّام رمضان على كلا القولين، نعم لا يخرج عن مقدار 24 ساعة.

(1). أقول: إنّ شبكة الاتّصالات قد تطوّرت في الآونة الأخيرة بنحو صيّرت العالم كأنّه قرية صغيرة، فالشرقي يسمع صوت الغربي عن كثب و يرى صورته، و قد أحدث جهاز الانترنيت ثورة هائلة في المعلومات حتى تيّسر للمرء أن يحيط علماً بأحدث المعلومات و الأخبار و هو في منزله، و على ذلك فيثبت العلم عن طريق هذه الأجهزة

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 267.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 158

[المسألة 6: في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال يجب أن يصوم]

المسألة 6: في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال يجب أن يصوم و في يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار و يجوز أن يصوم لكن لا بقصد أنّه من رمضان كما مرّ سابقاً تفصيل الكلام فيه و لو تبيّن في الصورة الأُولى كونه من شوال وجب الإفطار سواء كان قبل الزوال أو بعده و لو تبيّن في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك و كان صحيحاً إذا لم يفطر و نوى قبل الزوال و يجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال. (1)

[المسألة 7: لو غُمّت الشهور و لم يُرَ الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كلّ شهر ثلاثين]

المسألة 7: لو غُمّت الشهور و لم يُرَ الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كلّ شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة. (2)

______________________________

بسرعة فائقة، و تنتقل الأخبار من أُفق إلى أُفق بسهولة، و المناط حصول العلم برؤية الهلال، إمّا بشهادة العدلين أو التواتر أو الشياع المفيد للعلم فإن حصل و إلّا فالمحكم هو الاستصحاب.

(1). أقول: مضى الكلام في هذه الفروع في فصل النية المسألة (16) فلا حاجة إلى التكرار.

(2) إذا غُمّت الشهور في أوائلها أو في تمامها، كما في البلاد الواقعة على سواحل البحار الكبيرة كلندن و غيرها، فقد قيل فيه وجوه ثلاثة نقلها المحقّق في الشرائع:

1. عُدّ كلّ شهر منها ثلاثين.

2. ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة.

3. يعمل برواية الخمسة.

ثمّ قال و الأول أشبه. «1»

______________________________

(1) المسالك: 2/ 56.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 159

[المسألة 8: الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ]

المسألة 8: الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ و مع عدمه تخيّرا في كلّ سنة بين الشهور فيعيّنان شهراً له و يجب مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً و لو بان بعد ذلك أنّ ما ظنّه أو اختاره لم يكن رمضان فان تبيّن سبقه كفاه لأنّه حينئذ يكون ما أتى به قضاء و إن تبيّن لحوقه و قد مضى قضاه و إن لم يمض أتى به و يجوز له في صورة عدم

______________________________

أقول: أمّا الأوّل فقد نسبه الشهيد الثاني في المسالك إلى قول الأكثر و علّله بأصالة عدم النقصان، ثمّ قال: و لكن ذلك متوجه في الشهرين و الثلاثة، أمّا في جميع السنة ففيه إشكال لبعده. «1»

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ الصحيح تعليل الحكم بالأثر الصحيح، أعني:

دوران الأمر بالصوم بالإفطار بالرؤية إذا أمكن و إلّا يعد كلّ شهر ثلاثين «2»، لا تعليله بأصالة عدم النقصان.

و ثانياً أنّه بعيد جداً في الأربعة أشهر، «3» فلو عُدّ جمادى الآخرة و رجب و شعبان و رمضان ثلاثين، يعلم أنّ يوم الثلاثين ليس من رمضان بل قيل بامتناع كون الشهور الأربعة، تامة، كامتناع كونها ناقصة، و الحاصل أن تكون هذه الأمارة جيدة إذا يعلم بالخلاف، نعم يكفي في سلوكها عدم العلم به.

و بذلك يعلم قوة الوجه الثاني بشرط تفسيره على النحو الذي ذكرنا.

أمّا الوجه الثالث فقد مرّ ضعف رواياته. «4»

______________________________

(1) المسالك: 2/ 56.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10، 11، 12.

(3) من حسن الاتفاق انّ الشهور الثلاثة: رجب، شعبان و رمضان المبارك في سنتنا هذه (1420 ه) تامّة حسب التقاويم.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 3، 4، 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 160

حصول الظنّ أن لا يصوم حتّى يتيقّن أنّه كان سابقاً فيأتي به قضاء. (1)

______________________________

(1). حاصل المسألة:

1. يجب على الأسير و المحبوس عند عدم التمكّن من تحصيل العلم، تحصيل الظن.

2. إذا لم يتمكن يُعيّن شهراً من الشهور و يصومه، و إذا مضى أحد عشر شهراً، يصومه ثانياً و هكذا.

3. يجوز لغير المتمكن من الظن أن لا يصوم حتى يتقين انّه مضى، فيأتي به قضاء.

و إليك دراسة الوجوه الثلاثة.

الوجه الأوّل: تحرّي الظن

قال المحقّق: من كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير و المحبوس صام شهراً تغليباً.

و يدل عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد للّه عليه السَّلام قال: قلت له: رجل أسرته الروم و لم يصح

له شهر رمضان و لم يدر أي شهر هو قال: «يصوم شهراً يتوخّى و يحسب فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد شهر رمضان أجزأه». «1»

و رواه الشيخ و في سنده إبهام، و رواه المفيد في المقنعة بإضافة قوله: «و إن كان هو هو فقد وُفّق له، و إن كان بعده أجزأه». 2

و مورد الرواية و إن كان الأسير لكن يتعدى منه إلى كلّ غير متمكّن كالمحبوس

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

و غيره، لأنّ ذكر الأسير من باب المثال، كما لا خصوصية لسائر القيود، الواردة في الرواية من كونه أسيراً في الروم بيد أهل الكتاب.

و ليعلم أنّ الاكتفاء بالظن مشروط بما ورد في الروايتين من عدم تبيّن الحال، و لو تبيّن سبق شهر رمضان يكون ما أتى به قضاء، و إن تأخّر قضاه، و إن كان هو هو فقد وفّق له و يكون نفس الواجب.

الوجه الثاني: تعيين شهر للصوم

إذا لم يتمكن من تحصيل الظن فيعين شهراً للصوم، فقد استدلّ له بوجهين:

1. صحيحة عبد الرحمن المتقدمة حيث قال: «يصوم شهراً يتوخّاه».

يلاحظ عليه: أنّ التوخّي بمعنى التطلّب، يقال: توخّى الأمر: تعمّد و تطلّبه، الظاهر في الظن، دون الاحتمال الصرف.

2. انّ الواجب عبارة عن الصوم في شهر معين، فإذا عجز عن التعيين، سقط و بقي أصل الصوم.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصحّ له لو كان من قبيل تعدّد المطلوب، و إلّا فيسقط أصله.

أقول: حاصل هذا الوجه هو الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي و هو الصيام في شهر يعيّنه، و لكنّه غير موافق للقاعدة، لأنّ

المقام إمّا من قبيل دوران الأمر بين المحذورين فيتخير كلّ يوم بين الصوم و الإفطار، أو من قبيل أطراف الشبهة الوجوبية إذا تعذر الاحتياط في جميعها دون بعضها، فيكون المرجع إمّا التبعيض في الاحتياط بالاقتصار على المقدار الممكن، أو سقوط التكليف بالمرّة على القولين فيها.

توضيحه: أنّه لو قلنا بأنّ الصوم في العيدين حرام ذاتاً، كسائر المحرمات، فأمر

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

الصوم يدور بين الوجوب و الحرمة، لاحتمال كون اليوم من شهر رمضان أو من أحد اليومين، فيتخيّر بين الأمرين، لا في تعيين الشهر.

و إن قلنا بعدمها و انّ حرمة الصوم فيهما تشريعيّة و هي فرع العلم بكون اليوم عيداً، و إنّما يأتي بالصوم رجاء أن لا يكون عيداً، فيكون المقام من قبيل أطراف الشبهة الوجوبية إذا تعذّر الاحتياط في جميعها لا في بعضها، كما إذا تردّد الثوب الطاهر بين ثلاثين ثوباً، فمقتضى القاعدة هو التبعيض في الاحتياط و الاكتفاء بما إذا لم يلزم الحرج و صيام السنة كلها إلّا إذا استلزمه، لا تعيين الشهر.

و أمّا احتمال سقوط التكليف كما هو أحد الأقوال في الشبهة الوجوبية إذا تعذر الاحتياط في أطرافها، فبعيد جداً، لأنّه يعلم بوجوب صوم شهر رمضان، و هو مردّد بين اثني عشر شهراً، و مقتضى ذلك العلم هو الاحتياط التام، و لكن لمّا كان مستلزماً للحرج، و يرتفع الاضطرار و الحرج بالإفطار في بعض الشهور، يكون المرجع هو التبعيض فيه لا سقوط التكليف.

و ليعلم أنّ التخيير في تعيين الشهر لم يذكره المحقّق في الشرائع و اكتفى بقوله: «صام شهراً تغليباً». «1» و هو ظاهر في اختيار المظنون، لا المحتمل، و مع ذلك نسب ذلك القول إلى المشهور. «2»

و

ذكره في الجواهر أحد الوجوه و قال: ثمّ إنّه إذا اختار شهراً فهل يتعيّن ذلك في حقه .... «3»

فاتضح بذلك انّ مقتضى القاعدة هو التبعيض في الاحتياط لا تعيين شهر، إلّا إذا قام الإجماع على خلافه، و هو مورد منع.

______________________________

(1) المسالك: 2/ 57.

(2) مستند العروة: 2/ 128.

(3) الجواهر: 16/ 384.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 163

..........

______________________________

الوجه الثالث: عدم الصيام حتى يتيقّن بسبقه

هذا الاحتمال مبني على جواز تعيين شهر للصيام و عدم وجوب الاحتياط كلًا أو بعضاً، و على هذا فلو تردّد شهر رمضان بين شهور فكلّ شهر ما عدا الشهر الأخير يشك كونه شهر رمضان، و أمّا الشهر الأخير ففي اليوم الأوّل منه يتيقّن بدخول شهر رمضان إمّا فيه أو فيما قبله، فهل يجوز له تأخير الصوم عن هذا الشهر أيضاً حتى يتيقّن انّه كان سابقاً فيأتي به قضاءً كما هو مفاد هذا الوجه، أو لا يجوز له التأخير عن هذا الشهر؟ و الذي يترتب على هذا الوجه، إمكان نيّة الأمر الأعم من الأداء و القضاء، لكن الظاهر عدم جوازه، لأنّ مقتضى تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات هو عدم جواز التأخير عن هذا الشهر، لأنّه يعلم بدخول شهر رمضان إمّا متقدّماً أو في هذا الشهر، نظير علمه بوجوب صوم عليه، إمّا اليوم المتقدّم أو هذا اليوم، فمقتضى القاعدة صيام كلا اليومين، و إذا فاته صيام اليوم الأوّل يجب عليه صيام ذاك كما في المقام حيث فاته صيام الشهور المتقدّمة فتعين عليه صيام هذا الشهر حتى لا يلزم المخالفة القطعية.

و بالجملة التأخير يتضمن مخالفة قطعية، و خلافها يلازم مخالفة احتمالية، و لا شكّ انّه إذا دار الأمر بينهما فالاحتمالية متقدمة، و أمّا استصحاب عدم

دخول رمضان، فانّما يصحّ إلى دخول الشهر الأخير و مع دخوله يعلم بانتقاض الحالة السابقة إمّا بالشهور المتقدمة أو بهذا الشهر.

نعم لو قلنا بعدم وجوب الاحتياط في التدريجيات أو كون المقام من قبيل دوران الأمر بين المحذورين، فلجواز التأخير وجه، و لكن المبنى غير تام.

نعم يجوز له التأخير إلى الشهر الأخير و يصوم بنيّة الأعم من الأداء و القضاء و لعلّه الأوجه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 164

و الأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه من الكفّارة و المتابعة و الفطرة و صلاة العيد و حرمة صومه ما دام الاشتباه باقياً، و إن بان الخلاف عمل بمقتضاه. (1)

[المسألة 9: إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلًا]

المسألة 9: إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلًا فالأحوط صوم الجميع و إن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير و المحبوس، و أمّا إن اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج و معه يعمل بالظنّ و مع عدمه يتخيّر. (2)

______________________________

(1) نسبه في الجواهر إلى غير واحد من الأصحاب، و انّه يترتب على ما ظنه حكم الشهر من وجوب الكفّارة في إفساد يوم منه ان لم يتبيّن تقدّمه، و أورد عليه بأنّه ليس في النص ما يقتضي من إطلاق المنزلة، و مجرّد وجوب الصوم للظن أعم من ذلك.

و المسألة مبنيّة على أنّ الصحيحة هل هي بصدد تنزيل صوم الظان منزلة صوم القاطع؟ أو تنزيل أحد الشهرين مكان الشهر الآخر؟ فعلى الأوّل لا يترتب عليه شي ء سوى آثار صوم رمضان من كون الإفطار موجباً للكفارة، و أمّا آثار الشهر فلا يترتب، و لا يعد اليوم الواحد و الثلاثون عيداً للمسلمين حتى يصلي و يؤدي

زكاة الفطر. إلى غير ذلك و المتبع لسان الدليل.

و ربما يستظهر من لسان الدليل الوجه الثاني لقول الإمام في جواب السائل: رجلًا أسرته الروم و لم يصح له شهر رمضان؟ قال: «يصوم شهراً يتوخّاه»، أي الشهر الذي يظنه شهر رمضان و يحسب، فكأنّ الشارع نزَّل المظنون من الشهر، مكان المقطوع به، لكنّه لا يخرج عن حدّ الإشعار، فالأقوى هو ترتيب آثار صوم رمضان عليه، فقط دون غيرها من اللوازم.

(2) الفرق بين هذه المسألة، و المسألة السابقة هو اشتباه شهر رمضان في السابقة بين عامة شهور السنة، بخلاف المقام فقد اشتبه فيه بين شهرين أو ثلاثة، و قد عرفت أنّ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 165

..........

______________________________

مقتضى القاعدة هناك هو الاحتياط كلًا أو بعضاً، خرج عنه ما إذا توخّى و ظن فيعمل بظنه لأجل النصّ، و إلّا فيحتاط، و لا وجه لتعيين شهر أو التأخّر إلى حد يتيقّن انّه كان سابقاً حتى يأتي به قضاء.

و أمّا المقام فقد اختار فيه المصنّف الاحتياط التام، و ذلك لعدم دخوله عنده أو الشكّ في دخوله تحت الرواية السابقة، لأنّ المفروض اشتباه الشهر بين شهرين لا ثلاثة، و الموضوع في الرواية اشتباه رمضان بين عامّة الشهور.

و مع ذلك كلّه لم يستبعد دخوله فيها و أشار إلى ذلك بأنّه لا يبعد إجراء حكم الأسير و المحبوس، و وجهه هو حمل القيود الواردة في الرواية على سبيل المثال، و الميزان اشتباه الفريضة سواء اشتبهت بين الكثير أو القليل.

هذا كلّه حول اشتباه رمضان.

و أمّا إذا اشتبه المنذور بين شهرين أو ثلاثة كما لو نذر صوم ربيع الأوّل فاشتبه بين شهرين أو ثلاثة، فهناك احتمالات:

1. قطع الماتن بخروجه عن مورد الرواية و

عمل بالقاعدة، و هي لزوم تحصيل اليقين بالفراغ إن أمكن، و إلّا يعمل بالظن، و مع عدمه يتخيّر بين انتخاب أي شهر من الشهور، و ما ذكره مطابق للقاعدة لتقدّم الامتثال القطعي على الظني و هو على الاحتمال بعدم دخوله في مورد الرواية.

2. يحتمل إدخال المورد تحت الرواية السابقة، قائلًا بأنّ قيد شهر رمضان من باب المثال، أو لكونه الغالب للابتلاء، و الموضوع من لم يتعين عنده وقت الفريضة سواء أ كان واجباً بالذات أو واجباً بالنذر.

و على ذلك فهو يتوخّى، فإن ظن بشي ء فيعمل به و إلّا فالمتبع هو الاحتياط التام أو الاحتياط على حدّ لا يوجب الحرج كما مرّ في الصورتين الماضيتين.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 166

[المسألة 10: إذا فرض كون المكلّف في المكان الّذي نهاره ستّة أشهر و ليله ستّة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليله ستّة أو نحو ذلك]

المسألة 10: إذا فرض كون المكلّف في المكان الّذي نهاره ستّة أشهر و ليله ستّة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليله ستّة أو نحو ذلك فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسّطة مخيّراً بين أفراد المتوسط، و أمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد كاحتمال سقوط الصوم و كون الواجب صلاة يوم واحد و ليلة واحدة، و يحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق. (1)

______________________________

و هناك احتمالات أُخرى:

3. تأخيره، عن الشهر الأخير فيصوم بنيّة القضاء.

4. تأخيره إلى الشهر الأخير و صومه بنيّة الأداء، عملًا بالأصلين: و هو أصالة عدم دخول شهر رجب إلى الشهر الأخير، و يصوم بعده استناداً إلى أصالة عدم الخروج من ذلك الشهر المقطوع دخوله فيه.

يلاحظ على الوجه الثاني: أنّ الأصلين مثبتان، لأنّ الأوّل لا يستلزم دخول شهر رجب في الشهر الأخير، إلّا بالملازمة العقلية، و به يتبين عدم

جريان الأصل الثاني، لأنّه مبنيّ على ثبوت كون الأخير شهر رجب حيث قال: المقطوع دخوله فيه.

و الأوجه هو الوجه الثاني ثمّ الثالث.

(1) قد ذكر الماتن في المقام احتمالات:

1. المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة مخيّراً بين أفراد المتوسط.

2. احتمال سقوط تكليفهما عنه.

3. سقوط الصوم و كون الواجب صلاة يوم و ليلة واحدة.

4. كون المدار بلده الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق.

و لا يخفى سقوط الوجوه الثلاثة الأخيرة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 167

..........

______________________________

أمّا سقوط التكاليف و الفرائض بالمرّة فهو ممّا لا يحتمل أبداً.

أمّا وجوب صلاة يوم و ليلة فهو أيضاً مثل السابق، مع عدم تحقّق الدلوك فيما إذا كانت الليلة طويلة.

و أمّا الأخير فلعلّ وجهه الاستصحاب، لكنّه انتقض بالعبور على المناطق التي تختلف فيها الليالي و الأيام بالنسبة إلى وطنه قبل أن يصل إلى المناطق القطبية، و الصالح للبحث هو الوجه الأوّل الذي لم يستبعده الماتن، و إليك تحقيق المقام، و يتوقف على ذكر أُمور:

الأوّل: انّ لكلّ بلد طولًا و عرضاً جغرافياً، فالأوّل عبارة عن مقدار القوس العمود من خط نصف النهار «غرينتش» إلى نصف نهار البلد. فمقدار المسافة بينهما هو طول البلد.

و أمّا العرض الجغرافي، فهو عبارة عن مقدار القوس العمود من خط الاستواء إلى ذلك البلد. فمقدار المسافة بينهما هو عرض البلد.

و بما انّ خط الاستواء دائرة تنصِّف الكرة الأرضية إلى نصفين، و بتبعه ينتصف هذا العرض الجغرافي إلى شمالي و جنوبي، فمقدار القوس من خط الاستواء إلى أن ينتهي إلى القطب الشمالي 90 درجة، و مثله القوس الممتد بين خط الاستواء إلى القطب الجنوبي.

الثاني: المناطق الواقعة بين خط الاستواء و أحد القطبين تختلف

درجتها حسب بعدهما عن خط الاستواء إلى أن ينتهي إلى درجة 67، فالمناطق الواقعة تحت ذلك العرض تعد مناطق معتدلة حيث تتمتع بليل و نهار مدة 24 ساعة و إن كان يختلفان طولًا و قصراً.

و أمّا المناطق الواقعة فوق 67 درجة، إلى 90 درجة فهي مناطق قطبية يختلف

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 168

..........

______________________________

فيها طول الليل و النهار حسب بعدهما عن المناطق المعتدلة، و تشترك هذه المناطق في أنّها تتمتع إمّا بنهار طويل أو ليل طويل بنحو ربما يصل نهارها إلى ستة أشهر و ليلها كذلك كلّما اقتربنا من 90 درجة.

فما اشتهر على الألسن من أنّ طول النهار أو الليل في البلاد القطبية مطلقاً ستة أشهر ليس صحيحاً على إطلاقه و إنّما يختص بالنقاط المتاخمة إلى 90 درجة، و أمّا المناطق الواقعة بين هذه الدرجة و 67 درجة فيختلف طول النهار و الليل حسب قربهما و بعدهما و إن كان الجميع يتمتع بطول النهار أو الليل.

الثالث: قد عرفت أنّ بعض المناطق القريبة من 67 درجة تتمتع بليل و نهار ضمن 24 ساعة و ربما يكون ليله 22 ساعة و نهاره ساعتين و ربما يكون بالعكس، فهذه المناطق و إن طال نهارها أو ليلها مكلفون بالفرائض حسب نهارهم و ليلهم، حسب مشرقهم و مغربهم فيصومون 22 ساعة و يقيمون الفرائض اليومية في ضمن ساعتين، و لا مناص لنا من هذا القول، و لا يمكن لنا إجراء حكم النهار في الليل أو بالعكس، إنّما الكلام في المناطق الواقعة فوق هذه الدرجة التي يمرّ عليها 24 ساعة و ليس فيها ليل أو نهار، و هذه هي المسألة المطروحة في كلام الماتن.

الرابع: المتبادر من كلمات الفقهاء

في تلك المسألة هو انّ الليل و النهار غير متميزين في المناطق القطبية و انّ الزمان إمّا نهار فقط أو ليل فقط، و لذلك اختلفت كلماتهم في كيفية إقامة الفرائض فيها. و أنّه كيف يمكن أن نصلّي المغرب و العشاء و الشمس في السماء، أو نقيم الظهر و العصر و الجو ليل دامس؟!

و لذلك طرحوا فرضيات قد عرفت حالها، و بقي ما اقترحه الماتن المصنّف، و هو كون المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة مخيراً بين أفراد المتوسط.

مثلًا يكون المقياس مقدار النهار و الليل في المناطق المعتدلة في ذلك الفصل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 169

..........

______________________________

و التي يكون مقدار الليل و النهار فيها غير قصير و إن بلغ النهار إلى 16 ساعة و الليل إلى 8 ساعات في بعض الفصول. فيصوم بمقدار نهار المناطق المعتدلة و يصلّي الظهرين، و يفطر بمقدار ليلها و يصلي فيها صلاة المغرب و العشاء. و على ذلك يجب أن يراعى مقدار الليل و النهار في كلّ فصل من فصول السنة في المناطق المعتدلة البعيدة عن المناطق القطبية.

أقول: أوّلًا: ما هو الوجه لاختيار البلدان المتعارفة المتوسطة و ترجيحها على البلاد القريبة من تلك المنطقة التي تتمتع بليل و نهار و إن كان أحدهما أقصر و الآخر أطول في ضمن 24 ساعة؟

و ثانياً: انّ العلم بمقدار نهار المناطق المعتدلة في الفصل الخاص أمر صعب المنال و لا يمكن أن يكون مثل ذلك مناطاً لعامة الناس عبر القرون خصوصاً قبل تطور وسائل الاتصال السلكية و اللاسلكية و الإسلام دين البساطة و السهولة.

إذا عرفت هذه الأُمور، فاعلم:

الصلاة في المناطق القطبية على المختار

إنّ المناطق القطبية تتمتع في عامّة الفصول

بليل و نهار و إن كانت تختلف كيفية الليل و النهار عن المناطق المعتدلة و بذلك تنحلّ العقدة، و يظهر ذلك في البيان التالي.

إذا كان النهار أطول من الليل و ممتداً إلى شهر أو شهرين إلى أن يصل إلى ستة أشهر، فرائدنا في تمييز النهار عن الليل هو الشمس، حيث إنّ حركتها في تلك المناطق حسب الحس حركة رحوية حيث تدور حول الأُفق مرة واحدة ضمن 24 ساعة بأوج و حضيض، فتبدأ حركتها من الشرق إلى جانب الغرب في خط قوسيّ، و كلّما ارتفعت الشمس و سارت إلى الغرب ازداد ظلّ الشاخص إلى أن يصل إلى حدّ تتوقف فيه الزيادة ثمّ ينعكس الأمر و يحدث في جانب الشرق، و عند ذلك تصل الشمس في تلك النقطة

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

إلى نصف النهار، و يعلم بذلك أوقات الظهر و العصر، ثمّ تأخذ الشمس بالسير في هذا الخط المنحني إلى أن تنخفض نهاية الانخفاض و إن لم تغرب ثمّ تبدأ بالحركة من الغرب إلى الشرق و عند ذاك، يدخل الليل إلى أن تنتهي في حركته إلى النقطة التي ابتدأت منها.

و يُعد قُبيل وصولها إلى نقطة الشرق أوّل الفجر.

و على ذلك فحركة الشمس هو رائدنا في العلم بأوّل النهار و وسطه و أوّل الليل و بدأ الفجر. و لا يتصوّر أنّ ذلك استحسان منّا، بل المناخ يؤيد ذلك، و هو انّه إذا بدأت الشمس بالحركة من الشرق إلى أن تنتهي إلى جانب الغرب يكون الجو مضيئاً جداً كنهار المناطق الاعتدالية، و عند ما انخفضت الشمس إلى جانب الغرب و بدأت بالحركة من الغرب إلى الشرق يميل الجو إلى الغبرة و الظلمة الخفيفة، و

لذلك يتعامل سُكّان تلك المناطق بالحركة الأُولى للشمس معاملة النهار و بالحركة الثانية معاملة الليل، فيقيمون أعمالهم فيها و ينامون في الثانية.

و على ذلك فليس المناخ على وتيرة واحدة ضمن 24 ساعة، بل يتغير من الإضاءة إلى الغبرة، أو من الإضاءة الشديدة إلى الضعيفة، و ما ذلك إلّا لأنّ الحركة الأُولى تلازم وجود النهار في المناطق المعتدلة كما أنّ الحركة الثانية تلازم وجود الليل فيها أيضاً. غير انّ ميلان مركز دوران الأرض حول نفسها مقدار 5/ 23 درجة سبَّب لأن تخيِّم الشمس عليها في بعض الفصول مدة مديدة لا ترى لها غروباً و إن كنت ترى لها ارتفاعاً و انخفاضاً.

هذا كلّه إذا ظلّ النهار مدّة مديدة.

و أمّا إذا انعكس بأن غمر الليلُ تلك المناطق مدة مديدة إلى أن ينتهي إلى ستة أشهر، فيعلم حكمه ممّا ذكرناه في الصورة الأُولى، فانّ الشمس و إن كانت تغرب عن

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

تلك المناطق طول مدة طويلة لكن ليست الظلمة على نمط واحد، بل تتضاءل تارة و تزداد أُخرى، فزيادتها آية سلطة الليل في المناطق المعتدلة كما أنّ تضاؤلها علامة سلطة النهار عليها كذلك، و بذلك يمكن أن نميز النهار عن الليل حيث إنّ الزمان (24 ساعة) ينقسم إلى ظلمة دامسة (بحتة) و ظلمة داكنة أي (مزيجة بالنور الضئيل)، فيعد ظهور الظلمة الدامسة ليلًا لهم، و تكون بدايته أوّل وقت المغرب ثمّ العشاء. فإذا بدت الظلمة الداكنة التي يخالطها نور ضئيل فيعد فجراً لهم، و تستمر هذه الحالة ساعات إلى أن تحل الظلمة الدامسة، فهذا المقدار من الساعات يعد نهاراً لهم فيصام فيها، كما أنّ وسطه يعد ظهراً لهم فيقيمون الظهر و العصر.

فتبيّن

من ذلك انّ المناطق القطبية أو القريبة منها على أنحاء ثلاثة:

الأوّل: أن يوجد الليل و النهار بشكل متميز و إن كانا غير متساويين و لكنّ هناك شروقاً و غروباً، فيؤدي الفرائض النهارية عند الشروق، و الليلية عند الغروب و إن كان قصيراً.

الثاني: إذا كان هناك نهار طويل سواء بلغ ستة أشهر أو لم يبلغ، فبما انّ الشمس مرئية و حركتها رحوية، فإذا بدأت بحركتها من الشرق إلى الغرب يعدّ نهاراً، و إذا وصلت إلى دائرة نصف النهار يعدّ ظهراً، و إذا تمت الحركة الشرقية و أخذت بالاتجاه إلى جانب الغرب يعد ليلًا، فإذا تمت الحركة الغربية و بدأ بالحركة إلى جانب الشرق فهو أوّل فجرهم، و بذلك تتم الدورة النهارية و الليلية في 24 ساعة.

الثالث: الليل الطويل فالشمس فيها و إن كانت غير مرئية، لكن الظلمة ليست على نسق واحد، بل هي بين ظلمة دامسة و ظلمة داكنة، فعند ما تسود الأُولى يحسب ليلًا لهم و تكون بدايتها أوّل صلاة المغرب و العشاء، و إذا بدأت بالظلمة الداكنة و ظهر بصيص من النور يحسب أوّل الفجر، فإذا خفّت الظلمة يعد نهاراً لهم إلى أن يعود إلى الحالة السابقة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 173

[الفصل الثالث عشر في أحكام القضاء]

اشارة

الفصل الثالث عشر في أحكام القضاء

يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط، و هي: البلوغ، و العقل، و الإسلام، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه. نعم يجب قضاء اليوم الّذي بلغ فيه قبل طلوع فجره أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه. و أمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه و إن كان أحوط. (1)

______________________________

(1) مرّ البحث عن هذه الفروع في الفصل العاشر و

أوضحنا حالها فيه.

فنقول: البلوغ من الشروط العامة للتكليف و تترتب عليه فروع:

عدم وجوب القضاء على الصبي إذا بلغ

1. لا يجب قضاء ما فاته أيّام صباه، لأنّ وجوب القضاء فرع أحد الأمرين: وجود الخطاب، أو وجود الملاك؛ و الأوّل منتف لكون البلوغ من شرائط الوجوب، و الثاني مشكوك أو مقطوع العدم.

2. لو بلغ قبل الفجر أو مقارناً لطلوعه وفاته صومه، يجب قضاؤه لكون أدائه واجباً.

3. لو بلغ بعد الطلوع و قبل الزوال، فلو قيل بوجوب الصوم عليه خصوصاً إذا نوى قبل طلوعه، يجب عليه القضاء لو فاته، و أمّا لو قلنا بعدم وجوب الأداء كما مرّ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 174

و لو شك في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده فمع الجهل بتاريخهما لم يجب القضاء، و كذا مع الجهل بتاريخ البلوغ، و أمّا مع الجهل بتاريخ الطلوع بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلًا و لم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء، و لكن في وجوبه إشكال. (1)

______________________________

لأنّ الصوم الواجب عبارة عن الصوم المكتوب على المكلّف من أوّل الفجر، و المفروض انّه لم يكتب عليه عنده، فلا يجب الأداء و يتبعه القضاء. نعم من قال بوجوب الأداء لمن نوى قبل طلوعه و بلغ قبل الزوال ففاته، يلزم عليه إيجاب القضاء.

ثمّ إنّ بعض المعلّقين على العروة أوجب عليه الأداء أوّلًا، و القضاء ثانياً، للشكّ في إجزاء مثل هذا الصوم و قال: «الأحوط مع ذلك القضاء و إن لم يخالف و نوى الصوم»، و عليه المصنّف في ظاهر المتن، و لكن لا وجه لهذا الاحتياط، لأنّ القضاء تابع للأداء، فلو كان الصوم مكتوباً عليه و الحال هذه فقد صام

و أتى بالواجب، و إن لم يكن مكتوباً عليه، فلا قضاء قطعاً و إلى ما ذكرنا يشير المحقّق الخوئي في تعليقته: «لا وجه للاحتياط إذا صام اليوم الذي بلغ فيه».

و يحتمل أن تكون عبارة المصنف ناظرة إلى ما إذا خالف و لم يصم دون ما صام، و سيأتي نظير هذا الاحتياط في المغمى عليه إذا أفاق قبل الزوال، فليتدبّر.

(1) صور الفرع ثلاث:

1. أن يكون كلّ من تاريخ الطلوع و البلوغ مجهولًا.

2. أن يكون تاريخ الطلوع معلوماً و البلوغ مجهولًا.

3. أن يكون على العكس.

لا شكّ في عدم وجوب القضاء في الصورة الأُولى، إمّا لعدم شمول دليل الاستصحاب الأصلين المتعارضين، كما هو المختار؛ أو شموله لهما، و تساقطهما

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 175

و كذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه، من غير فرق بين ما كان من اللّه أو من فعله، على وجه الحرمة أو على وجه الجواز، و كذا لا يجب على المغمى عليه، سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا، و كذا لا يجب على من أسلم عن كفر، إلّا إذا أسلم قبل الفجر و لم يصم ذلك اليوم فإنّه يجب عليه قضاؤه، و لو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه و إن لم يأت بالمفطر و لا عليه قضاؤه، من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده، و إن كان الأحوط القضاء إذا كان قبل الزوال. (1)

______________________________

بالتعارض على الاختلاف. و على كلا التقديرين لم يحرز تكليفه بالصوم حتى يثبت وجوب قضائه.

و أمّا الثانية و الثالثة، فإن قلنا بجريان الأصل في المعلوم، لأنّ المعلوم و إن لم يجر فيه الاستصحاب بالنظر إلى عمود

الزمان، لكنّه بالنسبة إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر مجهول، فهو مشكوك التقدّم و التأخّر بالنسبة إليه، فيكون حكمهما حكم الصورة الأُولى؛ و أمّا لو قلنا بالفرق بين المعلوم و المجهول، ففي الصورة الثانية يجري الأصل في جانب البلوغ المجهول بلا معارض، أعني: أصالة عدم البلوغ إلى ما بعد الفجر، و يترتب عليه حكمه الشرعي، أعني: عدم وجوب الأداء و القضاء، لأنّ البلوغ إلى الفجر موضوع للحكم الشرعي، و يكفي في نفيه نفي الموضوع.

إنّما الكلام في الصورة الثالثة، أعني: إذا كان الطلوع مجهول التاريخ، فاستصحاب عدم طلوع الفجر إلى ما بعد البلوغ، غير مفيد، إذ ليس طلوع الفجر إلى بعد البلوغ موضوعاً للأثر الشرعي، حتى ينفى بنفيه، و أمّا لازمه، أعني: كون البلوغ قبل الفجر، فهو و إن كان موضوعاً له، لكنّه من لوازم الأصل و لا يكون حجّة في إثباتها.

(1) قد أشار المصنّف في المتن إلى أحكام الطوائف الثلاث في مورد القضاء:

1. المجنون، 2. المغمى عليه، 3. الكافر إذا أسلم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 176

..........

______________________________

و إليك البحث في كلّ واحد تلو الآخر.

عدم وجوب القضاء على المجنون إذا أفاق

إنّ البلوغ و العقل و القدرة من الشرائط العامة للتكليف، فمن فقد واحداً منها لا يخاطَب بالتكليف، فالقضاء على المجنون رهن أحد أمرين: وجود الخطاب حين الأداء و هو ساقط، أو فوت الملاك كما في النائم عن إقامة الصلاة في وقته، و هو في المقام مشكوك أو مقطوع الانتفاء، لأنّ حكمه حكم البهائم.

حكم المغمى عليه إذا أفاق

اختلفت كلمتهم في كون الصوم مشروطاً بعدم الإغماء أو لا. فذهب الشيخان إلى عدم الاشتراط، و العلّامة على خلافهما، كما مرّ. «1»

و على كلّ تقدير لا تظهر الثمرة لو

أُغمي عليه تمام الوقت سواء كان ناوياً أم لا، لإطلاق الروايات الصحيحة الدالة على عدم وجوب القضاء سواء نوى الصوم أم لا التي منها، صحيحة علي بن مهزيار انّه سأله يعني: أبا الحسن الثالث عليه السَّلام عن هذه المسألة يعني: مسألة المغمى عليه فقال: «لا يقضي الصوم و لا الصلاة، و كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر». إلى غير ذلك من الصحاح. «2»

و أمّا ما يخالفها «3» فمحمول على الاستحباب، لقوّة الروايات السابقة، أو مخصوص

______________________________

(1) الفصل العاشر من شرائط وجوب الصوم.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 6، لاحظ الحديث 1، 2، 3، 6.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 4 و 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 177

..........

______________________________

بالصلاة.

نعم تظهر الثمرة في موردين:

1. لو نوى الصوم و أُغمي عليه قبل الفجر و صحا قبل الزوال.

2. لو نوى الصوم و أُغمي عليه بعد الفجر و صحا بعد الزوال.

فعلى القول بالاشتراط، لا يجب تجديد النيّة و لا الإمساك و لا القضاء لو أفطر، بخلاف ما لو قلنا بعدمه فيجب تجديدها و الإمساك و القضاء لو أفطر.

و قد عرفت هنا انّ الظاهر هو الاشتراط، للفرق الواضح بين النوم و الإغماء، و انّ الأُولى ظاهرة طبيعية بخلاف الإغماء فالأقوى عدم الوجوب مطلقاً.

و هل الحكم يختص بما إذا كان من جانبه سبحانه، أو يعم ما كان بفعله؟ و ربما يستظهر من تعليله بقوله: «كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» اختصاصه بالأوّل، لكنّ الظاهر ورود القيد مورد الغالب، و الأقوى عطف المغمى عليه على المجنون في كلتا الصورتين.

حكم الكافر إذا أسلم

لا شكّ انّ الكافر

لو أسلم، لا يجب عليه قضاء صلاته و صيامه للسيرة القطعية من عصر الرسول إلى عصر الوصي و الأئمّة من بعده، و لم يعهد أيّ تكليف منهم بالنسبة إلى الكافر فيما يرجع إلى أيامه الماضية.

كما أنّه لا شكّ إذا أسلم قبل الفجر، و أفطر بعده في أنّه يجب عليه القضاء. ففي صحيح عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان، و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 178

..........

______________________________

أسلموا فيه؟ فقال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا، إلّا يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر». «1»

و معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السَّلام عن آبائه عليهم السَّلام أنّ عليّاً كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: «إنّه ليس عليه إلّا ما يستقبل». 2

و هاتان الروايتان بالإضافة إلى السيرة توضح أحكام الصور الثلاث:

1. حكم ما لو أفطر قبل إسلامه.

2. ما لو أفطر في يوم أسلم.

3. ما لو أفطر في يوم أسلم قبل الفجر.

و هل عدم القضاء لأجل عدم وجوب الصوم عليهم لأنّهم غير مكلّفين بالفروع، و انّ تكليفهم بها قبل أن يسلموا، مستهجن، أو هم مكلّفون بها؟ و الخطاب بما انّه ليس شخصياً، بل قانونياً متعلّقاً بالعناوين الكلية، ليس بقبيح و أنّ عدم القضاء من باب المنّة و إيجاد الرغبة إلى الدخول في الإسلام و على كلّ تقدير، ليس عليهم قضاء.

و ربما يتوهّم خلاف ما ذكرناه من بعض الروايات:

1. صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه سُئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما

عليه من صيامه؟ قال: «ليس عليه إلّا ما أسلم فيه». 3

يتصور انّ المراد من الموصول هو اليوم الذي أسلم فيه مع أنّ صريح صحيحة العيص هو عدم الوجوب.

يلاحظ عليه: أنّ المراد من الموصول، النصف الباقي من الشهر الذي أسلم فيه، و يكون متحداً في المضمون مع ما ورد في معتبرة مسعدة: «انّه ليس عليه إلّا ما يستقبل».

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل، الجزء 7، الباب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 4، 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 179

[المسألة 1: يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته سواء كان عن ملّة أو فطرة.]

المسألة 1: يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته سواء كان عن ملّة أو فطرة. (1)

______________________________

2. صحيحه الآخر قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل أسلم بعد ما دخل شهر رمضان أيّام؟ فقال: «ليقض ما فاته». «1»

و المراد ما فاته بعد ما أسلم، لا ما فاته قبله، و ممّا ذكر يظهر حال مرسلة الصدوق. 2 فالمراد من قوله: ما أسلم فيه أي السنة التي أسلم فيها و أفطر، لا قبلها.

(1) قد نسب وجوب القضاء إلى ظاهر الأصحاب، و انّه لا خلاف بينهم في أنّ المرتد فطرياً كان أو مليّاً يقضي ما فاته زمان ردته، استناداً إلى عموم الأدلّة الدالة على وجوب قضاء الفوائت في الصلاة و الصيام الشاملة للمرتد و غيره.

و على ذلك فالمرتد و إن كان كافراً لكن لا تشمله أدلّته، فانّها ناظرة إلى ما إذا كان كافراً بالأصالة ثمّ أسلم دون ما كان مسلماً ثمّ كفر، فتكون أدلّة وجوب الفرائض أداءً و قضاءً جارية في حقّه من دون دليل على عدم شموله، مضافاً إلى ما دلّ على ضرب المرتدة 3 على الصلوات الدال على كونها محكومة

بالأداء.

ثمّ إنّ عدم إيجاب القضاء على الكافر الأصلي لأجل إيجاد الرغبة بين الكافرين لينتقلوا إلى الإسلام، فلو كتب عليهم قضاء ما تركوا طيلة حياتهم، لما رغبوا إلى الإسلام إلّا قليلًا، فاقتضت مشيئته الحكمية تسهيل الأمر عليهم ليرغبوا في الدين، و هذا بخلاف الأمر في المرتد، فانّ الحكمة فيه إيجاد الضغط عليه، و إلّا فلو حكم على المرتد بعدم وجوب القضاء، فربما يُنتج العكس، خصوصاً فيما إذا لم يكن هناك يد باسطة لقتل المرتد أو استتابته فيتركون الفرائض سنين ثمّ يعودون إلى الإسلام.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل، الجزء 7، الباب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 3.

(2) 3 الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب المرتد، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 180

..........

______________________________

و على كلّ تقدير فسواء أصح ما ذكرنا أم لم يصح لا وجه لعدم وجوب القضاء عليهم بعد كونهم محكومين بالفروع، كما أنّهم محكومون بالأُصول، و قد خرج الكافر الأصلي بالدليل.

نعم يظهر من صاحب الحدائق إشكالان نطرحهما على صعيد البحث.

1. انّ الأحكام المودعة في الأخبار تحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة. «1»

و أجاب عنه المحقّق الخوئي بأنّ الفرد النادر لا يختص به المطلق و لا يمكن تنزيله عليه لا انّه لا يشمله، إذ لا مانع من شمول المطلق حصصاً و أصنافاً يكون بعضها نادر التحقّق. «2»

يلاحظ عليه: بأنّ نظر صاحب الحدائق هو الانصراف، و أنّ الإطلاق منصرف عن الفرد النادر، و على ذلك فيجب أن يرد بوجه آخر، و هو انّ الانصراف بدئي يزول بالتأمل، فانّ المرتد أحقّ بالضغط و الضيق لا بالعفو و السعة.

2. يشكل ذلك في المرتد الفطري بناءً على عدم قبول

توبته، لوجوب قتله، و قسمة أمواله، و بينونة زوجته.

و قد أجاب عنه المحقّق الخوئي: إنّه ربما يتمكّن من القضاء إذا لم يقتل لعدم بسط اليد.

أقول: الظاهر انّ مراد صاحب الحدائق غير ما فهمه المحقّق الخوئي، فانّ مراده هو انّ وجوب قضاء الفرائض لا يتفق مع عدم قبول توبته، و كأنّ عدم قبولها آية كونه مقروناً بالمانع من قبول العبادة أداءً كان أو قضاءً، تائباً كان أو لا. و لو أراد ذلك،

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 298297.

(2) مستند العروة: 2/ 160، كتاب الصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 181

[المسألة 2: يجب القضاء على من فاته لسكر من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام.]

المسألة 2: يجب القضاء على من فاته لسكر من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام. (1)

______________________________

فالجواب: انّ المراد من عدم قبول توبته انّ التوبة لا تردّ وجوب قتله، فيُقتل و لكن توبته بمعنى قبول أعماله باطناً فتكون أعماله القضائية كذلك.

فتحصل من ذلك وجوب القضاء على المرتد، و قد ذكر المصنِّف حكم المرتد في الفصل التاسع أوّلًا، و في مقدمة الكتاب ثانياً. فكان عليه أن يذكر أحكام المرتد مرّة واحدة. فلاحظ.

(1) و ينبغي الشكّ انّ السكر ينافي الصوم سواء نوى قبل الفجر ثمّ سكر أو لا، و ليس السُّكْر ظاهرة طبيعية كالنوم حتى لا ينافي العبادة، و بذلك يصبح عدم السكر شرطاً من شروط صحّة الصوم لكن بمعنى كونه مانعاً من تحقّقه، خلافاً لمن صحّح صومه بزعم انّ السكر كالنوم و عدم اشتراط صحّة الصوم بعدم السكر كالنوم.

و الذي يدل على ما ذكرنا أُمور:

1. وجود الممانعة بين السكر و الصوم، فانّ الغاية من إيجاب الصوم هو تحصيل التقوى، قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ

تَتَّقُونَ) «1» و من الواضح عدم حصول الغاية مع الإسكار.

2. عدم تمشّي النيّة من غير فرق بين كونها أخطاراً بالبال أو داعياً للعمل، و السكران يفقد كليهما، أمّا الإخطار فواضح، و أمّا الداعي فهو عبارة عمّا هو المركوز في النفس على وجه كلّما سئل عن عمله يجيب فوراً بأنّه يفعل كذا و كذا، و السكران فاقد

______________________________

(1) البقرة: 183.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 182

[المسألة 3: يجب على الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس]

المسألة 3: يجب على الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس، و أمّا المستحاضة فيجب عليها الأداء و إذا فات منها فالقضاء. (1)

______________________________

لهذا الشأن.

3. الاستئناس بقوله سبحانه: (لٰا تَقْرَبُوا الصَّلٰاةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ) «1»، فمجموع هذه الأدلّة تُضفي على المسألة وضوحاً، من غير فرق بين كونه للتداوي أو على وجه الحرام، فانّ الأوّل يرفع الحكم التكليفي لا الوضعي.

و بذلك يظهر حكم من أُجريت له عمليةُ التخدير، فيبطل صومه بها، لأنّ التخدير ليست ظاهرة طبيعيّة و لا تتفق مع النية، و هو صنو السكر، و كان على الماتن أن يذكر هذا الفرع لكثرة الابتلاء به.

(1) المسألة إجماعية لا تحتاج إلى التفصيل، و كفى في ذلك ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: الحائض تقضي الصلاة؟ قال: «لا»، قلت: أ تقضي الصوم؟ قال: «نعم»، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: «أوّل من قاس إبليس». «2»

و أمّا المستحاضة فهي طاهرة كسائر النساء و على ذلك فالقضاء على وفق القاعدة، مضافاً إلى مكاتبة علي بن مهزيار في من استحاضت في شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، قال عليه السَّلام: «تقضي صومها

و لا تقضي صلاتها؟!». و الجملة استفهامية. «3»

______________________________

(1) النساء: 43.

(2) الوسائل: 2، الباب 41 من أبواب الحيض، الحديث 3 و غيرها من الروايات.

(3) الوسائل: 2، الباب 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الامساك، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 183

[المسألة 4: المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته]

المسألة 4: المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته، و أمّا ما أتى به على وفق مذهبه فلا قضاء عليه. (1)

______________________________

(1) للمسألة صور:

1. إذا أتى عملًا صحيحاً على مذهبه.

2. إذا أتى عملًا فاسداً على مذهبه.

3. إذا ترك العمل بتاتاً.

4. إذا أتى موافقاً لمذهبنا رجاءً على وجه تمشّى منه قصد القربة.

اتّفقت كلمتهم على سقوط القضاء عن المخالف إذا استبصر، لتضافر الروايات عليه، و قد جمع الحرّ العاملي قسماً من رواياته في أبواب مقدمات العبادات «1»، و نقل بعضها في كتاب الزكاة.

ففي صحيح بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث: «كلّ عمل عَمِلَه و هو في حال نصبه و ضلالته، ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فانّه يُؤجر عليه إلّا الزكاة، فإنّه يعيدها، لأنّه يضعها في غير مواضعها، لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء» «2». و غيرها. 3

و منصرف الروايات ما إذا عمل دون ما ترك، أو أتى به فاسداً عند الفريقين، كما إذا ترك الركن في الحج 4، أو على مذهبه، يبقى الكلام فيما إذا أتى موافقاً لمذهبنا، إذا تمشى منه القربة، كما إذا أتى رجاءً، و لم يستبعد السيد الحكيم قدّس سرَّ و غيره عدم القضاء، لأجل الأولوية.

ثمّ إنّ إمضاء ما أتوا به مع كونه فاسداً، لأجل التفضّل و لإيجاد الرغبة إلى

______________________________

(1) الوسائل: الجزء

1، أبواب مقدمات العبادات، الباب 31.

(2) 2 و 3 الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب مستحقين الزكاة، الحديث 1 و لاحظ سائر الروايات من البابين.

(3) 4 الوسائل: الجزء 1، الباب 31 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 184

[المسألة 5: يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم]

المسألة 5: يجب القضاء على من فاته الصوم للنوم بأن كان نائماً قبل الفجر إلى الغروب من غير سبق نيّة و كذا من فاته للغفلة كذلك. (1)

[المسألة 6: إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقل و الأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقلّ]

المسألة 6: إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقل و الأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقلّ، و لكن الأحوط قضاء الأكثر، خصوصاً إذا كان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو ذلك و كان شكّه في زمان زواله كأن يشكّ في أنّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام مثلًا من شهر رمضان. (2)

______________________________

التشرّف بالتشيّع، و أمّا الزكاة فهي بما انّها حق الناس، لم يشمله العفو كسائر الديون التي لم يؤدّها إلى أصحابها.

(1) قد مرّ في فصل النية، انّ آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن، رمضان كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق، و مع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعيّن الآخر متى تذكر إلى ما قبل الزوال إذا لم يأت بمفطر و يجزيه عن ذلك اليوم، و لا يجزيه بعد الزوال. «1»

فإذا كان محلّ النيّة محدداً بما قبل الزوال، يكفي في الحكم في البطلان الاستيقاظ عند الزوال أو بعده و لا حاجة إلى امتداد النوم إلى الغروب كما في المتن.

و لو قلنا بأنّ بقاء وقت النيّة إلى الزوال مختص بالمسافر و لا يعمّ غيره لورود النصّ فيه لا في غيره، يكفي في البطلان إذا نام من غير سبق النية و انتبه بعد الفجر بقليل، لكن عرفت إمكان إلغاء الخصوصية و انّ ذكر المسافر من باب المثال أو الفرد الغالب و على كلّ تقدير فوجوب القضاء لمن نام من غير سبق النية، على وفق القاعدة.

(2) للمسألة صورتان:

الأُولى: أن يستند

الشك في قلّة الواجب أو كثرته، إلى الجهل بمقدار سبب

______________________________

(1) لاحظ الفصل الأول، المسألة 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

القضاء الذي هو الإفطار فدار أمر السبب بين الأقل و الأكثر سواء أفطر لعذر أو لا معه، كما لو علم أنّه أفطر في شبابه أياماً أو صام جنباً مع نسيانه و دار أمره بينهما.

الثانية: أن يستند الشك، إلى مقدار المانع من صحة الصوم كالمرض أو السفر، فدار أمره بين الأقل و الأكثر.

أمّا الصورة الأُولى فالاقتصار على الأقل هو مقتضى القاعدة، لكونه مصبّاً لأصل البراءة، كأصالة عدم وجوب القضاء.

و ربما يقال بجريان الأصل الموضوعي كأصالة عدم الإفطار، و لكنّه لا يجري، كأصالة عدم الصوم. و ذلك لأنّ الأُصول الموضوعية العدمية تختص بموارد يكون الزمان أوسع من الفعل حتى يصحّ تلبس المكلّف بالعدم في برهة من الزمان ثمّ يُستصحب، كأصالة عدم الإتيان بالظهر، حيث يدخل الوقت و المكلف لا يكون متلبّساً بالصلاة فيستصحب عدم الإتيان، و أمّا إذا كان الزمان بمقدار الفعل كما في المقام فلا يجري الأصل الموضوعي من غير فرق بين أصالة عدم الإفطار أو عدم الصوم. إذ ليس لواحد من العدمين بالنسبة إلى اليوم المشكوك حالة سابقة بل هو في فجر اليوم المشكوك، إمّا صائم، أو مفطر، و أمّا تلبّسه بعدم الإفطار، أو عدم الصوم في اليوم المتقدّم عليه، فهو ليس موضوعاً للحكم، لأنّه أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع، و الموضوع للحكم، هو وصفه بأحد العدمين في فجر اليوم المشكوك و المفروض انّه غير محرز و استصحاب السلب التام و إثبات السلب الناقص من الأُصول المثبتة.

و إن شئت قلت: إنّ المتيقّن هو السلب التام الذي يصدق بلا موضوع أيضاً، و الموضوع للأثر

هو السلب الناقص الذي يتوقف صدقه على وجوده، فانحصر الأمر بالأصل الحكمي و هو عدم وجوب القضاء.

نعم مال غير واحد من المعلّقين إلى وجوب الاحتياط فيما إذا علم مقدار ما فات

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

تفصيلًا ثمّ نسيه، وجهه: انّ الواقع، بتعلّق العلم به قد تنجّز، بما هو عليه، و قد اشتغلت ذمّة المكلّف به، فلا يخرج عن الاشتغال القطعي إلّا بالإتيان بالأكثر، بخلاف ما إذا كان مردّداً بين الأقل و الأكثر من أوّل الأمر.

و أورد عليه المحقّق الخوئي بأنّ مورد الاشتغال إنّما هو احتمال التكليف المنجز بالفعل كما في الشبهات الحكمية قبل الفحص، أو المقرونة بالعلم الإجمالي دون المقام، لا ما كان منجّزاً سابقاً و قد زال عنه التنجّز فعلًا، فانّ صفة التنجّز تدور مدار وجود المنجّز حدوثاً و بقاءً، و المفروض في المقام زوال العلم السابق لو كان و تبدّله بالشكّ، فمتعلّق الاحتمال ليس إلّا تكليفاً غير منجّز جزماً، إذ لا أثر للتنجّز السابق الزائل.

و الحاصل: انّ العبرة في جريان الأصل بحال المكلّف حال الجريان، لا فيما تقدم و انصرم. «1»

يلاحظ عليه: أنّ المانع من الرجوع إلى البراءة أحد الأُمور الثلاثة:

1. العلم بالتكليف المنجّز فعلًا، كما هو الحال في العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين.

2. احتمال التكليف المنجّز على فرض وجوده، كما هو الحال في الدماء و الأعراض و الأموال، و كما مثل الشبهة الحكمية قبل الفحص حيث يجب الاحتياط فيها و لا تجري البراءة و إن كانت الشبهة بدوية، لأنّ التكليف المحتمل على فرض وجوده منجّز

3. التكليف المنجز آناً ما مع زوال العلم بمقدار الواجب، فانّ التنجّز آناً ما يؤثِّر في فرض الواقع على المكلّف و يُلزمه على

الخروج عنه بالامتثال اليقيني، نظير خروج

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 166.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 187

..........

______________________________

أحد الأطراف عن محلّ الابتلاء، فانّ التكليف في الباقي و إن كان محتملًا لكن العلم به آناً ما نجّز الواقع عليه فوجوب الاجتناب من آثار العلم السابق، لا العلم الفعلي، و نظيره إذا أراق أحد الإناءين أو اضطرّ إليه، فالعلم بالتكليف و إن كان غير موجود بعد الإراقة أو طروء الاضطرار، لكن لزوم الاجتناب من آثار العلم السابق، و مثله المقام فانّ العلم بمقدار ما فات نجّز عليه الواقع، و عروض النسيان و إن كان يضرّ بالعلم بالتكليف المنجز حالًا في مورد الأكثر، لكن لزوم الخروج عن عهدة التكليف و عدم الاكتفاء بالأقل من آثار العلم المنجز السابق.

هذا كلّه في الصورة الأُولى، أعني: ما إذا كان الترديد مستنداً إلى قلّة سبب القضاء و كثرته، و إليك الكلام في الصورة الأُخرى:

الثانية: إذا كان الترديد مستنداً إلى المانع

إذا كان الشكّ مستنداً إلى تردد المانع عن الصوم بين القليل و الكثير، و لها حالتان:

1. إذا كان الشكّ فيهما نابعاً من الشكّ في زمان حدوثه، كما إذا علم انّه رجع من السفر يوم العشرين من شهر رمضان و لكن شكّ في مبدأ السفر و انّه هل كان يوم الخامس عشر منه، فقد فات منه صوم خمسة أيام أو السادس عشر فقد فات منه، أربعة.

2. ما إذا كان الشكّ فيهما نابعاً من الشكّ في نهاية السفر زماناً، كما إذا علم أنّه بدأ بالسفر يوم الخامس عشر، و شكّ في ختامه و انّه رجع منه يوم العشرين قبل الزوال أو التاسع عشر كذلك. فعلى الأوّل يكون الفائت خمسة أيام و على الثاني يكون

أربعة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

و إليك دراسة الحالتين:

أمّا الأُولى: فالمرجع هو استصحاب شهود الشهر إلى نهاية الخامس عشر، أو هو استصحاب عدم السفر، و الذي يوضح ذلك انّه لو شكّ المكلّف في أصل السفر في شهر رمضان، كأن شك في أنّه هل سافر في اليوم الخامس عشر أو لا؟ فلا يعتد بالشكّ بعد خروج الوقت، لأصالة عدم السفر، فهكذا إذا دار الأمر بين كونه حادثاً في ذلك اليوم أو في يوم بعده.

و أمّا التمسّك بعدم الافطار، أو مقابله، أعني: أصالة عدم الإتيان فقد علمت عدم جريانهما في الواجبات المضيقة، إذ ليس المكلّف متلبّساً بأحد العدمين في اليوم المشكوك على نحو ليس الناقصة بأن يتحقق اليوم الخامس عشر، و هو موصوف بعدم الإفطار، أو بعدم الصيام.

و أمّا تحقّقه في الزمان المتقدم، أعني: الرابع عشر، فالمفروض انّه صام، حتى لو فرض تحقّق أحد العدمين في اليوم المتقدّم، كما إذا شكّ في أنّ بدء السفر كان أوّل رمضان أو ثانيه، لا يكون العدم المتحقّق في آخر شعبان منتجاً بالنسبة إلى العدم المطلوب في أوّل رمضان.

و أمّا الثانية: أعني إذا كان الشكّ مستنداً إلى بقاء المانع و استمراره كما إذا علم أنّه بدأ بالسفر في اليوم الخامس، و لكن يشكّ في استمراره إلى التاسع عشر أو العشرين، و هذا هو الذي أشار إليه المصنّف، و قال: الأحوط قضاء الأكثر خصوصاً إذا كان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو ذلك و كان شكّه في زمان زواله ....

وجه الاحتياط هو استصحاب استمرار السفر أو المرض إلى اليوم العشرين، و قد وقعا موضوعاً للقضاء في قوله سبحانه: (وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ

أَيّٰامٍ أُخَرَ)، فيكون استصحاب استمرار المانع موجباً لإثبات الأثر المذكور، أي

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 189

..........

______________________________

القضاء، و قد أفتى سيد مشايخنا المحقّق البروجردي بعدم ترك الاحتياط في هذه الصورة، و تبعه بعض السادة في تعاليقه، و قال: الأحوط بل الأقوى وجوب الأكثر في هذه الصورة.

يلاحظ عليه: أنّ استصحاب وجود المانع أي السفر لا يلازم وجوب القضاء بمعنى انّه ليس موضوعاً تامّاً بشهادة انّه ربما يكون مسافراً و لا يجب عليه القضاء إمّا لفقد المقتضي كما إذا سافر المجنون أو المغمى عليه، أو لعدم مانعية المانع كصوم العاصي بسفره أو صوم كثير السفر، و معه كيف يتمسك بالأعم و يثبت به الأخص، أعني: لزوم القضاء؟

فإن قلت: إنّ استصحاب السفر و إن كان لا يلازم وجوب القضاء لكون الأوّل أعمّ منه بشهادة الموارد المذكورة، لكن المفروض انّ الشخص ليس مجنوناً و لا مغمى عليه، و لا عاصياً بسفره و لا كثيره، و مع هذا الفرض يكون السفر ملازماً لوجوب القضاء.

قلت: إنّ الميزان في كون الشي ء (السفر) موضوعاً للأثر أي وجوب القضاء هو نفسه بما هو هو لا مع ملاحظة الضمائم الخارجية التي تقيّد الموضوع و تجعله موضوعاً مساوياً للأثر، و هذا النوع من الاستصحاب من فروع الأُصول المثبتة، لحكم العقل بأنّ السفر، منضماً إلى هذه الشروط يلازم وجوب القضاء، دون الشرع.

و أمّا ما هو المرجع في المقام، فقد اختار السيد الحكيم بأنّ المرجع عندئذ بعد سقوط استصحاب المانع عن الأثر هو قاعدة الشك بعد خروج الوقت، أو أصالة الصحة إذا شكّ في صحته إذا صام و شكّ في صحته. «1»

يلاحظ عليه: أنّ مصب القاعدتين إنّما هو فيما إذا أحرز الأمر و شكّ في

أصل

______________________________

(1) المستمسك: 8/ 488.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 190

[المسألة 7: لا يجب الفور في القضاء و لا التتابع.]

المسألة 7: لا يجب الفور في القضاء و لا التتابع. نعم يستحبّ التتابع فيه و إن كان أكثر من ستة لا التفريق فيه مطلقاً أو في الزائد على الستّة. (1)

______________________________

الإتيان أو في صحته، و المفروض عدم إحرازه، لاحتمال كونه مسافراً أو مريضاً أي امتداد المانع إلى يوم العشرين، و قد علمت أنّ المريض و المسافر لم يكتب عليهما الصوم في نفس الشهر و إنّما المكتوب عليهما هو الصوم في أيّام أُخر، و مع الشك في أصل الأمر، كيف يكون المرجع نفس القاعدتين؟!

و الصحيح انّ المرجع هو الأصل الحكمي، أي عدم وجوب القضاء، و أمّا التمسّك بأصالة عدم الإتيان، فقد عرفت اختصاصه بما إذا كان الزمان أوسع من الفريضة دون ما إذا كانا متساويين، فعندئذ يفقد الموردُ الحالة السابقة، لأنّه من أوّل الأمر مردّد بين كونه تاركاً أو صائماً و لم يكن في عمود الزمان لحظة يصدق عليه انّه تارك للصوم، كما مرّ.

(1) في كيفية قضاء الصوم الفائت مسائل ذكرها المصنّف في ضمن مسائل، منها ما يلي:

1. الفورية أو جواز التراخي.

2. استحباب الموالاة و عدمه.

أمّا الأوّل، فقد نسب صاحبُ الحدائق عدمَ وجوب الفورية إلى مذهب الأصحاب، و لم يُنقل الخلاف إلّا من أبي الصلاح حيث قال: يلزم من يتعيّن عليه فمرض القضاء بشي ء من شهر رمضان، أن يبادر به أوّل أحوال الإمكان. «1» و يدل على قول المشهور روايات:

1. صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: إذا كان على الرجل شي ء من

______________________________

(1) الكافي: 184.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ شهر شاء». «1»

2.

صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: من أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل، و إن قضاه متفرّقاً فحسن». 2

و موردها و إن كان عدم وجوب الموالاة التي هي المسألة الثانية، لكن يستفاد من عدم وجوبها، جواز التأخير.

3. صحيح البختري عن أبي عبد الله عليه السَّلام: كنّ نساء النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلى شعبان». 3

و أمّا الثاني أي الموالاة في صوم القضاء فقد اختلفت كلمات أصحابنا في حكمه.

فذهب الشيخ إلى أنّ التتابع أفضل من تفريقه، و عليه ابن إدريس في السرائر حيث إنّه بعد ما نقل الأقوال، قال: و الأوّل (الإتيان به متتابعاً) هو الأظهر بين الطائفة و به أفتي لأنّ الأصل يقتضيه. 4

و قال السيد المرتضى: إنّه مخيّر بين المتابعة و التفريق. و عليه في «جمل العلم و العمل». و قال في «المسائل الناصرية»: عند أصحابنا انّه مخيّر بين التتابع و التفريق.

و قد سبقه في ذلك علي بن بابويه، حيث قال: أنت بالخيار إن شئت قضيت متتابعاً، و إن شئت قضيت متفرقاً.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الأفضل أن يأتي به متفرّقاً، و عليه المفيد في بدء كلامه

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 4.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 27 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(3) 4 السرائر: 1/ 406.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

حيث قال:

إن شاء قضاه متتابعاً، و إن شاء قضاه متفرقاً، أيّهما فعل أجزأه.

لكنّه في بيان وجه التفريق قال ما يظهر منه وجوبه، و إليك نصّ كلامه:

و الوجه

في ذلك انّه إن تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرقاً بين الشهر في وصفه و بين القضاء، فأوجبت السُّنّةُ الفصلَ بين الأيام ليقع الفرق بين الأمرين.

و نقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب انّه فصل و قال: إن كان الذي فاته عشرة أيّام أو ثمانية فليتابع بين ثمانية أو بين ستة و يفرّق الباقي.

هذه هي الآراء المختلفة التي نقلها العلّامة في المختلف «1» عن مصادرها. و لكن لا تنافي بين القول بأفضلية التتابع و التخيير بينه و بين التفريق.

نعم، من قال بأفضلية التفريق فقد خالف قول المشهور الذي هو أفضلية التتابع، و ليس لهذه الأقوال مصدر إلّا الروايات التي نتلوها عليك، فالمعتمد هي:

ما يدل على استحباب المتابعة

يدل على استحباب المتابعة أُمور:

1. قوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ*). «2»

2. صحيحة ابن سنان الماضية ففيها: «فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل، و إن قضاه متفرقاً فحسن». «3»

______________________________

(1) المختلف: 3/ 551550.

(2) البقرة: 148.

(3) الوسائل: 7، الباب 26، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

3. ما رواه الصدوق في «الخصال» عن الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السَّلام في حديث شرائع الدين قال: «و الفائت من شهر رمضان إن قُضي متفرّقاً جاز، و إن قُضي متتابعاً كان أفضل». «1»

و أمّا صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أيّاماً متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، و ليحص الأيام، فإن فرّق فحسن فإن تابع فحسن». 2

فصدرها يدلّ على لزوم المتابعة في مجموع ما عليه من القضاء، و عليه فلو كان عليه قضاء شهر كامل فاللازم هو المتابعة.

و أمّا

ذيلها فيدلّ على أنّه إذا لم يستطع على المتابعة في مجموع ما عليه من قضاء الشهر فاضطر إلى تقسيم القضاء إلى مجموعات كعشرة و عشرة، فعندئذ فهو مخيّر بين التفريق و المتابعة.

و على كلّ حال فيحمل الصدر بقرينة رواية ابن سنان على الاستحباب لا اللزوم، و إلّا فلو كانت المتابعة لازمة لم يكن مخيراً في أجزاء كلّ مجموعة بين التفريق و الموالاة، بل كان عليه رعاية المتابعة في أجزاء المجموع أيضاً، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، فهذا آية استحباب المتابعة في مطلق قضاء شهر رمضان.

إلى هنا تمّ ما يدلّ على أفضلية المتابعة و قد عرفت أنّ صحيحة الحلبي لا تدلّ على وجوبها، و على فرض ظهورها في الوجوب يحمل على الاستحباب بقرينة رواية ابن إدريس و الخصال.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11 و 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

ما يدلّ على التخيير بين الموالاة و المتابعة

و هناك ما يدلّ على التخيير بين المتابعة و الموالاة.

أ: ما كتبه الرضا إلى المأمون، قال: «و إن قضيت فوائت شهر رمضان متفرّقاً أجزأ». «1»

و هذا الحديث لا ينافي استحباب المتابعة.

ب: ما رواه سماعة، قال: سألته عمّن يقضي شهر رمضان منقطعاً؟ قال: «إذا حفظ أيّامه فلا بأس». 2

و هو أيضاً لا ينافي استحباب المتابعة.

ج: ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري انّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السَّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان، أ يقضيها متفرقة؟ قال: «لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنّما الصيام الذي لا يفرّق صوم كفّارة الظهار، و كفّارة الدم، و كفّارة اليمين». 3 و هو أيضاً كسابقيه لا ينافي استحباب المتابعة.

إلى

هنا تمّ ما يدلّ على أفضلية المتابعة أو ما لا يخالفه.

بقي هناك ما يخالف قول المشهور، و هناك روايتان تخالفان بظاهرها قول المشهور.

الأُولى: ما رواها علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السَّلام قال: سألته عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما؟ قال: «يفصل بينهما بيوم، و إن كان أكثر من ذلك فليقضها متوالياً». 4

و قد ترك الأصحاب العمل به.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 9، 2، 8.

(2) 4 الوسائل: 7، الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 195

[المسألة 8: لا يجب تعيين الأيّام]

المسألة 8: لا يجب تعيين الأيّام فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفى و إن لم يعيّن الأوّل و الثاني و هكذا، بل لا يجب الترتيب أيضاً فلو نوى الوسط أو الأخير تعيّن و يترتّب عليه أثره. (1)

______________________________

الثانية: ما يظهر من رواية عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سألته عن الرجل تكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال: «إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوماً، و إن كان عليه خمسة أيّام فليفطر بينها أيّاماً، و ليس له أن يصوم أكثر من ستة (ثمانية) أيّام متوالية، و إن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوماً». «1»

و قد أفتى بمضمونها المفيد في مقنعته مع تصرّفات في الرواية، قال: و قد روي عن الصادق عليه السَّلام، أنّه إذا كان عليه يومان فَصَلَ بينهما بيوم، و كذا إذا كان عليه خمسة أيّام و ما زاد، فإن كان عليه عشرة أو أكثر تابع بين الثمانية الأيّام إن شاء ثمّ

فرق الباقي. «2»

فقد أسقط المفيد الفقرة التالية: «و ليس له أن يصوم أكثر من ستة أيّام متوالية» كما تصرّف أيضاً في بعض فقراتها، و لكن الرواية غير صالحة للاحتجاج، لما ذكره الشيخ من أنّ الأصحاب لا يعملون بمنفردات عمّار بن موسى الساباطي لضعفه في الحفظ و التأدية.

و قال المحدّث البحراني بعد نقل هذا الحديث: إنّه غريب كما هو الحال في كثير من أخبار عمّار. «3»

(1) قد تقدم انّ لقضاء شهر رمضان أحكاماً:

1. الفورية و عدمها.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12، 6.

(2) المقنعة: 360359.

(3) الحدائق: 13/ 317.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

2. التتابع و عدمه.

و قد مضى الكلام فيهما مفصّلًا و بقي الكلام في حكمين آخرين، أعني:

3. وجوب تعيين الأيّام و عدمه.

4. لزوم الترتيب في القضاء و عدمه.

و هذان الحكمان لم يذكرهما المصنف في المقام، و إليك البحث فيهما.

أمّا تعيين الأيام و عدمه فهو فرع تحديد ما هو الواجب عليه، فهل وجب عليه صوم عدة أيام من شهر رمضان؟ أو وجب القضاء عن الأوّل و الثاني، على نحو يكون قصده وقوعه عنهما جزء الواجب؟ فنقول:

إذا كان المكلّف به العمل المعنون بإحدى العناوين القصدية التي لا تتحقق إلّا بقصدها كالإتيان بأربع ركعات بما انّها صلاة ظهر أو عصر، أو الإتيان بركعتين بما انّهما نافلة أو فريضة، أو صلاة أداء أو قضاء فلا شكّ انّه يجب قصدها عند الامتثال و إلّا فلم يمتثل المأمور به، و الإتيان بأربع ركعات مشتركة بين الظهر و العصر، لا يُحسب لواحد منهما لتساوي نسبته إلى الفريضتين، إنّما الكلام فيما إذا كان الواجب عليه صوم عدّة أيام من رمضان فقط من دون أن تُقيّد

بكونه عن اليوم الأوّل و الثاني و ... فيكفي في ذلك، صوم يومين من ذلك الشهر قضاء، و ما ذلك إلّا لأجل أنّ ما عليه ليس إلّا «صوم عدّة أيام من شهر رمضان» فقط، دون شي ء آخر، و المفروض انّه أتى به و الذي يميز الصوم الأوّل عن الثاني، هو توسط الليل بين اليومين، لا تقييد كلّ منهما بزمان خاص.

و على ما ذكر فتعيين الأيّام في مقام القضاء و إن كان أمراً ممكناً، لكنّه من قبيل «لزوم ما يلزم» إذ ليس واجباً و لا جزء الواجب، لأنّ فوت صوم اليوم الأوّل حيثية تعليلية، لا تقييدية، كعنوان المقدمة حيث إنّ كون الشي ء مقدمة للواجب النفسي علة لتعلّق الوجوب بنفس المقدمة و ذاتها. و منه يظهر انّه لا وجه لقصد التعيين، لعدم كونه

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 197

[المسألة 9: لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللّاحق قبل السابق]

المسألة 9: لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعداً يجوز قضاء اللّاحق قبل السابق، بل إذا تضيّق اللاحق بأن صار قريباً من رمضان آخر كان الأحوط

______________________________

واجباً، لا انّه لا يمكن قصده كما يظهر من الشارحين قدّس سرَّهما.

و هذا نظير ما إذا استدان من زيد، مرّتين، في كل مرّة درهماً فالواجب عليه أداء درهمين، من دون لزوم تعيين سبب كلّ منهما. نعم لو كان لأحد الدينين رهن دون الآخر، فلا يفك الرهن إلّا إذا نوى به أداء ما معه الرهن و إلّا فنسبته إليهما على سواء.

هذا كلّه حول التعيين.

و أمّا الأمر الثاني أي رعاية الترتيب، فذهب العلّامة في «التذكرة» إلى عدم وجوب الترتيب في قضاء الصوم بأن ينوي الأوّل فالأوّل، نعم يستحب ذلك. و قال الشهيد: «و هل يستحب الأوّل فالأوّل؟ فيه إشكال». و في المدارك

وجه الإشكال: من تساوي الأيّام في التعلّق بالدقة، مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض، و من سبق الأوّل في الذمّة فكان أولى بالمبادرة. «1» و أمّا الماتن فقد أفتى بعدم وجوبه، لكن لو نوى الوسط أو الأخير تعيّن و ترتب عليه أثره.

أمّا عدم وجوبه لما عرفت من أنّ الواجب عليه «صيام عدّة أيام من شهر رمضان»، غير أنّ كل واحد من الأيّام ينفصل عن الآخر بتخلّل الليل و عليه لا يكون قصده واجباً، لما عرفت من أنّ الواجب أمر غير ملوّن بلون و غير مخصَّص بخصوصية سوى وجوب عدّة أيام من شهر رمضان.

نعم لو نذر انّه لو أخّر قضاء اليوم الثاني فعليه كذا، فلو ضاق الوقت، لزم عليه مخالفة الترتيب لأجل النذر، و هذا معنى قول المصنّف: «فلو نوى الوسط تعيّن و ترتّب الأثر».

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 318.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 198

تقديم اللّاحق، و لو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق و كذا في الأيّام. (1)

______________________________

(1) هنا فروع:

1. يجوز تقديم قضاء رمضان اللاحق على قضاء رمضان السابق.

2. إذا تضيّق اللاحق، الأحوط تقديم قضائه على السابق.

3. لو أطلق انصرف إلى السابق.

أمّا الأوّل: فقد عرفت أنّ الملاك لعدم وجوب التعيين و الترتيب هو عدم كونهما دخيلين في المكلّف به، و انّ الواجب عليه هو صوم أيّام تعادل ما فات منه في شهر رمضان فقط.

و هذا الملاك موجود بعينه بين رمضانين أيضاً، فانّ الواجب عليه صوم أيّام بمقدار أيّام رمضانين قضاءً عنهما، من دون أن يكون لكونه بدلًا من رمضان الأوّل، أو الثاني مدخلية في المكلّف به و هذا لا بمعنى انّه لا يمكن نيته رمضان الأوّل، بل لعدم كونه واجباً و لذلك

لو نوى قضاء اللاحق قبل السابق صحّ، و لكنّه أشبه بلزوم ما لا يلزم، و قد عرفت ما يُحقّق التعيين في المسألة السابقة.

أمّا الثاني: فإذا تضيق اللاحق بأن صار قريباً من رمضان ثالث كان الأحوط تقديم اللاحق، لو لم يكن أقوى، و ذلك لأنّ الكفّارة تعلّقت بتأخير صوم رمضان السابق سواء أ صام أم لا، و أمّا رمضان الثاني فهو على مقرُبة من تعلّقها بتأخير قضائه، فالأحوط بل الأقوى تقديم اللاحق، لئلّا تتعلّق به الكفارة حيث إنّها آية العصيان لأجل انّه تكفر الذنب، و لذلك قلنا الأقوى مكان الأحوط، و سيوافيك الكلام في المسألة الثامنة عشرة.

و أمّا الثالث: أي إذا أطلق في نيّته، انصرف إلى السابق.

المراد من الانصراف هو انّه يحسب للسابق دون اللاحق، و ذلك لما عرفت من أنّ

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 199

[المسألة 10: لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفّارة و النذر و نحوهما.]

المسألة 10: لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفّارة و النذر و نحوهما. نعم لا يجوز التطوّع بشي ء لمن عليه صوم واجب كما مرّ. (1)

______________________________

الواجب عليه صوم عدّة أيام تعادل أيام رمضانين قضاء عنهما، فإذا كان لأحد القضاءين أثر خاص دون الآخر، كما في المقام حيث إن ترك قضاء رمضان الثاني يوجب تعلّق الكفّارة بتأخيره دون الأوّل، فاحتسابه للثاني دون الأوّل، يحتاج إلى دليل، و إلّا فينطبق على الجامع الطبيعي الصالح للانطباق لواجد الخصوصية و فاقدها، و قد سبق انّه إذا كان لأحد الدينين رهن دون الآخر، فأدّى ما يمكن أن ينطبق على كلّ منهما بلا نيته، فلا يحسب للثاني و بالتالي لا يفكّ الرهن، لأنّ إرجاعه إلى ماله الرهن يحتاج إلى النية و إلّا ينطبق على الجامع الصالح للانطباق على

كلا الدينين.

(1) هنا فرعان:

1. إذا كان عليه صوم قضاء رمضان و غيره كالنذر فلا ترتيب بينهما.

2. لا يجوز التطوع بشي ء لمن عليه صوم واجب.

أمّا الأوّل فالمشهور على عدم وجوب الترتيب، لعدم الدليل على تقديم قضاء رمضان على غيره إلّا إذا ضاق وقت القضاء فيقدّمه لأجل الفرار عن العصيان و الكفارة. نعم نقل العلّامة في المختلف عن ابن أبي عقيل انّه قال: لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن عليه قضاء من شهر رمضان حتى يقضيه. «1»

و أمّا الفرع الثاني، فقد مضى الكلام فيه في المسألة الثالثة في فصل شرائط صحّة الصوم فراجع.

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 3/ 560.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 200

[المسألة 11: إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ثمّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمّته]

المسألة 11: إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ثمّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمّته لم يقع لغيره، و أمّا لو ظهر له في الأثناء فإن كان بعد الزوال لا يجوز العدول إلى غيره و إن كان قبله فالأقوى جواز تجديد النيّة لغيره و إن كان الأحوط عدمه. (1)

______________________________

(1) إذا كان عليه صوم قضاء و كفّارة فنوى الأوّل و قد تبيّن فراغ ذمته فهل يقع لغيره، أعني: الكفارة أو لا؟ للمسألة صور:

1. إذا تبيّن بعد الفراغ عن الصوم.

2. إذا تبيّن قبل الزوال.

3. إذا تبيّن بعده.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 200

أمّا الأوّل فلا يقع عن الكفّارة، و ذلك لأنّ تعدد الأمر كاشف عن أخذ قيد في المأمور به، يُميّز أحدهما على الآخر كعنواني القضاء و الكفّارة، فلا يسقط إلّا بقصد أمره الذي لا يتحقّق إلّا بقصد العنوان المأخوذ

فيه و المفروض انّه لم يقصده، و ما قصده لم يكن واجباً.

نعم لو كان الصائم بصدد امتثال ما هو الواجب عليه أوّلًا و بالذات، لكنّه تخيّل انّ الواجب هو القضاء، أو انّه أيضاً واجب لم يبعد وقوعه عن الواجب إذا كان منحصراً فيه.

2. إذا تبيّن له قبل الزوال، فقد مرّ «1» انّه يمتدّ وقت النيّة إلى الزوال في الواجب المعيّن عند الجهل و النسيان و في غير المعيّن، مطلقاً.

3. إذا تبيّن بعد الزوال فلا محل للعدول للواجب معيّناً كان أو غير معيّن، نعم يصح له العدول إلى الصوم المندوب لامتداد وقت نيته إلى قبيل الغروب.

______________________________

(1) راجع الجزء الأوّل: الفصل الأوّل، المسألة 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 201

[المسألة 12: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه]

المسألة 12: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه، و لكن يستحب النيابة عنه في أدائه، و الأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب. (1)

______________________________

(1) من فاته شهر رمضان لعذر كالمرض و الحيض و النفاس، إن برأ بعد فواته و تمكّن من القضاء و لم يقضه وجب على وليّه القضاء كما سيأتي إنّما الكلام فيمن إذا لم يبرأ سواء مات في شهر رمضان أو استمر مرضه، فهنا فرعان:

1. سقوط وجوب القضاء عن الوليّ.

2. استحباب القضاء.

أمّا الأوّل فقال الشيخ: إذا أفطر رمضان و لم يقضه، ثمّ مات، فإن كان تأخيره لعذر، مثل استمرار المرض، أو سفر لم يجب القضاء عنه و لا الكفّارة. و به قال الشافعي، و قال قتادة: يطعم عنه.

دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً بأنّ إيجاب ذلك يحتاج إلى دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ على ذلك. «1» و كان عليه أن يضيف

عليه تضافر الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام على عدم وجوب القضاء على الوليّ كما هو دأبه في أكثر الموارد.

ثمّ إنّ الشيخ عطف استمرار السفر على الأعذار الثلاثة، و سيأتي الكلام فيه في المسألة الثالثة عشرة، و على كلّ تقدير إنّ عدم وجوب القضاء أمر اتفاقي، و لو كان كلام فإنّما هو في الفرع الثاني. و يدلّ على عدم الوجوب روايات:

1. صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السَّلام قال: سألته عن رجل أدركه شهر رمضان، و هو مريض فتُوفّي قبل أن يبرأ؟ قال: «ليس عليه شي ء، و لكن يُقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي». «2»

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الصوم، المسألة 64.

(2) الوسائل: الجز 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 202

..........

______________________________

2. موثّق سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوال قال: «لا صيام عليه و لا يُقضى عنه» قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر على الصوم، فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال: «لا يُقضى عنها». «1» و المراد موته في شوال قبل أن يقدر بقرينة الجملة المتقدمة عليه.

3. صحيحة أبي مريم الأنصاري (عبد الغفار بن القاسم بن قيس، الثقة) عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتى مات، فليس عليه شي ء ...». 2

4. صحيح أبي حمزة (ثابت بن دينار الثقة الثمالي) عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: سألته عن امرأة

مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يُقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم». 3

إلى غير ذلك من الروايات الّتي نقلها الحرّ العاملي في الباب الثالث و العشرين، فلاحظ.

و أمّا الفرع الثاني: و هو ما أفتى به المصنِّف من استحباب النيابة عنه في أدائه، و قد نسبه في الحدائق إلى جمع من الأصحاب و انّ العلّامة أسنده في «المنتهى» إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الاتّفاق عليه. 4

و ما ادّعى من الاتّفاق غير ثابت، مع ظهور النصّ في عدم المشروعية، روى الكليني في الصحيح أو الموثّق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال: «هل برئت

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 23، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث: 10، 7، 4.

(2) 4 الحدائق: 13/ 300.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

من مرضها؟» قلت: لا، ماتت فيه، قال: «لا تقضي عنها، فانّ اللّه لم يجعله عليها»، قلت: فإنّي اشتهي أن أقضي عنها و قد أَوصتني بذلك؟ قال: «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله اللّه عليها؟! فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم». «1» فأي تعبير أصرح في نفي المشروعية من قوله: «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله اللّه عليها». أي لم يجعل اللّه القضاء عليها. و الضمير في الفعل يرجع إلى القضاء لا الصوم.

و ربما يحتمل إمكان استفادة المشروعية من دليل مشروعية القضاء بضميمة ما دلّ على مشروعية النيابة فيه. و لا تنافيه النصوص المتقدّمة الدالّة على نفي القضاء، إذ هي بين

ما يدل على عدم الوجوب على الميّت و ما يدلّ على عدم الوجوب على النائب و لا تعرض فيها لنفي المشروعية، و الصحيح يحتمل أن يكون المراد منه، المنع من القضاء بعنوان كونه ثابتاً عليها

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 204

..........

______________________________

و تفريغاً لذمّتها حسب ما يظهر من وصيتها بذلك لا مجرد الفعل عنها، بل لعل قوله عليه السَّلام «فإن اشتهيت ...» يراد منه مشروعية ذلك، و انّه لا بأس بأن تصوم عنها لنفسك لا بداعي وصيّتها. «1»

يلاحظ عليه: أنّ التمسّك بأدلّة القضاء فرع إحراز اشتغال ذمّته به حتى يقال: «اقض ما فات كما فات» كما أنّ التمسّك بدليل النيابة إنّما هو فيما إذا أحرز كونه صالحاً للنيابة، و هو فرع اشتغال ذمّته بما ينوب فيه و مع الشك يكون التمسّك بهما من قبيل التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقية.

على أنّ الروايات الماضية لا تُبقي شكّاً في عدم اشتغال ذمّته للقضاء حتى ينوب عنه نائب.

و حمل قوله: «لا تقضي عنها» على المنع من القضاء بعنوان كونه ثابتاً عليها و تفريغاً لذمّتها خلاف الظاهر، فانّ الظاهر من تلك الفقرة بقرينة قوله: «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله اللّه تعالى عليها» هو نفي الجعل و التشريع نظير قوله تعالى: (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). «2»

و أضعف منه حمل قوله: «فإن اشتهيت ...» على مشروعية النيابة و انّه لا بأس بأن تصوم عنها لنفسك لا بداعي وصيّتها، ذلك لأنّ الإمام بعد صرفه عن الصوم عنها، أحسّ انّ له رغبة في الصوم، ففتح أمامه طريقاً، و هو أن يصوم لنفسه و بذلك يُرضي رغبته

إلى تلك العبادة.

و بذلك تبيّن انّ المتعيّن ما قاله الماتن في قوله: «و الأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب» لما دلّت الأدلّة على أنّ الموتى ينتفعون بعمل الأحياء إذا أهدوا ثواب عملهم إليهم، و أمّا دلالة قوله: «فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» على ذلك فموضع تأمّل، و الأولى الاستناد إلى الأدلّة العامّة كما قلناه.

حكم السفر

إذا فات الصوم في السفر و لم يتمكّن من القضاء حتى مات، فهل يجب على الولي القضاء عنه أو لا؟

ذهب الشيخ في «النهاية» إلى سقوط القضاء حيث قال: و كذلك (مثل المريض) إن كان قد فاته شي ء من الصيام في السفر، ثمّ مات قبل أن يَقضي و كان متمكّناً من القضاء وجب على وليّه أن يصوم عنه. «3» حيث قيّد القضاء بالتمكّن منه فخرج ما لم

______________________________

(1) المستمسك: 8/ 496495.

(2) الحج: 78.

(3) النهاية: 157.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 205

..........

______________________________

يتمكّن، و نقل ذلك القول عن المحقّق و العلّامة. «1» و به قال الشهيدان في «الروضة» قال الشهيد الأوّل: «و في القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكّنه من المقام و القضاء».

و قال الشهيد الثاني في شرحه: و لو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض. «2» و استقواه في «المسالك» كما سيوافيك.

و ذهب المحقّق إلى عدم سقوط القضاء و قال: و لا يقضي الولي إلّا ما تمكّن الميت من قضائه و أهمله إلّا ما يفوت بالسفر فانّه يُقضى و لو مات مسافراً على رواية.

و قال الشهيد في شرح الشرائع: و يشكل الفرق في السفر الواجب، و من ثمّ ذهب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار التمكّن من القضاء في وجوب القضاء عنه، كغيره و لو بالإقامة في أثناء السفر، و هو

الأقوى. و قد فسّر قول المحقّق «على رواية» برواية «منصور ابن حازم» «3»، فحكم بعدم صحة سندها.

الظاهر عدم وقوف القائلين بعدم الوجوب على ما دلّ على وجوبه من صحيح و موثّق، و قد غفل الشيخ عنها، كما زعم المحقّق وجود رواية واحدة، و استضعفها الشهيد كما عرفت غير انّ ما يدل على القضاء أكثر و فيه الصحيح و الموثّق نظير:

1. صحيح أبي حمزة الثمالي في جواب سؤال الراوي: طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يُقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم». «4»

2. موثّق محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في امرأة مرضت في شهر رمضان

______________________________

(1) نقله صاحب الحدائق عن المهذب لابن فهد عنهما.

(2) الروضة: 2/ 124123.

(3) المسالك: 2/ 63.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 206

..........

______________________________

أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يُقضى عنها؟ فقال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم». «1»

3. موثّق أبي بصير: قال سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: «يقضيه أفضل أهل بيته». 2

4. خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت؟ قال: «يقضى عنه ...» 3 و في السند محمد بن الربيع و هو لم يوثّق.

و أمّا وجه التفريق بين المرض و السفر، فلعله أنّ المرض و الطمث من اللّه عزّ و جلّ و هو أعذر لعبده. و قد قال عليه السَّلام: «كلّما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه

شي ء»، «أو كلّما غلب اللّه فاللّه أولى بالعذر». 4 و هذا بخلاف السفر فانّه من المكلّف غالباً. و بناء الأحكام على الغالب لا على الاستيعاب.

و ربما يستدلّ للقول الآخر بما ورد في صحيح أبي بصير: «لا يُقضى عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها» حيث إنّ العلّة موجودة في مورد المسافر حيث إنّه سبحانه لم يجعل الصوم عليه لما مرّ في تفسير قوله سبحانه (وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ). 5 من أنّ المكتوب عليهما هو الصيام في غير هذا الشهر.

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال مبني على عود الضمير إلى الصوم، لكنّه خلاف الظاهر بل يرجع إلى القضاء المفهوم من قوله: «لا يقضي عنها» فيختص التعليل بالمريض، إذ لا نعلم بعدم جعله على المسافر. نعم لو رجع الضمير إلى الصوم كان للاستدلال وجه لكن المرجع بعيد و على فرض الصحّة فهو إشعار، لا يقاوم أمام الصحاح كما عرفت.

______________________________

(1) 1، 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 16، 11، 15.

(2) 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3، 6.

(3) 5 البقرة: 186.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 207

[المسألة 13: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلى رمضان آخر]

المسألة 13: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلى رمضان آخر، فان كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ و كفّر عن كلّ يوم بمدّ و الأحوط مدّان و لا يجزي القضاء عن التكفير. نعم الأحوط الجمع بينهما، و إن كان العذر غير المرض كالسفر و نحوه فالأقوى وجوب القضاء، و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين المدّ، و كذا إن كان سبب الفوت هو

المرض و كان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين برئه إلى رمضان آخر أو العكس فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى و الأحوط الجمع خصوصاً في الثانية. (1)

______________________________

(1) هنا فروع:

1. إذا فاته شهر رمضان للمرض و استمر إلى رمضان آخر.

2. إذا فاته شهر رمضان للسفر و استمر إلى رمضان آخر.

3. إذا كان العذر ملفّقاً منهما، كما إذا مرض في شهر رمضان و برأ و كان العذر في التأخير سفره إلى رمضان آخر.

4. عكس الصورة الثالثة: فاته شهر رمضان للسفر، و كان العذر في التأخير هو المرض إلى رمضان آخر.

و إليك البحث في كلّ واحد تلو الآخر.

أمّا الفرع الأوّل: أعني استمرار المرض من رمضان إلى رمضان آخر.

فهنا أقوال:

الأوّل: و هو المشهور سقوط القضاء و وجوب الكفّارة بمدّ. و عليه الشيخ في النهاية و المبسوط. «1»

______________________________

(1) النهاية: 158؛ المبسوط: 1/ 286.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 208

..........

______________________________

فقال في الأوّل: فإن فات المريض صوم شهر رمضان و استمر به المرض إلى رمضان آخر و لم يصح بينهما صام الحاضر و تصدّق عن الأوّل عن كلّ يوم بمدين من طعام.

و قد نقل هذا القول عن ابن الجنيد، و علي بن بابويه في رسالته، و ابنه في المقنع، و ابن البراج، و ابن حمزة. «1» و على ذلك لا يغني القضاء عن الكفّارة كما ذكره الماتن.

الثاني: وجوب القضاء دون الصدقة. و نقل عن ابن أبي عقيل، و أبي الصلاح و ابن إدريس. 2

الثالث: الجمع بين القضاء و الكفّارة. و قد حكاه الشهيد عن ابن الجنيد في الدروس مع أنّ العلّامة حكى عنه القول الأوّل، و على أيّ تقدير فقد جعله المصنّف أحوط الأقوال.

دليل القول

الأوّل

إنّ مقتضى إطلاق الآية المباركة هو وجوب القضاء سواء استمر المرض أو لا، و لكن الروايات المتضافرة دلّت على عدم وجوبه و بذلك يُخصَّص إطلاقها، و قد قلنا في محلّه بأنّ الكتاب لا يخصَّص إلّا بخبر متواتر أو متضافر، لا بخبر الواحد. و إليك بعض ما يدلّ عليه:

1. صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض و لا يصحّ حتى يدركه شهر رمضان آخر. قال: «يتصدّق عن الأوّل، و يصوم الثاني، فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر

______________________________

(1) 1 و 2 المختلف: 3/ 518517 و أمّا عبارة الشيخ في الخلاف فغير واضحة و لذلك لم ننسب إليه شيئاً.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 209

..........

______________________________

صامهما جميعاً و يتصدّق عن الأوّل». «1»

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام، قال: «من أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا، فإنّي صمت و تصدّقت». «2»

و الصحيحة تدل على استحباب الجمع بين القضاء و الصدقة بشهادة أنّه نسب الجمع إلى نفسه.

3. صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السَّلام، قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، قالا: «... و إن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه و تصدّق عن الأوّل لكلّ يوم مدّ على مسكين و ليس عليه قضاؤه». 3

4. رواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ

أدركه شهر رمضان قابل؟ قال: «و إن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً». 4

إلى غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك، كرواية الصدوق في العلل و كتاب عيون الأخبار 5 و ما رواه العياشي 6، و الفقه الرضوي. 7

و بذلك تبيّن انّ الواجب عليه هو التكفير و انّ الجمع بين القضاء و التكفير هو المستحب كما يعلم من فعل الإمام.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام صوم شهر رمضان، الحديث 2.

(2) 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام صوم شهر رمضان، الحديث 4، 1.

(3) 4 الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام صوم شهر رمضان، الحديث 3.

(4) 5 و 6 الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام صوم شهر رمضان، الحديث 8، 11.

(5) 7 لاحظ فقه الرضا: 25.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 210

..........

______________________________

و بهذه الروايات يخصص عموم الكتاب أو إطلاقه.

حجة القول الثاني

استدلّ للقول الثاني أي وجوب الصوم دون الكفارة برواية «أبي الصباح الكناني» حيث سأل السائل و قال:

عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه شهر رمضان قابل، و لمّا كان السؤال ذا صور مختلفة، لأنّه لم يذكر انّه صحّ بينهما أو مرض، بل اكتفى بأنّه عليه صوم رمضان، و لم يقض حتى أدركه رمضان آخر فعند ذلك ذكر الإمام صوره المختلفة بالنحو التالي:

1. عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكيناً.

2. فإن كان مريضاً فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل، فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ.

3. و إن تتابع المرض عليه فلم يصحّ، فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً.

هذه هي الفقرات الثلاث للحديث، فلندرس معانيها.

أمّا الأُولى، فهي راجعة

لمن لم يكن مريضاً أصلًا، أو كان و لكن برأ بين رمضانين و توانى و لم يقض، فوجب عليه القضاء و الكفّارة.

و أمّا الفقرة الثانية فبما أنّها أوجبت القضاء فقط دون الكفّارة، فلا يصحّ حملها لمن صحّ بين رمضانين، لاستلزامه جواز الاكتفاء بالقضاء، و هو خلاف المشهور كما سيأتي في المسألة الرابعة عشرة، فلا بدّ أن تحمل على مورد البحث، و هو إذا صحّ في نهاية السنة و بداية شهر رمضان القابل. و عليه يكون معنى قوله: «فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ» هو الصحّة عند شهر رمضان الثاني أو بعده لا بين السنة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

و أمّا الفقرة الثالثة التي اكتفى فيها بالإطعام، فهي راجعة إلى استمرار المرض في رمضان الثاني و بعده سنتين أو أكثر.

و بذلك يعلم أنّ ما أجاب به المحقّق الخوئي من حمل الفقرة الثانية على ما إذا مرض بعض أيّام السنة لا جميعها، غير تام، لكونه مخالفاً للمجمع عليه، فإنّ من مرض بعض أيّام السنة و لم يصم يجب عليه القضاء و الكفّارة.

و يمكن أن يجاب بأنّه خبر واحد لا يقاوم بالمتضافر من الروايات التي قد عرفتها. أضف إلى ذلك انّه يحتمل تطرق التحريف إلى الرواية، في نفس المضمون جاء في رواية محمد بن مسلم «1»، و هو مطابق لما عليه المشهور من كفاية الفدية دون لزوم الإتيان بالقضاء.

حجّة القول الثالث

احتجّ للقول الثالث بموثّقة سماعة، قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه؟ فقال: «يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإنّي كنت

مريضاً فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهنّ ثمّ أدركت رمضان آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام، ثمّ عافاني اللّه تعالى و صُمتهنّ». «2»

و لكن الرواية محمولة على الاستحباب بقرينة عدم ورودها فيما مرّ من الروايات المتضافرة أوّلًا، و بشهادة رواية عبد اللّه بن سنان ثانياً حيث إنّ الإمام قال: «فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فانّي صمت و تصدّقت». 3

______________________________

(1) الوسائل: ج 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 212

..........

______________________________

فالرواية دليل على أنّ الحكم العام هو التصدّق، و أمّا الفرد الأفضل هو الجمع. و إلّا لم يخص الصوم لنفسه بعد كونه فريضة عامة.

هذا كلّه حول الصورة الأُولى، و قد عرفت أنّ الواجب هو التكفير و الجمع بينهما هو الأفضل.

و أمّا مقدار الكفّارة فهو المدّ كما اشتملت عليه النصوص. «1»

و أمّا المدّان، فليس له سند صالح سوى ما حكي من أنّ الوارد في حديث سماعة لفظة «مدّين»، و لكن الموجود في نسخة الوسائل و غيرها هو لفظة «مدّ» مفرداً.

الصورة الثانية

إذا كان العذر غير المرض كالسفر المستمر من رمضان إلى رمضان آخر، فالمرجع فيه هو الكتاب القاضي بوجوب القضاء فيمن أفطر في سفر سواء كان مستمراً أو لا، و اختصاص النصوص بالمرض كما عرفت.

نعم، روى الصدوق في العلل و العيون عن الفضل بن شاذان، عن الإمام الرضا عليه السَّلام قال: إن قال: فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب

عليه الفداء للأوّل و سقط القضاء، و إذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء؟ قيل ... «2»

و لكن الاحتجاج به غير صحيح، لأنّه خبر واحد لا يجوز تخصيص الكتاب به، أضف إلى ذلك أنّ في طريق الفقيه إلى الفضل بن شاذان راويين مهملين، و هما: عبد

______________________________

(1) لاحظ الوسائل: 7، الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 9، 10، 11.

(2) الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

الواحد بن عبدوس، و علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري، و هما مهملان.

نعم، طريق الشيخ في التهذيبين إلى الفضل صحيح.

و العمدة في ذلك انّه خبر واحد لا يقاوم دلالة القرآن الكريم.

الصورة الثالثة

إذا كان سبب الفوت هو المرض و كان السبب الموجب للتأخير من لدن برئه إلى حلول رمضان آخر عذراً غيره كالسفر و نحوه، فالمرجع فيه أيضاً هو الكتاب، و النصوص مختصّة بما إذا كان المانع من القضاء هو المرض، بخلاف المقام فانّ المانع هو السفر دون المرض.

إلى هنا تبيّن انّ الواجب في الصورة الأُولى هو التكفير، و أمّا الصورة الثانية و الثالثة فالواجب هو القضاء، و أمّا التكفير فليس عليه دليل، لما عرفت من عدم ورود النص في هاتين الصورتين. و أمّا القضاء فهو نتيجة إطلاق الكتاب.

و الحاصل: انّه إذا كان سبب الفوت و التأخير هو السفر أو كان السبب للإفطار هو المرض و السبب للتأخير هو السفر، فالواجب هو القضاء و إن كفَّر معه فهو أفضل.

الصورة الرابعة

لو افترضنا انّ سبب الإفطار هو السفر، و السبب الموجب للتأخير هو المرض المستمر بين رمضانين، فهي أيضاً كالصورتين السابقتين

يجب فيها القضاء دون الكفارة، لعدم ورود النص فيها و شمول إطلاق الآية بالنسبة إلى هذه الصورة في الحكم بالقضاء.

و ربما يقال بأنّ إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان يشمل هذه الصورة حيث قال: «من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدق

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت». «1»

فانّ العذر يعم المرض و غيره بمقتضى الإطلاق، كما أنّ ظاهرها و لو بمعونة عدم التعرض لحصول البرء في البين استمرار المرض بين الرمضانين. و مع الغض و التنزّل عن هذا الاستظهار فغايته الإطلاق لصورتي استمرار المرض و عدمه، فيقيد بما دلّ على وجوب القضاء لدى عدم الاستمرار. فلا جرم تكون الصحيحة محمولة بعد التقييد على صورة الاستمرار.

يلاحظ عليه: أنّ المراد من العذر هو المرض الذي صار سبباً للفوت و التأخير، و الدليل عليه قوله بعده: «ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض»، فانّ الجملة الاسمية دالة على الثبوت و الاستمرار، أي أدركه على النحو الذي أدرك الشهر الأوّل، مضافاً إلى رواية سماعة حيث إنّ الإمام يحكي مضمون ما ورد في هذا الحديث، و يقول: فإنّي كنت مريضاً فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصح منهنّ ثمّ أدركت رمضان آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم بما مضى بمدّ من طعام، ثمّ عافاني اللّه تعالى و صمتهن. «2»

و الرواية صريحة في أنّ عذره عليه السَّلام جميع السنوات الثلاث، كان هو المرض، و يكون هذا كقرينة على أنّ المراد من قوله في رواية عبد اللّه بن سنان: «من أفطر شيئاً من رمضان في عذر» هو المرض، على أنّك عرفت أنّ المحكّم في المقام

هو إطلاق الآية، و خبر الواحد لا يصلح للتخصيص أو التقييد.

فالأقوى في جميع الصور الثلاث الأخيرة هو القضاء، و أمّا الكفّارة فلا دليل عليه.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(2) الوسائل: 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 215

[المسألة 14: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل كان متعمّداً في الترك و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر]

المسألة 14: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل كان متعمّداً في الترك و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر وجب عليه الجمع بين الكفّارة و القضاء بعد الشهر، و كذا إن فاته لعذر و لم يستمرّ ذلك العذر بل ارتفع في أثناء السنة و لم يأت به إلى رمضان آخر متعمّداً و عازماً على الترك أو متسامحاً و اتّفق العذر عند الضيق فإنّه يجب حينئذ أيضاً الجمع و أمّا إن كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق العذر عند الضيق فلا يبعد كفاية القضاء لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضاً، و لا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره. فتحصّل ممّا ذكر في هذه المسألة و سابقتها أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط و هي الصورة الأُولى المذكورة في المسألة السابقة، و إمّا يوجب القضاء فقط و هي بقيّة الصور المذكورة فيها، و إمّا يوجب الجمع بينهما و هي الصور المذكورة في هذه المسألة، نعم الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضاً كما عرفت. (1)

______________________________

(1) الموضوع في هذه المسألة من لم يستمرّ به العذر، بل ارتفع أثناء السنة و لكنّه لم يأت بالقضاء. و محور البحث، هو وجوب كفّارة تأخير القضاء و عدمه، لا القضاء و لا كفّارة الإفطار

بلا عذر فانّهما خارجان عن محط البحث و له أقسام ثلاثة:

1. إذا أفطر في شهر رمضان عصياناً، و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر.

2. إذا أفطر في شهر رمضان لعذر و ارتفع العذر في أثناء السنة و لم يأت به إلى رمضان آخر، عامداً أو متسامحاً و اتّفق العذر عند الضيق.

3. إذا أفطر في شهر رمضان لعذر عازماً على القضاء بعد ارتفاعه لكن اتّفق العذر عند الضيق.

ظاهر كلام المصنّف وجوب الكفّارة في الفرع الأوّل في عامّة صوره حتى و إن كان عازماً على القضاء لكن اتّفق العذر عند الضيق، و التفصيل فيما إذا فاته الصوم لعذر بين ما إذا ترك القضاء عامداً أو متوانياً و اتّفق العذر عند الضيق، و ما إذا كان عازماً

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

لكن اتّفق العذر عند الضيق. غير انّ إقامة الدليل على الإطلاق في الأوّل (إذا فات صوم شهر رمضان لا لعذر) و على التفصيل في الثاني (إذا ترك لعذر) مشكل. و ليس فيما وقفت عليه من الروايات إشارة إلى التفصيل بين التارك عصياناً و التارك لعذر.

و على كلّ تقدير فقد ذهب ابن بابويه و ابنه إلى وجوبها مطلقاً بلا تفصيل بين التواني و غيره قال الصدوق: و متى صح بينهما، و لم يقض وجب القضاء و الصدقة. «1» و هو خيرة ابن أبي عقيل. «2»

2. عدم وجوبها مطلقاً، و هو خيرة ابن إدريس قال: و الذي اعتقده و أفتي به سقوط الكفارة عمّن أوجبها عليه، لأنّ الأصل براءة الذمة من العبادات و التكاليف، و إخراج الأموال إلّا بالدليل الشرعي القاطع للأعذار. و القرآن و السنّة المتواترة خالية عن هذه الكفّارة، و الإجماع غير منعقد

على وجوبها، لأنّ أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها و لا يؤدونها في كتبهم مثل الفقيه سلّار و السيد المرتضى و غيرهما، و لا يذهب إلى وجوب الكفّارة في هذه المسألة إلّا الشيخان. «3»

3. ما اختاره الشيخان، و أبو الصلاح من التفصيل «4» بين التواني، فيجب الجمع بين الكفّارة و القضاء؛ و عدمه، فيجب القضاء فقط، و هو خيرة المصنّف.

و تدلّ على التفصيل روايات ثلاث:

1. محمد بن مسلم قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر؟ فقالا: «إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين و عليه قضاؤه، و إن كان لم يزل مريضاً

______________________________

(1) المقنع: 64.

(2) المختلف: 3/ 523.

(3) السرائر: 1/ 397.

(4) المختلف: 3/ 523.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

حتى أدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه و تصدّق عن الأوّل لكلّ يوم مدّ على مسكين و ليس عليه قضاؤه». «1»

قال العلّامة: و تعليق الصدقة على التواني يشعر بالعلّية، لأنّه وصف صالح و قد قارن حكماً يحسن ترتّبه عليه فكان علّة فيه ينتفي بانتفائه، و كما يدل بمضمونه على هذا الحكم، يدل بمنطوقه على إيجاب الصدقة. «2»

2. الحسين بن سعيد الأهوازي الثقة، عن القاسم بن محمد (الجوهري الذي كان واقفياً و لكن روى عنه ابن أبي عمير و صفوان) عن علي (بن أبي حمزة البطائني الواقفي) عن أبي بصير (الثقة)، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ فانّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام و هو مدّ لكلّ مسكين»، قال «و كذلك في كفّارة اليمين

و كفّارة الظهار، مدّاً مدّاً، و إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعاً لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان». «3»

و قد عبّر الإمام بالفدية، فيما إذا استمرّ عليه المرض و هي الواجبة الوحيدة، و بالتصدق فيما إذا صحّ و لم يفض و يجب معه القضاء.

3. مرسلة العياشي عن أبي بصير في حديث ... فإن لم يصحّ حتى رمضان قابل فليتصدّق كما تصدّق كلّ مكان يوم أفطر، مدّاً مدّاً.

فإن صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فانّ عليه الصوم و الصدقة جميعاً، يقضي الصوم و يتصدّق من أجل انّه ضيّع ذلك

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) المختلف: 3/ 521.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 25، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 218

..........

______________________________

الصيام». «1»

فقد عبّر في كلا الموردين بالتصدّق خلافاً للحديث السابق.

و بذلك يظهر ضعف القول الأوّل حيث قال بوجوب الصدقة مطلقاً استناداً إلى صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض ... قال: «... فإن كان صح فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً و تصدّق عن الأوّل». «2» وجه الضعف أنّ المطلق يقيّد، و العام يُخصَّص و الروايات السابقة صالحة للتقييد.

كما ظهر ضعف القول الثاني، حيث طرح الروايات الدالّة على وجوب الفدية بحكم انّها أخبار آحاد و انّه لم يذهب إلى وجوب الصدقة سوى الشيخين مع أنّك قد عرفت أنّه قد سبقهما الصدوقان و

عاصرهما أبو الصلاح، على أنّ الأصل الذي اعتمد عليه غير صحيح لحجية قول الثقة.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ التواني ليس بمعنى عدم العزم على القضاء، حتى يكون صحيح ابن مسلم و غيره دليلًا على التفصيل بل بمعنى عدم المبادرة إليه و هو ينطبق على العازم و غيره، و يدلّ على ذلك انّه لو كان بمعنى «عدم العزم على القضاء»، كان عليه أن يذكر في الشق الآخر المقابل، عدم التواني، مع أنّه لم يذكره في الشق الآخر و إنّما ذكر مكانه، قوله: «و إن كان لم يزل مريضاً حتى أدركه رمضان آخر» و هذا دليل على أنّ الميزان استمرار المرض من رمضان إلى آخر و عدمه، لا التواني بمعنى عدم العزم

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 219

..........

______________________________

و خلافه.

و بذلك يعلم مفاد خبر أبي بصير، فانّ المراد هو عدم المبادرة، و إليك نصه: «و إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام.

و إن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعاً لكلّ يوم مدّ».

فالشق الأوّل يهدف إلى ما إذا صح و بادر بالقضاء، فليس عليه التكفير، و كأنّه قال: و إن صحّ بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام (فإن بادر و قضى فهو) و أمّا إذا لم يبادر مع كونه صحيحاً حتى غشيه العذر عند الضيق فعليه الجمع سواء كان عازماً أم لا. و كما يُعلم بذلك مفاد خبره الآخر المروي في تفسير العياشي.

و على ذلك فإن لم يبادر فعليه وراء القضاء كفّارة التأخير

مطلقاً، سواء كان التأخير مستنداً إلى العمد، أو التساهل أو العزم على القضاء لكن مرض في آخر الوقت.

و الحاصل انّه إذا قورن «الشق الذي جاء فيه التواني» مع مقابله يعلم أنّ المراد منه عدم المبادرة بصورها الثلاث، لأنّ الموضوع في الشق المقابل، هو ما إذا صحّ و صام، و يكون المقابل، هو انّه إذا صحّ و لم يصم سواء كان السبب، هو العمد، أو التساهل أو طروء المرض في آخر الوقت.

و بذلك اتضح انّ ما ذكره صاحب المستند من أنّ معنى التواني، التكاسل، غير الصادق عرفاً على العزم على القضاء في السعة و طروء المانع «1». ليس بتام، و ذلك لما عرفت من أنّ معناه عدم المبادرة و إن لم يكن هناك تكاسل.

______________________________

(1) مستند الشيعة: 10/ 454

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 220

[المسألة 15: إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث]

المسألة 15: إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث وجبت كفّارة للأُولى و كفّارة أُخرى للثانية و يجب عليه القضاء للثالثة إذا استمر إلى آخرها ثمّ برئ و إذا استمرّ إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضاً و يقضي للرابعة إذا استمرّ إلى آخرها أي الرمضان الرابع و أمّا إذا أخّر قضاء السنة الأُولى إلى سنين عديدة فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها بل تكفيه كفّارة واحدة. (1)

______________________________

(1) بقي هنا أمران:

أ: هل تتكرر الفدية إذا أخّر قضاء شهر رمضان واحد أكثر من سنة واحدة؟ الظاهر لا، لحصول الامتثال بالمرّة و لم ينقل الخلاف إلّا من العلّامة في التذكرة.

ب: إذا استمر المرض أكثر من رمضان واحد هذا و هذا هو الذي ذكره الماتن و انّه لا فرق في حكم الاستمرار بين الرمضان الواحد و الأكثر.

قال الشيخ: و حكم ما زاد على رمضانين،

حكم رمضانين سواء، و هو قول ابن الجنيد «1» و يدل عليه أمران:

1. ما ورد في موثقة سماعة حيث قال الإمام: «فإنّي كنت مريضاً فمرّ عليّ ثلاثُ رمضانات لم اصحّ فيهن ثمّ أدركت رمضان آخر فتصدقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام». «2»

و ما ورد في خبر أبي بصير الذي نقله العياشي عنه في تفسيره حيث قال: «فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل و إلّا فليتربّص إلى رمضان قابل فيقضيه، فإن لم يصحّ حتى رمضان قابل فليتصدّق كما تصدّق مكان كلّ يوم أفطر، مداً». 3

2. الاستئناس ممّا ورد فيمن استمرّ مرضه إلى رمضان ثان فقط. 4 لأنّ الإمعان فيه

______________________________

(1) المختلف: 3/ 522.

(2) 2 و 3 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 25، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 11، 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 221

[المسألة 16: يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد]

المسألة 16: يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد. (1)

[المسألة 17: لا تجب كفّارة العبد على سيّده من غير فرق بين كفّارة التأخير و كفّارة الإفطار]

المسألة 17: لا تجب كفّارة العبد على سيّده من غير فرق بين كفّارة التأخير و كفّارة الإفطار ففي الأُولى إن كان له مال و أذن له السيّد أعطى من ماله و إلّا استغفر بدلًا عنها، و في كفّارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال و الإذن من السيّد، و إن عجز فصوم ثمانية عشر يوماً، و إن عجز فالاستغفار. (2)

______________________________

يعطي انّ الإفطار لعذر كالمرض و استمراره إلى رمضان آخر، سبب مستقل لسقوط القضاء، و وجوب الكفارة، و عندئذ لا فرق بين استمرار سنة أو أكثر

(1) لإطلاق الدليل في كفارة التأخير، و تقييده بستين مسكيناً في كفارة الإفطار، كما مرّ.

(2) أمّا عدم وجوبها على المولى فلعدم كونها من النفقة، ثمّ إذا كان له مال و قلنا بأنّه يملك و إن كان لا يتصرف في ماله إلّا بإذن مولاه فيعطي إذا أذن، و إلّا فينتقل إلى بدله أي الاستغفار.

و يحتمل عدم الحاجة إلى الإذن فيما إذا كان له مال لانصراف الأدلّة عمّا إذا وجب عليه الإعطاء شرعاً.

هذا كلّه حول كفّارة التأخير.

و أمّا كفّارة الإفطار فلو كان له مال و أذن السيد أو قلنا بعدم الحاجة إلى الإذن في الواجب التعييني فيقضي من ماله، و إلّا فيختار صوم ستين يوماً لعدم استلزامه التصرّف في ماله.

و إذا عجز عن صوم ستين يوماً، فهل ينتقل إلى صوم ثمانية عشر يوماً كالمظاهر

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 222

[المسألة 18: الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً]

المسألة 18: الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً و إن كان لا دليل على حرمته. (1)

______________________________

أو لا؟ يحتمل الوجه الثاني لاختصاص ما دلّ على وجوب ثمانية عشر يوماً لمن عجز عن صوم

ستين يوماً، بمن تعيّن في حقّه صوم تلك الأيام كالمظاهر، دون المخيّر بعينه و بين العتق و الإطعام كما في المقام، و قد مرّ الكلام فيه فلاحظ. «1»

(1) و قد عرفت أنّ تأخير قضاء رمضان من سنة إلى سنة أُخرى يوجب الفدية، و هل التأخير حرام يوجب التكفير، أو جائز و الفدية لجبر ما فاته من الصوم، و عدم جبره بالتعجيل؟

يظهر من المحقّق وجوب المبادرة إلى القضاء قبل انقضاء السنة حيث استدلّ على نفي القضاء مع استمرار العذر «باستيعاب وقتي الأداء و القضاء». «2»

و يظهر ذلك من العلّامة في مسألة استمرار المرض قال: و أمّا استيعاب وقت القضاء، فلأنّ وقته فيما بين الرمضانين إذ لا يجوز له التأخير عنه. «3»

و قال الشهيد في الدروس: لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختياراً و يستحبّ المبادرة. «4»

و اختاره صاحب الحدائق و رتّب عليه: عدم مشروعية السفر المباح أو المستحب إذا ضاق الوقت و قد تمكّن و أخلّ به. «5»

ذهب صاحب المستند و تبعه المصنّف و أكثر المعلّقين على العروة إلى جواز التأخير و عدم حرمته قائلًا بأنّه لا دليل على حرمته، و انّ إيجاب الكفارة لترك القضاء في

______________________________

(1) الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

(2) المعتبر: 2/ 699.

(3) المختلف: 3/ 518.

(4) الدروس: 1/ 287.

(5) الحدائق: 13/ 306.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 223

..........

______________________________

هذا الوقت لا يدلّ على أنّه وقته. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ارتكاز المتشرعة في موارد تعلّق الكفارة، هو خلاف ذلك و انّه صدر من المكلّف أمر مبغوض لا يكفره و لا يستره إلّا الفدية و الصدقة، كما هو الحال في كفارة الإفطار، و كفارة حنث اليمين و النذر، و بذلك يُصبح الإفتاء بالحلّية

أمراً غير سهل، و أمّا لسان الروايات فقد ورد فيها الألفاظ التالية:

1. التواني في صحيحة ابن مسلم. «2»

2. التهاون في خبر أبي بصير. «3»

3. التضييع في خبري أبي بصير «4» و فضل بن شاذان. «5»

4. الفدية في خبر أبي بصير. «6»

5. التصدق في صحيح ابن مسلم «7» و زرارة. «8»

6. مضافاً إلى ما ورد في رواية الفضل بن شاذان، من تعليل عدم وجوب القضاء «من أنّه دخل الشهر و هو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا في سنته للمرض الذي كان فيه و وجب عليه الفداء، لأنّه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع أداءه و وجب عليه الفداء ...» و معناه أنّ غيره يجب عليه الصوم في مجموع السنة إمّا أداءً أو قضاءً.

و الخدشة في دلالة بعض و سند آخر و إن كان ممكناً، و لكن المجموع مضافاً إلى ارتكاز المتشرّعة، و الشهرة بين العلماء كاف في إيجاب الاحتياط لو لم نقل بأنّ عدم الجواز هو الأقوى.

______________________________

(1) مستند الشيعة: 10/ 456.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(5) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(6) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(7) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان،

الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

(8) الوسائل: الجزء 7، الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 6، 11، 8، 11، 1، 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 224

[المسألة 19: يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر]

المسألة 19: يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما لا ما تركه عمداً أو أتى به و كان باطلًا من جهة التقصير في أخذ المسائل، و إن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه و إن كان من جهة الترك عمداً. نعم يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء و أهمل و إلّا فلا يجب لسقوط القضاء حينئذ كما عرفت سابقاً و لا فرق في الميّت بين الأب و الأُمّ على الأقوى، و كذا لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه و إن كان الأحوط في الأوّل الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء و المراد بالوليّ هو الولد الأكبر و إن كان طفلًا أو مجنوناً حين الموت بل و إن كان حملًا. (1)

______________________________

(1) هنا فروع:

1. يجب على الولي قضاء ما فات.

2. اختصاص الوجوب بما إذا مات لعذر لا ما فاته عمداً أو جهلًا بالحكم.

3. يشترط في وجوب القضاء على الولي، تمكن الميّت من القضاء و إهماله.

4. لا فرق في الميّت بين الأب و الأُمّ.

5. لا فرق بين ما ترك الميّت مالًا، يُتصدق به عنه و عدمه.

6. المراد من الولي، الولد الأكبر و إن كان طفلًا أو حملًا.

الفرع الأوّل: وجوب القضاء على الولي

المشهور عندنا هو وجوب القضاء عن الميت لا التصدّق عنه، قال الشيخ: فإن أخّر قضاءه لغير

عذر و لم يصم ثمّ مات فانّه يصام عندنا.

و قال الشافعي: يُطعم عنه و لا يصام عنه. و به قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

و قال أحمد و إسحاق: إن كان صومه نذراً فانّه يصوم عنه وليّه، و إن لم يكن نذراً أطعم عنه وليّه.

و قال أبو ثور: يصوم عنه نذراً كان أو غيره.

ثمّ استدل بحديث عائشة عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «من مات و عليه صيام، صام عنه وليّه». و روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال: يا رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: إنّ أُمّي ماتت و عليها صوم شهر أ فأقضيه عنها؟ قال: «لو كان على أُمّك دين أ كنت قاضيه عنها؟» قال: نعم، قال: «فدين اللّه أحقّ أن يُقضى». «1»

و قال العلّامة في المختلف: ذهب إلى وجوب القضاء الشيخان، و ابن بابويه و السيد المرتضى، و ابن الجنيد، و ابن البراج، و ابن حمزة و ابن إدريس.

و قال ابن أبي عقيل: و قد روي عنهم عليهم السَّلام في بعض الأحاديث أنّ من مات، و عليه قضاء من شهر رمضان، صام عنه أقرب الناس إليه من أوليائه ... و قد روي انّه من مات و عليه صوم من رمضان تصدّق عنه من كلّ يوم بمدّ من طعام، و بهذا تواترت الأخبار عنهم عليهم السَّلام. و القول الأوّل مطرح، لأنّه شاذ. «2»

و يدل على القول المشهور أخبار:

1. صحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يموت و عليه

صلاة أو صيام؟ قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه». قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: «لا إلّا الرجال». «3»

2. و بهذا المضمون مرسلة حماد بن عثمان. «4»

3. مرسلة عبد اللّه بن بكير، عن أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث «...

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الصوم، المسألة 65.

(2) المختلف: 3/ 528527.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 6.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

فليس على وليّه أن يقضي عنه الصيام، فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك و لم يقضه ثمّ مرض فمات فعلى وليّه أن يقضي عنه، لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه». «1»

4. و موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: «يقضيه أفضل أهل بيته». «2» إلى غير ذلك من الروايات التي تمرّ عليك في الفروع الآتية.

احتج لابن أبي عقيل بروايتين:

1. صحيحة أبي مريم الأنصاري (عبد الغفار بن القاسم الثقة) عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتى مات فليس عليه شي ء (قضاء) و إن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه». [على رواية الكليني و الصدوق] «3» «و إن لم يكن له مال تصدّق عنه وليه». [على رواية الشيخ في التهذيب]. «4»

2. ما رواه في الفقيه و قال:

روي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي جعفر الثاني عليه السَّلام قال: قلت له: رجل مات و عليه صوم، يصام عنه أو يتصدق؟ قال: «يتصدق عنه أفضل». «5»

و قد نبّه بهذه الرواية صاحب الحدائق. «6» حيث لم ينقلها صاحب الوسائل في الباب المختص بالمسألة.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13، 11 و 7.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13، 11 و 7.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13، 11 و 7.

(4) التهذيب: 4/ 317 برقم 9، باب «من أسلم في شهر رمضان».

(5) الفقيه: 3/ 236، باب النذور و الكفارات.

(6) الحدائق: 13/ 321.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

أقول: إنّ الرواية الأُولى على كلتا النسختين، لا تدلّ على مذهب ابن أبي عقيل، فانّه أوجب التصدّق فقط و منصرفه إذا كان للميّت مال، و أمّا الرواية فعلى نسخة الكليني و الصدوق فالواجب هو التصدق أوّلًا إذا كان له مال، و إلّا فالصوم عنه ثانياً. و أين هو من القول بالتصدّق فقط؟!

و أمّا على ما رواه الشيخ فقد أوجب التصدّق من مال الميت إذا كان له مال، و إلّا فمن مال الوليّ، و هو غير مذهبه المقتصر على التصدّق من مال الميّت.

و ربما يقال: بأنّ نسخة الشيخ لا تنافي المذهب المشهور من وجوب الصوم عنه، و ذلك لأنّ إيجاب الصدقة من مال الميت من جهة التأخير و إلّا فمن ماله، زيادة على القضاء، إذ لا دلالة في الرواية على نفي القضاء بوجه. «1»

يلاحظ عليه بوجهين:

1. انّ ظاهر المقابلة في الرواية بين الصورتين، أعني:

... لم يزل مريضاً

حتى مات فليس عليه شي ء (القضاء).

... و إن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه ....

هو انّ تمام الواجب في الصورة الثانية هو التصدّق من ماله أو مال وليّه فقط، و هو ينافي ما عليه المشهور من وجوب الصوم عنه.

2. انّ الكفّارة التي أُشيرت إليها ليست إلّا كفّارة التأخير، و ليس في الرواية ما يشعر بالتأخير لو لم يكن ظاهراً انّه مات بين رمضانين، فليس لكفّارة التأخير موضوع.

و ما ربما يقال من أنّ وجوب الكفّارة من جهة التواني، لأنّه صحّ و لم يقض اختياراً كما ترى، إذ ليست الصحة و ترك الصوم موضوعاً لوجوب الكفّارة، بل يحتاج إلى

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 2/ 205.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 228

..........

______________________________

ضم جزء ثالث، و هو بقاؤه حيّاً إلى رمضان آخر، و المفروض انّه توفّي قبله.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر رجّح رواية الكليني و الصدوق على نسخة الشيخ لكونهما أضبط منه «1» و ما ذكره و إن كان صحيحاً كبروياً، لكن المورد ليس من مصاديقها، لأنّ مورد القاعدة ما إذا كانت هناك رواية واحدة نقلت بصورتين مختلفتين فيرجح ما أثبته الكليني أو الصدوق على ما نقله الشيخ، و أمّا المقام فقد شاركهما الشيخ في نقل الرواية الأُولى، ثمّ اختص بنقل الثانية فليس المقام من موارد القاعدة.

و على كلّ تقدير فالرواية غير صالحة للاحتجاج، لتعارضها مع الروايات المتضافرة أوّلًا، و موافقتها لمذهب العامّة ثانياً، و عدم ثبوت النقل الصحيح ثالثاً.

و أمّا الرواية الثانية أعني: ما رواه الصدوق في الفقيه، فلا يصلح للاحتجاج لكونه خبر واحد في مقابل الروايات المتضافرة على أنّها موافقة للعامة كما عرفت.

الفرع الثاني: اختصاص الوجوب بما إذا فات لعذر

هل يختص

الوجوب بما إذا فات لعذر، أو يعمّ ما ترك عمداً أيضاً؟ ذهب المحقّق في جواب المسائل البغدادية التي طرحها جمال الدين حاتم المشغري، إلى الأوّل، و تبعه عميد الدين ابن أُخت العلّامة، و أيّده الشهيد في الذكرى قائلًا: إنّ الروايات تحمل على الغالب من الترك و هو ما يكون الترك على هذا الوجه. «2» و هو خيرة السيد صاحب المدارك، و الفاضل الخراساني في «الذخيرة» و صاحب الحدائق. «3»

و يظهر من صاحب الجواهر، الميل إلى القول الثاني من دون أن يستدل بشي ء، و

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 39.

(2) الذكرى.

(3) الحدائق: 13/ 328.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

ليس الدليل إلّا ذكر أسباب الفوت في بعض الروايات من المرض و السفر و الحيض «1»، و من المعلوم انّ المورد لا يكون مخصصاً للحكم.

و الذي يمكن أن يقال: إنّ مورد الروايات في المسلم الذي لا يفوت منه الصلاة إلّا لعذر و التفويت عن عمد أو جهل لا يعذر، خلاف مقتضى حال المسلم، و على ذلك فمنصرف الروايات مع ملاحظة حال المسلم هو غير تينك الصورتين (الترك عمداً أو فساد الصلاة للجهل بالحكم الشرعي) فيكون المحكّم في موردهما هو البراءة.

نعم الأحوط هو قضاء جميع ما فات.

الفرع الثالث: اشتراط وجوب القضاء باستقراره عليه و عدمه

هل يجب على الولي قضاء كلّ ما فات عن الميت سواء تمكن من القضاء أو لا؟

لا شكّ انّه إذا كان السبب هو المرض يشترط فيه التمكّن من القضاء لصحيح محمد بن مسلم: «و لكن يُقضى عن الذي يبرأ، ثمّ يموت قبل أن يقضي». «2» و صحيح أبي بصير المشعرين بعدم شرعية القضاء. «3»

و هل هو كذلك في عامة الأسباب حتى السفر أو يختص بالمرض،

و أمّا السفر فيقضى عنه مطلقاً و إن لم يتمكّن؟ فيه قولان:

الأوّل: يقضي مطلقاً و هو خيرة الصدوق في المقنع «4»، و الشيخ في التهذيب «5» و ابن سعيد في الجامع «6»، و نسبه المحقّق «7» إلى رواية، و قال: و لا يقضي الولي إلّا ما تمكّن الميّت

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 23، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2، 4، 11، 13، 16.

(2) الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1 و 12.

(3) الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1 و 12.

(4) المقنع: باب قضاء شهر رمضان، ص 201.

(5) التهذيب: 4/ 249، ذيل حديث 739.

(6) الجامع للشرائع: 163.

(7) المسالك: 2/ 36، قسم المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

من قضائه و أهمله إلّا ما يفوت بالسفر فانّه يقضى و لو مات مسافراً على رواية.

الثاني: يقضي بشرط التمكّن من القضاء. و هو خيرة الشيخ في النهاية، «1» و خيرة العلّامة في المختلف. «2»

أقول: إنّ مقتضى القاعدة هو شرطية التمكّن من القضاء، و ذلك لما استظهرناه من الآية انّ المكتوب على المريض و المسافر هو الصوم في غير شهر رمضان فإذا مات في السفر أو في الحضر مع عدم التمكّن من القضاء فلم يفت منه شي ء حتى يقضي عنه الولي.

نعم لو دلّ الدليل على لزوم القضاء إذا مات في السفر مع عدم التمكّن من القضاء، فلا بدّ من القول بأنّ إيجاب القضاء لأجل تدارك فوت مصلحة ملزمة كما هو الحال في إيجاب قضاء الصلاة للنائم.

إنّما الكلام في الأحاديث التي استدل بها صاحب الحدائق على عدم الاشتراط، و إليك سردها:

1. صحيحة أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه

السَّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم». «3»

2. موثّقة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان، هل يقضى عنها؟ فقال: «أمّا الطمث و المرض فلا و أمّا السفر فنعم». 4

______________________________

(1) النهاية: 157.

(2) المختلف: 3/ 535.

(3) 3 و 4 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4 و 16.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

3. ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت، قال: «يُقضى عنه». «1»

4. صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: «يقضيه أفضل أهل بيته». 2

و لكن الاستدلال بهذه الأحاديث ضعيف إلّا الأخير، لأنّ الإمعان فيها يثبت انّ مورد السؤال هو جواز القضاء و عدمه، فأجيب بالجواز لمن أراد أن يقضي عنه سواء أ كان ولياً أم لا، و أين هو من وجوب القضاء على الولي؟!

و الباعث على السؤال هو ما قرع سمع الراوي من أنّه سبحانه لم يجعله عليه، فكيف يُقضى عنه، كما ورد نظيره في مورد المريض في رواية أبي بصير. 3

و هذا صار سبباً للسؤال عن شرعية القضاء. و انّ هناك فرقاً بين المريض فلا يُقضى عنه بل هو بدعة، و المسافر فيُقضى عنه. و قد ذكرنا انّ إيجاب القضاء للمسافر لأجل تدارك فوت مصلحة ملزمة لا تتدارك إلّا

بالقضاء.

نعم، موثقة أبي بصير ظاهرة في جوازه على الولي، بل وجوبه عليه حيث قال: «يقضيه أفضل أهل بيته». 4

و لكنّه ليس ظاهراً في عدم التمكّن من القضاء فانّ قوله: «فأدركه الموت قبل أن يقضيه» يعمّ المتمكّن و غيره و ليس ظاهراً في الثاني.

مضافاً إلى أنّ الحكم على خلاف القاعدة فإثباته بحديث واحد أمر مشكل، و حمله على ما يدلّ على الاستحباب أفضل من حمله على الوجوب.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 15 و 11.

(2) 3 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

(3) 4 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 232

..........

______________________________

الفرع الرابع: في اختصاص الحكم بما فات عن الوالد و عدمه

ذهب الشيخ في «النهاية» «1» و «المبسوط» «2» إلى عموم الحكم للرجل و المرأة، و تبعه ابن البراج في «المهذب» «3»، و تردّد المحقّق حيث قال: و هل يُقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد. «4» و اختاره العلّامة في «المختلف». «5»

و ذهب ابن إدريس إلى اختصاص الحكم بالوالد، لأنّ إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج إلى دليل، و إنّما انعقد الإجماع على الوالد حيث يتحمّل ولده الأكبر ما فرّط فيه من الصيام و يصير ذلك تكليفاً للولد، و ليس العموم مذهباً لأحد من أصحابنا و إنّما أورده الشيخ إيراداً لا اعتقاداً. «6»

ثمّ استدل بأن الغالب تساوي الذكور و الإناث في الأحكام الشرعية.

يلاحظ عليه أوّلًا: بأنّ سعة الحكم لا يختص بالشيخ بل هو مذهب جماعة كما عرفت.

و ثانياً: أنّ مورد القاعدة عبارة عمّا إذا اتّخذ الرجل موضوعاً لحكم شرعي كما إذا

قيل رجل شكّ بين الثلاث و الأربع، فحينئذ يحكم بسعة الجواب و عدم اختصاصه بالرجل؛ و أمّا إذا كان الرجل بنفسه موضوعاً لحكم متعلّق بشخص آخر، كما إذا قيل يجوز الاقتداء بالرجل الثقة، فانّه لا وجه للتعدّي، و تعميم الحكم، و المقام من هذا

______________________________

(1) النهاية و نكتها: 1/ 401.

(2) المبسوط: 1/ 286.

(3) المهذّب: 1/ 196.

(4) المسالك: 2/ 65 قسم المتن.

(5) المختلف: 3/ 536.

(6) السرائر: 1/ 399.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

القبيل، فانّ مقتضى ظواهر النصوص انّ الفوت من الرجل موضوع لوجوب القضاء على الولي فلا يمكن التعدي من هذا الموضوع إلى موضوع آخر، مضافاً إلى أنّ أكثر الروايات تشتمل على لفظ «الرجل» فلا وجه للتعدّي عنه إلى المرأة.

نعم يمكن الاحتجاج في بادئ النظر على سعة الحكم بصحيحة و موثقة.

أمّا الأُولى فهي صحيحة أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم». «1»

و أمّا الموثّقة فهي موثّقة محمد بن مسلم 2 التي هي بنفس مضمون الصحيحة.

و لكنّك عرفت عدم صحة الاستدلال بهما في الفرع السابق على عدم شرطية التمكّن، و منه يظهر عدم صحة التمسّك بهما في هذا الفرع أيضاً أي عموم الحكم للمرأة، و ذلك لأنّ وجه السؤال هو شرعية القضاء و عدمه حيث إنّ المغروس في ذهن الراوي هو عدم وجوبه على المنوب عنه، لافتراض انّها ماتت قبل خروج شهر رمضان، فإذا لم يكن مكتوباً عليه فأولى أن لا يجوز القضاء عنها، فوافاه الجواب بالفرق بين المرض و الطمث و بين

السفر، فلا يقضى في الأوّلين دون الثالث، و هذه هي مهمة الرواية و أمّا وجوبه على الولي إذا ماتت المرأة فليس مطروحاً في الرواية.

الفرع الخامس: لا فرق بين ترك الميت مالًا و عدمه

لا فرق في وجوب القضاء عن الميت بين أن يترك مالًا يُتصدق به أو لا، خلافاً للسيد المرتضى حيث اعتبر في وجوب القضاء على الوليّ أن لا يُخلف الميت ما يتصدّق

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4 و 16.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

به عنه عن كلّ يوم بمدّ. «1» و قد عرفت أيضاً مذهب ابن أبي عقيل حيث ذهب إلى وجوب التصدّق فقط دون القضاء.

و لكن المشهور هو وجوب القضاء مطلقاً سواء ترك الميّت مالًا يُتصدّق به أو لا. و يدلّ على قول المشهور إطلاق الروايات من دون تقييد القضاء بعدم مال يتصدق عنه.

نعم يدلّ على قول المرتضى، رواية أبي مريم الأنصاري الماضية و قد جاء فيها:

«و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه». «2»

و الحديث ينطبق على نظر المرتضى تماماً.

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ تقييد الإطلاقات المتضافرة بالحديث الذي نقل على وجهين كما تقدّم أمر مشكل، و قد عرفت أنّ الشيخ نقل هذا المتن أيضاً كما نقل متناً آخر و هو: «و كان له مال، تصدّق عنه مكان كل يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال، تصدّق عنه وليّه».

و ثانياً: أنّ تقييد الإطلاقات بعدم مال للميت يستلزم حملها على الفرد النادر، إذ قلّما يتفق عدم مال للميت يتصدّق به.

و لأجل ذلك ذهب المشهور إلى الأخذ بالإطلاقات دون تقييدها

بهذه الرواية.

فإن قلت: إنّ الرواية على كلا النقلين اتّفقت على وجوب التصدّق، غير انّهما يختلفان في الشق الثاني، أعني: إذا لم يكن له مال، فعلى النقل الأوّل يصوم الولي، و على النقل الثاني يتصدّق الولي، و الاختلاف في الذيل لا يضر الاتفاق على الصدر، فعلى ذلك يجب أن تقيّد الإطلاقات بالصدقة، بمعنى الالتزام بوجوب الأمرين معاً لعدم التنافي

______________________________

(1) الانتصار: 71.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

بينهما من هذه الجهة، فيلتزم بوجوب القضاء عنه، و وجوب التصدّق بماله عملًا بالإطلاقات و الرواية على كلتا النسختين.

قلت: إنّ حديث الإطلاق و التقييد إنّما يجري فيما إذا كان المطلق على نحو «لا بشرط» و المقيد «بشرط شي ء» كما في قولك: أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة، و من الواضح انّ الثاني يقدّم على الأوّل لدلالته على ما لا يدلّ عليه الأوّل.

و أمّا إذا كانت النسبة بينهما بشكل آخر بأن يكون المقيد «بشرط لا» و المطلق «لا بشرط» كما في المقام، فإنّ رواية أبي مريم تدلّ على أنّ الواجب عند مَن كان له مال، هو التصدّق فقط لا غير على نحو ينفي القضاء، فكيف يمكن الجمع بينه و بين ما يوجب القضاء و لو بنحو لا بشرط؟!

و لأجل ذلك ترك المشهور العمل بالرواية بكلا النقلين خصوصاً انّه تستشم منه موافقة العامّة على ما عرفت من أقوالهم.

الفرع السادس: المراد من الوليِّ هو الولد الأكبر

المشهور عند الأصحاب انّ المراد من الولي هو الولد الأكبر.

أ: أكبر أولاده الذكور

و قد خصّصه جماعة بأكبر الأولاد الذكور.

1. قال الشيخ: هو أكبر أولاده الذكور، فإن كانوا جماعة في سنّ واحد وجب القضاء

بالحصص، أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين، و إن كانوا إناثاً لم يلزمهن القضاء و كان الواجب الفدية. «1»

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 286.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

2. و قال ابن حمزة: يلزم وليّه القضاء عنه وجوباً، و الولي هو أكبر أولاده الذكور، فإن كان له جماعة أولاد في سن واحد قضوا عنه بالحصص، و إن خلف البنت و ترك مالًا فدت عنه بما ذكرنا. «1»

3. قال ابن إدريس: و إنّما إجماعنا منعقد على الوالد يتحمّل ولده الأكبر ما فرّط فيه من الصيام، و يصير ذلك تكليفاً لذلك، و كذلك ما يفوته من صلاة مرضته التي توفّي فيها يجب على الولد الأكبر قضاء ذلك. «2»

4. و قال المحقّق: و الولي هو أكبر أولاده الذكور، و لو كان الأكبر أُنثى لم يجب عليها القضاء، و لو كان له وليّان أو أولياء متساوون تساووا في القضاء و فيه تردد، و لو تبرّع بالقضاء بعض، سقط. «3»

5. و استقربه العلّامة في المختلف. «4»

ب: أكبر أولاده و إلّا أكبر أوليائه

6. قال المفيد: ... فإنّه ينبغي للأكبر من ولده من الرجال أن يقضي عنه بقية الصيام، فإن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله و أولاهم به، و إن لم يكن له إلّا من النساء. «5»

و قد فسر العلّامة كلام المفيد و قال: و في هذا الكلام حكمان: الأوّل: انّ الولاية لا تختص بالأولاد، الثاني: انّ مع فقد الرجال يكون الولي هو الأكبر من النساء. «6»

7. و قال علي بن بابويه: من مات و عليه صوم شهر رمضان، فعلى وليّه أن يقضي

______________________________

(1) الوسيلة: 150.

(2) السرائر: 1/ 399.

(3) المسالك: 2/ 63 قسم

المتن.

(4) المختلف: 3/ 532.

(5) المقنعة: 353.

(6) المختلف: 3/ 532531.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 237

..........

______________________________

عنه، فإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال، فإن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء. «1»

8. و قال بمثله ولده الصدوق في المقنع. «2»

و هؤلاء المشايخ الثلاثة، لا يُحصرون الولاية بالأولاد أوّلًا، و انّه مع فقد الرجال يكون الولي هو الأكبر من النساء.

ج: الولد الأكبر و إلّا فالأولى من النساء

قال ابن البراج: على ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من ذلك و من الصلاة أيضاً، فإن لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء. «3»

و هو يتفق مع قول الشيخ المفيد في الحكم الثاني، دون الأوّل.

هذه ما وقفت عليها من الأقوال بعد الفحص عن مظانّها، و قد استقر رأي المشايخ في الأعصار المتأخرة كالمصنّف و المعلّقين عليها على القول الأوّل و المهم في المقام هو دراسة الروايات التي تفسر الوليّ فنقول:

إنّ العناوين الواردة في الروايات عبارة عن:

1. روى حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «... يقضي عنه أولى الناس بميراثه». قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلّا الرجال». «4»

2. روى حماد بن عثمان مرسلًا عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث ... من يقضي عنه؟ قال: «أولى الناس به»، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: «لا، إلّا الرجال». 5

______________________________

(1) المختلف: 3/ 532.

(2) المقنع: 63.

(3) المهذّب: 1/ 195.

(4) 4 و 5 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5 و 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 238

..........

______________________________

3. ما رواه محمد بن أبي عمير مرسلًا عن الصادق

عليه السَّلام: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم؟ قال: «يقضيه أولى الناس به». «1»

4. روى أبو بصير في حديث عن أبي عبد الله عليه السَّلام ... قال: «يقضيه أفضل أهل بيته». «2»

5. و في مكاتبة الصفار، وقع عليه السَّلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه، عشرة أيام ولاءً» كما سيوافيك نصّه. 3

فالمهم من هذه العناوين ما يلي:

أ. أولى الناس بميراثه.

ب. أفضل أهل بيته.

و الكلام فيما هو المراد في «أولى الناس بالميراث» و قد فسّره في المستند بالأولوية على ترتيب الطبقات في الإرث، فمع الأب و الابن لا وليّ غيرهما، و مع فقدهما تنتقل الولاية إلى الطبقة الثانية، و هكذا إلّا النساء فلا تنتقل إليهنّ أبداً. 4

يلاحظ عليه: أنّ لازم ما ذكره من التفسير هو وجوب القضاء على الأولاد و الأبوين أوّلًا، و الإخوة و الأجداد ثانياً، و الأعمام و الأخوال ثالثاً؛ و على المتقرّبين بالولاء، كولاء العتق، ثمّ ولاء ضمان الجريرة، ثمّ ولاء ضمان الإمام ثالثاً. و هذا ممّا لم يلتزم به أحد. و لا أظن أن يلتزم به قائله.

و الظاهر اختصاصه بالأولاد، و يدلّ عليه قوله في موثّقة أبي بصير: «يقضيه أفضل أهل بيته»، و من المعلوم انّ الوالد لا يعد من أهل بيت الولد بل الولد من أهل بيت

______________________________

(1) الوسائل: 5، الباب 12 من قضاء الصلوات، الحديث 6.

(2) 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11 و 3.

(3) 4 مستند الشيعة: 10/ 462.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

الوالد. فإذا خرج الوالد، يخرج الطبقات المتأخّرة من الأجداد و الإخوة بطريق أولى. و يختص القضاء بالأولاد.

هذا من جانب، و من جانب آخر دلّت صحيحة حفص

بن البختري «1» على خروج النساء. و مثله مرسلة حماد بن عثمان. 2

فبفضل هذه الروايات ظهر انّ المحكوم بالقضاء عبارة عن أولاده الذكور، و أمّا تقدّم الأكبر على غيره، فلما في مكاتبة الصفار، قال: كتبت إليه: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام، و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيّام أحد الوليّين، و خمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السَّلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام ولاءً إن شاء اللّه». 3

قال الصدوق: هذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السَّلام.

فتلخّص بذلك انّ المسألة و إن كانت من حيث الأقوال متشتتة و لسان الروايات غير واضح، و لكن يمكن من ضم بعض إلى بعض كشف الحقيقة، وحل المشكل يكمن في الإمعان في قوله: «يقضيه أفضل أهل بيته» حيث يخرج بذلك كلّ من يرث منه على ترتيب الطبقات إلّا الأولاد و الزوجة.

كما أنّ بفضل بعض الروايات خرجت الزوجة فانحصر الموضوع في الأولاد، و قد علمت أنّ المكاتبة تقدم الأكبر على غيره.

و أمّا قوله: أولى الناس بميراثه، فلا يخلو من إجمال، و ربّما يفسر بالنحو التالي: المراد هو الأولى من جميع الناس بالميراث بقول مطلق و على نحو القضية الحقيقية أي من كلّ من يفرض في الوجود، سواء أ كان موجوداً بالفعل أم معدوماً. و هذا ينحصر

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5، 6، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 240

[المسألة 20: لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة]

المسألة 20: لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة و إن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من

الأقارب عنه. (1)

[المسألة 21: لو تعدّد الوليّ اشتركا و إن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر]

المسألة 21: لو تعدّد الوليّ اشتركا و إن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر كما أنّه لو تبرّع أجنبيّ سقط عن الوليّ. (2)

______________________________

مصداقه في الولد الأكبر فانّه الأولى بميراث الميت من جميع البشر، حتى ممّن هو في طبقته في الإرث كالأبوين، فإنّ لكلّ واحد منهما السدس، و كالبنات لأنّ للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و كسائر الأولاد الذكور لمكان اختصاص الأكبر بالحبوة، بناء على ما هو الصحيح من عدم احتسابها من الإرث، فهو الأوفر نصيباً من الكلّ و لأجله كان هو الأولى بالميراث من جميع الناس بتمام معنى الكلمة.

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ التفسير المزبور مبني على أنّ المراد من الأولوية، هو الأكثرية و على ذلك يقدم أكبر أولاده الذكور على غيره لكن الوارد هو الأولى لا الأكثر.

ثانياً: أنّ الظاهر انّ المراد هو أولى الناس بالميراث بالفعل، فلو كان هناك أولاد فهم أولى الناس به، و أمّا مع فقده فالأولى غيره، و على ذلك لا ينحصر الوليّ بأكبر الذكور بل يتعدّى إلى من هو الأكثر فالأكثر و ما ذكره من التفسير لا يخلو من دقة عقليّة، و الظاهر انّ ما سلكناه في تفسير الوليّ أوضح ممّا بيّنه.

(1). وجهه واضح لما عرفت من تعلّق الوجوب بأكبر أولاده الذكور.

(2) هذا كما إذا كان له ولدان ولدا في ساعة واحدة من زوجتين، فيصدق على كلّ واحد أفضل أهل بيته، فيُخاطَب كلّ بالقضاء، فيُشبه أن يكون من قبيل الواجب الكفائي، فلو قام واحد بالجميع لسقط الوجوب عن الآخر.

كما أنّه لو تبرّع أجنبي سقط عنهما شأن كلّ واجب كفائي.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 241

[المسألة 22: يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت و أن يأتي به مباشرة]

المسألة 22: يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت و أن يأتي به مباشرة و

إذا استأجر و لم يأت به المؤجر أو أتى به باطلًا لم يسقط عن الوليّ. (1)

______________________________

(1) هنا فرعان:

1. جواز الاستئجار مكان الإتيان به مباشرة.

2. عدم سقوطه عن الولي إذا لم يأت الأجير.

أمّا الأوّل: لما تقدّم في الفرع السابق من أنّ خطاب الوليّين بالقضاء آية انّه واجب كفائي، أضف إلى ذلك انّ الغاية من الإيجاب هو تفريغ ذمّة الميّت من الدين و أولى الناس بميراثه أولى بأن يقضيه، و يتحمّل جهد القضاء، و المتبادر من مثله، هو عدم اعتبار المباشرة كما مرّ.

و يظهر ذلك ممّا رواه الشيخ في الخلاف عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقال يا رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: إنّ أُمّي ماتت و عليها صوم شهر أ فأقضيه عنها؟ قال: «لو كان على أُمّك دين أ كنت قاضيه عنها؟»، قال: نعم. قال: «فدَيْنُ اللّه أحق أن يُقضى». «1»

فإذا كان المقام من مقولة الدين فيسقط بفعل الولي، و الأجير و المتبرع. هذا كلّه على القول بصحّة الإجارة في المقام و أمّا على القول ببطلانها فيه فالأمر في الإجارة مشكل نعم لو أتى به سقط عن الوليّ.

و أمّا التمسّك في سقوطه بعمل الأجير، بعموم أدلّة الإجارة بعد كون متعلّقها في المقام عملًا مشروعاً سائغاً حسب الفرض. «2» فهو كما ترى لما قلنا في محله: من أنّ أدلّة المعاملات كلّها، أدلة إمضائيّة لما بيد العرف و ليس في الشرع معاملة تأسيسيّة، شرّعها الشارع و أمر بتنفيذها فإذاً تجب ملاحظة ما بيد العقلاء، فهل عندهم عقد إجارة على

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 209، المسألة 65، كتاب الصوم.

(2) مستند العروة: 2/ 214.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 242

..........

______________________________

عمل قربي، لا يترتب عليه الأثر إلّا إذا قام به الإنسان تقرباً إلى اللّه و طلباً لرضاه أو لا، الظاهر هو الثاني لأنّهم بفطرتهم يرون التنافي بين أخذ الأُجرة للعمل، و كونه مأتيّاً به اللّه سبحانه، و هذا كاف في انصراف الأدلّة عن مورد العبادات. مثل قوله في حديث تحف العقول «أو يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئاً يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع». «1»

و ما ذكر من المحاولات لأخذ الأجرة لو صحت، لا يكون سبباً لشمول أدلّتها للمقام بعد وجود التنافي بين الإجارة و موردها.

و أمّا النيابة في مورد الحجّ، فهو خارج عن التأجير للعبادات، لأنّ الحج عبادة يتوقف على الزاد و الراحلة، فمن يريد الحجّ عن والده، فعليه أن يبذلهما ليتمكن المتبرّع عن النيابة و لا يقاس عليه سائر العبادات و لذلك، صار الاستئجار عندنا للأُمور العباديّة أمراً مشكلًا إلّا إذا كان مماثلًا للنيابة في الحج، و قد أوضحنا حاله في محاضراتنا. «2»

هذا و ممّا يقضى منه العجب ما ذكره المحقّق النراقي قدَّس سرَّه في المقام من عدم سقوطه عن الولي، بعد قيام المتبرع أو الأجير به قال: الحقّ عدم السقوط عن الولي بتبرع الغير و لا باستئجاره أو وصية الميت بالاستئجار للأصل.

فان قيل بفعل الغير تُبرأ ذمّة الميت و لا صوم عليه فلا معنى لقضاء الولي عنه.

قلت: ما أرى مانعاً من قضاء متعدد من واحد، و لا ضير في أن تشتغل ذمة أحد بشي ء يجوز لمائة أداؤه عنه و لو بالتعاقب. «3»

أقول: إنّ معنى ذلك اشتراط المباشرة في القضاء عن الميّت، و قد عرفت أنّ

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 13، الباب 1 من كتاب الإجارة، الحديث 1.

(2)

المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 740، الوجه الثامن.

(3) مستند الشيعة: 10/ 466.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 243

[المسألة 23: إذا شك الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت و عدمه]

المسألة 23: إذا شك الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت و عدمه لم يجب عليه شي ء و لو علم به إجمالًا و تردّد بين الأقلّ و الأكثر جاز له الاقتصار على الأقلّ. (1)

[المسألة 24: إذا أوصى الميّت باستيجار ما عليه من الصوم أو الصلاة]

المسألة 24: إذا أوصى الميّت باستيجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ بشرط أداء الأجير صحيحاً و إلّا وجب عليه. (2)

______________________________

المتبادر من أمثال المقام هو أداء ما على الميّت و ليس على الميت إلّا صوم واحد فيسقط بفعل واحد منهم فلا يبقى موضوع للآخر.

و أمّا الفرع الثاني، فلأنّ الواجب هو تفريغ ذمة الميت عن الصوم. و الاستئجار طريق إليه و المفروض انّه لم يحصل، نعم لو كان الواجب عليه أحد الأمرين: الإتيان بالصوم مباشرة، أو الاستئجار، فبما انّه قام بأحد الشقين من الواجب التخييري، سقط الوجوب، لكنّه خلاف الفرض.

(1) ربما يحتمل الاشتغال بجريان أصالة عدم إتيان الميّت بالواجب.

يلاحظ عليه بما ذكرناه سابقاً من عدم جريانه إلّا فيما إذا كان ظرف الوجوب أوسع من ظرف الفعل كصلاة الظهر عند دلوك الشمس، و أمّا إذا كانا متساويين، فالمتيقن هو عدم الإتيان بالنفي التام قبل دخول ظرف الواجب، و الموضوع للقضاء، هو عدم الإتيان بالمعنى الناقص و بعد دخول ظرفه و استصحاب الأول، لغاية إثبات الثاني من أوضح مصاديق الأُصول المثبتة فلاحظ و قد بيّناه في محاضراتنا الأُصولية.

و الأولى: التمسك بأصل البراءة، للشك في الاشتغال، و منه يظهر الحال فيما إذا تردّد بين الأقل و الأكثر و معه لا حاجة إلى استصحاب البراءة لكونه حاكماً عليه، لأنّ الأول يكفي فيه مجرّد الشكّ بخلاف الثاني فهو رهن لحاظ الحالة السابقة و جرّها، و الأقل مئونة يقدّم على الأكثر.

(2) قد عرفت أنّ الواجب هو تفريغ

ذمّة الميّت، فلو أوصى و أدّى الأجير حصلت

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 244

[المسألة 25: إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به أو شهدت به البيّنة أو أقرّ به عند موته]

المسألة 25: إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به أو شهدت به البيّنة أو أقرّ به عند موته و أمّا لو علم أنّه كان عليه القضاء و شكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته فالظاهر عدم الوجوب عليه باستصحاب بقائه نعم لو شكّ هو في حال حياته و أجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل و لم يأت به حتّى مات فالظاهر وجوبه على الوليّ. (1)

______________________________

الغاية المتوخّاة، فلم يبق موضوع للقضاء، نعم لو لم يؤدِّ أو أدَّى غيرَ صحيح فلا يسقط عن الوليّ، لأنّ وجوب القضاء على الولي حكم شرعي لا يسقط بالإيصاء و ليس من الحقوق القابلة له، و سقوطه عن ذمّة الولي بعد قيام الأجير به، لأجل عدم الموضوع لا لكون الإيصاء مسقطاً للحكم الشرعي.

(1) هنا فروع ثلاثة:

1. يجب القضاء على الولي إذا علم اشتغال ذمّة الميّت، أو قيام البيّنة عليه، أو أقرّ به الميّت.

2. إذا علم الوليّ بالاشتغال لكن بعد مرور زمان يحتمل قيام الأب بالواجب شكّ في بقاء اشتغال ذمّته، فهل يجب عليه الإتيان؟

3. لو كانت ذمّته مشغولة و شكّ نفسُ الميّت في الإتيان و لم يأت و مات يجب على الولي القضاء.

أمّا الفرع الأوّل: فلا إشكال في ثبوته بالأوّلين و إنّما الإشكال في ثبوته بالإقرار، لأنّه ليس إقراراً على نفسه إذ ليس له أثر بالإضافة إلى المقرّ بل إلى الغير أي الولد الأكبر، و من المعلوم انّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ، لا على غيرهم، و لا يقاس الإقرار بالصوم، بالإقرار بالدين فانّه مستلزم حرمان الورثة، أوّلًا، و مؤثر

في نفسه ثانياً إذ بعد الإقرار يُطالب.

لكن للتأمّل فيه مجال: و ذلك لأنّه إذا كان الموضوع ممّا لا يعلم إلّا من قبل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

المقرّ فلا بدّ من قبوله لانسداد الطريق كما هو الحال في الإقرار بما في الأرحام، فإذا كان الإقرار واجباً يكون السماع مثله و إلّا يلزم اللغوية غالباً.

أمّا الفرع الثاني: أعني: إذا علم الولي اشتغال ذمته بالقضاء و لكن شكّ في إتيان الميّت به حال حياته أو بقاء شغل ذمّته، و الفرق بين هذا الفرع و الفرع الآتي بعد اشتراكهما في العلم بالاشتغال و الشك في البقاء و تفريغ الذمّة، هو انّه تارة يكون اليقين و الشك من الولي، من دون العلم بحال الميّت و انّه هل مات متيقّناً بالاشتغال، أو بالبراءة، أو شاكاً و هذا هو الفرع الذي نحن فيه و أُخرى يكون الشكّ من نفس الميّت حال حياته فيشك في أنّه هل أتى ما كان عليه أو لا؟ و هذا هو الفرع الآتي، فإليك الكلام في الأوّل.

إذا علم الولي باشتغال ذمة الوالد بالصوم و شكّ في إتيانه حال حياته، فقد استظهر المصنف عدم الوجوب عليه، و خالفه غالب المعلّقين عليه فاستظهروا خلافه و صحةَ التمسك باستصحاب البقاء.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 245

وجه عدم الوجوب، هو انّ المرجع أصالة البراءة النافية لوجوب القضاء، و أمّا استصحاب بقاء الاشتغال فليس بحجّة، و ذلك لأنّه ليس بأقوى من قيام البيّنة على الميّت حيث لا تكون حجّة في إثبات الدعوى عليه ما لم تقترن

باليمين، فانّ استصحاب بقاء الاشتغال نوع ادّعاء على الميّت فلا يكون كافياً في المقام.

قال المحقّق: و لا يستحلف المدّعي مع البيّنة إلّا أن تكون الشهادة على ميّت فيُستخلف على بقاء الحقّ في ذمته استظهاراً. «1»

و يدل عليه، خبر عبد الرحمن البصري: «و إن كان المطلوب بالحق قد مات، فأُقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي، اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو، لقد مات فلان و انّ

______________________________

(1) الشرائع: 4/ 85.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

حقه لعليه، فإن حلف و إلّا فلا حقّ له، لأنّا لا ندري لعله قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها أو غير بيّنة قبل الموت». «1»

و مكاتبة محمد بن الحسن الصفار، إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السَّلام: هل تُقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السَّلام: «إذا أشهد معه آخر عدل، فعلى المدّعي اليمين». «2»

يلاحظ عليه: أنّ مورد الروايتين هو ما إذا أُقيمت الدعوى على الميّت، بحيث لو ثبتت لتضرّر الوراث، و أين هو من استصحاب الولي الذي لو صحّ لكان عليه القيام بالقضاء لا غير؟!

و الحاصل: انّه لا مانع من جريان الاستصحاب الذي تمّ أركانه عند الولي حيث أيقن و شكّ و أمر الشارع بعدم نقض يقينه بالشك فصار كالمتيقن «بأنّ الميت مات و عليه صيام» فيكون الاستصحاب منقحاً لموضوع الدليل الاجتهادي.

و أمّا الفرع الثالث، أعني: ما إذا كان الميّت نفسه هو المتيقّن بالاشتغال و الشاك في فراغ ذمّته فقط، فاستظهر المصنّف وجوب القضاء على الوليّ و المفروض اختصاص الميّت باليقين و الشك، لا الولي، و إلّا فلو كان هو أيضاً في حال حياته، متيقّناً و شاكّاً، يدخل في الفرع

الأوّل.

و ذهب السيد الحكيم إلى عدم جريانه، لأنّ المدار في الوجوب على الوليّ قيام الحجّة عنده على فوات الواجب، لا قيامها عند الميت.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان قيام الحجة عند الميّت مبدأ لقيام الحجّة على الوليّ، يكون داخلًا في المدار المزبور، و ذلك لأنّ الميت بإجراء الاستصحاب في حياته صار

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 18، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الجزء 18، الباب 28 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 247

[المسألة 26: في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان]

المسألة 26: في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان مقتضى إطلاق بعض الأخبار الثاني و هو الأحوط. (1)

______________________________

محكوماً بالقضاء و انّ عليه صياماً، فإذا مات يصدق عليه قوله: «في الرجل يموت و عليه صلاة و صيام؟ قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه». و على ما ذكرنا يجب القضاء في جميع الصور بلا إشكال و اللّه العالم.

(1) قد اختار الثاني جماعة.

قال المفيد في مقنعته: يجب على وليّه أن يقضي عنه كلّ صيام فرّط فيه من نذر أو كفّارة أو قضاء رمضان. «1»

قال الشيخ: و المريض إذا قد وجب عليه شهران متتابعان ثمّ مات، تصدق عن شهر و يقضي عنه وليّه شهراً آخر. «2» و تبعه ابن البراج. «3»

و كلامه هذا يدلّ على أنّ الولي يتحمّل كلّ صوم واجب غير انّ تبديل أحد الشهرين بالتصدّق لأجل الرواية الواردة فيه كما سيوافيك. «4»

و قال ابن إدريس: الشهران إذا كانا نذراً و فرط فيهما وجب على وليّه و هو أكبر أولاده الذكور الصيام للشهرين. «5» و استقربه العلّامة في «المختلف». «6»

و لكن الظاهر من الصدوق في «المقنع» هو الاختصاص بقضاء رمضان

حيث خصّه بالذكر و قال: و إذا مات رجل و عليه صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه. و نقله العلّامة في المختلف عن العمّاني. «7» و هذا هو الأقرب، و ذلك لأنّ السؤال في أغلب

______________________________

(1) المقنعة: 354353.

(2) النهاية: 158.

(3) المهذب: 1/ 196.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(5) السرائر: 1/ 398.

(6) المختلف: 3/ 539.

(7) المقنع: 201، المختلف: الطبعة الحجرية: 242.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 248

..........

______________________________

الروايات عمّن مات و عليه قضاء شهر رمضان.

و هذا قرينة على أنّ المركوز في أذهان الرواة، هو لزوم الخروج عن قضاء شهر رمضان، دون غيره و لو كان الحكم عامّاً كان على الإمام الإشارة أو التصريح به مع كثرة الأسئلة.

و ثانياً لو قلنا به، لزم القول بلزوم قضاء كلّ ما اشتغلت ذمّته و لو بالانتقال من ذمّة أبيه إلى ذمّته، و هذا كما ترى حكم حرجيّ، لا يلزم به أحد.

استدلّ القائل بالعموم بروايتين:

1. صحيحة حفص، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال: «يَقضي عنه أولى الناس بميراثه» قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة فقال: «لا إلّا الرجال». «1» وجه الاستدلال هو إطلاق قول السائل «و عليه صلاة أو صيام» و عدم تقييده برمضان.

يلاحظ عليه: أنّ جواب الإمام بأنّه يقضيه أولى الناس بميراثه، يكشف عن واقع السؤال، و انّ حيثية السؤال كانت راجعة إلى تعيين من يقضي، من دون نظر إلى سبب اشتغاله من رمضان أو نذر أو كفّارة حتى يؤخذ بإطلاق السؤال و الجواب.

2. خبر الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السَّلام قال: سمعته يقول: «إذا مات

رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علّة فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل و يقضي الشهر الثاني». «2»

يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الحديث لا يثبت تمام المدّعى، لأنّ مفاده جواز التصدّق عن الشهر الأوّل، دون الشهر الثاني، و هو غير المدّعى.

و ثانياً: أنّ مرجع الضمير في «فعليه» غير معلوم و لا دليل في ظاهر الحديث انّه

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 24 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 249

[المسألة 27: لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الإفطار بعد الزوال]

المسألة 27: لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الإفطار بعد الزوال بل تجب عليه الكفّارة به و هي كما مرّ إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ و مع العجز عنه صيام ثلاثة أيام و أمّا إذا كان عن غيره بإجارة أو تبرّع فالأقوى جوازه و إن كان الأحوط الترك كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع و إن كان الأحوط الترك فيها أيضاً و أمّا الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان عن نفسه إلّا مع التعيين بالنذر أو الإجارة أو نحوهما أو التضيّق بمجي ء رمضان آخر إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه كما هو المشهور. (1)

______________________________

يرجع إلى الولي و إن نقله صاحب الوسائل في ذلك الباب، و على القول به يمكن حمل الحديث على من استمرّ مرضه إلى شهر رمضان الثاني، ثمّ صحّ و لم يصم و مات، فيجب على الولي التصدّق عن الأوّل، لعدم برئه و القضاء عن الثاني لبرئه و موته بعده. و يدلّ على ذلك قوله من علّة، الظاهر في المرض.

و ما ذكرناه و إن كان غير قطعي لكنّه أولى من حمله على ظاهره.

(1) هنا فروع:

1. يجوز للصائم قضاءَ شهر رمضان، الإفطارُ قبل الزوال و لا يجوز بعده.

2. ما هي كفّارة إفطاره بعد الزوال؟

3. إذا كان الصوم قضاءً عن غيره بإجارة أو تبرّع هل يجوز الإفطار مطلقاً؟

4. يجوز الإفطار مطلقاً في سائر أقسام الصوم إلّا مع التعيّن أو التضيّق.

أمّا الفرع الأوّل: أي جواز الإفطار للصائم قضاء شهر رمضان قبل الزوال، فهو المشهور و لم ينقل خلاف ذلك إلّا من ابن أبي عقيل و أبي الصلاح.

قال الأوّل: فمن أصبح صائماً بقضاء كان عليه من شهر رمضان و قد نوى

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

الصوم من الليل، فأراد أن يفطر في بعض النهار، لم يكن له ذلك. «1»

و قال أبو الصلاح: إن أفطر يوماً عزم على صومه قضاءً قبل الزوال فهو مأزور، و إن كان بعد الزوال تعاظم وزره. «2»

و على كلّ تقدير فقد تضافرت الروايات على جواز الإفطار قبل الزوال و عدمه بعده، منها:

1. صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه قال: في الذي يقضي شهر رمضان: «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوعاً فإنّه إلى الليل بالخيار». «3»

2. خبر إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوع ما بينه و بين أن تغيب الشمس». 4

و في السند زكريّا المؤمن الذي قال النجاشي في حقّه: حُكي عنه ما يدلّ على أنّه كان واقفاً، و كان مختلط الأمر في حديثه». 5

3. موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله

عليه السَّلام أنّه سُئل عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان إلى أن قال: سُئل: فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: «قد أساء و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه». 6 و قوله: «قد أساء» آية الحرمة

______________________________

(1) لمختلف: 3/ 556.

(2) الكافي: 184.

(3) 3 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 4 و 10.

(4) 5 رجال النجاشي: 1/ 391 برقم 451.

(5) 6 الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 251

..........

______________________________

و يؤيد الحكم، الروايات التي تفصِّل بين الفريضة و النافلة كرواية سماعة. «1» فتجوّز في الثانية دون الأولى، فانّ إطلاقها لو لم نقل منصرفها يعم قضاء شهر رمضان.

و أمّا موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن المرأة تقضي شهر رمضان، فيكرهها زوجها على الإفطار، فقال: «لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال». «2» فتحمل على الحرمة بقرينة سائر الروايات.

و بذلك تعالج طائفتان من الروايات:

إحداهما: ما يظهر منه المنع مطلقاً سواء كان قبل الزوال أو بعده كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألته عن الرجل يقضي رمضان، أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا كان نوى ذلك من الليل و كان من قضاء رمضان، فلا يفطر و يتم صومه». «3»

يلاحظ عليه: أنّها محمولة على الاستحباب بقرينة ما ورد من التفصيل الذي عرفته، على أنّه ورد مثل ذلك في الصوم المستحب أيضاً فما ظنك بمثل قضاء الصوم الواجب. 4

ثانيهما: ما يظهر منه الجواز مطلقاً، كخبر صالح بن عبد اللّه

الخثعمي. 5

و أمّا الفرع الثاني: و هو ما هو كفّارة الإفطار بعد الزوال، فقد استوفينا البحث عنه في السابق. 6

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 8.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيّته، الحديث 2.

(3) 3 و 4 و 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 6، 5، 3.

(4) 6 الفصل السادس. المسألة الأُولى.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

و أمّا الفرع الثالث و هو اختصاص عدم الجواز بما إذا قضى عن نفسه، أو عمومه لمن يتبرّع عن الغير. فالتحقيق عدم شموله له لانصراف الأدلّة عن المتبرّع و الأجير.

نعم ربّما يتصور عموم الحكم بالنسبة إليهما بل إلى سائر أقسام الصوم الواجب، و قد استدلّ على ذلك بروايتين:

1. إطلاق خبر سماعة، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في قوله: «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال: «إنّ ذلك في الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس» «1» باعتبار انّ المدار هو الفرض و النفل و ما يقوم به المتبرّع من الصوم، ليس نفلًا بل فرض، لكونه قضاء عن الميت، و منه يظهر حكم سائر أقسام الصوم الواجب.

يلاحظ عليه: أنّ محور السؤال و الجواب هو الصوم الفرض و النفل، و العمل بالنسبة إلى المنوب عنه و إن كان لا يخلو عن أحد و صفين، لكنّه بالنسبة إلى النائب لا فرض و لا نفل فلا يعمُّ عمله و أمّا سائر أقسام الصوم الواجب فالظاهر دخوله تحت الفرض، لكن الرواية ضعيفة، و قد ورد محمد بن سنان في سند الشيخ و الكليني كليهما.

2. خبر عبد

اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل، متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس، فليس لك أن تفطر». 2

يلاحظ عليه: أنّ الموضوع قضاء الفريضة و لا يصدق إلّا على ما إذا قضى عن نفسه و أمّا إذا قضى عن الغير فلا يوصف العمل بالفرض و النفل، كما لا يعم سائر أقسام الصوم الواجب الذي يأتي به الإنسان أداءً كالكفّارة و النذر الموسع، لعدم كونه قضاءً.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب وجوب الصوم و نيّته، الحديث 8 و 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 253

[الفصل الرابع عشر في صوم الكفارة]

اشارة

الفصل الرابع عشر في صوم الكفارة

[و هو أقسام]
اشارة

و هو أقسام

[منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره]

منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره و هي كفّارة قتل العمد و كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان فإنّه تجب فيها الخصال الثلاث. (1)

[و منها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره]

و منها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره و هي كفّارة الظهار و كفّارة قتل الخطأ فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق و كفّارة الإفطار في قضاء رمضان فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت و كفّارة اليمين و هي

______________________________

الفرع الرابع: في الصوم المتعيّن بالنذر أو الإجارة، أو ضيق الوقت، لا يجوز الإفطار مطلقاً لكن عدم الجواز لأجل حرمة نكث النذر، و نقض العهد، حيث إنّ الإفطار مطلقاً، قبل الزوال و بعده موجب لفوت الواجب اختياراً، فلا يجوز لأجل هذا العنوان العارض له، لا للصوم بما هو هو.

(1) ذَكَرَ لصوم الكفّارة أقساماً أربعة:

الأوّل: ما يجب فيه الصوم مع غيره.

الثاني: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره.

الثالث: ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه و بين غيره.

الرابع: ما يجب فيه الصوم مرتباً على غيره متخيّراً بينه و بين غيره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 254

عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم و بعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام و كفّارة صيد النعامة و كفّارة صيد البقر الوحشي و كفّارة صيد الغزال فإنّ الأول تجب فيه بدنة و مع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً و الثاني يجب فيه ذبح بقرة و مع العجز عنها صوم تسعة أيّام و الثالث يجب فيه شاة و مع العجز عنها صوم ثلاثة أيّام و كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً و هي بدنة و بعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً و كفّارة

خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته

______________________________

و حاصل الأقسام: ما يجب فيه الجمع و تسمّى كفّارة الجمع و ما يتعيّن فيه الصوم بعد العجز عن غيره فيكون واجباً تعيينياً، و ما يتخيّر بين الصوم و غيره فيكون واجباً تخييريّاً، و ما يجمع بين الوصفين الترتيب أوّلًا ثمّ التخيير.

القسم الأوّل: ما تجب فيه كفّارة الجمع

و تجب في موردين:

الأوّل: كفّارة قتل العمد.

الثاني: كفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان.

أمّا الأوّل: فقال المحقّق تحت عنوان: «ما يجب فيه الصوم مع غيره» و هو كفّارة قتل العمد، فإنّ خصالها الثلاث تجب جميعاً. «1»

و قال في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. «2»

و يدلّ عليه صحيح ابن سنان و موثّق ابن بكير كلاهما عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً هل له توبة؟ قال: «... فإن عفوا [أولياء المقتول] عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكيناً توبة إلى اللّه عزّ و جلّ». «3»

______________________________

(1) الشرائع: 1/ 151.

(2) الجواهر: 17/ 63.

(3) الوسائل: الجزء 19، الباب 9، من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 255

و نتفها رأسها فيه و كفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده فإنّهما ككفّارة اليمين. (1)

______________________________

و موثّق سماعة على ما نقله العيّاشي في حديث ... «و لكن يقاد به، و الدية إن قبلت»، قلت: فله توبة؟ قال: نعم، يُعتق رقبة، و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكيناً ...». «1» نعم نقله الكليني بسند صحيح عن سماعة و لكنّه لا يشتمل على هذه القطعة بل اختص العياشي بنقله.

و ظاهر النصوص هو

وجوبه عند العفو، و قبول الدية لا مطلقاً حتى في صورة القصاص، فلاحظ.

و أمّا الثاني: أعني: كفّارة من أفطر على حرام من شهر رمضان، فالمشهور انّه تجب فيها الخصال الثلاث، و قد مرّ الكلام فيه في الفصل السادس، أي ما تجب فيه الكفّارة في المسألة الأُولى، فلاحظ.

(1) القسم الثاني: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره

و هناك ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره: و هي تسعة موارد:

الأوّل: كفّارة الظهار

إنّ الواجب عند الظهار، صوم شهرين، مع العجز عن العتق، يقول سبحانه:

(وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ذٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ...). «2»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 19، الباب 9، من أبواب قصاص النفس، الحديث 2.

(2) المجادلة: 43.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

الثاني: كفّارة قتل الخطأ

إنّ الواجب فيها، هو العتق أوّلًا، ثمّ الصوم مع العجز عنه، قال سبحانه: (وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ إلى أن قال سبحانه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً). «1»

الثالث: كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان

إنّ الواجب على من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال هو إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ فإن لم يتمكن فصوم ثلاثة أيّام. و قد تقدّم في الفصل السادس، المسألة الأُولى، فلاحظ.

الرابع: كفّارة اليمين

إذا نقض يمينه، فكفّارته إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ و مع العجز صيام ثلاثة أيّام، قال سبحانه: (لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ

فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ) «2». و ما ورد في بعض الروايات ممّا يخالف الآية لا يعتد به و إن صحّ سنده، فهو إمّا مؤوّل كما صنعه في الوسائل، أو مطروح. «3»

الخامس: كفّارة صيد النعامة، و كفّارة صيد البقر الوحشي، و كفّارة صيد

______________________________

(1) النساء: 92.

(2) المائدة: 89.

(3) الوسائل: الجزء 15، الباب 12 من أبواب كتاب الايلاء و الكفّارات، الحديث 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

الغزال

فالكلام يقع تارة فيما يجب ابتداءً، و أُخرى فيما إذا عجز عنه.

أمّا الأوّل، فيجب في صيد النعامة، بدنة؛ و في البقر الوحشي، بقرة؛ و في الغزال شاة. و استدلّوا على ذلك بقوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ) «1». فكفّارته ما أشار إليه بقوله: (فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)، و لعلّ (جزاء) مبتدأ و (مِثْلُ مٰا قَتَلَ) خبره، أي جزاء ذلك الفعل، مثل ما قتل. و قد اختلف في هذه المماثلة أ هي في الخلقة، أو في القيمة؟ فالذي عليه معظم أهل العلم انّ المماثلة معتبرة في الخلقة، ففي النعامة، بدنة؛ و في الحمار الوحشي، بقرة؛ و في الظبي و الأرنب، شاة. و هو قول ابن عباس و الحسن و مجاهد و السدي و عطاء و الضحاك.

قال إبراهيم النخعي: يُقوّم الصيد قيمة عادلة، ثمّ يُشترى بثمنه من النعم فاعتبر المماثلة بالقيمة. و الصحيح

هو القول الأوّل. «2»

و في صحيح حريز، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)، قال: «في النعامة بدنة، و في حمار وحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة». «3»

و أمّا الثاني، أي ما هو الواجب بعد العجز عن الكفّارة الأُولى؟ فظاهر عبارة المصنّف انّه ينتقل إلى الصيام، بلا واسطة بينهما، و لكن النصوص و الفتاوى على خلافه و انّ الصيام في الدرجة الثالثة، فقد جاءت الضابطة في صحيحة علي بن جعفر، عن

______________________________

(1) المائدة: 95.

(2) مجمع البيان: 2/ 245، ط صيدا.

(3) الوسائل: الجزء 10، الباب 1 من أبواب كفّارات الصيد، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 258

..........

______________________________

أخيه موسى بن جعفر عليهما السَّلام:

1. سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال: «عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدّق على ستين مسكيناً، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوماً».

2. قال سألته عن مُحرم أصاب بقرة ما عليه؟ قال: «عليه بقرة. فإن لم يجد فليتصدّق على ثلاثين مسكيناً، فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام».

3. قال و سألته عن مُحرم أصاب ظبياً ما عليه؟ قال: «عليه شاة، فإن لم يجد فليتصدق على عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيّام». «1»

فتكون النتيجة كالتالي:

1. صيد النعامة بدنة فستون مسكيناً فصوم ثمانية عشر يوماً

2. صيد البقر الوحشي بقرة فثلاثون مسكيناً فصوم تسعة أيّام

3. صيد الظبي شاة فعشرة مساكين فصوم ثلاثة أيّام

و يظهر من صحيحة معاوية بن عمّار انّ كلّ ما وجب فيه البدنة بحكم المماثلة في صيد الحرم يجب فيه عند العجز ما وجب في صيد النعامة من الإطعام فالصوم.

و كلّ

ما وجب فيه البقرة بحكم المماثلة الذي يحكم به ذوا عدل كما في الآية المباركة يجب فيه عند العجز ما في صيد البقر الوحشي من الإطعام فالصوم.

و كلّ ما وجب فيه شاة، بحكم المماثلة، يجب فيه عند العجز، ما وجب في صيد الظبي من الإطعام فالصوم. «2» و على ذلك يجب في صيد الثعلب و الأرنب الشاة عند العجز، إطعام عشرة مساكين، فصوم ثلاثة أيّام. و التفصيل في محله.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 10، الباب 2 من أبواب كفّارات الصيد، الحديث 6، 7 و 8.

(2) الوسائل: الجزء 10، الباب 2 من أبواب كفّارات الصيد، الحديث 13.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 259

..........

______________________________

السادس: الإفاضة قبل الغروب من عرفات

يجب الوقوف في عرفات من الزوال إلى الغروب و إن كان الركن مسمّى الوقوف، فلو أفاض إلى المشعر الحرام قبله، فالواجب فيه بدنة، و لو عجز صام ثمانية عشر يوماً، و كانت قريش تفيض منها إلى المشعر قبل الغروب تفاخراً و تحقيراً للآخرين فنُهي عنه: ففي صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوماً بمكة، أو في الطريق، أو في أهله». «1»

هذا هو المشهور و لكن مقتضى الاحتياط أمر آخر، و التفصيل موكول إلى محلّه.

السابع، الثامن، و التاسع: كفّارة الخدش و النتف و الشق

فقد ذكر المصنّف ممّا يرجع إلى الأُمور الثلاثة:

1. إذا خدشت المرأة وجهها في المصاب حتى أدمته، 2. أو نتفت شعر رأسها فيه، 3. أو شق الرجل ثوبه على زوجته و ولده فكفّارتها، كفّارة اليمين.

قد عرفت كفّارة اليمين و هي: قال سبحانه: (إِطْعٰامُ

عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ). «2»

قال المحقّق: و يجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب، و خدش وجهها، و شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفّارة يمين. «3»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 11، الباب 23 من أبواب احرام الحجّ و الوقوف بعرفة، الحديث 3. و لاحظ غيره من هذا الباب.

(2) لمائدة: 89.

(3) الشرائع: 3/ 631.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

و قال يحيى بن سعيد: و لا يجوز للرجل شقّ ثوبه بموت ولده، فإن فعل فعليه التوبة و كفّارة يمين. و في لطم المرأة خدّها حتى تدميه كفّارة يمين، و في نتف المرأة شعرها كفّارة يمين، و في لطم المرأة وجهها بلا إدماء التوبة. «1»

و المراد من النتف هو النزع و القلع، و أمّا الجزّ فهو القطع و القصّ بالمِقَصِّ. و يأتي حكمه في القسم الثالث فإنّ كفّارته كفّارة الإفطار في شهر رمضان استناداً إلى رواية خالد بن سدير كما سيوافيك.

و موضوع المسألة في جانب المرأة هو نتف الشعر، و خدش الوجه الذي لا ينفك غالباً عن الإدماء.

و موضوعها في جانب الرجل شقّ ثوبه في مصاب الولد و الزوجة و يجمعهما، انّ كفّارة الجميع هو كفّارة اليمين، و قد أفتى به المحقّق في الشرائع، و ادّعى صاحب الجواهر، عدم وجدان الخلاف و نقل عن الروضة و الانتصار الإجماع عليه.

و أمّا ابن إدريس فقد تردّد في أوّل الأمر في الشق (شق الوالد على ولده و الزوج على زوجته) و حمل الرواية على الندب، لكنّه تنازل عنه، لأجل وجود الإجماع من الأصحاب قال:

و لا يجوز للرجل

أن يشقّ ثوبه في موت أحد من الأهل و القرابات، فإن فعل ذلك فقد روي أنّ عليه كفّارة يمين، و الأولى أن يُحمل على الندب دون الفرض، لأنّ الأصل براءة الذمة، و هذه الرواية قليلة الورود في أبواب الزيادات عن رجل واحد، و قد بيّنّا انّ أخبار الآحاد لا توجب علماً و لا عملًا، إلّا أنّ أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم و فتاواهم، فصار الإجماع هو الحجّة على العمل بها و بهذا أفتي. «2»

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 418.

(2) السرائر: 3/ 78، كتاب الايمان.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و أمّا الفرع الآخر، أعني: نتف الشعر و خدش الوجه، فذكر الثاني منهما فقط و أفتى به «قال: إذا خدشت وجهها حتى تُدميه كان عليها كفّارة يمين». «1»

و الظاهر من قوله في الفرع: «إنّ أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم» كونه أمراً مشهوراً بين الأصحاب.

و الظاهر انّ معتمد الجميع، هو رواية خالد بن سدير أخي حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام:

1. عن رجل شقّ ثوبه على أبيه، أو على أُمّه، أو على أخيه، أو على قريب له؟ فقال: «لا بأس بشقّ الجيوب، قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون».

2. و لا يشقُّ الوالد على ولده، و لا زوج على امرأته.

3. و تشقُّ المرأة على زوجها.

4. و إذا شقّ زوج على امرأته، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتى يكفّرا، أو يتوبا من ذلك.

5. فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جزّ الشعر عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.

6. و في الخدش إذا دميت و في النتف كفّارة حنث يمين. «2»

و

يدلّ على ما ذكره المصنّف ما في الفقرة الرابعة و السادسة و حاصله: انّ في الجميع كفّارة اليمين إلّا الجزّ ففيه كفّارة شهر رمضان.

______________________________

(1) السرائر: 3/ 78، كتاب الايمان.

(2) الوسائل: الجزء 15، الباب 31 من أبواب الكفّارات، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 262

[و منها: ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه و بين غيره]

و منها: ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه و بين غيره و هي كفّارة الإفطار في شهر رمضان و كفّارة الاعتكاف و كفّارة النذر و العهد و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى و كفّارة حلق الرأس في الإحرام و هي دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو التصدّق على ستّة مساكين لكلّ واحد مدّان. (1)

______________________________

(1) القسم الثالث: ما يجب فيه الصوم مخيّراً

و هو خمسة مواضع:

الأوّل: كفّارة الإفطار في شهر رمضان

قد مضى الكلام فيه في الفصل السادس، المسألة الأُولى فراجع.

الثاني: كفّارة فساد الاعتكاف بالجماع

قال المصنّف في كتاب الاعتكاف: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة، و كفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى، و إن كان الأحوط كونها مرتبة ككفّارة الظهار». «1»

و قد ذكروا انّه تحرم على المعتكف مباشرة النساء جماعاً و لمساً و تقبيلًا بشهوة في الأخيرين استناداً إلى قوله تعالى: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) «2»، و ربما خصُّوا التحريم بالجماع دونهما، و الظاهر عدم الخلاف في فسادِ الاعتكاف بالجماع، و هل هذه الكفّارة مخيّرة أو مرتبة؟ ظاهر كلام ابن بابويه انّها مرتبة، لأنّه جعلها

______________________________

(1) العروة الوثقى: فصل في أحكام الاعتكاف، المسألة 9.

(2) البقرة: 184.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 263

..........

______________________________

كالظهار. و قال الشيخان و السيد المرتضى و أتباعهم

انّها كفّارة إفطار نهار رمضان و نقل الشيخ في المبسوط خلافاً بين علمائنا في التخيير و الترتيب.

احتجّ ابن بابويه بحديث زرارة، و احتج الشيخان برواية سماعة، و الأُولى أصحّ طريقاً، و الثانية أوضح عند الأصحاب. «1»

أقول: يدلّ على القول الأوّل روايتان:

1. روى الصدوق باسناده، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السَّلام عن المعتكف يجامع أهله؟ قال: «إذا فعل فعليه ما على المظاهر». و رواه الكليني و الشيخ عن ابن محبوب. «2»

2. روى الكليني بسند صحيح عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها؟ فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فانّ عليها ما على المظاهر». 3

و يدل على القول الثاني روايتان:

3. روى الصدوق عن عبد اللّه بن المغيرة، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السَّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان». و رواه الكليني و الشيخ أيضاً. 4

4. و روى أيضاً عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سألته عن معتكف واقع

______________________________

(1) المختلف: 3/ 595.

(2) 2 و 3 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1، 6 و 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 264

..........

______________________________

أهله؟ قال: «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً. عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً». «1»

إنّ قول العلّامة: الأُولى أصحّ

طريقاً، و الثانية أوضح عند الأصحاب، يبعثنا إلى دراسة سند الروايات فنقول:

أمّا سند الصدوق إلى الحسن بن محبوب، ففي طريقه إليه محمد بن موسى المتوكل الذي ذكره الطوسي في من لم يرو عنهم عليهم السَّلام، و روى عن عبد اللّه بن جعفر و أكثر الصدوق الروايةَ عنه و ذكره في طرقه إلى الكتب في 48 مورداً و ادّعى ابن طاوس الاتفاق على وثاقته، فالرواية صالحة للاحتجاج خصوصاً إذا ضُمّت إلى صحيحة أبي ولّاد.

هذا حال الطائفة الأُولى و أمّا الطائفة الثانية، أمّا الرواية الأُولى، فقد رواها الصدوق عن عبد اللّه بن المغيرة و سنده إليه صحيح في الفقيه؛ و أمّا الرواية الثانية، فقد رواها الشيخ عن علي بن الحسن بن فضال، ففي طريقه إليه في التهذيب علي بن محمد بن الزبير الذي قال في حقّه النجاشي: «كان علوّاً في الوقت» و فسره السيد الداماد بأنّه كان في غاية الفضل و العلم و الوثاقة و الجلالة في وقته. و فسره صاحب قاموس الرجال بأنّ سنده كان سنداً عالياً، حيث روى عن علي بن الحسن بن فضال الذي هو شيخ العياشي فلا دلالة على وثاقته و له أكثر من 67 رواية، و الذي يسهّل الخطب هو احتمال وحدة الروايتين لبعد سؤال سماعة عن مسألة واحدة مرّتين.

و الطائفتان صالحتان للاحتجاج و إن كانت الطائفة الأُولى أصحّ سنداً، فهل المورد من موارد الجمع الدلاليّ؟ أو من موارد الرجوع إلى المرجّحات؟ ربما يحتمل الأوّل، فتارة يحمل ما دلّ على رعاية الترتيب على الاستحباب، و أُخرى بمنع صراحة

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 265

..........

______________________________

رواية سماعة في التخيير بل

هي ظاهرة فيه، فترفع اليد عن الظهور بما ورد في الصحيحتين صريحاً من أنّ كفّارته كفّارة الظهار.

و لا يخفى بُعد الجمعين خصوصاً الثاني، لأنّ الغاية من التمثيل، هو إفهام ذات الكفّارة و وصفها، و لا معنى لأن تكون الطائفة الثانية أوضح من الأُولى.

و الظاهر انّ المرجع هو الرجوع إلى المرجّحات و هي في المقام جهة الصدور؛ فانّ الأُولى، أكثر موافقة للعامة.

قال ابن قدامة: و اختلف موجبو الكفّارة فيها، فقال القاضي: يجب كفّارة الظهار. و هو قول الحسن و الزهري و ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل، فانّه روى عن الزهري أنّه قال: من أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المظاهر؛ و حكى عن أبي بكر (الخلال) انّ عليه كفّارة يمين، و لم أرَ ذلك عن أبي بكر في كتاب «الشافي» فلعلّ أبا بكر إنّما أوجب عليه كفّارة في موضع تضمَّن الإفساد، الإخلالَ بالنذر فوجبت لمخالفة نذره و هي كفّارة يمين. «1»

و هذا يعرب عن وجود قول واحد فيهم، و هو كون كفّارته، كفّارة الظهار، فالقول بالتخيير أقوى و الترتيب أحوط.

الثالث: كفّارة حنث النذر

تقدّم الكلام فيه في الفصل السادس المسألة الأُولى، قال المصنّف: الثالث: صوم النذر المعيّن و كفّارته، كفّارة إفطار شهر رمضان، و قد مرّ أنّ الحقّ، انّ كفّارته، كفّارة يمين فلاحظ.

______________________________

(1) المغني: 3/ 178، كتاب الاعتكاف.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 266

..........

______________________________

الرابع: كفّارة حنث العهد

يجب في حنث العهد، الخصال الثلاث تخييراً.

قال ابن زهرة: و أمّا صوم النذر و العهد فعلى حسبهما إلى أن قال: فإن أفطر فيما تعيّن و لا مِثْلَ له مختاراً، فعليه ما على المفطر في يوم من رمضان من القضاء و الكفّارة. «1»

قال يحيى بن سعيد: فإن قال: عليّ عهد

اللّه أو ميثاقه أو عاهدت اللّه ان أفعل كذا من طاعة أو ترك قبيح أو مكروه، كان نذراً، فإن أخلّ بما نذره عمداً مع تمكّنه منه فإن كان له وقت معيّن فخرج، فعليه مثل كفّارة إفطار شهر رمضان. «2»

و قال المحقّق: و المخيرة: كفّارة من أفطر في يوم من شهر رمضان إلى أن قال: و كذا كفّارة الحنث في العهد.

و قال في الجواهر بعد قول المحقّق: سواء كان متعلّقه الصوم أو غيره على المشهور. «3»

و يدل عليه: ما رواه الشيخ، عن محمد بن أحمد بن يحيى (صاحب نوادر الحكمة)، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السَّلام، قال: سألته عن رجل عاهد اللّه في غير معصية، ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: «يعتق رقبة أو يتصدّق، بصدقة، أو يصوم شهرين متتابعين». «4» و قريب منه خبر أبي بصير. 5

و في السند «محمد بن أحمد الكوكبي، أو العلوي» و لم يرو في حقّه توثيق، و له روايتان في التهذيب، إلّا أنّه من رجال نوادر الحكمة، و ممّن لم يستثنه ابن الوليد أُستاذ

______________________________

(1) الغنية: 2/ 143142 كتاب الصيام.

(2) الجامع للشرائع: 423.

(3) الجواهر: 33/ 174.

(4) 4 و 5 الوسائل: الجزء 15، الباب 24 من أبواب الكفّارات، الحديث 1، 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

الصدوق.

و أما العمركي، فهو العمركي بن علي، قال النجاشي: أبو محمد البوفكي، شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عنه شيوخ أصحابنا. و لعلّه أيضاً يورث وثاقة الكوكبي، لأنّه الناقل عنه، فإذاً الرواية تصلح للاحتجاج.

و أمّا الثاني، ففي سنده حفص بن عمر بيّاع السابري، له رواية في التهذيب، و في الاستبصار:

حفص بن عمر، فهو خبر غير صالح للاحتجاج.

و يدل على المطلوب صحيح أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه السَّلام في رجل عاهد اللّه عند الحجر أن لا يقرب محرّماً أبداً فلمّا رجع، عاد إلى المحرّم؟ فقال أبو جعفر عليه السَّلام: «يعتق، أو يصوم، أو يتصدّق على ستين مسكيناً، و ما ترك من الأمر أعظم، و يستغفر اللّه و يتوب إليه».

و المجموع من حيث المجموع صالح للإفتاء بما ذكر، و على المختار في كفّارة النذر، تختلف كفّارته عن العهد.

الخامس: كفّارة جزّ المرأة شعرها

قال المحقّق: و في جزّ المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، و قيل: مثل كفّارة الظهار. و الأوّل مروي، و قيل تأثم و لا كفّارة، استضعافاً للرواية و تمسّكاً بالأصل. «1»

و قال يحيى بن سعيد: و في جزّ المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً. «2»

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 3/ 68.

(2) الجامع للشرائع: 418.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

و قال ابن إدريس: و لا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب، و لا تخدشه و لا تجزَّ شعرها فإن جزّته فانّ عليها كفّارة قتل الخطأ، و قد قدمنا شرحها على ما رواه أصحابنا، «1» و إلى هذا القول أشار المحقّق بقوله: «و قيل مثل كفّارة الظهار».

و الدليل عليه هو رواية خالد بن سدير، و قد عرفت حالها.

السادس: كفّارة حلق الرأس

يجب في حلق الرأس في الإحرام: دم شاة، أو صيام ثلاثة أيّام، أو التصدّق على ستة مساكين لكلّ واحد مدّان.

و الأصل في ذلك قوله سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ

أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ). «2»

المعنى أي لا تحلوا من الإحرام حتى يبلغ الهدي محله، و ينحر أو يذبح، فمن مرض منكم مرضاً يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة، أو أمر آخر أُبيح له الحلق بشرط الفدية. و الفدية في الآية عبارة عن أحد أُمور ثلاثة:

1. الصيام.

2. الصدقة.

3. النُّسك.

و قد حدّد الصيام في رواية أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام بثلاثة أيّام، و الصدقة على ستة

______________________________

(1) السرائر: 3/ 78.

(2) البقرة: 196.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 269

[و منها: ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه و بين غيره]

و منها: ما يجب فيه الصوم مرتّباً على غيره مخيّراً بينه و بين غيره و هي كفّارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه فإنّها بدنة أو بقرة و مع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام. (1)

______________________________

مساكين لكلّ مسكين مدّان، كما فسر النُّسك بالشاة، و هو مخيّر فيها.

ففي صحيحة حريز، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: مرّ رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم على كعب بن عجرة الأنصاري و القُمّل يتناثر من رأسه، و هو محرم فقال: «أ تؤذيك هوامك؟» فقال: نعم، فنزلت الآية، فأمره رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيّام و الصدقة على ستة مساكين لكلّ مسكين مدّان، و النسك (الوارد في الآية) شاة.

و قال أبو عبد الله عليه السَّلام: «و كلّ شي ء في القرآن فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ...». «1»

(1) القسم الرابع: ما فيه الترتيب ثمّ التخيير

و هذا القسم ما يجب فيه الصوم لكن مرتّباً على غيره، فإذا

وصلت النوبة إليه، يتخيّر بينه و بين غيره؛ و هذا كما إذا وطأ الإنسان أمته التي أحرمت بإذنه، فكفّارته بدنة، أو بقرة، و مع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام. و التفصيل في محلّه.

و لا يخفى انّ المصنّف طرح هذه الأقسام الأربعة على بساط البحث لمناسبة خاصة، و هي انّ الصوم لأجل الكفّارة على أقسام، و لكن اللائق هو عقد كتاب خاص باسم الكفّارات و طرحها فيها كما فعل المحقّق و غيره.

فإنّ هذه البحوث الجانبية لا تسمن و لا تغني من جوع، و الإسهاب فيها يوجب الخروج عن موضوع البحث، و الأولى طرح كلّ مسألة في بابها الخاص بها.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 9، الباب 14 من أبواب بقيّة كفّارات الإحرام، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 270

[مسائل في صوم الكفارة]
[المسألة 1: يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير]

المسألة 1: يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير و يكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني، و كذا يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات و إن كان في وجوبه فيها تأمّل و إشكال. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع أربعة:

1. وجوب التتابع في صوم شهرين من غير فرق بين كفّارة الترتيب (كالظهار)، أو التخيير ككفّارة الإفطار في شهر رمضان، أو كفّارة الجمع كالقتل العمدي.

2. يتحقق التتابع، بصيام شهر، و يوم من شهر آخر.

3. هل يجب التتابع في الثمانية عشر إذا كانت بدل صيام شهرين.

4. هل يجب التتابع في سائر الكفّارات، ككفّارة اليمين أو كفّارة النذر و الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الظهر.

و إليك الكلام فيها واحداً بعد آخر:

1. وجوب التتابع في صوم شهرين

إذا وجب صيام شهرين، يجب فيه

التتابع فكأنّ هناك ملازمة بين التتابع و وجوب شهرين.

قال الشيخ: قال به جميع الفقهاء إلّا ابن أبي ليلى فقال: إن شاء تابع و إن شاء فرق. «1» سواء كانت مرتبة ككفّارة الظهار لقوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا) «2» و كفّارة القتل خطأ لقوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ) «3»، أو مخيّرة كما في الإفطار في شهر رمضان، و قد

______________________________

(1) الخلاف: 2، كتاب الصوم، 188، برقم 351.

(2) المجادلة: 4.

(3) النساء: 92.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 271

..........

______________________________

مرّ الكلام فيها في المسألة الأُولى من الفصل السادس، أو كفّارة الجمع كما في القتل العمدي حيث جاء في صحيحة ابن سنان: أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين. «1»

2. ما هو المحقّق للتتابع؟

ظاهر النصوص، وجوب التتابع في مجموع الشهرين، غير انّ الدليل الحاكم على هذا الظاهر، هو كفاية صيام شهر و يوم من شهر آخر، و هو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظهار و كفّارة القتل فقال: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، و التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه» «2» و الحديث من أظهر مصاديق الحكومة.

نعم يقع الكلام في جواز الإفطار بعد صيام شهر و يوم، عمداً و عدمه و إن كان يكفي وضعاً قال العلّامة: و هل يكون مأثوماً؟ قولان:

قال ابن الجنيد: لا يكون مأثوماً، و هو ظاهر كلام ابن أبي عقيل و ظاهر كلام الشيخ.

و قال المفيد: يكون مخطئاً، و كذا قال السيد المرتضى، و هو يشعر بالإثم، و صرّح أبو الصلاح و

ابن إدريس بالإثم. و الأقرب الأوّل. «3»

و وجهه واضح لأنّ الواجب هو التتابع، فأمّا أن يحصل بما ذكر فقد أتى بالمأمور

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 19، الباب 9 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9، و لاحظ حديث سماعة بن مهران، برقم 5.

(3) المختلف: 3/ 561.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

به فلا معنى للعقاب معه، و إن لم يحصل، لا يجوز له البناء على ما سبق و هو خلاف الصحيح. و يأتي الكلام فيه في المسألة السابعة فانتظر.

3. وجوب التتابع في الثمانية عشر و عدمه

تحقيق المقام: انّ الكلام في لزوم التتابع في صوم ثمانية عشر يوماً، إنّما هو فيما إذا كان المبدَل عنه هو صيام شهرين كما يُعرب عنه قول المصنّف: «يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين» فخرج ما يجب فيه صوم ثمانية عشر يوماً، لكن لا عوضاً عن الصوم فضلًا عن صيام شهرين بل عوضاً من إطعام ستين مسكيناً كما في كفّارة صيد النعامة إذ ليس في كفّارته أيّ أثر من الصيام فضلًا عن الشهرين فانّ الواجب فيه حسب الترتيب: هو البدنة، فإطعام ستين مسكيناً، فصوم ثمانية عشر يوماً، فيختص الكلام بالموارد التي جاء فيها، صوم الشهرين في جانب المبدَل، و ليس هو إلّا الموارد التالية:

1. كفّارة الظهار، فيجب بالترتيب: العتق، فصيام شهرين، فإطعام ستين مسكيناً.

2. كفّارة الإفطار في شهر رمضان، فتجب الخصال الثلاثة بالتخيير.

3. كفّارة الجمع في القتل عمداً، فتجب فيه وراء الدية الخصال الثلاث جميعاً.

4. كفّارة القتل خطأ، فيجب فيه أمران بالترتيب: العتق، فصيام شهرين، الآية المباركة.

فلو قلنا بوجوب صوم ثمانية عشر يوماً في هذه الموارد عند العجز

عن المبدَل، فليست هي بدلًا عن صوم شهرين إلّا في الأخير دون الثلاثة الأُولى، إذ هي في الأُولى

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

بدل عن الأخير و هو إطعام ستين مسكيناً، و في الثاني و الثالث، بدل عن الجامع بين الخصال الثلاث، سواء وجبت تخييراً أو جمعاً.

فلم يبق مورد لكون الثمانية عشر بدلًا عن الشهرين إلّا المورد الأخير حيث إنّ الواجب فيه ثُنائي: العتق و الصيام، لا ثلاثي كما في الموارد الثلاثة الأُوَل فلو وجب شي ء كالثمانية عشر، يكون بدلًا عن الأخير و هو الصيام فيه، لا عن الإطعام كما في الظهار و لا عن الجامع كما في الثاني و الثالث.

هذا كلّه حول الثبوت.

و أمّا في مقام الإثبات، فقد ورد وجوب صوم ثمانية عشر يوماً في موردين:

الأُولى: في صيد النعامة في المرتبة الثالثة و قد مرّ انّه خارج عن محط البحث، إذ ليس المبدّل فيه الصوم فضلًا عن الشهرين.

الثاني: كفّارة الظهار عند العجز عن الخصال الثلاث، و ذلك لأنّها مروية عن أبي بصير بطريقين أحدهما صريح في الظهار و الآخر ظاهر فيه، و ذلك كالتالي.

1. صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق، و لا ما يتصدق و لا يقوى على الصيام؟ قال: «يصوم ثمانية عشر يوماً لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» «1» و هي صريحة في الظهار لقول الراوي: «ظاهر من امرأته» و لا يضرّ تقديم التصدّق على الصيام في سؤال الراوي حيث إنّ الأمر في الظهار على العكس، و ذلك لأنّه وقع في كلام السائل دون الإمام.

2. معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سألته عن

رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام، و لم يقدر على العتق، و لم يقدر على الصدقة؟

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب كتاب الإيلاء و الكفّارات، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

قال: «فليصم ثمانية عشر يوماً في كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام». «1»

و الظاهر وحدة الروايتين، و انّ الثانية أيضاً واردة في الظهار، و ذلك لأجل توزيع صيام 18 يوماً على ستين مسكيناً، لأنّه ظاهر في كونها بدل الستين مسكيناً الذي هو الواجب بعد العجز عن العتق و الصيام، في الظهار.

و ورود العجز عن العتق بعد العجز عن الصيام مع أنّه في الظهار على العكس لا يضرّ لوروده في كلام السائل، على أنّ الشيخ نقله في التهذيب بلا هذه الزيادة، كما صرّح به المعلّق على الوسائل.

فتلخّص من ذلك أنّ صوم الثمانية عشر ورد في الظهار فقط لا غير. و لذلك ذهبنا في كفّارة إفطار شهر رمضان بعد العجز عن الخصال الثلاث إلى كفّارة أُخرى كما تقدّم في محله. «2»

التتابع في مورد الثمانية عشر خلاف الإطلاق

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ صيام الثمانية عشر بدلًا عن الشهرين على وجه التسامح الذي عرفته ورد مطلقاً من دون تقييد بالتتابع فالقول به على خلاف الإطلاق، و ما في الجواهر من أنّه بدل عن صوم يعتبر فيه التتابع «3»، غير تام لما عرفت من أنّه ليس بدلًا عن خصوص صوم شهرين متتابعين، بل عن الإطعام في الظهار الذي ورد فيه النص، و عن الجامع في غيره.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(2) لاحظ الجزء الأوّل من كتاب الصوم.

(3) الجواهر: 16/ 312.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 275

..........

______________________________

ثمّ إنّ السيد المحقّق الخوئي أفتى بوجوب التتابع في الثمانية عشر يوماً فيما إذا كانت بدلًا عن الصيام عن الشهرين كما في موردين تاليين:

الأوّل كفّارة الظهار لدى العجز عن العتق، و عن الإطعام و انتهاء النوبة بمقتضى الترتيب إلى الصيام.

و الآخر: كفّارة الجمع في قتل العمد. «1»

أقول: أمّا الأوّل فالظاهر انّه سهو منه قدَّس سرَّه، لأنّ كفّارته هو العتق فالصيام فالإطعام، فالصيام متقدّم على الطعام و عندئذ يكون الثمانية عشر بدلًا عن الإطعام، لا عن صيام شهرين حتى يحكم على البدل، بحكم المبدل.

قال سبحانه: (وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً). «2»

أضف إلى ذلك انّه صريح صحيحة أبي بصير، قال: «يصوم ثمانية عشر يوماً، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيام». «3»

و أمّا الثاني فلم نعثر على ما يدلّ على وجوب ثمانية عشر يوماً عند العجز عن الثلاثة في كفّارة القتل عمداً «4» إلّا على روايتي أبي بصير، و قد عرفت حالهما و اختصاصهما بالظهار. و على فرض العموم فصيام ثمانية عشر بدل عن الجامع بين الخصال الثلاث لا عن صيام ستين يوماً، فلا يدلّ على وجوب التتابع.

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 253.

(2) المجادلة: 43.

(3) الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب الإيلاء و الكفّارات، الحديث 1.

(4) راجع الوسائل: الجزء 19، الباب 9 من أبواب قصاص النفس.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 276

..........

______________________________

نعم ذهب المفيد إلى التتابع و قال: فمن لم يجد العتق و لا الإطعام، و لم يقدر على صيام الشهرين على التمام، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات لكلّ عشرة مساكين

ثلاثة أيام، فإن لم يقدر على ذلك فليتصدق بما أطاق أو فليصم ما استطاع، و بذلك جاءت الآثار عن آل محمّد صلوات اللّه عليهم. «1»

فلو كان قوله «و بذلك جاءت الآثار» راجعاً إلى جميع ما ذكر، فقد حكى رواية مرسلة، و لكن الظاهر انّه يرجع إلى المجموع لا إلى كلّ جزء أفتى به و لعلّه استنبط التتابع من أنّه بدل صوم يعتبر فيه التتابع كما مرّ.

4. هل يجب التتابع في سائر الكفّارات؟

الظاهر من المحقّق وجوب التتابع في عامّة الكفّارات، إلّا موارد أربعة قال: و كلّ صوم، يلزم فيه التتابع إلّا أربعة: صوم النذر المجرّد عن التتابع، و ما في معناه من يمين أو عهد، وصوم القضاء، وصوم جزاء الصيد، و السبعة بدل الهدي. «2»

و علّله في الجواهر بوجوه:

1. دعوى انصراف التتابع من الإطلاق المزبور و لو بقرينة الفتوى.

2. و كونه كفّارة و الغالب فيها التتابع.

3. ما ورد من تعليل التتابع في الشهرين: كي لا يهون عليه الأداء فيستخفَّ و إذا قضاها متفرقاً هان به و استخف بالأيمان. «3»

يلاحظ على الأوّل بمنع الانصراف، إذ يصحّ لمن يصوم في شهر رمضان عشرة

______________________________

(1) المقنعة: 346345.

(2) الشرائع: 1/ 152.

(3) الجواهر: 17/ 67.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

أيّام متفرّقة أن يقول: صُمتُ في هذا الشهر عشرة أيّام، فلو تبادر في مورد فإنّما هو من القرائن، كثلاثة الحيض و ثلاثة الاعتكاف، و عشرة الإقامة، فالتوالي فيها مفهوم من القرائن، لقولهم أقل الحيض ثلاثة و أكثره عشرة، و بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد بلا عذر، و لكون الإقامة قاطعة للسفر، و معنى ذلك كون العشرة متوالية.

و أمّا الثاني فيُشبه القياس.

و أمّا الثالث فقد جاء في رواية الفضل بن

شاذان، عن الرضا عليه السَّلام قال: «و إنّما جعلت متتابعين لئلّا يهون عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه متفرقاً هان عليه القضاء و استخف بالإيمان». «1» لكنّ الظاهر انّها من قبيل الحِكَم لا العلل، و لذلك يجب التتابع، حتى على من لا يهون عليه الأداء متفرقاً.

و الحاصل: انّه لم يقم دليل على الضابطة التي ادّعاها المحقق، فعلى الفقيه دراسة كلّ مورد برأسه.

قد ثبت لحدّ الآن وجوب التتابع في الشهرين في الموارد الأربعة: الظهار، و القتل خطأ، و القتل عمداً، و كفّارة إفطار شهر رمضان كما ثبت في الموردين التاليين:

1. وجوب التتابع في كفّارة اليمين

دلّت الرواية الصحيحة على وجوب التتابع في كفّارة اليمين، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث قال: «صيام ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين متتابعات و لا يفصل بينهن». «2»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 2 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 278

..........

______________________________

و في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «كلّ صوم يفرق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين». «1»

و الحديث ضابطة كلية يؤخذ بها إلّا إذا ورد التخصيص.

إلى غير ذلك ممّا يدلّ على لزوم التتابع في كفّارة اليمين.

2. وجوب التتابع في كفّارة الدم

تضافرت الروايات على وجوب التتابع في كفّارة الدم و هي: (فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ) «2». و ما يدلّ على وجوب المتابعة؛ و هي بين ضعيفة كرواية الحسين بن زيد، «3» و علي بن جعفر 4 عن أخيه بالسند الذي فيه محمد ابن

أحمد العلوي؛ و صحيحة، و هو ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر 5 مباشرة، و بلا واسطة، و يخالفه خبر إسحاق بن عمّار 6 الذي رواه عنه محمد بن أسلم الضعيف، قال النجاشي: إنّه كان غالياً، فاسد المذهب، روى عن الرضا عليه السَّلام، و الترجيح لصحيح علي بن جعفر المروي عن كتابه مباشرة كما عرفت.

3. عدم وجوب التتابع في الثمانية عشر في كفّارة الصيد

قد عرفت أنّ صوم الثمانية عشر يوماً ورد في موردين: أحدهما الظهار و قد مضى عدم وجوب التتابع فيه.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(2) البقرة: 196.

(3) 3 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 2، 5.

(4) 5 و 6 الوسائل: الجزء 10، الباب 55 من أبواب الذبح، الحديث 2، 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 279

..........

______________________________

و ثانيهما في صيد النعامة الذي يجب فيه البدنة و إن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، و إن لم يستطع فصيام ثمانية عشر يوماً.

روى علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السَّلام قال: سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال: «عليه بدنة، فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكيناً، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوماً». «1» و ليس فيه و لا في سائر الروايات الواردة ما يدلّ على التتابع.

فقد ظهر من هذا البحث أُمور:

1. كلّما وجب صوم شهرين كفّارة فهما متتابعان بلا استثناء، و قد عرفت مواردهما الأربعة: الظهار، الإفطار في شهر رمضان، القتل خطأ، القتل عمداً، و أمّا الإفطار بالمحرم عمداً، فلا تجب فيه كفّارة الجمع لكن حكمه حكم الإفطار بالمحلّل،

فيجب فيها أيضاً التتابع و ليس بقسم خاص.

2. إنّما يجب صوم الثمانية عشر بدلًا عن الصوم (خرج وجوبها في صيد النعامة) في خصوص الظهار دون غيره من الثلاثة الباقية.

3. لا دليل على وجوب التتابع فيه بل هو خلاف إطلاق الدليل، كما أنّه لا دليل على وجوبه في مورد صيد النعامة عند العجز عن إطعام ستين مسكيناً، فالواجب صوم الثمانية عشر، من دون تقييد بالتتابع، نعم هو خارج عن موضوع البحث.

4. لا يجب التتابع في سائر الكفّارات إلّا كفّارة اليمين و بدل الدم كما عرفت.

و بذلك يظهر الإشكال في كلام المصنف من جهات، فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 10، الباب 1 من أبواب كفّارات الصيد، الحديث 6، و لاحظ روايات الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 280

[المسألة 2: إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع]

المسألة 2: إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع، إلّا مع الانصراف، أو اشتراط التتابع فيه. (1)

______________________________

(1) المشهور انّ النذر المجرّد عن التتابع و ما في معناه من يمين و عهد، لا يجب فيه التتابع، و قد نقل الشهيد في الدروس «1» عن ظاهر الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق.

قال العلّامة في المختلف: من نذر صوم شهر و أطلق تخيّر فيه أيّ شهر شاء، قال أبو الصلاح: فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله «2» و إلزام الإكمال، آية وجوب التتابع في النذر.

و الظاهر عدم وجوبه، لأنّ لزوم التتابع أو لزوم التفريق أو عدمهما تابع لكيفية النذر، فإن أطلق كان له الخيار و حتى لو كان منصرف كلامه هو التتابع لم يجب عليه، لأنّ العبرة بقصده لا بما يتبادر من ظاهر كلامه عند المخاطب، و المفروض انّه لم يقصد.

و أمّا الاستدلال عليه بقوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ). «3» فغير تام، لأنّ المراد هو إبطال الأعمال بعد الفراغ عنها بالإحباط، و يدلّ عليه سياق الآيات المتقدمة عليها، أعني: (وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدىٰ لَنْ يَضُرُّوا اللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمٰالَهُمْ).

و لا يدلّ على حرمة الإبطال في الأثناء بغير الإحباط مضافاً إلى أنّه من قبيل التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقية، لأنّ كون الإفطار في أثناء الشهر مبطلًا لما سبق أوّل الكلام. بل من قبيل عدم الاستمرار فيه.

______________________________

(1) الدروس: 1/ 295.

(2) المختلف: 3/ 565.

(3) محمّد: 33.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 281

[المسألة 3: إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع]

المسألة 3: إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع، فالأحوط في قضائه التتابع أيضاً. (1)

______________________________

نعم روى موسى بن بكر، عن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثمّ عرض له أمر؟ فقال: «إن كان صام خمسة عشر يوماً، فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقل من خمسة عشر يوماً لم يجزه حتى يصوم شهراً تامّاً». «1» فهو محمول على ما إذا كان اشترط فيه التتابع، و سيأتي الكلام فيه في المسألة السابعة فانتظر.

و أمّا موسى بن بكر فيكفي في وثاقته، رواية الثقات عنه، نظير: ابن أبي عمير و صفوان و البزنطي، و أمّا توثيقه من خلال وروده في اسناد تفسير علي بن إبراهيم، فغير تام، لما حققنا حال ذلك التفسير في كتابنا «كلّيات في علم الرجال» فلاحظ.

(1) كان الكلام في المسألة السابقة في حكم الأداء و الكلام هنا في حكم قضاء النذر المشروط فيه التتابع، فهل يجب في قضائه ما يجب في أدائه؟

و قد استقرب الشهيد في «الدروس» وجوب التتابع في قضاء النذر المشروط فيه التتابع. «2»

و تردّد العلّامة في «القواعد» من أجل انّ القضاء هو الأداء بعينه عدا تغاير الوقت، فيتحدان في جميع الخصوصيات التي منها التتابع، و من أنّ القضاء بأمر جديد و لا دليل على اعتبار التتابع فيه. «3»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1. و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب، عن موسى بن بكر، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام، و قد سقط الفضيل عن قلمه لوجوده في الكافي، ثمّ رواه أيضاً بسند آخر عن موسى بن بكر، عن الفضيل، عن الباقر عليه السَّلام. ثمّ إنّ المراد من قوله: «أن يقضي» أي يأتي بما بقي، لا القضاء المصطلح.

(2) الدروس: 1/ 296.

(3) القواعد: 69.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 282

[المسألة 4: من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له]

المسألة 4: من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له بتخلّل العيد أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدئ بشعبان بل يجب أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب، و كذا لا يجوز أن يقتصر على شوّال مع يوم من ذي القعدة أو على ذي الحجّة مع يوم من المحرّم لنقصان الشهرين بالعيدين.

نعم لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق، فلا بأس على الأصحّ، و إن كان الأحوط عدم الإجزاء.

و يستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد و هو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية فإنّه يصحّ

و إن تخلّل بينها العيد فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى، و أمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع و التروية و تركه في عرفة لم يصحّ و وجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع. (1)

______________________________

و ربما يقال انّ القضاء عندنا بأمر جديد فلا دليل على لزوم التتابع، و أمّا قوله: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» أو قوله: «يقضي ما فاته كما فاته» «1» المتيقّن منه هو المماثلة في القصر و الإتمام، و الجهر و الإخفات لا غيرهما.

يلاحظ عليه: أنّ القضاء و إن كان بأمر جديد و قد سقط الأمر الأوّل، لكنّه يدلّ وضع ما وجب أوّلًا على ذمّة المكلّف و المفروض انّ ما وجب أوّلًا، هو الصوم المتتابع، فلا تصل النوبة إلى أصل البراءة من التتابع.

(1) إذا شرع في الصوم الذي يشترط فيه التتابع في زمان يعلم أنّه لا يسلم له إمّا

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب قضاء الصلاة، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

بتخلّل واجب آخر، أو حلول أحد العيدين فلا يجزي لعدم التمكن من المأمور به، بل يوصف بالبدعة و الحرمة، لأنّ المأتي به ليس بمأمور به و ما أمر به ليس ممكناً.

و أشار المصنّف إلى الصور التي لا يتمكّن فيه الصائم من التتابع، و هي:

1. أن يبتدئ بشعبان فيدخل زمان واجب آخر كصوم رمضان قبل إنهاء ما يتحقّق به التتابع، أعني: صيام واحد و ثلاثين.

2. أن يبتدئ في زمان يعلم بأنّه يتخلّل صوم آخر من نذر أو إجارة قبل إنهاء واحد و ثلاثين يوماً.

3. إذا اقتصر على شوال مع يوم من ذي

القعدة لنقصان الشهر الأوّل بعيد الفطر.

4. إذا اقتصر على ذي الحجة مع يوم من محرم لنقصان الشهر الأوّل بعيد الأضحى.

5. هذا إذا كان عالماً بعدم السلامة، و أمّا إذا جهل لغفلة أو خطأ في الاعتقاد فلا يضرّ لكونه داخلًا فيما «غلب اللّه عليه، و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ عليه شي ء». «1» و القدر المتيقن هو صورة الغفلة أو الاعتقاد بالخلاف و لا يعمَّ صورة الشكّ.

نعم استثنى المصنّف من عدم الجواز مورداً واحداً و هو:

أعني: إذا شرع بصوم بدل الهدي يوم التروية أي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة فصامه و يوم عرفة و تخلل العيد، فيجوز له أن يصوم بدلًا بعده بلا فصل أو بعد أيام التشريق.

و قد استثنى هذه الصورة دون الصور الأُخرى لتضافر الروايات على سقوط شرطية التتابع في هذه الصورة فقط. «2» كما إذا صام عرفة، و تخلّل العيد، فلا يجزي و إن

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقيّة الصوم الواجب، الحديث 12.

(2) الوسائل: الجزء 10، الباب 52 من أبواب الذبح، الحديث 1، 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 284

[المسألة 5: كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختياراً يجب استئنافه]

المسألة 5: كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختياراً يجب استئنافه، و كذا إذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم واجب آخر من نذر و نحوه، و أمّا ما لم يشترط فيه التتابع و إن وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه و إن أثم بالإفطار، كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان فإنّه لو خالف و أتى به متفرّقاً صحّ و إن عصى من جهة خلف النذر. (1)

______________________________

صام بعده يومين أو صام السابع و

الثامن و ترك يوم عرفة فلا يجزي و إن صام بعد العيد بل وجب الاستئناف كسائر موارد التتابع.

و قد استثني مورد آخر أيضاً، و هو القاتل في أشهر الحج، فانّه يصوم الشهرين منها و إن تخلّل العيد قبل إنهاء واحد و ثلاثين يوماً. «1» و تمام الكلام في حكم الموردين موكول إلى محلّه.

(1) قد يؤخذ التتابع شرطاً في الواجب من قبل الشارع، و أُخرى من جانب المكلّف، و الأوّل نظير صوم شهرين متتابعين في موارد مختلفة، و الثاني كما إذا نذر أن يقضي صوم شهر رمضان متتابعاً، فلو أخلَّ به بنحو من الأنحاء اختياراً بطل دون الثاني.

وجهه: انّ وصف التتابع في الأوّل شرط الواجب، و الواجب هو الأمر المركب من المقيَّد و القيد فلو أخلَّ به، فقد أخلَّ بالفريضة، و ليس هناك واجبان مستقلان، بحيث لو أخلَّ بالثاني لما أخلَّ بالأوّل، بخلاف الثاني، فانّ فيه أمرين واجبين لكلّ حكمهما، فالأوّل كصوم شهرين متتابعاً، و الثاني ما فرضه المكلّف على نفسه من الإتيان به متتابعاً من باب النذر، و هو لا يقلِّب الموسع مضيقاً، و إنّما يُلزم المكلف على الوفاء بنذره. فلو أخلّ فانّما أخلّ بالواجب الثاني، دون الأوّل بل أتى به على ما هو عليه، و منه يعلم انّه

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب نية الصوم، الحديث 1 و غيره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 285

[المسألة 6: إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار]

المسألة 6: إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار كالمرض و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري دون الاختياري لم يجب استئنافه بل يبني على ما مضى. و من العذر ما إذا نسي النيّة حتّى فات وقتها بأن تذكّر بعد

الزوال، و منه أيضاً ما إذا نسي فنوى صوماً آخر و لم يتذكّر إلّا بعد الزوال، و منه أيضاً ما إذا نذر قبل تعلّق الكفّارة صوم كلّ خميس فانّ تخلّله في أثناء التتابع لا يضرّ به و لا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذّر، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلّق الكفّارة اتّجه الانتقال إلى سائر الخصال. (1)

______________________________

لو نذر إنسان أن يصلي الفريضة في المسجد فصلّى في البيت، فقد امتثل أمر الشارع المتعلّق بالصلاة، و عصى أمره المتعلّق بوفاء النذر.

(1) في المسألة فروع:

1. الإفطار لعذر غير اختياري كالمرض و الحيض و النفاس لا يضرُّ بالتتابع.

2. هل الحكم مختص بالشهرين، أو يعم غيرهما ممّا ثبت فيه التتابع على ما مرّ؟

3. هل السفر الضروري، كالعذر غير الاختياري أو لا؟

4. إذا نسى النية حتى فات محلّها؟

5. إذا نوى صوماً آخر فذكر بعد الزوال.

6. إذا نذر صوم كلّ خميس قبل تعلّق الكفّارة.

7. حكم ما إذا نذر صوم الدهر.

و إليك دراسة الجميع واحداً بعد الآخر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

1. الإفطار لعذر غير اختياريّ

اتّفقت كلمة الأصحاب على أنّ الإفطار لعذر غير اختياريّ، لا يضرُّ بالتتابع، بل يُبنى على ما سبق إمّا مطلقاً، أو في غير الثلاثة.

قال الشيخ: إذا أفطر في خلال الشهرين لمرض يوجب ذلك، لم ينقطع التتابع و جاز له البناء و هو قول الشافعي في القديم و اختاره المزني. و قال في الجديد: ينقطع و يجب الاستئناف. ثمّ احتج بإجماع الفرقة و أخبارهم. «1»

و قال ابن زهرة: و من أفطر في شي ء من الشهرين مضطرّاً بنى على ما صامه و لو كان يوماً واحداً. «2»

و يظهر من العلّامة في «المنتهى» استفاضة كلمة الأصحاب. «3»

و قد دلّت عليه روايات:

1. صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهراً و مرض؟ قال: «يبني عليه، اللّه حبسه»، قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيّام حيضها؟ قال: «تقضيها»، قلت: فانّها قضتها ثمّ يئست من الحيض قال: «لا تُعيدها أجزأها ذلك». «4»

2. صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوماً ثمّ مرض، فإذا برأ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ قال: «بل يبنى على ما كان صام ثمّ قال: هذا ممّا غلب اللّه عليه و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ عليه شي ء». 5 و غيرهما من الروايات التي أشرنا إليها في

______________________________

(1) الخلاف: 4، كتاب الظهار، المسألة 48.

(2) الغنية: 142.

(3) المنتهى: 2/ 62.

(4) 4 و 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 10، 12 و لاحظ رقم 2، 7، 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 287

..........

______________________________

الهامش التي تكشف عن استفاضة الروايات على البناء.

نعم هنا روايات ثلاث ربما تعارضها و هي:

1. صحيح جميل و محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهراً ثمّ يمرض؟ قال: «يستقبل فإن زاد على الشهر الآخر يوماً أو يومين بنى على ما بقي». «1»

و هل يحمل على المرض غير المانع كما عن الشيخ، أو على الاستحباب، أو التقيّة كما عرفت من «الخلاف»، من وجود قولين للشافعي في المرض و من

المعلوم وجود جذر لقوله قبله؟ وجوه، و الظاهر هو الأخير.

و هناك احتمال رابع، و هو العمل بالصحيحة من باب التخصيص لاختصاصها بكفّارة الظهار و عذر المرض فيخصص بها ما دلّ على البناء على ما سبق في مطلق العذر؟ الظاهر، لا، لإعراض المشهور أوّلًا، و هو كاف في سقوطها عن الحجّية، و احتمال ورودها من باب التقية ثانياً، و تعارضها لصحيحة أُخرى لرفاعة الوارد في موردهما عن أبي عبد الله عليه السَّلام: «المظاهر إذا صام ثمّ مرض اعتدّ بصيامه». 2

2. خبر أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظهار و كفّارة القتل (الدم)؟ فقال: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأوّل فإنّ عليه أن يعيد الصيام ...». 3

و فيه مضافاً إلى كونه خبراً، لأنّ الراوي عن أبي بصير هو علي بن أبي حمزة، انّه معرض عنه لا يقاوم ما سبق من الصحاح.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقيّة الصوم الواجب، الحديث 3، 13، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 288

..........

______________________________

3. صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظهار و كفّارة القتل؟ فقال: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين و التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً أو أيّاما منه، فإن عرض له شي ء يفطر منه، أفطر ثمّ يقضي ما بقي عليه ...» «1» فهو محمول على العذر الاختياري، كما إذا سافر و له أن يؤخّر السفر بعد تحقّق التتابع.

2. هل الحكم مختص بالشهرين أو يعم غيرهما؟

هل الحكم يختص بالشهرين، أو يعمّ

غيرهما من الثمانية عشر أو التسعة أو الثلاثة؟ أقوال:

أ: الحكم عام لكلّ صوم فيه التتابع

المشهور هو تعميم الحكم لغيرهما مطلقاً أخذاً بالتعليل الوارد في صحيحة رفاعة «اللّه حبسه»، أو الوارد في صحيحة سليمان بن خالد «هذا ممّا غلب اللّه عليه، و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ عليه شي ء» كما مرّ و كون المورد هو الشهرين، لا يوجب التخصيص لقوّة ظهور التعليل في كون الحكم عاماً يعم المورد و غيره. و بذلك يظهر ضعف الأقوال التالية:

ب: اختصاص الحكم بالشهرين

ربّما يقال باختصاص الحكم بالشهرين، و هو الظاهر من كلام صاحب

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

المدارك. قال في شرح قول المحقّق: «و كلّما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر يبني عند زواله» قال ما هذا نصّه:

بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين و الاستئناف في غيره، أمّا الاستئناف فيما عدا صيام الشهرين، فلأنّ الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فيبقى المكلّف تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال. «1»

يلاحظ عليه: أنّ النسبة بين التعليل و ما دلّ على وجوب التتابع و إن كانت هي العموم من وجه، لكن التعليل مقدّم على الأمر لإبائه عن التخصيص، مثل قوله في مكان آخر: «ما غلب اللّه فاللّه أولى بالعذر» فما عليه المحقّق هو المتعيّن.

ج. استثناء كلّ ثلاثة يجب فيه التتابع

ربّما يقال بخروج كلّ ثلاثة يجب تتابعها ككفّارة اليمين و هو الظاهر من ابن سعيد قال: و إن أفطر في كفّارة اليمين و شبهها استأنف بكلّ حال. «2»

و قال الشهيد الثاني في شرح قول المحقّق:

«و كلّ ما يشترط فيه التتابع، إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله» ما هذا لفظه: «يستثنى من هذه الكلّية ثلاثة مواضع: صوم كفّارة اليمين، و قضاء رمضان، و ثلاثة الاعتكاف فانّ الإفطار في هذه الثلاثة يوجب الاستئناف مطلقاً. «3» و المستثنى في كلامه هو صيام ثلاثة أيام كما هو واضح لمن لاحظ موارده.

و ظهر ضعفه ممّا سبق.

______________________________

(1) المدارك: 6/ 247.

(2) الجامع للشرائع: 160.

(3) المسالك: 2/ 71.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 290

..........

______________________________

د: التفصيل بين بلوغ النصف من الشهر

يظهر من الشيخ في من نذر أن يصوم شهراً متتابعاً فعرض ما يفطر فيه بين بلوغ النصف و عدمه فيبني في الأول و يستأنف في الثاني. «1» استناداً إلى رواية موسى بن بكر. «2» و سيوافيك الكلام فيها في المسألة السابعة.

3. حكم السفر الضروريّ

هل السفر الضروري، كالعذر غير الاختياري؟ و بعبارة أُخرى: هل السفر الضروري من قبيل «ما غلب اللّه»، أو لا؟ الثاني هو خيرة صاحب الحدائق قائلًا بأنّ المراد به ما كان من فعل اللّه تعالى به بحيث يقال: إنّه ليس للعبد في إيقاعه صنع و لا مدخل بالكلية و انّه ممّا فعله اللّه تعالى به من غير اختيار فيه، و السفر و إن كان ضرورياً ليس كذلك. «3» و تبعه النراقي في المستند. «4»

يلاحظ عليه: بأنّ السفر انّ معنى التعليل ليس كون الفعل، فعلًا للّه سبحانه، لا للعبد، كي يقال انّ السفر فعله اضطرارياً كان أو اختيارياً، بل كون العبد مغلوباً في الإرادة و العمل مفروضاً عليه و خارجاً عن اختياره، و على ذلك فالسفر و إن كان أمراً اختيارياً لكن السبب الداعي إليه أمر خارج عنه، و يكفي ذلك، انّه ممّا

غلب اللّه عليه، أو حبسه اللّه، كما إذا اضطرّ إلى السفر، لمرض أصاب والده و هو من صنعه سبحانه فقط.

______________________________

(1) النهاية: 167.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(3) الحدائق: 13/ 342.

(4) مستند الشيعة: 10/ 535.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 291

..........

______________________________

و بذلك يعلم ضعف ما ذكره النراقي في مستنده حيث قال: و هو الأقوى لأنّ الظاهر ممّا حبسه و غلب اللّه عليه ما لم يكن بفعل العبد، و السفر و إن كان ضرورياً فهو بفعله. سلمنا، فغايته تعارض عموم التعليل مع عموم ذيل صحيحة الحلبي «1» و نحوها، فيرجع إلى الأصل و هو هنا عدم سقوط التتابع، لأنّه مأمور به فلا يسقط إلّا مع الإتيان به.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 291

وجه الضعف أنّ السفر و إن كان فعله إلّا أنّ الموجب له أمر خارج عن اختياره، و هو فعله سبحانه و هذا المقدار من الخروج عن الاختيار كاف في صدق انّه حبسه اللّه.

و أمّا ما ذكره أخيراً فهو فرع عدم أظهرية التعليل من إطلاق ذيل صحيح الحلبي، أعني قوله: «و إن صام شهراً ثمّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع أعاد الصوم كلّه». 2 لو لم نقل انصرافه إلى الأمر الاختياري دون الضروري.

ثمّ إنّ هناك وجهاً آخر لعدم كون هذه الأعذار قاطعة للتتابع و هو حديث الرفع، فانّ المراد من قوله: «ما اضطرّوا إليه» هو الأعم من العقلي و العرفي، كأكل الميتة عند المجاعة، فإنّه فعل اختياريّ

يعد عرفاً أمراً اضطرارياً، و على ذلك تكون قاطعية السفر الاضطراري مرفوعاً في هذه الحالة، و يتلقّى كأنّه غير موجود فيشمل ما دل على كفاية صوم شهر و شي ء من الشهر الآخر، في تحقّق التتابع إذا قضى صوم ذلك اليوم.

و أمّا السفر الاختياريّ فلا يشمله التعليل، لما عرفت من أنّه كناية عن كون الفعل خارجاً عن الاختيار. و هو على قسمين: تارة يكون خارجاً عنه عقلًا، كالمرض و الحيض و النفاس. 3 و أُخرى: عرفاً، كالسفر الاضطراريّ، فهو خارج عنه عرفاً لا عقلًا، فيشمله التعليل على ما عرفت من أنّه كناية عن خروج الفعل عن اختيار الفاعل، و على

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 10 و 12.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

ذلك لا يدخل السفر الاختياريّ تحت التعليل، لكونه فعلًا اختيارياً عقلًا و عرفاً.

و بذلك يظهر ضعف ما أفاده صاحب الجواهر حيث ذهب إلى عدم الفرق بين السفرين قائلًا بأنّه لا يبعد ظهور قوله: «اللّه حبسه» في تناول السفر و إن لم يكن ضروريّاً باعتبار كونه محبوساً عن الصوم، بل هو حينئذ ممّا غلب اللّه عليه باعتبار كون منع الصوم فيه منه سبحانه، فيكون ذلك كناية عن كلّ ما ينافي الصوم إذا لم يكن من قبل المكلّف فعندئذ لا ينافي التتابع إلّا التعمّد من الإفطار. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره خلاف ظاهر التعليل، فانّه كالصريح من أن يكون القاطع للتتابع حالة طارئة أو فعلًا للمكلَّف، خارجاً عن اختياره كالمرض و نحوه، و أمّا السفر الاختياري فهو فعل اختياري عقلًا

و عرفاً و أمّا حكم الشارع بتحريم الصوم عليه في هذه الحالة فهو فعل تشريعي له، لا صلة له بالمكلَّف.

فما عليه الماتن من التفريق بين الاضطراري و الاختياري هو الأقوى.

4. إذا نسي النيّة حتى فات محلّها

قال في المدارك: و لو نسي النيّة في بعض أيّام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك اليوم، و هل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل: نعم لأنّ فساد الصوم يقتضي عدم تحقّق التتابع، و قيل: لا، لحديث رفع القلم، و ظاهر التعليل المستفاد من قوله: «حبسه اللّه» و قوله عليه السَّلام: «ليس على ما غلب اللّه عليه شي ء». «2»

و ناقش فيه صاحب الحدائق بأنّ المرفوع في حديث رفع القلم، إنّما هو المؤاخذة،

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 79.

(2) المدارك: 6/ 249.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

و ظاهر التعليل المذكور في الخبرين لا يشمل مثل هذا، لأنّ النسيان إنّما هو من الشيطان لقوله عزّ و جلّ: (فَأَنْسٰاهُ الشَّيْطٰانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) «1». «2»

يلاحظ على الأخير بأنّ المراد من قوله: «حبسه اللّه» أو قوله: «غلب اللّه عليه» هو كون الفعل خارجاً عن اختياره، سواء أ كان الفعل مستنداً إليه سبحانه، أو غيره، أضف إلى ذلك: انّ كلّ ما في الكون من جوهر و عرض مستند إليه سبحانه أخذاً بالتوحيد الأفعالي، غاية الأمر تارة يكون الجزء الأخير من العلّة التامة هو إرادة العبد فيكون الفعل اختياريّاً، و أُخرى يكون الجزء غيره، فيكون خارجاً عن الاختيار، و على كلّ تقدير ففعل العبد خيره و شرّه غير خارج عن مصبِّ إرادته سبحانه و مشيئته. ثمّ إنّه يأتي في المقام ما ذكرناه في الاضطرار من التمسّك بحديث الرفع لأجل النسيان.

5. إذا نوى صوماً آخر فتذكّر بعد الزوال

إذا نوى

صوماً آخر فتذكّر بعد الزوال، يصحّ صومه حسب ما نوى و لا يبطل التتابع لما سبق من الفرع المتقدّم من كونه خارجاً عن الاختيار، و يصحّ الصوم في المقام دون الصوم في الأمر الرابع لفقد النيّة، نعم لا يبطل التتابع في كلا المقامين

6. إذا نذر صوم كلّ خميس

إذا نذر صوم كلّ خميس قبل تعلّق الكفّارة به فلا يبطل التتابع فيصوم نذراً، ثمّ يصوم بدله يوماً آخر إلى أن تكمل الكفّارة من غير فرق بين تعيّن الصوم كما في المرتّبة

______________________________

(1) يوسف: 42.

(2) الحدائق: 13/ 343.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 294

..........

______________________________

و عدمه كما في المخيّرة، فلا يجب عليه العدول إلى شق آخر بزعم عدم التمكّن من صوم متتابع، لما عرفت من عدم إخلال ما غلب اللّه عليه.

و ربما يقال: إنّ هذا فيما لو تعلّق النذر بعنوان خاص بأن يصوم يوم الخميس بعنوان النذر، و أمّا لو كان متعلّقه غير معنون بأيّ عنوان فنذر أن يكون هذا اليوم صائماً و لو بعنوان آخر، من قضاء، أو إجارة أو كفّارة و نحو ذلك في قبال أن يكون مفطراً فالظاهر انّه لا يوجب التخلل من أصل بل يحسب من الكفّارة أيضاً. «1»

يلاحظ عليه: مضافاً إلى أنّ المتبادر من النذر هو الأولى، انّه كيف يُحسب قضاءً أو إجارة و في الوقت نفسه كفّارة، مع ظهور الدليلين في تعدّد المسبّب؟ و كيف يكون امتثالًا لكلّ من الإجارة و الكفّارة مع اختلاف ملاكهما.

7. لو نذر صوم الدهر فتعلّقت به الكفّارة

لو نذر صوم الدهر فتعلّقت به الكفّارة، يجب عليه العدول إلى غير الصوم من الخصال من غير فرق بين المرتبة و المخيرة لعدم تمكّنه من الصوم و لو غير

متتابع، حتى يكون عدم التتابع معفواً، و ربما يقال كما سبق في الفرع المتقدّم من عدم وجوب الانتقال لعدم المنافاة فيقع امتثالًا لكلّ من النذر و الكفّارة بعنوانين. و قد ظهر ضعفه كما تقدّم.

ثمّ إنّ في صحة صوم الدهر إذا كان مزاحماً للواجب المتعيّن كالصيام في كفّارة الظهار، تأملًا واضحاً، حيث إنّ الواجب بعد العجز عن تحرير الرقبة هو صوم ستين يوماً فقط، و يعتبر أن يكون متعلّق النذر أمراً راجحاً في نفسه غير مفوِّت للواجب و سبباً لتعجيز الإنسان عن الفريضة، و لذلك لا يصحّ نذر قراءة القرآن من أوّل طلوع الفجر

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 290.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 295

[المسألة 7: كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة إذا صام شهراً و يوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة]

المسألة 7: كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة إذا صام شهراً و يوماً متتابعاً يجوز له التفريق في البقيّة و لو اختياراً لا لعذر.

و كذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها و لم يكن المنساق منه ذلك.

و ألحقَ المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع، فقالوا: إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً، و هو مشكل، فلا يترك

______________________________

إلى طلوع الشمس، لأنّه مفوِّت للواجب، فلا يكون المتعلّق راجحاً، و لا نذر سجدة طويلة يستغرق وقت الصلاة الواجبة، و ما ذلك لأنّه يشترط في متعلقه الرجحان حتى يكون قابلًا للإتيان به للّه سبحانه و يصحّ له الزام العبد على العمل به، فلو كان غير راجح في نفسه أو مفوتاً للواجب، لا يصحّ إيتاؤه للّه سبحانه، و لا يصحّ إلزامه سبحانه على العبد بإتيانه إلزاماً تشريعيّاً.

و على ضوء ذلك، فإذا ينذر صوم الدهر، فلو كان دليل

النذر مقدّماً على دليل الواجب لتقدّم انعقاده يلزم تفويت الواجب، و مثله يوجب خروج المنذور عن كونه راجحاً.

و لذلك قلنا في محله بأنّ من نذر قبل حصول الاستطاعة، أن يزور الحسين عليه السَّلام في عرفة ثمّ حصلت له الاستطاعة ينحلّ نذره عند ذاك و يجب عليه الحجّ دون الزيارة، و إلّا فيمكن التوسّل إلى ترك تلك الفريضة بأدنى شي ء كأن ينذر أن يقرأ سورة يس في يوم عرفة في مسجد من مساجد بلده، أو يزور عشيرته و أقوامه في ذلك اليوم و هو كما ترى، فما ذكره المصنّف من أنّه لو كان قد نذر صوم يوم الدهر قبل تعلّق الكفّارة اتّجه الانتقال إلى سائر الخصال؛ إنّما يصحّ في الخصال المخيّرة التي لها بدل كما في كفّارة شهر رمضان، دون المرتبة كما في الظهار.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 296

الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً و إن بقي منه يوم.

كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع:

أ. جواز الإفطار بعد تحقّق التتابع.

ب: إذا نذر صوم شهرين متتابعين.

ج: إذا نذر صوم شهر مع التتابع.

د: جواز التفريق مع تجاوز النصف في سائر أقسام التتابع و عدمه.

و إليك الكلام فيها واحداً تلو الآخر

1. جواز الإفطار بعد تحقّق التتابع

قد سبق في المسألة الأُولى انّ صوم شهر و يوم آخر من شهر آخر، محقّق لعنوان التتابع الوارد في النصوص الشرعية، و قلنا إنّ صحيحة الحلبي من أظهر مصاديق الحكومة، و موردها و إن كان خصوصَ المترتبة، لكنها ليست مخصصة، و إليك نصّها: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين، و التتابع أن يصوم شهراً و

يصوم شيئاً أو أياماً». «1»

و أمّا جواز الإفطار فقد سبق وجهه فيها، لأنّ الواجب هو صيام شهرين متتابعين، و قد تحقّق بما ذكر، فلو لم يجز الإفطار، يكشف عن عدم تحقّق الفريضة و المفروض خلافه، و أمّا إكمال الشهرين فهو كما يتحقّق بالتتابع يتحقّق بالتفريق أيضاً.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

2. إذا نذر صوم شهرين متتابعين

لو نذر شهرين متتابعين، فله صور:

أ: أن ينذر شهرين مقيِّداً التتابع في جميع أيّامها كأن ينذر صوم ستين يوماً متصلًا أو ينذر صوم رجب و شعبان، فلا شكّ في لزوم التتابع في جميعها و عدم دخولها في صدر صحيح الحلبي، أعني: «التتابع أن يصوم شهراً و يصوم من الآخر شيئاً». «1»

ب: أن ينذر شهرين متتابعين ناظراً إلى العنوان الوارد في الشرع المحكوم بكفاية صوم شهر و شي ء من الآخر، فلا ريب في دخولها في صدر صحيح الحلبي و غيره. 2

ج: أن ينذر شهرين متتابعين، من دون تقييد بالتتابع في جميع الأيام و لا نظر إلى ما لهذا العنوان من الأحكام، فهل هذه الصورة على فرض تصوّرها داخلة في الحديث أولا؟ الأظهر دخولها تحت إطلاقها.

3. إذا نذر صوم شهر متتابعاً

إذا نذر صوم شهر متتابعاً، فمقتضى القاعدة عدم جواز التخلّل حتى يصوم شهراً تامّاً، و ربما يقال بكفاية صوم خمسة عشر يوماً لرواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوماً، ثمّ عرض له أمر؟ فقال: «إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقل من خمسة عشر يوماً

لم يجزه حتى يصوم شهراً تامّاً». 3

و قد عمل بها الشيخ في النهاية و قال: و من نذر أن يصوم شهراً متتابعاً، فصام

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9 و 5.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

خمسة عشر يوماً، و عرض ما يفطر فيه، وجب عليه صيام ما بقي من الشهر، و إن كان صومه أقلّ من خمسة عشر يوماً كان عليه الاستئناف. «1»

و الرواية مطلقة تعم العارض الاختياريّ و غيره و ردّها في المدارك بضعف السند. و لو كان فيه ضعف فإنّما هو لأجل موسى بن بكر، الذي لم يرد في حقّه توثيق، و لكن يمكن استنباط وثاقته من أُمور:

1. رواية ابن أبي عمير و صفوان عنه.

2. ما رواه الكليني عن محمد بن الحسن بن سماعة: دفع إليّ صفوان كتاباً لموسى بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر و قرأته عليه. «2» و هذا دليل على اعتماد صفوان عليه.

3. رواية كثير من المشايخ نظير: أحمد بن محمد بن أبي نصر، و جعفر بن بشير، و محمد بن سماعة و يونس بن عبد اللّه، مضافاً إلى ما عرفت من العلمين الماضيين.

و الرواية إذا لم تكن معرضاً عنها، لا بأس بالإفتاء على مضمونها.

هذا كلّه إذا وجب صوم الشهر بالنذر، و أمّا إذا وجب بالأصالة كالمملوك في كفّارة ظهاره و قتله و إفطاره، فهل يصحّ إسراء الحكم إليه أو لا؟ فقد بسط الكلام فيه العلّامة في «المختلف». «3» لكنّ عدم وجود الموضوع في الخارج أغنانا عن إفاضة الكلام فيه.

4.

حكم التفريق بعد تجاوز النصف في سائر الأقسام.

لا يجوز التفريق الاختياري مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم، المشروط

______________________________

(1) النهاية: 167.

(2) الكافي: 7/ 97، باب ميراث الولد مع الزوج، الحديث 3.

(3) المختلف: 3/ 563.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 299

[المسألة 8: إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة فهي صحيحة]

المسألة 8: إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة فهي صحيحة و إن لم تكن امتثالًا للأمر الوجوبيّ و لا الندبيّ لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم، و كذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء فإنّ الأذكار و القراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيّتها لذاتها. (1)

______________________________

فيه التتابع، لعدم الدليل عليه و قد قام الدليل في موردين:

1. الشهران المتتابعان.

2. الشهر الواحد إذا وجب صومه بالنذر.

(1) إذا صام وفاءً للنذر أو للتكفير المشروط فيهما التتابع ثمّ بدا له في الإفطار، فهل يكشف ذلك عن بطلان العمل السابق بتصور انّ ما قصد من امتثال الأمر المقيد بالتتابع لم يقع، و ما وقع من موافقة العمل للأمر الندبي المتعلّق بمطلق الصوم لم يقصد، أو لا يكشف؟ و نظير ذلك بطلان الصلاة في الأثناء، فهل تبطل الأذكار الماضية أو لا؟ قد ذهب المصنّف إلى عدمه، و يمكن تصحيحه بوجهين:

1. وجود الملاك في مطلق الصوم بمعنى المحبوبيّة.

يلاحظ عليه: أنّ المحبوبية فرع تعلّق الأمر به و قصده، و المفروض عدمه، و ليس الصوم وحده بمعنى تحمّل الجوع و العطش إلى الليل، عبادة بالذات، إذا لم يقصد كونه للّه سبحانه، كالسجود و الركوع و الأذكار.

2. انّ الأمر النذري أو التكفيري إنّما تعلّق بالصوم الذي هو عبادة مع قطع النذر عن الأمر المتعلّق بالعنوان الثانوي، فالصوم بما هو عبادة، و بما

انّه مستحب في عامة الأيّام إلّا العيدين وقع متعلّقاً للنذر، و التكفير، فهناك أمران:

1. الأمر الندبي المتعلّق بنفس الصوم مطلقاً في عامّة الأيام إلّا ما استثني.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

2. الأمر بالوفاء بالنذر، أو بالتكفير المشروط فيهما التتابع.

و الأمر الأوّل أمر عبادي تعبدي متعلّق بعنوان الصوم، و الثاني أمر متعلّق بعنوان ثانوي، أعني: النذر و التكفير، و هو توصّلي، و لا يكتسب الصوم عباديّته إلّا من الأمر الأوّل، لا من الأمر الثاني، فلو صام أيّاماً، ثمّ قطع فانّما يبطل التتابع و لا يؤثر ذلك في سلب العبادية عن الصوم، و أقصى ما يمكن أن يقال: انّه لم يمتثل الأمر التوصّلي الجائي من قبل الأمر بالوفاء بالنذر و الكفّارة، و أمّا الأمر الندبي المتعلّق بنفس الصوم فقد امتثله و أطاعه و هو ملاك العبادية.

فإن قلت: إنّ الصائم إنّما يقصد امتثال الأمر المتعلّق بالنذر أو الكفّارة بشهادة انّه يقصد التتابع من أوّل الأمر و أمّا الأمر الندبي المتعلّق بنفس الصوم في كلّ يوم فهو أمر مغفول عنه.

قلت: الأمر كذلك لكن كلًا من هذين الأمرين (الأمر النذري و التكفيري) داعيان إلى الأمر المتعلّق بنفس الصوم، و هذا المقدار من الملازمة يكفي في صحّة العبادة و ترتّب الثواب عليه، فانّ الإنسان لا ينذر إلّا ما هو محبوب للمولى و المفروض و ليس المحبوب إلّا الصوم الذي تعلّق به الأمر الندبي، و هذا نظير نذر صلاة الليل المستحبة في ذاتها، فينوي ما هو المستحب بالذات، ليكون وفاءً بالنذر.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 301

[الفصل الخامس عشر أقسام الصوم]

اشارة

الفصل الخامس عشر أقسام الصوم

أقسام الصوم أربعة: واجب، و ندب، و مكروه كراهة عبادة، و محظور.

[و الواجب أقسام]

و الواجب أقسام: صوم شهر رمضان، وصوم الكفّارة، وصوم القضاء، وصوم بدل الهدي في حجّ التمتع، وصوم النذر و العهد و اليمين و الملتزم بشرط أو إجارة، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف، أمّا الواجب فقد مرّ جملة منه.

[و أمّا المندوب منه فأقسام]
اشارة

______________________________

و أمّا المندوب منه فأقسام: منها ما لا يختصّ بسبب مخصوص و لا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني من العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمنى، فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو و محبوبيّته و فوائده و يكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي: الصوم لي و أنا أُجازي به، و ما ورد من أنّ الصوم جنّة من النار، و أنّ نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبّل و دعاءه مستجاب، و نعم ما قال بعض العلماء من أنّه لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفى به فضلًا و منقبة و شرفاً.

و منها ما يختص بسبب مخصوص و هي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.

و منّها ما يختص بوقت معيّن و هو في مواضع:

منها و هو آكدها صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر فقد ورد أنّه يعادل صوم

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 302

الدهر و يذهب بوحر الصدر، و أفضل كيفيّاته ما عن المشهور، و يدلّ عليه جملة من الأخبار هو أن يصوم أوّل خميس من الشهر و آخر خميس منه و أوّل أربعاء في العشر الثاني. و من تركه يستحبّ له قضاؤه، و مع العجز عن صومه لكبر و نحوه يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم.

و منها: صوم أيّام

البيض من كلّ شهر و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر على الأصحّ المشهور و عن العمّاني أنّها الثلاثة المتقدّمة.

و منها: صوم يوم مولد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و هو السابع عشر من ربيع الأوّل على الأصحّ، و عن الكلينيّ أنّه الثاني عشر منه.

و منها: صوم يوم الغدير، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة.

و منها: صوم يوم مبعث النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و هو السابع و العشرون من رجب.

و منها: يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة.

و منها: يوم عرفة لمن لا يضعّفه الصوم عن الدعاء.

و منها: يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة.

و منها: كل خميس و جمعة معاً أو الجمعة فقط.

و منها: أوّل ذي الحجّة بل كلّ يوم من التسع فيه.

و منها: يوم النيروز.

و منها: صوم رجب و شعبان كلًا أو بعضاً و لو يوماً من كلّ منهما.

و منها: أوّل يوم من المحرّم و ثالثه و سابعه.

و منها: التاسع و العشرون من ذي القعدة.

و منها: صوم ستّة أيّام بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 303

و منها: يوم النصف من جمادى الأُولى.

[المسألة 1: لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه]

المسألة 1: لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه بل يجوز له الإفطار إلى الغروب و إن كان يكره بعد الزوال.

[المسألة 2: يستحبّ للصائم تطوعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام]

المسألة 2: يستحبّ للصائم تطوعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام، بل قيل بكراهته حينئذ.

[و أمّا المكروه منه]

و أمّا المكروه منه: بمعنى قلّة الثواب، ففي مواضع أيضاً.

منها: صوم عاشوراء.

و منها: صوم عرفة لمن خاف أن يضعّفه عن الدعاء الّذي هو أفضل من الصوم، و كذا مع الشكّ في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد.

و منها: صوم الضيف بدون إذن مضيفه، و الأحوط تركه مع نهيه، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً.

و منها: صوم الولد بدون إذن والده، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي بل يحرم إذا كان إيذاء له من حيث شفقته عليه، و الظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ و الأولى مراعاة إذن الوالدة و مع كونه إيذاء لها يحرم كما في الوالد.

[و أمّا المحظور منه]
اشارة

و أمّا المحظور منه: ففي مواضع أيضاً:

أحدها: صوم العيدين: الفطر و الأضحى، و إن كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم، و القول بجوازه للقاتل شاذّ، و الرواية الدالّة عليه ضعيفة سنداً و دلالة.

الثاني: صوم أيّام التشريق و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث من ذي الحجّة لمن كان بمنى، و لا فرق على الأقوى بين الناسك و غيره.

الثالث: صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بنيّة أنّه من رمضان، و أمّا بنيّة أنّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 304

الرابع: صوم وفاء نذر المعصية بأن ينذر الصوم إذا تمكّن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك الشكر على تيسّره، و أمّا إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به، نعم يلحق بالأوّل في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها.

الخامس: صوم الصمت بأن ينوي في صومه السكوت عن

الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه، و أمّا إذا لم يجعله قيداً و إن صمت فلا بأس به بل و إن كان في حال النيّة بانياً على ذلك إذا لم يجعل الكلام جزءاً من المفطرات و تركه قيداً في صومه.

السادس: صوم الوصال و هو صوم يوم و ليلة إلى السحر أو صوم يومين بلا إفطار في البين، و أما لو أخّر الإفطار إلى السحر أو إلى اللّيلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به و إن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً.

السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج و الأحوط تركه بلا إذن منه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه و إن لم يكن مزاحماً لحقّه.

الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولى و الأحوط تركه من دون إذنه بل لا يترك الاحتياط مع نهيه.

التاسع: صوم الولد مع كونه موجباً لتألّم الوالدين و أذيّتهما.

العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصوم.

الحادي عشر: صوم المسافر إلّا في الصور المستثناة على ما مرّ.

الثاني عشر: صوم الدهر حتّى العيدين على ما في الخبر و إن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 305

[المسألة 3: يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان و إن لم يكن صوماً في مواضع]

المسألة 3: يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان و إن لم يكن صوماً في مواضع:

أحدها: المسافر إذا ورد أهله أو محلّ الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله و قد أفطر، و أما إذا ورد قبله و لم يفطر فقد مرّ أنّه يجب عليه الصوم.

الثاني: المريض إذا برئ في أثناء النهار و قد أفطر، و كذا لو لم يفطر

إذا كان بعد الزوال بل قبله أيضاً على ما مرّ من عدم صحّة صومه و إن كان الأحوط تجديد النيّة و الإتمام ثمّ القضاء.

الثالث: الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

الرابع: الكافر إذا أسلم في أثناء النهار أتى بالمفطر أم لا.

الخامس: الصبيّ إذا بلغ في أثناء النهار.

السادس: المجنون و المغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه. (1)

______________________________

(1) ما ذكره المصنف في هذا الفصل من تقسيم الصوم إلى أقسام أربعة: واجب، و ندب، و مكروه كراهةَ عبادة، و محظور، واضح لورود النصوص في أكثرها. و المهم في المقام دراسة بعض أقسام الصوم المكروه و المحظور، أعني:

1. صوم يوم عاشوراء.

3. صوم الضيف بدون إذن مضيّفه.

3. صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج أو مع نهيه و إن لم يكن مزاحماً لحقّه.

4. صوم الولد بدون إذن والده أو مع نهيه عنه.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 306

..........

______________________________

1. صوم يوم عاشوراء

اختلفت كلمة الأصحاب تبعاً للروايات في حكم صوم يوم عاشوراء إلى أقوال:

1. استحباب صومه على وجه الحزن. و هو خيرة الشيخ في الاستبصار، حيث قال: إنّ من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد عليهم السَّلام و الجزع لما حلّ بعترته فقد أصاب، و من صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه و التبرّك به، و الاعتقاد ببركته و سعادته فقد أثم و أخطأ. «1»

و تبعه ابن زهرة و قال في فصل الصوم المندوب: وصوم عاشوراء على وجه الحزن. «2»

و عليه المحقق حيث قال: وصوم يوم عاشوراء على وجه الحزن.

و ظاهر كلامهم هو الصوم الكامل مع النية اللازمة، و ما في «المسالك» من أنّه ليس صوماً معتبراً شرعاً، بل هو إمساك بدون نيّة. «3»

ليس في محلّه.

2. انّه مكروه و عليه المصنّف و غيره.

3. انّه محظور و ممنوع و عليه صاحب الحدائق، حيث إنّه بعد نقل قسم من الأخبار الماضية قال: لا يخفى ما في هذه الأخبار من الظهور و الصراحة في تحريم صوم هذا اليوم مطلقاً، و إنّ صومه كان في صدر الإسلام ثمّ نُسخ بنزول شهر رمضان. «4»

و لم نعثر على من يقول باستحبابه على وجه الإطلاق، و إن كان اللائح من بعض الروايات انّه مستحب لذلك، غير انّ الشيخ لأجل الجمع بين الروايات، قيّده بقوله:

______________________________

(1) الاستبصار: 2/ 136135.

(2) الغنية: 1/ 148.

(3) المسالك: 2/ 78.

(4) الحدائق: 13/ 375.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

«على وجه الحزن» و نقله عن شيخه المفيد، و على كلّ تقدير، فالمهم دراسة ما ورد في الروايات:

استحباب صومه

يدلّ على استحباب صومه صحيحة عبد اللّه بن ميمون القدّاح «1» و موثّقتا إسماعيل بن أبي همّام 2 و مسعدة بن صدقة. 3

ففي الأُولى قال: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة».

و في الثانية: «صام رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يوم عاشوراء». و قريبة منها الثالثة. و الروايات بين صحيحة و موثقة قابلة للاحتجاج.

المنع عن صومه

دلّ غير واحد من الروايات التي يبلغ عددها إلى سبع على المنع:

1. رواية زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السَّلام قالا: «لا تصم في يوم عاشوراء، و لا عرفة بمكة، و لا بالمدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الأمصار». 4

و الرواية ضعيفة ب «يس» الضرير الذي لم يوثّق. و أمّا نوح بن شعيب فقد نقل الشيخ في رجاله عن الفضل بن شاذان: انّه كان فقيهاً، عالماً صالحاً مرضياً. مضافاً إلى

ما في متنه من النهي عن صوم عرفة مطلقاً مع أنّه مستحب و قد صامه الإمام. 5

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 20 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 3، 1، 2.

(2) 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 21 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 6.

(3) 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 308

..........

______________________________

2. رواية الحسين بن أبي غندر، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السَّلام ... قلت: فصوم عاشوراء؟ قال: «ذلك يوم قتل فيه الحسين فإن كنت شامتاً فصم». «1»

و في السند: الحسين بن إبراهيم القزويني و هو مجهول، و محمد بن وهبان البصري له رواية في التهذيب، عن علي بن حبشي قال الطوسي: له كتاب، عن العباس بن محمد ابن الحسين المجهول و مثل هذه الرواية لا تصلح للاستدلال.

3. صحيحة زرارة و محمد بن مسلم جميعاً أنّهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السَّلام عن صوم يوم عاشوراء؟ قال: «كان صومه قبل صوم شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان تُرك». 2 و هو لا يدل على الحرمة، بل يدل على أنّ الناس تركوا صومه لوجود الأفضل منه، أعني: صيام رمضان.

بقيت هنا روايات أربع 3 رواها الكليني عن الحسن بن علي الهاشمي باسناد مختلفة و قد تلقّاها المحقّق الخوئي رواية واحد، لأنّ الكليني نقل الجميع عن الهاشمي. لكنّه غير تام، لأنّ الميزان في توحيد الرواية هو وحدة الراوي عن الإمام في الجميع، لا توسّط شخص واحد في أسناد الجميع، مع اختلاف الأسانيد منه إلى الإمام و الأولى أن يستدلّ عليها بوحدة المضمون و هي غير بعيدة كما هو واضح لمن لاحظها.

لكن

الجميع ضعيف أمّا الحسين بن علي الهاشمي الوارد في الجميع كما في الوسائل، أو الحسن كما في الكافي، فلم يرد في حقّه سوى انّ له عشر روايات.

ثمّ إنّ الأُولى منها ضعيفة بمحمد بن سنان، و الثالثة بزيد النرسي، و أمّا الرابعة فقد ورد فيه نجبة و هو مهمل في الرجال بل مجهول. فالأظهر تقديم ما دلّ على الاستحباب على ما دلّ على الحظر. و محط الكلام في صومه بما هو هو، و أمّا صومه بعنوان

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 21 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 7، 1.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 21 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 2، 3، 4، 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

التبرك و الفرح و السرور فلا شكّ في حرمته، لأنّه عين النصب و العداء و هو بمنزلة الكفر، و لعلّ النهي الوارد في الروايات الأربع لحسن بن علي الهاشمي ناظر إلى هذا النوع من الصوم، و هو غير بعيد بالنسبة إلى الأجواء السائدة في زمن صدور الروايات.

و أمّا ما رواه الشيخ في المصباح عن عبد اللّه بن سنان قال:

دخلت على أبي عبد الله عليه السَّلام يوم عاشوراء، و دموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: مِمَّ بكاؤك؟ فقال: «أ في غفلة أنت؟! أما علمت انّ الحسين عليه السَّلام أصيب في مثل هذا اليوم؟!».

فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: «صمه من غير تبييت، و أفطره من غير تشميت، و لا تجعله يوم صوم كملا، و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فانّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلَّى الله عليه و

آله و سلَّم ...». «1»

و هذا الحديث نقله الشيخ في مصباحه، عن عبد اللّه بن سنان، و سند الشيخ في الفهرست صحيح بالنسبة إلى كتبه، و لكن لم يدل دليل على أنّه نقل هذا الحديث من كتاب ابن سنان كما قيل.

و لا يخفى بُعد هذا الاحتمال، و الأولى أن يجاب بأنّ القدر المتيقّن من المنع من الحديث هو الصوم الكامل على النحو الذي كان الناس يصومون يوم ذاك من إظهار الفرح و السرور دون أن يعلموا أصله و انّ ذلك بدعة من بِدَع آل أمية، و بما انّ الناس كانوا يتظاهرون بهذا النوع من الصوم، صار الصوم في تلك الظروف مكروهاً أو ممنوعاً لئلّا يتشبه موالي آل البيت، بعمل معاديهم، و أمّا إذا خلت الظروف عن هذه العناوين الثانوية، فاستحبابه باق بحاله.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 20، الحديث 7 من أبواب الصوم المندوب، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

و بذلك تقدر على الجمع بين الروايات المجوزة كالثلاثة الأُوَل، و الروايات السبعة الناهية، فالمجوزة ناظرة إلى صوم ذلك اليوم بما هو هو من دون أن يكون هناك أيّ قصد للفرح و التبرّك، و أمّا المانعة فهي ناظرة إمّا إلى الصوم المقرون بما يرتكبه أجلاف الناس من إظهار الفرح و التيمّن عالماً أو جاهلًا، أو إلى الصوم المجرّد عن هذا القصد، لكن الصائم يعيش في أجواء ينتزع من صومه التشبّه بهم، فيحرم في كلتا الصورتين. و ما ذكرنا من الجمع أوضح من الجمع الذي ذكره الشيخ و تبعه المحقّق، كما لا يخفى.

صوم الضيف بدون إذن مضيّفه

اختلفت كلماتهم في صوم الضيف بدون إذن مضيِّفه على أقوال، فمن قائل بالتحريم مطلقاً، كما هو الظاهر من

المحقّق في «المعتبر» «1» و «النافع» «2» إلى آخر قائل بالكراهة كذلك كما هو الظاهر من العلّامة في «المنتهى»، «3» إلى ثالث مفصِّل بين النهي فيحرم و إلّا فيكره و هو الظاهر من المحقّق في «الشرائع» قال في عداد الصوم المكروه: صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفه و الأظهر انّه لا ينعقد مع النهي». «4»

لكن المذهب المشهور هو الكراهة مطلقاً، و يدلّ عليه ما يلي:

1. ما رواه الصدوق باسناده، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السَّلام (أبي جعفر) قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذنهم، لئلّا يعملوا الشي ء فيفسد عليهم، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف لئلّا يحتشم فيشتهي الطعام

______________________________

(1) المعتبر: 2/ 712.

(2) النافع: 1/ 71 ط مصر.

(3) المنتهى: 3/ 615

(4) الجواهر: 17/ 117116، قسم المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

فيتركه لهم (لمكانهم)». «1»

و طريق الصدوق إلى الفضيل لا يخلو من اعتبار، و المناقشة فيه لأجل وقوع محمد ابن موسى المتوكّل، و علي بن الحسين السعدآبادي، ليست بتامة، أمّا الأوّل فقد أكثر الصدوق عنه الرواية و ذكره في طرقه إلى الكتب في 48 مورداً و ليس الغرض من ذكره في أمثال المقام إلّا إضفاء الاعتبار للكتاب و هو فرع كون من رواه عنه ثقة، مضافاً إلى أنّ ابن طاوس ادّعى في كتاب فلاح السائل (الفصل 19 من فضل صلاة الظهر) الاتفاق على وثاقته فالرجل معتمد عليه.

و أمّا الثاني فقد كان معلّم أبي غالب الزراري، و من مشايخ

ابن قولويه الذين يروي عنهم بلا واسطة، و قد قلنا في كتابنا «كليات في علم الرجال»: إنّ القدر المتيقّن من عبارته في ديباجة كتابه «كامل الزيارات» أعني قوله: و لكن ما وقع لنا من جملة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه برحمته هو مشايخه الذين روى عنهم مباشرة و بلا واسطة منهم علي بن الحسين السعدآبادي. فالرواية صالحة للاحتجاج.

و أمّا الدلالة فيستفاد منها الكراهة بوجهين:

1. التعليل فانّه ظاهر في الكراهة خصوصاً مع ملاحظة ما رتّب عليه، أعني قوله: «و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف» المتضمّن لحكم عكس المسألة إذ لم يقل أحد بشرطية الإذن فيه، و هذا قرينة قطعية على أنّ قوله: «لا ينبغي للضيف أن يصوم» في أصل المسألة للكراهة و ما في الحدائق من أنّ قولهم: «لا ينبغي» مشترك بين التحريم و الكراهة. «2» على فرض قبوله، لا يضرّ بالمقام.

2. ما رواه الصدوق باسناده عن نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم، عن أبي

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 9 من أبواب الصوم المكروه، الحديث 1، و قوله: يحشمهم: يخجلهم.

(2) الحدائق: 13/ 203.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

عبد الله عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلّا بإذن صاحبه إلى أن قال: و إلّا كان الضيف جاهلًا». «1»

لكن الصدوق لم يذكر اسناده إلى نشيط بن صالح في مشيخة الفقيه، و أمّا كونه في نفسه فقد وصفه النجاشي بقوله: «ثقة، له كتاب»، و لذلك أصبحت الرواية كالمرسلة.

نعم رواه الكليني و الصدوق أيضاً في العلل بسند فيه أحمد بن هلال الذي خرج التوقيع على لعنه. و على

فرض صحته فالدلالة قاصرة، لأنّ المراد الجهل بالأدب الإسلامي، فانّ الإسلام قرّر الاستئذان لمصلحة مرّت في الرواية الأُولى، فيكون صومه بلا إذن مكروهاً.

3. روى الصدوق باسناده عن حمّاد بن عمرو و أنس بن محمد، عن أبيه جميعاً عن الصادق، عن آبائه عليهم السَّلام من وصية النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لعليّ عليه السَّلام: «و لا يصوم الضيف تطوعاً إلّا بإذن صاحبه». 2 و في سند الصدوق إلى الرجلين عدّة مجاهيل، و على فرض الصحة يحمل على الكراهة بقرينة ما سبق.

4. روى الصدوق باسناده، عن الزهري، عن علي بن الحسين في حديث قال: «الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه» 3، مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى الزهري في الفقيه ضعيف.

و الحقّ انّ هذه الروايات بين ضعيف في الدلالة، و ضعيف في السند، لا تنهض لإثبات التحريم و إن مال صاحب الحدائق 4 إلى الحرمة و استظهرها من المحدّث الكاشاني في «الوافي» من عنوان الباب حيث قال: بأنّه من لا يجوز له صيام التطوع.

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 2، 4، 1.

(2) 4 الحدائق: 13/ 203.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 313

..........

______________________________

صوم الزوجة بدون إذن زوجها

لا شكّ انّه لا يصحّ صوم الزوجة إذا زاحم حقّ الزوج في غير الواجب، إنّما الكلام في الصوم تطوّعاً، فقد نقل صاحب الحدائق عن المحقّق في «المعتبر» انّه قال: لا خلاف في توقّف صحة صومها على إذن الزوج، و قال إنّه موضع وفاق. «1» و قد احتاط المصنّف في صورة عدم الإذن، فكيف مع النهي عنه؟! و أمضاه العلمان الحكيم و الخوئي في تعليقتهما،

و لعلّ هناك فرقاً واضحاً بين الضيف و الزوجة و لا يلزم من القول بالكراهة في الأوّل، القول به في الثانية خصوصاً إذا صحّ الدليل، أعني:

صحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «قال النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: ليس للمرأة أن تصوم تطوعاً إلّا بإذن زوجها» «2» و يؤيّده مرسلة القاسم بن عروة 3 و خبر العزرمي. 4

و لكن لو صحّ ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن المرأة تصوم تطوعاً بغير إذن زوجها؟ قال: «لا بأس» 5، وجب حمل ما دل على المنع على الكراهة.

هذا و قد ورد المنع أيضاً في رواية الزهري 6، و هشام بن الحكم 7 و وصية النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لعليّ عليه السَّلام 8.

و لأجل تضافر المنع و صحّة سند بعضه، فالأحوط أن لا تصوم إلّا بإذن منه.

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 205.

(2) 2 و 3 و 4 و 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1، 2، 4 و 5. و أمّا ما برقم 3 فهو نفس ما رواه برقم 1.

(3) 6، 7 و 8 الوسائل: الجزء 7، الباب 10 من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1، 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

صوم الولد بدون إذن الوالد

المشهور في حكم الوالد الكراهة و هو خيرة المحدّث الكاشاني في المفاتيح، و لكن المحكي عن المحقّق في النافع و العلّامة في الإرشاد، هو عدم الصحّة، و استقربه الشهيد و اختاره صاحب الحدائق. «1»

و قد ورد المنع عنه في خبر هشام بن الحكم الذي قد عرفت ضعف

سنده و فيه: «و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه و أمرهما، و إلّا كان الولد عاقاً» و الخبر لا يصلح للاحتجاج، فالأظهر هو الجواز و إن كان موجباً لتأذّيهما لما سيوافيك في كتاب الاعتكاف من أنّ الواجب على الولد، حسن المعاشرة و المصاحبة فيما يرجع إليهما و أمّا فيما يرجع إلى حياة الولد في نفسه إذا كان حلالًا أو مستحباً فنهيهما لا يوجب عقوقاً. و اللّه العالم.

بلغ الكلام إلى هنا عشيّة يوم الخميس

يوم ميلاد الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا سلام اللّه عليهما

في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام، من شهور عام 1420 ه

بيد مؤلفه الحقير جعفر السبحاني، ابن الفقيه الزاهد الحاج

محمد حسين السبحاني التبريزي عاملهما اللّه بلطفه الخفيّ

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 203.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 315

هل عمران بن موسى واحد أو متعدّد؟

قد مرّ في الجزء الأوّل، ص 160 من هذا الكتاب الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار على حكم المرتمس في الماء، و قد ورد في سنده «عمران بن موسى» و ضُعف الحديث بأنّ عمران بن موسى متعدّد.

أحدهما: عمران بن موسى الزيتوني، الذي وصفه النجاشي بقوله: قمي، ثقة، له كتاب. و هو في طبقة شيخ مشايخ الكليني، حيث يروي عنه محمد بن يحيى الذي هو أُستاذ الكليني. «1» فهو قمي أشعري.

و ثانيهما: عمران بن موسى الخشّاب، و قد وصف به، في رواية رواها الشيخ في باب فضل الكوفة، قال: أبو القاسم جعفر بن محمد، حدّثني أخي علي بن محمد، عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى الخشّاب، عن علي بن حسام، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال:

.... «2»

و هو مهمل في الرجال، و على ذلك فتسقط الرواية عن صحّة الاحتجاج.

______________________________

(1) رجال النجاشي: 2/ 139 برقم 782. حيث يروي كتاب عمران بن موسى، بالطريق التالي: أخبرنا ابن شاذان (القزويني)، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمي، عن أبيه، عن عمران ابن موسى الزيتوني، فيكون الزيتوني شيخاً لمحمد بن يحيى الذي هو شيخ الكليني.

(2) تهذيب الأحكام: 6/ 37 برقم 20، باب فضل الكوفة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 316

أقول: هذا توهّم، و الحقّ انّ عمران بن موسى واحد لا متعدّد، و هو الذي عرفت حاله.

و أمّا الآخر المتوهّم الملقّب بالخشّاب، فليس له دليل سوى السند الذي نقلناه من التهذيب، و لكن تسرب الخطأ إلى نسخ التهذيب بوصفه بالخشاب، و هذا باطل لوجوه:

الأوّل: انّ الشيخ أخذ الرواية عن ابن قولويه جعفر بن محمد، و هو نقل الحديث عن كامل الزيارات، الّذي أسنده كالتالي:

حدثني أخي علي بن محمد بن قولويه، عن أحمد بن إدريس بن أحمد، عن عمران ابن موسى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان .... «1»

فالعبارة صريحة في أنّ الخشاب وصف للحسن بن موسى لا لعمران بن موسى.

الثاني: انّ النجاشي وصف الحسن بن موسى عند ترجمته بالخشاب، فقال: الحسن بن موسى الخشاب من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم و الحديث، له مصنفات، منها كتاب الردّ على الواقفة، و كتاب النوادر، ثمّ ذكر سنده إلى كتبه، بالنحو التالي:

أخبرنا محمد بن علي القزويني (المعروف بابن شاذان)، قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن يحيى، قال: حدثنا أبي (محمد بن يحيى شيخ الكليني) قال: حدثنا عمران بن موسى الأشعري، عن الحسن بن موسى. «2»

و فيما نقله دلالة على ما ندّعيه

بوجوه:

1. وصف الحسن بن موسى بالخشاب في عنوان الترجمة.

2. انّ الحسن بن موسى شيخ عمران بن موسى الأشعري، و على هذا فالسند

______________________________

(1) كامل الزيارات: 29، الباب 8، فضل الصلاة في مسجد الكوفة.

(2) رجال النجاشي: 1/ 143 برقم 84.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 317

المنقول في التهذيب مصحف، و الصحيح عن عمران بن موسى، عن الخشاب أو عن الحسن بن موسى الخشاب.

3. انّ النسخة المطبوعة وقع فيها الخطأ، و لعلّ نسخة التهذيب كانت صحيحة منذ بداية الأمر، لأنّ الطبعة الأخيرة المحقّقة من قبل الأُستاذ علي أكبر الغفاري، جاء فيها «عن الخشاب».

و أمّا وجه تسرّب الخطأ إلى نسخة التهذيب المطبوعة، هو انّ الناسخ لما كتب اسم الراوي مع اسم والده، زاغ بصره عن اسم المروي عنه نظراً لاشتراكهما في اسم الأب، فسرى الوصف إلى الراوي الأوّل، و غفل عن الراوي الثاني.

و يحتمل أيضاً سقوط «عن» قبل لفظ «الخشاب». «1»

المؤلّف

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 37 برقم 20، باب فضل الكوفة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 319

[كتاب الاعتكاف]

اشارة

كتاب الاعتكاف و هو اللبث في المسجد بقصد العبادة، بل لا يبعد كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث و إن لم يضمّ إليه قصدُ عبادة أُخرى خارجة عنه، لكن الأحوط الأوّل.

و يصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم، و أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر منه.

و ينقسم إلى واجب و مندوب. و الواجب منه ما وجب بنذر، أو عهد، أو يمين، أو شرط في ضمن عقد، أو إجارة، أو نحو ذلك، و إلّا ففي أصل الشرع مستحب.

و يجوز الإتيان به عن نفسه، و عن غيره الميت. و في جوازه نيابة عن الحيّ قولان، لا يبعد ذلك،

بل هو الأقوى. و لا يضرّ اشتراط الصوم فيه فانّه تبعيّ، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ. (1)

______________________________

(1) ذكر المصنِّف فيما يتربط بالاعتكاف أُموراً:

1. تعريفه.

2. كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث و إن لم تُضم إليه عبادة أُخرى.

3. صحّته في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم و أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر من رمضان.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

4. انقسامه إلى واجب و مستحب.

5. صحّة إتيانه نيابة عن الميت و الحيّ. و إليك الكلام فيها واحداً تلو الآخر.

1. تعريف الاعتكاف

الاعتكاف لغة هو الاحتباس، و يدلّ عليه قوله سبحانه: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) «1»، أي انّ قريشاً صدّوكم عن المسجد أن تطوفوا و تُحلُّوا من عمرتكم كما منعوا الهدي الذي ساقه رسول اللّه، فصار الهدي معكوفاً أي محبوساً عن أن يبلغ محلّه أي منْحَره و هو مكة، لأنّ هدي العمرة لا يُذبح إلّا في مكة، كما أنّ هدي الحجّ لا يذبح إلّا بمنى. «2» و كأنَّ المعتكف يحبس نفسه في المسجد لغاية قدسيّة.

و أمّا شرعاً فقد عرف بتعاريف، منها ما اختاره المصنّف من اللبث في المسجد بقصد العبادة. و الأولى ما في المدارك من أنّه لبث في مسجد جامع مشروطاً بالصوم ابتداءً. «3» لما في الإخلال بذكر الصوم إخلال لما هو المقوِّم للاعتكاف.

2. كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث و عدمها

هل يكفي صرف التعبّد بنفس اللبث، أو يحتاج إلى ضمّ عبادة أُخرى؟ و بعبارة أُخرى: هل نفس اللبث بنفسه عبادة، أو هو مقدّمة لعبادة أُخرى؟

______________________________

(1) الفتح: 25.

(2) مجمع البيان: 5/ 124.

(3) مدارك الأحكام: 6/ 308.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 321

..........

______________________________

اللائح من تعاريف القوم هو الثاني، حيث عرَّفه المحقّق بأنّه اللبث المتطاول للعبادة. «1» و عرّفه الشهيد بأنّه لبث في مسجد جامع ثلاثة أيّام فصاعداً صائماً للعبادة. «2» و هو أحد المحتملين من عبارة المصنّف و المرتكز في أذهان المتشرّعة حيث إنّ الغاية من احتباس النفس في المسجد و عدم الخروج منه، هو التفرّغ للعبادة و الانقطاع عن غيره سبحانه بها.

و لكن ربما يستدل للأوّل بوجهين:

الأوّل: ظاهر الكتاب، قال تعالى: (وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) «3» و الرُّكّع جمع الراكع، كما أنّ السجود، جمع الساجد.

وجه الدلالة هو أنّ في جعل الاعتكاف قسيماً للطواف و للركوع و السجود أي الصلاة و عدّه قبالًا لهما، دلالة واضحة على أنّه بنفسه عبادة مستقلة، و انّه مشروع لنفسه من غير اعتبار ضمّ عبادة أُخرى. «4»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره أحد المحتملات، و قد فسر أيضاً تارة «بالمقيمين بحضرته»، و أُخرى بالمجاورين، و ثالثة بأهل البلد الحرام، و رابعة بالمصلّين، و على ذلك فالآية بصدد بيان انّ الحاضر حول البيت بين مرتحل و مقيم، فالأوّل كالطائف و الراكع و الساجد، و الثاني كالعاكف، فيجب على الوالد و الولد أي إبراهيم و إسماعيل تطهير البيت لكلتا الطائفتين أي المقيم و المرتحل، و أمّا أنّ حقيقة الاعتكاف قائم بنفس الإقامة في المسجد لأجله سبحانه، فليست الآية بصدد بيانها. و يؤيّد ما ذكرنا و هو العاكف

______________________________

(1) نفس المصدر: 131.

(2) لدروس: 80.

(3) البقرة: 125.

(4) مستند العروة الوثقى: 2/ 224.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 322

..........

______________________________

بمعنى المقيم، في مقابل المرتحل قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ

اللّٰهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ الَّذِي جَعَلْنٰاهُ لِلنّٰاسِ سَوٰاءً الْعٰاكِفُ فِيهِ وَ الْبٰادِ) «1»، فقد فسر العاكف بالمقيم، و الباد بالطارئ و الذي ينتابه من غير أهله. «2»

الثاني: الاستشعار من بعض الأخبار، و عمدتها صحيحة داود بن سرحان، قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت لأبي عبد الله عليه السَّلام: إنّي أُريد أن أعتكف، فما ذا أقول؟ و ما ذا أُفرض على نفسي؟ فقال: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك». «3»

فإنّ ظاهرها السؤال عن حقيقة الاعتكاف قولًا و فعلًا، فلم يُجبه عليه السَّلام بأكثر من العزم على اللّبث، و انّه متى خرج لحاجة ملحَّة يعود فوراً بعد قضائها، فلا يعتبر في حقيقته شي ء آخر وراء ذلك.

يلاحظ عليه: أنّ السؤال لم يتعلّق بحقيقة الاعتكاف، بل تعلّق بشي ء آخر، و هو تحديد الاعتكاف بالنسبة إلى الخروج من المسجد و عدمه، و على فرض الجواز فما هو حدّه؟ فأجاب الإمام عليه السَّلام بحرمة الخروج إلّا لحاجة، فلو خرج فلا يقعد تحت ظلال حتى يعود إلى المسجد، و أمّا أنّ اللبث تمام حقيقة الاعتكاف فليست الرواية بصدد بيانه.

3. وقت الاعتكاف

يصحّ الاعتكاف في كلّ زمان يصحّ فيه الصوم، كما لا يصحّ فيما لا يصحّ فيه الصوم، كالاعتكاف في أيّام العيدين أو فيما إذا كان مسافراً لا مقيماً.

______________________________

(1) الحج: 25.

(2) مجمع البيان: 4/ 81.

(3) الوسائل: 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 323

..........

______________________________

نعم، أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر منه.

أمّا الأوّل فلما رواه السكوني، عن الصادق عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «اعتكاف

عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين». «1»

و أمّا الثاني فلما في صحيحة أبي العباس البقباق، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في شهر رمضان في العشر الأُولى، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يعتكف في العشر الأواخر». 2

4. انقسام الاعتكاف إلى واجب و مندوب

ينقسم الاعتكاف إلى واجب و مندوب. فالواجب منه ما وجب بنذر، أو عهد، أو يمين، أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك. هذا ما أفاده المصنف، و قد تقدّم منّا غير مرّة انّ المستحب لا ينقلب بطروء العنوان الثانوي عليه إلى الواجب، فالاعتكاف مستحب مطلقاً، و إنّما الواجب هو الوفاء بالنذر أو العهد أو اليمين، فالاعتكاف بما انّه مندوب مصداق للوفاء بالنذر، لأنّه نذر ان يأتي بالاعتكاف المستحب، و لو نوى الوجوب لم يف بنذره.

5. جواز الإتيان عن الميت و الحيّ

في جواز الاعتكاف عن الحيّ وجهان. ذهب الشيخ كاشف الغطاء إلى أنّه تجوز نيّته عن الميت و الأموات دون الأحياء خلافاً لصاحب الجواهر حيث قوّى الجواز و قال:

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 1 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

لا يقدح ما فيه من النيابة من الصوم التبعي كالصلاة للطواف و نحوها. «1»

و تبعه المصنّف حيث قال: و لا يضرّ اشتراط الصوم فيه، فإنّه تبعي، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ.

أقول: المرتكز في الأذهان هو عدم جواز النيابة عن الحيّ في الأُمور العباديّة، لأنّ

الغاية المتوخّاة منها لا تتحقّق إلّا بقيام الإنسان بها مباشرة، فقيام الغير بدلًا عن الشخص على خلاف القاعدة، فلا يجوز إلّا إذا ورد فيه النصّ، كما في النيابة في الحجّ عن الحيّ، و ما ذكره من التعليل فهو أشبه بالقياس حيث قيس الصوم في الاعتكاف بالصلاة في الطواف نيابة، و هذا لا يصلح دليلًا، و المهم وجود الدليل العام المجوز للنيابة في الأُمور العبادية و عدمه.

نعم استدلّ على جواز النيابة عن الحي في الأُمور العباديّة بروايتين:

1. ما رواه الكليني بسند صحيح عن محمد بن علي، عن الحكم بن مسكين، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله عليه السَّلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين، يُصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحجّ عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك. «2»

و الاستدلال رهن صحّة السند و ثبوت الدلالة.

أمّا الأوّل فقد روى أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن محمد بن علي (و المراد هو محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بقرينة انّه روى عنه البرقي حوالي مائتين و ستين حديثاً). «3»

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 164.

(2) الوسائل: الجزء 4، الباب 12 من أبواب صلاة القضاء، الحديث 1.

(3) معجم رجال الحديث: 3/ 55.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

قال النجاشي: كان يكنّى أبا سمينة، ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتد في شي ء.

روى الكشي عن الفضل بن شاذان انّه أشهر الكاذبين المشهورين. «1»

و هو يروى عن الحكم بن مسكين الذي لم يرد في حقّه مدح و لا ذم سوى انّ البزنطي و ابن عمير يرويان عنه؛ و هو عن محمد بن مروان المردّد بين البصري الذي هو

من رجال الباقر و الصادق، و الذهلي هو أيضاً من أصحاب الصادق الذي له كتاب و توفّي عام 161 ه. و على كلّ تقدير لم يرد في حقّهما توثيق. نعم وثّق الذهلي السيد الخوئي لكونه من رجال «كامل الزيارات».

هذا حال السند، و أمّا الدلالة فلاحتمال رجوع ضمائر التثنية كلّها إلى «الميتين» لا إلى الوالدين و إن كان بعيداً.

2. ما رواه ابن طاوس عن كتاب «غياث سلطان الورى» عن الحسين بن أبي الحسن العلوي الكوكبي من كتاب «المنسك» عن علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السَّلام: أحجّ و أُصلّي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: «نعم تصدق، و صلّ عنه، و لك أجر بصلتك إيّاه». «2» و السند ضعيف جدّاً.

فقد ظهر ممّا ذكرناه عدم قيام دليل على صحّة النيابة في الاعتكاف عن الحيّ.

______________________________

(1) لاحظ معجم رجال الوسائل، رقم 5326.

(2) الوسائل: الجزء 4، الباب 12 من أبواب صلاة القضاء، الحديث 9.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 326

[و يشترط في صحّته أُمور:]

[الأوّل: الإيمان]

و يشترط في صحّته أُمور: الأوّل: الإيمان فلا يصحّ من غيره.

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل، فلا يصحّ من المجنون و لو أدواراً في دوره و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل. (1)

[الثالث: نية القربة]

الثالث: نية القربة، كما في غيره من العبادات، و التعيين إذا تعدّد و لو إجمالًا. و لا يعتبر فيه قصد الوجه، كما في غيره من العبادات. و إن أراد أن ينوى الوجه، ففي الواجب منه ينوي الوجوب، و في المندوب الندب، و لا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً، لأنّه من أحكامه، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها و لكن الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه، بل تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث.

و وقت النية قبل الفجر، و في كفاية النية في أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان إشكال. نعم لو كان الشروع فيه أوّل الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت، و لو نوى الوجوب في المندوب، أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضر، إلّا

______________________________

(1) ذكر المصنِّف في المقام للاعتكاف شروطاً ثمانية ندرسها واحداً تلو الآخر:

1. الإيمان: فلو أراد منه الإسلام، فقد مرّ انّه لا يصحّ الصوم من الكافر و الاعتكاف مشروطاً بالصوم، على أنّه جنب غالباً فلا يجوز لبثه فيه؛ و إن أراد الإيمان بالمعنى الأخص، و هو كونه موالياً لأئمّة أهل البيت عليهم السَّلام، فقد مرّ أنّه شرط قبول العمل لا صحّته.

2. العقل: فلا يصحّ من المجنون، لعدم قصده و إن كان أدوارياً إذا صادف اعتكافه في دوره، و منه يظهر حال السكران، و لا من المغمى عليه و إن سبقت منه النية، للفرق الواضح بين النوم و الإغماء، كما مرّ في الفصل التاسع المختص لبيان شرائط الصحة.

الصوم في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 327

إذا كان على وجه التقييد لا الاشتباه في التطبيق. (1)

______________________________

(1) ذكر المصنّف في هذا الشرط أُموراً:

1. إتيان العمل للّه سبحانه المعبَّر عنه بقصد القربة.

2. التعيين إذا تعدّد ما في ذمّته من الاعتكاف، كما فيما لو نذر: إن شفى مريضه، اعتكف؛ و إن رزق ولداً، اعتكف.

3. عدم اعتبار قصد الوجه من الوجوب و الندب و كيفيته إذا نوى.

4. وقت النيّة قبل الفجر.

5. لو نوى الوجوب في المندوب أو العكس.

و إليك دراسة الكلّ واحداً بعد الآخر:

1. اشتراط قصد القربة

يشترط في صحّة الاعتكاف قصد القربة، لأنّه عبادة، و روحها هو قصد التعبّد و إتيان العمل للّه سبحانه، و يشير إليه قوله سبحانه: (أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ)، لظهور كون تطهير البيت لغاية العبادة، مضافاً إلى كون المعطوف، المعطوف عليه في الآية من مقولة العبادة و وحدة السياق تقضي كونه كذلك. لكن عرفت أنّه من المحتمل أن يكون المراد من العاكفين، هو المقيمين، لا المعنى المصطلح.

2. قصد التعيين إذا تعدّد ما في وقته

قد تقدم الكلام في ذلك في الفصل الأوّل من كتاب الصوم عند شرح قوله: «و يعتبر فيما عدا شهر رمضان من الواجب أيضا القصد إلى نوعه، من الكفارة، أو القضاء أو النذر، ...» و قلنا هناك ما هذا حاصله:

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 328

..........

______________________________

إنّ اختلاف الآثار يدل على اختلاف الطبائع و القيود المأخوذة فيها، و لذلك تعدّ طبيعة صوم القضاء غير طبيعة صوم الكفّارة، و طبيعتهما غير طبيعة صوم النذر، كما أنّ طبيعة صلاة الظهر غير طبيعة صلاة العصر، لاختلاف آثارهما. «1»

و على ضوء ذلك فلو كان ما عليه من الاعتكافين، غير مختلفين في الأثر، فلا

يجب التعيين كما في المثال السابق حيث نذر أن يعتكف ان شفى مريضه، و نذر أيضاً أن يعتكف إن رزق ولداً، فيأتي باعتكافين و يسقط ما هو الواجب، لأنّ عليه اعتكافين غير متميزين في الواقع، مثل ما إذا كان عليه درهمان للغير، فيكفي إذا أتى بها للّه سبحانه أو إذا دفع الدرهمين إلى الدائن فإذا كان الواجبان غير متميّزين في الواقع فلا يجب قصد التميّز بإتيان أحدهما لغاية امتثال ذاك النذر و الآخر لذلك.

و أمّا إذا كان ما عليه من الواجبين مختلفين في الأثر، فيكون كلّ من الواجبين متميزاً عن غيره في ذمّته كما في المثالين لكن بتفاوت انّه نذر أن يعتكف نيابة عن أبيه عند شفاء ولده و عن أُمّه عند رزق الولد، فلا يحسب العمل لواحد منهما إلّا بالنيّة، و نظيره ما إذا كان عليه اعتكافان أحدهما نيابة عن أبيه و الآخر عن نفسه، فانّ الثاني و إن كان لا يتوقّف على النية لكن الأوّل رهن النية، إذ النيابة من العناوين القصدية.

3. عدم اعتبار قصد الوجه

قد حقّقنا في محلّه انّه لا يعتبر في صحّة العبادة سوى الإتيان بها للّه سبحانه، و أمّا قصد وجه العمل من كونه واجباً أو مندوباً فلا يجب، و ما استدل لوجوبه غير تام.

و على فرض الالتزام بما لا يلزم قال المصنِّف ينوي الوجوب في الواجب و الندب في المندوب و ما ذكر مبني على أنّ المندوب إذا تعلّق به النذر ينقلب و يصير واجباً، لكن

______________________________

(1) لاحظ الجزء الأوّل: 20 من هذا الكتاب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

عرفت أنّ انطباق عنوان واجب على أمر عبادي لا يجعله واجباً بل يبقى على ما كان عليه، و

إنّما الواجب هو العنوان المنطبق عليه، أعني: الوفاء بالنذر، غير انّ الوفاء به رهن الإتيان بالاعتكاف المندوب بالذات، و على ذلك فليس له إلّا وجه واحد و هو الندب.

و لا ينافي ذلك، لزوم الاعتكاف في اليوم الثالث مطلقاً حتى لو اعتكف خمسة أيام، وجب السادس و هكذا، لأنّه من أحكام الاعتكاف إذا استمر إلى يومين، نظير إتمام النافلة إذا شرع، على القول به، و إتمام الحجّ بعد الإحرام، مع كون الشروع مستحباً.

4. وقت النية قبل الفجر

أمّا وقت نيته فهو قبيل الفجر، كما هو الحال في الصوم، و الاعتكاف هو اللبث في المسجد صائماً فيكون مبدؤُه مبدأه، إنّما الكلام في صحّة النية أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان، فقد استشكل فيه المصنِّف، بعد الإجماع على صحته في الصوم، و ذلك لأنّ الأصل هو اعتبار مقارنة النيّة للعبادة، و جواز التقديم من أوّل الليل في الصوم لا يقتضي القول به، لأنّ المكث في المسجد يجب أن يقع على وجه العبادة فلا بدّ من المقارنة.

أقول: لا شكّ في عدم صحّة العمل إذا فسِّرت النية بالإخطار بالبال، لعدم وجوده مع كونه نائماً في أوّل الفجر إنّما الكلام في صحّته إذا فسّرت بالداعي المركوز في النفس، و الظاهر صحّته، لأنّ من دخل المسجد ناوياً فيه اللبث فيه في المسجد من الفجر إلى ثلاثة ثمّ نام مع هذه النية، يعد بقاؤه في المسجد عملًا اختيارياً نابعاً عن نيته المستمرة في حالتي اليقظة و النوم، لأنّ لبثه في حالة النوم، و إن كان خارجاً عن الاختيار، لكنّه لأجل انتهائه إلى ما بالاختيار، و هو إرادة اللبث في المسجد للّه سبحانه من أوّل

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 330

[الرابع: الصوم]

الرابع: الصوم فلا يصحّ بدونه، و على هذا فلا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم فيها و لا من الحائض و النفساء، و لا في العيدين، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ و إن كان غافلًا حين الدخول.

نعم، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد، فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصحّ، و إن كان على وجه الإطلاق لم يبعد صحّته، فيكون العيد فاصلًا بين أيّام الاعتكاف. (1)

______________________________

الليل يعدّ فعلًا اختياريّاً مقروناً بالنيّة.

5. لو نوى الوجوب مكان الندب

لو نوى الوجوب مكان الندب أو بالعكس، فقد فصّل الماتن بين ما إذا كان على وجه التقييد فيبطل، دون ما إذا كان من باب الخطأ في التطبيق. و قد مضى الفرق بين الأمرين في الفصل الأوّل، فلو اعتكف ناوياً للوجوب مع كونه مندوباً، على وجه لو لا كونه واجباً لما اعتكف فهو من قبيل التقييد، فيحكم بالبطلان، لأنّه ليس بصدد امتثال الأمر الواقعي الذي هو الأمر الندبي، بخلاف ما لو قصد امتثال أمره سبحانه على كلّ تقدير، لكنّه زعم انّ أمره في المقام هو الوجوبي على وجه لو وقف على خطئه لعدل إلى قصد الأمر الندبي، فيحكم بالصحّة.

غير انّك عرفت أنّه ليس لنا إلّا أمر واحد و هو الأمر الندبي و ليس للاعتكاف إلّا قسم واحد، و مع ذلك يمكن تصوير التقييد و التطبيق بالنسبة إلى الأمر المتعلّق بالنذر، فلاحظ.

(1) ذكر في المقام أُموراً:

الأمر الأوّل: لا يصحّ الاعتكاف إلّا بالصوم.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 331

..........

______________________________

الأمر الثاني: لا يصحّ إلّا ممن يجوز له الصوم، فخرج من لا يصحّ منه الصوم.

الأمر الثالث: لا يصحّ

الاعتكاف إلّا في زمان يصحّ فيه الصوم، فخرج العيدان.

الأمر الرابع: لو نوى اعتكاف زمان يكون الرابع أو الخامس فيه عيداً، ففيه التفصيل بين التقييد و الإطلاق.

و إليك دراسة الجميع واحداً تلو الآخر.

أمّا الأوّل: فهو أمر متفق عليه و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام أنّه قال: «لا اعتكاف إلّا بصوم». «1»

و في صحيحه الآخر: «و تصوم ما دمت معتكفاً». 2 و غيرهما من الروايات. و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و مالك، و الثوري، و الاوزاعي، و به قال ابن عمر، و ابن عباس، و عائشة في التابعين خلق. و قال الشافعي: يصحّ الاعتكاف بغير صوم، و يصحّ أن يفرّد الليل و العيدين و أيّام التشريق بالاعتكاف، و به قال أحمد. 3

و أمّا الثاني: أي عدم صحّة الاعتكاف إلّا ممّن يصحّ منه الصوم، فخرجت الحائض و النفساء و المسافر في غير ما يجوز له الصوم.

أمّا الأُوليان فعدم الصحّة مستند إلى حرمة لبثهما في المسجد، قبل أن يكون مستنداً إلى عدم صحّة صومهما، فكأنّ المصنِّف ترك التعليل بالذاتي، و علّله بالعرضي، أمّا الثالث فدليله واضح، فانّ صحّة الصوم مشروطة بعدم السفر في الأدلّة الشرعية، هذا من جانب.

و من جانب آخر دلّ الدليل على عدم صحّة الاعتكاف إلّا بالصوم، و معنى ذلك انّ الاعتكاف يكون مشروطاً بالصوم بكلّ قيوده و شروطه.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 2 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3 و 1.

(2) 3 الخلاف: 2/ 227، كتاب الاعتكاف، المسألة 92.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

و قد خالف في ذلك ابنا بابويه فقالا بصحّة الاعتكاف نفلًا في السفر. و اختاره الشيخ في المبسوط و قال: المسافر و كلّ

من لا تجب عليه الجمعة يصحّ اعتكافه من عبد أو امرأة أو مريض أو مسافر. «1»

و صحّحه ابن إدريس، و قال العلّامة: الأقرب، الكراهة.

احتج القائل بالصحّة بأنّه عبادة مطلوبة للشارع لا يشترط فيها الحضر فجاز صومها في السفر. و أجاب العلّامة بقوله: نمنع من عدم اشتراط الحضر، فانّه مشروط بالصوم المشروط بالحضر، و شرط الشرط شرط.

و الظاهر ابتناء المسألة على جواز الصوم المندوب للمسافر و عدمه، و قد تقدّم حكمه.

و أمّا الأمر الثالث: أي اشتراطه بزمان يصحّ فيه الصوم فخرج العيدان، فقد ظهر وجهه ممّا سبق، فإنّ صحّة الاعتكاف فرع صحّة الصوم، و صحّته مشروطة بغير هذين اليومين.

و أمّا الأمر الرابع: لو نوى اعتكاف زمان يكون الرابع أو الخامس عيداً.

فقد قال المصنف بالبطلان إذا كان على وجه التقييد بالتتابع، لأنّ الاعتكاف أمر واحد لا يُتبعض، فقد نوى اعتكافاً واحداً لا يصحّ الصوم في بعض أجزائه، على وجه لو لم يكن جزءاً للاعتكاف لما اعتكف.

و هذا بخلاف ما إذا كان على وجه الإطلاق فقد احتمل المصنِّف أن يكون العيد فاصلًا بين أيّام الاعتكاف.

و الظاهر عدمه لما عرفت من أنّ الاعتكاف عمل واحد لا يتبعّض، فلو كان

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 292.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 333

[الخامس: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام]

الخامس: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، فلو نواه كذلك بطل.

و أمّا الأزيد فلا بأس به و إن كان الزائد يوماً، أو بعض يوم، أو ليلة أو بعضها و لا حدّ لأكثره.

نعم لو اعتكف خمسة أيّام، وجب السادس، بل ذكر بعضهم انّه كلّما زاد يومين وجب الثالث، و لو اعتكف ثمانية أيّام، وجب اليوم التاسع و هكذا و فيه تأمّل. (1)

______________________________

الباقي بعد إخراج يوم العيد ثلاثة يكون

اعتكافاً جديداً، فإذا كان أقلّ يبطل الاعتكاف فيه.

(1) ذكر في المقام أُموراً أربعة:

1. أقلّ الاعتكاف ثلاثة.

2. تجوز الزيادة و إن كان يوماً أو بعضه.

3. لا حدّ لأكثره.

4. لو اعتكف خمسة وجب السادس و هكذا.

و إليك دراسة الجميع واحداً تلو الآخر.

1. أقلّ الاعتكاف ثلاثة

أقلّ ما ينعقد به الاعتكاف ثلاثة أيّام، قال المحقّق: و قد أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز أقلّ من ثلاثة أيّام، بليلتين و أطبق الجمهور على خلاف ذلك. «1»

و قال العلّامة في «التذكرة»: «هذا قول علمائنا أجمع». «2»

______________________________

(1) المسالك: 2/ 93، قسم المتن.

(2) التذكرة 6/ 242.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

و في الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام». «1»

و أمّا الجمهور فقد نقل الشيخ أقوالهم في الخلاف و قال: و من وافقنا في اعتبار الصوم فيه قال: أقلّه يوم و ليلة، و من لم يعتبر الصوم مثل الشافعي و غيره قال: أقلّه ساعة و لحظة. و قال في سنن حرملة: المستحب أن لا ينقص عن يوم و ليلة. «2»

2. جواز الزيادة و إن كان يوماً

تجوز الزيادة على الثلاثة و إن كان يوماً أو بعض يوم. و استدلّ عليه بوجهين:

1. إطلاق أدلّة مشروعيتها من الكتاب و السنّة حيث إنّه لم يُحدَّد إلّا من جانب القلّة لا الكثرة، فتبقى الإطلاقات بحالها.

2. موثق أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السَّلام في حديث قال: «من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أُخر، و إن شاء خرج من المسجد، فان أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أُخر». «3» فانّ مفهوم الذيل جواز

الخروج قبل استكمال اليومين بعد الثلاثة، كأن يخرج في اليوم الرابع، فيدلُّ بالدلالة الالتزامية على جواز نيّة الاعتكاف بهذا المقدار من أوّل الأمر.

و في كلا الوجهين نظر:

أمّا الأوّل، فانّ ما ورد في المصدرين، ليس بصدد بيان مدته، حتى يتمسّك بإطلاقه.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2، و لاحظ أحاديث الباب.

(2) الخلاف: 2، كتاب الصوم، 232، المسألة 101.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

فهو تارة بصدد بيان كونه مشروطاً بالصوم كما في قوله: «لا اعتكاف إلّا بصوم». «1» أو زمانه الأفضل كقول الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين و عمرتين» «2».

أو مكانه كقوله عليه السَّلام: «لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع». «3» أو لبيان أقله زماناً كقوله: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام». «4» و ليس هناك أمر بالاعتكاف، مجرّداً عن بيان هذه الخصوصيات حتى يؤخذ بإطلاقه بأن يقول: «من اعتكف فله كذا و كذا».

و أمّا الثاني، فهو يدلّ على جواز الخروج قبل إتمام اليومين إذا بدا له الخروج لا انّ له أن ينوي عند الاعتكاف الخروج قبل استكمالهما، فما في المتن تبعاً للجواهر «5» من قوله: «و له أن يأتي بالأزيد» محل تأمل.

نعم يمكن الاستدلال بعمل النبيّ حيث اعتكف بعشر في شهر رمضان، فانّ اليوم العاشر بعد التسعة، كاليوم الرابع بعد الثلاثة، فلاحظ.

3. لا حدّ لأكثره

و استدلّ له بأنّ النصوص متعرضة للتحديد في طرف الأقل من دون تعرض للأكثر، و فيه تأمل، لأنّ عدم التعرض لا يكشف عن عدم التحديد خصوصاً انّ العبادة

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب

2 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3، 4، 5، 6. لاحظ روايات الباب.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1. لاحظ روايات الباب.

(4) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2 و غيره

(5) الجواهر: 17/ 166.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 336

و اليوم من طلوع الفجر، إلى غروب الحمرة المشرقية، فلا يشترط إدخال الليلة الأُولى، و لا الرابعة و إن جاز ذلك كما عرفت، و يدخل فيه الليلتان المتوسطتان و في كفاية الثلاثة التلفيقيّة إشكال. (1)

______________________________

أمر توقيفي، لا يصلح التقرب به إلّا بما ورد في الشرع. و قد مرّ انّ رسول اللّه اعتكف عشرة أيام، و عشرين، عشراً لعامه و عشراً قضاء لما فاته. «1»

4. لو اعتكف خمسة يجب السادس

و يدلّ عليه موثق أبي عبيدة الماضي، قال في المدارك: و مقتضى هذه الرواية وجوب السادس أيضاً، و يلزم من ذلك وجوب كلّ ثالث، إذ لا قائل بالفصل، و ربما كان في الرواية إشعار بذلك. «2» و قد تبع في ذلك جده في المسالك حيث قال: أمّا السادس فهو منصوص خبر أبي عبيدة عن الباقر عليه السَّلام: أمّا ما بعده فلعدم القائل بالفرق «3».

لكن التمسّك في مثل هذه المسألة بالإجماع المركب، كما ترى و انقلاب العمل المندوب واجباً، يتوقف على الدليل و قد ورد في السادس، دون التاسع و الثاني عشر، و لذلك تأمّل المصنِّف.

(1) اليوم لغة و عرفاً عبارة عن البياض المتحقّق بطلوع الشمس إلى غروبها لكن دخول ما بين الفجرين، لأجل اشتراط صحّة الاعتكاف بالصوم، و هو محدّد بالإمساك من الفجر الصادق إلى الغروب و أمّا دخول الليلين

المتوسطين، فلأنّه المتبادر من العمل

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

(2) المدارك: 6/ 313.

(3) المسالك: 2/ 96.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 337

[السادس: أن يكون في المسجد الجامع]

السادس: أن يكون في المسجد الجامع، فلا يكفي في غير المسجد، و لا في مسجد القبيلة و السوق. و لو تعدّد الجامع تخيّر بينها، و لكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة: مسجد الحرام، و مسجد النبي، و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة. (1)

______________________________

المتصل المستمرّ خصوصاً بالنظر إلى ما ورد من عدم الخروج عن المسجد إلّا لضرورة الدال على دخولهما في الاعتكاف، و أمّا خروج الليلة الأُولى، فلما عرفت من توقف صحّته على الصوم الظاهر في كونه مبدوءاً به، فيخرج الليلة الأُولى، و الرابعة مضافاً إلى النص الوارد في الأخير. «1»

كفاية الثلاثة التلفيقية و عدمها

هل تكفي الثلاثة التلفيقيّة بأن تبتدئ من ظهر أوّل شهر رجب إلى ظهر اليوم الرابع منه أو لا؟ فيه وجهان مبنيان على أنّ الاعتبار في أمثال هذه التقديرات، على المقدار، كما هو الحال في مثل أقلّ الحيض و أكثره، و أكثر النفاس و إقامة العشرة و العدّة و مدة الخيار، و نزح البئر و إجارة البيوت و الفنادق، و على أنّ الوارد في النصوص هو ثلاثة أيّام و اليوم عبارة عن بياض بين مطلع الشمس و مغربها، و الملفّق من اليومين، ليس يوماً واحداً حقيقة، بل هو يومان و نصفا يوم، فلا تصدق ثلاثة أيّام.

و الظاهر هو الثاني لما تقدّم من ظهور الأدلة باقتران الاعتكاف بالصوم الذي لا يكون إلّا في تمام اليوم، فعدم الاكتفاء هو الأقوى.

(1) قال الشيخ في الخلاف: لا ينعقد الاعتكاف لأحد رجلًا كان أو امرأة

إلّا في

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 7.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 338

..........

______________________________

المساجد الأربعة، التي هي: المسجد الحرام، و مسجد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة إلى أن قال: و قال الشافعي في القديم و الجديد: يكره لها أن تعتكف في غير مسجد بيتها، و هو الموضع المنفرد في المنازل للصلاة. و به قال أبو حنيفة. «1»

و حكى ابن قدامة في المغني عن حذيفة: انّ الاعتكاف لا يصحّ إلّا في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، و المسجد الأقصى، و مسجد رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم. «2»

أقول: المسألة عندنا ذات أقوال:

1. لا يصحّ إلّا في مسجد أقام الإمام فيه الجمعة

و قال الشيخ و السيد المرتضى: لا يصحّ الاعتكاف إلّا في أربعة مساجد كما عرفت. و به قال الصدوق في الفقيه، و سلّار، و أبو الصلاح، و ابن البراج، و ابن حمزة، و ابن إدريس.

وجه التخصيص: انّه قد أقام صلاة الجمعة فيها إمام عدل كالنبي و الوصي، و ذكر ابن بابويه مكان مسجد البصرة، مسجد المدائن، و لكنّه في غير محلّه، إذ لو كان الملاك هو إقامة الجمعة، فلم يصل الحسن المجتبى عليه السَّلام فيه إلّا صلاة جماعة لا جمعة. «3»

2. ما صلّى فيه الإمام جماعة

لا يجوز الاعتكاف إلّا في مسجد صلّى فيه الإمام جماعة، و لذلك عطف ابن بابويه مسجد المدائن على الأربعة كما سيوافيك و إلى ذينك القولين أشار المحقّق و قال:

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 227، كتاب الاعتكاف، المسألة 91.

(2) المغني: 3/ 188.

(3) المختلف: 3/ 580.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

و

ضابطه كلّ مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة، و منهم من قال جمعة. «1»

3. المسجد الجامع

لا يصحّ الاعتكاف إلّا في المسجد الجامع. قال المفيد: و لا يكون الاعتكاف إلّا في المسجد الأعظم، و قد روي انّه لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي. «2» و هو خيرة المحقّق قال: فلا يصحّ إلّا في مسجد جامع. «3» و هو خيرة أكثر المتأخرين.

4. مساجد الجماعات

يظهر من ابن أبي عقيل انّه يجوز الاعتكاف في مساجد الجماعات. قال: الاعتكاف عند آل الرسول عليهم السَّلام لا يكون إلّا في المساجد. و أفضل الاعتكاف في المسجد الحرام إلى أن قال: و سائر الأمصار، مساجد الجماعات. «4»

و على كلّ تقدير فالفرق بين القولين الأوّلين قليل جداً، إذ على الأوّل (شرطية إقامة الإمام المعصوم الجمعة) يختص جواز الاعتكاف بالمساجد الأربعة، و على الثاني (شرطية إقامة الجماعة فيه) يعمّ الجواز مسجد المدائن أيضاً فانّ المروي انّ الحسن عليه السَّلام صلّى فيه جماعة لا جمعة. فمع غضّ النظر عن الفرق القليل بين القولين ندرس دليلهما معاً فنقول:

استدل للقولين بوجوه ثلاثة:

الأوّل: رواية عمر بن يزيد و رواها المشايخ الثلاثة:

1. روى الكليني بسند صحيح إلّا أنّ فيه سهل بن زياد قال: قلت لأبي

______________________________

(1) المسالك: 2/ 99 قسم المتن.

(2) المقنعة: 363.

(3) المسالك: 2/ 99.

(4) المختلف: 3/ 578.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 340

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السَّلام ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: «لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاةَ جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكة». «1»

2. روى الشيخ في التهذيب

مضافاً إلى ما نقله الكليني عن علي بن الحسن ابن الفضّال، عن محمد بن علي، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد مثل ذلك. «2»

و ذكر السيد الخوئي انّ الطريق معتبر، لأنّ المراد ب «محمد بن علي» الواقع في السند، هو محمد بن علي بن محبوب بقرينة روايته عن الحسن بن محبوب. «3»

و فيه تأمّل، لأنّ الراوي عنه هو علي بن الحسن بن الفضّال الذي كان من أصحاب الإمام الهادي عليه السَّلام المتوفّى عام 254 ه، و العسكري عليه السَّلام المتوفّى عام 260 ه، و أمّا محمد بن علي بن محبوب فقد عدّه الشيخ في رجاله ممن لم يرو عن الأئمّة و قال: روى عنه أحمد بن إدريس (المتوفّى عام 306) و محمد بن يحيى العطار.

هذا من جانب و من جانب آخر انّهما يرويان أيضاً عن محمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة، المتوفّى حوالي 290 ه فيكون محمد بن علي بن محبوب في مرتبة صاحب النوادر.

و أمّا علي بن الحسن بن الفضّال، فهو من أصحاب الإمامين، فلو لم يكن متقدماً عليه في المرتبة فهما معاصران.

و ممّا يشهد على خلاف ما ذكره انّ محمد بن علي بن محبوب يروي عن أحمد بن

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 340

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 8.

(2) التهذيب: 4/ 290 برقم 883.

(3) مستند العروة الوثقى: 2/ 353.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

الحسن بن علي بن فضّال الذي هو أخو «علي بن الحسن بن فضّال» و

إن كان أكبر منه. و لعلّ المراد هو محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة و استثناه ابن الوليد من اسناد نوادر الحكمة.

3. رواه الصدوق بسند صحيح عن الحسن بن محبوب و سنده إليه صحيح و إن كان في طريقه إليه محمد بن موسى المتوكّل لكن ادّعى ابن طاوس الإجماع على وثاقته و وثّقه ابن داود و العلّامة، و قد صحّح العلّامة الطريق في الخلاصة. «1»

هذا هو حال السند و أمّا الدلالة: فالظاهر انّها تامّة، فانّ الإمام العادل و إن كان كالشاهد العادل يطلق على كلّ إمام عادل مقام إمام فاسق، لكن نفي البأس عن الاعتكاف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مكة الدالّ على وجوده في غيرها دليل على أنّ المراد هو الإمام المعصوم، و ذلك لأنّ نفي البأس عن الاعتكاف في هذه المساجد دون غيرها، لو كان بملاك إقامة الإمام المعصوم الجماعة أو الجمعة فيها، فيكون قرينة على أنّ المراد من الإمام العادل في الصدر، هو الإمام المعصوم لا كلّ من يجوز به الاقتداء، إذ لو كان الملاك هو الأعم من المعصوم و غيره، فما وجه تخصيص نفي البأس به؟

و بذلك يظهر ضعف ما أورد على الاستدلال بأنّ الإمام العدل كالشاهد العدل لا ينسبق إلى الذهن منه عند الإطلاق إلّا من يصحّ الاقتداء به في الجماعة في مقابل من لا يصحّ كحكام الجور. «2» و ذلك لما عرفت من أنّه لو أُريد ذلك، كان نفي البأس عن خصوص الأربعة دون غيرها بلا وجه، إذ ما أكثرَ المساجد التي أقام الإمام العدل فيها جماعة.

______________________________

(1) معجم رجال الوسائل: 2/ 496.

(2) مستند العروة:

2/ 353.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 342

..........

______________________________

أضف إلى ذلك، انّ لازم ذلك جواز الإقامة في خصوص مسجد صلّى فيه الإمام العدل، و هو شرط لم يقل به أحد، و لذلك التجأ قدّس سرَّه إلى حمله على الاستحباب، و هو كما ترى.

الثاني: الفقه الرضوي: وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام، و مسجد الرسول، و مسجد الكوفة، و مسجد المدائن، و لا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة، و العلّة في ذلك انّه لا يعتكف إلّا في مسجد جمع فيه إمام عادل، و جمع رسول اللّه بمكة و المدينة و أمير المؤمنين في هذه المساجد الثلاثة، و قد روي في مسجد البصرة. «1»

الثالث: مرسلة المفيد: روي أنّه لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي، قال: و هي أربعة مساجد: المسجد الحرام جمع فيه رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و مسجد المدينة جمع فيه رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و أمير المؤمنين عليه السَّلام، و مسجد الكوفة و مسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين عليه السَّلام. و رواه الصدوق أيضاً في المقنع مرسلًا. «2» و لعلّ مصدر المرسلتين هو صحيحة عمر بن يزيد بقرينة تقارب ألفاظهما في بعض المقاطع.

و الذي يمكن أن يقال: انّ الظاهر من الآيات و الروايات الواردة في الاعتكاف انّه تشريع عالميّ لا يختص ببلد دون بلد كما هو مقتضى قوله سبحانه: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَقْرَبُوهٰا) «3»، لكن لازم تخصيصه بالمساجد الأربعة أو الخمسة هو عدم تمكن المسلم منه إلّا إذا كان من أهلها أو سافر إليها و أقام فيها

عشرة أيّام و هو كما ترى، فلا محيص من حمل الحديث على الاستحباب

______________________________

(1) الفقه الرضوي: 36.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 12.

(3) البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 343

..........

______________________________

المؤكّد في المساجد الأربعة.

و أمّا القول الثالث: عدم جواز الاعتكاف إلّا في المسجد الجامع، فقد ورد في غير واحد من الروايات:

1. صحيح الحلبي: عن أبي عبد الله عليه السَّلام: «لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع». «1»

2. معتبر داود بن سرحان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إنّ عليّاً عليه السَّلام كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام و مسجد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، أو مسجد جامع». 2

3. خبر علي بن النعمان، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سئل عن الاعتكاف إلى أن قال: لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، أو مسجد جامع». 3

و الموجود في التهذيب 4 هو لفظ «جامع» بلا ضم «جماعة» كنسخة كما في الوسائل المطبوعة.

و أمّا القول الرابع: أي مساجد الجماعات، فقد اتخذ الموضوع المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام: «لا يصلح العكوف في غيرها يعني: مكة إلّا أن يكون في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أو في مسجد من مساجد الجماعة». 5

و صحيحة يحيى بن العلاء الرازي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا يكون اعتكاف إلّا في مسجد جماعة». 6

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 3

من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1، 10، 5.

(2) 4 التهذيب: 4/ 264، برقم 468 فلاحظ.

(3) 5 و 6 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 344

[السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه]

السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه، سواء كان قناً، أو مدبراً، أو أُمّ ولد، أو مكاتباً لم يتحرّر منه شي ء و لم يكن اعتكافه اكتساباً. و أمّا إذا كان اكتساباً فلا مانع منه. كما أنّه إذا كان مبعضاً فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن، بل مع المنع منه أيضاً، و كذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره الخاص، و إذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه، و إذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما، إذا كان مستلزماً لإيذائهما، و أمّا مع عدم المنافاة و عدم الإيذاء فلا يعتبر

______________________________

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: سئل عن الاعتكاف؟ قال: «لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة، و تصوم ما دمت معتكفاً». «1»

و لكن الظاهر انّ المراد منها، المسجد الجامع لمختلف الناس، في مقابل مسجد القبيلة أو المحلّة، فبما انّها وصف للمسجد يكون المراد منه، المسجد الجامع، و إلّا يكون القيد زائداً، لأنّ المسجد بما هو هو معدّ للجماعة، قلّت أو كثرت.

فتلخص انّ الأقوى، هو القول الثالث الذي اختاره المفيد، و أمّا ما رواه العلّامة في «المنتهى» عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا اعتكاف إلّا بصوم، و في المصر الذي أنت فيه». «2» ففيه مضافاً إلى ضعف سنده لأنّ العلّامة نقلها عن

جامع البزنطي بالوجادة من دون أن يذكر سنداً إليه أنّ الحديث مجمل، و لعلّ المراد من حصر الاعتكاف في المصر الّذي هو فيه، هو النهي عن الاعتكاف في السفر، و السائل أسديّ بالولاء، كوفي الموطن، و إلّا يكون الحصر غير صحيح لصحة الاعتكاف في غير مسجد الكوفة كما في المساجد الثلاثة.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 7.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 11.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 345

إذنهم، و إن كان أحوط، خصوصاً بالنسبة إلى الزوج و الولد. (1)

______________________________

(1) في المسألة فروع:

1. يشترط في صحّة اعتكاف العبد إذن سيده إلّا في العبد المكاتَب الذي كان اعتكافه اكتساباً لأداء دينه لمولاه، و إلّا العبد المبعّض الذي هاياه و قاسمه مولاه فيجوز الاعتكاف في نوبته بلا حاجة إلى الإذن، بل مع المنع عنه.

2. إذن المستأجِر بالنسبة إلى أجيره الخاص.

3. إذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه.

4. إذن الوالد و الوالدة بالنسبة إلى الولد.

و إليك دراسة الكلّ واحداً تلو الآخر.

أمّا الأوّل: فلأنّ المفروض انّه لا يملك شيئاً، فحركاته و سكناته للمولى، فصرفها في الاعتكاف تصرف في حقّه و مالِه، و لا يصحّ إلّا بإذنه من غير فرق بين القِنّ و المدبَّر و أُمّ ولد. و أمّا المكاتب فالمبعّض منه يجوز إذا هاياه مولاه و قاسمه بأن جعل أُسبوعاً له و أُسبوعاً للعبد، فيجوز في نوبته، و غير المبعَّض، يجوز إذا كان الاعتكاف اكتساباً لأداء دينه، و يصح حتى مع المنع، لأنّ ذلك مقتضى عقد المكاتبة.

قال الشهيد: و المبعض كالقنّ، نعم لو هاياه مولاه و اعتكف في نوبته فالأقوى الجواز ما لم يؤدِّ إلى الضعف في

نوبة السيد. «1» و على كلّ تقدير فعدم الابتلاء بالموضوع يغنينا عن بسط الكلام فيه.

أمّا الثاني: فقد فصل المصنِّف بين الأجير الخاص و غيره. فاعتبر في الأوّل في صحّة الاعتكاف إذن المستأجِر، دون الثاني، لأنّ الأجير الخاص أشبه بالعبد فانّ منافعه

______________________________

(1) الدروس: 1/ 298.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 346

..........

______________________________

له كخادم البيت و الموظف في الدوائر، أو العامل في المصانع فقد ملك المستأجر، ما يصرفه الأجير في الاعتكاف اللّهمّ إلّا إذا لم يكن منافياً للاعتكاف، كما إذا صار أجيراً لعمارة المسجد و حفر بئره أو كنسه من الأعمال التي يقوم بها العامل في المسجد، و أمّا الأجير غير الخاص كما إذا آجره للسفر في وقت خاص فخالف و اعتكف، فبطلان الاعتكاف يتوقف على أنّ الأمر بالشي ء كالسفر مقتض للنهي عن ضدّه كالاعتكاف، و انّ مثل هذا النهي موجب للفساد و كلاهما ممنوعان، و على فرض التسليم، يمكن تصحيح الاعتكاف عن طريق الترتب بأن يكون مأموراً بالوفاء بالعقد، و إن عصى فبالاعتكاف.

و أمّا الثالث: فلأنّ الاعتكاف عبارة عن اللبث في المسجد ثلاثة أيام هذا من جانب، و من جانب آخر يحرم عليها الخروج عن الدار و المكث خارجه بلا إذن الزوج، فيكون المكث في المسجد، منافياً لحقّه، فيكون مبغوضاً لا يمكن التقرّب به.

نعم الخروج من البيت بما جرت عليه العادة على نحو لا يعد منافياً لحقّه، كالخروج لشراء ما تحتاج إليه، أو لزيارة الوالدين، أو الحرم الشريف، خارج عن حريم النهي في صحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «جاءت امرأة إلى النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقالت: يا رسول اللّه ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال

لها: أن تطيعه، و لا تعصيه، و لا تُصدِّق من بيته إلّا بإذنه، و لا تصوم تطوعاً إلّا بإذنه إلى أن قال: و لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه». «1»

نعم لو لم يكن المكث في المسجد منافياً لحقّه، كما إذا كان المسجد سكناً لها، يصح اعتكافها بلا إذنه، بل مع نهيه.

و أمّا الرابع: أي إذن الوالد و الوالدة في اعتكاف الولد إذا كان مستلزماً لإيذائهما،

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 14، الباب 79 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

فهو أمر قابل للتأمل، لأنّ الحاصل من الآيات التالية، هو وجوب المعاشرة و المصاحبة الحسنة معهما، و الإحسان إليهما، قال سبحانه: (وَ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ لٰا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً). «1»

(وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً إِمّٰا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمٰا أَوْ كِلٰاهُمٰا فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لٰا تَنْهَرْهُمٰا وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلًا كَرِيماً* وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً). «2»

(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً). «3»

(وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَلىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً). «4»

و الآيات تدلّ على وجوب حسن المعاشرة و الإحسان إليهما، و أمّا وجوب إطاعتهما في غير الحرام مطلقاً، و لو كان على ضرر الولد، و لغير صالحه فلم يدلّ عليه دليل.

فإن قلت: دلّت الآية على حرمة التأفيف و النهر و الزجر، و بوجه أولى الضرب، فيكون الجامع هو حرمة إيذائهما، فإذا كان الاعتكاف سبباً له فيحرم، فيكون مبغوضاً، و هو لا يصلح للتقرّب.

قلت: القدر المتيقن هو حرمة إيذائهما في الأُمور التي يرجع إليهما

في مجال المعاشرة و المصاحبة، و أمّا ما لا يرجع إليهما من الأُمور التي تسبّب إيذاءهما، فلا دليل على وجوب الإطاعة، فالأولاد أحرار في انتخاب المهنة و الزوجة، و السير و السفر و إن صار سبباً لإيذائهما، و على ضوء ذلك فيصحّ اعتكافه من دون اعتبار إذنهما، بل مع نهيهما. و اللّه العالم.

______________________________

(1) النساء: 36.

(2) الإسراء: 2423.

(3) العنكبوت: 8.

(4) لقمان: 15.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 348

[الثامن: استدامة اللبث في المسجد]

الثامن: استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج عمداً اختياراً لغير الأسباب المبيحة، بطل، من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به. و أمّا لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل. و كذا لو خرج لضرورة عقلًا، أو شرعاً، أو عادة، كقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة و نحو ذلك. و لا يجب الاغتسال في المسجد و إن أمكن من دون تلويث، و إن كان أحوط. و المدار على صدق اللبث، فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه من يده أو رأسه أو نحوهما. (1)

______________________________

(1) في المقام فروع:

1. يبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد عالماً كان أو جاهلًا إلّا بالأسباب المبيحة له.

2. لو خرج ناسياً أو مكرهاً فلا يبطل.

3. يجوز الخروج لضرورة.

4. حكم الاغتسال في المسجد بلا تلويث.

5. لا بأس بإخراج بعض بدنه إذا صدق اللبث في المسجد.

و إليك دراسة الكلّ واحداً بعد الآخر:

1. بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد عمداً

و هو موضع اتفاق فتوى و نصاً. قال الشهيد: و لزوم المسجد، فلو خرج بطل إلّا لضرورة. «1»

و قال في الحدائق: و استدامة اللبث في المسجد، فلو خرج بغير الأسباب المبيحة

______________________________

(1) الدروس: 1/ 299.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 349

..........

______________________________

بطل

اعتكافه، و هو إجماع منهم كما صرح به غير واحد منهم. «1» و تدل عليه روايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط». «2»

و الصحيحة كغيرها ظاهرة في الخروج الاختياري دون الإكراهي و الاضطراريّ، لكن إطلاقه يعمُّ العالم و الجاهل بكلا قسميه، لكن يمكن تصحيح العمل في الجاهل القاصر دون المقصّر، برفع وجوب اللبث ما دام جاهلًا أو رفع جزئيته ما دام كذلك بحديث الرفع (بشرط أن لا يطول زمن الخروج بحيث يخرج عن كونه معتكفاً) فإذا علم وجب العود و إلّا يبطل الاعتكاف.

فإن قلت: إنّ رفع الوجوب أو الجزئية في تلك الحالة لا يستلزم وضع الباقي و تعلّق الحكم به، لأنّ الحديث حديث رفع لا وضع.

قلت: إنّ تعلّق الوجوب بالباقي إنّما هو بالدليل الأوّلي المتعلّق بالموضوع، الصادق على الفاقد و الواجد، لأنّ المفروض انّ الموضوع ليس قيداً مقوماً و ركناً يرتفع الموضوع بارتفاعه، فإذا صدق على الباقي يتعلّق به الحكم قطعاً.

فإن قلت: إنّ مفاد حديث الرفع، حكم ظاهري و ليس في مرتبة الأدلّة الواقعية، فيكون الرفع مخصوصاً بحال الجهل و مراعى ببقاء هذه الحالة، لأنّ الحكومة ظاهرية، و إلّا فالواقع باق على حاله و لا يتغيّر و لا يتبدل بتاتاً، فمع انكشاف الخلاف لا مناص من الإعادة، و الاجتزاء بالناقص عن الكامل يحتاج إلى الدليل كما في مورد الصلاة فيما عدا الأركان بمقتضى حديث «لا تعاد».

______________________________

(1) الحدائق: 13/ 470.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6؛ و لاحظ الحديث 1، 2، 3، 4، 5 من هذا الباب.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

350

..........

______________________________

قلت: إنّ حديث الرفع و إن كان حكماً ظاهرياً وارداً في حقّ الجاهل و لا يعم حالة العلم بوجوب ما جهل سابقاً، لكن القول بإجزاء الناقص عن الكامل، إنّما هو لأجل الملازمة بين الأمر بالعمل بالأمارة أو الأصل في امتثال أمر المولى، و الاجتزاء بالمأتي به. مثلًا إذا أمر المولى بصنع معجون مركب من عدة أجزاء، ثمّ قال: إذا شككت في كون شي ء جزء أو لا، فاسأل الصيدليّ و اتّبع قوله، فمعنى ذلك انّه اكتفى في تحصيل مقاصده بما أدّى إليه الطريق الذي عيّنه، مع علمه بأنّه ربّما يُخطئ، و لذلك لو امتثل العبد على النحو الذي بيّنه المولى، يعد ممتثلًا و معذوراً في ترك ما ترك.

و لذلك، قلنا بالإجزاء مطلقاً في مورد الأمارات و الأُصول، خلافاً للمتأخّرين حيث اقتصروا في القول بالإجزاء في مورد الأُصول دون الأمارات.

و بما انّ الإجزاء في هذه الصورة وقع موقع المناقشة من جانب العلمين السيد الحكيم و السيد الخوئي قدس اللّه أسرارهما نأتي بنص المناقشة و ما يمكن أن يكون حلولًا لها.

أ. انّ الحديث المذكور ليس في مرتبة الأدلّة الواقعية كي تلحظ النسبة بينها، لأنّ المفروض كونه حكماً ظاهرياً، و هو في غير مرتبة الواقع، و إلّا لزم انتفاء الشكّ بالواقع، و هو خلف.

يلاحظ عليه: أنّ حديث الرفع لاختصاصه بموضوع الشكّ لا يتصرف في موضوع الأحكام الواقعية لتأخّر رتبته عن رتبة الأدلّة الواقعية، و لكنّه يؤثّر في رفع الشرطية أو وجوب اللبث في حالة الجهل و هذا أمر لا سترة فيه.

و أمّا الإجزاء و الاقتصار بالمأتيّ به، فهو ليس وليد الأصل، و إنّما هو نتيجة وجود الملازمة بين الإجزاء و الأمر بالعمل بالأمارة أو بالأصل في امتثال الأمر

الواقعي، فهذا الأمر يلازم الإجزاء في نظر العقلاء، و انّ المولى اكتفى في امتثال أوامره و تحقّق أغراضه بما

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 351

..........

______________________________

أدّى إليه الأمارة أو الأصل الذي أمر به في تحصيل أجزاء المأمور به و شرائطه، فلو أمر المولى عبده بتحضير معجون مركب من أجزاء ثمّ أمر بالرجوع إلى أهل الخبرة من أجل معرفة الأجزاء الداخلة في المعجون المذكور، فامتثل العبد ثمّ بان الخطأ في المعلومات التي أدلى بها أهل الخبرة، حينها يعدّ العبد ممتثلًا. و أمّا اقتصار المولى بالمأتي به لمصلحة موجودة فيه، و ذلك لأنّ قول الثقة يوافق الواقع 95% و يخالف 5% فلأجل التسهيل و إيجاد الرغبة في الناس اقتصر بهذا المقدار من الموافقة و غضّ النظر عن المخالفة.

و حاصل الكلام: انّ الدال على الإجزاء ليس هو الأصل بل أمر المولى بالعمل به الملازم عرفاً للإجزاء و اقتصار المولى بما أدّى إليه الأصل.

ب. انّ الوجوب على تقديره ارتباطي، فهو كما يتلازم في مقام الثبوت و السقوط واقعاً، كذلك يتلازم في مقام السقوط و الثبوت ظاهراً، فرفعه في مقام الظاهر بالنسبة إلى المجهول رفع بالنسبة إلى سائر الأجزاء، لما عرفت من الملازمة في السقوط و الثبوت ظاهراً و إلّا كان خلفاً.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من الملازمة بين المقامين ثبوتاً و سقوطاً إنّما يرجع إلى الأُمور التكوينية المرتبطة المحصِّلة لطبيعة مادية، فالأجزاء متلازمة ثبوتاً في إيجاد الطبيعة و سقوطاً في انعدامها.

و أمّا الأُمور الاعتبارية، فمعنى كون الواجب ارتباطيّاً انّ الأجزاء لا تنفع في تحصيل الملاك التام إلّا باجتماعها معاً. و لكنّه في حدِّ نفسه لا يمنع من أن يقتصر المولى بالناقص عن الكامل في موضع الجمل لمصلحة

كاملة في تقبل هذا النوع من الامتثال.

ج. انّ رفع الجزئية عن اللبث مرجعه إلى رفع الأمر المتعلّق بالمركب منه فإذا كان هذا الأمر مرفوعاً، فلا بدّ من دليل يثبت تعلّق الأمر بالباقي ليحكم بصحته بعد ان لم يكن شأن الحديث إلّا الرفع دون الوضع.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 352

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ تعلّق الأمر بالمركب الفاقد، ليس مستنداً إلى أصالة البراءة بل إلى الإطلاقات حيث إنّها كما تصدق على الواجد، تصدق على الفاقد.

د. هذا الرفع مخصوص بحال الجهل و مراعى ببقاء هذه الحالة، لأنّ الحكومة حكومة ظاهرة و إلّا فالواقع باق على حاله و لا تغير و لا تبدّل فيه بتاتاً.

يلاحظ عليه بما عرفت من أنّ الرفع و إن كان مخصوصاً بحال الجهل، و لكن الملازمة العرفية أوّلًا و انطباق العنوان على الأجزاء الباقية ثانياً يكفي في سقوط الأمر بعد الإتيان بالباقي حتى مع ارتفاع الجهل. «1»

هذا و قد تكرر منّا نقل هذه الشبه و أجوبتها في بعض محاضراتنا أيضاً.

2. لو خرج ناسياً أو مكرهاً

إذا خرج ناسياً أو مكرهاً، فقد علم حكمهما ممّا ذكرناه في الخروج جهلًا عن قصور لا عن تقصير، لأنّ جزئية اللبث في المسجد تكون مرفوعة ما دام ناسياً أو مكرهاً مرفوعاً بنفسها أو بمناشئها، أعني: الوجوب المتعلّق بلبث هذا المقدار من الزمان، فيتعلّق الحكم بالباقي، لأجل صدق الموضوع على الفاقد.

إنّ الأمر في مورد النسيان و الإكراه أسهل من صورة الجهل، لأنّ الرفع في صورة الجهل أصل شرعي وضع لبيان تكليف المكلّف في حالة الشكّ و الجهل، بخلافه في تينك الحالتين، فانّه رفع واقعيّ و دليل اجتهادي ثانوي يتصرف في لسان الدليل الاجتهادي الأوّلي و يكون حاكماً عليه حكومة عامة

العناوين الثانوية على العناوين الأوّلية من دون أن يتوجه إليه، مناقشات العلمين في صورة الجهل و الشك.

و أمّا الاضطرار فجواز الخروج منصوص كما سيوافيك.

______________________________

(1) المستمسك: 8/ 552؛ مستند العروة الوثقى: 2/ 365.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

3. جواز الخروج لضرورة عقلًا أو شرعاً أو عادة

لا شكّ في جواز الخروج لضرورة عقلًا، كقضاء الحاجة من بول أو غائط؛ أو شرعاً، كالاغتسال للجنابة و الاستحاضة؛ إنّما الكلام في جواز الخروج للضرورة عادة، فقد جوّز المصنِّف الخروج حيث قال: «أو عادة». و أمّا الوارد في النصوص فكالتالي:

ففي صحيحي داود بن سرحان و صحيح الحلبي: «إلّا لحاجة لا بدّ منها». «1»

و في صحيح عبد اللّه بن سنان: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة». «2» و مقتضى صناعة الاجتهاد، تقييد المطلق بالمقيّد، فيجوز في كلّ مورد يعدّ من الضروريّات بخلاف الخروج لكلّ أمر مندوب الذي لا يعد أمراً ضروريّاً عرفاً فلا يجوز إلّا ما قام الدليل بالخصوص على جوازه، فقد ورد الخروج في عيادة مريض أو مشايعة جنازة في صحيحي الحلبي و عبد اللّه بن سنان.

و هناك احتمال آخر انّ خروج هذين من باب المثال، و الموضوع هو كلّ عمل مندوب و مستحب شرعاً، و على ذلك يكون الموضوع أوسع من اللابدية العرفية. و الذي يقوِّي ذلك الاحتمال خبر ميمون بن مهران، قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي عليهما السَّلام، فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إنّ فلاناً له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: «و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك»، قال: فكلّمه، قال: فلبس عليه السَّلام نعله، فقلت له: يا بن

رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أ نسيت اعتكافك؟ فقال له: «لم أنس و لكنّي سمعت أبي يحدّث عن جدي رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه عزّ و جلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره، قائماً ليله». «3»

و لكن الحديث ضعيف، إذ لم يرد أي توثيق لميمون بن مهران، مضافاً إلى أنّ في

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2 و 5 و 4.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2 و 5 و 4.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2 و 5 و 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

طريق الصدوق إليه عدة رجال، و هم بين مهمل و ضعيف، فلا يصلح الحديث للاحتجاج به.

و على كلّ تقدير، فالخروج الجائز إنّما لا يقدح إذا كان يسيراً لا يوجب سلب عنوان الاعتكاف عنه، و إلّا كما إذا استوعب تمام النهار، يبطل لانتفاء الموضوع.

4. حكم الاغتسال في المسجد

إذا وجب عليه الغسل، فهل يجوز له الاغتسال في المسجد؟ نقول للفرع صور:

1. انّ الحدث الموجب للغسل إذا كان على وجه لا يحرم معه المكث في المسجد كمسِّ الميت، فلا إشكال انّه يجوز إذا لم يضرّ المسجد أو لم يكن هتكاً له.

2. إذا كان الحدث الموجب للغسل موجباً لحرمة اللبث و العبور، كالجنابة بالنسبة إلى المسجدين، فعليه أن يتيمّم و يخرج منه فوراً.

3. إذا كان الحدث الموجب للغسل موجباً لحرمة اللبث فقط دون العبور، فقال المصنّف: «لا يجب الاغتسال فيه و إن أمكن». و لو قال «وجب عليه الخروج عن

المسجد فوراً بلا تيمم» لكان أظهر، و ذلك لأنّ الاغتسال في المسجد رهن اللبث المحرّم مطلقاً، بخلاف الاغتسال في الخارج، فإنّه و إن كان يستلزم اللبث في خارجه و هو محرم وضعاً في اليومين الأوّلين في الاعتكاف المندوب، و وضعاً و تكليفاً في اليوم الثالث، أو مطلقاً كما في الاعتكاف الواجب المعيّن وقته لكن يحرم بلا عذر و بلا حاجة لا بدّ منها و المفروض في المقام خلافه، فيقدم الحرام المشروط المفقود شرطه، على الحرام المطلق.

فإن قلت: إذا تمكن الغسل في حال الخروج و كان مدة اللبث عنده أقل من مدّة اللبث في الخارج إذا اغتسل فيه، يجب أن يقدم الاغتسال فيه على الاغتسال في الخارج.

قلت: إنّما جاز اللبث لغاية الخروج إذا كان مقدمة للخروج واقعاً كالعابر من

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 355

[مسائل في الاعتكاف]

[المسألة 1: لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل]

المسألة 1: لو ارتدّ المعتكف في أثناء اعتكافه بطل و إن تاب بعد ذلك، إذا كان ذلك في أثناء النهار، بل مطلقاً على الأحوط. (1)

______________________________

المسجد إلى مكان آخر، بخلاف المقام، لأنّه إنّما يغتسل ماشياً نحو الباب لا لغاية الخروج من المسجد، لأنّه نقض للغرض، بل لأجل تطهير النفس من الجنابة و يريد البقاء في المسجد بعد الاغتسال. و بذلك يعلم أنّ محاسبة مقدار اللبث في المسجد عند الاغتسال فيه مع مقدار اللبث في الخارج إذا اغتسل فيه و أنّهما تارة يتساويان و أُخرى يختلفان فيقدّم الاغتسال في المسجد مطلقاً إلّا إذا استلزم لبثاً زائد على الاغتسال في الخارج، لا وجه له.

5. المدار هو خروج البدن كلّه

لا بأس إذا أخرج يده عن المسجد لاستلام شي ء، أو لرؤية الهلال، أو لسائر الأُمور بعد صدق المكث في المسجد و عدم الخروج

عنه.

(1) هل يبطل الاعتكاف بالارتداد أو لا؟ و على القول بالبطلان فهل هناك فرق بين كونه في النهار أو الليل؟

قال الشيخ: إذا ارتدّ المعتكف بطل اعتكافه.

و قال الشافعي: لا يبطل. و اختلف أصحابه على وجهين: أحدهما: مثل ما قلناه انّه يبطل، و الثاني: لا يبطل.

دليلنا: أنّه إذا ارتدّ و هو مولود على الفطرة وجب قتله على كلّ حال؛ و إن كان أسلم ثمّ ارتدّ فهو محكوم بنجاسته، فلا يجوز أن يقيم في المسجد، و لا تصح منه الطاعة، و ذلك ينافي الاعتكاف. «1»

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 237236، المسألة 110.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 356

[المسألة 2: لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره]

المسألة 2: لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره، و إن اتّحدا في الوجوب أو الندب، و لا عن نيابة ميّت إلى آخر، أو إلى حيّ، أو عن نيابة غيره إلى نفسه، أو العكس. (1)

______________________________

و لا يخفى ضعف دليليه. أمّا الأوّل، فلأنّ وجوب القتل لا يلازم بطلان الاعتكاف كما لو تأخر قتله، إلى ثلاثة أيام. و أمّا الثاني فلأنّه لا دليل على حرمة إبقاء النجاسة غير السارية في المسجد إذا لم يكن فيه هتك لحرمة المسجد.

و أمّا الثاني أي انّه يحرم على الكافر اللبث في المسجد و يجب إخراجه، ففيه انّه لم تثبت حرمةُ لبث الكافر إذا لم يكن جنباً كما هو المفروض في المقام إلّا لبث المشرك في المسجد الحرام، لقوله سبحانه: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا). «1»

و الأولى الاستدلال بما تقدّم من شرطية الإسلام في صحّة الاعتكاف من غير فرق بين المرتد الفطري و الملّي.

و أمّا التفريق بين اليوم و الليل، فغير تام، لما قلنا من دخول الليلين المتوسطين، نعم على

القول بخروجهما، لا يبطل بالارتداد إلّا إذا استمرّ إلى النهار.

(1) لأنّ العدول من عبادة إلى عبادة أُخرى يحتاج إلى الدليل، و قد ورد الدليل في العدول من العصر إلى الظهر، و من الفريضة إلى النافلة إذا حضرت الجماعة، و ليس في المقام دليل.

______________________________

(1) التوبة: 28.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 357

[المسألة 3: الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد.]

المسألة 3: الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد. نعم يجوز ذلك بعنوان إهداء الثواب، فيصح إهداؤه إلى متعدّدين أحياء أو أمواتاً، أو مختلفين. (1)

[المسألة 4: لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله]

المسألة 4: لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أي صوم كان، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجاريّاً، أو واجباً من جهة النذر و نحوه.

بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم و يعتكف في ذلك الصوم. و لا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعم من كونه له أو بعنوان آخر.

بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقاً في الصوم المندوب الذي يجوز له

______________________________

(1) لعدم قبول العمل الواحد الاشتراك، مضافاً إلى أنّ الأصل عدم المشروعية حتى يدلّ عليه دليل و المفروض عدمه، و ما ورد من الحجّ للوالدين و الصلاة و التصدّق عنهما لا يعني النيابة عنهما في عمل واحد، بل الغاية تشريع أصل النيابة عن الوالد و الوالدة، مقابل حرمة النيابة.

و في رواية علي بن أبي حمزة قال: سألته عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته؟ قال: «لا بأس به يؤجر فيما يصنع و له أجر آخر بصلة قرابته». «1» و الحديث كسائر ما ورد في الباب بصدد بيان تشريع النيابة، لا جواز المشاركة فيها على أنّ ظهوره في المشاركة ممنوع.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 5، الباب 12 من أبواب صلاة القضاء، الحديث 8.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 358

قطعه، فإن لم يقطعه تمّ اعتكافه، و إن قطعه انقطع و وجب عليه الاستئناف. (1)

______________________________

(1) هل يجب أن يكون الصوم

مختصاً للاعتكاف و لغايته، أو يكفي في صحّة الاعتكاف كونه مقروناً بالصوم الصحيح سواء أ كان لأجله أم لغاية أُخرى كالصوم في شهر رمضان؟ و الصحيح هو الثاني، و تدلّ عليه صحيحة أبي العباس البقباق، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في شهر رمضان في العشر الأُولى، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يعتكف في العشر الأواخر». و نظيرها غيرها. «1»

و هذا يكشف عن كفاية الصوم الصحيح في الاعتكاف و إن لم تكن الغاية في الصوم هو الاعتكاف، و هذا بإجماله لا إشكال فيه، و لذلك يجوز أن يصوم بعنوان أيّام البيض ثمّ يعتكف. إنّما الكلام في الفروع المترتبة عليه في كلام الماتن، و هي ثلاثة، و نضيف إليها رابعاً سيأتي الكلام عنه في المستقبل، و إليك الفروع:

1. إذ وجب عليه الصوم ذاتاً أو بعنوان النذر أو آجر نفسه للصوم النيابي، يجوز له أن يعتكف و إن صام لغير غاية الاعتكاف.

2. إذا نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يؤجر نفسه للصوم و يعتكف في ذلك الصوم، و لا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف، و الفرق بين الصورتين واضح. ففي الأُولى يؤجر نفسه لأجل الصوم أو ينذر الصوم ثمّ يعتكف لنفسه؛ و أمّا الثانية، فينذر الاعتكاف و يؤجر نفسه للصوم و يعتكف في ذلك الصوم.

3. إذا نذر اعتكافاً مطلقاً و صام صوماً مندوباً يجوز له قطعه، فلو قطع وجب عليه الاستئناف.

و سيوافيك الفرع الرابع.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب الاعتكاف، الحديث 4.

و لاحظ الحديث 1، 2 و 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك فلنذكر حكم الفروع:

أمّا الفرع الأوّل: أي إذا كان الصوم واجباً بالذات أو بعنوان النذر، أو آجر نفسه للصوم النيابي فيجوز له الاعتكاف، لما عرفت من أنّ الشرط في صحّة الاعتكاف ليس خصوص الصوم له بل مطلق الصوم الصحيح، و لو كان واجباً بالذات كصوم رمضان، أو بالنذر، أو بالنيابة، و قد صام النبي في شهر رمضان الواجب بالذات و اعتكف، فما ظنك إذا كان الصوم واجباً بعنوان النذر أو الإيجار. نعم استشكل سيد مشايخنا البروجردي في تعليقته في كفاية الصوم عن الغير من الاعتكاف عن نفسه أو عن غير من يكون صائماً عنه. «1»

أمّا الفرع الثاني: و هي إذا تقدم نذر الاعتكاف على الاستيجار فنذر الاعتكاف ثمّ آجر نفسه و اعتكف في ذلك الصوم. و قد قال الماتن بالصحة، لأنّ الذي يجب عليه في الاعتكاف المتقدّم نذره، هو الصوم الصحيح الأعم من كونه له أو بعنوان آخر.

و ربما يفرق بين الاعتكاف المطلق و المعيّن، فلو نذر أن يعتكف أيّاماً معيّنة لم يجز أن يؤجر نفسه لصوم تلك الأيام بعد النذر و يجوز قبله. «2»

و لعلّ وجهه توقيفية العبادات، و قد قام الدليل فيما إذا كان الصوم راجعاً إلى المعتكف نفسه سواء كان واجباً بالذات، أو واجباً بالنذر، و أمّا إذا كان الصوم للغير أو لا، فالاكتفاء به في صحة الاعتكاف لنفسه يحتاج إلى الدليل.

يلاحظ عليه: أنّه إذا كان المانع كون الصوم واجباً من باب المقدّمة، فيرد عليه أوّلًا: أنّه أمر مشترك بين الاعتكاف المطلق و المعين، لأنّ الصوم مقدمة في كلا الصورتين، و ما هو واجب مقدمة يمتنع

أن يؤجر نفسه للصوم فيها.

______________________________

(1) تعليقة السيد البروجردي على هامش العروة من هذا الموضع.

(2) لاحظ تعليقة السيد جمال الدين الكلبايكاني.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

و ثانياً: أنّه لا مانع من الجمع بينهما، لأنّ المقدمة ليس خصوص الصوم للاعتكاف، بل مطلق الصوم الصحيح و لو كان نيابة عن الغير، لأنّ الهدف من المقدمة إنّما هو رفع الإحالة و هو يتحقّق بأي صوم صحيح.

فإن قلت: لعلّ نظر القائل بالفرق هو لزوم اجتماع الوجوبين في موضوع واحد، و هو الصوم، أو بطلان أخذ الاجرة لما وجب على الإنسان.

قلت: إنّ متعلّق الوجوب الغيري هو ذات الصوم، و متعلّق الوجوب النفسي هو وجوب الوفاء بالعقد، المتحقّق في الخارج بالصوم نيابة، فأين وحدة الموضوع؟! و أمّا أخذ الأُجرة على الواجب مقدّمة فقد فرغنا منه في بحوثنا في المكاسب، فلاحظ.

و أمّا الفرع الثالث: فهو انّه لا بأس بإيجاد الاعتكاف المنذور المطلق في ضمن الصوم المندوب الذي يجوز قطعه.

و بعبارة أُخرى: لا مانع من أن يكون الاعتكاف واجباً و صومه مندوباً، غاية الأمر إذا أفطر، يفسد اعتكافه و يستأنفه من جديد.

نعم لا يجوز الافطار في الاعتكاف المعيّن، لأنّ وجوب الاعتكاف يلازم وجوب ما هو شرط لصحته، و هو الصوم، فلا يجوز له أن يفطر.

كلّ ذلك في اليومين الأوّلين، و أمّا اليوم الثالث، فلا يجوز إفطار لا في المطلق و لا في المعين.

و أمّا الفرع الرابع: فهو انّه لو نذر اعتكافاً مقيداً بأن يكون صومه لأجله، فلا يصلح لا بالصوم الواجب بالذات أو بالنذر، أو بالاستئجار، لعدم تحقّق شرطه، و سيوافيك في المسألة السادسة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 361

[المسألة 5: يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين]

المسألة 5: يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأوّلين،

و مع تمامهما يجب الثالث. و أمّا المنذور فإن كان معيناً فلا يجوز قطعه مطلقاً و إلّا فكالمندوب. (1)

______________________________

(1) للمسألة صور:

1. وجوب الاعتكاف المندوب بالدخول فيه.

2. وجوب الاعتكاف المنذور المطلق، بالدخول فيه.

3. وجوب الاعتكاف المنذور المعين يومه، بالدخول فيه.

و إليك دراسة الكل واحدة تلو الأُخرى:

الف: وجوب الاعتكاف المندوب بالدخول فيه

اختلف الأصحاب في وجوب الاعتكاف المندوب بالدخول فيه و عدمه على أقوال:

1. يجب بالدخول فيه كالحج، و هو قول الشيخ في «المبسوط» «1»، و أبي الصلاح الحلبي في «الكافي». «2»

2. لا يجب بالدخول مطلقاً بل يجوز له الإبطال و الفسخ متى شاء. و هو مختار السيد المرتضى في «المسائل الناصرية» «3»، و ابن إدريس في «السرائر» «4»، و هو خيرة العلّامة في «المختلف». «5»

3. وجوب اليوم الثالث بعد مضي يومين. و هو خيرة المحقّق في «الشرائع» «6»،

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 289.

(2) الكافي: 186.

(3) المسائل الناصرية: المسألة 135.

(4) السرائر: 1/ 422.

(5) المختلف: 3/ 582 و منع صحة سند ما دلّ على الوجوب بعد اليومين و حمله على شدة الاستحباب.

(6) المسالك 2/ 107 قسم المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 362

..........

______________________________

و صاحب المدارك «1»، و المتأخرين.

4. لا يجب بالدخول مطلقاً في جميع الأيّام إذا شرط في حال نذره، الرجوع متى شاء و إلّا يجب بالدخول في اليوم الثالث.

و هو في الحقيقة ليس قولًا رابعاً، بل هو نفس القول الثالث بإضافة جواز الرجوع في اليوم الثالث إذا كان نذره مقيّداً بالرجوع متى شاء.

أمّا الأوّل: فيمكن الاستدلال له بوجهين:

1. حرمة إبطال العمل.

2. ما دلّ على وجوب الكفارة إذا أفسد اعتكافه بالجماع و لو قبل الثلاثة.

يلاحظ على الأوّل: أنّه لم يدلّ دليل على حرمة قطع العمل المندوب، و أمّا قوله

سبحانه: (وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) «2» فقد مضى الكلام في عدم دلالته على الإبطال مطلقاً، بل هو مختص بالإبطال بالإحباط كما يدلّ عليه سياق الآيات على أنّ الآية ناظرة إلى الإبطال بعد تمام العمل لا في أثنائه كما في المقام نظير قوله سبحانه: (لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ). «3»

يلاحظ على الثاني: أنّ إيجاب الكفّارة عند الإفساد بالجماع يدلّ على حرمة إفساده بهذا الطريق لما فيه من الهتك للعبادة، دون حرمة قطعه مطلقاً و لو بالانصراف عن العمل.

و أمّا الثاني: فقد استدلّ عليه العلّامة في «المختلف» بوجهين:

1. انّها عبادة مندوبة، فلا يجب بالشروع فيها كغيرها من التطوعات، و فارقت الحج لورود الأمر فيه دون صورة النزاع.

______________________________

(1) المدارك: 6/ 340.

(2) محمد: 33.

(3) البقرة: 264.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 363

[المسألة 6: لو نذر الاعتكاف في أيام معيّنة]

المسألة 6: لو نذر الاعتكاف في أيام معيّنة، و كان عليه صوم منذور أو واجب لأجل الإجارة، يجوز له أن يصوم في تلك الأيام وفاءً عن النذر أو الإجارة.

______________________________

2. انّ اليوم الأوّل و الثاني متساويان، فلو اقتضى اعتكافُ الثاني وجوبَ الإتمام لاقتضاه الأوّل. «1»

يلاحظ عليهما: أنّ الدليلين إنّما يتمّان إذا لم يكن دليل يدلّ على وجوب الإتمام بعد اليومين، و إلّا فيكون أشبه بالاجتهاد في مقابل النص.

و أمّا الثالث: فتدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضى ثلاثة أيام». «2» و الرواية صحيحة السند على نقل الكافي، نعم هي موثقة حسب نقل الشيخ حيث نقلها: عن علي بن الحسن (بن فضّال)، عن

الحسن (بن محبوب)، عن أبي أيّوب (الخزاز).

و ما في نسخة الوسائل المطبوعة المحقّقة «عن الحسين» مكان «عن الحسن» فهو من غلط النُّساخ، إذ السند في التهذيب «3» على ما سردناه.

و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السَّلام في حديث قال: من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيّام أُخر». 4

و بذلك يقيد ما روي صحيحاً عن أبي عبد الله عليه السَّلام من أنّه إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فانّه يأتي بيته، ثمّ يُعيد إذا برئ و يصوم. 5 و غيره، فلعلّ وجوب

______________________________

(1) المختلف: 3/ 582.

(2) 2 و 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1، 3.

(3) التهذيب: 4/ 362 برقم 462.

(4) 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1، 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 364

نعم لو نذر الاعتكاف في أيام مع قصد كون الصوم له و لأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة. (1)

[المسألة 7: لو نذر اعتكاف يوم أو يومين]

المسألة 7: لو نذر اعتكاف يوم أو يومين، فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره، و إن لم يُقيّده صحّ و وجب ضم يوم أو يومين. (2)

[المسألة 8: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً]

المسألة 8: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً، بطل من أصله، و لا يجب عليه قضاؤه، لعدم انعقاد نذره. لكنّه أحوط. (3)

______________________________

الرجوع لأجل النذر فيقضي بعد ما يبرأ لا بالوجوب بالدخول.

و سيوافيك الكلام في هذا الموضوع في المسألة التاسعة و الثلاثين و الأربعين من هذه المسائل، فانتظر.

(1) أقول تبيّن وجه ما أفاده ممّا مرّ في المسألة الرابعة.

(2) يشترط في صحّة النذر كون المنذور مشروعاً، فلو كان النذر مقيّداً بعدم الزيادة كان المتعلّق غير مشروع لما دلّت الأدلة على أنّ أقلّ الاعتكاف ثلاثة. «1» و يوصف بالبدعة غير الصالح للتقرّب، و أمّا لو كان مطلقاً فهو كما يتحقّق في ضمن يومين بشرط لا، كذلك يتحقّق في ضمن الأكثر من يومين أيضاً، لأنّ «لا بشرط» يجتمع مع ألف شرط و يكفي في صحّة النذر، كون المتعلّق مشروعاً و لو ببعض أفراده و أقسامه.

هذا كلّه إذا كان المقصود هو الاعتكاف المصطلح، و أمّا إذا أراد منه المعنى اللغوي باعتبار انّ المكث في المسجد عبادة خصوصاً إذا انضمّت إليه قراءة القرآن و الدعاء و الصلاة، فيجوز مطلقاً، لكنّه خارج عن مفروض العبارة.

(3) إذ لا اعتكاف إلّا بصوم صحيح، و المفروض انّ الصوم في الاعتكاف المنذور

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 365

[المسألة 9: لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل، إلّا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر.]

المسألة 9: لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل، إلّا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر.

و لو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ، و وجب عليه ضم يومين آخرين. (1)

______________________________

محرم باطل، فكيف ينعقد النذر، مع أنّه لا رجحان فيه، بل مرجوح، و مع عدم انعقاده، لا يصدق الفوت حتى

يجب قضاؤه.

و أمّا كون القضاء أحوط، فلاحتمال أن يكون النذر من باب تعدّد المطلوب لا من باب الالتزام بكونه في خصوص يوم العيد، و احتمال كون وجهه، هو استفادة القضاء ممّا ورد القضاء في الحائض و المريض. «1» بعيد جدّاً للفرق الواضح بين المقامين، لانعقاد النذر في الأوّلين و إن طرأ المانع دون المقام.

و يحتمل أن يكون وجهه ما ورد في صحيحة علي بن مهزيار قال: كتبت إليه يعني إلى أبي الحسن عليه السَّلام: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً، ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر، أو أضحى، أو أيّام التشريق، أو سفر، أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: «وضع اللّه عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها و يصوم يوماً بدلَ يوم إن شاء اللّه تعالى». «2» و بما إنّ الرواية على خلاف القاعدة لعدم انعقاد النذر لأجل المصادفة، يُقتصر في العمل بموردها. نعم يصلح لأن يكون سبباً للاحتياط في المقام.

(1) أمّا الصحّة عند العلم بكون قدومه قبل الفجر فواضح.

إنّما الكلام إذا نذر و لا يعلم زمان قدومه فحكم المصنِّف بالبطلان لعدم إمكان الاعتكاف في ذلك اليوم المجهول.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1، 2.

(2) الوسائل: الجزء 16، الباب 10 من أبواب النذر، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 366

[المسألة 10: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد.]

المسألة 10: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد. (1)

[المسألة 11: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو أزيد]

المسألة 11: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأُولى

______________________________

و ربما يمنع بطلان النذر إذا لم يعلم يوم قدومه من حيث تردّده بين يومين أو أكثر، إذ لازم ذلك العلم، هو الاحتياط في جميع تلك الأطراف المحصورة، المحتمل وقوع القدوم فيها. «1»

و أورد عليه انّ تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية فرع تعارض الأُصول عند جريانها، و المقام ليس كذلك، فانّه يجري في غير اليوم الأخير بلا معارض، و لا يجري في اليوم الأخير للعلم بقدومه أمّا فيه أو في اليوم المتقدّم أو الأيّام المتقدّمة عليه، فيكون جريان الأصل فيما عدا ذلك اليوم إلى زمان العلم بالخلاف سليماً عن المعارض، فيجري الاستصحاب في كلّ يوم إلى أن يعلم بالقدوم، فإن علم به في ذلك اليوم فهو، و إن علم بقدومه قبل ذلك كان معذوراً في الترك لأجل استناده إلى الأصل، و الحاصل: انّه تردّد قدومه بين الأيّام الثلاثة، فاليومان الأوّل، مشكوك قدومه، فيجري الأصل بخلاف الثالث فانّه ظرف العلم بقدومه امّا فيه في أحد اليومين المتقدّمين فلا يجري فيه. «2»

(1) و ذلك لأنّ النذر يتعلّق بالأمر المشروع و ليس المتعلّق هنا مشروعاً لما قلنا من دخول الليلتين المتوسطتين في الاعتكاف.

اللّهم إلّا إذا قصد الاعتكاف اللغوي و هو المكث في المساجد، و هو خلاف الفرض.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى: 8/ 562.

(2) مستند العروة: كتاب الصوم: 2/ 238.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 367

فيه، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر، فانّ الليلة الأُولى جزء من الشهر. (1)

[المسألة 12: لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً، و لو كان مراده مقدار شهر، وجب ثلاثون يوماً.]

المسألة 12: لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً، و لو كان مراده مقدار شهر، وجب ثلاثون يوماً. (2)

______________________________

(1)

أمّا عدم دخولها في نذر ثلاثة أيّام، فلأنّ ظاهر الأدلّة انّ الاعتكاف يبتدأ به بالصوم، كما هو ظاهر قوله: «لا اعتكاف إلّا بصوم». «1» فتخرج الليلة الأُولى عن مصبِّ النذر.

و أمّا الثاني فلعلّ نظر المصنف في دخول الليلة الأُولى في الاعتكاف إلى أنّ الشهر حقيقة فيما بين الهلالين، فتدخل الليلة الأُولى، بخلاف ما إذا نذر الأيّام.

و يمكن أن يقال بخروجها أيضاً، لأنّ الناذر إنّما يقصد الاعتكاف المشروع، و هو يبتدأ بالصوم، و عندئذ تخرج الليلة الأُولى في الثاني أيضاً.

و بالجملة: انّ الناذر و إن كان جاهلًا بالحكم الشرعي و هو ابتداء الاعتكاف بالصوم، و لكنّه في قرارة نفسه ينذر ما جعله الشارع اعتكافاً و المفروض انّه لم يجعل الليلة الأُولى جزءاً من الاعتكاف، و بذلك لا يجب عليه إدخالها حتى بعد العلم بالحكم.

(2) فيه فرعان:

1. لو نذر اعتكاف شهر يجزئه اعتكاف ما بين الهلالين.

2. إذا نذر اعتكاف مقدار شهر وجب اعتكاف ثلاثين يوماً.

أمّا الأوّل، فلأنّ الشهر في اللغة العربية إنّما هو ما بين الهلالين كقوله سبحانه: (شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) «2» و قوله سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 2 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(2) البقرة: 185.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 368

[المسألة 13: لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع]

المسألة 13: لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع و أمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة، ثلاثة، إلى أن يكمل ثلاثون يوماً. بل لا يبعد جواز التفريق يوماً فيوماً، و يضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع. (1)

______________________________

عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ) «1»، و لذلك ذهب بعضهم إلى عدم كفاية التلفيق

في صوم شهرين متتابعين و إن ناقشنا في ذلك.

و أمّا الثاني، فلأنّ المتبادر من مقدار الشهر، هو ثلاثون يوماً.

و ما ذكر يصحّ إذا كان الناذر عربياً، و أما إذا كان غيره فلا بدّ من منصرف كلامه و المتبادر منه، و لعلّ المتبادر في الجميع هو ثلاثون يوماً، فانّ الزائد و الناقص عليه أمر على خلاف القاعدة.

(1) إذا نذر اعتكاف شهر رجب مثلًا وجب عليه الاعتكاف في نفس ذلك الشهر من أوّله إلى آخره، و ليس له أن يبدأ بالعاشر من رجب ليكمله في العاشر من شعبان، كما ليس له أن يصوم 15 يوماً من رجب هذه السنة و الباقي من رجب السنة القادمة لما عرفت من أنّ الشهر عبارة عمّا بين الهلالين.

هذا إذا نذر اعتكاف شهر، و أمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثين.

و احتمل المصنّف في المقام وجهاً آخر و هو جواز التفريق يوماً، فيوماً، و يضمّ إلى كلّ واحد، يومين آخرين لا وفاءً للنذر. بل تصحيحاً لاعتكاف اليوم الماضي:

توضيحه: انّه يجوز له اعتكاف يوم واحد لغاية الوفاء بالنذر، ثمّ يضم إليه

______________________________

(1) التوبة: 36.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

اعتكاف يومين آخرين لا لأجل الوفاء بالنذر بل تصحيحاً لاعتكاف اليوم الماضي لما قلنا من أنّ أقلّ الاعتكاف ثلاثة.

و هكذا الأمر في اليوم الثاني بعد الثلاثة يعتكف وفاءً للنذر ثمّ يضم إليه يومين آخرين تصحيحاً و ندباً لا وفاءً بالنذر، و عند ذلك يستغرق الوفاء بالنذر 90 يوماً، ثلاثون يوماً بالتفريق لأجل الوفاء بالنذر و ستون يوماً بصورة يومين فيومين تصحيحاً.

ثمّ قال بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يتبادر التتابع من الدليل.

و أورد عليه

السيد الخوئي بأنّه مبني على دعوى لزوم قصد عنوان الوفاء في امتثال الأمر النذري بحيث لو لم يقصده إلّا في الواحدة من كلّ ثلاثة فلا يقع الباقي وفاءً للنذر، و لكن العنوان المزبور غير لازم القصد فانّ الوفاء هو الإتيان بذلك المتعلّق كما في الوفاء بالعقد، و الأمر الناشئ من قبل النذر توصلي لا تعبدي، فمتى أتى بالمتعلّق كيف ما اتّفق فقد أدّى ما عليه، و على ذلك فاليومان الآخران يحسبان وفاءً عن النذر بطبيعة الحال.

اللّهمّ إلّا أن يأخذ خصوصية في المنذور لا تنطبق إلّا على واحد من الأيام الثلاثة، كما لو نذر الاعتكاف في مقام إبراهيم في مسجد الكوفة و اعتكف يوماً واحداً فيه و اليومين الآخرين في سائر أماكن المسجد. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الاحتمال الأخير خارج عن موضوع البحث، و الكلام مركّز على ما إذا لم يكن هناك ميز بالنسبة إلى الأيّام الثلاثة.

و يمكن أن يقال: انّ اليومين إنّما يحتسبان من النذر إذا أتى به لا بشرط بما انّه محبوب للّه أو مأمور به بأمر استحبابي أو غير ذلك من العناوين التي لا ينافي انطباق عنوان المنذور عليه، و أمّا إذا أتى به بشرط لا، و ضارباً الصفحَ عن الأمر النذري،

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 394.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 370

[المسألة 14: لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع]

المسألة 14: لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع سواء شرطه لفظاً، أو كان المنساق منه ذلك فأخلّ بيوم أو أزيد بطل، و إن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً و استأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه.

و إن كان معيناً، و قد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه، و الأحوط التتابع فيه أيضاً. و إن بقي شي ء من ذلك

الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال، فالأحوط ابتداء القضاء منه. (1)

______________________________

فاحتمال كونه مصداقاً للمنذور، كما ترى.

نعم يرد على السيّد انّ الامتثال بهذه الصورة خارج عن منصرف النذر و ليس مصداقاً له.

(1) حاصل كلامه: إنّ نذر اعتكاف شهر على وجه التتابع يتصور على وجهين:

1. أن يكون المنذور من حيث الزمان كلياً كأن ينذر اعتكاف شهر ما من الشهور على وجه التتابع فإن أخل به استأنف، لأنّه أخل بصفة النذر فوجب عليه استئنافه. و بعبارة أُخرى: المأتي ليس مصداقاً للمنذور، فلا بدّ من اعتكاف آخر بوصف تتابع الأيّام حتى يكون وفاءً للنذر و ليس العمل الثاني قضاءً، بل أداءً مصداقاً له.

2. أن يكون المنذور من حيث الزمان معيّناً كالاعتكاف في شهر رمضان، فلو قال: للّه عليّ أن اعتكف شهر رمضان متتابعاً، قال الشيخ في «المبسوط»: لزمه المتابعة هنا من ناحية الشرط، فإن أخلّ بها استأنف، لأنّ المتابعة من ناحية الشرط. «1» و عليه المحقّق في «الشرائع» قال: و لو نذر اعتكاف شهر معين و تلفّظ بالتتابع استأنف. «2» و هذا

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 291.

(2) المسالك: 2/ 106 قسم المتن.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

هو الذي أشار إليه المصنِّف بقوله: «و إن كان معيناً و قد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه و الأحوط التتابع فيه أيضاً».

ثمّ إنّ في قوله: «وجب قضاؤه» احتمالين.

الأوّل: قضاء المنذور وفاقاً للشيخ في المبسوط حيث قال: «فإن أخلّ بها استأنف»، لأنّ المتابعة من حيث إنّها وصف للمنذور غير متحقّقة.

الثاني: ما عليه العلّامة في «المختلف»: الاقتصار على قضاء ما أخلّ به حيث قال: و لقائل أن يقول: لا يجب الاستئناف و إن وجب عليه الإتمام متتابعاً و كفارة خلف النذر، لأنّ الأيّام

التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به فيخرج فيها عن العهدة، و لا يجب عليه استئنافها، و الفرق بين الصورتين انّه في صورة الإطلاق و عدم تعيين الزمان، يتمكن من الأداء بجعل كلّ صوم متتابع مصداقاً للمنذور، امّا مع التعيين فلا يمكنه البدل. «1»

و هو خيرة المسالك قال: يتدارك ما بقي من الشهر و يقضي ما حكم ببطلانه و إن لم يكن متتابعاً. «2»

و تبعه سبطه و قال: بل الأصح عدم بطلان ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعداً مع التلفّظ بالتتابع و بدونه، إذ المفروض تعيين الزمان. «3»

و لكن اللازم حمل كلام المصنِّف على الاحتمال الأوّل بشهادة ذيل كلامه حيث قال: «فالأحوط ابتداء القضاء فيه» أي في الزمان الباقي، إذ لو أريد قضاء خصوص ما أخلّ به لتعيّن قضاؤه خارج ذلك الزمان، لأنّ ما بقي من ذلك الزمان يعدّ أداءً بالنسبة إلى ما بقي من الشهر، حسب الاحتمال الثاني.

______________________________

(1) المختلف: 3/ 587.

(2) المسالك: 2/ 106.

(3) المدارك: 6/ 337.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

ثمّ إنّ دليل المصنِّف على لزوم الاستئناف ما ذكره صاحب الجواهر بقوله: و فيه انّ التتابع في البعض غير كاف في الامتثال بعد أن فرض اعتباره في الجميع في صيغة واحدة، و عدم إمكان استئنافها نفسها باعتبار تعيّنها لا ينافي وجوب القضاء، كما إذا لم يأت بها أجمع. «1»

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي فصّل في المقام بين كون مستند القضاء، دليلًا لفظياً تضمّن انّ من فاته الاعتكاف المنذور وجب قضاؤه صحّ التمسّك بإطلاق الفوت الشامل لما فات رأساً أو ما فات و لو ببعض أجزائه، باعتبار انّ فوت الجزء يستدعي فوات الكل و اتّجه الحكم حينئذ بقضاء المنذور بتمامه.

و أمّا

لو كان الإجماع فالقدر المتيقن منه هو قضاء ما أخلّ به. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الاعتماد على الإجماع في المقام عجيب جداً، لأنّه من المسائل التفريعية التي لم يرد فيها نصّ، و عليه فلم يعتمد المجمعون على نص وصل إليهم و لم يصل إلينا، بل اعتمدوا على اجتهاداتهم و في مثله لا يكون الإجماع دليلًا حتى يؤخذ بالمتيقن منه.

ثمّ إنّ الاعتماد على إطلاق الدليل اللفظي لو ورد في المقام، ينافي ما ذكره في المسألة الثالثة من الفصل الرابع عشر من أنّ أدلّة القضاء اللفظية نظير قوله: «يقضي ما فاته كما فاته» ناظر إلى المماثلة من حيث القصر و التمام، فلا إطلاق لها كي يقتضي الاتحاد من سائر الجهات. «3»

و مع ذلك الظاهر قوة القول المشهور، لأنّ الظاهر انّ اعتكاف شهر معيّن عمل واحد مرتبط بعض أجزائه ببعض و ليس أعمالًا كثيرة، و المفروض انّه لم يتحقق العمل

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 179.

(2) مستند العروة، كتاب الصوم: 2/ 397.

(3) مستند العروة: 2/ 261.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 373

[المسألة 15: لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع، و لم يشترط التتابع]

المسألة 15: لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع، و لم يشترط التتابع، و لا كان منساقاً من نذره، وجب قضاء ذلك اليوم، و ضم يومين آخرين. و الأولى جعل المقضيّ أوّل الثلاثة و إن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء. (1)

______________________________

الواحد بالإخلال بالبعض، فالقول بقضاء المنذور أوفق بالقاعدة.

(1) يقع الكلام في أُمور:

1. لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخل بالرابع و قد اشترط التتابع أو كان منساقاً من نذره، بطل ما أتى، لعدم وقوع المنذور، و يجب عليه الاستئناف، و لا يزيد المستأنف عن أربعة أيام.

2. تلك الصورة و لكن لم يشترطه و لا كان منساقاً

من نذره يجب عليه قضاء ذلك اليوم، و لمّا كان اعتكاف اليوم الواحد غير مشروع، لا محيص له لأجل التمكّن من القضاء من ضم يومين آخرين.

3. انّه مخيّر في جعل اليوم الأوّل هو المقضيّ أو أياً منها شاء، و الأولى عند المصنِّف جعلُ المقضيّ أوّل الثلاثة.

و لكنّ الظاهر انّه ينطبق على الأوّل قهراً بلا حاجة النية.

و ذلك لأنّه ليس على ذمَّته إلّا اعتكاف يوم واحد، و بما انّه لا يتمكّن من أداء ما وجب شرعاً إلّا بضم يومين إليه، يكون أحد الأيام واجباً نفسيّاً، و الآخران واجبين بالوجوب المقدّمي الشرعي لو قلنا به أو العقلي بمعنى اللابدية كما هو الحقّ، فإذا قام بالاعتكاف بنيّة ما وجب عليه، ينطبق الواجب عليه من دون حاجة لأن ينوي انطباق ما عليه على اليوم الأوّل، لأنّ المفروض انّ ما في ذمّته ليس إلّا اعتكاف يوم واحد من دون أن يكون ملوّناً بلون خاص حتى لا ينطبق على المأتي به أوّلًا.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 374

[المسألة 16: لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً]

المسألة 16: لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً، سواء تابع، أو فرّق بين الثلاثتين. (1)

______________________________

نظير المقام إذا كان مديوناً لزيد بدرهم و نذر أن يضمّ إليه درهمين آخرين عند التأدية، فدفع درهماً فيسقط به الأمر الأوّل، و إن كان سقوط الأمر النذري متوقّفاً على ضمّ درهمين إليه.

نعم دفع الدرهمين واجب شرعاً لأجل الوفاء بالنذر، لكنّ ضم اليومين في المقام واجب عقلًا للتمكن من القضاء، و المقدمة ليست بواجبة شرعاً كما حقّق في الأُصول، و بذلك تستغني عن الإطناب الموجود في المقام تبعاً للجواهر. «1»

(1) قال في المدارك: لو كان المنذور خمسة وجب أن يضمّ إليها سادساً، سواء

أفرد اليومين أم ضمّهما إلى الثلاثة، لما بيّناه، فيما سبق من أنّ الأظهر وجوب كلّ ثالث. «2»

أقول: أمّا إذا لم يُتابِع، أي اعتكف ثلاثة فقط و أخلّ بالاثنين، فالحكم واضح للتمكّن من قضاء ما فات، أعني: اعتكاف يومين، و لا يتمكن إلّا إذا ضمَّ إليها يوماً آخر، لعدم مشروعية الاعتكاف في الأقل من ثلاثة.

إنّما الكلام فيما إذا تابع، فهل يجب عليه ضمُّ السادس أو لا؟ وجهان:

1. من عموم ما ورد في صحيح أبي عبيدة للمقام عن أبي جعفر عليه السَّلام في حديث قال: «من اعتكف ثلاثة أيّام فهو في اليوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإنْ أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيّام أُخر». «3»

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 189؛ المستمسك: 8/ 565؛ مستند العروة: 2/ 400.

(2) المدارك: 6/ 338.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 4 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 375

[المسألة 17: لو نذر زماناً معيّناً شهراً أو غيره، و تركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً، وجب قضاؤه.]

المسألة 17: لو نذر زماناً معيّناً شهراً أو غيره، و تركه نسياناً أو عصياناً أو اضطراراً، وجب قضاؤه. (1)

______________________________

2. من اختصاص النص بالمندوب بشهادة قوله: «فهو في اليوم الرابع بالخيار» فلا يعم المنذور، مع إمكان التفرقة في المندوب دون المقام. ففي الأوّل إذا اعتكف ثلاثة أيّام، فقد تحقّق الاعتكاف المشروع و ليس ثمة إلزام على اتصال الزائد و هو اليومان، فإذا أضاف يكون بمثابة اعتكاف جديد يجب إكماله باليوم الثالث، بخلاف المنذور بأنّ الخمسة حينئذ اعتكاف واحد، عن أمر واحد، و ملاك واحد فلا نقص ليحتاج إلى الإكمال.

يلاحظ عليه مضافاً إلى أنّ الحكم كذلك في بعض أقسام الواجب كالنذر المطلق غير المعيّن زمانه، إذ له

أيضاً رفع اليد عن الاعتكاف عن الثلاثة و الإتيان بالواجب في زمان آخر و إن كان لا يجوز في المعيّن: أنّ المتبادر من الرواية هو انّ الحكم راجع إلى طبيعة الاعتكاف سواء كان مندوباً أو واجباً و إن كان المورد مندوباً.

و هناك جواب ثالث، و هو انّ الاعتكاف مندوب مطلقاً؛ و لا يكون واجباً إلّا بالعرض، و انّ الواجب عند النذر، هو الوفاء به، و النذر يتعلّق بالاعتكاف المندوب بذاته مع ما له الحكم كذلك، و قد عرفت أنّ حكم الاعتكاف الذي اعتكف ثلاثة هو إكماله بيوم آخر.

(1) قال المحقّق: إذا نذر اعتكاف شهر معيّن و لم يعلم به حتى خرج كالمحبوس أو الناسي قضاه.

و قال في المدارك في شرح العبارة: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و استدلّ عليه في «المنتهى» بأنّه نذر في طاعة أخلّ به فوجب قضاؤه. و هو إعادة للمدّعي، و ينبغي التوقّف في ذلك إلى أن يقوم على وجوب القضاء دليل يعتدّ به،

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

و أمّا الكفارة فلا ريب في سقوطها للعذر. «1»

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

ألف: عموم ما دلّ على قضاء ما فات

1. اقض ما فات كما فات.

2. من فاتته فريضة فليقضها.

و هما مرسلتان لا يحتجّ بهما مضافاً إلى انصرافهما إلى ما هو الواجب بالذات كالصلاة و الصوم لا يعمّان الواجب بالعرض المندوب بالذات.

3. صحيحة زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: «يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته». «2»

و لأنّها ليست الحديث بصدد بيان كل ما

فات من المكلّف من الفرائض في مختلف الأبواب، بل بصدد بيان المماثلة من حيث القصر و الإتمام. و يؤيده الرضوي: «فتصلي ما فاتك مثل ما فاتك من صلاة الحضر في السفر و صلاة السفر في الحضر». «3»

ب: ما دلّ على وجوب قضاء الصوم المنذور

روى ابن مهزيار أنّه كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً بعينه فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب إليه: «يصوم يوماً بدل يوم

______________________________

(1) المدارك: 6/ 337.

(2) الوسائل: الجزء 5، الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

(3) المستدرك: 6/ 541، الباب 15 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 377

..........

______________________________

و تحرير رقبة مؤمنة». «1»

و نظيره ما رواه الحسين بن عبيدة 2، و القاسم الصيقل. 3

و الاستدلال به على وجوب قضاء الاعتكاف المنذور أشبه بالقياس، لأنّه مورده الصوم، و البحث في الاعتكاف، و اشتماله على الصوم لا يجعلهما من موضوع واحد.

ج: ما دلّ على قضاء الاعتكاف لدى عروض المانع

روى عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته ثمّ يعيد إذا برئ و يصوم». 4

و في رواية أبي بصير: «فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها». 5

إنّ قوله في الحديث الأوّل: «ثمّ يعيد إذا برئ و يصوم» ظاهر في وجوب الإعادة لا في وجوب القضاء، فيكون مورده هو الاعتكاف الواجب المطلق بلا تعيين زمانه، و يكون الإتيان أداءً في كلّ زمان، بخلاف المقام فإنّ المأتي يوصف بالقضاء لانقضاء وقته؛ و أمّا قوله: «فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» و إن كان ظاهراً في كون المورد الاعتكاف المعين، لكن

من المحتمل، كون المراد، مطلق العمل.

بعبارة أُخرى: انّ الاستدلال بالأوّل مبنيّ على كون الفائت معيناً من حيث الزمان، لكنّه لا يناسب قوله: «فإنّه يأتي بيته ثمّ يعيده إذا برئ» فانّ التعبير بالإعادة شاهد على بقاء الوقت. نعم قوله: «فقضت ما عليها» في الثانية، ظاهر كون الفائت

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1، 2، 3.

(2) 4 و 5 الوسائل: الجزء 7، الباب 11 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 378

و لو غمت الشهور فلم يتعيّن عنده ذلك المعيّن، عمل بالظن، و مع عدمه يتخيّر بين موارد الاحتمال. (1)

[المسألة 18: يعتبر في الاعتكاف الواحد، وحدة المسجد]

المسألة 18: يعتبر في الاعتكاف الواحد، وحدة المسجد، فلا يجوز أن يجعله في مسجدين، سواء أ كانا متّصلين أم منفصلين. نعم لو كانا متّصلين على وجه

______________________________

واجباً معيناً بحيث يعد المأتي قضاء لا إعادة، لكن الاعتماد على مثل هذا الظهور مع احتمال كون المراد هو الإعادة كما في الحديث الأوّل مشكل.

فلم يبق في المقام إلّا الإجماع الذي حكاه صاحب الجواهر، و هو كما ترى إذ لا يبعد أنّ اعتماد المجمعين على ما ذكر من الأدلّة، فالقول بسقوط التكليف بارتفاع موضوعه أقوى.

(1) و هذا هو المحكي عن الشهيد حيث قال: إنّه لو غُمّت عليه الشهور توخّى و إلّا تخير. «1» و لعلّه اعتمد على ما ورد من الأسير و المحبوس إذا لم يعلم شهر رمضان، فيجب عليه التوخّي، أعني: الصوم فيما يظنه شهر «2» رمضان. و لكنّه ضعيف جداً، لأنّه أشبه بالقياس و اختاره صاحب الجواهر قائلًا بأنّه مقتضى بقاء التكليف، و قبح التكليف بما لا يطاق، فليس حينئذ إلّا التوخّي،

و مع عدمه فالتخيير، لأنّها أقرب طرق الام «3» تثال.

يلاحظ عليه: أنّ أقرب الطرق للامتثال هو الاحتياط، إلّا إذا استلزم الحرج، فيتنزّل عن الامتثال القطعي إلى الظنّي إن أمكن و إلّا فيختار الشهر الأخير المحتمل

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 189.

(2) الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1، 2.

(3) الجواهر: 17/ 189.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 379

يعدُّ مسجداً واحداً فلا مانع. (1)

______________________________

و يقصد ما في ذمّته الأعم من الأداء و القضاء.

(1) لا دليل عليه سوى انصراف قوله: «لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع» «1» و قوله: «لا يكون اعتكاف إلّا في مسجد جماعة» 2 إلى المسجد الواحد.

و ربما يستدلّ بوجهين:

1. ما دلّ من النصوص من أنّ من خرج من المسجد لحاجة، لزمه الرجوع بعد الفراغ منها إلى مجلسه. مثل ما ورد في رواية داود بن سرحان: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك». 3 فانّ مقتضى إطلاقه عدم جواز المكث خارج المسجد الذي اعتكف فيه بعد انقضاء الحاجة من غير فرق بين مسجد آخر و سائر الأمكنة.

يلاحظ عليه: أنّه منصرف إلى مجلس آخر مثل ما خرج إليه، كالبيوت و السوق، و لا يعمّ المسجد الذي هو نظير ما خرج منه.

2. ما دلّ على أنّ من خرج عن المسجد لحاجة فحضرت الصلاة، لا يجوز أن يصلّي إلّا في المسجد الذي اعتكف فيه ما عدا مكة؛ كما في رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «المعتكف بمكة يصلِّي في أيِّ بيوتها شاء، و المعتكف بغيرها لا يصلي إلّا في المسجد الذي سمّاه» 4 فإنّ مقتضى

الإطلاق عدم جواز الصلاة حتى في مسجد آخر.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1، 6.

(2) 3 الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

(3) 4 الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 380

[المسألة 19: لو اعتكف في مسجد، ثمّ اتّفق مانع من إتمامه فيه من خوف، أو هدم، أو نحو ذلك بطل]

المسألة 19: لو اعتكف في مسجد، ثمّ اتّفق مانع من إتمامه فيه من خوف، أو هدم، أو نحو ذلك بطل، و وجب استئنافه أو قضاؤه إن كان واجباً في مسجد آخر أو ذلك المسجد، إذا ارتفع عنه المانع. و ليس له البناء، سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد بعد رفع المانع. (1)

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ المراد انّه لا يصلّي في بيت آخر في غير مكة، لا في مسجد آخر، و يدلّ على ما ذكرناه صحيح عبد اللّه بن سنان: «و لا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة». «1»

و الدليل الوحيد هو الانصراف، لو قلنا به، و إلّا فلا دليل على وحدته إذا كان الخروج من مسجد و الدخول في غيره غير موجب للخروج عن المسجد أو إذا خرج لحاجة ضرورية فلمّا فرغ دخل المسجد الآخر في طريقه. نعم لو عُدَّ المسجدان في العرف مسجداً واحداً كما لو وُسِّع المسجد بضم أرض إليه و وقفه جزء له فلا مانع قطعاً.

(1) إذا طرأ المانع من استدامة الاعتكاف، فلا يخلو إمّا أن يكون الاعتكاف مندوباً، أو واجباً. فعلى الأوّل يبطل؛ و على الثاني يجب استئنافه إن لم يكن مقيداً بزمان معين، أو قضاؤه، إن كان مقيّداً في مسجد آخر، أو ذلك المسجد إذا ارتفع المانع.

و ذلك فلعدم التمكّن من

الإتمام في هذا المسجد، و لا في مسجد آخر إذا استلزم الخروج من المسجد، لاعتبار وحدة المسجد على ما عرفت.

هذا ما عليه المصنّف و عامة المشايخ، و لكن الأقوى جواز الانتقال إلى مسجد آخر و البناء على ما سبق خصوصاً إذا كان واجباً معيناً، و ذلك برفع شرطية وحدة المسجد و جزئية المكث في المسجد فيما إذا توقف الانتقال على الخروج منه، بحديث الرفع.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 381

[المسألة 20: سطح المسجد، و سردابه، و محرابه منه، ما لم يعلم خروجها.]

المسألة 20: سطح المسجد، و سردابه، و محرابه منه، ما لم يعلم خروجها. و كذا مضافاته إذا جعلت جزءاً منه كما لو وُسّع فيه. (1)

[المسألة 21: إذا عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلًا لاعتكافه لم يتعيّن، و كان قصده لغواً.]

المسألة 21: إذا عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلًا لاعتكافه لم يتعيّن، و كان قصده لغواً. (2)

[المسألة 22: قبر مسلم و هاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر.]

المسألة 22: قبر مسلم و هاني ليس جزءاً من مسجد الكوفة على الظاهر. (3)

[المسألة 23: إذا شكّ في موضع من المسجد انّه جزء منه أو من مرافقه]

المسألة 23: إذا شكّ في موضع من المسجد انّه جزء منه أو من مرافقه لم

______________________________

و توهّم عدم جريانه في المندوب من العمل، غير تام. لأنّ الرفع و إن كان فرع الثبوت، لكن يكفي فيه ثبوت الجزئية حسب ماهية العمل و صحته و إن لم يكن هناك تكليف إلزامي بالاستمرار فيه.

(1) بما انّ الاعتكاف عبارة عن اللبث في المسجد، يجب إحراز كون المكان مسجداً بالقرائن الحاكية عن كونه مسجداً أو جزءاً منه، و إلّا فلا يصحّ كما لا يصحّ الانتقال منه إلى ذلك الجزء المشكوك كونه منه، و الظاهر انّ ذلك يختلف حسب اختلاف العادات في البلاد، فربما لا يكون صحن المسجد جزءاً منه، كما هو الحال في البلاد الباردة على عكس المناطق الحارة أو المعتدلة و هكذا.

(2) لوجود الرجحان في الجامع بين ذاك الموضع، و الموضع الآخر دونه في الموضع المعيّن، فيكون القصد لغواً، و النذر غير منعقد.

(3) لدلالة القرينة على أنّه ليس منه، لأنّ المقتول بسيف الظالم المسلَّط لا يدفن في الأماكن المقدسة، على أنّه يكفي الشك في كونه جزءاً من مسجد الكوفة أو لا، في عدم الحكم بالصحة.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 382

يجر عليه حكم المسجد. (1)

[المسألة 24: لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً بالعلم الوجداني]

المسألة 24: لا بدّ من ثبوت كونه مسجداً أو جامعاً بالعلم الوجداني، أو الشياع المفيد للعلم، أو البيّنة الشرعية، و في كفاية خبر العدل الواحد إشكال. و الظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي. (2)

______________________________

(1) للزوم إحراز الموضوع، أعني: كون اللبث في المسجد، و الشك في كونه جزءاً للمسجد أو لا، شكّ في تحقّق الموضوع، أي الاعتكاف في المسجد.

(2) لا ريب في ثبوت الموضوع كون المكان المعين مسجداً بالعلم الوجداني، أو الشياع المفيد للعلم و

البيّنة الشرعية، إنّما الكلام في ثبوته بأمرين:

1. خبر العدل الواحد.

2. حكم الحاكم.

أمّا الأوّل، فالمشهور عدم حجّية قول العادل في الموضوعات، و انّ ثبوتها رهن البيّنة، من غير فرق بين مورد الترافع و الدعاوي، و غيرها ككون الماء المعيّن كرّاً. غير انّ سيرة العقلاء على خلاف ما هو المشهور حيث جرت سيرتهم على الاعتماد على قول العدل الثقة في الموضوعات، كاعتمادهم عليه في الأحكام الشرعية، و لا تردُّ تلك السيرة إلّا بدليل قاطع، و هو موجود في باب الترافع، كما تضافر عنهم عليهم السَّلام من أنّ «البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادّعى عليه». و غيره «1» ممّا دلّ على لزوم التعدّد في ثبوته كالهلال و غيره، و أمّا في غير ذلك فيؤخذ بالسيرة و لم يرد دليل على ردّها سوى موثّقة مسعدة ابن صدقة، أعني: قوله: «الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة». «2» حيث إنّ الظاهر حصر الثبوت بالأمرين فقط.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 18، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الجزء 12، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

و ربما يجاب بأنّ المراد من البيّنة فيها ما يُتبيّن به من الحجج الشرعية، فإنّ الحجّة الشرعية لا تختص بالعدلين، بل يعمّ إقرار الإنسان، و حكم الحاكم، و استصحاب الحالة السابقة و بالثلاثة الأخيرة، تستدل على الأحكام كما يستدل على الموضوعات. «1»

يلاحظ عليه: أنّ البيّنة في اللغة و إن كان بمعنى ما يُتبيّن به من دون اختصاص بالعدلين، لكنّها صارت حقيقة متشرعية في العدلين عبر القرون خصوصاً في عصر الإمام الصادق عليه السَّلام حيث إنّ القضاة

يستعملون لفظة البيّنة في المعنى المصطلح.

و الأولى أن يجاب به بعد صحّة سند الرواية و عدم الإرسال فيه، حيث رواه علي ابن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السَّلام. و قد تُوفّي القمي، حوالي سنة 308 ه؛ و هارون، ممّن لقى أبا محمد و أبا الحسن الهادي؛ و مسعدة بن صدقة من أصحاب الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السَّلام. فانّ نقل الأوّل عن الثاني و إن كان قريباً، لكن نقل هارون عن مسعدة مشكل، و إن صرح النجاشي بأنّ هارون ينقل عن مسعدة.

و الأولى أن يجاب بأنّ سكوت الإمام عن سائر ما يثبت به لا يدل على عدم ثبوته به. إذ أقصى ما يمكن أن يقال: انّ سكوت الإمام دليل على انحصار الثبوت بهما، و لكنّه أمام السيرة ضعيف جداً، مضافاً إلى ما ورد في موارد قبول خبر العدل، فلاحظ. «2»

و أمّا الثاني، فلما مرّ منّا في مسألة ثبوت الهلال بحكم الحاكم من عدم سعة حجّية حكم الحاكم إلّا في مورد الأحكام و الفتاوى، و الدعاوى و المرافعات، دون الأُمور الخارجية.

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 2/ 416415.

(2) و قد ذكرنا ما يدلّ على حجيّة قول العدل الواحد من الروايات في كتابنا كليات في علم الرجال: 160159.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 384

[المسألة 25: لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية، فبان الخلاف، تبيّن البطلان.]

المسألة 25: لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية، فبان الخلاف، تبيّن البطلان. (1)

[المسألة 26: لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة]

المسألة 26: لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدته للصلاة في بيتها، بل و لا في مسجد القبيلة و نحوها. (2)

[المسألة 27: الأقوى صحّة اعتكاف الصبي المميّز، فلا يشترط فيه البلوغ.]

المسألة 27: الأقوى صحّة اعتكاف الصبي المميّز، فلا يشترط فيه البلوغ. (3)

______________________________

نعم لو ادّعى بعض الورثة وقفية أرض للمسجد و أنكره غيره، فترافعا، فثبت عند الحاكم، و حكم به، يؤخذ بقوله، لحجية حكمه في باب الترافع.

(1) وجهه واضح، لأنّ الموضوع هو الاعتكاف في المسجد الواقعي لا المسجد المتخيّل، و بعبارة أُخرى كون المكان مسجداً شرط واقعي لا ظاهري.

(2) و يدل على الاشتراط مضافاً إلى صحيحة داود بن سرحان حيث قال: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتى يرجع، و المرأة مثل ذلك» «1» الإطلاقات الواردة في المقام خصوصاً قوله: «لا اعتكاف إلّا بصوم في مسجد الجامع». 2 و غيره من الروايات الواردة لبيان ما هو المعتبر في حقيقة الاعتكاف. 3

(3) المشهور عند أصحابنا انّ نية الصبي المميز صحيحة، و صومه شرعي و كذا سائر عباداته، بمعنى انّها مستندة إلى أمر الشارع فيستحق عليها الثواب لا تمرينية.

نعم، اختار العلّامة في «المختلف» انّها على سبيل التمرين، و استدل بقوله: إنّ

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 3 من أبواب الاعتكاف، الحديث 10، 1، 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 385

..........

______________________________

التكليف مشروط بالبلوغ، و مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط.

يلاحظ عليه: أنّ للتكليف مرحلتين:

1. مرحلة الإلزام فعلًا و تركاً و هي مشروطة بالبلوغ و حديث رفع القلم ناظر إلى رفع مثل تلك الأحكام.

2. مرحلة الاستحباب و الكراهة و هي غير

مشروطة و لا يعمّها الحديث المذكور، لعدم كونها على الذمّة حتى يرفع.

و يدلّ على ما ذكرنا وجوه:

الأوّل: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «انّا نأمر صبياننا بالصيام إلى أن قال: فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطش أفطروا». «1» و قد ثبت في الأُصول من أنّ الأمر بالأمر أمر بنفس الشي ء.

الثاني: انّ الشارع أذن للصبي في الصدقة و الوقف و العتق و الإمامة، و معناه ترتّب الثواب عليها، و هو يلازم كونها شرعية و داخلة تحت الأوامر المطلقة بالعتق و الصدقة و الإمامة.

ففي رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فانّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز». و نظيره غيره. «2»

و في موثّقة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم ان يؤمّ القوم، و أن يؤذّن» و نحوهما. «3»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 3.

(2) الوسائل: 13، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 4. و لاحظ روايات الباب.

(3) الوسائل: 5، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 386

[المسألة 28: لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل، و لو أُعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه.]

المسألة 28: لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل، و لو أُعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه. و لو شرع فيه بإذن المولى ثمّ أُعتق في الأثناء، فإن كان في اليوم الأوّل أو الثاني لم يجب عليه الإتمام. إلّا أن يكون من الاعتكاف الواجب. و إن كان بعد تمام اليومين وجب عليه

الثالث. و إن كان بعد تمام الخمسة وجب السادس. (1)

[المسألة 29: إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه، ما لم يمض يومان.]

المسألة 29: إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه، ما لم يمض يومان. و ليس له الرجوع بعدهما، لوجوب إتمامه حينئذ. و كذا لا يجوز له

______________________________

و هذه الروايات تعرب عن كون عمله مطابقاً للشرع مأموراً به بأمر ندبي على وجه يكون عمله موضوعاً بالنسبة إلى المكلّفين.

الثالث: انّ إطلاقات الأدلّة في أبواب المستحبات و المكروهات شاملة للصبي من غير مزاحم، و لذلك يستحب له قراءة القرآن و الزيارة و صلاة الليل، و منها إطلاقات باب الاعتكاف.

(1) هنا فروع:

أ. بطلان اعتكاف العبد بدون إذنه، لقوله سبحانه: (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1» خرجت الفرائض بالدليل القطعي.

و على كلّ تقدير فهو مملوك، فلا يجوز له التصرف في ملك الغير.

ب. لو اعتكف بلا إذنه و أُعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه لفساد الاعتكاف من أوّله.

ج. لو اعتكف بإذن المولى ثمّ اعتق في الأثناء، فله الخيار في الإتمام و عدمه ما لم يكمل اليومين، و إلّا وجب الثالث أو السادس حسب ما مرّ.

______________________________

(1) النحل: 75.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 387

الرجوع إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع فيه من العبد. (1)

______________________________

(1) فيه فروع:

الأوّل: إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه شأن كلّ مالك بالنسبة إلى ما يملك ما لم يكن هناك إلزام من الخارج.

و بعبارة أُخرى: العبد المأذون ليس بأفضل من الإنسان الحرّ، فله الرجوع قبل إكمال يومين.

الثاني: إذا اعتكف بإذن المولى و أكمل اليومين، فهل له أن يرجع عن إذنه بعد إكمال يومين؟ الظاهر لا، لأنّه بإذنه سلب سلطنته عنه ما دام يعتكف، فلو

كان الاعتكاف مستحباً جاز له الرجوع عن إذنه، و أمّا إذا صار واجباً عليه فليس له الرجوع، لأنّه ليس بمشرِّع، و قد ثبت انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فإن قلت: إنّ وجوب المضي فرع جواز اللبث المنوط بالإذن حدوثاً و بقاءً، و إلّا فهو تصرّف في ملك الغير الذي هو محرّم و مصداق لمعصية الخالق أيضاً.

قلت: إنّ إذنه في الاعتكاف إذن في موضوع له أحكام، و هو وجوب الاستمرار إذا أكمل اليومين، و عند ذلك فهو بإذنه حدوثاً سلب السلطنة عن نفسه اختياراً بالنسبة إلى اليوم الثالث.

الثالث: إذا نذر العبد أن يُتم الاعتكاف متى شرع و كان النذر بإذن المولى، و قد شرع فيه العبد، فانّه ليس له الرجوع حينئذ، لكونه على خلاف حكمه سبحانه.

و بعبارة أُخرى: انّ إجازته للعبد بأن ينذر وجوب إتمام الاعتكاف متى شرع يعدُّ سلبَ سلطنة لنفسه في هذه الأيّام، حيث اذن لموضوع له حكم خاص، و هو وجوب الإتمام عند الشروع.

و الحاصل: انّه ليس للمولى حلُّ ما وجب شرعاً كما في اليوم الثالث في الفرع الثاني، أو اليوم الأوّل و بعده كما في الفرع الثالث.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 388

[المسألة 30: يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة]

المسألة 30: يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة، أو لحضور الجماعة أو لتشييع الجنازة، و إن لم يتعين عليه هذه الأُمور. و كذا في سائر الضرورات العرفية، أو الشرعية، الواجبة، أو الراجحة. سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا، أو الآخرة، ممّا ترجع مصلحته إلى نفسه أو غيره. و لا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات. (1)

[المسألة 31: لو أجنب في المسجد، و لم يُمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج]

المسألة 31: لو أجنب في المسجد، و لم يُمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج، و لو لم يخرج بطل اعتكافه، لحرمة لبثه فيه. (2)

______________________________

(1) تقدّم الكلام في ذلك في الشرط الثامن، و عرفت أنّ المستثنى في صحيح عبد اللّه ابن سنان «1» هو مطلق الحاجة، و لكن المستثنى في صحيحي الحلبي 2 و داود بن سرحان 3 هو الحاجة التي لا بدّ منها، و مقتضى صناعة الاجتهاد هو تقييد المطلق بالمقيد. و على ذلك فلا دليل على جواز الخروج لمطلق الحاجة المستحبّة ما لم يكن منها عقلًا أو شرعاً أو عرفاً. نعم ورد في صحيح الحلبي جواز الخروج لمشايعة الجنازة أو عيادة المريض، و يمكن حملها على مشايعة أو عيادة لا بدّ منها، لا مطلق الحاجة المستحبة.

(2) هنا فرعان:

1. حكم الاغتسال إذا أجنب.

2. حكم الاعتكاف إذا لم يخرج.

أمّا الأوّل، فقد فصّل المصنّف بين إمكان الاغتسال في المسجد بلا تلويثه، فيقدّم الاغتسال فيه على الاغتسال في الخارج، للجمع بين الاغتسال و حرمة الخروج؛ و بين عدم

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 5، 2، 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

إمكانه، فيجب الخروج و الاغتسال في الخارج.

أقول: قد تقدّم في الأمر الثامن انّه يجب الاغتسال مطلقاً خارج المسجد و

يحرم المكث فيه، سواء تمكّن من الاغتسال في المسجد بلا تلويثه أو لا، و سواء تمكّن من الاغتسال بحالة الخروج أو لا، و ذلك لأنّ مكث الجنب في المسجد حرام و ليس مضطرّاً إليه لوجود المندوحة و هو الاغتسال في الخارج، و عندئذ يصبح الخروج ممّا لا بدّ منه كما مرّ و يتمكّن من خارجه الاغتسال.

و إن شئت قلت: إنّ هنا إطلاقين يلزم تقييد أحدهما في هذه الحالة:

1. إطلاق ما دلّ على حرمة اللبث في المسجد للجنب.

2. إطلاق ما دلّ على حرمة الخروج من المسجد للمعتكف.

فلو قُيِّد الإطلاق الأوّل بأدلّة الاضطرار تكون النتيجة هو وجوب الاغتسال في المسجد، و لو قُيِّد الإطلاق الثاني بما ورد في ذيله و دلّ من جواز الخروج للحاجة الضرورية، تكون النتيجة هو وجوب الخروج و الاغتسال في الخارج. و على ضوء ذلك لا ملزم لتقييد الأوّل دون الثاني مع أنّهما متساويان.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 389

بل يمكن أن يقال انّه لا يجوز تقييد حرمة مكث الجنب في المسجد بطروء الاضطرار، بل يتعيّن تقييد إطلاق حرمة الخروج من المسجد بما ورد في ذيل الروايات من الحاجة الضرورية، و ذلك لأنّ الالتجاء إلى العناوين الثانوية كحديث الرفع إنّما يجوز إذا أوجد العمل بالأحكام الواقعية الأوّلية تزاحماً، فعندئذ يرفع التزاحم بأدلّة العسر و الحرج و رفع الاضطرار.

و أمّا المقام فليس من صغرى هذه الضابطة، فانّ دليل حرمة اللبث و إن لم يقيد

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 390

..........

______________________________

بشي ء فهو مطلق، لكن حرمة الخروج في نفس الأدلّة

مقيدة بعدم عروض الحاجة الضرورية، فإذاً الجمع بين هذين الحكمين اللّذين أحدهما مطلق جوهراً و الآخر مقيد كذلك لا يورث تزاحماً حتى نتمسك في رفع التزاحم بالعناوين الثانوية.

و بعبارة أُخرى: إذا كان الجمع بين الأحكام المتعلّقة بالعناوين الأوّلية مطلقها و مقيدها مورثاً للتزاحم، فلا بدّ من الخروج من دائرة العناوين الأوّلية إلى تطبيق أحكام العناوين الثانوية عليها؛ و أمّا إذا كان التزاحم مرتفعاً بنفس العمل بالأحكام الواقعية فيما إذا كان أحدهما مقيَّداً من أوّل الأمر و الآخر مطلقاً، فلا مجال للتمسك بالعناوين الثانوية لفقد الموضوع.

أمّا الثاني، أعني: بطلان الاعتكاف إذا لم يخرج من المسجد، فلأجل انّ المكث الحرام جزء من الاعتكاف، و بما انّه محرَّم لا يكون هذا الجزء مقرِّباً، فيبطل الكل.

و ربما يفصل بين ما إذا كان مكثه موجباً لترك جزء من الاعتكاف عمداً و ما إذا لم يكن كذلك، فيبطل الاعتكاف في الأوّل دون الثاني؛ فإنّ اللبث حرام تكليفاً و وضعاً في الأوّل فيكون مخلًّا بالاعتكاف، و تكليفاً فقط في الثاني فلا يكون مخلًا به.

توضيحه: انّه إذا أرسل خادمه لتحصيل الماء ليغتسل في المكان المعدّ للاغتسال من توابع المسجد، و لكنّه لبث في المسجد إلى أن يجي ء الخادم، فهو و إن ارتكب الحرام تكليفاً، لكن لم يترك جزءاً من الاعتكاف، لأنّ المفروض أنّ هذا المقدار من الزمان لا يجب المكث فيه غاية الأمر كان عليه الانتظار خارج المسجد فخالف و ارتكب الحرام، و عند ما حضر الماء خرج من المسجد و اغتسل في خارجه.

نعم لو جلس في المسجد زائداً على المقدار المذكور كما أنّه استمرّ في اللبث حتى بعد تحصيل الماء، فبما انّه فوَّت على نفسه الاعتكاف في المقدار الزائد من الزمان، «فقد

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 391

[المسألة 32: إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره]

المسألة 32: إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله و جلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه. و كذا إذا جلس على فراش مغصوب.

بل الأحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته، و إن توقف على الخروج خرج على الأحوط، و أمّا إذا كان لابساً لثوب مغصوب أو حاملًا له، فالظاهر عدم البطلان. (1)

______________________________

ترك جزءاً من اللبث الواجب اختياراً» «1»، و ذلك موجب للبطلان. «2»

(1) هنا فروع:

1. إذا أزال شخصاً عن مكانه في المسجد و جلس فيه و اعتكف، فهل يبطل اعتكافه؟

2. إذا جلس على فراش مغصوب.

3. إذا جلس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب.

4. إذا لبس الثوب المغصوب أو حاملًا له و هو معتكف.

و إليك البحث في الجميع واحداً تلو الآخر:

1. إذا أزال شخصاً عن مكانه في المسجد

إذا أزال شخصاً عن مكانه في المسجد و جلس فيه و اعتكف، فهل يبطل اعتكافه؟ قولان مبنيان على أنّ السابق إلى مكان هل يُوجد له حقّ الاختصاص ما لم

______________________________

(1) و الأولى أن يقول: فبما انّ هذا الجزء الزائد مستثنى من الاعتكاف، فهو محرّم و في الوقت نفسه جزء منه، و المحرّم لا يكون مقرّباً و لا يتمشى من الفاعل قصد التقرّب به، فيكون باطلًا.

(2) مستند العروة: 2/ 424.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

يعرض عنه أو لم يتحقق الاعراض العرفي، أو لا يوجدُ إلّا عدم المزاحمة له فلا تجوز إزالته عنه، و أمّا بعد ما أزيل و لو قهراً ينتفي حقّه و يبقى على الإباحة العامة؟ فالرأيان مستمدان ممّا ورد في

المقام من الروايات.

1. روى الكليني باسناد صحيح عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال: «من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليلته». «1»

و الاستدلال بالرواية فرع صحّة السند.

لكن الظاهر انّ السند ضعيف لأجل الإرسال، و معه لا حاجة إلى التحقيق عن هوية محمد بن إسماعيل الذي روى بواسطة واحدة عن أبي عبد الله عليه السَّلام.

و هو ليس محمد بن إسماعيل الذي هو شيخ الكليني، و الراوي عن الفضل بن شاذان، بل هو مردد بين محمد بن إسماعيل بن بزيع أو محمد بن إسماعيل بن ميمون، و إن كان الأقرب هو الثاني.

قال النجاشي: محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، أبو عبد اللّه، ثقة، عين، روى عن الثقات و رووا عنه، و لقي أصحاب أبي عبد اللّه، له كتاب نوادر. «2»

و أمّا محمد بن إسماعيل بن بزيع فهو أيضاً روى عن أصحاب الصادق عليه السَّلام حيث روى عن منصور بن يونس و حمّاد بن عيسى. «3»

______________________________

(1) الوسائل: 3، الباب 56 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.

(2) رجال النجاشي، برقم 934.

(3) رجال النجاشي، برقم 894.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 393

..........

______________________________

و الظاهر من الرواية انّ المكان كان من قبيل السوق غير انّ كونه أحقّ بها حتى في ليلته لا بدّ من حمله على وضع سلعته و حاجاته فيه و إلّا فينتهي حقه بانتهاء اليوم.

و بما ذكرنا يعلم أنّ الرواية لم تشتمل على شي ء لم يقل به أحد، و أمّا الدلالة فسيوافيك بيانها.

2. ما روي

عن أمير المؤمنين عليه السَّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل و كان لا يأخذ على بيوت السوق كراءً».

و الرواية نقلها الصدوق مرسلًا عن أمير المؤمنين عليه السَّلام «1»، و نقلها الكليني بسند 2 صحيح ينتهي إلى طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: قال أمير المؤمنين ....

و طلحة بن زيد لم يوثّق لكن الشيخ قال في حقّه: «هو عامي المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد» و له بهذا العنوان 156 رواية في الكتب الأربعة.

كما نقله أيضاً بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال: «سوق المسلمين كمسجدهم ...». 3

و على هذا فالرواية قابلة للاستناد.

و تحديد الحقّ إلى الليل يدلّ على أنّ المكان من قبيل السوق فينتهي بتخلية المكان، بخلاف الرواية الأُولى فانّه أثبت الأحقية لليوم و الليلة و قد مرّ محمله.

ربما يقال إنّ الظاهر من الأحقية بقرينة صيغة التفضيل مجرد الأولوية، فكلّ واحد من المسلمين ذو حق بالنسبة إليه، إلّا أنّ السابق أحقّ به.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 3، الباب 56 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 2.

(2) 3 الوسائل: الجزء 12، الباب 17 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 394

..........

______________________________

يلاحظ عليه: بأنّ أفعل التفضيل كثيراً ما تستعمل في غير التفاضل، كما في قوله سبحانه: (قُلْ أَ ذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ). «1»

قال سبحانه: (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ). «2»

و قال سبحانه: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ إِنْ أَرٰادُوا إِصْلٰاحاً). «3»

و المراد في الجميع انّ أحدهما حقّ دون الآخر،

إنّما الكلام في تفسير كونه محقاً، فقد ذهب السيد الحكيم و السيد الخوئي إلى أنّ معناه كونه محقّاً أي غير مزاحم فلا تجوز إزالته، و أمّا بعد الإزالة و ارتكاب المعصية فلا تعرض في الرواية لجهة تصرفه أو تصرف غيره فيه، فلو أُزيل أحد عن المكان ثمّ جلس فيه نفس هذا الشخص أو الشخص الثالث أ فهل يحتمل بطلان تصرفه لكونه في حكم الملك السابق الذي يتوقّف على إذنه؟

يلاحظ عليه: أنّ معنى كون الإنسان محقّاً انّ هذا الحقّ ثابت له ما لم يعرض عنه باختياره، و على ذلك فلو أزيل قهراً فهو لا يلازم زوال حقّه و كونه محقّاً و قد قيل: «إنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء»، فلو بطل الحقّ بالقهر و الغلبة فيكون من مصاديق قول القائل: «الحقّ بعد أبي ليلا لمن غلبا» و هو كما ترى.

و إن شئت قلت: إنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كونه بصدد بيان الأمر الوضعي، لا الأحكام.

و ربما يقاس المقام بما ورد من أنّ أولى الناس بميراثه أولى الناس بالصلاة عليه،

______________________________

(1) الفرقان: 15.

(2) يونس: 35.

(3) البقر: 228.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 395

..........

______________________________

إذ ليس معناه انّه لا يجوز لغير الولي أن يصلّي على الميت، بل المراد عدم جواز مزاحمته في الصلاة و انّه أولى بذلك، و إلّا فالوجوب الكفائي ثابت لجميع المكلّفين، فهكذا المقام. «1»

يلاحظ عليه: أنّ صلاة الغير على الميت لا يزاحم صلاة الولي، (و لعلّ معنى أولوية الوارث على غيره أولويته بالقيام على تجهيزه من الغسل إلى الصلاة إلى الدفن فأولى الناس بميراثه، أولاهم بتحمّل عب ء هذه الأُمور)، و هذا بخلاف المقام، إذ لا يسع المكان الواحد إلّا لشخص واحد.

و بعبارة أُخرى: انّ

الشاغل السابق ذو حق و يبقى حقّه مستمراً إلى وقت الإعراض، فلو أزاله شخص و جلس مكانه فهو مأمور بتخلية المكان و تسليمه إلى المحق، فهو بعمله هذا يعصي أمر اللّه سبحانه مستمراً، و معه كيف يصحّ اعتكافه؟

و على ضوء ذلك أي بقاء حقّه في نفس المكان فهو بجلوسه في المكان الذي سبق إليه غيره يمكث مكثاً حراماً، فكيف يكون مقرباً؟

فإن قلت: إنّ متعلّق الحرمة هو الجلوس، و متعلّق الوجوب هو المكث، فعلى القول بجواز اجتماع الأمر و النهي، لا مانع من الصحة.

قلت: إنّ متعلّق الحرمة هو إشغال المكان الذي سبق إليه غيره سواء كان بالجلوس، أو بالقيام عليه، و الجلوس و المكث من العناوين المنطبقة عليه فالاشغال بالقياس إلى المكان، ينتزع منه الجلوس، و بالقياس إلى الزمان ينتزع منه المكث، فليس في الواقع إلّا شي ء واحد و هو الاشغال فكيف يتقرّب به و هو حرام و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي؟

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 428.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 396

..........

______________________________

2. الجلوس على الفراش المغصوب

إذا اعتكف في المسجد جالساً على الفراش المغصوب، فهل يبطل اعتكافه أو لا؟ وجهان:

أ: الصحّة فانّ النهي تعلّق بالجلوس، و الأمر بالمكث و هما و إن كانا متلازمين في الخارج، لكن حرمة أحدهما لا تسري إلى الآخر، فيبقى المكث الذي يتقوّم به الاعتكاف على ما كان عليه من الإباحة، و حال الجلوس المزبور حال اللباس المغصوب الذي اتّفقوا فيه على صحّة الاعتكاف، فكما أنّ الفرش يحرم الجلوس عليه، كذلك اللباس المغصوب يحرم لبسه.

ب: انّ متعلّقي الأمر و النهي و إن كانا مختلفين و لذلك يصحّ اجتماعهما في المقام، لكن الإشكال في تمشّي قصد القربة بالعمل الواحد

المنهي عنه، فإنّ المكث العبادي متحد في الخارج مع الجلوس الحرام، فكيف يتقرّب بعمل واحد، لا يحبه المولى بل يبغضه و بما ذكرنا يظهر وجه الفرق بين المقام و الاعتكاف بثوب مغصوب، و ذلك لأنّ واقعية الاعتكاف هو اللبث في المسجد، سواء كان كاسياً أو عارياً، و ليس للّبس أيّ مدخلية في واقع الاعتكاف، فلو اعتكف مع قميص مغصوب فكأنّما اعتكف مع الكذب و الغيبة.

3. الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب

إذا فرش المسجد بتراب أو حجر مغصوب، فحكمه حكم الفراش المغصوب إذا أمكن إزالته فلا يعتكف فيه جالساً عليه، إنّما الكلام إذا لم يمكن إزالته كما إذا فرش بآجر مع الاسمنت بحيث لا يمكن قلعه بسهولة، و لو قلع لما أمكن الانتفاع به.

لا شكّ انّ تلك المواد بعد الاستعمال تخرج عن المالية، إذ لا تبذل بإزائها الثمن،

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 397

[المسألة 33: إذا جلس على المغصوب ناسياً، أو جاهلًا، أو مكرهاً، أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه.]

المسألة 33: إذا جلس على المغصوب ناسياً، أو جاهلًا، أو مكرهاً، أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه. (1)

______________________________

لما عرفت من أنّه لو قلع لما أمكن الانتفاع به، إنّما الكلام في خروجها عن الملكية و عدمه، و الظاهر هو الأوّل، لأنّها اعتبار عقلائي لغاية عقلائية و المفروض انتفاء الغاية بعد تحولها جزءاً من المسجد بحيث لو قلع لما انتفع به، فهو أشبه ببعض الأوعية المكسورة التي لا يمكن الانتفاع من مكسورها، فيكون الكاسر ضامناً، و الأجزاء المتفرقة داخلة في المباحات، و مع ذلك فللمالك حقّ الاختصاص، فيكون الجلوس عليه محرّماً. هذا إذا لم يغط الغصب عامة سطح المسجد، و إلّا فيقع التزاحم بين حقّ المصلّي غير الغاصب، مع حقّ المغصوب منه، فيقدّم حقّ الأوّل على الثاني، لأنّ المنع عن الانتفاع بالمسجد

لأجل ذلك الأمر يزاحم الغاية المتوخّاة من الوقف.

4. لُبس الثوب المغصوب في الاعتكاف

إذا لبس الثوب المغصوب في حال الاعتكاف أو حمله، فقد علم حكمه ممّا مرّ في النوع الثاني، فلاحظ.

(1) إذا جلس المعتكف على المغصوب لعذر عقلي أو شرعي، كالنسيان و الإكراه و الاضطرار فلا يبطل اعتكافه، بشرط أن لا يكون الناسي هو الغاصب، و إلّا فيبطل، و قد ورد النص في بطلان صلاة الغاصب الناسي.

وجه الصحة، هو حكومة العناوين الثانوية كالنسيان و الإكراه و الاضطرار على أحكام العناوين الأوّلية، فنخص فعلية الحرمة بغير هذه الحالات، فيكون الاعتكاف جامعاً للشرائط، و المعتكف نادراً على قصد التقرب بعد.

و أمّا إذا كان جاهلًا بالغصب أو شاكاً، فالرفع في المقام، و إن كان يختلف مع

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

الرفع في الموارد الثلاثة المتقدّمة حيث إنّ نسبة الرفع فيها إلى الأدلة الواقعية، من قبيل حكومة دليل اجتهادي على دليل اجتهادي مثله، بخلاف الرفع فيما لا يعلم، فإنّ الرفع فيه ظاهري، لكونه أصلًا عملياً وارداً في مورد الشكّ و الجهل، و لكن ذلك الفرق لا يؤثِّر في صحّة العمل في الجميع، لما عرفت من الملازمة العرفية بين الأمر بالشي ء، و الأمر بشي ء آخر في كيفية امتثاله، فلازم الأمر الثاني هو اقتناع المولى في مقاصده، على ما تؤدّيه إليه الأمارات و الأُصول العملية لمصلحة أعلى من حفظ عامة المقاصد ...

و لذلك قلنا بالاجزاء في موارد الأمارات و الأُصول الجارية في الأجزاء و الشرائط. و تكون النتيجة بعد تقديم حديث الرفع على أدلّة الشرطية و الجزئية و المانعية، اختصاص مانعية الغصب بغير صورة الجهل.

فإن قلت: ليس المانع من الصحة هو عدم قصد القربة حتى يقال بإمكانه من

الجهل، و لا الحرمة المنجزة كما يقال بارتفاعها في طرف الجهل، بل المانع هو الحرمة الفعلية الواقعية و إن لم تكن منجزة. و بالجملة، انّ المغصوب في طرف النسيان و الإكراه و الاضطرار ليس بحرام لا واقعاً و لا ظاهراً، لما عرفت من حكومة أدلّة العناوين الثانوية، على الأدلة الأوّلية حكومة دليل اجتهادي على دليل اجتهادي مثله، و أمّا المقام فالمرفوع هو التنجز أي كون العمل موجباً للعقاب، دون الحرمة الفعلية، و على ذلك فمورد العناوين الثلاثة من قبيل التزاحم دون المقام فهو من قبيل التعارض، و الحرام بالفعل لا يكون مصداقاً للواجب. «1»

قلت: تطلق الفعلية و يراد منها أحد الأمرين:

1. تمامية البيان من الشارع في المورد سواء أوصل إلى المكلّف أم لم يصل. و الفعلية بهذا المعنى لا تنافي جريان البراءة، لأنّ مفادها عندئذ هو عدم صحّة

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 430.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 399

[المسألة 34: إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه]

المسألة 34: إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه، أو لإتيان واجب آخر متوقف على الخروج و لم يخرج أثم، و لكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى. (1)

______________________________

الاحتجاج بمثل هذا البيان غير الواصل، فيكون الحكم الواقعيّ المبيّن، ممّا لا يحتجّ به، و أمّا صحّة العمل فهي نتيجة الملازمة بين الأمر بالبراءة و الاكتفاء بالمقدار الباقي بعد صدق الموضوع على الواجد و الباقي.

2. وجود خطاب جدّي من المولى إلى العبد في المورد، و الفعلية بهذا المعنى تنافي البراءة، لكنّه مبنيّ على تعدّد الخطاب حسب تعدّد المكلّفين كما هو المشهور و المختار عندنا هو وجود خطاب إنشائي متعلّق بالعنوان الكلي الذي يحتجُّ به المولى على العبد دون أن يكون في كلّ مورد خطاب خاص

و على ذلك لا يكون ذلك الخطاب الكلي مانعاً عن جريان البراءة، لعدم وجود خطاب جزئي متوجّه إلى العبد في المورد.

(1) انّ أداء الدين و المكث في المسجد متضادان لا يجتمعان فلا يمكن الأمر بهما معاً. و عندئذ فهنا فروض:

1. إذا قلنا الأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضده أي المكث، فلا يمكن الأمر به أيضاً، لبطلان اجتماع النهي و إن كان تبعياً مع الأمر بالشي ء و إن كان أصلياً.

2. إذا قلنا بعدم الاستلزام، فبما انّ الأهم و المهم متزاحمان في مقام الامتثال، فلازم ذلك عدم الأمر بالمهم في ظرف الأمر بالأهم و سقوط الأمر بالمهمّ لا يلازم فساد العبادة، لما سيوافيك من الفرض الثالث، أعني: الأمر الترتّبي.

3. إذا قلنا بأنّ المحال هو الأمر بالمهم في عرض الأمر بالأهم، فيسقط الأمر بالأوّل في ظرف الأمر بالأهم، لا ما إذا كان الأمر بالمهم في طول الأمر بالأهم كما في الأمرين المترتبين إذا كان الأمر الثاني مترتباً على عصيان الأمر الأوّل و عند ذاك يمكن

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 400

[المسألة 35: إذا خرج عن المسجد لضرورة]

المسألة 35: إذا خرج عن المسجد لضرورة فالأحوط مراعاة أقرب الطرق. و يجب عدم المكث إلّا بمقدار الحاجة و الضرورة، و يجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان. بل الأحوط أن لا يمشي تحته أيضاً بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلّا مع الضرورة. (1)

______________________________

إحراز صحة المهم.

4. إذا لم نقل بإمكان الترتّب و مع ذلك يمكن إحراز صحّة الاعتكاف، لأنّه لا شكّ في الصحة على تقدير الخروج، فهذا المقدار من المكث خارج عن الاعتكاف و مستثنى منه بمقتضى الأمر المطلق بالخروج، فطبعاً تبقى بقية الأزمان تحت الأمر، فإذا صحّ الاعتكاف على تقدير الخروج،

صحّ على تقدير عدمه أيضاً و إن كان عاصياً. «1» لكن هذا الفرض غير تامّ، لعدم ملازمة العصيان في المقام مع السقوط واجباً على نحو فوراً ففوراً.

(1) في المسألة فروع:

1. إذا خرج من المسجد فيرجع إليه من أقرب الطرق.

2. لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان.

3. الأحوط أن لا يجلس إلّا مع الضرورة.

4. الأحوط عدم المشي تحتها.

أمّا الأوّل، أعني: وجوب الرجوع إلى المسجد من أقرب الطرق، فلأنّ الخروج في لسان الأدلّة مثل صحيحة داود بن سرحان: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها». «2» كناية عن المكث خارج المسجد، فالجائز هو المقدار الذي لا بدّ منه في قضاء

______________________________

(1) مستند العروة: 2/ 434.

(2) الوسائل: الجزء: 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

الحاجة الضرورية و أمّا الزائد فلا، فإذا كان أحد الطريقين أقرب و الآخر أبعد، فسلوك الأخير موجب للمكث خارج المسجد زائداً على قدر الضرورة، فيكون ممنوعاً، و به يظهر وجه قوله في المتن: «و يجب عدم المكث إلّا بقدر الحاجة و الضرورة».

أمّا الثاني: المنع عن الجلوس تحت الظلال مع الإمكان، فيدلّ عليه نفس الصحيحة حيث قال: «و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك».

ثمّ إنّ المصنّف قيّد المنع بقوله: «مع الإمكان» و وجهه ربما يتوقف قضاء الحاجة على الجلوس تحت الظلال كعيادة المريض الوارد في صحيحة الحلبي.

و يمكن أن يقال: انّ الممنوع هو الجلوس تحت الظلال بعد قضاء الحاجة كما هو الظاهر من قوله: «لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك»، فالجلوس تحتها قبله خارج عن حريم المنع.

أمّا الثالث: أي المنع عن مطلق الجلوس، فقد ورد في صحيح الحلبي، و رواية ثانية

لداود بن سرحان.

ففي الأوّل: «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتى يرجع، و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة، أو يعود مريضاً، و لا يجلس حتى يرجع». «1»

و في الثانية: «إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتى يرجع». 2

و الممنوع و إن كان مطلق الجلوس، لكنّه يقيد بما ورد في صحيح ابن داود الثاني من ممنوعية الجلوس تحت الظلال لا مطلق الجلوس.

كما أنّ الممنوع في الجميع هو الجلوس، بعد قضاء الحاجة لا قبلها.

فإن قلت: إنّ قوله في صحيح الحلبي: «و لا يجلس حتى يرجع» مطلق يعمّ قبله

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 7 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2، 1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 402

..........

______________________________

و بعده.

قلت: إنّه تكرار لما تقدّم من النهي عن الجلوس بعد قضاء الحاجة، أعني قوله: «إلّا لحاجة لا بد منها ثمّ يجلس حتى يرجع» الظاهر في النهي عن الجلوس بعد قضائها و يحمل الذيل عليه.

فقد تبيّن انّ الممنوع هو الجلوس تحت الظلال بعد قضاء الحاجة فقط.

و لكنّ هنا احتمالًا آخر و هو انّ النهي عن الجلوس تحت الظلال كناية عن النهي عن التأخير من غير فرق بين القيام و الجلوس، و على هذا لا فرق بين الجلوس تحت الظلال و غيرها.

و أمّا ذكر الظلال بالخصوص في الروايات، فلأجل انّ الجلوس تحت الظلال هو الغالب في مظانّ الاستراحة، و على هذا فليس في المقام إلّا حكم واحد، و هو النهي عن التأخير بعد قضاء الحاجة، و بما انّك ستعرف أنّه لا دليل على حرمة المشي تحت الظلال، ينخفض عدد الفروع من الأربعة إلى الاثنين، فلاحظ.

و أمّا

الرابع: أي المنع عن المشي تحت الظلال، فهو خيرة المرتضى، و استدلّ عليه بالإجماع و طريقة الاحتياط، و أضاف في الجواهر و قال: و لعلّه الحجّة مضافاً إلى ما دلّ عليه في المحرم بناء على أصالة مساواته له في ذلك حتى يعلم الخلاف، و إلى احتمال إلغاء خصوصية الجلوس، و كون المانع منه تحت الظلال، فلا فرق بينه و بين المشي و الوقوف. «1» و الجميع كما ترى.

ثمّ إنّ صاحب الوسائل عنون الباب الثامن بالنحو التالي «باب انّ المعتكف إذا خرج لحاجة لم يجز له الجلوس، و لا المشي تحت ظلال اختياراً ...» و لم نعثر فيه على ما يدلّ على المنع عن المشي تحت الظلال، و لكنّه قال في آخر الباب: تقدم ما يدل على

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 186185.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 403

[المسألة 36: لو خرج لضرورة و طال خروجه، بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل.]

المسألة 36: لو خرج لضرورة و طال خروجه، بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل. (1)

[المسألة 37: لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون من القيام، و الجلوس، و النوم، و المشي، و نحو ذلك]

المسألة 37: لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون من القيام، و الجلوس، و النوم، و المشي، و نحو ذلك، فاللازم الكون فيه بأيّ نحو ما كان. (2)

[المسألة 38: إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً]

المسألة 38: إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعياً، وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد و بطل اعتكافها. و يجب استئنافه إن كان واجباً موسعاً بعد الخروج من العدّة. و أمّا إذا كان واجباً معيّناً فلا يبعد التخيير بين إتمامه ثمّ الخروج و إبطاله، و الخروج فوراً، لتزاحم الواجبين، و لا أهمية معلومة في البين. و أمّا إذا طلّقت بائناً فلا إشكال، لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّاما لعدّة. (3)

______________________________

عدم جواز الجلوس و المرور تحت الظلال للمعتكف. «1» و قد اعترف المعلِّق بعدم عثوره على ما يدلّ على حرمة المرور تحت الظلال.

(1) لأنّ الاعتكاف عمل واحد متصل مستمر إلى ثلاثة أيّام، و الفصل بين أجزائه ينافي الوحدة و الاتّصال، خرج ما لا بدّ منه، و القدر المتيقّن ما لا يضرّ بصورة العمل التي هي قوامه، فلو خرج لعيادة مريض في نقطة نائية، بحيث استغرقت ساعات من اليوم خرج عرفاً عن كونه معتكفاً في المسجد.

(2) لأنّ ذلك لازم البقاء في المسجد ثلاثة أيّام، مضافاً إلى إطلاق الأدلّة.

(3) صور المسألة ثلاث:

الأُولى: إذا طُلِّقت المعتكفة طلاقاً بائناً أو مات عنها زوجها، فقد انقطعت

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 8 من أبواب الاعتكاف.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 404

..........

______________________________

العصمة بينهما، فهي كسائر النساء الأجنبيّات لا يؤثر رضا الزوج السابق و لا عدمه. و هذا خارج عن محطّ البحث، و إنّما ذكر استطراداً.

الثانية: إذا طُلّقت المعتكفة طلاقاً رجعياً و كان الاعتكاف واجباً موسّعاً كالمنذور بلا

توقيت، فوافاها الطلاق الرجعي في اليومين الأوّلين، فقد أفتى المصنِّف بوجوب خروجها إلى منزلها للاعتداد و بطل اعتكافها، و لكن يجب استئناف الاعتكاف بعد الخروج عن العدة، و ذلك لعدم التزاحم بين الوفاء بالنذر و الاعتداد في البيت حيث إنّ الأوّل واجب موسّع و الآخر واجب مضيّق، فيقدم قوله سبحانه (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ) «1» على الاعتكاف.

الثالثة: إذا كان الاعتكاف واجباً معيناً كالنذر المعين فوافاها الطلاق في أي يوم من الأيام الثلاثة، أو كان مستحباً، أو واجباً غير معيّن لكن وافاها الطلاق في اليوم الثالث من الاعتكاف، فهنا أقوال:

القول الأوّل: ما ذهب إليه الشيخ و المحقّق من لزوم الخروج من المسجد و الرجوع إلى البيت، و قد حكاه عن الشافعي و أحمد محتجاً بقوله سبحانه: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ)، و لأنّ الاعتداد في بيتها واجب، فلزمها الرجوع إليه، كالجمعة في حقّ الرجل. «2»

و هو خيرة المحقّق أيضاً حيث قال: إذا طلقت المعتكفة رجعية، خرجت إلى منزلها ثمّ قضت واجباً إن كان الاعتكاف واجباً، أو مضى يومان، و إلّا ندباً.

القول «3» الثاني: لزوم الاستمرار في الاعتكاف حيث إنّه واجب، و قد تعارض مع

______________________________

(1) الطلاق: 1.

(2) المبسوط: 1/ 294 و نقله العلّامة في المنتهى: 2/ 635.

(3) الشرائع: 1/ 162.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 405

..........

______________________________

وجوب الخروج للاعتداد، فيقدم الأسبق و هو الاعتكاف.

القول الثالث: ما اختاره المصنِّف من التخيير بين إتمامه ثمّ الخروج، و إبطاله و الخروج فوراً، لتزاحم الواجبين و لا أهمية معلومة في البين.

هذه هي الأقوال في المسألة، و هي مبنية على أنّ الإقامة في البيت و الاعتداد فيه حكم شرعي للاعتداد. فعلى ذلك يجب الخروج في

الصورة الثانية بلا كلام، و التخيير في الصورة الثالثة بناء على عدم أهمية امتثال أحد الحكمين على الآخر.

و أمّا لو قلنا بأنّ الاعتداد في البيت ليس حكماً جديداً، بل هو استمرار للحكم السابق للزوجة حيث إنّ المطلّقة رجعية زوجة، فعلى هذا فيكون حال المطلّقة حال الزوجة. و يدلّ على ما ذكرنا صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلّا بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن لم تحيض». «1»

و على ذلك فحال المطلّقة حال الزوجة في جميع الأحوال، و قد مرّ حكمها سابقاً في الأمر السابع حيث قال المصنِّف: و كذا يعتبر إذن الزوج بالنسبة إلى الزوجة إذا كان منافياً لحقّه. «2»

نعم لو قلنا بأنّ حرمة خروج الزوج من البيت حكم تعبدي للاعتداد و لا صلة له بالزوجية، فعندئذ يصلح ما في المتن من التخيير إذا كان الحكمان متساويين في الملاك، أو يقدّم أحدهما إن كان فيه ملاك التقديم، لكن المبنى غير تام.

فإن قلت: إنّ ظاهر قوله سبحانه: (لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ) هو كون حرمة الخروج من آثار الطلاق ثمّ الاعتداد لا من آثار الزوجية الباقية في المطلّقة

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 18 من أبواب العِدد، الحديث 1.

(2) العروة الوثقى: 380، كتاب الاعتكاف، الأمر السابع.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 406

[المسألة 39: قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معيّن، أو واجب موسّع، و إمّا مندوب.]

المسألة 39: قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معيّن، أو واجب موسّع، و إمّا مندوب. فالأوّل يجب بمجرد الشروع بل قبله و لا يجوز الرجوع عنه. و أمّا الأخيران فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين. و أمّا بعده فيجب اليوم الثالث. لكن الأحوط فيهما أيضاً وجوب الإتمام

بالشروع. خصوصاً الأوّل منهما. (1)

______________________________

الرجعية.

قلت: إنّ ما ذكر إشعار لا يعتمد عليه في مقابل صحيحة الحلبي، خصوصاً في مقابل قولهم: «المعتدة رجعية زوجة» و ليس معنى كونها مطلقة انّها خارجة عن حبال الزوجية بل هي زوجة بالفعل لكن لها ذلك الشأن و هو انّه إذا خرجت العدة و لم يرجع الزوج فيها خرجت عن كونها زوجة.

و على ما ذكرنا فليس عليها وجوب الخروج في الثانية، بل هي مخيّرة بين الخروج و البقاء.

كما أنّه يجب عليها البقاء لكون الاعتكاف واجباً معيناً و ليس البقاء في الثانية و لا الثالثة مخالفاً لحقّ زوجها. لأنّ المفروض كونها مطلّقة.

اللّهمّ إلّا إذا رجع عن طلاقها، فصار البقاء مخالفاً لحقّ الزوج فترجع إلى البيت في الثانية دون الثالثة لتعينه عليها.

(1) قد تقدم الكلام في هذا الموضوع في المسألة الخامسة، فالواجب المعين لأجل كونه مضيقاً لا يجوز رفع اليد عنه، بخلاف الموسّع و المندوب فيجوز إلّا في اليوم الثالث. و لا مانع من أن يكون العمل مستحباً و الإتمام واجباً كما هو الحال في الحجّ و العمرة، قال سبحانه: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ). «1» نعم يظهر من الشيخ وجوب الإتمام بالشروع فيه، و سيوافيك كلامه في المسألة التالية.

______________________________

(1) البقرة: 196.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 407

[المسألة 40: يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء، حتى في اليوم الثالث]

المسألة 40: يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء، حتى في اليوم الثالث، سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا. بل يشترط الرجوع متى شاء حتى بلا سبب عارض.

و لا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع و نحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله. و يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النية، فلا اعتبار بالشرط قبلها، أو بعد الشروع فيه و

إن كان قبل الدخول في اليوم الثالث.

و لو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه، و إن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال يومين. (1)

______________________________

(1) اتفقت كلمة الأصحاب و الأخبار على أنّه يستحب للمعتكف أن يشترط لنفسه في الاعتكاف انّه إذا عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف.

هذا أمر لا إشكال فيه، و إنّما الكلام في محل الشرط، فهل يختص باليومين الأوّلين أو يعمّ الثالث أيضاً؟

ذهب الشيخ إلى اختصاصه باليومين الأوّلين، لوجوب الثالث بمضيّ يومين فلا يحلّ بالاشتراط.

قال في المبسوط: و متى شرط المعتكف على نفسه انّه متى عرض له عارض رجع فيه، كان له الرجوع فيه أي وقت شاء ما لم يمض به يومان، فإن مضى به يومان وجب عليه إتمام الثالث، فإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيام، لأنّ الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيّام. «1»

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في الفروع التالية:

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 289.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

أ. هل يجوز اشتراط الرجوع مطلقاً أو يختص بغير اليوم الثالث؟

ب. لا فرق بين تعليق الرجوع على عروض عارض و عدمه.

ج. لا يجوز له اشتراط المنافيات كالجماع مع بقاء الاعتكاف.

د. يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النية.

ه. إذا شرط حال النية ثمّ أسقط حكم شرطه، فهل يكون مؤثراً أو لا؟

و إليك الكلام فيها واحداً تلو الآخر.

أ. عموم الشرط لعامة الأيّام

قد عرفت أنّ الشيخ خصّص الشرط باليومين الأوّلين و أخرج اليوم الثالث، و لكن الحقّ جوازه مطلقاً على نحو يكون مؤكداً لجواز العدول في اليومين و مؤثراً في اليوم الثالث، و ذلك لإطلاق ما دلّ على جواز الاشتراط.

ففي معتبرة

عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام و اشترِط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه». «1»

و روى الكليني و الصدوق عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام، و من اعتكف صام، و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يُحرم». 2

إلى غير ذلك من الروايات فإطلاقها محكم خصوصاً انّ ما دلّ على وجوب اليوم الثالث مقيد بعدم الاشتراط، ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «و

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1، 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 409

..........

______________________________

إن أقام يومين و لم يكن اشترط، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيّام». «1»

فعلى ذلك فلا مانع من الاشتراط في جميع الأيّام.

ب. جواز الاشتراط مطلقاً و لو مع عدم عروض عارض

هل يختص الاشتراط بالرجوع مع العارض أو يجوز مطلقاً و لو لم يطرأ طارئ؟ و الظاهر من كلام المحقّق و الشهيد في «الدروس» هو الثاني، قال المحقّق: و لو شرط في حال نذره الرجوعَ إذا شاء، كان له ذلك أي وقت شاء. «2»

و قال الشهيد: و لو شرط الرجوع متى شاء أُتُّبع و لم يتقيّد بالعارض. «3» و لكن الظاهر من العلّامة هو الاختصاص بعروض العارض، قال:

إنّما يصحّ اشتراط الرجوع مع العارض، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزّه أو البيع أو الشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في

المسجد لم يجز. «4»

و وافقه الشهيد في «المسالك» و قال: اعلم أنّ الاشتراط في الاعتكاف بان يحلّه حيث حبسه الجائر كالحجّ و فائدته تسويغ الخروج منه عند العذر الطارئ بغير اختياره، كالمرض و الخوف و نحوهما، فلا يجوز اشتراط الخروج بالاختيار أو إيقاع المنافي كذلك. «5»

و اختاره المحدّث البحراني في حدائقه و قال: هذا هو الظاهر من الأخبار، و أمّا ما ذكروه من جواز اشتراط الرجوع مطلقاً فلا أعرف له دليلًا. «6»

و استُدلّ على القول بعدم الاختصاص بطروء النذر بروايتين:

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 4 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1.

(2) الشرائع: 1/ 218.

(3) الدروس: 255.

(4) التذكرة: 6/ 308.

(5) المسالك: 2/ 107.

(6) الحدائق: 13/ 486.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

1. إطلاق صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السَّلام: «إذا اعتكف يوماً و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيّام». «1»

2. صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فانّ عليها ما على المظاهر». «2»

وجه الدلالة: انّ حضور الزوج ليس عذراً قطعاً و لا يعد عارضاً، و مع ذلك قال الإمام انّه لو لم تشترط كان عليها ما على المظاهر، بخلاف ما لو اشترطت فليس عليها شي ء.

و استدل للقول بالاختصاص بصحيحة و موثّقة.

أما الصحيحة فهي ما رواه أبو

بصير، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم». «3» و الاشتراط في الإحرام يُعلّق على طروء عارض فيقول هناك: أنْ تحلني حيث حَبَسْتَني.

و أمّا الموثقة فهي ما رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «و اشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر اللّه تعالى». «4» و تقيد الأوليان بالأخيرتين.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 4 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1.

(2) الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 6.

(3) الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1.

(4) الوسائل: 7، الباب 9 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

يلاحظ عليه: أنّ التقييد فرع إحراز وحدة الحكم كما بُيّن في محلّه و إلّا فيجوز أن يكون المطلق موضوعاً لحكم، و المقيد موضوعاً لحكم آخر، و المقام من هذا القبيل حيث إنّ الرجوع متى شاء موضوع لجواز الاشتراط، كما أنّ الرجوع متى عرض عارض موضوع لاستحباب الاشتراط الذي يحكي عنه قوله في موثقة أبي بصير: «و ينبغي للمعتكف».

و لذلك جرت سيرة العلماء على عدم حمل المطلق على المقيد في أبواب المستحبات، و ذلك لأجل عدم إحراز وحدة الحكم و احتمال تعدد مراتبه، فلو ورد اقرأ زيارة يوم عاشوراء، و ورد اقرأها تحت السماء، لا يحمل المطلق على المقيد، بل يحمل على تأكد الاستحباب، فإذا كان حال المستحبات كذلك فما ظنك إذا كان أحد الحكمين حاملًا للجواز، كما هو الحال في الصحيحين و الآخر حاملًا للاستحباب كما هو

المستفاد من الأخيرتين.

3. اشتراط المنافيات

لا يجوز اشتراط ارتكاب المنافيات كالجماع و نحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله، لأنّ العبادات توقيفية، و الشرط ليس مشرّعاً إلّا إذا ورد عليه النصّ كما في اشتراط فسخ الاعتكاف، و أمّا تجويز الإتيان بالمنافيات بالشرط مع حفظ الموضوع أي بقاء الاعتكاف بحاله، فهو رهن الدليل.

4. اعتبار كون الشرط حال النية

يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النية فلا اعتبار بالشرط قبلها، أو بعد الشروع فيه و إن كان قبل الدخول في اليوم الثالث و ذلك لأنّه المفهوم من تشبيه الشرط في المقام بالشرط في باب الإحرام، فإنّ وقته فيه هو النية.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 412

[المسألة 41: كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيته]

المسألة 41: كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيته، كذلك يجوز اشتراطه في نذره، كأن يقول: للّه عليّ أن أعتكف، بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا، أو مطلقاً. و حينئذ فيجوز له الرجوع و إن لم يشترط حين الشروع

______________________________

مضافاً إلى أنّ حقيقة الشرط عبارة عمّا يناط المنشأ به، و هو فرع كونه مقروناً به حتى يقال اشترط في اعتكافه، و بعبارة أُخرى: معنى الاشتراط في الاعتكاف، هو كون الثاني ظرفاً للشرط و هو فرع نيّة الشرط معه و إلّا يكون غير مرتبط به و أشبه بالشرط الابتدائي الخارج عن مصطلح الشرط الوارد في الروايات.

5. إسقاط حكم الشرط

إذا اشترط ثمّ حاول إسقاط حكم شرطه، فهل يسقط بذلك و يعود الاعتكاف بعد ذلك لازماً على نحو ليس له الخروج عنه إذا وجب كاليوم الثالث، أو لا يسقط و يبقى الاعتكاف في جوازه، متى شاء خرج؟ الظاهر هو الثاني، و ذلك لأنّ الشرط يُطلق و يراد به تارة الشرط الأُصولي كما

عليه تقسيم الواجب إلى واجب مطلق و واجب مشروط كاشتراط وجوب الصلاة بدلوك الشمس فيعود إلى تقيّد المنشأ بالشرط.

و أُخرى الشرطُ الفقهي و مرجعه إلى أحد الأمرين، إمّا طلب فعل من المشروط عليه كما في قوله: بعتك بشرط أن تخيط لي قميصاً، فخياطة القميص تكون جزء من الثمن مطلوباً، أو جعل الخيار لنفسه كما في قوله: بعتك بشرط الخيار إلى عشرة أيام. و المقام أشبه بالقسم الثاني حيث إنّه ينوي الاعتكاف و يشترط خيار الفسخ و الرجوع، غير انّه لم يدل دليل على أنّ كلّ شرط قابل للإسقاط، خصوصاً إذا كانت نتيجة الشرط الحكم الشرعي بجواز الاعتكاف في اليوم الثالث، فليس للمكلّف إسقاط الحكم الشرعي و انّ للعبد إرجاع الاعتكاف الجائز إلى اللازم، فمثله يحتاج إلى الدليل.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 413

في الاعتكاف، فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع، لكن الأحوط ذكر الشرط حال الشروع أيضاً. و لا فرق في كون النذر اعتكاف أيام معينة، أو غير معينة متتابعة أو غير متتابعة، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر. و لا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيّن و لا الاستئناف مع الإطلاق. (1)

______________________________

(1) هنا فرعان:

1. كفاية ذكر الشرط في صيغة النذر.

2. لو اشترط و رجع، لا قضاء عليه مطلقاً. و إليك البحث في كلّ واحد تباعاً.

أمّا الأوّل: فقد دلّت الروايات السابقة على جواز اشتراط العدول متى شاء، أو عند طروء العارض عند الاعتكاف على نحو يكون محل الشرط هو الشروع في الاعتكاف و عند نيّته. و هنا نوع آخر، و هو اشتراط الرجوع عند نذر الاعتكاف. و الظاهر من المصنّف جواز كلّ من الصورتين، و لكن مورد الروايات هو

الأولى دون الثانية، و تجويز الصورة الثانية يحتاج إلى دليل، و قد أشار إليه السيد العاملي في «المدارك» و قال: «و لم أقف على رواية تدلّ على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في عقد النذر، و إنّما يستفاد من النصوص انّ محلّ ذلك نية الاعتكاف مطلقاً. «1»

و تبعه صاحب الحدائق و قال: و هو مشكل، لأنّ المستند في هذا الاشتراط، إنّما هو الأخبار المذكورة، و هي كما عرفت، إنّما دلّت على أنّ محله هو الاعتكاف، و الاعتكاف على وجه النذر لم يرد به خبر بالكلية فضلًا عن خبر يدل على إيقاع هذا الشرط فيه. «2»

و ما أبعد ما بينه و بين ما اختاره العلّامة في «المنتهى» من حصر محله، في نذر الاعتكاف حيث قال: «تفريع: الاشتراط إنّما يصحّ في عقد النذر، أمّا إذا أطلقه من

______________________________

(1) المدارك: 6/ 340.

(2) الحدائق: 13/ 485.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 414

..........

______________________________

الاشتراط على ربه فلا يصحّ له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف. «1» و لا شكّ في ضعف هذا الكلام للاتّفاق على صحّة جعله في الاعتكاف، إنّما الكلام في صحّة هذا الشرط في عقد النذر، كصحته عند نية الاعتكاف.

ثمّ الداعي لذكره في عقد النذر هو انّه إذا كان الاعتكاف مجرّداً عن النذر، فله أن ينوي الرجوع متى شاء بلا محذور، و أمّا إذا كان مقارناً مع عقد النذر فلو لم يذكره في عقد النذر، يكون المنذور به اعتكافاً مطلقاً لا مشروطاً و معه لا يمكن اشتراط الوجوب عند نية الاعتكاف، لأنّ المفروض انّ الواجب عليه هو المطلق الذي من آثاره عدم الرجوع في اليوم الثالث متى شاء و لا يمكن قلب المطلق إلى المشروط بالنيّة.

إذا علمت ذلك

تبيّن لك وجه صحة هذا الاشتراط في ضمن نذر الاعتكاف، لأنّه إذا كان الاعتكاف المشروع على قسمين: مطلق لا يمكن الرجوع فيه متى شاء أو عند طروء عارض غير ضروري، و مشروط بخلافه. فالناذر، لأجل أن يتمكن من الرجوع متى شاء، ينذر القسم المشروط، لا المطلق، ليكون ما يتحمّله لأجل النذر من أوّل الأمر هو القسم المشروط و يكون المعتكف مختاراً عند القيام بالاعتكاف.

و بذلك يعلم أنّه لا يحتاج في تصحيح هذا النوع من النذر إلى دليل خاص يدلّ على صحة جعل هذا الشرط في ضمن النذر، بل يكفي كون الاعتكاف شرعاً على قسمين و تمتّع كل بالرجحان.

و أمّا إعادة الشرط في مقام الاعتكاف فهو غير لازم، بل يكفي إتيان العمل وفاءً بالنذر، فلو لم يلتفت إلى الشرط أوّل الاعتكاف، بل التفت إلى الشرط الذي ذكره عند النذر في أثناء العمل، كفى ذلك في مشروعية الرجوع متى شاء.

أمّا الثاني، أعني: عدم وجوب القضاء مطلقاً، فلأجل عدم صدق الفوت، سواء

______________________________

(1) المنتهى: 2/ 638.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 415

[المسألة 42: لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه.]

المسألة 42: لا يصحّ أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه. و كذا لا يصحّ أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر من ولده، أو عبده، أو أجنبي. (1)

______________________________

أ كان المنذور معيناً أم غير معين، مشروطاً فيه التتابع أم لا، لعدم صدق التخلف عن النذر، حتى يصدق الفوت و يجبَ عليه القضاء في المعين و الاستئناف في غيره.

ثمّ قول المصنِّف: «فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور» إشارة إلى خلاف المحقّق في المعتبر «1»، و الشهيد الثاني في المسالك «2» حيث أوجبا

القضاء في بعض الصور. قال في الأخير: ثمّ الاعتكاف المنذور ينقسم باعتبار الشرط و عدمه ثمانية أقسام: لأنّه إمّا أن يكون متعيّناً بزمان أو لا، و على التقديرين إمّا أن يشترط فيه التتابع لفظاً أو لا، و على التقادير الأربعة إمّا أن يشترط على ربه الرجوع إذا عرض له عارض أو لا فالأقسام ثمانية: ...» حيث فصل في المشروط بين المتعيّن و غيره: و أنّه لا يجب القضاء في الأوّل؛ و أمّا الثاني فإن لم يشترط التتابع، ففيه قولان أجودهما القضاء، و لو شرط التتابع ففيه الوجهان.

و لم يعلم وجه التفصيل، إذ لا فرق بين المعين و غيره فانّ الحاكم على عدم القضاء، هو الاشتراط لا كون الزمان معيّناً أو غير معيّن و هذا الملاك جار في الجميع.

(1) هنا فرعان:

1. اشتراط الرجوع في اعتكاف آخر.

2. اشتراط جواز فسخ اعتكاف شخص آخر.

أمّا وجه عدم الصحة في الأوّل، فلأنّ تأثير الشرط بالنسبة إلى الربّ «عزّ و علا»

______________________________

(1) المعتبر: 2/ 740.

(2) المسالك: 2/ 108107.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 416

[المسألة 43: لا يجوز التعليق في الاعتكاف]

المسألة 43: لا يجوز التعليق في الاعتكاف، فلو علّقه بطل. إلّا إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النية، فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق. (1)

______________________________

على خلاف الأصل، فيقتصر على الاعتكاف الذي ذكر فيه الشرط ما لم يدلّ دليل على نفوذه مطلقاً، و أمّا عدمها في الثاني فلأنّ الشرط الموافق على القاعدة، هو الشرط على النفس، لا على الغير، فقوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «المسلمون عند شروطهم»، ناظر إلى هذا الفرع من الشرط و المفروض في المقام هو العكس، و هو شرط في حقّ الغير و منه يظهر حال الفرع الثاني.

و

قد حاول صاحب الجواهر تصحيح الشرط و قال: الظاهر انّه لا يصحّ له اشتراط الفسخ في اعتكافه لاعتكاف عبده أو ولده، أو اعتكاف آخر له كما صرح به شيخنا أيضاً في رسالته، و إن كان ربّما يحتمل بناء على جواز مثله في الخيار المشترك معه، في أنّ مدركه عموم: «المؤمنون عند شروطهم» الذي هو المنشأ في كثير من الأحكام السابقة. «1» و فيما ذكره تأمّل، للفرق بين جعل الشرط على الرب، و الخيار المشترك.

(1) أمّا إذا علّقه على شرط معلوم الحصول كما إذا قال: أعتَكِفُ بشرط أن يكون اليوم يوم الجمعة و هو يعلم أنّه يوم الجمعة، فلأنّه ليس بتعليق جداً، إنّما الكلام فيما إذا علّقه على شي ء مشكوك الوجود، كما إذا قال: اعتكف إذا كان اليوم من رجب، أو يوم الجمعة، فالمشهور هو البطلان، و ذلك لأنّ الاعتكاف مؤلّف من أمرين: 1. النيّة، 2. اللبث في المسجد. أمّا الثاني فلا يقبل التعليق، فإنّ اللبث دائر أمره بين الوجود و العدم، و لا يقبل التعليق. و أمّا النيّة فهي أيضاً من الأُمور التكوينية التي أمرها دائر بين الأمرين، فهو إمّا ناو أو غير ناو، و لا يصحّ أن يقال: ناو إن كان اليوم يوم الجمعة، و غير ناو إن لم يكن.

______________________________

(1) الجواهر: 17/ 199.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 417

..........

______________________________

و أما التعليق في الإنشاء نظير قولنا: حج إن استطعت، ففيه أُمور:

1. الإنشاء و هو إطلاق اللفظ و استعماله في معناه و هو أمر محقّق منجّز لا يقبل التعليق، فأمره دائر بين الوجود و العدم.

2. المنشأ و هو الطلب الاعتباريّ فهو قابل للتقييد، فالمنشأ هو طلب الحجّ على فرض الاستطاعة دون عدمها. و بما

انّه أمر اعتباري يفارق الطلب التكويني باليد و غيرها، فهذا النوع من الطلب الاعتباريّ يقبل التعليق بخلاف التكويني من الطلب فهو لا يقبل التعليق.

3. الإرادة التكوينية في نفس المنشئ، فبما انّها لا تتعلّق بفعل الغير، لخروجه عن اختياره، بل تتعلّق بفعل نفس المنشئ و هو الإنشاء باللفظ فليس فيها أي تعليق، نعم تحكي عن كون فعل الغير أي الحجّ مقروناً بالاستطاعة محبوباً للأمر و مطلوباً له من دون أن تتعلّق إرادته بفعل الغير أي الحجّ على فرض الاستطاعة حتى يتسرّب التعليق إلى الأمر التكويني.

و بذلك ظهر أنّه لا تعليق في الإنشاء و لا في الإرادة في العقد المعلّق و ليس على بطلانه دليل إلّا الإجماع كما هو الحال في النكاح و الطلاق أو السيرة العقلائية، كالبيع و الإجارة، بخلاف ما إذا لم يكن واحد منهما فيجوز، نظير إنشاء العتق على العبد المكاتب المشروط بدفع الثمن، و انشاء التمليك المشروط في باب الوصايا، كما هو واضح.

و أمّا الامتثال الرجائي فليس معناه هو التعليق في النيّة، بل هو عازم للفعل بما هو هو قطعاً لكن باحتمال انّه مأمور به، كما إذا صلّى إلى أحد الجوانب باحتمال انّه قبلة، أو اعتكف في مكان باحتمال انّه مسجد، إلى غير ذلك من الموارد.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 418

[فصل في أحكام الاعتكاف]

اشارة

فصل في أحكام الاعتكاف

[يحرم على المعتكف أُمور:]
اشارة

يحرم على المعتكف أُمور:

[أحدها: مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدبر، و باللمس و التقبيل بشهوة.]

أحدها: مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدبر، و باللمس و التقبيل بشهوة. و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، فيحرم على المعتكفة أيضاً، الجماع: و اللمس و التقبيل بشهوة. و الأقوى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه و إن كان الأحوط اجتنابه أيضاً. (1)

______________________________

(1) الكلام في هذا الأمر من جهات:

1. مباشرة النساء بالجماع قبلًا و دبراً، مع الإنزال و عدمه.

2. حكم اللمس و التقبيل بشهوة.

3. حكم النظر إليها بشهوة.

4. عدم الفرق بين الرجل و المرأة في المقام.

أمّا الأمر الأوّل: فقد اتّفقت كلمتهم على حرمة الجماع مطلقاً، و كونه مفسداً، و دلّت عليهما أي الحرمة و الفساد الروايات التي نقلها الشيخ الحر في البابين الخامس و السادس من أبواب الاعتكاف، فالنهي ظاهر في الحرمة، و تعلّق الكفّارة ظاهر في فساد الاعتكاف.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 419

..........

______________________________

أمّا الأمر الثاني، ففيه أقوال ثلاثة:

1. القول بالتحريم و الإفساد. و هو خيرة الشيخ في الخلاف و ابن الجنيد.

2. عدم الحرمة و الافساد و اختصاصهما بالجماع. و هو خيرة الشيخ في التهذيب.

3. الجماع حرام و مفسد للاعتكاف، و أمّا غيره فيحرم دون أن يُفسد. و هو خيرة العلّامة.

قال الشيخ: إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه، أنزل أو لم يُنزل. و به قال الشافعي في الإملاء. و قال في «الأُمّ» لا يبطل نكاحه، أنزل أو لم ينزل. و قال أبو حنيفة: إن أنزل بطل، و إن لم يُنزل لم يبطل. دليلنا قوله تعالى: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) و هذا عام في كلّ مباشرة أنزل أم لم ينزل،

و النهي يدلّ على فساد المنهي عنه. «1» و هو خيرة ابن الجنيد حيث قال بفساد الاعتكاف بالجماع و القبلة المقارنة للشهوة، و النظرة بشهوة من «2» محرّم.

و الظاهر من الشيخ في التهذيب: هو القول باختصاص الحرمة و الافساد بالجماع دون غيره، حيث قال بعد نقل رواية حمّاد، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام ... فقال بعضهم: و اعتزل النساء؟ فقال أبو عبد الله عليه السَّلام: «أمّا اعتزال النساء فلا». «3»

و ذكر الشيخ أيضاً في ذيل الحديث ما هذا نصّه: و ليس بين هذه الروايات (الدالّة على حرمة الجماع) و بين الخبر الذي قدّمناه عن الحلبي عن أبي عبد اللّه من قوله: «أمّا اعتزال النساء فلا» تناقض، لأنّه عليه السَّلام أراد بذلك مخالطتهن و مجالستهن و محادثتهن دون

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 229، كتاب الاعتكاف، المسألة 93.

(2) المختلف: 3/ 590، كتاب الاعتكاف.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من كتاب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 420

..........

______________________________

الجماع، و الذي يحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره حسب ما قدّمناه. «1»

و قال العلّامة بالحرمة التكليفية دون الإفساد، و قال: و الأقرب عندي تحريم النظر و القبلة بشهوة أمّا الإفساد بهما فلا. «2» و هو خيرة صاحب الحدائق قال: المسألة عندي بالنسبة إلى إبطال الاعتكاف بالمباشرة و التقبيل بشهوة، محل توقف أمّا التحريم فلا ريب فيه لظاهر الآية. «3»

أقول: الظاهر صحّة ما عليه المشهور من الحرمة و الفساد، فالآية كافية في الحكم، فإنّ قوله سبحانه: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ) يتناول الجميع، و القول بالحرمة المجردة دون الإفساد كما عليه العلّامة في المختلف مبني على حمل الآية عليها دون الحمل على الإرشاد إلى الفساد،

أو إلى الحرمة التكليفية الملازمة مع الفساد.

فإن قلت: الظاهر انّ المراد من المباشرة، في الآية هو الجماع لا مطلق الممارسة حتى يعم اللمس و التقبيل بشهوة بقرينة قوله سبحانه: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا مٰا كَتَبَ اللّٰهُ لَكُمْ). «4»

قلت: المباشرة مع النساء مفهوم عام يعم عامة الممارسات، و كون المراد منها هو الجماع في الآية لأجل قوله سبحانه في صدر الآية (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ ...) فلولا قوله: «الرفث» لما كان وجه لتخصيصه بالجماع، و أمّا جواز سائر التمتعات في ليلة الصيام فلأجل الأولوية.

و أمّا قوله عليه السَّلام: «أما اعتزال النساء فلا»، فالظاهر مراده مطلق المحادثة

______________________________

(1) التهذيب: 4/ 365، كتاب الاعتكاف، الحديث 21.

(2) المختلف: 30/ 590.

(3) الحدائق: 13/ 491.

(4) البقرة: 187.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 421

..........

______________________________

و المخالطة العادية، دون المقرونة بالشهوة، و ما فسر به الشيخ كلام الإمام، فهو غير ظاهر.

و مع ذلك كلّه ففي النفس من تحريم اللمس و التقبيل بشهوة شي ء، لأنّ قوله تعالى: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ) جاء في نفس الآية التي جاء فيها قوله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) و بما أنّ المراد من الأخير هو الجماع، يكون هو المراد من الآخر و التفكيك و هو مقتضى وحدة السياق.

و أمّا الثالث: أي النظر مع الشهوة فلا تصدق عليه المباشرة، إلّا إذا أنزل فيكون داخلًا في الاستمناء. و سيأتي حكمه في الأمر الثاني.

و أمّا الأمر الرابع: أعني: عدم الفرق بين الرجل و المرأة، فهو مقتضى قاعدة الاشتراك في الأحكام إلّا ما خرج بالدليل خصوصاً فيما إذا دلّ الدليل على أنّ الحكم لنفس الفعل من غير نظر إلى الفاعل.

فقوله (الحسن بن الجهم): سألته عن المعتكف يأتي أهله، فقال

(أبو الحسن عليه السَّلام): «لا يأتي امرأته ليلًا و لا نهاراً و هو معتكف». «1» يدلّ على أنّ الحكم للاعتكاف بما هو اعتكاف.

على أنّه يمكن استفادة الاشتراك من حديثين آخرين:

أحدهما: ما رواه الصدوق باسناده عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال: «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتى يرجع، و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة، أو يعود مريضاً، و لا يجلس حتى يرجع قال:. و اعتكاف المرأة مثل ذلك». «2»

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 5 من أبواب الاعتكاف، الحديث 1.

(2) الوسائل: 7، الباب 7، من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 422

[الثاني: الاستمناء على الأحوط، و إن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له.]

الثاني: الاستمناء على الأحوط، و إن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له. (1)

______________________________

فمعنى الحديث تنزيل اعتكاف المرأة منزلة اعتكاف الرجل في عامة الآثار، لا في خصوص ما ورد في الحديث من حرمة الخروج إلّا لحاجة أو جنازة أو عيادة مريض.

ثانيهما: ما رواه الصدوق باسناده عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله عليه السَّلام في حديث قال: و «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع، و المرأة مثل ذلك». «1» مضافاً إلى صحيحة أبي ولّاد الحناط. «2»

فالإمعان فيها مضافاً إلى قاعدة الاشتراك تثبت اشتراك الصنفين في عامة الأحكام، فلو حرم الجماع على الرجل أو اللمس و التقبيل بشهوة بما انّها من مصاديق المباشرة، فيحرم على المرأة أيضاً.

نعم أمّا النظر بشهوة من غير مباشرة، فلا دليل على حرمته في كلا الطرفين.

(1) قال الشيخ: المعتكف إذا وطأ في الفرج نهاراً، أو استمنى بأي شي ء كان،

لزمته كفّارتان و إن فعل ذلك ليلًا لزمته كفّارة واحدة، و بطل اعتكافه. «3»

إذا كان الاستمناء بشكل لمس الزوجة و تقبيلها، فقد علم حكمه بدخوله في المباشرة المحظورة مع شي ء زائد و هو إنزال المني.

إنّما الكلام إذا كان بالنظر إلى الحليلة الموجب له، فليس عليه نصّ بالخصوص، إلّا أن يستفاد أولوية الحرمة من مجرّد اللمس و التقبيل بشهوة بلا إمناء.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 7، من أبواب الاعتكاف، الحديث 1.

(2) الوسائل: 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

(3) الخلاف: 2/ 238، المسألة 113.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 423

[الثالث: شمّ الطيب مع التلذذ]

الثالث: شمّ الطيب مع التلذذ، و كذا الريحان، و أمّا مع عدم التلذذ كما إذا كان فاقداً لحاسة الشمّ مثلًا فلا بأس به. (1)

______________________________

نعم ربما تُستفاد حرمته من موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل لصق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستين مسكيناً، مدٌّ لكلّ مسكين». «1»

و مورد الرواية هو الصائم و إن لم يُصرّح به، لعدم حرمته على غير الصائم، و لكنّها لم تتقيد أيضاً بصوم رمضان، إذن فليس من البعيد أن يقال انّها تدلّ على أنّ في كلّ مورد كان الجماع موجباً للكفّارة فالاستمناء بمنزلته، و انّه نُزِّل منزلته و منه المقام. فإذا كان الجماع في الاعتكاف موجباً للكفارة فكذلك الاستمناء، فيلحق الاستمناء بالجماع.

و بذلك علم وجه كونه أحوط.

(1) قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز للمعتكف استعمال شي ء من الطيب. و قال الشافعي: يجوز ذلك. دليلنا إجماع الفرقة.

و أيضاً إذا لم يستعمل الطيب، صحّ اعتكافه بلا خلاف، و إذا استعمل ففي صحته خلاف. «2»

و لكنّه قدَّس سرَّه ذهب في المبسوط إلى خلافه، قال: و لا يجوز له البيع و الشراء، و يجوز له

أن ينكح و ينظر في أمر معيشته و ضيعته، و يتحدَّث بما شاء من الحديث بعد ان كان مباحاً، و يأكل الطيبات و يشمَّ الطيب، و قد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم، و ذلك مخصوص بما قلناه، لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه، و عقد النكاح مثله. «3»

و لكن الحقّ ما اختاره في الخلاف لما روى الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة،

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2) الخلاف: 2/ 240، كتاب الاعتكاف، المسألة 116.

(3) المبسوط: 1/ 293.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 424

[الرابع: البيع و الشراء]

الرابع: البيع و الشراء، بل مطلق التجارة مع عدم الضرورة على الأحوط، و لا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيوية من المباحات، حتى الخياطة و النساجة و نحوهما، و إن كان الأحوط الترك إلّا مع الاضطرار إليها. بل لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل و الشرب، مع تعذر التوكيل، أو النقل بغير البيع. (1)

______________________________

عن أبي جعفر عليه السَّلام قال: «المعتكف لا يشمّ الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري، و لا يبيع ...». «1»

و جوّز المصنف شمّ الطيب لفاقد حاسة الشم، و الظاهر انّ فاقدها لا يشمّ، بل يستنشق و هو غير الشم.

و قيّده المصنِّف بعدم التلذّذ، و قد جاء في النص: «و لا يتلذّذ بالريحان» فخرج ما إذا كان الشم لداع آخر كما إذا شمَّه ليشتريه بعد الخروج عن الاعتكاف، أو يهديه إلى صديقه.

(1) أمّا حرمة البيع و الشراء فممّا لا خلاف فيه.

قال الشيخ: و لا يجوز له البيع و الشراء. «2» و قد دلّت عليه صحيحة أبي عبيدة المتقدمة و حملها على الكراهة كما

ترى.

و هل المحرم خصوص البيع و الشراء أو مطلق التجارة، و انّ البيع و الشراء كناية عنه، كالإجارة و المصالحة و المزارعة و المساقاة؟ وجهان.

و على كلّ تقدير فالقدر المتيقن ما إذا كان هناك تبادل المالين أو تبادل المال و المنفعة لا ما إذا كان من جانب واحد كالإهداء.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 10 من أبواب كتاب الاعتكاف، الحديث 1.

(2) المبسوط: 1/ 293.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 425

[الخامس: المماراة]

الخامس: المماراة، أي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني، بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة. و أمّا بقصد إظهار الحقّ و ردّ الخصم من الخطأ فلا بأس به، بل هو من أفضل الطاعات. فالمدار على القصد و النية، فلكلّ امرئ ما نوى من خير أو شر. و الأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم من الصيد، و إزالة الشعر، و لُبس المخيط، و نحو ذلك، و إن كان أحوط. (1)

______________________________

و أمّا الاشتغال بالأُمور الدنيوية من المباحات كالخياطة و النساجة فلا بأس، لعدم ورود النص، كما أنّه لا مانع من البيع و الشراء بمقدار الضرورة التي عليها نظام حياته مع تعذر الوكيل أو مع يسره لانصراف الرواية عن صورة الضرورة.

(1) في المسألة فرعان:

1. المماراة و المجادلة.

2. حكم اجتناب ما يحرم على المحرم.

فلندرس حكم كلّ واحد، تباعاً.

أمّا الأوّل فيعلم وجهه ممّا ذكره الشهيد الثاني في المسالك و بما انّه لا يخلو عن فائدة نأتي بنصِّه.

قال: المراء لغة: الجدال، و المماراة: المجادلة. و المراد هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرّد إثبات الغلبة أو الفضيلة كما يتّفق للكثير من المتّسمين بالعلم. و هذا النوع محرّم في غير الاعتكاف، و قد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص. و

إدخاله في محرمات الاعتكاف إمّا بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة، كما ورد في تحريم الكذب على اللّه و رسوله في الصيام. و على القول بفساد الاعتكاف بكلّ ما حرم فيه يتضح فائدته.

و لو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرّد إظهار الحقّ و ردّ الخصم عن

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 426

[مسائل في أحكام الاعتكاف]
[المسألة 1: لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار.]

المسألة 1: لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار. نعم المحرّمات من حيث الصوم كالأكل و الشرب، و الارتماس، و نحوها مختصّة بالنهار. (1)

______________________________

الخطأ كان من أفضل الطاعات، فالمائز بين ما يحرم منه و ما يجب أو يستحب، النيّة، فليحترز المكلّف من تحويل الشي ء من كونه واجباً إلى جعله من كبار القبائح. «1»

و أمّا الثاني أي وجوب اجتناب ما يحرم على المحرِم فقد حكاه المحقّق في الشرائع و قال: يحرم عليه ما يحرم على المُحْرم و لم يثبت، فلا يحرم عليه لُبْس المخيط، و لا إزالة الشعر و لا أكل الصيد، و لا عقد النكاح.

و قد ذهب إليه الشيخ في الجمل و قال: يجب على المعتكف تجنّب ما يجب على المحرم تجنّبه، و كذا قال ابن البراج و ابن حمزة. «2» و نسبه الشيخ في المبسوط إلى رواية و قال: روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم. «3» و لا ريب في ضعف هذا القول و لم يثبت ما أرسله من تنزيل المعتكف منزلة المحرم، و لو كان لبان، و قد نقل الرواة كيفية اعتكاف النبي و ليس فيه من هذا عين و لا أثر.

و الأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم من الصيد و إزالة الشعر و لبس المخيط و

نحو ذلك، و إن كان أحوط، لعدم الدليل.

(1) ما يحرم على المعتكف على قسمين: ما يحرم لأجل اعتكافه، فلا فرق في حرمته بين اليوم و الليل، و قد مضى انّ الاعتكاف عمل واحد مستمرّ و ليس الليل خارجاً منه.

و ما يحرم لأجل كونه صائماً فيختص بالليل، إلّا الجماع فإنّه حرام بكلا العنوانين.

______________________________

(1) المسالك: 1/ 110109.

(2) المختلف: 3/ 588.

(3) المبسوط: 1/ 293.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 427

[المسألة 2: يجوز للمعتكف الخوض في المباح]

المسألة 2: يجوز للمعتكف الخوض في المباح، و النظر في معاشه مع الحاجة و عدمها. (1)

[المسألة 3: كلّما يفسد الصوم، يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار]

المسألة 3: كلّما يفسد الصوم، يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار، من حيث اشتراط الصوم فيه، فبطلانه يوجب بطلانه، و كذا يفسده الجماع، سواء كان في الليل أو النهار، و كذا اللمس و التقبيل بشهوة. بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرمات من البيع و الشراء، و شمّ الطيب، و غيرها ممّا ذكر بل لا يخلو عن قوة، و إن كان لا يخلو من إشكال أيضاً، و على هذا فلو أتمه و استأنفه أو قضاه بعد ذلك، إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن و أولى. (2)

______________________________

(1) خلافاً للعلّامة في المنتهى قال: كلّ ما يقتضي الاشتغال بالأُمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملًا بمفهوم النهي عن البيع و الشراء. «1»

و اعترضه في «المدارك» بعد نقله: «و هو غير جيد، لأنّ النهي عن البيع و الشراء لا يقضي النهي عمّا ذكره بمنطوق و لا مفهوم. «2»

أضف إلى ذلك انّ الدليل الوحيد هو صحيحة أبي عبيدة الماضية، و ليس فيها ما يدلّ على ما ذكره، و ليس المعتكف في المسجد، راهباً، بل هو متفرّغ للعبادة و الابتهال على وجه يلائم الفطرة الإنسانية. و على ذلك يجوز له الخياطة و النساجة و سائر الحرف اليدوية.

(2) كان الكلام في السابق في محرمات الاعتكاف، و بما انّه لا ملازمة بين الحرمة التكليفية و البطلان (و ذلك كالخروج من المسجد، فهو حرام وضعاً و ليس بحرام تكليفاً

______________________________

(1) المنتهى: 2/ 639.

(2) المدارك: 6/ 345344.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 428

[المسألة 4: إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة سهواً]

المسألة 4: إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة سهواً فالظاهر عدم بطلان اعتكافه، إلّا الجماع فانّه لو جامع سهواً أيضاً فالأحوط في

الواجب

______________________________

في اليومين الأوّلين، و ربما يجتمعان كالخروج في اليوم الثالث فهو حرام لوجوب الاستمرار مفسد فيحرم الخروج تكليفاً و وضعاً). حاول الماتن أن يبيّن حكم المحرّمات المذكورة من حيث الإفساد و عدمه سواء كان حراماً تكليفاً أو لا.

و حاصل كلامه يتلخّص في أُمور:

1. كلّما يفسد الصوم، يفسد الاعتكاف إذا وقع في النهار.

2. و الجماع يفسد الاعتكاف مطلقاً، سواء كان في الليل أو النهار.

3. اللمس و التقبيل بشهوة يفسدان الاعتكاف.

4. الأحوط بطلان الاعتكاف بسائر المحرمات من البيع و الشراء و شمّ الطيب و غيرها.

5. الأحوط في الأُمور الأخيرة الإتمام و الاستئناف إذا كان واجباً غير معين و الإتمام و القضاء إذا كان واجباً معيّناً.

أمّا الأوّل، فبما انّ الاعتكاف مشروط بالصوم، فلا شكّ انّ كلّما يفسد الصوم ممّا مضى في كتاب الصوم يبطل الاعتكاف، من الأكل و الشرب و غمس الرأس في الماء و البقاء على الجنابة و غيرها ممّا مرّ.

و أمّا الثاني: أعني: كون الجماع مبطلًا مطلقاً سواء أ كان في الليل أو النهار (و إن كان في خصوص النهار مبطلًا قطعاً لكونه مفسداً للصوم لكن الكلام فيه على وجه الإطلاق) فالظاهر انّه حرام تكليفاً و وضعاً، و يستفاد ذلك من تنزيله منزلة «من أفطر يوماً من شهر رمضان» و مقتضى عموم التنزيل ذلك كما في موثقة سماعة بن مهران. «1»

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 5 و غيره.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 429

الاستئناف، أو القضاء، مع إتمام ما هو مشتغل به، و في المستحب الإتمام. (1)

______________________________

و أمّا الثالث: أي اللمس و التقبيل بشهوة فلا شكّ في الإفساد إذا كانا في النهار و مع الإنزال لكونهما مفسدين للصوم، إنّما

الكلام إذا كانا في النهار لا معه أو في الليل مطلقاً، فلو قلنا بأنّ الآية، أعني قوله سبحانه: (وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) «2»، ظاهرة في الإرشاد إلى الفساد مثل قوله: (كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) 3 فلا كلام في الإفساد، و أمّا إذا قلنا بأنّ الآية ظاهرة في النهي المجرد، فالقول بالإفساد ليس له دليل، غير انّك عرفت احتمال اختصاص التحريم تكليفاً و وضعاً بالجماع كما مرّ. كلّ ذلك على القول بشمول المباشرة في الآية للتقبيل و اللمس و عدم اختصاصها بالجماع كما هو الحال في قوله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ).

و أمّا الرابع: أي البيع و الشراء و شمّ الطيب فقال الشيخ: لا يفسد الاعتكاف جدال و لا خصومة و لا سباب و لا بيع و لا شراء و إن كان لا يجوز له فعل ذلك أجمع. 3

و يمكن أن يقال انّ ظاهر الجملة الخبرية: «لا يشمّ الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع»، هو الإرشاد إلى المانعية، و انّ شأن المعتكف بما هو معتكف، الاجتناب عنها، لعدم اجتماعها معه. نعم ظهوره فيها عند المصنِّف ليس على حدّ يعتمد عليه، لاحتمال كون النهي لمجرد التكليف، و لذلك احتاط في هذه الأُمور، فلو قلنا بكونها مبطلة فاللازم هو الاستئناف في الواجب غير المعيّن، و القضاء في المعين منه بخلاف ما إذا تردّد بين كونها مبطلة، أو لمجرد النهي، فالأحوط هو الجمع بين الاحتمالين: الإتمام، ثمّ الاستئناف أو القضاء كما لا يخفى و سنشير إليه في المسألة التالية:

(1) الكلام في هذه المسألة في اختصاص الإفساد بصورة العمد أو عمومه له

______________________________

(2) 2

و 3 البقرة: 187.

(3) 4 نقله في الحدائق: 13/ 493. لاحظ المبسوط: 1/ 295.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

و للسهو.

أمّا الجماع فذهب المصنِّف إلى أنّه مفسد عمداً و سهواً على الأحوط، خلافاً للشيخ حيث ذهب إلى أنّه متى وطئ المعتكف ناسياً أو أكل نهاراً ساهياً أو خرج من المسجد كذلك لم يفسد اعتكافه. «1»

أما الروايات فهي على صنفين:

1. ما يدلّ على وجوب الكفّارة إن جامع ليلًا و نهاراً «2» فهذا الصنف يؤيد اختصاص إفساده للعامد إذ لا كفارة على الناسي.

2. ما ينهي المعتكف عن اتيان النساء كما في رواية الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن عليه السَّلام قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال: «لا يأتي امرأته ليلًا و نهاراً و هو معتكف». «3» فلو قلنا بأنّ مفاد النهي عن الإتيان، فلا يبعد انصرافه إلى العامد؛ و إن قلنا بأنّ مفاده الإرشاد إلى المانعية فيكون دالّا على الإفساد مطلقاً، فلازمه كونه دخيلًا في الاعتكاف و مانعاً من تحقّقه فيعم العامد و الناسي.

و لكن يمكن رفعها في حالة النسيان بحديث الرفع كما مرّ غير مرّة سواء أقلنا بأنّها مجعولة أم أنّها منتزعة من الأحكام التكليفية فتكون مرفوعة برفع منشأ انتزاعها.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي ذهب إلى التفصيل بين كون النهي لبيان التكليف فالنهي منصرف إلى العمد و كونه لبيان الحكم الوضعي أي الارشاد إلى المانعية، و معنى ذلك انّ عدمه قد اعتبر في الاعتكاف غير المختص اعتباره بحال دون حال و لا يمكن رفع

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 294.

(2) راجع الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبوا ب الاعتكاف، الحديث 1، 2 و 3 و غيرها.

(3) الوسائل: الجزء 7، الباب 5 من أبواب الاعتكاف، الحديث

1.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 431

..........

______________________________

المانعية في حالة النسيان بحديث الرفع، إذ لو دلّ الحديث على الصحة في مورد النسيان، لدل عليها في مورد الإكراه و الاضطرار، و هو كما ترى ضرورة فساد الاعتكاف بالجماع و إن كان عن إكراه و اضطرار. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره من صحّة الانصراف إذا كان النهي متضمّناً للتكليف دون ما إذا كان إرشاداً إلى المانعية و إن كان صحيحاً، لكن لا مانع من رفع المانعية بنفسها أو بمنشإ انتزاعها بحديث الرفع و ما ادّعى من أنّ لازم ذلك صحة الاعتكاف إذا كان الجماع بإكراه أو اضطرار، و لذلك ذهب الماتن و غيره في الأمر الثامن إلى صحة الاعتكاف لو خرج ناسياً أو مكرهاً أو مضطراً، و لا يصحّ أن يقال: انّ الصحّة نتيجة النصّ الخاص، و ذلك لأنّه ورد في الأخير دون الأوّلين، و أمّا الصحّة فيهما فهي مستندة إلى حديث الرفع. نعم ذهب المفصل إلى البطلان في النسيان أيضاً كما مرّ. «2»

فإن قلت: إذا كان لسان الدليل ظاهراً في الإرشاد إلى المانعية الظاهرة من كون الجماع مانعاً من الصحّة مطلقاً، عامداً أو ناسياً، كيف يمكن أن يقيد إطلاق الدليل الاجتهادي بالأصل العملي؟

قلت: قد مرّ سابقاً انّ نسبة الرفع إلى «ما يعلمون» تختلف مع نسبته إلى غيره، فالرفع في الأوّل رفع ظاهري لا واقعي، و لكنّه في الآخرين، أعني: النسيان و الاضطرار و الإكراه، رفع واقعي ثانوي، و الدليل الدال على الرفع في هذه الحالات دليل اجتهادي، حاكم على الإطلاق الموجود في العناوين الأوّلية.

و لا مانع من أن يكون الرفع في مورد، ظاهرياً و في مورد آخر واقعياً، لأنّه مستعمل

______________________________

(1) مستند العروة: كتاب الصوم

2/ 467.

(2) مستند العروة: كتاب الصوم 2/ 366.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 432

[المسألة 5: إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات]

المسألة 5: إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات، فإن كان واجباً معيناً وجب قضاؤه، و إن كان واجباً غير معين وجب استئنافه. إلّا إذا كان مشروطاً فيه، أو في نذره الرجوع، فانّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه. و كذا يجب قضاؤه إذا كان مندوباً، و كان الإفساد بعد اليومين، و أمّا إذا كان قبلهما فلا شي ء عليه، بل في مشروعية قضائه حينئذ إشكال. (1)

______________________________

في معنى واحد، و أمّا الخصوصيات فإنّما تستفاد من القرائن.

و بذلك يعلم وجه احتياط المصنِّف في الجماع سهواً، حيث جعل الإتمام هو الأحوط، ثمّ الاستئناف أو القضاء. و الاحتياط و إن كان حسناً في كلّ حال، لكن الظاهر اختصاص البطلان بصورة العمد، و في غيره يبني على ما سبق و يتم من دون حاجة إلى الاستئناف أو القضاء.

(1) إذا فسد الاعتكاف بإحدى المفسدات فهنا صور:

1. أن يكون الاعتكاف مندوباً.

2. أن يكون الاعتكاف واجباً غير معين.

3. أن يكون الاعتكاف واجباً معيناً.

أمّا الأوّل فإن كان الإفساد بعد اليومين فيقضي بناء على ثبوت العموم في قضاء كلّ ما فات من العبادات حتى الاعتكاف و إن كان الإفساد في اليومين فلا شي ء عليه، فلو اعتكف ثانياً فهو امتثال لأمر جديد، لا قضاء لما فات للأمر به في كلّ يوم على حدة.

نعم لو كان للزمان خصوصية و أتى به في غير زمانه صح فيه إطلاق القضاء، كما في قضاء نافلة الليل بعد خروج وقتها، فإنّ المأتي به ثانياً، قضاء لا أداءٌ لافتراض خروج وقتها.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 433

[المسألة 6: لا يجب الفور في القضاء، و إن كان أحوط.]

المسألة 6: لا يجب الفور في القضاء، و إن كان أحوط. (1)

______________________________

و أمّا ما رواه الكليني بسند صحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام

قال: «كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، فلمّا ان كان من قابل اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عشرين: عشرة لعامه، و عشراً قضاء لما فاته». «1» فالإطلاق من باب التوسعة، لأنّ المفروض الإتيان به إنّما كان في وقته لأنّه يجوز في شهر رمضان الاعتكاف بعشرين يوماً فالعشرون الثاني عمل في محلّه و في وقته فكيف يكون قضاءً؟!

نظير ذلك إطلاق القضاء على العمرة التي أتى بها النبي في شهر رجب من السنة السابعة حيث حُصر في العام المتقدّم عليه و اتّفق مع قريش على أن يرجع من الحديبية إلى المدينة و يُحرم في السنة القادمة في نفس الشهر، فإنّه من باب التوسعة في الإطلاق، لأنّ للزمان و إن كانت خصوصية لكنّه لم يأت به في غيره، بل أتى به في نفس الشهر فصار أداءً لا قضاء. كيف و قد ذبح من ساق من الهدي في الحديبية في السنة الممنوعة و قد عمل النبي و المؤمنون معه بحكم المحصور.

و أمّا الثاني، فيجب الاستئناف، لأنّ الفاسد لم يقع مصداقاً للواجب و المفروض انّ الزمان كلّي غير معين في ضمن فرد، فإذا أتى به ضمن فرد آخر، يكون أداءً لا قضاء بناء على وجوب قضاء الاعتكاف الفائت.

و أمّا الثالث فيجب القضاء لفوات وقته باعتبار تعيّن زمانه بناء على الأصل المذكور. كلّ ذلك بناء على عمومية أدلّة القضاء لكلّ ما فات، و قد مرّت المناقشة في ذلك فلاحظ.

(1) لأنّ أصل وجوبه مشكوك فضلًا عن وصفه و على فرض التسليم لا دليل على الفور، نعم لو توانى و تساهل و انتهى إلى ترك الواجب فيكون عاصياً

كما مرّ نظيره في

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 1 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 434

[المسألة 7: إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء]

المسألة 7: إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء، و إن كان أحوط.

نعم لو كان المنذور الصوم معتكفاً وجب على الولي قضاؤه، لأنّ الواجب حينئذ عليه هو الصوم، و يكون الاعتكاف واجباً من باب المقدمة، بخلاف ما لو نذر الاعتكاف، فإنّ الصوم ليس واجباً فيه، و إنّما هو شرط في صحته، و المفروض أنّ الواجب على الولي قضاء الصلاة و الصوم عن الميت، لا جميع ما فاته من العبادات. (1)

______________________________

قضاء الكفّار.

(1) لمّا فرغ عن حكم قضاء المكلّف نفسه، أردفه بالبحث عن قضاء الولي عن الميت فيما إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه، كما إذا مات في أثناء اليوم الثالث، و للمسألة صور:

1. إذا مات في أثناء الاعتكاف المندوب إذا وجب الإتمام لدخول اليوم الثالث.

2. إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب المعيّن زمانه.

3. إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب غير المعيّن.

هذه صور المسألة و أمّا الأقوال، فقد حكى الشيخ الطوسي وجوب القضاء عن بعض الأصحاب قال: و من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه، في أصحابنا من قال: يقضي عنه وليّه لعموم ما روي من أنّ من مات و عليه صوم واجب وجب على وليّه أن يقضي عنه أو يخرج من ماله إلى من ينوب عنه قدر كفايته أو يتصدّق عنه. و إطلاق «1» عبارته يعم من مات في الأثناء، أو مات تاركاً من رأس.

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 294293، كتاب الاعتكاف، الفصل الثالث.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 435

..........

______________________________

أقول: أمّا الأوّلان، فلا قضاء

لعدم استقرار الوجوب على الميت حتى ينوب عنه الولي، بل كشف الموت عن عدم انعقاد النذر في الواقع لعدم تمكّنه من الوفاء به.

و أمّا الثالث، فلو افترضنا انّه قد شرع بالاعتكاف في أوّل أزمنة التمكّن فمات في الأثناء و هو أيضاً مثل الأوّلين، و أمّا إذا توانى و أخّر مع التمكن و اعتكف فمات في الأثناء فلا يكشف الموت عن عدم وجوبه، بل انعقد النذر و استقر، لكنّه أخّر، و هذا هو الذي يجب أن يقع موضع البحث، غير انّه لم يدلّ دليل على وجوب كل ما فات عن الميت من العبادات على الولي و إنّما الواجب خصوص ما كان عليه من صلاة وصوم، لا اعتكاف، ففي صحيح حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السَّلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام؟ قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه». «1»

و بذلك يظهر وجه ما في المتن من التفصيل بين ما إذا نذر الاعتكاف فمات في الأثناء و ما إذا نذر الصوم معتكفاً، فلا يجب قضاء الأوّل دون الثاني، و ذلك لأنّ المنذور في الأوّل هو الاعتكاف و لا دليل على قضاء ما فات من الاعتكاف، بخلافه في الثاني فانّ المنذور فيه هو الصوم في حال الاعتكاف، فيجب عليه الاعتكاف من باب تحصيل الشرط للصوم الواجب بالنذر.

و ما ذكره إنّما يتم إذا كان الفرق بين التعبيرين أمراً عرفيّاً، حتى يختلف المنذوران في نظر الناذر، و أمّا إذا كانا من قبيل التفنّن في التعبير فلا، نظير ذلك ما إذا قال: بعتك هذا الفرس العربي أو بعتك هذا الفرس، إذا كان عربياً حيث جعل الشيخ الأعظم الأوّلَ من قبيل تخلّف المبيع و الثاني من قبيل تخلّف الشرط،

و قد قلنا في محله انّه تدقيق عقلي لا يلتفت إليه العرف بل يتلقاهما أمراً واحداً.

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 436

[المسألة 8: إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه و شراؤه]

المسألة 8: إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه و شراؤه، و إن قلنا ببطلان اعتكافه. (1)

[المسألة 9: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة]

المسألة 9: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا وجبت الكفّارة، و في وجوبها في سائر المحرمات إشكال. و الأقوى عدمه، و إن كان الأحوط ثبوتها. بل الأحوط ذلك حتى في المندوب منه قبل تمام اليومين، و كفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى، و إن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفارة الظهار. (2)

______________________________

(1) لعدم دلالة النهي على الفساد إلّا إذا كان إرشاداً إليه، فالنهي عنه في حال الاعتكاف كالنهي عن غسل الثوب النجس بماء مغصوب.

(2) في المسألة فروع:

1. وجوب الكفّارة إذا فسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلًا.

2. وجوب الكفّارة في سائر المحرمات إذا كان الاعتكاف واجباً.

3. ثبوت الكفّارة في الاعتكاف المندوب قبل تمام اليومين إذا أفسده بالجماع.

4. كفارته، ككفّارة شهر رمضان.

أما الأوّل: فقد اتّفقت عليه كلمة الأصحاب لتضافر الروايات على فساد الاعتكاف و وجوب الكفارة من غير فرق بين اليوم و الليل، ففي موثّقة سماعة: قال سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن معتكف واقع أهله؟ فقال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» «1» و إطلاقها يعمُّ الليل و النهار، إلى غير ذلك من الروايات.

هذا إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع، أمّا إذا أفسده بسائر المفطّرات فذهب المفيد في المقنعة «2»، و المرتضى على ما نقله عنه في المعتبر «3» إلى وجوبها، خلافاً للمحقّق في

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2. و لاحظ سائر روايات الباب.

(2) المقنعة: 363.

(3) المعتبر: 2/ 742.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 437

..........

______________________________

ذلك الكتاب حيث ذهب إلى عدم وجوب الكفّارة، و اختاره

صاحب المدارك «1» و نسبه إلى الشيخ الطوسي أيضاً، و قال: و الأصح ما اختاره الشيخ و المصنِّف، و أكثر المتأخرين من اختصاص الكفّارة بالجماع دون ما عداه من المفطّرات، و إن كان يفسد به الصوم، و يجب به القضاء، و اختاره في الحدائق. «2»

و كان على المصنِّف أن ينبّه على هذا الفرع أيضاً.

و أمّا الفرع الثاني: أي وجوب الكفّارة في سائر المحرّمات فلم يدلّ دليل على وجوب الكفّارة فيها.

و أمّا الفرع الثالث: و هو وجوب الكفّارة على المعتكف إذا جامع في الاعتكاف المندوب، ففيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: عمومه للواجب و المندوب.

الثاني: اختصاصه بالواجب.

الثالث: اختصاصه بالواجب المعيّن.

أمّا الأوّل: فقد ذهب إليه الشيخان قدّس سرّهما، و أمّا الثاني فيظهر من عبارة المحقّق في المعتبر حيث قال بعد نقل كلامهما ما هذا لفظه:

و لو خصّا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما، لأنّا بيّنا أنّ الشيخ ذكر في النهاية و الخلاف انّ للمعتكف الرجوع في اليومين الأوّلين من اعتكافه و انّه إذا اعتكفهما وجب الثالث، و إذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفّارة مع جواز الرجوع وجه. «3»

______________________________

(1) المدارك: 6/ 349.

(2) الحدائق: 13/ 496.

(3) الحدائق: 13/ 496.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 438

..........

______________________________

و على كلّ حال فالمهم وجود الإطلاق في الروايات الدالة على الكفّارة في إفساد الاعتكاف بالجماع، فلو قلنا به فلا فرق بين المندوب و غيره، و الحكم يدور مدار الإطلاق و عدمه، و أمّا ما ذكره المحقّق من أنّ الاعتكاف مندوب قبل اليومين فيمكن له رفع اليد عنه فكيف يترتب عليه الكفّارة؟ فواضح الدفع، لأنّ جواز رفع اليد و ترك الاعتكاف بتاتاً لا يلازم عدم وجوب الكفّارة بل يمكن أن يجوز

له ترك الاعتكاف مطلقاً، إلّا أنّه إذا أفسد بالجماع كان عليه أن يكفِّر.

نعم، ذهب صاحب الجواهر إلى أنّ وجوبها بالجماع و عدمه دائر مدار تزلزل الاعتكاف و عدمه، فتجب في الثاني دون الأوّل، و استظهره من صحيح أبي ولّاد: عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فانّ عليها ما على المظاهر». «1»

قال: إنّ تعليق الكفّارة على عدم الاشتراط في صحيح أبي ولّاد المتقدم يومئ إلى عدم وجوبها مع عدم تعيّن الاعتكاف حتى في اليوم الثالث، إذا فرض الاشتراط فيه على وجه يرفع وجوبه، مضافاً إلى أصل البراءة و نحوه، و هو قوي جداً، فيكون المدار حينئذ في وجوبها بالجماع و عدمه بتزلزل الاعتكاف و عدمه، فتجب في الثاني دون الأوّل. «2»

و الظاهر انّه ليس برأي جديد بل نفس ما اختاره المحقّق من اختصاصها بالواجب.

أقول: قد عرفت في السابق انّ المعتكف في اليومين الأوّلين في فسحة فله أن

______________________________

(1) الوسائل: 6، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 6.

(2) الجواهر: 17/ 208.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 439

..........

______________________________

يستمر في الاعتكاف و له أن يقطع، و إنما يجب الإتمام إذا دخل اليوم الثالث و هو معتكف، و على ذلك فقوله عليه السَّلام: «قبل أن تقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها» لا يخلو من أحد معنيين:

أ: أن يراد انّها بعدُ في اليوم الثاني من اعتكافها و لم يدخل اليوم الثالث.

ب: أن يراد انّها دخلت في اليوم الثالث.

فالمعنى الأوّل يجانب الصواب، لأنّه

خلاف الظاهر و غير مثبت لمرامه، لأنّ الاعتكاف فيهما متزلزل مطلقاً سواء اشترطت أم لم تشترط، فلا محيص لها إلّا عن إرادة المعنى الثاني، فيكون المراد انّ الكفارة لا تجب حين اشترط الفسخ، بخلاف العكس، فيكون الميزان في وجوب الكفّارة ما ذكره من تزلزل الاعتكاف بالاشتراط و وجوبه مع عدمه، و لكنّه يختص بنفس اليوم الثالث و لا نظر للعبارة لليومين الأوّلين.

و الحاصل: انّ تزلزل الاعتكاف و عدمه إنّما يعد معياراً في اليوم الثالث الواجب بذاته و غير الواجب بالشرط، و أمّا اليومان الأوّلان الجائزان اشترطت أم لم تشترط فخارج عن مدلول اللفظ و معناه، فيرجع فيه إلى الإطلاقات.

اللّهمّ إلّا أن يؤخذ بالمناط و هو انّ عدم وجوبها في اليوم الثالث عند الاشتراط لأجل تزلزله فيكون اليومان مثله مطلقاً، فلا تجب الكفّارة فيه لهذه الجهة الجامعة، و هو كما ترى.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، مؤسسه امام صادق عليه السلام، قم - ايران، اول، 1420 ه ق الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 439

و الظاهر هو الأخذ بإطلاق الأدلّة.

و أمّا الفرع الرابع: فقد اختلفت الروايات، فدلّت الموثّقتان «1» لسماعة على أنّ كفّارة الجماع كفارة مخيّرة، كما دلّت صحيحتا زرارة و أبي ولّاد 2 على انّها مرتبة، و يمكن الجمع

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 7، الباب 6 من أبواب الاعتكاف، الحديث 2 و 5، 1 و 6.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 440

[المسألة 10: إذا كان الاعتكاف واجباً، و كان في شهر رمضان، و أفسده بالجماع في النهار]

المسألة 10: إذا كان الاعتكاف واجباً، و كان في شهر رمضان، و أفسده بالجماع في النهار، فعليه كفّارتان إحداهما للاعتكاف، و الثانية للإفطار في نهار رمضان. و كذا إذا كان في صوم قضاء شهر

رمضان، و أفطر بالجماع بعد الزوال، فانّه يجب عليه كفّارة الاعتكاف، و كفّارة قضاء شهر رمضان. و إذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان، و أفسده بالجماع في النهار وجب عليه ثلاث كفارات، إحداها للاعتكاف و الثانية لخلف النذر و الثالثة للإفطار في شهر رمضان. و إذا جامع امرأته المعتكفة و هو معتكف في نهار رمضان، فالأحوط أربع كفّارات، و إن كان لا يبعد كفاية الثلاث:

إحداها لاعتكافه، و اثنتان للإفطار في شهر رمضان، إحداهما عن نفسه، و الأُخرى تحمّلًا عن امرأته. و لا دليل على تحمّل كفّارة الاعتكاف عنها. و لذا لو أكرهها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلّا كفّارته، و لا يتحمل عنها. هذا و لو

______________________________

بين الروايتين بحمل الترتيب على الاستحباب، كما يمكن القول بأنّ التشبيه في المقدار دون الكيفية، و الأوّل أقرب من الثاني، غير أنّ الشهرة الفتوائية على أنّها مخيّرة.

قال الشيخ في المبسوط: و الكفّارة في وطء المعتكف هي الكفّارة في إفطار يوم من شهر رمضان، سواء على الخلاف بين الطائفة في كونها مرتّبة أو مخيّرة فيها. «1»

و قال ابن زهرة في الغنية: و إذا أفطر المعتكف نهاراً أو جامع ليلًا انفسخ اعتكافه و وجب عليه استئنافه، و كفارة من أفطر يوماً من شهر رمضان. «2»

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 294.

(2) غنية النزوع: 2/ 147.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 441

كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار و كفّارة واحدة إن كان في الليل. (1)

______________________________

(1) أقول: هنا فروع نذكرها تباعاً:

الأوّل: إذا أفسد اعتكافه الواجب بالجماع في شهر رمضان، فإن كان في النهار فعليه كفّارتان إحداهما للاعتكاف و الثانية للإفطار في نهار رمضان، و إن كان في الليل فكفّارة

واحدة.

و يدلّ عليه رواية عبد الأعلى بن أعين، قال: سألت أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف ليلًا في شهر رمضان؟ قال: «عليه الكفّارة» قال: قلت: فإن وطأها نهاراً؟ قال: «عليه كفّارتان». «1»

و روي عن المرتضى أنّه أفتى بما ذكر في مطلق الاعتكاف الواجب سواء كان في شهر رمضان أو لا، قال: إذا جامع المعتكف نهاراً كان عليه كفّارتان و إذا جامع ليلًا كان عليه كفّارة واحدة، و لم يذكر له دليل.

نعم، قال الصدوق: روي أنّه إن جامع بالليل فعليه كفّارة واحدة، و إن جامع بالنهار، فعليه كفّارتان. «2»

و حمل العلّامة في التذكرة كلام السيد على شهر رمضان، فإنّ الجماع في غير شهر رمضان إنّما يوجب كفّارة واحدة ليلًا كان أو نهاراً من حيث الاعتكاف.

الثاني: إذا صام قضاء شهر رمضان معتكفاً و أفطر بالجماع بعد الزوال فإنّه يجب عليه كفّارتان، كفّارة الاعتكاف و كفّارة قضاء شهر رمضان، لأنّ كل واحد سبب مستقل في لزوم الكفّارة. لأنّ من أفطر صوم قضاء رمضان بعد الزوال فعليه الكفّارة و إن لم يكن معتكفاً.

______________________________

(1) الوسائل: 7، الباب 6 من كتاب الاعتكاف، الحديث 4.

(2) الوسائل: 7، الباب 6 من كتاب الاعتكاف، الحديث 3.

الصوم في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 442

..........

______________________________

الثالث: إذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النهار، وجب عليه ثلاث كفّارات: إحداها: للاعتكاف حيث أفسده، و الثاني: لخلف النذر حيث حنثه، و الثالث للإفطار في شهر رمضان.

الرابع: إذا جامع امرأته المعتكفة و هو معتكف في نهار رمضان، فلو قلنا بتحمّله كفّارتها فهنا احتمالان:

أ. عليه أربع كفّارات: اثنتان عن نفسه حيث أفسد اعتكافه و أفطر في شهر رمضان، و اثنتان عن

امرأته حيث أفسد صومها و اعتكافها.

و قد ورد النصّ في أنّ من أكره زوجته الصائمة على الجماع يتحمّل كفّارتها. «1»

ب. و يحتمل عليه كفّارات ثلاث، لأنّ التحمّل ورد في كفارة الصوم لا في كفّارة الاعتكاف، و لذا لو أكرهها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلّا كفّارته و لا يتحمّل عنها

الخامس: إذا كانت المعتكفة متابعة، فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار، و كفّارة واحدة إن كان في الليل لتعدّد السبب في النهار و وحدته ليلًا.

تمّ الكلام في كتاب الاعتكاف و وقع الفراغ من تأليفه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق للثامن من ذي الحجة الحرام من شهور عام 1420 ه من الهجرة النبوية

حرّره بيمناه الداثرة أقل خدمة العلم

جعفر ابن الفقيه التقي

الشيخ محمد حسين السبحاني التبريزي

قدّس اللّه سرّه و أفاض عليه

من شآبيب رحمته

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 7، الباب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.